ـ التأويل هو الإستيحـاء للمعنى من خلال التقاء المعاني في الأهداف.

ـ التأويل لا يعني المعنى الباطن للكلمة.

ـ ليس للقرآن بطون، بل أنزل ليفهمه الجميع بشكل طبيعي.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

قد جاء عن الأمام الباقر عليه السلام فيما رواه عنه الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول الله عزّ وجل في كتابه: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} قال: من حرق أو غرق، ثم سكت ، ثم قال: تأويلها الأعظم أن دعاها فاستجابت له .

ويمكن لنا من خلال الروايات فهم "التأويل" بمعناه الحقيقي لا الباطني كما يحاول البعض تفسيره فالقرآن قد أنزل على طريقة العرب في التعبير، ليفهمه الجميع بشكل طبيعي.. من دون أن يكون فيه أي إشارات رمزية.. في ما تعارف عليه الأسلوب الرمزي الذي يحمّل الكلمة غير معناها، ويجري بها في غير مجالها من دون أساس للاستعارة والكناية والمجاز.. لذا فإن التأويل ليس إلا عملية الإستيحاء للمعنى من خلال التقاء المعاني ببعضها البعض في الأهداف التي يستهدفها القرآن في القضايا التي يثيرها أمام الناس، والمفاهيم التي يريد أن يوحيها اليهم.. كما في هذه الآية التي تحدثت عن الحياة والموت، وعن الناس الذين يعتدون على الحياة، وعن الناس الذين ينقذونها.

.. فقد يستوحي منها الإنسان الفكرة فيمن ينقلون الناس من الضلال إلى الهدى، أو بالعكس، أو فيمن ينقلونه من الجهل إلى العلم أو بالعكس، وذلك لأن الله قد أشار إلى ذلك في قوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}، كما عبر عن الذين يعيشون الضلال في واقعهم بالموتى في قوله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولّوا مدبرين}، وهكذا يمكن لعملية الإستيحاء هذه أن تأخذ من الحياة والموت كل الأجواء التي تشارك هذين المعنيين في تحويل الإنسان من حالة الجمود إلى حالة اليقظة والحركة على مستوى الفكر والعمل والحياة" [من وحي القرآن ج8ص144-145ط2]

وقد قال في موضع أخر عن هذه الرواية المروية عن الأمام الباقر عليه السلام:

"فالإمام في ذلك يستوحي الحياة المعنوية من الحياة المادية" [ للإنسان والحياة ص307-310]

ونقول:

ولنا هنا مع ما ذكره السيد فضل الله كلام كثير، لكن بما أن المقام ليس مقام تحقيق وتفصيل، فإننا سوف نقتصر على الإلماح إلى ثلاث نقاط، آثرنا الوقوف عندها، وهي التالية:

1 ـ إن هذا الرجل قد حاول أن ينكر بطون القرآن ـ واعتبرها من المحاولات التفسيرية لبعضهم ـ وقد برهن على مدّعاه هذا بمقولة أن القرآن قد أنزل على طريقة العرب في التعبير، ليفهمه الجميع بشكل طبيعي، من دون أن يكون فيه أي إشارات رمزية الخ..

2 ـ قوله:

"بل التأويل يمثل عملية الإستيحاء للمعنى من خلال التقاء المعاني ببعضها في الأهداف التي يستهدفها القرآن، في القضايا التي يثيرها أمام الناس، والمفاهيم التي يريد أن يوحيها إليهم."

3 ـ ثم إنه قد ذكر في مناسبات عديدة أن الأئمة عليهم السلام كانوا يستوحون القرآن، وعقّب على ذلك في بعض الموارد بقوله:

"أعتقد أننا يجب أن نستوحي القرآن كما كان الأئمة يستوحونه"  [ للإنسان والحياة ص307-310]

ونحن نرى ذلك كله إخلالاً في جهات هامة، حبذا لو سنحت الفرصة لنا للتوسع في الحديث عنها وفيها، لاسيما بعد أن عرفنا أنه يقصد بالإستيحاء: "الإجتهاد"، غير أن علينا أن نتوقف قليلاً أمام تبسيطه القضايا إلى حد يجعل من فهم القرآن أمراً طبيعياً حيث يقول: فإنه قد نزل على طريقة العرب في التعبير، ليفهمه الجميع بشكل طبيعي.. إذ إن الأمر ليس بهذه البساطة التي يدعيها، لأنا نبقى جميعاً وبلا استثناء بحاجة إلى النبي (ص)، وإلى الأمام (ع) ليفسر لنا القرآن ويبقى أكثر الناس بحاجة إلى العلماء ليفسروا لهم ما يمكنهم تفسيره. كما أن في القرآن آيات لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم، الذين هم الأنبياء والأوصياء، فليس التأويل الذي يعلمه الأمام مجرد عملية استيحاء للمعنى، بل هو علم من ذي علم، على حد تعبيرهم عليهم السلام.

بطون القرآن و الإستيحاء والتأويل:

وعن "أن للقرآن بطوناً" نقول:

قد صرّحت الروايات المتواترة بذلك، فلا معنى لإنكار ذلك. ولا صحة لما يحاوله السيد فضل الله من تفسيره لبطون القرآن بالإستيحاءات، بل هي حقائق ثابتة أخبر المعصوم عنها، وليست مجرد استيحاءات.

ومهما يكن من أمر فإننا نشير هنا إلى بعض ما يرتبط بالتأويل، ثم إلى بطون القرآن لنؤكد على حقيقة أننا بحاجة إلى المعصوم، ليعلّمنا التأويل، وليكشف لنا عن غوامضه وبطونه، ويفسره لنا، لأنه لا يتظنّى تأويله، بل يتيقّن حقائقه كما في الرواية عنهم (ع).

أما ما يستوحيه غيرهم فهو من التظني، وربما يصل إلى حد الحدس والتخمين، بل و التخرص و الرجم بالغيب.

تأويل القرآن:

قد يطلق التأويل على التفسير وبيان الوجه الخفي لما ظهر من فعل أو نحوه، وذلك كما في قول العبد الصالح لموسى {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} وفيما عدا ذلك فإن المتأمل في آيات القرآن يجد أنه أطلق وأريد منه معنيان:

أحدهما: تحقّق مصداق ما تحدّث عنه، وظهور حقيقته في المستقبل، كما في قوله تعالى:

{ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون. هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل: قد جاءت رسل ربنا بالحق، فهل لنا من شفعاء؟}  سورة الأعراف آية 52و53

وقوله تعالى:

{بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، ولما يأتهم تأويله}  سورة يونس آية 39

وقال تعالى حكاية عن يوسف:

{لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله}  سورة يوسف آية  37

الثاني: رجوع المتشابه إلى المحكم من آيات القرآن، كما جاء في قوله تعالى:

{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذّكّر إلا أولوا الألباب}  سورة آل عمران آية 7

فظهر مما تقدم:

1 ـ أن التأويل يحتاج إلى تعليم إلهي ولا يصح فيه التخرص والتخمين والتظنّي، فقد قال تعالى بالنسبة ليوسف:

{وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث، ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب}  سورة يوسف آية 6

وقال تعالى:

{ربِّ قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث، فاطر السموات والأرض، أنت وليّي في الدنيا والآخرة  سورة يوسف آية 101

وقال سبحانه:

{وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته، أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا، وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض، ولنعلمه من تأويل الأحاديث، والله غالب على أمره}  سورة يوسف آية 21

2 ـ إن آية سورة آل عمران المتقدمة {لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} تفيد أن العلم بتأويل آيات القرآن مقصور عليه سبحانه وتعالى، وعلى الراسخين في العلم، باعتبار أن الواو عاطفة، كما ظهر من الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في تفسير الآية، فعن أبي عبد الله عليه السلام: نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله الكافي ج 1 ص213 وتفسير البرهان ج1 ص 270و272 عنه وعن تفسير العياشي ج1 ص164

وعن الباقر أو الصادق عليهما السلام في تفسير الآية: فرسول الله أفضل الراسخين في العلم، قد علّمه الله عز وجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله، والأوصياء من بعده يعلمونه كله الخ.. الكافي ج 1 ص 213 والبرهان في تفسير القرآن ج 1ص 270 و271 وتفسير القمي ج 1 ص 96و97 وعن العياشي ج 1ص 164

وعن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (ع): {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم}: نحن نَعلَمُهُ تفسير العياشي ج1 ص 164 والبرهان في تفسير القرآن ج 1 ص 271

وثمة روايات أخرى تدل على ذلك فلتراجع في مظانها.

3 ـ وعن الأمام الحسن عليه السلام، في خطبة له بعد البيعة له ذكر فيها أنهم أحد الثقلين: التالي كتاب الله فيه تفصيل كل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالمعوَّل علينا في تفسيره، لا نتظنى تأويله، بل نتيقن حقائقه، فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة الخ.. بحار الأنوار ج 43 ص 359عن الأمالي للشيخ المفيد. وعن الأمالي للشيخ الطوسي ص 120 ط مؤسسة البعثة ـ دار الثقافة

وما ذلك إلا لأن القرآن ـ كما قال رسول الله (ص) ـ لا تحصى عجائبه، ولا يشبع منه علماؤه.ولعمري بعد قول الأمام (ع):" لا تنتظنّى تأويله، بل نتيقن حقائقه "، كيف يدّعي البعض لنفسه تأويل واستيحاء القرآن كالإمام (ع) !؟.

بطون القرآن:

أما بالنسبة لبطون القرآن فنقول:

لقد ثبت وجود بطون للقرآن بالنصوص الكثيرة الواردة من طرق الشيعة وغيرهم، ونذكر منها ما يلي:

في خطبة مروية عن النبي صلى الله عليه واله وسلم يقول: له ظهر وبطن، فظاهره حكم، وباطنه علم، لا تحصى عجائبه، ولا يشبع منه علماؤه كنز العمال ج2 ص 186، وليراجع ج1 ص 337، وحياة الصحابة ج3 ص 456 عنه وعن العسكري، وراجع: نور القبس ص 268/269

وعنه صلى الله عليه واله وسلم:

ما في كتاب الله آية إلا ولها ظهر وبطن، ولكل حد مطلع الزهد والرقائق، قسم ما رواه نعيم بن حماد ص23 وفي الهامش عن المشكاة ص 27، وراجع الإتقان ج2 184 و 128، والموافقات للشاطبي ج 3ص 382 وفي الهامش عن روح المعاني وعن المصابيح، وراجع غرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج 1 ص 23 و21 ولباب التأويل للخازن ج 1 ص 10 والفائق ج 2 ص 381 وراجع التراتيب الإدارية ج 2 ص 176

قال ابن المبارك: سمعت غير واحد في هذا الحديث:

ما في كتاب الله آية إلا ولها ظهر وبطن، يقول: لها تفسير ظاهر، وتفسير خفي، ولكل حد مطلع، يقول: يطلع عليه قوم يستعملونه على تلك المعاني، ثم يذهب ذلك القرن، فيجيء قرن آخر، فيطلعون منه على معنى أخر، فيذهب عليه ما كان قبلهم، فلا يزال الناس على ذلك إلى يوم القيامة الزهد والرقائق، قسم ما رواه نعيم بن حماد ص23

وعن ابن عباس قال:

إن القرآن ذو شجون، وفنون، وبطون، ومحكم ومتشابه، وظهر وبطن، فظهره التلاوة، وبطنه التأويل الإتقان ج2 ص 185 عن ابن أبي حاتم

وعن الحسن البصري:

ما أنزل الله عز وجل آية إلا ولها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع كنز العمال ج1 ص 488 عن أبي عبيد في فضائله وعن أبي نصر السجزي في الإبانة

وعن ابن مسعود:

إن القرآن نزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن.

وأوضح من ذلك في الدلالة على ما ذكرناه، ما نقل عن أبي الدرداء: "لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً كثيرة" المصنف للصنعاني ج11 ص 255، والإتقان ج 2 ص 185 عن ابن سبع في شفاء الصدور، وحلية الأولياء ج1 ص 211 والطبقات الكبرى ج 2 قس 2 ص 114 والغدير ج3 ص 99 وج 2 ص 45 عن أبي نعيم وعن مفتاح السعادة ج1 ص100

وقال علي (عليه السلام) لابن عباس، حينما أرسله لِحجاج الخوارج: "القرآن حمال ذو وجوه" نهج البلاغة ج 2 ص150بشرح عبده قسم الكتب والوصايا رقم 77

وليراجع ما روي عن الأمام أبي جعفر (عليه السلام) حول أن للقرآن ظهراً وبطناً في كتب الأمامية أعزهم الله تعالى مثل المحاسن البرقي ص270 والبحار ج92 ص 78 ـ 106 وتفسير العياشي ج 1ص 11 وتفسير البرهان ج 1 ص 19 ـ 21 وتفسير الصافي ج1 ص 29و 31. ومعاني الأخبار ص 259 والغدير ج7 ص 108 عن ابن مسعود وميزان الحكمة ج1 ص 95

بل قال بعضهم: إن الأخبار تدل على أن "للقرآن بطوناً سبعة أو سبعين" كفاية الأصول آخر مبحث (استعمال اللفظ في أكثر معنى) ووسائل الشيعة للكاظمي ص13

وقد ألفوا كتباً فيما تضمنه القرآن، من علم الباطن التراتيب الإدارية ج 2 ص179

ومما يدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به} سورة آل عمران، آية 7

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) حول القرآن:

"فيه علم ما مضى، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون" البحار ج92 ص 82 عن تفسير القمي ج1 ص4

وعنهم عليهم السلام:

"ظاهره أنيق، وباطنه عميق".

وعنهم عليهم السلام:

"ظاهره حكم، وباطنه علم" أصول الكافي ج 2 ص 438

وما يشير إلى هذا المعنى كثير جداً لا مجال لاستقصائه، ولعلّ إلى جميع ذلك يشير ما ورد عن الأمام الصادق عليه السلام، وعن الأمام الحسين عليه السلام: كتاب الله على أربعة أشياء، على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق؛ فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء البحار ج92 ص103 و20 وج 78 ص 278 عن كتاب الأربعين، وعن الدرة الباهرة، وجامع الأخبار ص 48/49

أهل البيت عليهم السلام يعلمون بطون القرآن:

وقد دلت الأحاديث السابقة على أن علياً عليه السلام و هو نفس النبي (ص) وأبناءه الأئمة الهداة عليهم السلام يعرفون حقائق القرآن ولطائفه، وبطونه، وهم الواقفون على أسراره ؛ السابرون لأغواره، الخائضون لغماره، والمستخرجون للكنوز من أعماق بحاره.

ومما يدل على وجود البطون، وعلى أن الأئمة عارفون بها، واقفون عليها ما روي عن علي عليه السلام: لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في تفسير فاتحة الكتاب التراتيب الإدارية ج2 ص 183 وبحار الأنوار ج 89 ص 103 و93 عن أسرار الصلاة، ومناقب آل أبى طالب ج 2 ص 53 وتفسير البرهان ج1 ص 3 وينابيع المودة ص 65 وجامع الأخبار والآثار للأبطحي ج2 ص48 وإحقاق الحق (الملحقات ج7 ص 594 كلاهما عن: أسرار الصلاة ص 138 وعن شرح ديوان أمير المؤمنين ص 15 مخطوط، وشرح عين العلم وزين الحلم ص 91 والروض الأزهر ص33 وجالية الكدر ص40 وتاريخ آل محمد ص150

وعنه عليه السلام: لو شئت لأوقرت بعيراً من تفسير: بسم الله الرحمن الرحيم إحقاق الحق (الملحقات ج 7ص 595 عن ابن طلحة في مطالب السؤل ص26، وراجع: كشف الغمة ج1ص130 والتفسير الكبير للرازي ج1 ص 106 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص 231 و316

وفي حديث آخر عنه: لو شئت لأوقرت أربعين بعيراً من شرح بسم الله بحار الأنوار ج 40 ص 186 عن مشارق أنوار اليقين

وعن الغزالي عنه عليه السلام أنه لو أذن له الله ورسوله لشرح معاني ألف الفاتحة حتى يبلغ أربعين وقراً أو جملاً [بحار الأنوار ج 89 ص 104]

وفي نص ثالث عنه عليه السلام: لو شئت لأوقرت ثمانين بعيراً من معنى الباء مستدرك سفينة البحار ج1 ص 231 وإحقاق الحق ج7 ص595 عن الشعراني في لطائف المنن ج1 ص171 وراجع: جامع الأخبار والآثار للأبطحي ج2 ص48

وعن ابن عباس قال: يشرح لنا علي عليه السلام نقطة الباء من بسم الله الرحمن الرحيم ليلة ؛ فانفلق عمود الصبح، وهو بعد لم يفرغ  مستدرك سفينة البحار ج1ص231

و نقول:

1 ـ إنه قد لا يكون ثمة منافاة بين حمل البعير الواحد، والأربعين والثمانين بعيراً؛ إذا كان عليه السلام قد قال ذلك في مناسبات مختلفة، واقتضت كل مناسبة منها أن يشير إلى مستوى معين من المعاني والمعارف، فإن ذكر الأقل لا ينافي ذكر الأكثر ولا يناقضه، فهو لو شاء لأوقر بعيراً، ولو شاء لأوقر أكثر من ذلك إلى الأربعين، بل لو شاء لأوقر ثمانين بعيراً أيضاً.

2 ـ إن سعة علم علي عليه السلام وغزارته مما لا يختلف فيه اثنان؛ كيف وهو باب مدينة علم النبي (ص)، وقد علمه رسول الله (ص) ألف باب من العلم، يفتح له من كل باب ألف باب. وقد أثبت عليه السلام عملياً ما يقرّب إلى الأذهان معقولية تلك الأقوال والنقول و واقعيتها.

3 ـ إنه عليه السلام بقوله هذا يريد أن يفتح الآفاق الرحبة أمام فكر الإنسان لينطلق فيها، ويكتشف أسرار الكون، والحياة، ويتعامل معها من موقع العلم والمعرفة، وليقود مسيرة الحياة من موقع الطموح، والهيمنة الواعية والمسؤولة.

4 ـ إن هذه الأرقام ليست خيالية بالنسبة لسورة الفاتحة، التي هي أم القرآن، وهي السبع المثاني التي جعلت عِدْلاً للقرآن العظيم في قوله تعالى {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم} سورة الحجر آية 87] كما روي [تفسير البرهان ج1 ص40و41و42 وغرائب القرآن (بهامش جامع البيان ) ج1 ص28وتفسير العياشي ج1 ص 21

كما أن ذلك ليس بعيداً عن بسم الله الرحمن الرحيم، أعظم آية في كتاب الله العزيز، كما روي عن الإمامين الصادق، وأبي الحسن الكاظم عليهما السلام راجع البحار ج82 ص 21 و ج89 ص 238 عن العياشي ج1 ص 22 و21 ومجمع البيان ج1 ص 19. وتفسير البرهان ج1 ص 42 والتفسير الكبير ج1 ص 204 ومستدرك الوسائل ج4 ص166و167 وجامع الأخبار والآثار ج2ص62 و61 و63 عن من تقدم وعن مواهب الرحمن ص 21

أما بالنسبة لحديث نقطة الباء فلا ندري مدى صحته، بعد أن كان المؤرخون يذكرون أن تنقيط الحروف قد تأخر عن عهد علي عليه السلام بعدة عقود من الزمن. إلا أن يكون ثمة نقط لبعض الحروف في أول الأمر، ثم استوفي النقط لسائرها بعد ذلك.

مناوئوا علي عليه السلام وحساده:

وحين رأى حساد علي عليه السلام، ومناوئوه المتسترون: أن علياً عليه السلام قد ذهب بها فخراً ومجداً وسؤدداً في جميع المواقع، وفي مختلف الجهات، انبروا ليدَّعوا لأنفسهم ما هو أعظم من علي (ع)، ومن علم علي (ع)، رغم أن كل أحد يعرف مبلغهم من العلم، ويعرف نوع ومستوى ما يتداولونه من أمور عادية مبتذلة، أطلقوا عليها اسم العلم، وهي أبعد ما تكون عنه، وذلك بسبب ما فيها من شوائب وأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان؛ فلنقرأ ما يقوله هؤلاء عن أنفسهم في انتفاخات وادعاءات استعراضية خاوية.

فقد ادعى أعظم مفسريهم الفخر الرازي: أنه يمكن أن يستنبط من فوائد سورة الفاتحة عشرة آلاف مسألة التفسير الكبير ج1 ص5 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 183 عنه

كما يدعون: أن أبا بكر ابن العربي قد استنبط من القرآن بضعاً وسبعين ألف علم [التراتيب الإدارية ج2 ص 183]

أما البكري، فقد تكلم على بعض علوم البسملة في سنين بكرة كل يوم في الأشهر الثلاثة منه، وقال في بعض مجالسه: لو أردت التكلم على ذلك العمر كله لم يفِ، أو كما قال التراتيب الإدارية ج2 ص 183

بل إن البكري قد تكلم في نقطة البسملة في ألفي مجلس ومائتي مجلس.

ونقول:

حدث العاقل بما لا يليق له، فإن لاق له فلا عقل له، ونحن لا ندري كيف لم تظهر فرق ومذاهب من الغلاة في البكري يقدسونه، بـل ويؤلهونه، كما غـلا بعض الناس في علي عليه السلام حتى ألّهُوه؟!!

ولا ندري أيضاً كيف ضاعت تلك العلوم التي نشرها البكري في محاضراته تلك؟!

وكيف لم يحفظها تلاميذه ولم ينشروها في سائر الأقطار والأمصار، ليستفيد منها الناس، في أمور معاشهم ومعادهم؟!!

وليت الناس قد نقلوا لنا ولو أسماء وهمية للعلوم التي استنبطها أبو بكر ابن العربي من القرآن ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍‍‍!! وتلك هي مؤلفات هذا الرجل متداولة بين الناس، ولا نجد فيها أي رائحة لهذه العلوم، بل لا نجد فيها أي تميز لها عما سواها من مؤلفات أقرانه، ومن هم على شاكلته، إن لم نقل: إن في الآخرين من هو أكثر براعة منه، وأدق نظراً.

ومهما يكن من أمر، فإن هذه الأكاذيب والأباطيل لن تستطيع أن تنال من المقام الشامخ والباذخ لعلي عليه السلام، ونقول هنا نفس ما قالته الحوراء زينب عليها السلام ليزيد لعنه الله:

(فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، وهل رأيك إلا فند وجمعك إلا بدد، وأيامك إلا عدد)؟!!

فصلوات الله وسلامه عليها، وعلى جدها النبي الأعظم، وأمها الزهراء وعلى أبيها أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وقائد الغرِّ المحجلين إلى جنات النعيم، ورحمة الله وبركاته.

خلاصة وبيان:

وبعد ما تقدم كله نقول:

لماذا ينسب القول بأن للقرآن بطناً وظهراً إلى الشيعة فقط؟!!

ولماذا أيضاً يشنعون على الشيعة إذا تفوهوا بهذا الأمر، أو كتبوه، إذا كانت الروايات الدالة عليه موجودة عند غيرهم، كما هي موجودة عندهم؟!

وإذا كان معنى الظهر والبطن هو أن يكون ذلك المعنى الذي يزاح عنه الستار مما يمكن للفظ أن يتحمله، و للمتكلم أن يقصده ليكون بالنسبة للسيد محمد حسين فضل الله بمنزلة البطن لهذا المعنى المكشوف؛ فأي محذور عقلي أو شرعي يحصل من الالتزام بهذا؟!!

فليكن ـ و الحال هذه ـ للقرآن بطون سبعة بل سبعون، أو أكثر، يكتشفها هذا الإنسان كلما ترقى في مدارج العلم والمعرفة، أو يكشفها له الأئمة الأطهار (ع) الراسخون في العلم و السابقون في العمل، الذين أشار إليهم ـ كما تقدم ـ القرآن الكـريم ـ صلوات الله و سلامه عليهم. 

 

العودة