قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ} سورة الرعد الآية 29

 بما تعنيه الكلمة من الموقع الطيب، وهو الجنة التي وعد الله عباده المتقين، {وَحُسْنُ مَآبٍ} يرجع إليه مصير الناس حيث يستريحون، ويشعرون بالروح والراحة والرضا والطمأنينة والأمان، في ظلِّ رحمة الله ولطف عنايته واستحقاق مثوبته، وذلك هو الفوز العظيم [من وحي القرآن ج 13 ص 53]

أقول: لولا أنه عقَّب بقوله ـ وهو الجنة التي وعد الله ـ لكان أخفَّ وطأةً وأهونَ خطباً، ولكنه أفاد أنَّ المقصود بـ «طوبى» هو الجنة بنحو الحصر، حيث قدَّم الضمير المنفصل «هو»، وأتى بلفظ الجنة مع أل التعريف. فقال: وهو الجنة.

والعجيب أنَّ هذا المعنى هو الذي اختاره عكرمة ومجاهد، والكلُّ يعرِفُ مَن هما هذان الرجلان
تفسير مجاهد ج1 ص 328، جامع البيان للطبرى ج13 ص 192

ولست أدري من أين يُمكن للإنسان أن يعرف ماذا أراده الله تعالى في كتابه من معنى كلمة معيَّنة، فيما إذا لم يكن معناها واضحاً؟

هل يمكن أن يعرف ذلك إلا من خلال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو الأئمة (عليهم السلام).

وفي الآية التي نبحث فيها، أين القرينةُ والدليلُ الدالُّ على أنَّ المقصود من «طوبى» هي الجنة؟!!

هذا ومما ينبغي التنبيه عليه، أنَّ أبناءَ السُّنة يكاد يكون قد التزم مشهورُهم، بأنَّ المراد من طوبى خصوصُ شجرةٍ في الجنة، وليس في شيءٍ من أخبارهم ما يُفيد نفيَ كونها في دار عليٍّ (عليه السلام).

قال عبد الرحمان الثعالبي في تفسيره ـ وهو من أبناء السُّنة ـ وقيل طوبى اسم شجرة في الجنة، وبهذا تواترت الأحاديث، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى اسم شجرة في الجنة
تفسير الثعالبي ج 3 ص 369

وأخرج الثعلبي ـ من أبناء السُّنة ـ وفرات في تفسيريهما، بإسنادهما عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس {طُوبَى لَهُمْ} قال: شجرةٌ أصلُها في دار عليٍّ (عليه السلام) في الجنة، وفي دار كلِّ مؤمن منها غصنٌ.

أقول: وأخرجه فرات الكوفي في تفسيره عن محمد بن أحمد بن عثمان بن دليل والحسين بن سعيد عن ابن عباس عن رسول الله (عليهما السلام)، وفي أحد الخبرين «وأصلها في داري»، وفي الآخر «وأصلها في دار عليٍّ».

وأخرج الثعلبي في تفسيره، والحاكم الحسكاني في الشواهد، بإسنادهما عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سُئل رسولُ الله (عليهما السلام) عن قوله {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} فقال: شجرةٌ في الجنة، أصلُها في داري وفرعُها على أهل الجنة، فقيل له: يا رسول الله سألناك عنها؟ فقلت: شجرةٌ في الجنة، أصلُها في داري وفرعُها على أهل الجنة، ثم سألناك عنها، فقلت: شجرةٌ في الجنة، أصلُها في دار عليٍّ وفرعُها على أهل الجنة، فقال: إنَّ داري ودارَ عليٍّ غداً واحدةٌ في مكان واحد.

أقول: وأخرجه الحاكم الحساني أيضاً بإسناده عن حصين بن مخارق عن موسى بن جعفر ’، وكذا أخرجه فرات في تفسيره عن عبيد بن كثير ومحمد بن أحمد ومحمد بن أحمد بن عثمان وإبراهيم بن أحمد بن عمرو الهمداني ومحمد بن عيسى الدهقان عن أبي جعفر (عليه السلام).

وأخرج الحاكم الحسكاني بإسناده عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً لعمر بن الخطاب: إنَّ في الجنة لشجرةً، ما في الجنة قصرٌ ولا دارٌ ولا منزلٌ ولا مجلسٌ إلا وفيه غصنٌ من أغصان تلك الشجرة، وأصلُ تلك الشجرة في داري، ثم مضى على ذلك ثلاثة أيام، ثم قال رسول الله (عليهما السلام): يا عمر إنَّ في الجنة لشجرةً، ما في الجنة قصرٌ ولا دارٌ ولا منزلٌ ولا مجلسٌ إلا وفيه غصنٌ من أغصان تلك الشجرة، أصلُها في دار عليِّ بن أبي طالب، قال عمر: يا رسول الله قلتَ ذلك اليوم: إنَّ أصلَ تلك الشجرة في داري، واليوم قلتَ: إنَّ أصلَ تلك الشجرة في دار عليٍّ؟!! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما علمتَ أنَّ منزلي ومنزلَ عليٍّ (عليه السلام) في الجنة واحدةٌ، وقصري وقصرَ عليٍّ (عليه السلام) في الجنة واحدٌ، وسريري وسريرَ عليٍّ (عليه السلام) في الجنة واحدٌ.

وذكر العياشي في تفسيره، والعلامة الحلي في كشف اليقين، والحافظ ابن مردويه في مناقب علي (عليه السلام)، عن ابن سيرين ـ وهو من أئمة أبناء السُّنة ـ في قوله {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} قال: طوبى شجرةٌ في الجنة أصلُها في حجرة عليٍّ (عليه السلام)، وليس في الجنة حجرةٌ إلا فيها غصنٌ من أغصانها.

أقول: وأخرجه ابن أبي حاتم وابن المغازلي ـ من أبناء السُّنة ـ بإسنادهما عن ابن سيرين.

وذكر الثعلبي عن غندر ابن عمير: هي شجرة في جنة عدن، أصلها في دار النبي (عليهما السلام)، وفي كلِّ دار وغرفة غصنٌ منها.

وأخرج القمي في تفسيره بإسناده عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: طوبى شجرةٌ في الجنة في دار أمير المؤمنين (عليه السلام)، وليس أحدٌ من شيعته إلا وفي داره غصنٌ من أغصانها.

وأخرج الكليني في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): وطوبى شجرةٌ في الجنة، أصلُها في دار النبي محمد (عليهما السلام)، وليس من مؤمن إلا وفي داره غصنٌ منها.

وأخرج الصدوق في معاني الأخبار وكمال الدين، والعياشي في تفسيره، بإسنادهما عن أبي بصير قال: قال الصادق (عليه السلام): طوبى شجرة في الجنة، أصلُها في دار عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وليس مؤمن إلا وفي داره غصنٌ من أغصانها.

وأخرج محمد أحمد القمي في مأة منقبة بإسناده عن عبد الصمد عن الإمام الصادق عن الإمام زين العبدين عن الإمام سيد الشهداء (عليهم السلام)قال: سئل النبي (عليهما السلام) عن قوله تعالى {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} قال: نزلت في أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام)، وطوبى شجرةٌ في داره، وهي في الفردوس
بحار الأنوار ج8 ص 87 ـ 88 و143 و150 ـ 151 و155 و219 وج36 ص 65 و69 وج39 ص225 الكافي ج 2 ص 239، الخصال ص 483، معاني الأخبار ص 112، أمالي الصدوق ص290، كمال الدين ص 358 الاختصاص ص 358، شرح الأخبار ج 3 ص 495 إلى 498، مائة منقبة ص 137، روضة الواعظين ص 105، مناقب آل ابي طالب ج 3 ص 32، الطرائف ص 100، خصائص الوحى المبين ص 228-229، العمدة ص 350 - 351، كشف اليقين ص 398، تفسير العياشي ج 2 ص 212 -213، تفسير القمي ج 1ص 365، تفسير فرات الكوفي ص 207 إلى 214، تفسير مجمع البيان ج 6 ص 37 - 38، التفسير الصافي ج 3 ص 70، تفسير نور الثقلين ج 2 ص 502.

ومن مصادر أبناء السُّنة:
شواهد التنزيل ج 1 ص 396 - 399، تفسير القرطبي ج 9 ص 317، الدر المنثور ج 4 ص 59، ينابيع المودة ج 1 ص 287 ـ 288

العودة