فقال جبرئيل: اُوصيك أن تأمر اُمّتك أن يصوموا ثلاثة أيام البيض من كلّ شهر: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، واُوصيك يا محمّد أن تأمر اُمّتك أن تدعو بهذا الدعاء الشريف، وإنّ حملة العرش يحملون العرش ببركة هذا الدعاء، وببركته أنزل الأرض وأصعد إلى السماء، وهذا الدعاء مكتوب على أبواب الجنّة وعلى حجراتها وعلى شرفاتها وعلى منازلها، وبه تفتح أبواب الجنّة، وبهذا الدعاء يحشر الخلق يوم القيامة بأمر الله عزّ وجلّ، ومن قرأ هذا الدعاء من اُمّتك يرفع الله عزّ وجلّ عنه عذاب القبر ويؤمنه من الفزع الأكبر ومن آفات الدنيا والآخرة ببركته، ومن قرأه ينجيه الله من عذاب النار.
ثمّ سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) جبرئيل عن ثواب هذا الدعاء، قال جبرئيل (عليه السلام) : يا محمّد لقد سألتني عن شيء لا أقدر على وصفه ولا يعلم قدره إلاّ الله، يا محمّد لو صارت أشجار الدنيا أقلاماً والبحار مداداً والخلائق كتّاباً لم يقدروا على ثواب قارئ هذا الدعاء، ولا يقرأ هذا عبدٌ وأراد عتقه إلاّ أعتقه الله تبارك وتعالى وخلّصه من رِقّ العبودية، ولا يقرؤه مغموم إلاّ فرّج الله همّه وغمّه، ولا يدعو به طالب حاجة إلاّ قضاها الله عزّ وجلّ له في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى، ويقيه الله موت الفجأة وهول القبر وفقر الدنيا، ويعطيه الله تبارك وتعالى الشفاعة يوم القيامة ووجهه يضحك، ويدخله الله عزّ وجلّ ببركة هذا الدعاء دار السلام، ويسكنه الله في غرف الجنان ويلبسه الله من حلل الجنّة التي لا تبلى.
ومن صام وقرأ هذا الدعاء كتب الله عزّ وجلّ له مثل ثواب جبرئيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل وإبراهيم الخليل وموسى الكليم وعيسى ومحمّد صلّى الله
قال النبي (صلى الله عليه وآله) : لقد عجبت من كثرة ما ذكر جبرئيل (عليه السلام) في فضل هذا الدعاء وشرفه وتعظيمه، وما ذكر فيه من الثواب لقارئ هذا الدعاء.
ثم قال جبرئيل: يا محمّد ليس أحد من اُمّتك يدعو بهذا الدعاء في عمره مرّة واحدة إلاّ حشره الله يوم القيامة ووجهه يتلألأ مثل القمر ليلة تمامه، فيقول الناس: من هذا أنبيّ هو؟ فتخبرهم الملائكة بأنّ ليس هذا نبيّاً ولا ملكاً بل هو عبد من عبيد الله من ولد آدم قرأ في عمره مرّة واحدة هذا الدعاء فأكرمه الله عزّ وجلّ بهذه الكرامة.
ثمّ قال جبرئيل (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) : يا محمّد من قرأ هذا الدعاء خمس مرّات حشر يوم القيامة وأنا واقف على قبره ومعي براق من الجنّة، ولا أبرح واقفاً حتّى يركب على ذلك البراق ولا ينزل عنه إلاّ في دار النعيم خالد مخلّد، ولا حساب عليه، وفي جوار إبراهيم (عليه السلام) وفي جوار محمّد (صلى الله عليه وآله) وأنا أضمن لقارئ هذا الدعاء من ذكر واُنثى أنّ الله تعالى لا يعذّبه ولو كان عليه ذنوب أكثر من زبد البحر وقطر المطر وورق الشجر، وعدد الخلائق من أهل الجنّة وأهل النار، وأنّ الله عزّ وجلّ يأمر أن يكتب للذي يدعو بهذا الدعاء ثواب حجة مبرورة وعمرة مقبولة.
يا محمّد ومن قرأ هذا الدعاء وقت النوم خمس مرّات على طهارة، فإنّه يراك في منامه وتبشّره بالجنّة، ومن كان جائعاً أو عطشاناً ولا يجد ما يأكل ولا ما يشرب، أو كان مريضاً فيقرأ هذا الدعاء فإنّ الله عزّ وجلّ يفرّج عنه ما هو فيه ببركته ويطعمه ويسقيه ويقضي له حوائج الدنيا والآخرة.
ومن سرق له شيء أو أبق له عبد فيقوم ويتطّهر ويصلّي ركعتين أو أربع ركعات، ويقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة وسورة الاخلاص ـ وهي قل هو الله
وإن كان يخاف من عدوّ فيقرأ هذا الدعاء على نفسه فيجعله الله تعالى في حرز حريز ولا يقدر عليه أعداؤه، وما من عبد قرأه وعليه دين إلاّ قضاه الله عزّ وجلّ وسهّل له من يقضيه عنه إن شاء الله تعالى، ومن قرأه على مريض شفاه الله ببركته، فإن قرأه عبد مؤمن مخلص لله عزّ وجلّ على جبل لتحرّك الجبل بإذن الله تعالى، ومن قرأه بنيّة خالصة على الماء لجمد الماء.
ولا تعجب من هذا الفضل الذي ذكرته في هذا الدعاء، فإنّ فيه اسم الله الأعظم، وإنّه إذا قرأه القارئ وسمعه الملائكة والجنّ والإنس فيدعون لقارئه، إنّ الله تعالى يستجيب منهم دعاءهم، وكلّ ذلك ببركة الله عزّ وجلّ وببركة هذا الدعاء، وإنّ مَن آمن بالله وبرسوله وبهذا الدعاء فيجب أن لا يُغاش قلبه بما ذكر في هذا الدعاء، فإنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب، ومن قرأه وحفظه أو نسخه فلا يبخل به على أحد من المسلمين.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ما قرأت هذا الدعاء في غزوات إلاّ ظفرت ببركته على أعدائي، وقال (صلى الله عليه وآله) : من قرأ هذا الدعاء اُعطي نور الأولياء في وجهه وسهّل له كلّ عسير ويسّر له كلّ يسير.
وقال الحسن البصري: لقد سمعت في فضل هذا الدعاء أشياء ما أقدر أن أصفه، ولو أنّ من يقرأه ضرب برجله على الأرض لتحرّكت.
وقال سفيان الثوري: ويل لمن لا يعرف حق هذا الدعاء، فإنّ من عرف حقّه وحرمته كفاه الله عزّ وجلّ كلّ شدّة وسهّل له جميع الاُمور ووقاه كلّ محذور ودفع
وهذا هو الدعاء الموصوف:
سبحان الله العظيم وبحمده، سبحان من إله ما أملكه، وسبحانه من مليك ما أقدره، وسبحانه من قدير ما أعظمه، وسبحان من عظيم ما أجلّه، وسبحانه من جليل ما أمجده، وسبحانه من ماجد ما أرأفه، وسبحانه من رؤف ما أعزّه، وسبحانه من عزيز ما أكبره، وسبحانه من كبير ما أقدمه، وسبحانه من قديم ما أعلاه، وسبحانه من عال ما أسناه، وسبحانه من سنيّ ما أبهاه، وسبحانه من بَهِيٍّ ما أنوره، وسبحانه من منير ما أظهره، وسبحانه من ظاهر ما أخفاه، وسبحانه من خفيّ ما أعلمه، وسبحانه من عليم ما أخبره، وسبحانه من خبير ما أكرمه، وسبحانه من كريم ما ألطفه، وسبحانه من لطيف ما أبصره، وسبحانه من بصير ما أسمعه، وسبحانه من سميع ما أحفظه، وسبحانه من حفيظ ما أملاه، وسبحانه من مليّ ما أهداه، وسبحانه من هاد ما أصدقه، وسبحانه من صادق ما أحمده، وسبحانه من حميد ما أذكره، وسبحانه من ذاكر ما أشكره، وسبحانه من شكور ما أوفاه، وسبحانه من وفيّ ما أغناه، وسبحانه من غنيّ ما أعطاه، وسبحانه من معط ما أوسعه، وسبحانه من واسع ما أجوده، وسبحانه من جواد ما أفضله، وسبحانه من مفضل ما أنعمه، وسبحانه من منعم ما أسيده، وسبحانه من سيّد ما أرحمه، وسبحانه من رحيم ما أشدّه، وسبحانه |
من شديد ما أقواه، وسبحانه من قويّ ما أحكمه، وسبحانه من حكيم ما أبطشه، وسبحانه من باطش ما أقومه، وسبحانه من قَيّوم ما أحمده، وسبحانه من حميد ما أدومه، وسبحانه من دائم ما أبقاه، وسبحانه من باق ما أفرده، وسبحانه من فرد ما أوحده، وسبحانه من واحد ما أصمده، وسبحانه من صَمد ما أملكه، وسبحانه من مالك ما أولاه، وسبحانه من وليّ ما أعظمه، وسبحانه من عظيم ما أكمله، وسبحانه من كامل ما أتمّه، وسبحانه من تام ما أعجبه، وسبحانه من عجيب ما أفخره، وسبحانه من فاخر ما أبعده، وسبحانه من بعيد ما أقربه، وسبحانه من قريب ما أمنعه، وسبحانه من مانع ما أغلبه، وسبحانه من غالب ما أعفاه، وسبحانه من عفوّ ما أحسنه، وسبحانه من محسن ما أجمله. وسبحانه من جميل ما أقبله، وسبحانه من قابل ما أشكره، وسبحانه من شكور ما أغفره، وسبحانه من غفور ما أكبره، وسبحانه من كبير ما أجبره، وسبحانه من جبّار ما أدينه، وسبحانه من ديّان ما أقضاه، وسبحانه من قاض ما أمضاه، وسبحانه من ماض ما أنفذه، وسبحانه من نافذ ما أرحمه، وسبحانه من رحيم ما أخلقه، وسبحانه من خالق ما أقهره، وسبحانه من قاهر ما أملكه، وسبحانه من مليك ما أقدره، وسبحانه من قادر ما أرفعه، وسبحانه من رفيع ما أشرفه، وسبحانه من شريف ما أرزقه، وسبحانه من رازق ما أقبضه، وسبحانه من قابض ما أبسطه، وسبحانه من باسط ما أهداه، وسبحانه من هاد ما أصدقه، وسبحانه من صادق ما أبداه، وسبحانه من باد ما أقدسه، وسبحانه من قدوّس ما أطهره، وسبحانه من طاهر ما أزكاه، |
وسبحانه من زكيّ ما أبقاه، وسبحانه من باق ما أعوده، وسبحانه من عوّاد ما أفطره، وسبحانه من فاطر ما أرعاه، وسبحانه من راع ما أعونه، وسبحانه من معين ما أوهبه، وسبحانه من وهّاب ما أتوبه، وسبحانه من توّاب ما أسخاه، وسبحانه من سخيّ ما أبصره، وسبحانه من بصير ما أسلمه، وسبحانه من سليم ما أشفاه، وسبحانه من شاف ما أنجاه، وسبحانه من منج ما أبرّه، وسبحانه من بارٍّ ما أطلبه، وسبحانه من طالب ما أدركه، وسبحانه من مدرك ما أشدّه، وسبحانه من شديد ما أعطفه، وسبحانه من عطوف (متعطّف) ما أعدله، وسبحانه من عادل ما أتقنه، وسبحانه من متقن ما أحكمه، وسبحانه من حكيم ما أكفله، وسبحانه من كفيل ما أشهده، وسبحانه من شهيد ما أحمده، وسبحانه هو الله العظيم وبحمده، الحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ولله الحمد ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، دافع كلّ بليّة وهو حسبي ونعم الوكيل(1).
|
(14) أدعية اُخرى له (عليه السلام)
1555/1 ـ قال الشهيد (رحمه الله): روي عن ميثم التمار (رضي الله عنه) أنّه قال: أصحر بي مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة من الليالي، قد خرج من الكوفة وانتهى إلى مسجد جعفي، توجّه إلى القبلة وصلّى أربع ركعات، فلمّا سلّم وسبّح بسط كفّيه وقال:
إلهي كيف أدعوك وقد عصيتك، فكيف لا أدعوك وقد عرفتك، وحبّك في قلبي مكين، مددت إليك يداً بالذنوب مملوّة، وعيناً |
____________
1- مهج الدعوات: 79; البحار 95: 364.
بالرجاء ممدودة، إلهي أنت مالك العطايا، وأنا أسير الخطايا، ومن كرم العظماء الرفق بالاُسراء، وأنا أسير بجرمي مرتهن بعملي. إلهي ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله، وأوحش المسلك على من لم تكن أنيسه. إلهي لئن طالبتني بذنوبي لاُطالبنّك بعفوك، وإن طالبتني بجريرتي لاُطالبنّك بكرمك، وإن طالبتني بشرّي لاُطالبنّك بخيرك، وإن جمعت بيني وبين أعدائك في النار لاُخبرنّهم أنّي كنت لك مُحبّاً، وأنني كنت أشهد أن لا إله إلاّ الله. إلهي هذا سروري بك خائفاً فكيف سروري بك آمناً. إلهي الطاعة تسرّك والمعصية لا تضرّك، فهب لي ما يسرّك واغفر لي ما لا يضرّك، وتُب عليّ إنّك أنت التوّاب، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وارحمني إذا انقطع من الدنيا أثري وامتحي من المخلوقين ذكري، وصرت من المنسيين كمن قد نُسي. إلهي كبر سنّي ودقَّ عظمي ونال الدهر منّي، واقترب أجلي ونفدت أيامي وذهبت محاسني، ومضت شهوتي وبقيت تبعتي، وبلي جسمي، وتقطّعت أوصالي وتفرّقت أعضائي، وبقيتُ مرتهناً بعملي. إلهي أفحمَتْني ذنوبي وانقطعت مقالتي ولا حجّة لي. إلهي أنا المقرّ بذنبي المعترف بجرمي، الأسير بإساءتي، المرتهن بعملي، المتهوّر في خطيئتي، المتحيّر عن قصدي المنقطع بي، فصلّ على محمّد وآل محمّد وتفضّل عليّ وتجاوز عنّي. إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي.
|
إلهي كيف انقلب بالخيبة من عندك محروماً، وكلّ ظنّي بجودك أن تقبلني بالنجاة مرحوماً. إلهي لم اُسلّط على حُسن ظنّي بك قنوط الآيسين، فلا تبطل صدق رجائي من بين الآملين. إلهي عظم جرمي إذ كنت المطالِبُ به، وكبر ذنبي إذ كنت المبارزَ به، إلاّ أنّي إذا ذكرت كِبرَ ذنبي، وعظمَ عفوك وغفرانك، وجدت الحاصل بينهما لي أقربهما إلى رحمتك ورضوانك. إلهي إن دعاني إلى النار (بذنبي) مَخشيُّ عقابك فقد ناداني إلى الجنّة بالرجاء حسن ثوابك. إلهي إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك، فقد آنسني باليقين مكارم عطفك. إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك، فقد أنبهتني المعرفة يا سيدي بكرم آلائك. إلهي إن عزب لُبّي عن تقويم ما يصلحني، فما عَزَبَ إيقاني بنظرك (إليّ) فيما ينفعني. إلهي إن انقرضت بغير ما أحببت من السعي أيامي، فبالايمان أمضيت السالفات من أعوامي. إلهي جئتك ملهوفاً وقد اُلبست عدم فاقتي، وأقامني مع الأدلاّء بين يديك صدق حاجتي. إلهي كَرُمْتَ فاكرمني إذ كنت من سؤالك، وجُدتَ بالمعروف، فأخلطني بأهل نوالك.
|
إلهي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا، وعن التعرّض لسواك بالمسألة عادلا، وليس من شأنك ردّ سائل ملهوف ومضطرّ لانتظار خير منك مألوف. إلهي أقمت على قنطرة الأخطار مَبلوّاً بالأعمال والاختبار، إن لم تُعِن عليها بتخفيف الأثقال والأصار. إلهي أمِن أهل الشقاء خلقتني فاُطيل بكائي، أم من أهل السعادة خلقتني فاُبشر رجائي. إلهي إن حرمتني رؤية محمّد (صلى الله عليه وآله) وصرفت وجه تأميلي بالخيبة في ذلك المقام فغير ذلك مَنَّتني نفسي، يا ذا الجلال والاكرام والطول والانعام. إلهي لو لم تهدني إلى الإسلام ما اهتديت، ولو لم ترزقني الايمان بك ما آمنت، ولو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت، ولو لم تعرّفني حلاوة معرفتك ما عرفت. إلهي إن أقعدني التخلّف عن السبق مع الأبرار، فقد أقامتني الثقة بك على مدارج الأخيار. إلهي قلبٌ حَشوتُه من محبّتك في دار الدنيا، كيف تسلّط عليه ناراً تحرقه في لظىً. إلهي كلّ مكروب إليك يلتجي، وكلّ محروم لك يرتجي. إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا، وسمع المزلّون عن القصد بجودك فرجعوا، وسمع المذنبون بسعة رحمتك فتمتّعوا، وسمع المجرمون بكرم عفوك فطمعوا، حتّى ازدحمت عصائب العصاة من عبادك وعجّ إليك (كلّ) منهم عجيج الضجيج بالدعاء في بلادك، ولكلّ أمل ساق |
صاحبه إليك حاجة، وأنت المسؤول الذي لا تَسْوَدُّ عنده وجوه المطالب، صلّ على محمّد نبيّك وآله وافعل بي ما أنت أهله إنك سميع الدعاء.
|
وأخفَتَ دعاءه ـ صلوات الله عليه ـ وسجد وعفّر وقال: العفو العفو مائة مرّة، وقام وخرج فاتّبعته حتّى خرج الى الصحراء وخطّ لي خطّة وقال: إيّاك أن تجاوز هذه الخطّة ومضى عنّي، وكانت ليلة مُدلهِمّة، فقلت: يا نفسي أسلمت مولاك وله أعداء كثيرة، أيّ عذر يكون لك عند الله وعند رسوله، والله لأقفونّ أثره، ولأعلمنّ خبره وإن كان قد خالفت أمره، وجعلت أتّبع أثره، فوجدته (عليه السلام) مطلعاً في البئر إلى نصفه يخاطب البئر والبئر يخاطبه، فحسّ بي والتفت وقال: مَن؟ قلت: ميثم، فقال: يا ميثم ألم آمرك أن لا تتجاوز الخطّة، قلت: يا مولاي خشيت عليك من الأعداء فلم يصبر لذلك قلبي، فقال: أسمعت مما قلت شيئاً؟ قلت: لا يا مولاي، فقال: يا ميثم،
وفي الصدر لبانات | إذا ضاق لها صدري |
نكتّ الأرض بالكفّ | وأبديت لها سرّي |
فمهما تنبت الأرض | فذاك النبت من بذري(1) |
قال المحدّث المجلسي ـ أعلا الله مقامه ـ: وجدت في مزار كبير من مؤلّفات السيد فخّار، أو بعض من عاصره من أفاضل الكبار، قال: حدّثني أبو المكارم حمزة ابن علي بن زهرة العلوي، عن أبيه، عن جدّه، عن الشيخ محمّد ابن بابويه، عن الحسن بن علي البيهقي، عن محمّد بن يحيى الصولي، عن عون |
____________
1- المزار للشهيد: 270; البحار 100: 449.
ابن محمّد الكندي، عن عليّ بن ميثم، عن ميثم (قدس سره) قال: أصحر بي مولاي.. الخبر(1).
|
1556/2 ـ علي بن حاتم، عن محمّد بن عمرو، عن محمّد بن عمّار، عن الحسين بن عبد الله العبدوي والحسن بن محمّد، قالا: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن ربيعة الهاشمي، قال: حدّثني محمّد بن عيسى بن محمّد، عن عليّ بن عبد الله، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) :
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على طيّب المرسلين محمّد بن عبد الله المنتجب الفاتق الراتق، اللّهمّ فخصّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) بالذكر المحمود والحوض المورود، اللّهمّ آت محمّداً صلواتك عليه وآله الوسيلة والرفعة والفضيلة، واجعل في المصطفين محبّته وفي العليين درجته وفي المقرّبين كرامته، اللّهمّ اعط محمّداً ـ صلواتك عليه وآله ـ من كلّ كرامة أفضل تلك الكرامة، ومن كلّ نعيم أوسع ذلك النعيم، ومن كلّ عطاء أجزل ذلك العطاء، ومن كلّ يسراً أنظر ذلك اليسر، ومن كلّ قسم أوفر ذلك القسم، حتّى لا يكون أحد من خلقك أقرب منه مجلساً، ولا أرفع منه عندك ذكراً ومنزلةً، ولا أعظم عليك حقاً، ولا أقرب وسيلة من محمّد ـ صلواتك عليه وآله ـ، إمام الخير وقائده والداعي إليه، والبركة على جميع العباد والبلاد ورحمةً للعالمين.
اللّهمّ اجمع بيننا وبين محمّد ـ صلواتك عليه وآله ـ في برد العيش وتروّح الروح وقرار النعمة وشهوة الأنفس ومُنى الشهوات ونعم اللذات، ورجاء الفضيلة وشهود الطمأنينة وسؤدد الكرامة وقرّة العين ونضرة النعيم وبهجة لا تشبه بهجات الدنيا، نشهد أنه قد بلّغ الرسالة وأدّى النصيحة واجتهد للاُمّة، واُوذي في جنبك وجاهد في سبيلك، وعبدك حتّى أتاه اليقين، فصلّى الله عليه وآله الطيّبين.
اللّهمّ ربّ البلد الحرام وربّ الركن والمقام وربّ المشعر الحرام وربّ الحِلّ والحرام، بلّغ روح محمّد ـ صلواتك عليه وآله ـ عنّا السلام، اللّهمّ صلّ على
____________
1- البحار 40: 199.
1557/3 ـ المجلسي، عن الكتاب العتيق، عن علي (عليه السلام) :
إلهي ذنوبي تُخوّفني منك، وجودك يبشّرني عنك، فأخرجني بخوفك من الخطايا، وأوصلني برحمتك إلى العطايا، حتّى أكون في القيامة عتيق كرمك كما كنت في الدنيا ربيب نعمك، فليس عجباً ما يهجني غداً من النجا مع ما ينجيه اليوم من الرجاء. إلهي متى مات في غنائك آمل وانصرف بالردّ عنك سائل، أم متى دُعيت فلم تُجب، أم استوهبت فلم تهب، يا مَن أمر بالدعاء وتكفّل بالوفاء، لا تحرمني رضوانك، ولا تعدمني إحسانك، واجعل لي من عنايتك أمناً وموتلا، ومن ولايتك حصناً ومعقلا، حتّى لا يضرّني مع ذلك ضارّ، ولا يخلو قلبي من سرور واستبشار. إلهي إليك منك فراري، ولك بك إقراري، وأنت حسبي ونعم الوكيل، وربّي ونعم الدليل. إلهي فقوّمني من الزلل وقوّني من الملل، وأرشدني لأقصد السبل، ووفقني لأفضل العمل حتّى أنال بفضلك غاية الأمل. إلهي أنت مجيب دعوة المضطرّ وهادي المتحيّر في ظلمات البحر والبرّ، اللّهمّ فيسّر أغلاق قلوبنا، واكشف لبصائرنا أستار عيوننا، واكفنا بركن عزّك من أوامر نفوسنا، وصف لعلم حقائقك خواطر محسوسنا |
____________
1- تهذيب الشيخ الطوسي 3: 83.
حتّى لا نزيغ عن سنن طريقك، ولا نزوع عن متن توفيقك، ولا نبغي سواك جليساً ولا نختار غيرك أنيساً. إلهي أدعوك دعاءَ المتحلّ الفقير، وأرجوك رجاء الخائف المستجير، دعاء من قلّت حيلتُهُ واشتدّت فاقته، وعظمت أجرامُهُ وتفاقمت آثامه، اللّهمّ فكن لذنوبنا غافراً ولكسرنا جابراً، وأجرنا من عذاب العسير ودعاء الثبور، وسلّمنا من مضلاّت الفتن وإضاعة السنن وجور الحكم واستعذاب الظلم وعواقب البغي وركوب الغَي، وأطلق ألسنتا بشكر آلائك والتحدّث بنعمائك، وأبحنا النظر إليك، وأكرم محلّنا في دار القدس لديك، يا مَن لا يُخلف وعده ولا يقطع رفده، بيدك الخير كلّه وأنت معدن الفضل ومحلّه، صلّ على محمّد نبيّنا وعلى آدم أبينا وحوّا اُمّنا، ومن بينهما من النبيين والمرسلين والشهداء والصالحين(1).
|
1558/4 ـ محمد بن يعقوب، عن عليّ بن أبي حمزة، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّ رجلا أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين كان لي مال ورثته ولم أنفق منه درهماً في طاعة الله عزّ وجلّ، ثمّ اكتسبت منه مالا فلم أنفق منه درهماً في طاعة الله، فعلّمني دعاء يخلف عليّ ما مضى ويغفر لي ما عملت، أو عملا أعمله، قال ـ صلوات الله عليه ـ: قل، قال: وأيّ شيء أقول يا أمير المؤمنين؟ قال: قل كما أقول:
يا نوري في كلّ ظلمة ويا اُنسي في كلّ وحشة، ويا رجائي في كلّ كربة، ويا ثقتي في كلّ شدّة، ويا دليلي في الضلالة، أنت |
____________
1- البحار 94: 112.
دليلي إذا انقطعت دلالة الأدلاّء فإنّ دلالتك لا تنقطع، ولا يضلّ من هديت، أنعمت عليّ فأسبغت، ورزقتني فوفّرت، وغذّيتني فأحسنت غذائي، وأعطيتني فأجزلت، بلا استحقاق لذلك بفعل منّي، ولكن ابتداءً منك لكرمك وجودك، فتقوّيتُ بكرمك على معاصيك، وتقوّيت برزقك على سخطك، وأفنيت عمري فيما لا تحبّ، فلم يمنعك جرأتي عليك وركوبي لما نهيتني عنه ودخولي فيما حرّمت عليّ، أن عدت عليّ بفضلك ولم يمنعني حلمك عنّي، وعودك عليّ بفضلك وإن عدت في معاصيك، فأنت العواد بالفضل وأنا العوّاد بالمعاصي، فيا أكرم من أقِرُّ له بذنب، وأعزّ من خضع له بذلّ، لكرمك أقررت بذنبي ولعزّك خضعت بذلّي فما أنت صانع بي في كرمك، وإقراري بذنبي، وعزّك وخضوعي بذلّي، إفعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله(1).
|
1559/5 ـ الطوسي، أخبرنا الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمّد بن الحسن بن علي الطوسي (رحمه الله) قال: أخبرنا الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر محمّد بن الحسن (رحمه الله)قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا القاضي أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد ابن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الحميد، قال: حدّثنا محمّد بن عمرو بن عتبة، قال: حدّثنا الحسن بن المبارك، قال: حدّثنا العباس بن عامر، عن مالك الأحمسي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: كنت أركع عند باب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنا أدعو الله، إذ خرج أميرالمؤمنين (عليه السلام) وقال: يا أصبغ، فقلت: لبّيك، قال: أيّ شيء كنت تصنع؟ قلت: ركعت وأنا أدعو، قال: أفلا اُعلّمك دعاء سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قلت: بلى، قال: قل: الحمد لله على
____________
1- الكافي 2: 595; إحياء الإحياء 2: 325.
____________
1- أمالي الشيخ الطوسي، المجلس 6: 173 ح292; مستدرك الوسائل 5: 308 ح5939; البحار 42: 145; بشارة المصطفى: 97.
الباب التاسع:
في مناجاة أمير المؤمنين (عليه السلام)
1560/1 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في مناجاته:
إلهى اُفكّر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي، ثمّ أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليّتي، ـ ثمّ قال: ـ آه إن أنا قرأت في الصحف سيّئة أنا ناسيها وأنت محصيها، فتقول: خذوه فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا تنفعه قبيلته، يرحمه الملأ إذا اُذِنَ فيه بالنداء، ـ ثمّ قال: ـ آه من نار تنضج الأكبار، آه من نار نزّاعة للشوى، آه من غمرة من ملهبات لظى(1).
1561/2 ـ كان من مناجاة علي (عليه السلام) :
اللّهمّ إنّي أسألك الأمان الأمان، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم، وأسألك الأمان الأمان يوم يعضّ الظالم على يديه يقول: يا ليتني اتّخذت مع الرسول سبيلا، وأسألك الأمان الأمان يوم |
____________
1- البحار 78: 196.
يُعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام، وأسألك الأمان الأمان يوم لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً، إنّ وعد الله حق، وأسألك الأمان الأمان يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار. وأسألك الأمان الأمان يوم لا تملك نفسٌ لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله، وأسألك الأمان الأمان يوم يفرّ المرء من أخيه واُمّه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، وأسألك الأمان الأمان يوم يودّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه، ومن في الأرض جميعاً ثمّ ينجيه، كلاّ إنّها لظى نزاعة للشوى. مولاي يا مولاي أنت المولى وأنا العبد وهل يرحم العبد إلاّ المولى. مولاي يا مولاي أنت المالك وأنا المملوك، وهل يرحم المملوك إلاّ المالك. مولاي يا مولاي أنت العزيز وأنا الذليل، وهل يرحم الذليل إلاّ العزيز. مولاي يا مولاي أنت الخالق وأنا المخلوق، وهل يرحم المخلوق إلاّ الخالق. مولاي يا مولاي أنت العظيم وأنا الحقير، وهل يرحم الحقير إلاّ العظيم. مولاي يا مولاي أنت القويّ وأنا الضعيف، وهل يرحم الضعيف إلاّ القوي. مولاي يا مولاي أنت الغنيّ وأنا الفقير، وهل يرحم الفقير إلاّ الغني.
|