مقدّمة التحقيق


هذا الكتاب:

اهتمّ العلماء الكرام بجمع حديث الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، بصورة خاصّة، لأسباب معروفة عند أهل العلم بتاريخ الحديث، ذكر المؤلّف بعضها في مقدّمة هذا الكتاب.

فكان في الذين ألّفوا كتباً باسم "مسند الإمام أمير المؤمنين" عدّة من أعلام المحدّثين مثل:

يعقوب بن شيبة السدوسي البصري (ت 262).

ومحمد بن عبد الله الحضرمي الكوفي المعروف بـ "مطيّن" (ت 297).

وعبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري (ت 332).

وابراهيم بن اسحاق محدّث بغداد (ت 285).

والنسائي صاحب السنن (ت 303).

وعبد الرحمن بن عثمان عضد الدين التميمي (ت 420).

والسيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911).

وآخرين(1).

____________

1- اُنظر تفاصيل عن مؤلّفات هؤلاء باسم "المسند" في مجلّة "نور علم" الصادرة من جامعة المدرّسين، قم، العددان (4و5).

وفي معجم ما كتب عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) للاُستاذ الشيخ عبد الجبار الرفاعي (ج1 ص346) الأرقام (15985-15994).


الصفحة 16
ويأتي هذا الكتاب، ليكون أوسع محاولة لجمع حديث الإمام (عليه السلام)، أسغرقت 23 عاماً من عمر المؤلف حيث ابتدأ بالكتاب عام 1387 هـ.

وانتهى منه عام 1409 هـ.

وقد ذكر هذا الكتاب لأوّل مرّة في مقال "المسند" في مجلة "نور علم" الصادرة من جامعة المدرّسين في قم، العدد (5) ضمن أسماء المسانيد المؤلّفة في الحضارة الإسلاميّة.

ثمّ ذكره العلاّمة المفضال الشيخ رضا اُستادي الطهراني في مقال باسم "مسند الإمام الرضا (عليه السلام)" كتبه للمؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام) في مشهد عام 1404 هـ ونشرته إدارة الروضة الرضوية المقدّسة، فقد ذكر الكتاب (ص11) واعتمد فيه على ما جاء في مقالة "المسند" المنشورة في "نور علم".

ولم يرد اسم هذا الكتاب في "الذريعة" لأنّ مؤلّفه إنّما أنجز الكتاب بعد وفاة العلاّمة الطهراني صاحب الذريعة المتوفّى (1389) كما عرفت، ولكن صاحب الذريعة قد اطّ لع على الكتاب وقدّم له كما ستقرأ ذلك.

وقد وفّقنا الله تعالى للقيام بالعمل في هذا الكتاب خدمة للحديث الشريف ـ الذي هو ثاني أعمدة هذا الدين ـ ووفاءً ببعض حقوق مؤلّفه الفقيد جزاه الله خيراً، وبالنظر لما يحتله هذا الكتاب من قيمة علميّة خاصة.

عملنا في الكتاب:

وتتلخّص الخطوات التي قمنا بها في إخراج الكتاب وتحقيقه فيما يلي:

أوّلا: مراجعة العمل كلّه بالرجوع إلى مصادر الروايات ومقابلتها معها، بدقّة فائقة، لاستدراك ما قد سها القلم فيه، وتصحيح ما وقع في النقل من هفوات.


الصفحة 17
ثانياً: حاولنا تخريج الأحاديث والنصوص المنقولة عن مصادرها على أحدث الطبعات المتوفّرة، بينما كان المؤلّف قد اعتمد طبعات قديمة نادرة الحصول فعلا.

ثالثاً: لقد اعتمد المؤلّف في نقل كثير من الروايات على الجوامع المتأخّرة، كالبحار والوسائل عن المصادر القديمة، فحاولنا مراجعة المصادر الاُولى مباشرة، فيما لو توفّرت مطبوعاتها، وإلى ما توفّر من المخطوطات حسب الميسور، وأرجعنا إلى تلك المصادر مضافاً على إرجاعنا الى الجوامع التي رجع إليها المؤلّف، علماً بأن المصدر الأول المذكور في الهوامش هو المصدر الذي اعتمد عليه المؤلف، وذكرنا تبعاً له باقي المصادر.

رابعاً: قمنا بضبط جميع الآيات الكريمة، مع تخريجها بالترقيم للسور وللآيات، كما ضبطنا بعض الألفاظ بالحركات، تفادياً للتصحيف فيها، كما قمنا بترتيب الأحاديث المفسّرة للآيات حسب التسلسل القرآني.

خامساً: لقد وقفنا خلال مراجعتنا للكتاب على تكرار لبعض الأحاديث، سها قلم المؤلّف في كتابته على أثر سعة العمل، فتلافينا مثل ذلك،ابتعاداً عن ما في ذلك من الضعف.

سادساً: زوّدنا العمل بعلامات التنقيط المتداولة والتي تساعد على قراءة الكتاب.

سابعاً: قمنا بعمل فهارس فنّية للكتاب تزيد من قيمته، وتسهّل أمر مراجعته والتزوّد منه.

ثامناً: قمنا ببعض العناية في توزيع أحاديث الكتاب على هيئة مباحث عامة ولكل مبحث أبواب وفي الأبواب عناوين مرقّمة، ليسهل على المراجع الإستفادة منه بأقصر وقت وأفضل صورة، علماً بأننا لم نتجاوز التنظيم الذي كان قد وضعه المؤلف سوى انّنا قد دمجنا أحياناً بعض العناوين في عنوان واحد، أو إستحدثنا عنواناً جديداً حسب ما هو الأكثر مناسبةً مع موضوع الأحاديث، أو أعدنا

الصفحة 18
صياغة العنوان بشكل أجود.

تاسعاً: لاحظنا وفي حالات نادرة وجود بعض الأحاديث في غير موضعها المناسب فقمنا بإلحاقها في بابها المناسب.

وأخيراً: نحمد الله ونشكره على توفيقه لنا للقيام بهذه الخدمة لحديث المصطفى وآله (عليهم السلام) وإحياء هذا العمل العظيم من أعمال المؤلّف الفقيد، وتزويد المكتبة الإسلامية، بمثل هذا الجهد الجبّار.

والجدير بنا أن نقدر جهود الذين كان لهم الفضل الكبير على توجيهنا لأنجاز هذا العمل الجبار،بالخصوص سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد محمدرضا الجلالي، وسماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد صدر الدين القبانچي الذي أجازنا في تحقيق هذا الكتاب، كما أخص بالشكر سماحة عمّنا الحجة السيد مرتضى الميلاني الذي وفر لنا ظروف تحقيق الكتاب في مكتبته العامرة وكل الذين كان لهم سعي في إخراج هذاالكتاب بهذه الحلّة المزدانة بالتحقيق في كلّ المراحل، وبكلّ أشكال التوجيه، والمراجعة، والتصحيح، والطباعة، والإخراج الفنّي.

ويجب علينا أنْ نقدّم شكرنا الجزيل إلى جميع مسؤولي المؤسّسات التحقيقيّة، والمكتبات العامّة والشخصية، التي استفدنا منها في مراجعة المصادر المطبوعة والمخطوطة، وأخص منها بالذكر مكتبة آية الله السيد المرعشي، ومكتبة آية الله الشيخ الحائري، ومكتبة مؤسسة دار الحديث، نرجو لها ولهم التقدّم والازدهار.

سائلا الله الكريم، أنْ يثبّت جميع من أسهم فيه من فضله العميم وثوابه الجزيل.

والحمد لله وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.


طاهر عبد الأمير السلامي


الصفحة 19

الكتاب في سطور


لقد اعتبر علماء التحقيق وأهل الحديث هذا الكتاب فتحاً في المكتبة الإسلامية وانجازاً علمياً ملأ فراغاً في مجال الحديث.

وبهدف تعريف القارئ بهذا الكتاب نحاول أن ننقل هنا بعض عبارات العلماء الكبار الذين قدموا له:

"من أهم مصادر المعرفة الإسلامية"

هكذا تحدث عن الكاتب شهيد عصره، ونابغة دهره، المفكر الإسلامي، والمرجع الديني، آية الله السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) حينما قال: وعلى هذا الأساس تبرز المحاولة الموفقة التي قام بها الخطيب الشهير العلاّمة السيد حسن القبانچي حفظه الله تعالى ورعاه لاستيعاب ما يؤثر عن الامام علي (عليه السلام) من نصوص وروايات في هذا الكتاب الجليل الذي يعتبر بوصفه سجلاً لكلام الإمام من أهم مصادر المعرفة الإسلامية.

"السِفر القيم"

وكتب عنه آية الله العظمى الشيخ مرتضى آل ياسين:

ونظراً لكثرة الأحاديث المرويّة عن مولانا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وانتشارها في مختلف الكتب المؤلفة في شتى علوم الإسلام فقد شاء التوفيق الإلهي أن يدفع بمؤلف هذا السِفر القيّم فضيلة السيد الجليل والخطيب الفاضل النبيل الألمعي الزكي

الصفحة 20
حسن القبانچي أيّده الله إلى الإلمام بما يسعه الإلمام به من تلك الأحاديث ليجمعها في إطار واحد فنهض حفظه الله بهمة لا تعرف الكلل، ورغبة عارمة لا يعتريها الملل، فسجّل كل ما ظفر به من الأحاديث العلويّة على صفحات هذا الكتاب الذي أسماه (مُسند الإمام علي (عليه السلام)) ووزعها على عناوين شتى تبعاً لاختلاف مضامينها ثم حشر إلى كل عنوان ما يتفق منها معه في مضمونه فجاء الكتاب ولله الحمد كتاباً فائقاً في ترتيبه وتبويبه ورائقاً في تأليفه وتصنيفه، كل ذلك بفضل الجهد العظيم الذي عاناه في سبيل جمعه ووضعه....

"من أعظم الموسوعات"

كما جاء في مقدمة العلاّمة الكبير الشيخ باقر شريف القرشي للكتاب قوله:

وقد انبرى بأعجاب سماحة العالم والخطيب المفوّه السيد حسن القبانچي حفظه الله إلى جمع تراث جدّه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في موسوعة تزيد على عشر مجلّدات تُعد من أعظم وأنفع الموسوعات.

وقد أنفق على تأليفها حفنة من السنين، وهي من دون شك ستسدّ فراغاً في المكتبة الإسلاميّة وغيرها، وسيرى فيه العلماء من الجهد الشاق الذي بذله المؤلف ما يستحق الاكبار والتعظيم.....


الصفحة 21

المؤلف في سطور


بقلم نجله         
السيد صدر الدين القبانچي

النَسَبُ الشريف والنشأة


ينتسب المترجَم له العلاّمة السيد حسن القبانچي إلى الشجرة المحمديّة والدوحة النبويّة متصلا بالامام الحسين بن علي (عليه السلام) وهو جدّه السادس والعشرون.

وفيما يلي صورة عن شجرة النَسَب كما أوردها العلاّمة السيد جعفر الأعرجي الكاظمي في كتابه "الدر المنثور في أنساب المعارف والصدور" المجلّد الثاني:


"هو السيد حسن، بن السيد علي، بن السيد حسن، بن السيد صالح، ابن السيد المهدي الملقَّب بـ (القَبانچي)، بن صالح، بن أحمد، بن محمّد الزاهد، بن حسين الكريم، بن محمّد أبو الأشبال، بن علي (هنا تجتمع قبيلة آل العَرِد وآل الوردي)، بن حسين، بن محمّد، بن خميس (جَد آل وتوت)، بن يحيى، بن هزّال، بن علي، بن محمّد، بن عبد الله بهاء الدين المعروف بـ (البهائي)، بن النقيب يحيى بالكوفة بن أبو عبد الله الحسين النسّابة نقيب النقباء قَدِم من الحجاز إلى العراق سنة (251هـ)، بن أحمد المحدّث الفقيه الشاعر، بن الأمير أبي علي عمر



الصفحة 22

الأكبر المقتول سنة (250هـ)، بن يحيى الراوية نقيب النقباء صاحب الدعوة سنة (220هـ)، بن الحسين ذي الدمعة، بن زيد الشهيد، بن الإمام علي بن الحسين زين العابدين، بن الإمام الحسين (عليه السلام)".


وُلد في مدينة النجف الأشرف بالعراق في العقد الثالث من القرن الرابع عشر عام 1328 للهجرة النبوية(1) الشريفة الموافق لعام 1907 للميلاد.

نشأ في مدينة العلم والدين والجهاد ـ النجف الأشرف ـ إلى جوار مرقد جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومنذ سنيّ شبابه الاُولى وفي العقد الثاني من عمره سلَك مسلك العلماء، وعكف على دراسة العلوم الدينيّة، وقد توفي والدهُ حيث كان السيد حسن في سنّ العشرين من عمره فارتبط عائلياً ببيت ابن عمه وزوج اُخته العلاّمة الخطيب السيد عبد الأمير القبانچي.


"درس العربيّة والمنطق على يد الفاضلين ـ المرحوم ـ السيد حسن الحكيم و ـ المرحوم ـ الشيخ محمّد صالح صحين، وعلم المعاني والبيان على الفاضل ـ المرحوم ـ الشيخ علي ثامر، والفقه والأصول على يد العلاّمة الشيخ زين العابدين العاملي، وتخرّج في العلوم الإلهيّة على يد حجة الإسلام آية الله السيد محمّد جواد الطباطبائي التبريزي، وتتلمذ في خطابته على يد فضيلة الخطيب المرحوم الشيخ محمّد حسين الفيخراني"(2).


ونعرف أيضاً أنه استفاد من مباحثاته العلمية مع العلاّمة الشيخ محمّد علي الاُوردبادي صاحب كتاب "علي وليد الكعبة"، وقد ناقش بعض آرائه في كتابه "الجواهر الروحيّة" وقد كان يكنّ له احتراماً وتقديراً علمياً خاصاً.

____________

1- كما ضبطه العلامة المؤرخ آقا بزرك الطهراني في كتابه "الذريعة الى تصانيف الشيعة" 26: 309.

2- عن "خطباء المنبر" للشيخ حيدر المرجان: 111.


الصفحة 23
ويبدو أنه قد أظهر نبوغاً علمياً، واقتداراً خطابيّاً، واستعداداً نفسياً لتحمل المسؤولية، وخوض غمار العمل مع الاُمّة، الأمر الذي دعا مرجع الطائفة يومئذ وزعيمها الأوحد آية الله السيد أبو الحسن الاصفهاني لبعثه وكيلا عنه في الاُمور الدينية والشؤون الاجتماعية إلى مدينة خرمشهر (المحمّرة)(1)، حيث واصل عمله هناك مدّة ثلاث سنوات.

من خلال قراءة في أفكاره ومواقفه ومجمل أعماله نستطيع أن نكتشف أنه كان يمتلك شخصيّة حرّة في التفكير، وأصيلة في الاتجاه بعيداً عن صور التبعيّة الفكرية والسياسية، وبنفس هذه الطريقة أيضاً كان قد كوّن وجوده وبنى حياته العلمية والاجتماعية اعتماداً على الذات، وثقةً بالنفس، وتوكلا على الله تعالى.

فالظروف والمكوّنات العائلية والاجتماعيّة التي أحاطت به لم تكن تسمح بمثل هذا التكوين، ولا تشجّع على بناء مثل هذه الشخصيّة العصاميّة في البعد العلمي والاجتماعي والسياسي.

ومن هنا فقد كان نموذجاً في اُسرته وعشيرته، كما هو نموذج فريد قياساً إلى طبيعة آفاق التفكير الحاكمة يومئذ في النجف الأشرف وخاصة في الوسط العربي من الحوزة العلميّة.

لقد عمل السيد القبانچي على التوفيق بين المنهجين: منهج الحوزة العلميّة المتفرّغ للدراسة والتأليف ومنهج الممارسة الخطابية المتفرّغ لدور المنبر الحسيني.

ولعلّ هذه العملية التوفيقيّة هي من النوادر التي تفرّد بها خطيب العلماء وعلاّمة الخطباء السيد القبانچي ـ أعلى الله شأنه ـ كما جاء على لسان معاصريه.

وقد كان يعي هذه الحقيقة جيداً، ويقصدها تماماً، فقد كان يقول: "أنا في النجف

____________

1- هي من أكبر المدن العربيّة في جنوب إيران، حيث كانت ترتبط فكرياً ودينياً بالمرجعية الدينية في النجف الأشرف ـ العراق.


الصفحة 24
عالِم، وفي خارج النجف خطيب"; حيث كانت النجف لا تألف ظاهرة العالم الخطيب والخطيب العالم.


*  *  *

مارس العمل الخطابي والتوجيه المنبري في مدن عديدة من العراق مثل بغداد، الكاظمية، البصرة، العمارة، الناصرية، القرنة، الكوفة، الرميثة، المشخاب، أبو صخير وغيرها.

كما مارس العمل الخطابي والتوجيه المنبري في خارج العراق أيضاً مثل: الكويت، البحرين، مسقط، الأحساء، القطيف وغيرها.

إعتُقِل بفعل نشاطه الديني والسياسي على عهد كلّ الحكومات المتعاقبة في العراق كما كان هو يحدّث بذلك.

اعتقل في أيام العهد الملكي، وعلى عهد الملك فيصل وحكومة نوري السعيد.

واعتقل على عهد الملك فيصل وفي حكومة ياسين الهاشمي.

واعتقل على عهد حكومة عبد الرحمن عارف في الحكم الجمهوري.

واعتقل في العهد المظلم أيام حكومة البعث مرّتين أولاهما سنة 1405 هـ الموافق لعام 1985م وثانيهما في الانتفاضة الشعبانية عام 1411 للهجرة الموافق لعام 1991م حيث لم يُعرف عنه شيء بعد هذا الاعتقال، والله أعلم بأمره وإليه المصير، وكفى به حسيباً وجازياً ومثيباً.

فلقد كان العلاّمة السيد حسن القبانچي أحد أبرز العلماء الذين داهمت جلاوزة البَعث بيوتهم واعتقلتهم في مجموعة كبيرة من رجال الحوزة العلميّة ناهزت ثمانين عالماً، وذلك بعد دخول القوات العسكريّة التابعة للنظام ودكّها مدينة النجف الأشرف الثائرة بالصواريخ والأسلحة الثقيلة إبّان انتفاضة شعبان المباركة عام 1411 للهجرة والتي حرّر فيها الشعب العراقي أربعة عشر محافظة من قبضة

الصفحة 25
النظام الشرسة.

ولم تزل أخبار هذا الجمع من علماء الدين المعتقلين خفيّة علينا، منذ قام النظام باعتقالهم بعد سيطرته على مدينة النجف الأشرف في الثامن والعشرين من شهر شعبان لنفس العام، حيث تتبّعت قوات الجيش والأمن العلماء ورموز التحرّك، واعتقلت السيّد القبانچي في حدود اليوم العشرين من شهر رمضان المبارك بعد أقل من شهر من سقوط هذه المدينة بيد القوّات الإجراميّة البعثيّة.

وهنا تقول بعض الأنباء أنّ النظام قام بتصفية هؤلاء العلماء جسدياً في الأيام أو الساعات الاُولى من اعتقالهم، والله أعلم وهو خيرُ الحاكمين.

ذرّيتـه:

أولاد العلاّمة السيد القبانچي الذكور هم وحسب التسلسل الزمني للولادة:

1 ـ الدكتور السيد علاء الدين القبانچي.

2 ـ حجة الإسلام الشهيد السيد عزّ الدين القبانچي (استشهد عام 1974م على أيدي البعثيين في العراق).

3 ـ حجة الإسلام السيد صدر الدين القبانچي.

4 ـ المجاهد الشهيد الطالب الجامعي السيد علي القبانچي (استشهد عام 1981م على أيدي البعثيين في العراق).

5 ـ حجة الإسلام السيد أحمد القبانچي.

6 ـ فضيلة الشهيد السيد صادق القبانچي (استشهد عام 1982م على أيدي زمرة (منافقي خلق) المعادية للثورة الإسلامية في ايران.

7 ـ فضيلة الشهيد السيد عبد الحسين القبانچي (افتقد في سجون البعث من عام 1983م).


الصفحة 26
8 ـ حجة الإسلام السيد باقر القبانچي.

9 ـ حجة الإسلام السيد محمّد القبانچي.

وأولاده الاُناث هم وحسب التسلسل الزمني للولادة:

1 ـ العلوية الفاضلة عزة الشريعة القبانچي.

2 ـ العلوية الفاضلة عصمة الشريعة القبانچي.

3 ـ العلوية الفاضلة حكمة الشريعة القبانچي.

4 ـ العلوية الفاضلة هناء القبانچي.

5 ـ العلوية الفاضلة سناء القبانچي.

6 ـ العلوية الفاضلة باسمة القبانچي.

7 ـ العلوية الفاضلة فاطمة القبانچي.

8 ـ العلوية الفاضلة ليلى القبانچي.

9 ـ العلوية الفاضلة آمال القبانچي.

زوجته الفاضلة:

هي العلوية الصابرة اُمّ الشهداء الأربعة "فخر السادات" بنت آية الله العظمى السيد محمّد جواد الطباطبائي.

لقد كان العلاّمة السيد القبانچي يكنّ لها احتراماً خاصاً وتقديراً بالغاً، وقد رافقته في السجن سنة 84-85م وشاركته في آلام السجن، حيث قال السيد القبانچي أيام فترة سجنه:


لولا العلوية لكنت أفقد صبري، فهذه العلوية العظيمة كانت تصبّرني وأنا أستحقر نفسي عندها، فهي تذكر أولادها الشهداء وتقول: "إنّهم



الصفحة 27

ليسوا أفضل من عليّ الأكبر" وتذكر أولادها في خارج العراق وتقول: "الحمد لله إذا كنّا الآن في السجن فإنّ أولادنا سالمون في الخارج".



الصفحة 28

سيرته الذاتيّة


سماته الشخصيّة:

وقوراً، تعلوه السكينة، وتظهر عليه الأناقة.

جمل المظهر، حَسَن الملبَس.

قال عنه واصفوه: "اذا مشى فكأنّ الأرض تمشي وهو ثابت"، "وإذا تكلّم كان كلامه مقدّراً".

لا يلتقي بأحد من أصحابه إلاّ وتوقّف له قليلا وسأله بكلّ هدوء عن حاله وأهله.

قويّ القلب، رابط الجأش، ثابت القدم، يوزّع السكينة من حوله على كلّ من يراه.

تلمع على وجنتيه حُمرة.

لا هو بالطويل وربّما كان إلى القصر أميل.


الصفحة 29
يجيد خضاب لحيته وشاربه بالسواد بدرجة لا يحسبه الرائي خضاباً، وظلّ على هذا الحال حتّى اعتقل أولاده الثلاثة وابن اُخته مرّة واحدة، فترك الخضاب وبان عليه الشيب كأنّما قد فاجئه.

مستقيماً في مشيته لم يُحنِ ظهره ما علاه من الهموم، ولم يتكأ على عصا حتّى آخر أيّامه.

ينام مبكّراً، ويستيقظ مبكّراً، ولا يزيد نومه بعد الظهر على نصف ساعة.

لم يُر حاسراً، فإذا نزع العمامة في البيت لفّ رأسه بمنديل.

رقيقاً عطوفاً على الأطفال يُحب مؤانستهم والتصابي معهم، وإذا عجز من في البيت عن إسكات الطفل الباكي وضعه على صدره، وربت على كتفه فسكت.

وكان إذا أراد أن يؤدّب طفلا ضربه ضرباً خفيفاً بأصبعيه.

كان في صلاته مكثراً من دعاء:


"ربّي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إنّي تُبت إليك وإنّي من المسلمين".


كان يوصي أولاده بالتزام دعاء تعقيب الصلاة: "اللّهمّ إنّ مغفرتك أرجى من عملي...".

كانت وصيّته لأولاده التزام زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) المعروفة بزيارة أمين الله.

التزم صلاة الشكر يومياً بين صلاتي المغرب والعشاء وذلك بعد الافراج عن ابنه السيد صدر الدين القبانچي بعد الحكم عليه بالاعدام عام 79م.

كان بارّاً بوالديه غاية ما يكون البر رغم أنّه لم يشهد العطف اللاّزم منهما حيث هاجرت اُمّه إلى ايران وهو في الأشهر الاُولى من عمره بعد إصرار إخوتها وفرضهم عليها الالتحاق بهم في مدينة دزفول من ايران، ولم تسمح الظروف

الصفحة 30
المعيشيّة الصعبة لأبيه أن يبذل له الحنان الكافي، إلاّ انّه رغم ذلك كان يهدي ثواب جميع أعماله الحسنة لوالديه، ويلتزم الزيارة عنهما يومياً لأمير المؤمنين (عليه السلام).

وكان هذا البرّ هو معلم شخصيّته منذ صباه فقد كان يحمل المصباح الزيتي أمام أبيه حينما كان يذهب لخارج المنزل، وكان يدفع عنه الحرّ بالمروحة اليدويّة حينما يقف مصلياً.

التوكّل على الله تعالى:

كانت قضية التوكّل على الله تمثّل أحد المعاني التي اختمرت فيها شخصية هذا الإنسان العارف بالله والواثق به.

لقد كانت هذه الصفة أحدُ معالم شخصيّته التي نبع منها صمودُهُ وجهادُه، كما نبع منها اطمئنانهُ العظيم وهو في أشدّ لحظات الحرج والشدّة.

لقد حاصره البعثيّون وقطعه المهادنون وابتعد عنه المتخاذلون الخائفون ولم يزده ذلك إلاّ صبراً واعتزازاً بما هو عليه، فكان حقاً مصداقاً بارزاً لما جاء في الحديث الشريف: "من أراد عزّاً بلا عشيرة وهيبةً بلا سلطان فليخرج من ذُلّ معصية الله إلى عزّ طاعته".

العلاقة مع القرآن الكريم:

كان التزامه اليومي بقراءة نصف جزء من القرآن الكريم وبالضبط فيما بعد صلاة الصبح من كل يوم ـ هذا الالتزام الذي لم يتخلّف عنه خلال عشرات السنوات من عمره وفي مختلف الظروف، مضافاً إلى إلزامه كل أفراد العائلة ذكوراً واُناثاً بقراءة هذا المقدار يومياً ـ يدلّل على نمط ارتباط خاص بالقرآن الكريم.


الصفحة 31
وقد طالما كان يوصي أولاده قائلا: "لا تتركوا القرآن" وقد لاحظنا فيما سبق تأكيداته في محاضراته وكتاباته على ضرورة "أن يخصّص ـ كل مسلم ـ قسماً من ساعات ليله ونهاره لتعلّم تعاليم القرآن الكريم".

هذا الاهتمام، وهذه التربية على قراءة القرآن الكريم جعلت ذلك منهجاً لكل أفراد الاُسرة الثمانية عشر ومنذ أيام البلوغ الاُولى، لا يتخلّف عنه، بل كان يهدّد جميع أولاده ببطلان صلاتهم إذا هم لم يقرؤا القرآن الكريم يومياً بالمقدار المذكور.

عشق المطالعة والكتابة والكتاب:

"مادام في البيت لم يُر إلاّ كاتباً أو قارئاً إلاّ ساعة الترويح بالنرگيلة، وهي الساعة التي كان يخصّصها لذلك ولمقابلة بعض أصدقائه الملتزمين زيارته يومياً".

وكان يقول: "ما بذّرت درهماً إلاّ على كتاب".

ثقافة المرأة:

رغم أنه لم يكن يسمح أبداً بالتحاق بناته بالمدارس الحكوميّة، إلاّ أنه كان مصرّاً على أن يتعلّمن القراءة والكتابة والمطالعة من خلال عملية التعليم المنزلي الواحدة للاُخرى.

وإلى جانب ذلك كانت المكتبة الضخمة ـ التي ضمّت أكثر من خمسة عشر ألف مجلّد ـ في المنزل هي رافد تعليمي وتثقيفي مهم جداً لكل أفراد الاُسرة.

الأمر الذي يجعلنا نشهد كل بنات السيد القبانچي التسعة بمستوى عال من الثقافة الإسلاميّة، بل وباقتدار حركي جيّد في مجال العطاء العلمي على مستوى المحاضرات أو الدروس القرآنية الخاصة أو كتابة المقالات.


الصفحة 32
وبنفس الاتجاه من العناية بثقافة المرأة فقد كان السيد القبانچي ملتزماً بتقديم حديث علمي يومياً ـ ولمدّة قد لا تزيد على نصف ساعة ـ يتناول فيه مع أبناء اُسرته في البيت ما تيسَّر له من موضوعات في التاريخ الإسلامي أو سيرة أهل البيت (عليهم السلام) أو غير ذلك.

وإذا كانت المرأة محرومة من التعليم والتعلّم في أحضان المدارس الحكوميّة المنحرفة فقد عمد السيد القبانچي على أن يجعل من البيت مدرسة متكاملة للنساء.

فهناك المكتبة الضخمة للمطالعة، وهناك الدروس الدينية للبنات من قبل الأولاد الذكور، وهناك تشجيع على حركة الكتابة والتأليف.

هذه الملاحظة هي التي جعلت السيد القبانچي ينفرد بظاهرة ربّما تكون بلا نظير اطلاقاً في مجموع من نعرف من العلماء القدامى والمعاصرين وهي ظاهرة تخصّص أولاده الذكور والاُناث للعمل العلمي والتصدّي الديني فقد تفرّغ ثمانية من أبنائه للعمل الإسلامي وتخصّصوا في مجال العلوم الدينيّة، بينما تأهّل للعمل العلمي والتبليغي سبعة من بناته التسعة.

نظام الوقت:

من الظواهر التي يمكن تسجيلها في السيرة الذاتية للسيد القبانچي ظاهرة "تنظيم الوقت"، فساعات النهار والليل كلها مقسّمة لديه وبنحو دقيق جداً.

فما أن يفرغ من صلاة الصبح وتعقيباتها حتّى يشرع بتلاوة القرآن الكريم، وما أن ينتهي من ذلك حتّى يستغرق ساعة من الوقت في التأليف والمطالعة، وما أن ينتهي من تناول طعام الافطار مع كل أفراد الاُسرة بعد ذلك حتّى يعود لاشتغاله