ـ الزهراء، أول مؤلفة في الإسلام.

ـ التسمية بمصحف فاطمة تدل على تأليفها وكتابتها له.

ـ في مصحف فاطمة أحكام شرعية.

ـ كتاب فاطمة هو مصحف فاطمة.

ـ الأحاديث حول مصحف فاطمة متعارضة.

 

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

"نستطيع القول: إن الزهراء عليها السلام هي أول كاتبة في الإسلام من الرجال والنساء، وأول من كتب حديث رسول الله (ص)، بمسمع ومرأى منه" [ الزهراء القدوة ص188]

وقال:

"إنها كانت تكتب العلم عن أبيها رسول الله (ص)، حتى إنها كانت أول مؤلفة في الإسلام"[ الزهراء القدوة ص322]

وقال:

"قد يقال: إن الزهراء ـ عليها السلام ـ هي أول مؤلفة في الإسلام، إذ قد دلت الروايات على أنه قد كان لها مصحف، عرف باسم (مصحف فاطمة)، فإن هذه التسمية تدل على ما ذكرناه، لأننا إذا قلنا: (مصحف الزهراء) فذلك يعني أن لها دورا في تأليف وكتابة هذا المصحف".

وفي نص آخر:

"إن نسبة الكتاب إلى فاطمة (ع) يدل على أنها صاحبة الكتاب، كما أن نسبة الكتاب إلى علي (ع) في ما ورد عن الأئمة (ع) عن كتاب علي يتبادر فيه (منه ظ)أن صاحبه علي (ع).

ومما يتقدم يتضح: انه لا مانع من القول: إنها أول مؤلفة في الإسلام، كما أن عليا أول مؤلف في الإسلام"[ الزهراء القدوة ص195]

ثم إن السيد فضل الله قد ادعى:

"إن الأحاديث حول مصحف فاطمة (عليها السلام) متعارضة..؟ لأن بعضها يذكر أنه من إملاء رسول الله وكتابة علي (عليه السلام) راجع بصائر الدرجات: ص 153 و 155 و 161، والبحار: ج46 ص41 و 42 و47و48و49و271 والبعض الآخر يذكر أنه كان ملك يأتيها يعد وفاة أبيها يحدثها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فكان مصحف فاطمة" الكافي: ج1 ص41 و 240 و457و458. بصائر الدرجات: ص157 و153و159. والخرائج والجرائح: ج2 ص526. وبحار الأنوار:ج26 ص41 و240 وج43ص79و80 وج22 ص545و546، وراجع: ج47 ص65.. الخ

ويزعم السيد فضل الله:

"أن مصحف فاطمة يحوي أحكاماً شرعية"

وهو يستند في ذلك إلى رواية الحسن بن العلاء ، عن الصادق (عليه السلام) التي تقول:

وعندي الجفر الأبيض، قال: قلت: فأي شيء فيه؟! قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم (عليهم السلام)، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة، وربع الجلدة وأرش الخدش) الكافي: ج1 ص240، والبحار ج26 ص37، وبصائر الدرجات ص150

ويقول:

"بعدما عرفت أن المصحف المذكور ليس قرآنا، يقع تساؤل جديد عن مضمونه ومحتواه، فهل هو مشتمل على بعض المغيبات التي كان يحدثها بها الملك، ويكتبها علي (ع)؟ أو هو مشتمل على وصيتها مع بعض الأحكام الشرعية، وربما المواعظ والتعاليم الإسلامية؟

هناك اختلاف في الروايات المتعلقة بذلك:

1 ـ فهناك رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع)، أنه لما نظر في مصحف فاطمة (ع) قال: " وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السلام) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل إليها ملكا يسلي غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين، فقال لها: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي، فأعلمته ذلك، وجعل أمير المؤمنين يكتب كل ما سمع، حتى أثبت من ذلك مصحفا، قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون" البحار: ج22، باب: 2، ص: 545، رواية:63

ويمكن المناقشة في المتن بالقول: إن المفروض في الملك أنه جاء يحدثها، ويسلي غمها ليدخل عليها السرور، فكيف تشكو ذلك إلى أمير المؤمنين (ع)؟!

ما يدل على أنها كانت متضايقة من ذلك، كما أن الظاهر منه أن الإمام (ع) كان لا يعلم به، وأن المسألة كانت سماع صوت الملك لا رؤيته.

2 ـ وفي رواية أبي عبيدة: (.. وكان جبريل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعد في ذريتها، وكان علي يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة) الكافي: ج1 ص241، والبحار ج26 باب 26 ص41 رواية 72

ولا مانع أن ينزل عليها الملك جبرائيل، ولكن الحديث ظاهر في اختصاص العلم الذي يعلمها إياه مما يكون في ذريتها فقط.. بينما الرواية الأخرى تتحدث عن الأعم من ذلك، حتى إنها تتحدث عن ظهور الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وهو مما قرأه الإمام علي (ع) في مصحف فاطمة.

3 ـ وهناك رواية الحسين بن أبي العلاء، عن الإمام الصادق (ع)، وجاء فيها: (.. مصحف فاطمة (ع)، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة، وربع الجلدة وأرش الخدش) البحار: ج26، باب 1، ص37، رواية:68

والظاهر من هذه الرواية أن المصحف يشتمل على الحلال والحرام.

4 ـ وقد ورد في حديث حبيب الخثعمي أنه قال: كتب أبو جعفر المنصور إلى محمد بن خالد، وكان عامله على المدينة، أن يسأل أهل المدينة عن الخمسة في الزكاة من المائتين كيف صارت وزن سبعة، ولم يكن هذا على عهد رسول الله (ص) وأمره أن يسأل عبدالله بن الحسن، وجعفر بن مـحمد (ع)، فسأل عبدالله بن الحسن، فقال كما قال المستفتون من أهل المدينة، قال: فقال: ما تقول يا أبا عبدالله؟ فقال: إن رسول الله (ص) جعل في كل أربعين أوقية، فإذا حسبت ذلك كان على وزن سبعة، وقد كانت وزن ستة، وكانت الدراهم خمسة دوانيق.

قال حبيب: فحسبناها فوجدناها كما قال، فأقبل عليه عبد الله بن الحسن فقال: من أين أخذت هذا؟ قال: قرأت في كتاب أمك فاطمة (عليها السلام)، قال ثم انصرف، فبعث إليه محمد بن خالد ابعث إلي بكتاب فاطمة (عليها السلام)، فأرسل إليه أبو عبد الله (عليه السلام): إني إنما أخبرك أنه عندي، قال حبيب فجعل محمد بن خالد يقول لي: ما رأيت مثل هذا قط الكافي: ج3، ص507، رواية: 2

وظاهر هذا الحديث أيضاً: أن كتاب فاطمة، وهو مصحف فاطمة[وقد استظهر وحدة كتاب فاطمة مع مصحفها العلامة السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة،ج1،ص 97 ، يشتمل على الحلال والحرام.

5 ـ وهناك رواية أخرى في الكافي عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) أنه قال ـ في حديث ـ: وليخرجوا مصحف فاطمة فإن فيه وصية فاطمة (عليها السلام) الكافي: ج 1 ص 241، رواية 4

6 ـ وهكذا نجد أن بعض الروايات تقول: إنه بخط علي(ع) عما يحدثه الملك للزهراء(ع)  البحار: ج 6 ص41 و 44

7 ـ وهناك رواية تدل على أن المصحف من إملاء رسول الله (ص) وكتابة علي (ع) [لبحار: ج26، ص 41. رواية 73

ولكن الروايات الأخرى لا تدل على ذلك، وهي المشتملة على الحلال والحرام ووصية فاطمة، فلا بد من الترجيح بينها، أما رواية حماد بن عثمان فهي ضعيفة بعمر بن عبد العزيز أبى حفص المعروف بزحل، يقول الفضل بن شاذان: زحل يروي المناكير، وليس بغال. وعن النجاشي: مخلط، وعن الخلاصة: عربي مصري مخلط مجمع الرجال: ج4، ص 262

وأما رواية أبي عبيدة، والظاهر أنه المدائني، فهي ضعيفة، لأنه لم يوثق، ولكن رواية الحسين بن أبي العلاء صحيحة، وقد دلت على اشتماله على الحلال والحرام، وأما رواية حبيب الخثعمي، ورواية سليمان بن خالد فهما ضعيفتان على الظاهر، لكنهما تصلحان لتأييد خبر الحسين بن أبي العلاء، لا سيما أن مبنانا في حجية الخبر هو حجية الخبر الموثوق به نوعا، وقد يكفي في الوثوق عدم وجود ما يدعو إلى الكذب فيه.

ولذا فالأرجح أنه كتاب يشتمل على الحلال والحرام، وإن كان بالإمكان أن يقال بأنه لا تعارض بين الروايات، فنلتزم أن المصحف يشتمل على الأحكام وعلى الأخبار التي كان يحدثها بها الملك، وعلى وصيتها، إذ لا مانع من نزول ملك عليها، ويظهر من العلامة المجلسي إقراره باشتمال المصحف على الأحكام، وعلى ضوء هذا، فإن نسبة الكتاب إلى فاطمة (ع) يدل على أنها صاحبة الكتاب، كما أن نسبة الكتاب إلى علي (ع) في ما ورد من الأئمة (ع) عن كتاب علي (ع) يتبادر منه أن صاحبه علي (ع)، ومما تقدم يتضح أنه لا مانع من القول إنها أول مؤلفة في الإسلام، كما أن عليا أول مؤلف في الإسلام.

وعلى أية حال، فإن الكتاب ليس موجودا بأيدينا، وإنما هو موجود عند الإمام الحجة (عج)، ولذلك فإن الجدل في ما يحويه ويشتمل عليه ليس له أية ثمرة عملية [الزهراء القدوة ص191-195]

ونقول:

 

1 ـ إن القول:

(بأن الزهراء ـ عليها السلام ـ كانت تكتب ما تسمعه من رسول الله (ص))،

أو القول:

(بأنها عليها السلام أول مؤلفة في الإسلام..)

أو القول بأنها:

(أول كاتبة من النساء والرجال..)

أو القول:

(إن التسمية بمصحف فاطمة تدل على أن لها دورا في تأليفه..)

إن كل ذلك ينتهي إلى نتيجة واحدة، وهي التشكيك في أن يكون هذا المصحف بخط علي مما كان الملك يحدث به الزهراء، بعد وفاة أبيها، أو أنه على قسمين:

قسم بإملاء رسول الله (ص) وخط علي (عليه السلام).

وقسم آخر بإملاء الملك وخط علي (عليه السلام)..

فلا تكون هاتان الروايتان متعارضتين، كما يقوله السيد فضل الله.

2 ـ إن قوله:

"إن مصحف فاطمة هو نفس كتاب فاطمة الوارد في رواية حبيب الخثعمي"

ليس له شاهدٌ يؤيده بل هو محض ادعاء، يؤدي إلى تكثير روايات المصحف التي يسعى البعض إلى تكثيرها لكي تظهر عليها بوادر التعارض، وهو ما يضعف أمر مصحف فاطمة من الأساس.. وإن كان سيأتي أنها محاولة فاشلة أيضاً.

3 ـ إن رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله، والتي تقول: (أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام..) بحار الانوار: ج22 ص545

لا تعارض رواية الحسين بن أبي العلاء عن الإمام الصادق أيضاً، وفيها: (.. وعندي الجفر الأبيض، قال: قلت: فأي شيء فيه؟! قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم ـ عليهم السلام ـ، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة وأرش الخدش).

نعم ـ إن الروايتين غير متعارضتين، فإن الضمير في كلمة (وفيه ما يحتاج الناس إلينا) يرجع إلى كلمة (الجفر الأبيض)، ولا يرجع إلى مصحف فاطمة. إذ لو كان راجعاً إلى مصحف فاطمة (عليها السلام) لم يكن لعطفه بالواو أي مبرر.. بل كان ينبغي الإضراب فيه بكلمة بل.

فيقال: ما أزعم أن فيه قرآنا، بل فيه ما يحتاج الناس إلينا الخ..

لكن السيد فضل الله تخيل: أنه من متعلقات مصحف فاطمة (عليها السلام)، فحكم بتعارض الروايتين، وهو كما ترى.

4 ـ إنه لا معنى للتشكيك بمحتوى مصحف فاطمة (عليها السلام)، فإن محتواه معلوم، وهو وصيتها، وعلم ما يكون.. فمن أين جاء الحديث عن اشتماله على المواعظ والتعاليم الإسلامية؟! وأين هي الرواية التي أشارت إلى ذلك؟! وهل هي من الأدلة القطعية حسبما اشترطه السيد محمد حسين فضل الله نفسه؟!..

5 ـ إن من الواضح: أن تسلية غمها برسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما هو بالحديث عما يكون في المستقبل، وذلك معناه أن تسمع منه ما يجري على ذريتها من الطواغيت، ومن الطبيعي أن تهتم وتغتم بذلك. وإن كان ذلك يسليها عن مصابها برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وليس في هذا الأمر أي محذور، فإنه ضريبة المعرفة بهذا الأمر الخطير الذي أكرمها الله تعالى به.

6 ـ وعن شكواها لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فهي إنما شكت له ما عرفته من مصائب وبلايا تجري على الأمة عامة، وعلى ذريتها خاصة، وهي شكوى طبيعية، تنشأ عن أنها تهتم لأمور المسلمين.

7 ـ وأما أن ذلك يدل على أن المسألة كانت سماعه صوت الملك لا رؤيته.. فما هو الضير في ذلك، فإن المهم هو أن الملك هو الذي يحدثها، ويسليها، ولعل ذلك كان في الأكثر حين غياب أمير المؤمنين، أو حين انشغاله.

8 ـ أما بالنسبة لرواية أبي عبيدة فلا دلالة لها على حصر العلم بما يكون في ذريتها فقط.. بل غاية ما فيها: أنها أشارت إلى أمر اهتمت له سيدة النساء صلوات الله وسلامه عليها، وهو ما يجري على ذريتها، وأشارت الرواية الأخرى إلى علوم أخرى تضمنها المصحف.

والقاعدة تقول: إنه لا تعارض بين المثبتات، ما دام لم يدل دليل على أنها في مقام التحديد، أي إثبات مضمونها، ونفي ما عداه، وليست رواية أبي عبيدة في هذا السياق. ولا أقل من الشك في ذلك.

9 ـ وأما بالنسبة لتعارض أحاديث مصحف فاطمة (عليها السلام)، فإننا لم نستطع أن نتحقق منه، فإن ما ذكره لا يصلح أن يكون من موارد التعارض..

فإن مجرد أن تقول رواية: إنه من إملاء رسول الله (ص)، وخط علي (عليه السلام)، ثم تقول رواية إن الملك بعد وفاة أبيها حدثها فكتب علي (عليه السلام) ذلك أيضاً...

إن مجرد ذلك لا يحقق التكاذب بين الروايات، إذ يمكن أن تكون الروايتان معا صحيحتين، فيكون بعض المصحف من إملاء النبي، وبعضه من إملاء الملك.

أما عن الحديث حول ما يشتمل عليه المصحف فقد عرفت أن منشأ الحكم بالتعارض هو الخطأ في إرجاع الضمير..

وحتى لو صح الحديثان معاً، فإنه يكون كل حديث مثبتا لخصوصية لا يأباها الحديث الآخر.. إذ لا تعارض بين المثبتات، إلا في بعض الصور التي ليس هذا المورد منها..

10 ـ وبعد ما تقدم نعرف: أنه لا معنى لقوله:

"لكن الروايات الأخرى لا تدل على ذلك، وهي المشتملة على الحلال والحرام، ووصية فاطمة، فلا بد من الترجيح بينها؟! "

فهل إذا دلت رواية على شيء، ولم تدل الأخرى عليه تصبح الروايات متعارضة، ولا بد من الترجيح بينهما؟!

11 ـ ما معنى قوله أخيراً:

"الأرجح أنه كتاب يشتمل على الحلال والحرام ".

فإن رواية حماد بن عثمان تنفي ذلك صراحة..

ورواية الحسين بن أبى العلاء قد أخطأ السيد محمد حسين فضل الله في فهمها، لخطئه في مرجع الضمير.. فهل هذا بهدف استبعاد معرفتها بما يكون، واستبعاد أن يكون الملك قد حدثها؟!..

12 ـ وأخيرا فإن لنا الحق في أن نتساءل عن سبب إيراده رواية الحسين بن أبي العلاء في كتاب (الزهراء القدوة) مبتورة من أولها، فهل أراد بذلك تضييع القارئ فيما يرتبط بمرجع الضمير في الرواية؟.

العودة