الصفحة 90

الباب الرابع:

في إنّ حديثهم صعب مستصعب


270/1 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

خالطوا الناس بما يعرفون ودعوهم ممّا ينكرون ولا تحملوهم على أنفسكم وعلينا، إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد قد امتحن الله قلبه للايمان(1).

271/2 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

إذا سمعتم من حديثنا ما لا تعرفون فردّوه إلينا وقفوا عنده وسلّموا حتّى يتبيّن لكم الحق، ولا تكونوا مذاييع عجلى(2).

272/3 ـ إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حمّاد، عن صباح المزني، عن الحارث بن حصيرة، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سمعته يقول:

____________

1- البحار 2: 183; مصابيح الأنوار، في حل مشكلات الأخبار 1: 342 ح52; الخصال، حديث الأربعمائة: 624.

2- الخصال، حديث الأربعمائة: 627; البحار 2: 189.


الصفحة 91
إنّ حديثنا صعب مستصعب، خشن مخشوش، فانبذوا إلى الناس نبذاً، فمن عرف فزيدوه ومن أنكر فأمسكوا، لا يحتمله إلاّ ثلاثة: ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان(1).

273/4 ـ محمّد بن أحمد، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن عبّاد بن يعقوب الأسدي، عن محمّد بن إبراهيم، عن فرات بن أحمد، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنّ حديثنا تشمئزّ منه القلوب، فمن عرف فزيدوهم ومن أنكر فذوروهم(2).

274/5 ـ محمّد بن علي بن عبد الصمد، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي الحسين بن أبي الطيّب، عن أحمد بن القاسم الهاشمي، عن عيسى، عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، عن صالح بن ميثم، عن أبيه، قال: بينما أنا في السوق، إذ أتاني أصبغ بن نباتة، فقال: ويحك يا ميثم لقد سمعت من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حديثاً صعباً شديداً، فأينا يكون كذلك؟ قلت: وما هو؟ قال: سمعته يقول: إنّ حديثنا أهل البيت صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للايمان. فقمت من فورتي فأتيت علياً (عليه السلام) فقلت: يا أمير المؤمنين حديث أخبرني به الأصبغ عنك قد ضقت به ذرعاً، قال: وما هو؟ فأخبرته، قال: فتبسّم ثمّ قال: اجلس يا ميثم أوَ كلّ علم يحتمله عالم، إنّ الله تعالى قال لملائكته: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(3) فهل رأيت الملائكة احتملوا العلم؟ قال: قلت هذه والله أعظم من ذلك، قال: والأخرى أنّ

____________

1- في بصائر الدرجات، باب حديثهم صعب مستصعب: 41; البحار 2: 192.

2- في بصائر الدرجات، باب حديثهم صعب مستصعب: 43; البحار 2: 193.

3 ـ البقرة: 30.


الصفحة 92
موسى (عليه السلام) أنزل الله (عزّ وجلّ) عليه التوراة فظنّ أن لا أحد أعلم منه، فأخبره الله عزّ وجلّ أنّ في خلقي من هو أعلم منك، وذاك إذ خاف على نبيّه العجب، قال: فدعا ربّه أن يرشده إلى العالم، قال: فجمع الله بينه وبين الخضر، فخرق السفينة فلم يحتمل ذاك موسى، وقتل الغلام فلم يحتمله، وأقام الجدار فلم يحتمله، وأمّا المؤمنون فإنّ نبيّنا (صلى الله عليه وآله) أخذ يوم غدير خُم بيدي فقال: اللّهمّ من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه، فهل رأيت احتملوا ذلك إلاّ من عصمه الله منهم، فابشروا ثمّ ابشروا فإنّ الله تعالى قد خصّكم بما لم يخصّ به الملائكة والنبيين والمرسلين فيما احتملتم من أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلمه(1).

275/6 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ عبد امتحن الله قلبه للايمان، ولا تعي حديثنا إلاّ صدور أمينة وأحلام رزينة(2).

276/7 ـ محمّد بن عبد الجبار، عن أبي عبد الله البرقي، عن فضالة بن أيوب، عن ابن مسكان، عن الثمالي، قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) بالناس ثمّ قال:

إنّ الله اصطفى محمّداً (صلى الله عليه وآله) بالرسالة وأنباءه بالوصي، وأنال في الناس وأنال، وفينا أهل البيت معاقل العلم وأبواب الحكمة وضياؤه وضياء الأمر، فمن يحبّنا منكم نفعه إيمانه ويقبل عمله، ومن لم يحبّنا منكم لم ينفعه إيمانه، ولا يتقبّل عمله(3).

277/8 ـ روي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قاعداً في المسجد وعنده جماعة من أصحابه فقالوا له: حدّثنا يا أمير المؤمنين فقال لهم: ويحكم إنّ كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلاّ العالمون، قالوا: لابدّ من أن تحدّثنا، قال: قوموا بنا، فدخل الدار، فقال: أنا الذي علوت فقهرت، أنا الذي أحيي وأميت، أنا الأوّل والآخر،

____________

1- البحار 2: 210; تفسير فرات: 4 ح14; البحار أيضاً 25: 383; بشارة المصطفى: 148.

2- نهج البلاغة: خ189; البحار 2: 212.

3- بصائر الدرجات: 383; البحار 2: 215.


الصفحة 93
والظاهر والباطن، فغضبوا وقالوا: كفر! فقال علي (عليه السلام) : يا باب استمسك عليهم، فاستمسك عليهم الباب، فقال: ألم أقل لكم إنّ كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلاّ العالمون؟ تعالوا اُفسِّر لكم، أمّا قولي أنا الذي علوت فقهرت فأنا الذي علوتكم بهذا السيف ففرّقتكم حتّى آمنتم بالله ورسوله، وأمّا قولي أنا اُحيي واُميت فأنا اُحيي السنّة واُميت البدعة، وأمّا قولي أنا الأوّل، فأنا أوّل من آمن بالله وأسلم، وأمّا قولي أنا الآخر، فأنا آخر من سَجّى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثوبه ودفنه، وأمّا قولي أنا الظاهر والباطن، فأناعندي علم الظاهر والباطن، قالوا: فرّجت عنّا فرّج الله عنك(1).

____________

1- البحار 42: 189; الاختصاص للمفيد: 163.


الصفحة 94

الباب الخامس:

في الأحاديث الموضوعة


278/1 ـ عبد الله بن جعفر، عن ابن ظريف، عن ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه، قال: قرأت في كتاب لعلي (عليه السلام) :

أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنّه سيكذب عليَّ كما كذب على من كان قبلي، فما جاءكم عنّي من حديث وافق كتاب الله فهو حديثي، وأمّا ما خالف كتاب الله فليس من حديثي(1).

279/2 ـ أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام) قال: قال عليّ (عليه السلام) :

إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه(2).

____________

1- قرب الاسناد: 92 ح305; البحار 2: 227.

2- أمالي الصدوق، مجلس 58: 300; البحار 2: 227.


الصفحة 95
280/3 ـ حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا غندر (بن) شعبة، حدّثنا محمّد بن المثنى وابن بشّار، قالا: حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن منصور، عن ربعي ابن حراش، أنّه سمع علياً (رضي الله عنه) يخطب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تكذبوا عليّ فإنّه من يكذب عليّ يلِج النار(1).

281/4 ـ حدّثنا محمّد بن فُضيل، عن الأعمش، عن حبيب، عن ثعلبة، عن عليّ (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النار(2).

282/5 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده إلى الأشتر:

واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب، ويشتبه عليك من الاُمور، فقد قال الله سبحانه لقوم أحبّ إرشادهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}(3) فالردّ إلى الله الأخذ بمحكم كتابه، والردّ إلى الرسول الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة(4).

____________

1- صحيح مسلم 1: 7; صحيح البخاري 1: 117 ح104; مسند أحمد، 1: 83 و150.

2- مسند أحمد 1: 78.

3 ـ النساء: 59.

4- نهج البلاغة: كتاب 53; البحار 2: 244.


الصفحة 96

الباب السادس:

في اختلاف الحديث


283/1 ـ محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي، قال: قلت لأمير المؤمنين صلوات الله عليه: إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبيّ الله (صلى الله عليه وآله) غير ما في أيدي الناس، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبيّ الله (صلى الله عليه وآله) أنتم تخالفونه فيها وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمّدين، ويفسّرون القرآن بآرائهم؟ قال: فأقبل عليّ فقال:

قد سألت فافهم الجواب: إنّ في أيدي الناس حقاً وباطلا، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عهده حتّى قام خطيباً فقال: أيها الناس قد كثرت عليّ الكذابة، فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار، ثمّ كذب عليه من بعده، وإنّما

الصفحة 97
أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الايمان متصنّع بالإسلام، لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)متعمّداً، فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا قد صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورآه وسمع منه وأخذ عنه وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عزّ وجلّ: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}(1) ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان، فولّوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلاّ من عصم الله، فهذا أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً لم يحمله على وجهه ووهم فيه، ولم يتعمّد كذباً فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه، فيقول: أنا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلو علم المسلمون أنّه وُهِمَ لم يقبلوه، ولو علم هو أنّه وُهِمَ لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء ثمّ أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنّه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع لم يكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ، فإنّ أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم ومتشابه، قد كان يكون من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكلام له وجهان: كلام عام وكلام خاص مثل القرآن، وقال الله عزّ وجلّ في كتابه: {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(2) فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وليس كلّ أصحاب

____________

1 ـ المنافقون: 4.

2 ـ الحشر: 7.


الصفحة 98
رسول الله (صلى الله عليه وآله)كان يسأله عن الشيء فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه، حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي والطاري فيسأل رسول الله حتّى يسمعوا.

وقد كنت أدخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلّ يوم دخلة، وكلّ ليلة دخلة، فيخليني فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول الله أنّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربّما كان في بيتي يأتيني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر ذلك في بيتي، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عنّي نساءه، فلا يبقى عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عنّي فاطمة، ولا أحد من بَنيّ، وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكتّ عنه وفُنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها عليّ فكتبتها بخطّي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها، وخاصّها وعامّها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه عليّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئاً علّمه الله من حلال وحرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلاّ علّمنيه، وحفظته، فلم أنس حرفاً واحداً، ثمّ وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، فقلت: يا نبيّ الله بأبي أنت واُمّي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفُتني شيء لم أكتبه أفتتخوّف عليّ النسيان فيما بعد؟ فقال: لا، لست أتخوّف عليك النسيان والجهل(1).

____________

1- الكافي 1: 62; الاحتجاج 1: 393; خصال الصدوق، باب الأربعة: 255; وسائل الشيعة 18: 152; البحار 2: 228; مستدرك الوسائل 17: 339 ح21528; أربعين الشيخ البهائي في الحديث الحادي والعشرين; كتاب سليم بن قيس: 62.


الصفحة 99


مبحث
البدع والأهواء والقياس





الصفحة 100

الصفحة 101

الباب الأول:

في النهي عن اتباع أهل البدع والأهواء والقياس


284/1 ـ محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن علي الوشّاء، وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، جميعاً، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس، فقال:

أيّها الناس إنّما بدءُ وقوع الفتن أهواء تُتبَع وأحكام تُبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يتولّى فيها رجال رجالا، فلو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، ولو أنّ الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضِغثٌ ومن هذا ضِغثٌ فيمزجان فيجيئان معاً، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى(1).

285/2 ـ وعنه، عن محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه، وعليّ بن إبراهيم (عن

____________

1- الكافي 1: 54.


الصفحة 102
أبيه)، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب رفعه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال:

إنّ من أبغض الخلق إلى الله عزّ وجلّ لرجلين: رجل وكّله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة، قد لهج بالصوم والصلاة، فهو فتنة لمن افتتن به ضالّ عن هدي من كان قبله، مضلّ لمن اقتدى به في حياته وبعد موته، حمّال خطايا غيره رهن بخطيئته، ورجل قَمش جهلا في جهّال الناس، عان بأغباش الفتنة، قد سمّاه أشباه الناس عالماً ولم يغن فيه يوماً سالماً، بكر فاستكثر، ما قلّ منه خير ممّا كثر، حتّى إذا ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل، جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، وإن خالف قاضياً سبقه، لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده كفعله بمن كان قبله، وإن نزلت به إحدى المهمّات المعضلات هيأ لها حشواً من رأيه ثمّ قطع به، فهو مِن لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ، لا يحسب العلم في شيء ممّا أنكر، ولا يرى أنّ وراء ما بلغ فيه مذهباً، إن قاس شيئاً بشيء لم يكذّب نظره، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه لكيلا يُقال له لا يعلم، ثمّ جسر فقضى، فهو مفتاح عشوات، ركّاب شبهات، خبّاط جهالات، لا يعتذر ممّا لا يعلم فيسلم، ولا يعضّ في العلم بضرس قاطع فيغنم، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم، تبكي منه المواريث، وتصرخ منه الدماء، يستحلّ بقضائه الحرام ويحرّم بقضائه الفرج الحلال، لاملئ بإصدار ما عليه ورد، ولا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق(1).

286/3 ـ وعنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن

____________

1- الكافي 1: 55; الاحتجاج 1: 621 ح143; إحياء الاحياء 1: 159.


الصفحة 103
صدقة، قال: حدّثني جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) أنّ علياً (عليه السلام) قال: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس(1).

287/4 ـ أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، ومحمّد ابن سنان، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله، عن أبيه، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا رأي في الدين(2).

288/5 ـ أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في كتابه آداب أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: لاتقيسواالدين فإن أمر الله لايقاس، وسيأتي قوم يقيسون هم أعداء الدين(3).

289/6 ـ عن عليّ (عليه السلام) : لا تقيسوا الدين، فإنّ الدين لا يقاس، وأوّل من قاس إبليس(4).

290/7 ـ أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن حفص بن عمرو، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن عليّ صلوات الله عليه، قال:

من مشى إلى صاحب بدعة فوقّره، فقد مشى في هدم الإسلام(5).

291/8 ـ عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابنا رفعه، قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه في كلام ذكره:

إنّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه، ولكن أتاه عن ربّه فأخذ به(6).

292/9 ـ عن عليّ صلوات الله عليه، قال:

علّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به لا تغلب عليهم المرجئة برأيها، ولا

____________

1- الكافي 1: 58; وسائل الشيعة 18: 25; البحار 2: 299; قرب الاسناد: 10 ح35.

2- محاسن البرقي 1: 323 ح676 باب المقاييس والرأي; البحار 2: 315; وسائل الشيعة 18: 33.

3- محاسن البرقي 1: 339 ح695; البحار 2: 308; وسائل الشيعة 18: 33.

4- كنز العمال 1: 209 ح1049.

5- وسائل الشيعة 11: 508; المحاسن 1: 330 ح671.

6- وسائل الشيعة 18: 26; الكافي 2: 45 ح1.


الصفحة 104
تقيسوا الدين فإنّ من الدين ما لا يقاس، وسيأتي أقوام يقيسون فهم أعداء الدين، وأوّل من قاس إبليس، إيّاكم والجدال فإنّه يورث الشك، ومن تخلّف عنّا هلك(1).

293/10 ـ قال علي صلوات الله عليه: إذا سمعتم العلم فاكظموا عليه، ولا تخلطوه بهزل فتمجّه القلوب(2).

294/11 ـ عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن عمر بن اُذينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في حديث طويل، قال:

ومن عمى نسى الذكر واتّبع الظن، وبارز خالقه، إلى أن قال: ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين(3).

295/12 ـ ابن المتوكلّ، عن عليّ، عن أبيه، عن الريّان بن الصلت، عن عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) ، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه، قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عزّ وجلّ: ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي، وما عرفني من شبّهني بخلقي، ولا على ديني من استعمل القياس في ديني(4).

296/13 ـ عليّ بن محمّد الخزاز، عن الحسين بن محمّد بن سعيد، عن محمّد بن أحمد الصفواني، عن مروان بن محمّد السنجاري، عن أبي يحيى التميمي، عن يحيى البكّاء، عن عليّ (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستفترق اُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة: فرقة منها ناجية والباقون هالكون، والناجون الذين يتمسّكون بولايتكم، ويقتبسون من عملكم،

____________

1- وسائل الشيعة 18: 27; الخصال، باب الأربعمائة: 615; البحار 2: 308.

2- إحياء الإحياء 1: 160.

3- الكافي 1: 62; وسائل الشيعة 18: 25.

4- البحار 3: 291; وسائل الشيعة 18: 28; الاحتجاج 2: 383 ح288; التوحيد، باب التوحيد: 68 ح23.


الصفحة 105
ولا يعملون برأيهم، فاُولئك ما عليهم من سبيل، الحديث(1).

297/14 ـ عن بعض أصحابنا، عن معاوية بن ميسرة بن شريح، قال: شهدت أبا عبد الله (عليه السلام) في مسجد الخيف وهو في حلقة فيها نحو من مائتي رجل، وفيهم عبد الله ابن شبرمة، فقال له: يا أبا عبد الله إنّا نقضي بالعراق فنقضي بالكتاب والسنّة، ثمّ ترد علينا المسألة فنجتهد فيها بالرأي، إلى أن قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : فأي رجل كان عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ فأطراه ابن شبرمة وقال فيه قولا عظيماً، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : فإنّ علياً صلوات الله عليه أبى أن يدخل في دين الله الرأي، وأن يقول في شيء من دين الله بالرأي والمقاييس، إلى أن قال: لو علم ابن شبرمة من أين هلك الناس ما دان بالمقاييس ولا عمل بها(2).

298/15 ـ محمّد بن أحمد بن عليّ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنّة زالت الجبال ولم يزل(3).

299/16 ـ محمّد بن الحسين الرضي، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في خطبة له، قال:

وناضر قلب اللبيب به يبصر أمده، ويعرف غوره ونجده، داع دعا، وراع رعى، فاستجيبوا للداعي واتبعوا الراعي، قد خاضوا بحار الفتن وأخذوا بالبدع دون السنن، وأرَزَ المؤمنون، ونطقَ الضالون المكذّبون، ونحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب، ولا تؤتى البيوت إلاّ من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سُمّي سارقاً، إلى أن قال (عليه السلام) : وإنّ العامل بغير علم كالسائر على غير طريق، فلا يزيده

____________

1- كفاية الأثر: 155; وسائل الشيعة 18: 31; البحار 36: 336..

2- وسائل الشيعة 18: 32; المحاسن 1: 332 ح675.

3- وسائل الشيعة 18: 95; روضة الواعظين، باب في صفات الله: 22.


الصفحة 106
بعده عن الطريق إلاّ بعداً عن حاجته، وإنّ العامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح، فلينظر ناظر أسائر هو أم راجع(1).

300/17 ـ محمّد بن أبي القاسم الطبري، عن إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم البصري، عن محمّد بن الحسين بن عتبة، عن محمّد بن الحسين بن أحمد الفقيه، عن حمويه بن عليّ بن حمويه، عن محمّد بن عبد الله بن المطلب الشيباني، عن محمّد بن علي بن مهدي الكندي، عن محمّد بن عليّ بن عمر بن طريف الحجري، عن أبيه، عن جميل بن صالح، عن أبي خالد الكابلي، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في حديث إنّه سئل عن اختلاف الشيعة، فقال:

إنّ دين الله لا يعرف بالرجال، بل بآية الحقّ، فاعرف الحقّ تعرف أهله، إنّ الحقّ أحسن الحديث، والصادع به مجاهد، وبالحقّ أخبرك فارعني سمعك(2).

301/18 ـ عن عليّ (عليه السلام) في خطبة له:

فلا تقولوا ما لا تعرفون فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون، إلى أن قال (عليه السلام) : فلا تستعمل الرأي فيما لا يدرك قعره البصر، ولا تتغلغل إليه الفكر(3).

302/19 ـ محمّد بن الحسين الرضيّ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة:

أمّا بعد يا ابن حنيف فقد بلغني أنّ رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان وتنقل (إليك) الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ، وغنيّهم مدعوّ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فَنَل منه(4).

____________

1- وسائل الشيعة 18: 97; نهج البلاغة: خ154.

2- وسائل الشيعة 18: 97; أمالي المفيد: 10 مجلس 1; بشارة المصطفى: 4.

3- نهج البلاغة: خ87; وسائل الشيعة 18: 116.

4- نهج البلاغة: خ45; وسائل الشيعة 18: 116.


الصفحة 107
303/20 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى مالك الأشتر:

اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيق به الاُمور، إلى أن قال: أوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرّماً بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشّف الاُمور، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم(1).

304/21 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنّه قال في وصيّته لولده الحسن:

يا بني دع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لا تكلّف، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإنّ الكفّ عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال، إلى أن قال (عليه السلام) : وابدأ قبل ذلك بالاستعانة بالهك، والرغبة إليه في توفيقك، وترك كلّ شائبة أولجتك في شبهة، أو أسلمتك إلى ضلالة(2).

305/22 ـ عن علي (عليه السلام) أنّه قال في خطبة له:

فيا عجباً وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتفون أثر نبيّ، ولا يقتدون بعمل وصيّ، يعملون في الشبهات، ويسيرون في الشهوات، المعروف فيهم ما عرفوا، والمنكر عندهم ما أنكروا، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم، كأنّ كلّ امرئ منهم إمام نفسه، قد أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات(3).

306/23 ـ قال علي (عليه السلام) :

وإنّما سميّت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق، فأمّا أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين، ودليلهم سَمتُ الهدى، وأمّا أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال، ودليلهم العمى(4).

____________

1- نهج البلاغة: خ53; وسائل الشيعة 18: 116.

2- نهج البلاغة: خ31; وسائل الشيعة 18: 117.

3- نهج البلاغة: خ88; وسائل الشيعة 18: 117.

4- نهج البلاغة: خ38; وسائل الشيعة 18: 117.