الصفحة 33
العلمي بمدّة قد تستغرق ساعتين أو أكثر، يأخذ بعدها نصيبه من الراحة بتدخين "النرگيلة"، وبعد جولة صغيرة في السوق خارج المنزل لبعض المشتريات المنزلية وللترويح عن نفسه أيضاً يكون قد عاد إلى الكتاب والقلم حتّى الظهر.

وبعد الانتهاء من الصلاة وتناول طعام الغداء، وساعة من النوم، يكون قد شرع مرّة اُخرى ـ في سرداب بيته صيفاً وفي مكتبته الواقعة في الطابق الأعلى من البيت شتاءاً ـ بالكتابة والمطالعة مدة ساعة واحدة يأتي بعدها موعد زيارته لمرقد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) التي لا يُعرف أنه تأخَّر عنها يوماً واحداً طول حياته إلاّ لسفر أو مرض.

وما أن يعود بعدها حتّى يكون قد هيأ النرگيلة الثانية التي لا يمنعه شرب دخانها عن مواصلة الكتابة والمطالعة حتّى ما قبل الغروب.

وهنا يكون قد استعدّ لاستقبال بعض أصدقائه الذين لم ينقطعوا عن زيارته يومياً للاُنس معه.

ولا يستغرق ذلك أكثر من ساعتين يعود بعدها للكتابة أيضاً ثمّ تناول طعام العشاء ثمّ الخلود إلى النوم سريعاً.

يتمنّى الشهادة:

لقد كان يتمنّى الشهادة، لكنّه لم يكن يتمنّاها جَزَعاً، أو فراراً; كان يتمنّاها عشقاً لعظيم مقامها، وافتخاراً لما كتبه الله لأهلها، ولم تكن هذه الأمنية تخامره بعد استشهاد أولاده الأربعة واحداً بعد آخر، بل كان يلقي بنفسه في فم الموت منذ أيامه الاُولى دفاعاً عن الدين، ونشراً لشريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله).

طالما كان يقول: "أتمنّى أن أستشهد على يد البعثيين".


الصفحة 34
وحيث امتدّ به العمر وظنّ أنه قد فاته هذا النصيب، فقد قال:


"لقد كبرت، وكنت لا أتمنّى العمر الطويل، لقد كنت أتمنّى الشهادة خصوصاً على يد مثل هذا النظام اللئيم".



الصفحة 35

اهتماماته العلمية والدينيّة


كان البُعد العلمي هو من أبرز معالم شخصيّة السيد القبانچي فرغم اهتماماته في المجالات الاُخرى إلاّ أنّ العلاّمة المترجَم له كان قد كرّس الشطر الأعظم من حياته للكتابة والتأليف.

حيث نجده مغموراً بالاهتمامات العلمية إلى الدرجة التي لم تفارقه حتّى وهو في سجونه المتكرّرة، ويتجسّد هذا الأمر بوضوح في كيفية شروع المؤلف بتأليف كتابه هذا "مسند الإمام علي (عليه السلام)" فقد انبثقت فكرة تأليفه والعزم على الشروع به أيام تبعيده من قبل حكومة عبد الرحمن عارف الطائفية إلى مدينة راوة في شمال العراق كما يذكر ذلك في خاتمة كتابه حيث يقول:


"وكان الشروع في تأليف هذا الكتاب سنة ألف وثلاثمائة والسابعة والثمانين هجرية والحمد لله أولا وآخراً، وكانت فكرة تأليف هذا المسند تخامرني وأنا في المنفى في ناحية راوة وهي قرية تابعة لقضاء عانة تقع على شط الفرات ومنها إلى سوريا حيث بعّدنا عبد الرحمن



الصفحة 36

عارف رئيس الجمهورية يومذاك، فقضينا شهراً واحداً في التبعيد، وعند رجوعنا إلى النجف الأشرف سنة ألف وثلاثمائة وسبعة وثمانين هجريّة شرعنا في تأليف هذا المُسند ولله الحمد والشكر وله المن".


وبنفس الاندفاع العلمي، والشَغَف في الكتابة والتأليف، ورغم قساوة ظروف السجن(1) كان يواصل تدوين كتابه "جولة في ربوع الأدب" بعدما سُمح له في الأشهر الأخيرة بمواجهة بعض أولاده ومتعلّقيه.

وبهذا العشق والوله العلمي كان السيد القبانچي قد اندفع لتكوين خامس أو سادس أكبر مكتبة علميّة شخصيّة في مدينة العلم (النجف الأشرف) حيث كانت نفقاته في شراء الكتب تستغرق قسماً كبيراً من نفقاته الشخصيّة تبعاً للضرورة التي تفرضها عليه اهتماماته العلمية ذات الطبيعة الموسوعيّة، ولعلّ الأهم فيما يجب الاشارة إليه من حياته العلميّة هو طبيعة الموضوعات التي تناولها في مؤلفاته، حيث اتّسمت بمعالجة الفراغات الفكريّة التي يواجهها الجمهور المعاصر يومئذ، وبضغط الهجمة الفكرية الشرسة على العالم الإسلامي، حيث نجده يقول في مقدمة كتابه "الجواهر الروحيّة" في المجلّد الثاني منه:


"وإنّي لأعتبره مجرد رسالة بسيطة للجامعة الإنسانية ومحبّيها، حملها أخ لهم سبقت إلى فؤاده لُمَع من أضواء المعرفة وأراد أن تنعكس على


____________

1- يروي الحاج الوجيه الشيخ كامل الكندي والذي كان رفيقاً للسيد القبانچي في السجن انه تمّ اعتقاله في الشهر الخامس من عام 84م وتمّ اطلاق سراحه في الشهر العاشر من عام 80م.

ولم تكن غرفة السجن التي لا تتجاوز 24م تتسع للعدد المكتظ في داخلها والذي لا أكاد أحصيه حتّى كنّا إذا أردنا النوم يقوم بعضنا وينام الآخر، وإذا أراد بعضنا أن يتقلب في منامه يميناً وشمالا فعليه أن ينهض قائماً ثمّ يدير نفسه لينام من جديد على الجانب الآخر.

واستمر مكثنا في هذه الغرفة ستة أشهر، نقلونا بعدها إلى غرفة اُخرى بمساحة 4×5 متر ونحن 45 شخصاً، ولشدة الزحام فيها وطبيعة التعامل، وحرارة الجو فقد توفي ستة من السجناء فيها.

ولم تكن لدينا خلال هذه الفترة أية مقابلة مع أحد من ذوينا، وبعدها هيئوا لنا غرفة أكثر اتّساعاً وسمح لنا بالمقابلة مع ذوينا.


الصفحة 37

أفكارهم واضحة جليّة جلاء الشمس تهدي إلى الرشد وتدعو إلى سواء السبيل، أو خطاباً متواضعاً موجّهاً إلى مثقفي أبناء الجيل، ليس له في نفسه قيمة سوى ما يهدف إليه من نزعة اخلاص وحب في فرد من أفرادها.


وفيما عدا ذلك فانّ نظرة شاملة إلى مؤلفاته تكشف لنا عن اتجاهه العام في الدفاع عن أهل البيت (عليهم السلام)، والدعوة للإستفادة من عطائهم العلمي والتربوي حيث واجهوا ـ في المجال العلمي كما هو في المجال السياسي ـ ظلماً واضحاً على مرّ التاريخ.

وإذا قرأت ما كتبه المؤلف في مقدّمته لكتابه "مُسند الإمام علي(عليه السلام)" تجده قد توهّج قلبه بنور محبّتهم، وأنوار علمهم، وتجد أن جواره لمرقد الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) في النجف الأشرف قد مسكه بحبل وثيق حتّى تجده في كلّ مؤلفاته يعود بمناسبة واُخرى للانتهال من عطاء شخصيّة هذا الإمام العظيم وأحاديثه ومواقفه(1).

فنجده يقول:


"ولم تكن محاولتي هذه لجمع تراث هذا الإمام العظيم في البداية إلاّ تعبيراً عن اتجاهي العاطفي والروحي والعقيدي العميق إلى أن أعيش بفكري وقلبي ووجداني مع هذا الإمام، وأتفاعل مع كل كلمة منه، واستضيء بكل قَبَس شعَّ به، فقد نشأتُ مشدوداً إلى علي (عليه السلام)بكياني كله، متطلعاً فيه إلى كل ما يصبوا إليه الإنسان من مُثُل وقِيَم وقوى جذب وشد.


____________

1- ولم يكفِهِ ما كتبه عن الإمام علي (عليه السلام)، بل كان يقول متمنياً: "أين أولادي ليكتبوا عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنّه بحر مهما نكتب عنه فهو قليل".

وكان يقول: "أني حاولت في كل أحاديثي ومجالسي أن أربط الناس بشخصية هذا الإمام، وأستفيد من بعض خطبه وكلماته".


الصفحة 38

يشدّني إليه قبل كل شيء أمرُ الله سبحانه وتعالى بمولاته وحبّه واتباعه....

ويشدّني إليه بعد ذلك أني وجدته بحراً من العلم لا جزر له، ومعيناً من الحكمة لا ينضب....

ويشدّني إليه إضافةً إلى هذا وذاك أني رأيت هذا الإنسان الأمثل فريداً في مظلوميته كما هو فريدٌ في إيمانه وعلمه ومنزلته عند ربّه ونبيّه....

ولئن تعدَّدت مظاهر المظلوميّة لهذا الإمام الممتَحَن فلقد امتدت بعض هذه المظاهر إلى مجالات البحث العلمي أيضاً....

وبالتالي فقد رأيتُ أن أدفع بدوري وبقدر إمكاناتي المحدودة المتواضعة هذه الظلامة عن الإمام صلوات الله عليه من بين ظلاماته الكثيرة...".


ونجده من ناحية اُخرى قد انفرد فيما كتبه عن أهل البيت(عليهم السلام); فهو لم يكتب عن ترجمة حياتهم بالطريقة التقليدية، وإنما ابتكر مفردات جديدة في التأليف كانت ـ وما تزال ـ تفتقر إليها المكتبة الإسلاميّة.

فقد كان كتابه "على والاُسس التربويّة" شرحاً موسّعاً لوصية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام).

فيما كان كتابه "شرح رسالة الحقوق" الضخم إبداعاً في مجال شرح رسالة واحدة للإمام زين العابدين (عليه السلام).

أمّا كتابه الموسوعي "مُسند الإمام علي (عليه السلام)" فهو ابتكار لم يسبقه إليه أحد في هذا المجال إلاّ الشريف الرضي في كتابه "نهج البلاغة" وفي إتجاه أدبي وبلاغي فقط.


الصفحة 39

الوصيّة بطلب العلم ونشره:

واعتقاداً بالضرورة الملحّة لطلب العلوم الإسلامية ونشرها، وبخاصة التعريف بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)واكتشاف حقائقها وجواهرها، فقد كان يرغب لكلّ أولاده الذكور التسعة أن يكونوا من رجال العلم، وحملة علوم القرآن، وفكر أهل البيت (عليهم السلام)، وقد كان يدفعهم بهذا الاتجاه ويشوّقهم عليه، وكانت اُمنيته أن يرى أبناءه قد التحقوا بركب الحوزة العلميّة الشريفة.

حركة التجديد الإسلامي:

عند التتبّع لمجمل حركة السيد القبانچي العلمية والعملية نلاحظ أنه كان مُعجباً بحركة السيد جمال الدين الأفغاني، وآفاق الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء، ثمّ كتابات الشهيد الصدر.

حيث أنّ رؤيته كانت تنطلق من الايمان بضرورة إيجاد حركة تجديديّة في الواقع الإسلامي على مستوى الفكر والمنهج، وهذا هو ما سعت إليه الشخصيّات السابقة التي أعطاها العلاّمة القبانچي تقديراً خاصاً.


الصفحة 40

التعريف بمؤلفاته


الكتب المطبوعة:

1 ـ "الجواهر الروحيّة"، ثلاث مجلدات; صدر الأول بتاريخ 1375 هـ، وصدر الثاني بتاريخ 1377 هـ، وصدر الثالث بتاريخ 1381 هـ.

2 ـ "علي والاُسس التربويّة"، مجلّد واحد ضخم; صدر بتاريخ 1378 هـ.

3 ـ "شرح رسالة الحقوق"، مجلّدان; وطبع ثلاث مرّات.

4 ـ "مسند الإمام علي (عليه السلام)" وهو هذا الكتاب.

الكتب غير المطبوعة:

5 ـ أنوار الحِكم ومحاسِن الكِلَم، أربع مجلّدات.

6 ـ الجواهر الروحيّة، المجلّد الرابع.

7 ـ الجرائم الأمويّة والعباسيّة، مجلّد واحد.


الصفحة 41
8 ـ النجف في الشعر قديماً وحديثاً، مجلّد واحد.

9 ـ ماذا للأئمة الاثني عشر من فضائل، أربع مجلّدات.

10 ـ الحكمة والحكماء، ثمان مجلّدات صغيرة، وقد ترجم فيه للإمام الخميني وللسيد الشهيد الصدر بعد شهادته حتّى سجّل فيه موقع دفنه، وما رؤي على جثته من آثار التعذيب، وكان قد أخذ هذه المعلومات من بعض أرحام السيد الشهيد الصدر الذين شهدوا جنازته ودفنه.

11 ـ جولة في ربوع الأدب، مجلّد واحد.

12 ـ صوت الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة، مجلّد واحد.

13 ـ نكبة التاريخ العظمى في سبط النبوّة، قال عنه العلاّمة الشيخ آقا بزرك الطهراني: "في تاريخ سيد الشهداء للحسن بن عليّ بن الحسن القبانچي النجفي الخطيب المولود سنة 1328 هـ في جزءين"(1).

14 ـ نزهة الخواطر وسمير الساهر، قال عنه العلاّمة الطهراني: "كشكول فيه فوائد متفرقة"(2).

15 ـ مجموعة المراثي للشعراء المتقدّمين والمتأخرين، قال عنه العلاّمة الطهراني: "رأيته بخطّه وهو بعد مشغول بالالحاق إليه"(3).

16 ـ تصحيح الصحابة، حدّثنا بذلك الشيخ كامل الكندي ـ دام عزّه ـ حيث قال: زرته أكثر من مرّة بعد الافراج عنّا من السجن فوجدته مشغولا بكتاب (تصحيح الصحابة) يبحث فيه عن الصحابة الذين لا حقيقة لهم ولا وجود وإنّما اختلقوا على ألسنة الوضّاعين.

____________

1- الذريعة 24: 301.

2- الذريعة 24: 116.

3- الذريعة 20: 69، 105.


الصفحة 42
17 ـ منية الطالب في حياة أبي طالب، مجلّد واحد، نقلت فصول منه في كتاب "علي والاُسس التربوية" ص345.


*  *  *

اعتقد أن ما جاء في التقديم لكتب العلاّمة القبانچي بقلم علماء النجف الأشرف الذين عاصروه يكفي في التعريف بالقيمة العلميّة لكتبه أعلى الله شأنه.

ولذا سوف نقتصر على مقتطفات مما جاء بأقلامهم الكريمة، مبتدئين بنقل بعض مقاطع من كلام المؤلف نفسه في هدف التأليف ومحتوى الكتاب.

كتاب "الجواهر الروحيّة":

الكتاب هو عبارة عن دراسة موسّعة لموضوعات مختلفة في الفكر الإسلامي كان المؤلف يلقيها بشكل محاضرات على مستمعيه في مدن متعددة من العراق، وخلال مواسم التبليغ الديني.

وقد تناولت موضوعات هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة مجموعة أبحاث هامة في مسائل حسّاسة مثل:

"ضرورة الدين للإنسان" و "نظرية الإسلام في الروابط الاجتماعية" و "حقوق المرأة في الإسلام" و "قضية الحجاب والسفور" و "الربا وفلسفة تحريمه في الإسلام" و "الدنيا في نظر الإسلام" و "حقيقة التجدّد ومعناه" و "القرآن دستور الدين الإسلامي" و "الطب وأثره في الإسلام" و "الخمرة ومضارها" و "الإسلام والمسيحية" و "التبشير والمبشّرون" وغيرها من أبحاث هامّة.

يقول المؤلف عن هذا الكتاب:


"مجموعة من المباحث أتت على هذه الصورة لا أدّعي أني ابتكرتها،



الصفحة 43

أو جئت بكل جديد فيها، ولكني أحسب أني عانيت فيها اجتهاداً خاصاً، إجتهاداً في فهم المنقول، إجتهاداً في إدراك المعقول في ضوء ما آتاني الله تعالى من علم وهو ضئيل بلا جدال".


ولننظر الآن ماذا كتب عنه العلماء:

كتب العلاّمة الحجة المحقق السيد محمّد صادق بحر العلوم (قدس سره) في تقديمه للجزء الأول من كتاب الجواهر الروحية ما نقتطف قسماً منه يقول فيه:


"وبعد فقد تسلّمت في هذا اليوم بالبريد كتابكم الثمين (الجواهر الروحيّة) ولعمري أنه جواهر لروح كل من يقدرّه ويقدّر مؤلفه البارع، والحري بأن يسمى الغذاء الروحي أو الأغذية الروحية.

فأرجو من الله تعالى أن يوفقك أيها الأخ إلى طبع الأجزاء الاُخر لتستفيد الاُمة الإسلاميّة، وتعرف من أين تؤكل الكتف، ومن أي شريعة تغترف.

هذا وبالعجالة إني اُهنئك باخراج هذا السفر الثمين الذي هو غرّة في جبين الدهر، وجوهرة ثمينة لا يقدّرها إلاّ عباد الله المخلصون، والعلماء العارفون بالحقائق".


كتاب "علي والاُسس التربوية":

هذا الكتاب هو شرح لوصية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام) حيث قدّم المؤلف فيه دراسة موسَّعة للجوانب التربوية والأخلاقية من خلال ما جاء في هذه الوصيّة(1).

____________

1- يقول عنه العلاّمة المؤرخ آقا بزرك الطهراني أنه ابتدأ به في 21 شوال عام 1358 هـ.

الذريعة 26: 309.


الصفحة 44
ويعتبر الكتاب أول مبادرة في هذا المجال، كما سنرى أنّ كتاب "شرح رسالة الحقوق" هو أول مبادرة في مجال شرح ودراسة رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام).

يقول المؤلف في مقدمة كتابه:


"إنّ هذه الوصيّة لم تلاق من الكتّاب والشرّاح العناية التي تستحقها، فقد بعدوا عن كثير من مطالبها المهمّة الثرية التي يجد الإنسان فيها سعادته واطمئنانه لو أحسن استعمالها، ولم يعطوها نصيبها كما أعطوا غيرها ممّن هي دونها ودونها بأشواط.

ولقد كان حرياً أن يُحتفل بها كما احتفلت هي بطاقات الحياة كلها، ووجّهت القلوب لكل منحة منحها الله، وكل آية من آيات الله.

حاولت في هذه الأوراق أن اُشير إلى هذه الثروة الضخمة وفوائدها، وإذا لم أبلغ الكمال فحسبي أني بذلت أقصى ما لديَّ من جهد، وإذ لم أعرض على القارئ جميع حقائقها وأسرارها فأني قدمت له ما يكفي للدلالة على عظمتها، وقوة تعاليمها، وسموّ غاياتها...".


وكتب العلاّمة آية الله السيد محمّد جواد الطباطبائي التبريزي في مقدّمته لهذا الكتاب ما هذا نصّه:


"ومن أبدع ما أشرقت علينا شمسه في أسفاره الجليلة النافعة كتاب (علي والاُسس التربوية في شرح الوصيّة) فانك بالنظر في صفحات هذا السفر الجليل تعرف قيمة ما يسديه إلى اُمّته من وقت لآخر بتلك المؤلفات القيّمة والصحف الخلقيّة العظيمة التي تهديها سواء السبيل، وتسمو بها إلى الحياة الطيّبة حياة الحكمة والرشد والفضيلة والمروءة وغيرها من الخلال التي تكفل للاُمة السعادة والهناء".



الصفحة 45

كتاب "شرح رسالة الحقوق":

الكتاب هو شرح لرسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام)، وهي رسالة بَسط فيها الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)الحقوق المفروضة على العباد في المجالات الفرديّة والاجتماعيّة والسياسيّة حتّى كان بمثابة لائحة حقوقيّة قانونيّة شاملة.

قال المؤلف في بيان أسباب اندفاعه لتأليف هذا الكتاب:


"...انّ العناية أعادت الكرّة فوحَّدت بين السمع والبصر والعقل، فحفزَّتني إلى وضع شرح (رسالة الحقوق) المستوحاة من الإمام زين العابدين (عليه السلام) وإلى اقتفاء الخطوط العريضة التي رسمها في حق الفرد والمجتمع، وأحسب أنّ هذا الشرح بداية جديدة من نوعها....

لذلك ولهذا كله فقد قضيت في شرح هذه الرسالة فترة من حياتي استروحت فيها ما لا استروحه في سواها من مؤلفاتي....

انّ هذا المؤلَّف بجزأيه ليس إلاّ شقّ طريق للبحث في موضوع هذه الرسالة الوعر الذي لم يتصدَّ له كاتب عربي وغير عربي فيما أحسب عسى أن يتحمَّس من هو أغزر علماً وأقدر للبحث فيه...".


كتاب "صوت الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة":

هذا الكتاب لم يصدر بعد، كما أنه ليس في متناول أيدينا(1) لنتعرّف على منهجه وفصوله إلاّ أنّ مؤلفه السيد الوالد كان قد كتب لي وأنا في دار الهجرة ايران الإسلامية يقول عنه:

____________

1- ومثل ذلك باقي الكتب المذكورة سابقاً، فإنّها لم تَزَل بعيدة عنّا، محفوظة في النجف الأشرف.


الصفحة 46

"وبعد انّ كتابنا (صوت الإمام علي في نهج البلاغة) وهو مختارات من خطب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كنّا نحاضر بها في بعض المناسبات مع شرح واف أخلاقي وأدبي وتاريخى، وردّ ونقد، وأمام الكتاب أقوال وآراء لجمهرة من عباقرة العلم والأدب حول نهج البلاغة.

هذا مضمون الكتاب وجلّ الرغبة أن تصدّر أمام الكتاب كلمة تتضمَّن ما بين دفّتيه".



الصفحة 47

اتجاهاته السياسيّة


لم تكن الموضوعات التي تناولها العلاّمة القبانچي لمحض المطارحات الفكريّة، أو مختصة بأبحاث عقائدية نظرية، بل كانت في قسم مهمّ منها معالجة علميّة وأخلاقيّة لقضايا سياسيّة ملحّة في المجتمع.

لقد عاش العراق في الحقبة الزمنية التي نؤرخ لها مجموعة من التيارات السياسيّة، والأفكار الدخيلة على العالم الإسلامي، وكانت هناك حاجة ملحّة لمواجهة هذه التيارات، ونقد هذه الأفكار.

هذا الأمر هو الذي صَبغَ كتابات سيدنا المترجَم له في قسم كبير منها بلَون الأبحاث الواقعية والميدانيّة، وجعلها تتمتع بروح المعالجة للأحداث والوقائع القائمة.

وهذا النمط من الأبحاث والمحاضرات هو الذي وَضع العلاّمة القبانچي موضع الرجل المصلح، والمرشد والمربّي كما جاء على ألسنة معاصريه.

وتتكشّف اتجاهاته السياسية من خلال أهم النقاط التي تناولها في أبحاثه ذات

الصفحة 48
العلاقة بهذا المجال.

نقد الحريّة الغربيّة:

لقد كرّس العلاّمة القبانچي قسماً من أحاديثه وأبحاثه لمواجهة الغزو الثقافي القادم من الغرب، والذي باتت قطاعات واسعة من شبابنا تُخدَع بشعاراته الكاذبة والبرّاقة.

نراه يقول:


"تقوم في هذه الأيام ضجّة حول التمسك بالحرية وما عداها، ويا ليتها الحريّة العفيفة الفاضلة، ولكنها الحرية التي تطلقها أو تدّعيها مدنيّة الدول الكافرة والمشركة والملحدة.

هذه الحرية التي تقضي بأن يختفي الإسلام ويضيع بين أهله، وتنهدر كرامة بنيه، وعزّة شبابه، وعرض نسائه.

الحرية التي تجعل الإنسان ينطلق بغرائزه مفضلا نفسه على الغير، وباحثاً عن منفعته الخاصة دون التفات الى وجود غيره.

الحرية التي تجعل الشباب يشبع غرائزه من أعراض الآخرين.

الحرية التي تملأ البطون من موائد الغصب والنصب والتزوير والرشوة.

الحرية التي تفرض الزعامات على الناس للعبث والافساد وباسم الدين أو الوطنيّة....

الحرية التي تقوم الحروب لحمايتها واستعمرت الأراضي الإسلامية باسمها.

اليهود أحرار فيما يفعلون.