اللّهمّ إني أعوذ بك من صاحب سوء في المغيب والمحضر، فإنّ قلبه يرعاني وعيناه تبصراني واُذناه تسمعاني، إن رأى حسنة أطفاها وإن رأى سيّئة أبداها، وأعوذ بك من طمع يؤدي (يُدني) إلى طبع، وأعوذ بك من ضلالة ترديني ومن فتنة تعرض لي، ومن خطيئة لا توبة معها، ومن منظر سوء في الأهل والمال والولد وعند غضاضة الموت، وأعوذ بك من الكفر والشك والبغي والحمية والغضب، وأعوذ بك من غنًى يطغيني ومن فقر ينسيني ومن هوًى يرديني، ومن عمل يخزيني، ومن صاحب يغويني.
اللّهمّ إني أعوذ بك من شرّ يوم أوّله فزع (وأوسطه وجع) وآخره جزع، تسودّ فيه الوجوه وتجفّ فيه الأكباد، وأعوذ بك أن أعمل ذنباً محبطاً لا تغفره أبداً، ومن ذنب يمنع خير الآخرة، ومن أمل يمنع خير العمل، ومن حياة تمنع خير الممات، وأعوذ بك من الجهل والهزل ومن شرّ القول والفعل، ومن سقم يشغلني ومن صحة تلهيني، وأعوذ بك من التعب والنصب والوصب والضيق والضنك والضلالة والغائلة، والذلّة والمسكنة، والرياء والسمعة والندامة والحزن والخشوع والبغي والفتن، ومن جميع الآفات والسيّئات وبلاء الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأعوذ بك من وسوسة الأنفس مما لا تحبّ من القول والفعل والعمل.
اللّهمّ إني أعوذ بك من الجن والانس والحسّ واللبس، ومن طوارق الليل والنهار، وأنفس الجن وأعين الإنس، اللّهمّ إني أعوذ بك من شرّ نفسي ومن شرّ
(4) دعاء آخر له (عليه السلام) في يوم صفين
1543/1 ـ دعاء آخر لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم صفين، وجدنا ورويناه من كتاب (الدعاء والذكر) تصنيف الحسين بن سعيد الأهوازي (رحمه الله) بإسناده عن يعقوب ابن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان من دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم صفين:
اللّهمّ ربّ هذا السقف المرفوع المكفوف المحفوظ، الذي جعلته مغيضَ الليل والنهار وجعلت فيها مجاري الشمس والقمر، ومنازل الكواكب والنجوم، وجعلت ساكنه سبطاً من الملائكة لا يَسأمون العبادة، وربّ هذه الأرض التي جعلتها قراراً للناس والأنعام والهوام، وما نعلم وما لا نعلم، ممّا يُرى ومما لا يُرى من خلقك العظيم، وربّ الجبال التي جعلتها للأرض أوتاداً وللخلق متاعاً، وربّ البحر المسجور المحيط بما ينفع الناس، إن أظفرتنا على عدوّنا فجنّبنا الكبر وسدّدنا للرشد، وإن أظفرتهم علينا فارزقنا الشهادة، واعصم بقيّة أصحابي من الفتنة(2).
(5) دعاء الصباح
1544/1 ـ اختيار السيد ابن الباقي دعاء الصباح لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) :
اللّهمّ يا مَن دَلَعَ لسان الصباح بنُطق تبلّجه، وسرّح قِطَعَ الليل المظلم بغياهِب
____________
1- مهج الدعوات: 99; البحار 94: 238.
2- البحار 94: 241; مستدرك الوسائل 11: 106 ح12546; وقعة صفّين 4: 232.
صلّ اللهمّ على الدليل إليك في الليل الأليل، والمتمسّك (والماسك) من أسبابك بحبل الشرف الأطول، والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل، والثابت القدم على زَحاليقها في الزمن الأول، وعلى آله الأخيار المصطفين الأبرار، وافتح اللّهمّ لنا مصاريعَ الصباح بمفاتيح الرحمة والفلاح، وألبسني اللّهمّ من أفضل خِلَعِ الهداية والصلاح، وأغرس اللّهمّ بعظمتك في شِرب جِناني ينابيع الخشوع، وأجر اللّهمّ لهيبك من آماقي زفرات الدموع، وأدّب اللّهمّ نَزَقَ الخُرق مني بأزقة القنوع.
إلهي إن لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق فمنِ السالك بي في واضح الطريق، وإن أسلمتني أناتُك لقائد الأمل والمُنى فمنِ المُقيل عثراتي من كبوات الهوى، وإن خذلني نصرُك عند محاربة النفس والشيطان فقد وكّلني خذلانك الى حيث النَصَبِ والحرمان.
إلهي أتراني ما آتيتك إلاّ من حيث الآمال، أم علقتُ بأطراف حبالك إلاّ حين باعدت بي ذنوبي عن دار الوِصال، فبئس المطيّة التي امتطت نفسي من هواها، فواهاً لها لما سوّلت لها ظنونها ومناها، وتَباً لها لجرأتها على سيدها ومولاها.
إلهي قرعت باب رحمتك بيد رجائي، وهربت إليك لاجئاً من فرط أهوائي، وعلقتُ بأطراف حبالك أنامل ولائي، فاصفح اللّهمّ عمّا كنت أجرمته من زللي وخطائي، وأقلني من صرعة دائي، إنّك سيّدي ومولاي ومعتمدي ورجائي، وأنت غاية مطلوبي ومُناي في منقلبي ومثواي.
إلهي هذه أزِّمة نفسي عقلتُها بعقال مشيّتك، وهذه أعباء ذنوبي درأتها بعفوك ورحمتك، وهذه أهوائي المضلّة وكلتها إلى جناب لطفك ورأفتك، فاجعل اللّهمّ صباحي هذا نازلا عليّ بضياء الهدى وبالسلامة في الدين والدنيا، ومَسائي جُنّة من كيد الأعداء ووقاية من مرديات الهوى، إنك قادر على ما تشاء، وتؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنك على كلّ شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ، وترزق من تشاء بغير حساب (لا إله إلاّ أنت) سبحانك اللّهمّ وبحمدك من ذا يعرف قدرك فلا يخافُك، ومن ذا يعلم ما أنت فلا يهابك، ألّفت بقدرتك الفِرق وفَلقتَ بلطفك الفَلق، وأنرتَ بكرمك دياجي الغسَق، وأنهرت المياه من الصُمّ الصياخيد عذباً واُجاجاً، وأنزلت من المعصرات ماءً ثجّاجاً، وجعلت الشمس والقمر للبريّة سِراجاً وهّاجاً، من غير أن تمارس فيما ابتدأت به لُغوباً ولا عِلاجاً.
فيا مَن توحّد بالعزّ والبقاء، وقهر العباد (عباده) بالموت والفناء، صلّ على محمّد وآله الأتقياء، واسمع ندائي واستجب دعائي، وحقّق بفضلك أملي ورجائي، يا خير من انتجعَ (دعي) لكشف الضُرّ، والمأمول لكلّ عسر ويسر، بك أنزلتُ حاجتي فلا تردّني من سَنيّ مواهبك خائباً، يا كريم يا كريم برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلّى الله عليه خير خلقه محمّد وآله أجمعين.
بيـان:
قال المجلسي (رحمه الله): هذا الدعاء من الأدعية المشهورة، ولم أجده في الكتب المعتبرة إلاّ في مصباح السيد ابن الباقي(رحمه الله)، ووجدت منه نسخة قرأها المولى الفاضل مولانا درويش محمّد الاصبهاني جدُّ والدي من قِبل اُمّه، على العلاّمة مروّج المذهب نور الدين علي بن عبد العالي الكركي (قدس سره) فأجازه وهذه صورته: الحمد لله قرأ عليّ هذا الدعاء والذي قبله، عمدة الفضلاء الأخيار الصلحاء الأبرار، مولانا كمال الدين درويش محمّد الاصفهاني بلّغه الله ذروة الأماني، قراءة تصحيح، كتبه الفقير عليّ بن عبد العالي في سنة تسع وثلاثين وتسعمائة حامداً مصلياً. ووجدت في بعض الكتب سنداً آخر له، هكذا: قال الشريف يحيى بن قاسم العلوي: ظفرت بسفينة طويلة مكتوب فيها بخطّ سيدي وجدّي أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين، ليث بني غالب عليّ بن أبي طالب ـ عليه أفضل التحيّات ـ ما هذه صورته: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا دعاء علّمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يدعو به في كلّ صباح وهو: اللّهمّ يا مَن دلع لسان الصباح، الخ، وكتب في آخره: كتبه عليّ بن أبي طالب في آخر نهار الخميس حادي عشر ذي الحجة سنة خمس وعشرين من الهجرة. وقال الشريف: نقلته من خطّه المبارك، وكان مكتوباً بالقلم الكوفي على الرقّ في السابع والعشرين من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وسبعمائة.
|
____________
1- البحار 94: 243.
(6) دعاء دعا به (عليه السلام) يوم الجمل قبل الواقعة
1545/1 ـ دعاء لمولانا أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ روي أنّه دعا به يوم الجمل قبل الواقعة:
اللّهمّ إني أحمدك وأنت للحمد أهل على حسن صنعك إليّ وتعطفك عليّ وعلى ما وصلتني به من نورك وتداركتني به من رحمتك وأسبغت عليّ من نعمتك، فقد اصطنعت عندي يا مولاي ما يحقّ لك به جهدي وشكري لحسن عفوك وبلائك القديم عندي، وتظاهر نعمائك عليّ، وتتابع أياديك لديّ، لم أبلغ إحراز حظّي ولا صلاح نفسي، ولكنّك يا مولاي بدأتني أولا بإحسانك فهديتني لدينك وعرّفتني نفسك وثبّتّني في اُموري كلّها بالكفاية والصنع لي، فصرفت عنّي جهد البلاء ومنعت مني محذور الأشياء، فلست أذكر منك إلاّ جميلا ولم أرَ منك إلاّ تفضيلا.
يا إلهي كم من بلاء وجهد صرفته عنّي وأريتنيه في غيري، فكم من نعمة أقررتَ بها عيني، وكم من صنيعة شريفة لك عندي.
إلهي أنت الذي تجيب عند الاضطرار دعوتي، وأنت الذي تنفّس عند الغموم كربتي، وأنت الذي تأخذ لي من الأعداء بظلامتي، فما وجدتك ولا أجدك بعيداً مني حين اُريدك، ولا منقبضاً عنّي حين أسألك، ولا معرضاً عنّي حين أدعوك، فأنت إلهي أجد صنيعك عندي محموداً وحسن بلائك عندي موجوداً وجميع أفعالك عندي جميلا، يحمدك لساني وعقلي وجوارحي وجميع ما أقلّت الأرض مني.
يا مولاي أسألك بنورك الذي اشتققته من عظمتك، وعظمتك التي اشتققتها من مشيّتك، وأسألك باسمك الذي علا أن تمنّ عليّ بواجب شكري نعمتك، ربّ ما أحرصني على ما زهدتني فيه وحثثتني عليه إن لم تعنّي على دنياي بزهد وعلى آخرتي بتقواي هلكتُ، ربّ دعتني دواعي الدنيا من حرث النساء والبنين فأجبتها
ربّ خوّفتني وشوّقتني واحتججت عليّ فما خفتك حقّ خوفك، وأخاف أن أكون قد تثبّطتُ عن السعي لك وتهاونت بشيء من احتجابك.
اللّهمّ فاجعل في هذه الدنيا سعيي لك وفي طاعتك، واملأ قلبي خوفك وحوّل تثبيطي وتهاوني وتفريطي وكلّ ما أخافه من نفسي فرقاً منك وصبراً على طاعتك وعملا به، يا ذا الجلال والاكرام، واجعل جنّتي من الخطايا حصينة، وحسناتي مضاعفة فإنك تضاعف لمن تشاء.
اللّهمّ اجعل درجاتي في الجنان رفيعة، وأعوذ بك ربّ من رفيع المطعم والمشرب، وأعوذ بك من شرّ ما أعلم ومن شرّ ما لا أعلم، وأعوذ بك من الفواحش كلّها ما ظهر منها وما بطن، وأعوذ بك ربي أن أشتري الجهل بالعلم كما اشترى غيري، أو السفه بالحلم أو الجزع بالصبر أو الضلالة بالهدى أو الكفر بالايمان، يا ربّ مُنّ عليّ بذلك فإنك تتولّى الصالحين ولا تضيع أجر المحسنين، والحمد لله ربّ العالمين(1).
(7) دعاء موسى (عليه السلام) على فرعون
1546/1 ـ ابن طاووس، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب، قال:
أنّه لما وضح (ظح) لموسى (عليه السلام) وجه فرعون ـ لعنه الله ـ، قال موسى: اللّهمّ إني
____________
1- مهج الدعوات: 94; البحار 94: 234; مستدرك الوسائل 11: 110 ح12556.
(8) الدعاء المعروف بالدعاء اليماني
1547/1 ـ ابن طاووس أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن عليّ القمي المعروف بابن الخيّاط، قال أخبرنا أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري، قال حدّثنا أبو القاسم عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي بحلب، قال حدّثنا عليّ بن محمّد بن أحمد العلوي المعروف بالمستنجد، قال حدّثنا أبو الحسن الكاتب، قال حدّثنا عبد الرحمان بن عليّ بن زياد، قال: قال عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر: بينما نحن عند مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم إذ دخل الحسن بن علي (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين بالباب رجل يستأذن عليك ينفح منه ريح المسك، قال له: ائذن له، فدخل رجل جسيم وسيم له منظر رائع وطرف فاضل، فصيح اللسان عليه ثياب الملوك، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته إني رجل من أقصى بلاد اليمن ومن أشراف العرب، ممن انتسب إليك، وقد خلّفت ورائي ملكاً عظيماً ونعمة سابغة، وإني لفي غضارة من العيش وخفض من الحال وضياع ناشئة، وقد عجمت الاُمور ودرّبتني الدهور، ولي عدوّ مشجّ وقد أرهقني وغلبني بكثرة نفيره وقوّة نصيره وتكاثف جمعه، وقد أعيتني فيه الحيل.
وإني كنت راقداً ذات ليلة حتّى أتاني الآتي، فهتف بي: أن قم يا رجل إلى خير خلق الله بعد نبيّه أمير المؤمنين ـ علي بن أبي طالب صلوات عليه وعلى آله ـ، فاسأله أن يعلّمك الدعاء الذي علّمه حبيب الله وخيرته وصفوته من خلقه محمّد
____________
1- الجعفريات: 242; البحار 95: 225.
فقال مولانا أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: نعم أفعل ذلك إن شاء الله، ودعا بدواة وقرطاس وكتب له هذا الدعاء وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم اللّهمّ أنت (الله) الملك الحق الذي لا إله إلاّ أنت، وأنا عبدك (وأنت ربّي) ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، ولا يغفر الذنوب إلاّ أنت فاغفر لي يا غفور يا شكور.
اللّهمّ إني أحمدك وأنت للحمد أهل على ما خصصتني به من مواهب الرغائب، وما وصل إليّ من فضلك السابغ، وما أوليتني به من إحسانك إليّ، وبَوّأتني به من مظنّة العدل، وأنَلتني من منّك الواصل إليّ ومن الدفاع عنّي والتوفيق لي والاجابة لدعائي، حتّى اُناجيك داعياً وأدعوك مُضاماً، وأسألك فأجدك في المواطن كلها لي جابراً وفي الاُمور ناظراً، ولذنوبي غافراً ولعوراتي ساتراً.
لم أعدم خيرك طرفة عين منذ أنزلتني دار الإختيار لتنظر ما اُقدّم لدار القرار، فأنا عتيقك من جميع الآفات والمصائب في اللوازب والغموم التي ساورتني فيها الهموم بمعاريض أصناف البلاء ومصروف جهد القضاء، لا أذكر منك إلاّ الجميل ولا أرى منك غير التفضيل، خيرك لي شامل وفضلك عليّ متواتر ونعمتك عندي
فلا يَبلُغُك بعد الهمم، ولا ينالك غوض الفكر، ولا ينتهي إليك نظر ناظر في مجد جبروتك، ارتفعت عن صفة المخلوقين صفات قدرك، وعلا عن ذلك كبرياء عظمتك، لا ينقص ما أردت أن يزداد، ولا يزداد ما أردت أن ينقص، لا أحد حضرك حين برأت النفوس، كلّت الأفهام (الأوهام) عن تفسير صفتك وانحسرت العقول عن كنه عظمتك، وكيف توصف وأنت الجبّار القدوس الذي لم تزل أزليّاً دائماً في الغيوب وحدك ليس فيها غيرك ولم يكن لها سواك، حار في ملكوتك عميقات مذاهب التفكير، فتواضعت الملوك لهيبتك، وعنت الوجوه بذلّ الإستكانة لك، وانقاد كلّ شيء لعظمتك واستسلم كلّ شيء لقدرتك، وخضعت لك الرقاب، وكلّ دون ذلك تحبير اللّغات، وضلّ هنالك التدبير في تصاريف الصفات، فمن تفكّر في ذلك رجع طرفه إليه حسيراً، وعقله مبهوراً وتفكّره متحيّراً.
اللّهمّ فلك الحمد متواتراً متوالياً متّسقاً مستوثقاً، يدوم ولا يبيد غير مفقود في الملكوت ولا مطموس في المعالم ولا منتقص في العرفان، ولك الحمد ما لا تحصى مكارمه في الليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر، وفي البراري والبحار، والغدوّ والآصال، والعشيّ والابكار، وفي الظهاير والأسحار.
اللّهمّ لك الحمد مثل ما حمدت به نفسك وحمدك به الحامدون، ومجدّك به الممجّدون، وكبّرك به المكبّرون، وعظّمك به المعظّمون، حتّى يكون لك مني وحدي في كلّ طرفة عين وأقلّ من ذلك مثل حمد الحامدين، وتوحيد أصناف المخلصين، وتقديس أجناس العارفين، وثناء جميع المهلّلين، ومثل ما أنت به عارف (من رزقك اعتباراً وفضلا، وسألتني منه يسيراً صغيراً، وأعفيتني) من جميع خلقك من الحيوان.
وأرغب إليك في رغبة ما أنطقتني به من حمدك، فما أيسر ما كلفتني به من حقك، وأعظم ما وعدتني على شكرك، ابتدءتني بالنعم فضلا وطولا، وأمرتني بالشكر حقاً وعدلا، ووعدتني عليه أضعافاً ومزيداً، وأعطيتني من رزقك اعتباراً وفضلا، وسألتني منه يسيراً صغيراً، وأعفيتني من جهد البلاء، ولم تسلمني للسوء من بلائك، مع ما أوليتني من العافية وسوّغت من كرائم النّحل وضاعفت لي الفضل مع ما أودعتني من الحجة الشريفة، ويسّرت لي من الدرجة العالية الرفيعة، واصطفيتني بأعظم النبيين دعوة، وأفضلهم شفاعة محمّد (صلى الله عليه وآله) .
اللّهمّ فاغفر لي ما لا يسعه إلاّ مغفرتك، ولا يمحقه إلاّ عفوك، ولا يكفّره إلاّ فضلك، وهب لي في يومي يقيناً تهوِّنُ عليّ به مصيبات الدنيا وأحزانها بشوق إليك
أشهد أنّك ربّي وربّ كلّ شيء، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة العليّ الكبير.
اللّهمّ إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، والشكر على نعمتك، أعوذ بك من جور كل جائر، وبغي كلّ باغ، وحسد كل حاسد، بك أصول على الأعداء، وبك أرجو ولاية الأحبّاء، مع ما لا أستطيع إحصاءه ولا تعديده من عوائد فضلك وطرف رزقك، وألوان ما أوليت من إرفادك، فإنّك أنت الله الذي لا إله إلاّ أنت الفاشي في الخلق رفدك الباسط بالجود يدك، ولا تضادّ في حكمك، ولا تنازع في أمرك، تملك من الأنام ما تشاء ولا يملكون إلاّ ما تريد، قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء، بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ، وترزق من تشاء بغير حساب.
أنت المنعم المفضل الخالق البارئ القادر القاهر، المقدّس في نور القدس، تردّيت بالمجد والعزّ، وتعظّمت بالكبرياء، وتغشّيت بالنور والبهاء، وتجلّلت بالمهابة والسناء، لك المَنّ القديم، والسلطان الشامخ، والجود الواسع، والقدرة المقتدرة، جعلتني من أفضل بني آدم، وجعلتني سميعاً بصيراً صحيحاً سوياً معافاً، لم تشغلني بنقصان في بدني، ولم تمنعك كرامتك إيّاي وحسن صنيعك عندي وفضل أنعامك عليّ أن وسّعت عليّ في الدنيا، وفضّلتني على كثير من أهلها.
فجعلت لي سمعاً يسمع آياتك وفؤاداً يعرف عظمتك، وأنا بفضلك حامد،
اللّهمّ فتمّم إحسانك فيما بقي كما أحسنت فيما مضى، فإنّي أتوسّل إليك بتوحيدك وتمجيدك، وتحميدك وتهليلك، وتكبيرك وتعظيمك، وبنورك ورأفتك ورحمتك، وعلوّك وجمالك وجلالك وبهاءك وسلطانك وقدرتك، وبحمّد وآله الطاهرين، ألاّ تحرمني رفدك وفوائدك، فإنّه لا يعتريك لكثرة ما يتدفّق به عوائق البخل، ولا ينقص جودك تقصير في شكر نعمتك ولا تفني خزائن مواهبك النعم، ولا تخاف ضَيمَ إملاق فتكدي، ولا يلحقك خوف عدم فينقص فيض فضلك.
اللّهمّ ارزقني قلباً خاشعاً ويقيناً صادقاً، ولساناً ذاكراً، ولا تؤمنّي مكرك، ولا تكشف عنّي سترك، ولا تنسني ذكرك، ولا تباعدني من جوارك، ولا تقطعني من رحمتك، ولا تؤيِسني من رُوحِكَ، وكن لي أنيساً من كلّ وحشة، واعصمني من كلّ هلكة، ونجّني من كلّ بلاء، فإنّك لا تخلف الميعاد، اللّهمّ ارفعني ولا تضعني، وزدني ولا تنقصني وارحمني، ولا تعذّبني، وانصرني ولا تخذلني، وأثرني ولا تؤثر عليّ وصلّ على محمّد وآل محمّد الطيّبين الطاهرين وسلّم تسليماً كثيراً.
(فقال الرجل: يا أمير المؤمنين حقّقت الظن، وصدّقت الرجاء، وأدّيت حقّ الاُبوّة، فجزاك الله جزاء المحسنين.
ثمّ قال: يا أمير المؤمنين إني اُريد أن أتصدّق بعشر آلاف دينار فمن المستحقّون