الصفحة 193

وأصل الايمان العلم، وقد جعل الله تعالى له أهلا ندب إلى طاعتهم ومسألتهم، فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(1) وقال جلّت عظمته: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}(2) والبيوت في هذا الموضع اللاّتي عظّم الله بناءها بقوله: {فِي بُيُوت أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}(3) ثمّ بيّن معناها لكيلا يظنّ أهل الجاهلية أنّها بيوت مبنيّة، فقال تعالى: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ}(4) فمن طلب العلم في هذه الجهة أدركه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا مدينة العلم ـ وفي موضع آخر ـ أنا مدينة الحكمة، وعليّ بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها.

وكلّ هذا منصوص في كتابه تعالى إلاّ أنّ له أهلا يعلمون تأويله، فمن عدل منهم إلى الذين ينتحلون ما ليس لهم ويتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله بلا برهان ولا دليل ولا هدى، هلك وأهلك وخسرت صفقته وضلّ سعيه يوم {تَبْرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الاَْسْبَابُ}(5)وإنما هو حقّ وباطل وإيمان وكفر، وعلم وجهل، وسعادة وشقوة، وجنّة ونار، لمن يجتمع الحق والباطل في قلب امرئ، قال الله تعالى: {مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}(6).

وإنما هلك الناس حين ساووا بين أئمة الهدى وبين أئمة الكفر، وقالوا: إنّ الطاعة مفروضة لكلّ من قام مقام النبي (صلى الله عليه وآله) برّاً كان أو فاجراً، فاُتوا من قِبَل ذلك، قال الله سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْـمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(7) وقال الله تعالى:

____________

1 ـ النحل: 43.

2 ـ البقرة: 189.

3 ـ النور: 37.

4 ـ النور: 37.

5 ـ البقرة: 166.

6 ـ الأحزاب: 4.

7 ـ القلم: 35.


الصفحة 194
{هَلْ يَسْتَوِي الاَْعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}(1) فقال فيمن سمّوهم من أئمة الكفر بأسماء أئمة الهدى من غضب أهل الحق ما جعله الله لهم، وفيمن أعان أئمة الضلال على ظلمهم: {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان}(2) فأخبرهم الله سبحانه بعظيم افترائهم على جملة أهل الايمان بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ}(3) وقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ}(4) وبقوله سبحانه: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُنَ}(5) وبقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ}(6) فبيّن الله عزّ وجلّ بين الحق والباطل في كثير من آيات القرآن، ولم يجعل للعباد عذراً في مخالفة أمره بعد البيان والبرهان، ولم يتركهم في لبس من أمرهم.

ولقد ركب القوم الظلم والكفر في اختلافهم بعد نبيّهم، وتفريقهم الاُمّة وتشتيت أمر المسلمين واعتدائهم على أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بعد أن بيّن لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية بالمخالفة، فاتّبعوا أهوائهم وتركوا ما أمرهم الله به ورسوله، قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةَ}(7) ثمّ أبان فضل المؤمنين فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(8).

ثمّ وصف ما أعدّه من كرامته تعالى لهم، وما أعدّه لمن أشرك به وخالف أمره وعصى وليّه من النقمة والعذاب، ففرّق بين صفات المهتدين وصفات المعتدين،

____________

1 ـ الرعد: 16.

2 ـ الأعراف: 71.

3 ـ النحل: 105.

4 ـ القصص: 50.

5 ـ السجدة: 18.

6 ـ محمّد: 14.

7 ـ البينة: 4.

8 ـ البينة: 7.


الصفحة 195
فجعل ذلك مسطوراً في كثير من آيات كتابه، ولهذه العلّة قال الله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَا}(1) فترى من هو الإمام الذي يستحقّ هذه الصفة من الله عزّ وجلّ المفروض على الاُمّة طاعته، من لم يشرك بالله تعالى طرفة عين، ولم يعصه في دقيقة ولا جليلة قط؟ أم مَن أنفذ عمره وأكثر أيّامه في عبادة الأوثان، ثمّ أظهر الايمان وأبطن النفاق؟ وهل من صفة الحكيم أن يطهّر الخبيث بالخبيث، ويقيم الحدود على الاُمّة من في جنبه الحدود الكثيرة، وهو سبحانه يقول: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(2) أولم يأمر الله عزّ وجلّ نبيّه (صلى الله عليه وآله) بتبليغ ما عهده إليه في وصيّه وإظهار إمامته وولايته بقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}(3) فبلّغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قد سمع، وعلم أنّ الشياطين اجتمعوا إلى إبليس، فقالوا له: ألم تكن أخبرتنا أنّ محمّداً إذا مضى نكثت اُمّته عهده ونقضت سنّته، وإنّ الكتاب الذي جاء به يشهد بذلك، وهو قوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}(4) فكيف يتمّ هذا وقد نصب لاُمّته عَلماً وأقام لهم إماماً؟ فقال لهم إبليس: لا تجزعوا من هذا فإنّ اُمّته ينقضون عهده ويغدرون بوصيّه من بعده، ويظلمون أهل بيته، ويهملون ذلك، لغلبة حبّ الدنيا على قلوبهم، وتمكّن الحميّة والضغائن في نفوسهم، واستكبارهم وعزّهم، فأنزل الله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاًمِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(5)(6).

____________

1 ـ محمّد: 24.

2 ـ البقرة: 44.

3 ـ المائدة: 67.

4 ـ آل عمران: 144.

5 ـ سبأ: 20.

6- البحار 69: 73; مستدرك الوسائل 11: 143 ح12660; رسالة المحكم والمتشابه: 56.


الصفحة 196

الباب الثالث:

في دعائم الإيمان


458/1 ـ محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، عن أبيه، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

الايمان له أركان أربعة: التوكّل على الله، وتفويض الأمر إلى الله، والرضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله عزّ وجلّ(1).

459/2 ـ عن محمّد بن محبوب، عن يعقوب السرّاج، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الايمان فقال:

إنّ الله عزّ وجلّ جعل الايمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد.

فالصبر من ذلك على أربع شعب: على الشوق، والإشفاق، والزهد، والترقّب، فمن اشتاق إلى الجنّة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار اجتنب عن المحرّمات، ومن زهد في الدنيا استهان بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.

____________

1- الكافي 2: 47; الوسائل 11: 143; مجموعة ورام 2: 184; مستدرك الوسائل 2: 412 ح2332; البحار 68: 341.


الصفحة 197
واليقين منها على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتناول الحكمة، ومعرفة العبرة (وموعظة)، وسنة الأولين، فمن تبصر في الفطنة تبيّنت له الحكمة، ومن تبيّنت له الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنّما كان في الأوّلين.

والعدل منها على أربع شعب: على غائص الفهم، وغور العلم، وزهرة الحكم (والعلم)، ورساخة الحلم، فمن فهم علم عوز العلم، ومن علم عوز العلم صدر عن شرائع الحكم، ومن حكم لم يفرط في أمره وعاش في الناس حميداً.

والجهاد منها على أربع شعب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف شدّ ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم اُنوف المنافقين، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، وشنأ الفاسقين، ومن غضب لله غضب الله له وأرضاه يوم القيامة(1).

____________

1- روضة الواعظين في فصل التوحيد: 43; وسائل الشيعة 11: 144; البحار 68: 348; كنز العمال 1: 285 ح1388; حلية الأولياء 1: 74; تاريخ ابن عساكر، مجلد ترجمة علي (عليه السلام) 3: 235; نهج البلاغة: قصار الحكم 31.


الصفحة 198

الباب الرابع:

في دعائم الكفر


460/1 ـ قال علي (عليه السلام) :

والكفر على أربع دعائم: على التعمّق والتنازع، والزيغ والشقاق، فمن تعمّق لم يُنب إلى الحق، ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق، ومن زاغ ساءت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة، وسَكَرَ سُكْرَ الضلالة، ومن شاق وُعِرَت عليه طُرقه وأعضل عليه أمره وضاق مخرجه.

والشك على أربع شعب: على التماري والهوى والتردد والإستسلام، فمن جعل المِراء دَيدَناً لم يصبح ليله، ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه، ومن تردّد في الريب وطئته سنابك الشياطين، ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيها(1).

461/2 ـ محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن عمر بن اُذينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:

____________

1- البحار 68: 348; روضة الواعظين: 43; نهج البلاغة: قصار الحكم 31.


الصفحة 199
بني الكفر على أربع دعائم: الفسق والغلوّ، والشك، والشبهة، والفسق على أربع شعب: على الجفاء والعمى والغفلة والعتوّ، فمن جفا احتقر الحق ومقت الفقهاء وأحرَّ على الحنث العظيم، ومن عمي نسي الذكر واتّبع الظنّ وبارز خالقه وألحّ عليه الشيطان، وطلب المغفرة بلا توبة ولا إستكانة ولا غفلة، ومن غفل جنى على نفسه وانقلب على ظهره، وحسب غيّه رشداً، وغرّته الأماني وأخذته الحسرة والندامة إذا قضي الأمر وانكشف عنه الغطاء، وبدا له ما لم يكن يحتسب، ومن عتا عن أمر الله شكّ ومن شكّ تعالى الله عليه فأذّله بسلطانه وصغّره بجلاله، كما اغترّ بربّه الكريم وفرّط في أمره.

والغلوّ على أربع شعب: على التعمّق بالرأي والتنازع فيه، والزيغ والشقاق، فمن تعمّق لم ينب إلى الحق، ولم يزدد إلاّ غرقاً في الغمرات، ولم تنحسر عنه فتنة إلاّ غشيته اُخرى، وانخرق دينه فهو يهوى في أمر مريج، ومن نازع في الرأي وخاصم شهر بالفشل (أي الحمق) من طول اللجاج، ومَن زاغَ قبحت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة، ومن شاقّ أعورّت عليه طرقه واعترض عليه أمره، فضاق مخرجه إذا لم يتّبع سبيل المؤمنين.

والشك على أربع شعب: على المرية والهوى والتردّد والإستسلام، وهو قول الله عزّ وجلّ: {فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكَ تَتَـمَارَى}(1)، وفي رواية اُخرى: على المريّة والهول من الحق والتردّد والإستسلام للجهل وأهله، فمن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه، ومن إمترى في الدين تردّد في الريب وسبقه الأوّلون من المؤمنين وأدركه الآخرون، ووطئته سنابك الشيطان، ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيما بينهما، ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين، ولم يخلق الله خلقاً أقلّ من اليقين.

____________

1 ـ النجم: 55.


الصفحة 200
والشبهة على أربع شعب: إعجاب بالزينة، وتسويل النفس، وتأويل العوج، ولبس الحق بالباطل، وذلك بأنّ الزينة تصدف عن البيّنة، وأنّ تسويل النفس تقحم على الشهوة، وأنّ العوج يميل بصاحبه ميلا عظيماً، وأنّ اللّبس ظلمات بعضها فوق بعض، فذلك الكفر ودعائمه وشعبه.

وقال: والنفاق على أربع دعائم: على الهوى والهوينا والحفيظة والطمع، فالهوى على أربع شعب: على البغي والعدوان والشهوة والطغيان، فمن بغى كثرت غوائله وتُخلّي منه وقصّر عليه (ونصر عليه)، ومن اعتدى لم يؤمن بوائقه، ولم يسلم قلبه، ولم يملك نفسه عن الشهوات، ومن لم يعذل نفسه عن الشهوات خاض في الخبيثات، ومن طغى ظلّ على عمد (العمل) بلا حجة.

والهوينا على أربع شعب: على الغرّة والأمل والهيبة والمماطلة، وذلك لأنّ الهيبة تردّ عن الحق، والمماطلة تفرّط في العمل حتّى يقدم عليه الأجل، ولولا الأمل علم الإنسان حسب ما هو فيه، ولو علم حسب ما هو فيه مات خُفاتاً من الهول والوجل، والغرّة تقصّر بالمرء عن العمل.

والحفيظة على أربع شعب: على الكبر والفخر، والحمية والعصبية، فمن استكبر أدبر عن الحق، ومن فخر فجر، ومَن حَمي أصرّ على الذنوب، ومن أخذته العصبية جار، فبئس الأمر، أمر بين إدبار وفجور، وإصرار وجور على الصراط.

والطمع أربع شعب: الفرح والمرح، واللجاجة والتكاثر; فالفرح مكروه عند الله، والمرح خيلاء، واللجاجة بلاء لمن اضطرّته إلى حمل الآثام، والتكاثر لهو ولعب وشغل، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، فذلك النفاق ودعائمه وشعبه، والله قاهر فوق عباده تعالى ذكره وجلّ وجهه وأحسن كلّ شيء خلقه وانبسطت يداه ووسعت كلّ شيء رحمته، فظهر أمره وأشرق نوره، وفاضت بركته، واستضاءت

الصفحة 201
حلمه حكمته وهيمن كتابه، وفلجت حجّته وخلص دينه، واستظهر سلطانه، وحقّت كلمته، واُقسطت موازينه، وبلّغت رسله، فجعل السيئة ذنباً، والذنب فتنةً، والفتنة دنساً، وجعل الحسنى عتبى، والعتبى توبة، والتوبة طهوراً، فمن تاب اهتدى ومن افتتن غوى، ما لم يتب إلى الله ويعترف بذنبه، ولا يهلك على الله إلاّ هالك.

الله الله فما أوسع ما لديه من التوبة، والرحمة والبشرى والحلم العظيم، وما أنكل ما عنده من الأنكال والجحيم والبطش الشديد، فمن ظفر بطاعته اجتلب كرامته، ومن دخل في معصيته ذاق وبال نقمته، وعمّا قليل ليصبحنّ نادمين(1).

____________

1- الكافي 2: 391; البحار 72: 116 وفي 68: 384 أيضاً; وسائل الشيعة 11: 271.


الصفحة 202

الباب الخامس:

في صفات المؤمن وعلاماته وحقوقه


462/1 ـ في رواية المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال علي (عليه السلام) :

إنّ الله عزّ وجلّ خلق المؤمن من نور عظمته وجلال كبريائه، فمن طعن على المؤمن أو ردّ عليه قوله، فقد ردّ على الله في عرشه، وليس هو من الله في شيء، وإنّما هو شرك شيطان(1).

463/2 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنبر:

لا يجد أحدكم (عبد) طعم الايمان حتّى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطاه لم يكن ليصيبه، وأن الضارّ النافع هو الله عزّ وجلّ(2).

464/3 ـ الصدوق، بإسناده عن محمّد بن صالح، عن أبي عباس الدينوري، عن محمّد بن الحنفية، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لأحنف بن قيس في كلام طويل في

____________

1- محاسن البرقي 1: 185 باب عقاب من طعن في عين مؤمن.

2- مجموعة ورام 2: 184; اُصول الكافي 2: 58; تحف العقول: 143; وسائل الشيعة 11: 157; مستدرك الوسائل 11: 197 ح12733.


الصفحة 203
صفات المؤمنين المخلصين:

فلو رأيتهم يا أحنف في ليلتهم قياماً على أطرافهم، منحنية ظهورهم يتلون أجزاء القرآن لصلاتهم، قد اشتدّت عوالة نحيبهم وزفيرهم، وإذا زَفَروا خِلتَ النار قد اَخذت منهم إلى حلاقيمهم، وإذا أعولوا حسِبتَ السلاسل قد صُفِدَت في أعناقهم(1).

465/4 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال:

المؤمن يكون صادقاً في الدنيا، واعي القلب، حافظ الحدود، وعاء العلم، كامل العقل، مأوى الكرم، سليم القلب، ثابت الحلم، عاطف اليقين، باذل المال، مفتوح الباب للإحسان، لطيف اللسان، كثير التبسّم، دائم الحزن، كثير التفكّر، قليل الضحك، طيّب الطبع، مميت الطمع، قاتل الهوى، زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، يحبّ الضيف، ويكرم اليتيم، ويلطف بالصغير، ويوقر الكبير، ويعطي السائل، ويشيّع الجنائز، ويعرف حرمة القرآن، ويناجي الربّ، ويبكي على الذنوب، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، أكله بالجوع وشربه بالعطش، وحركته بالأدب، وكلامه بالنصيحة، وموعظته بالرفق، لا يخاف إلاّ الله ولا يرجو إلاّ إيّاه، ولا يُشغل إلاّ بالثناء والحمد، ولا يتهاون، ولا يتكبّر، ولا يفتخر بمال الدينا، مشغول بعيوب نفسه، فارغ عن عيوب غيره، الصلاة قرّة عينه، والصيام حرفته وهمّته، والصدق عادته، والشكر مركبه، والعقل قائله، والتقوى زاده، والدنيا حانوته، والصبر منزله، والليل والنهار رأس ماله، والجنّة مأواه، والقرآن حديثه، ومحمّد (صلى الله عليه وآله)شفيعه، والله جلّ ذكره مؤنسه(2).

466/5 ـ الصدوق، حدّثنا محمّد بن الحسن، قال: حدّثني محمّد بن يحيى، قال:

____________

1- مستدرك الوسائل 4: 177 ح4421; صفات الشيعة 41: 63.

2- جامع الأخبار، باب معرفة المؤمن: 215; مستدرك الوسائل 11: 174 ح12675.


الصفحة 204
حدّثني أحمد ومحمّد وغيره، بإسناد رفعاه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال:

المؤمن من طاب مكسبه وحسنت خليقته، وصحت سريرته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من كلامه، وكفى الناس من شرّه، وأنصف الناس من نفسه(1).

467/6 ـ محمد بن يعقوب، عن محمّد بن جعفر، عن محمّد بن إسماعيل، عن عبد الله بن داهر، عن الحسن بن يحيى، عن قثم أبي قتادة الحرّاني، عن عبد الله بن يونس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قام رجل يقال له همّام، وكان عابداً ناسكاً مجتهداً، إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يخطب، فقال: يا أمير المؤمنين صِف لنا صفة المؤمن كأننّا ننظر إليه؟ فقال (عليه السلام) :

يا همّام المؤمن هو الكيّس الفطن، بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدراً، وأذلّ شيء نفساً، زاجر عن كلّ فان، حاضّ على كل حسن، لا حقود ولا حسود ولا وثّاب ولا سبّاب ولا غيّاب ولا مغتاب، يكره الرفعة ويشنأ السمعة، طويل الغمّ، بعيد الهمّ، كثير الصمت، وقور ذكور صبور شكور، مغموم بفكره، مسرور بفقره، سهل الخليقة، ليّن العريكة، رَصِين الوفاء، قليل الأذى، لا مُتأفِّك ولا متهتّك، إن ضحك لم يخرق، وإن غضب لم ينزق، ضحكه تبسّم واستفهامه تعلّم، ومراجعته تفهّم، كثير علمه عظيم حلمه، كثيرالرحمة، لا يبخل ولا يعجل ولا يضجر ولا يبطر، ولا يحيف في حكمه، ولا يجور في علمه، نفسه أصلب من الصلد، ومكادحته أحلى من الشهد، لا جشع ولا هلع ولا عنف ولا صلف، ولا متكلّف ولا مُتعمِّق، جميل المنازعة، كريم المراجعة، عدل إن غضب، رفيق إن طلب، لا يتهوّر ولا يتهتّك ولا يتجبّر، خالص الودّ، وثيق العهد، وفيّ العقد،

____________

1- الخصال، أبواب السبعة: 351; البحار 67: 293.


الصفحة 205
شفيقٌ وصول حليم خمول، قليل الفضول، راض عن الله عزّ وجلّ، مخالف لهواه، لا يغلظ على من دونه، ولا يخوض فيما لا يعنيه، ناصر للدين محام عن المؤمنين، كهف للمسلمين، لا يخرق الثناء سمعه ولا ينكي الطمع قلبه، ولا يصرف اللعب حكمه، ولا يطّلع الجاهل علمه، قوّال عمّال عالم حازم، لا بفحّاش ولا بطيّاش، وصول في غير عنف، بذولٌ في غير سرف، لا بختّال ولا بغدّار، ولا يقتفي أثراً ولا يحيف بشراً، رفيق بالخلق ساع في الأرض، عون للضعيف غوث للملهوف، لا يتهتّك شراً ولا يكشف سرّاً، كثير البلوى قليل الشكوى، إن رأى خيراً ذكره وإن عاين شراً ستره، يستر العيب ويحفظ الغيب، ويقبل العثرة ويغفر الزّلة، لا يطّلع على نصح فيذره ولا يدع جنح حيف فيصلحه، أمين رصين، تقيٌّ نقيٌّ زكيٌّ رضيٌّ، يقبل العذر ويجمل الذكر، ويحسن بالناس الظن ويتّهم على الغيب نفسه، يحبّ في الله بفقه وعلم، ويقطع في الله بحزم وعزم، لا يخرق به فرح ولا يطيش به مرح، مذكّر للعالِم معلّم للجاهل، لا يتوقّع له بائقة ولا يخاف له غائلة، كلّ سعي أخلص عنده من سعيه وكلّ نفس أصلح عنده من نفسه، عالم بعيبه شاغل بغمّه، لا يثق بغير ربّه، غريب وحيد جريدٌ (حزين) يحبّ في الله ويجاهد في الله ليتّبع رضاه، ولا ينتقم لنفسه بنفسه، ولا يوالي في سخط ربّه، مجالس لأهل الفقر مصادق لأهل الصدق، مؤازر لأهل الحق، عون للقريب أبٌ لليتيم بعلٌ للأرملة، حفيّ بأهل المسكنة مرجوّ لكلّ كريهة، مأمول لكلّ شدّة، هشّاش بشّاش لا بعيّاب ولا بجسّاس، صليبٌ كظّام بسّام، دقيق النظر عظيم الحذر، لا يجهل وإن جُهل عليه يحلم، لا يبخل وإن بخل عليه صبر، عَقِلَ فاستحيى وقنع فاستغنى، حياؤه يعلو شهوته وودّه يعلو حسده، وعفوه يعلو حقده، لا ينطق بغير صواب، ولا يلبس إلاّ الإقتصاد، مشيه التواضع، خاضع لربّه بطاعته، راض عنه في كلّ حالاته، نيّته خالصة، أعماله ليس فيها غشّ

الصفحة 206
ولا خديعة، نظره عِبرة سكوته فكرة وكلامه حكمة، مناصحاً متباذلا متواخياً، ناصح في السرّ والعلانية، لا يهجر أخاه ولا يغتابه ولا يمكر به، ولا يأسف على ما فاته، ولا يحزن على ما أصابه، ولا يرجو ما لا يجوز له الرجاء، ولا يفشل في الشدّة ولا يبطر في الرخاء، يمزج الحلم بالعلم والعقل بالصبر، تراه بعيداً كسله دائماً نشاطه، قريباً أمله قليلا زلله متوقعاً لأجله، خاشعاً قلبه، ذاكراً لربّه، قانعة نفسه، منفياً جهله، سهلا أمره، حزيناً لذنبه، ميّتة شهوته كظوماً غيظه، صافياً خلقه آمناً منه جاره، ضعيفاً كبره، قانعاً بالذي قدّر له، متيناً صبره، محكماً أمره كثيراً ذكره، يخالط الناس ليعلم ويصمت ليسلم ويسأل ليفهم، ويتّجر ليغنم، لا ينصت للخبر ليفجر به، ولا يتكلّم ليتجبّر به على من سواه، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته فأراح الناس من نفسه، إن بُغِيَ عليه صبر حتّى يكون الله الذي ينتصر له، بُعده ممّن تباعد منه بغض ونزاهة، ودنوّه ممّن دنا منه لين ورحمة، ليس تباعده تكبّراً ولا عظمة، ولا دُنوّه خديعة ولا خلابة، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير، فهو إمام لمن بعده من أهل البرّ.

قال: فصاح همّام صيحة ثمّ وقع مغشياً عليه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أما والله لقد كنت أخافها عليه، وقال: هكذا تصنع الموعظة البالغة بأهلها، فقال له قائل: فما بالك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إنّ لكلٍّ أجلا لا يعدوه وسبباً لا يجاوزه، فمهلا لا تعد فإنّما نَفَثَ على لسانك شيطان(1).

468/7 ـ أبو يعلى الجعفري، عن الحارث الهمداني، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

حسبك من كمال المرء تركه ما لا يجمل به، ومن حياءه أن لا يلقى أحداً بما يكره، و من عقله حسن رفقه، و من أدبه علمه بما لابدّ منه، ومن ورعه عِفّة بصره

____________

1- الكافي 2: 226; مستدرك الوسائل 12: 170 ح13801; البحار 67: 315.


الصفحة 207
وعفّة بطنه، ومن حسن خلقه كفّه أذاه، ومن سخائه برّه لمن يجب حقّه، ومن كرمه إيثاره على نفسه، ومن صبره قلّة شكواه، ومن عدله إنصافه من نفسه وترك الغضب عند مخالفته، وقبوله الحقّ إذا بان له، ومن نصحه نهيه لك عن عيبك، ومن حفظ جوارحه ستره لعيوب جيرانه وتركه توبيخهم عند إساءتهم إليه، ومن رفقه تركه الموافقة على الذنب بين أيدي من يكره الذنب ووقوفه عليه، ومن حسن صحبته إسقاطه عن صاحبه مؤنة أداء حقّه، ومن صداقته كثرة موافقته، ومن صلاحه شدّة خوفه من ذنبه، ومن شكره معرفته بإحسان من أحسن إليه، ومن تواضعه معرفته بقدره، ومن حكمته معرفته بذاته، ومن مخافته ذكر الآخرة بقلبه ولسانه، ومن سلامته قلّة تحفّظه لعيوب غيره وعنايته بإصلاح نفسه من عيوبه(1).

469/8 ـ اصلٌ لبعض قدمائنا: بإسناده إلى عمّار بن ياسر (رحمه الله) قال: بينا أنا أمشي بأرض الكوفة، إذ رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) جالساً وعنده جماعة من الناس، وهو يصف لكلّ إنسان ما يصلح له، فقلت: يا أمير المؤمنين أيوجد عندك دواء الذنوب؟ فقال (عليه السلام) : نعم أجلس، فجثوت على ركبتي حتّى تفرّق الناس، ثمّ أقبل عليّ فقال: خد دواء أقوله لك، قال: قلت: قل يا أمير المؤمنين، قال (عليه السلام) : عليك بورق الفقر وعروق الصبر، وهليلجَ (هليج) الكتمان وبليج (بليلج) الرضا، وغارَ يقون الفكر، وسقمونيا الأحزان، واشربه بماء الأجفان، وأغِله في طَنجيرِ الفلق، ودعه تحت نيران الفرق، ثمّ صفّهِ بمنخل الأرق، واشربه على الحرق، فذاك دواك وشفاك يا عليل(2).

470/9 ـ اليافعي، قال: مرّ أمير المؤمنين كرّم الله وجهه في بعض شوارع البصرة، فإذا هو بحلقة كبيرة والناس حولها، يمدّون إليها الأعناق ويشخصون إليها

____________

1- نزهة الناظر: 18; مستدرك الوسائل 12: 360 ح14294.

2- مستدرك الوسائل 12: 171 ح13803.


الصفحة 208
بالأحداق، فمضى إليهم لينظر ما سبب اجتماعهم، فإذا فيهم شاب حسن الشباب نقي الثياب، عليه هيبة ووقار وسكينة الأخيار، وهو جالس على كرسيّ والناس يأتونه بقوارير من الماء، وهو ينظر بدليل المرض، ويصف لكلّ واحد منهم ما يوافقه من أنواع الدواء، فتقدّم إليه كرّم الله وجهه وقال: السّلام عليك أيّها الطبيب ورحمة الله وبركاته، هل عندك شيء من أدوية الذنوب فقد أعيى الناس دواءها يرحمك الله! فأطرق الطبيب برأسه إلى الأرض ولم يتكلّم، فناده الإمام ثانية فلم يتكلّم، فناده ثالثة كذلك، فرفع الطبيب رأسه بعدما ردّ السّلام وقال: أوَتعرف أنت أدوية الذنوب بارك الله فيك؟ قال كرّم الله وجهه: نعم، قال: صِف وبالله التوفيق، فقال كرّم الله وجهه: تعمد إلى بستان الايمان فتأخذ منه عروق النيّة وحبّ الندامة، وورق التدبّر وبزر الورع، وثمر الفقه وأغصان اليقين، ولبّ الإخلاص وقشور الإجتهاد، وعروق التوكّل وأكمام الإعتبار وسِيقان الإنابة وتعرياق التواضع.

تأخذ هذه الأدوية بقلب حاضر وفهم وافر، بأنامل التصديق وكفّ التوفيق، ثمّ تضعها في طبق التحقيق، وتغسلها بماء الدموع، ثمّ تضعها في قدر الرجاء وتوقد عليها بنار الشوق حتّى ترعى زبد الحكمة، ثمّ تفرغها في صحاف الرضا وتروّح عليها بمراوح الأستغفار، ينعقد لك من ذلك شربة جيّدة، ثمّ تشربها في مكان لا يراك فيه أحد إلاّ الله تعالى، فإنّ ذلك يزيل عنك الذنوب حتّى لا يبقى عليك ذنب أبداً. فأنشأ الطبيب قائلا:


يا خاطب الحوراء في خدرهاشمّر فتقوى الله من مهرها
وكن مجدّاً لا تكن وانياًوجاهد النفس على صبرها

ثمّ شهق شهقة فارق بها الدنيا(1).

____________

1- كتاب طبّ الإمام الصادق (عليه السلام) : 19; عن روضة الرياحين: 42.


الصفحة 209
471/10 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : اتّقوا ظنون المؤمنين، فإنّ الله سبحانه جعل الحقّ على ألسنتهم(1).

472/11 ـ عن عليّ بن عيسى، عن عليّ بن محمّد ماجيلويه، عن البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن ابن طريف، عن ابن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:

سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن صفة المؤمن فنكس رأسه ثمّ رفعه فقال: في المؤمن عشرون خصلة، فمن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه: يا عليّ إنّ المؤمنين هم الحاضرون الصلاة، والمسارعون إلى الزكاة، والحاجون لبيت الله الحرام، والصائمون في شهر رمضان، والمطعمون المساكين، الماسحون رأس اليتيم، المطهّرون أظفارهم، المتّزرون على أوساطهم، الذين إن حدّثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا واذا تكلّموا صدقوا، رهبان بالليل، اُسدٌ بالنهار، صائمون النهار، قائمون الليل، لا يؤذون جاراً ولا يتأذّى بهم جار، الذين مشيهم على الأرض هوناً وخطاهم إلى بيوت الأرامل وعلى إثر الجنائز، جعلنا الله وإيّاكم من المتّقين(2).

473/12 ـ عن جماعة، عن أبي المفضّل، عن جعفر بن محمّد العلوي، عن عليّ بن الحسن بن عمر بن عليّ بن الحسين، عن الحسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: المؤمن غِرٌّ كريم، والفاجر خَبٌّ لئيم، وخير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف(3).

474/13 ـ قال علي (عليه السلام) : وسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: شرار الناس من يبغض

____________

1- البحار 67: 75; نهج البلاغة: قصار الحكم 309.

2- البحار 67: 276; أمالي الصدوق: 439 ح16 مجلس81.

3- البحار 67: 298; أمالي الطوسي: 462 ح36 مجلس16.


الصفحة 210
المؤمنين وتبغضه قلوبهم، المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون للبراء العيب (العنت)، اُولئك لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ثمّ تلا (صلى الله عليه وآله): {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}(1)(2).

475/14 ـ قال علي (عليه السلام) :

المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدراً، وأذلّ شيء نفساً، يكره الرفعة ويشنأ السمعة، طويل غمّه بعيد همّه، كثير صمته، مشغول وقته، شكور صبور، مغمور بفكرته، ضنين بخلّته، سهل الخليقة ليّن العريكة، نفسه أصلب من الصلد، وهو أذلّ من العبد(3).

476/15 ـ عن جماعة، عن أبي المفضّل، عن عبد الله بن محمّد بن عبيد، عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

المؤمن لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحب، وإن بُغي عليه صبر حتّى يكون الله هو المنتصر له(4).

477/16 ـ قال علي (عليه السلام) : لا يصدق إيمان عبد حتّى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده(5).

478/17 ـ قال علي (عليه السلام) : علامة الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك، وألاّ يكون في حديثك فضل عن علمك، وأن تتّقي الله في حديث غيرك(6).

____________

1- الأنفال: 62-63.

2- أمالي الطوسي، المجلس 16: 462 ح1030; البحار 67: 298.

3- البحار 67: 305; شرح النهج لابن ميثم في الكلمات القصار 333; ربيع الأبرار للزمخشري 1: 805.

4- البحار 67: 313; أمالي الطوسي: 580 ح4 مجلس24.

5- البحار 67: 314; نهج البلاغة: قصار الحكم 310.

6- البحار 67: 314; نهج البلاغة: قصار الحكم 458.


الصفحة 211
479/18 ـ (الجعفريات)، أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحرث بن مالك: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والله يا رسول الله من المؤمنين، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكلّ مؤمن حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ قال: أسهرت ليلي وأظمأت نهاري وأنفقت مالي، وعزفت نفسي عن الدنيا، وكأنّي أنظر إلى عرش ربّي عزّ وجلّ قد أُبرز للحساب، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة في الجنّة يتزاورون، وكأنّي أنظر إلى أهل النار يتعاوون، قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا عبدٌ نوّر الله قلبه أبصرت فآلزم، فقال: يا رسول الله اُدع لي بالشهادة، فدعا له فاستشهد مع الناس(1).

480/19 ـ محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ في كتاب عليّ (عليه السلام) :

إنّ أشدّ الناس بلاء النبيّون، ثمّ الوصيّون، ثمّ الأمثل فالأمثل، وإنّما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة فمن صحّ دينه وحسن عمله اشتدّ بلاؤه، وذلك أنّ الله عزّوجلّ لم يجعل الدنيا ثواباً لمؤمن ولا عقوبةً لكافر، ومن سخف دينه، وضعف عمله قلّ بلاؤه، وإنّ البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض(2).

481/20 ـ عبد لله بن جعفر، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث: وإنّ قلوب المؤمنين لمطويّة بالايمان طيّاً، فإذا أراد الله إنارة ما فيها فتحها بالوحي، فزرع فيها الحكمة زارعها وحما صدها(3).

____________

1- الجعفريات: 77; مستدرك الوسائل 12: 166 ح13793.

2- الكافي 2: 259; علل الشرائع: 44; وسائل الشيعة 2: 907.

3- قرب الاسناد: 34; الكافي 2: 307; عقاب الأعمال: 308; البحار 70: 54.