ـ لا فائدة من معرفة دابة الأرض.

ـ الأئمة يفسرون الآية بالرجعة والبعض يفسرها بيوم القيامة. 

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسير قوله تعالى:

{فإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم: أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون} سورة النمل 82-83

".. وقد أفاض المفسرون كثيرا في الحديث عن الدابة، في طبيعتها الإنسانية، والحيوانية، وفي صفاتها الغريبة وفي كيفية خروجها.. ومضمون كلامها.. مما لم يثبت به حجة قاطعة.. وقد لاحظنا أن القرآن وضعها في موضع الإبهام.. ولم يفصل أي شيء من هذه الأمور، فلنترك الخوض في ذلك كله.. لأنه مما لا فائدة فيه على مستوى النهج القرآني في مضمونه وإيحاءاته {.. ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا} فلا يقتنع بما تفرضه من الإيمان بالله، ورسله، واليوم الآخر، بل يبقى مستمرا في غيه وعناده {فهم يوزعون} أي يحبسون ويوقفون، بحيث يرد أولهم على آخرهم ـ كما هو معنى الايزاع.. وذلك هو يوم القيامة الذي يحشر الله فيه الناس كلهم، والمؤمنين منهم، والمكذبين . [من وحي القرآن ج17ص248]

ونقول:

1 ـ إننا إذا رجعنا إلى الأحاديث الكثيرة المروية عن أهل البيت (ع)، ومنها ما هو صحيح سنداً، فسنجد أنهم عليهم السلام، قد فسروا قوله تعالى: {ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون} بما ينطبق على أمر الرجعة في آخر الزمان، قبل يوم القيامة، و قد تضمنت هذه الأحاديث استدلالات منهم عليهم السلام على هذا الأمر ؛ يقول الإمام الصادق (ع): أفيحشر الله يوم القيامة من كل أمة فوجا ؟! ويدع الباقين ! لا، ولكنه في الرجعة. وأما آية القيامة {وحشرناهم، فلم نغادر منهم أحدا} سورة الكهف 47

فلماذا لا يلتفت هذا البعض إلى هذه الروايات الكثيرة والمعتبرة، والى ما هو الحق في تفسير الآية ؟ هل لأن الأمر يتعلق بالرجعة ؟! تفسير القمي ج2ص130و131 وتفسير البرهان ج3ص210 التي نعرف موقفه منها.فإنه وإن كتب في أجوبته على بعض المسائل المرسلة إلى قم أن أحاديثها متواترة، لكنه في أكثر من موضع، قد حاول أن يؤولها ويشكك في معناها. واللافت للنظر هنا: أنه هو نفسه خلافا لما يقوله أئمة أهل البيت عليهم السلام، يقول:

"وذلك هو يوم القيامة الذي يحشر الله فيه الناس كلهم"

مع أن الآية تتحدث عن حشر فوج من كل أمة.

2 ـ هناك روايات صحيحة السند بالإضافة إلى الكثير من الروايات الأخرى مروية عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام وكذلك عند أهل السنة تفيد: أن المقصود بدابة الأرض التي يخرجها الله لعباده هو علي أمير المؤمنين عليه السلام، فإذا كانوا عليهم السلام قد تحدثوا عن هذا الأمر، وأوضحوه، فلماذا يعتبره هذا البعض مما لا فائدة فيه لا في مضمونه، ولا في إيحاءاته.‍‍؟!

وإذا كان هذا الأمر قد ورد بروايات مستفيضة، وبعضها صحيح السند، فلماذا لا يشير إلى ذلك على الأقل ؟!.

وإذا كان الخبر الصحيح، والمستفيض ليس حجة فما هي الحجة إذن؟ على أمر لا يثبت إلا بالنقل؟!..

وأما دعوى لزوم كون الخبر متواترا في ما سوى الأحكام الشرعية فهي دعوى باطلة جملة وتفصيلا وقد تقدم ما ينفع في المقام. مع أنها دعوى تؤدي إلى لزوم إلقاء القسم الأعظم من أحاديث النبي(ص) والأئمة (ع) لعدم جدواه. وذلك من أجل أن يصبح المجال مفتوحا أمام استيحاءات حضارية، واستحسانات تقدمية لهذا أو ذاك من الناس. أما الأحاديث عن أهل البيت، بأسانيد صحيحة، أو معتبرة أو مؤيدة بالقرائن، فلا بد من إبعادها عن حياتنا الفكرية والثقافية كما يظهر مما يقوله السيد فضل الله.

3 ـ إننا نلاحظ أن السيد فضل الله الذي تجاهل الروايات الكثيرة التي تفسر الآية وتطبقها على علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.. وعجز عن رد هذه الروايات بطريقة علمية إلى أسلوب التنفير، بالاستفادة مما ارتكز لدى العوام في معنى كلمة " دابة " حيث إنهم لا يأخذون بمعناها اللغوي، بل يقصدون بها البهائم التي اعتادوها وألفوها، مع أن الله سبحانه وتعالى قد استعمل هذه في كتابه العزيز، وأراد بها ما يمثل الإنسان، فهو يقول: {والله خلق كل دابة من ماء، فمنهم من يمشي عـلى بطنه، ومنهم من يمشي على رجلين، ومنهم من يمشي على أربع} سورة النور45

وقد فسر من يمشي على رجلين بالناس، وفسرت الدابة في اللغة بكل ما يدب على الأرض..

لكن هذا الرجل يرفض تفسير الدابة بما ورد عن الأئمة عليهم السلام، وبما تؤيده اللغة، مستفيداً ـ كما قلنا ـ من أسلوب التنفير للناس العاديين. الذين لم يعرفوا معنى هذه الكلمة من مصادره الصحيحة والمعتمدة، فهو يقول:

"تفسير (دابة الأرض)

ذهب العلامة "القمي" في تفسير قوله تعالى {فإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلمهم} (النمل ـ 82)، على أنها تخصّ علي (ع) آخر الزمان استناداً إلى حديث مجمله أنه (ص) دخل المسجد فوجد علياً مضطجعاً وعند رأسه كومة رمل فدفعه قائلا " قم يا دابّة الأرض " ثم التفت إليه وقال: يا علي إذا كان آخر الزمان بعثك الله فليس من ينصب به عداءك؟

يجب أن ندقق في الحديث لأنه ليس كل حديث يجب أن نأخذ به خصوصاً إذا أردنا أن نعرضه على القرآن فدابة الأرض هو التعبير عن الدابّة بخصوص اللفظ أما أن يعبّر عن الإمام علي بالدابة فهذا تعبير لا ينسجم مع موقع الإمام (ع) لأن دابة الأرض هي حشرات الأرض وإذا أردنا أن نعظم الإمام علي (ع) فيجب أن نأتي بكلمة تليق به وحتى لو كانت استعارة لمعنى آخر فلا بد أن تتناسب مع طبيعة المعنى الجديد. إننا عندما ننطلق مع السياق القرآني نرى أنه لا ينسجم مع مقام الإمام علي (ع).." [الندوة ج1ص308]

العودة