الصفحة 51

الباب السابع عشر:

في اختلاف بني إسرائيل

7941/1 ـ العياشي: عن أبي الصهبان البكري، قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) ودعا رأس الجالوت وأسقف النصارى، فقال: اني سائلكما عن أمر وأنا أعلم به منكما فلا تكتماني، يارأس الجالوت بالذي أنزل التوراة على موسى وأطعمكم المنّ والسلوى، وضرب لكم في البحر طريقاً يبساً، وفجرّ لكم من الحجر الطوري إثنتا عشرة عيناً لكل سبط من بني اسرائيل عيناً، إلاّ ما أخبرتني على كم افترقت بنو إسرائيل بعد موسى؟ فقال: فرقة واحدة، فقال: كذبت والذي لا إله إلاّ غيره، لقد افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة، فإن الله يقول: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى اُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(1) فهذه التي تنجو(2).

7942/2 ـ وعنه: عن الصهباء البكري، قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) دعا

____________

1- الأعراف: 159.

2- تفسير العياشي 2:32، تفسير البرهان 2:41، البحار 28:5.


الصفحة 52
رأس الجالوت وأسقف النصارى، فقال: إني سائلكما عن أمر وأنا أعلم به منكما فلا تكتماني، ثم دعا أسقف النصارى فقال: أنشدك بالله الذي أنزل الانجيل على عيسى وجعل على رجله البركة، وكان يبرئ الأكمه والأبرص، وأزال ألم العين وأحيى الميت، وصنع لكم من الطين طيوراً، وأنبأكم بما تأكلون وما تدخرون، فقال: دون هذا صدق، فقال علي (عليه السلام): بكم افترقت بنو اسرائيل بعد عيسى؟ فقال: لا والله إلاّ فرقة واحدة، قال علي (عليه السلام) كذبت والله الذي لا إله إلاّ هو لقد افترقت اُمة عيسى على اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ فرقة واحدة، إن الله يقول: {مِنْهُمْ اُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ}(1) فهذه التي تنجو(2).

7943/3 ـ علاء الدين الهندي: عن شيخ من كندة، قال: كنا جلوساً عند علي [(عليه السلام)] فأتاه أسقف نجران فأوسع له فقال له رجل توسّع لهذا النصراني ياأمير المؤمنين؟ فقال علي [(عليه السلام)] : انهم كانوا إذا أتوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أوسع لهم، فسأله رجل على كم افترقت النصرانية ياأسقف؟ فقال: افترقت على فرق كثيرة لا أحصيها، قال علي [(عليه السلام)] أنا أعلم على كم افترقت النصرانية من هذا وان كان نصرانياً، افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت اليهودية على اثنتين وسبعين فرقة، والذي نفسي بيده لتفترقنّ الحنيفيّة على ثلاث وسبعين فرقة، فتكون اثنتان وسبعون في النار وفرقة في الجنة(3).

7944/4 ـ السيوطي: أخرج ابن أبي حاتم، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: افترقت بنو اسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ فرقة، وافترقت النصارى بعد عيسى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ فرقة،

____________

1- المائدة: 66.

2- تفسير العياشي 1:330، تفسير البرهان 1:487، البحار 14:348.

3- كنز العمال 1:376 ح1637.


الصفحة 53
وتفترق هذه الاُمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ فرقة، فأما اليهود فان الله يقول: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(1) وأما النصارى فإن الله يقول: {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ}(2) فهذه التي تنجو، وأما نحن فيقول: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(3) فهذه التي تنجو من هذه الاُمة(4).

____________

1- الأعراف: 159.

2- المائدة: 66.

3- الأعراف: 181.

4- تفسير السيوطي 3:136.


الصفحة 54

الباب الثامن عشر:

في المجوس وأحوالهم

7945/1 ـ الواحدي في (البسيط) وابن مهدي في (نزهة الأبصار) بالاسناد عن ابن جبير، قال: لما انهزم اسفيذ همبار، قال عمر: ما هم بيهود ولا نصارى، ولا لهم كتاب، وكانوا مجوساً، فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): بل كان لهم كتاب ولكنه رفع، وذلك أن ملكاً لهم سكر فوقع على ابنته (أو قال: اُخته) فلما أفاق قال كيف الخروج منها؟ قال: تجمع أهل مملكتك فتخبرهم أنك ترى ذلك حلالا وتأمرهم أن يحلّوه، فجمعهم وأخبرهم أن يتابعوه، فأبوا أن يتابعوه فخدّ لهم اُخدوداً في الأرض، وأوقد فيها النيران وعرضهم عليها فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار، ومن أجاب خلى سبيله(1).

7946/2 ـ ابن شهر آشوب: روى جابر بن يزيد، وعمر بن أوس، وابن مسعود،

____________

1- مناقب ابن شهر آشوب باب قضاياه (عليه السلام) في عهد الثاني 2:368، البحار 40:235، تفسير مجمع البيان 4:465، تفسير نور الثقلين 5:546.


الصفحة 55
واللفظ له: إن عمر قال: لا أدري ما أصنع بالمجوس، أين عبدالله بن عباس، قالوا: هاهو ذا، فجاء فقال: ما سمعت علياً يقول في المجوس فان كنت لم تسمعه فاسأله عن ذلك؟ فمضى ابن عباس إلى علي (عليه السلام) فسأله عن ذلك فقال: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(1) ثم أفتاه(2).

____________

1- يونس: 35.

2- مناقب ابن شهر آشوب باب قضاياه (عليه السلام) في عهد الثاني 2:368، البحار 40:235.


الصفحة 56

الباب التاسع عشر:

في آصار الأمم السابقة

7947/1 ـ الطبرسي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل وفيه: قال الله عزّوجلّ لنبيه (صلى الله عليه وآله) لما اُسري به: وكانت الاُمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه ناراً فأكلته فرجع مسروراً، ومن لم يقبل (واقبل) ذلك منه رجع مثبوراً، وقد جعلت قربان اُمتك في بطون فقراءها ومساكينها، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك أضعافاً مضاعفة، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا، وقد رفعت ذلك عن اُمتك وهي من الآصار التي كانت على الاُمم قبلك(1).

____________

1- تفسير نور الثقلين 1:346، الاحتجاج 1:524 ح127، البحار 10:42.


الصفحة 57


مبحث
أحوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)





الصفحة 58

الصفحة 59

الباب الأوّل:

في منزلته وفضله وما جاء في مناقبه (صلى الله عليه وآله)

7948/1 ـ الصدوق، حدثني محمد بن علي ماجيلويه، قال: حدثني محمد بن يحيى العطار، قال: حدثني محمد بن أحمد، عن محمد بن حسان، عن جعفر بن عيسى الحسني، قال: حدثني رشيد بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عباس، عن عاصم بن حمزة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) أمحق للخطايا من الماء للنار، والسلام على النبي (صلى الله عليه وآله) أفضل من عتق رقاب، وحبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل من مهج الأنفس، أو قال: ضرب السيوف في سبيل الله(1).

7949/2 ـ الصدوق، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد الرحمان بن عبد الله بن الحسين بن إبراهيم بن يحيى بن عجلان المروزي المقري، قال: حدّثنا أبو بكر محمّد ابن إبراهيم الجرجاني، قال: حدّثنا أبو بكر عبد الصمد بن يحيى الواسطي، قال: حدّثنا الحسن بن علي المدني، عن عبد الله بن المبارك، عن سفيان الثوري، عن

____________

1- ثواب الأعمال: 153، جامع الأخبار: 158 ح374، البحار 94:57.


الصفحة 60
جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال:

إنّ الله تبارك وتعالى خلق نور محمّد (صلى الله عليه وآله) قبل أن خلق السماوات والأرض، والعرش والكرسي، واللوح والقلم، والجنّة والنار، وقبل أن خلق آدم ونوحاً وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وداود وسليمان، وكلّ من قال الله عزّ وجلّ في قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} إلى قوله: {وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم}(1) وقبل أن خلق الأنبياء كلّهم بأربعمائة ألف وأربع وعشرين ألف سنة، وخلق عزّ وجلّ معه اثني عشر حجاباً: حجاب القدرة، وحجاب العظمة، وحجاب المنّة، وحجاب الرحمة، وحجاب السعادة، وحجاب الكرامة، وحجاب المنزلة، وحجاب الهداية، وحجاب النبوّة، وحجاب الرفعة، وحجاب الهيبة، وحجاب الشفاعة، ثمّ حبس نور محمّد (صلى الله عليه وآله) في حجاب القدرة إثني عشر ألف سنة وهو يقول: سبحان ربّي الأعلى، وفي حجاب العظمة أحد عشر ألف سنة وهو يقول: سبحان عالم السرّ، وفي حجاب المنّة عشرة آلاف سنة وهو يقول: سبحان من هو قائم لا يلهو، وفي حجاب الرحمة تسعة آلاف سنة وهو يقول: سبحان الرفيع الأعلى، وفي حجاب السعادة ثمانية آلاف سنة وهو يقول: سبحان من هو قائم لا يسهو، وفي حجاب الكرامة سبعة آلاف سنة وهو يقول: سبحان من هو غنيّ لا يفتقر، وفي حجاب المنزلة ستة آلاف سنة وهو يقول: سبحان ربّي العليّ الكريم، وفي حجاب الهداية خمسة آلاف سنة وهو يقول: سبحان ربّ العرش العظيم، وفي حجاب النبوّة أربعة آلاف سنة وهو يقول: سبحان ربّ العزّة عمّا يصفون، وفي حجاب الرفعة ثلاثة آلاف سنة وهو يقول: سبحان ذي الملك والملكوت، وفي حجاب الهيبة ألفي سنة وهو يقول: سبحان الله وبحمده، وفي حجاب الشفاعة ألف سنة وهو يقول: سبحان ربّي العظيم وبحمده.

____________

1- الأنعام: 85-87.


الصفحة 61
ثمّ أظهر عزّ وجلّ اسمه على اللوح، وكان على اللوح منوّراً أربعة آلاف سنة، ثمّ أظهره على العرش فكان على ساق العرش مثبتاً سبعة آلاف سنة، إلى أن وضعه الله عزّ وجلّ في صلب آدم، ثمّ نقله من صلب آدم إلى صلب نوح، ثمّ جعل يخرجه من صلب إلى صلب حتّى أخرجه من صلب عبد الله بن عبد المطّلب، فأكرمه بستّ كرامات: ألبسه قميص الرضا، وردّاه برداء الهيبة، وتوّجه تاج الهداية، وألبسه سراويل المعرفة، وجعل تكتّه تكّة المحبّة يشدّ بها سراويله، وجعل نعله نعل الخوف، وناوله عصا المنزلة، ثمّ قال له عزّ وجلّ: يا محمّد إذهب إلى الناس فقل لهم: قولوا لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، وكان أصل ذلك القميص من ستّة أشياء: قامته من الياقوت، وكُمّاه من اللؤلؤ، ودَخريصُه من البلّور الأصفر، وإبطاهُ من الزبرجد، وجُربانُهُ من المرجان الأحمر، وجيبه من نور الربّ جلّ جلاله، فقبل الله توبة آدم (عليه السلام) بذلك القميص، وردّ خاتم سليمان به، وردّ يوسف إلى يعقوب به، ونجّا يونس من بطن الحوت به، وكذلك سائر الأنبياء أنجاهم من المحن به، ولم يكن ذلك القميص إلاّ قميص محمّد (صلى الله عليه وآله) (1).

7950/3 ـ روى المسعودي، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال:

إنّ الله حين شاء تقدير الخليقة وذرء البريّة وإبداع المبدعات، نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحوّ الأرض ورفع السماء، وهو في انفراد ملكوته وتوحّد جبروته، فأتاح نوراً من نوره، فلمع ونزع قبساً من ضيائه فسطع، ثمّ اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية، فوافق ذلك صورة نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وسلم) فقال الله عزّ وجلّ: أنت المختار المنتخب وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك اُسطح البطحاء واُموّج الماء وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنّة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية، واُوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم

____________

1- خصال الصدوق، باب الاثنى عشر: 481; معاني الأخبار: 306; البحار 15: 4.


الصفحة 62
خفي، وأجعلهم حجّتي على بريّتي، المنبّهين على قدرتي ووحدانيّتي، ثمّ أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبية والاخلاص بالوحدانية، فبعد أن أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمّد وآله، وأراهم الهداية معه والنور له والإمامة في آله، تقديماً لسنّة العدل، وليكون الاعذار متقدماً.

ثمّ أخفى الله الخليقة في غيبه، وغيّبها في مكنون علمه، ثمّ نصب العوالم وبسط الزمان، ومرج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدخان، فطفا عرشه على الماء، فسطح الأرض على ظهر الماء، وأخرج الماء دخاناً فجعله السماء، ثمّ استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاستجابة، ثمّ أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها، وأرواح اخترعها، وقرن بتوحيده نبوّة محمّد (صلى الله عليه وسلم)فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض، فلمّا خلق الله آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصّه به من سابق العلم حيث عرفه عند استنبائه إيّاه أسماء الأشياء، فجعل آدم محراباً وكعبة وباباً وقبلةً أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار، ثمّ نبّه آدم على مستودعه، وكشف له عن خطر ما ائتمنه عليه، بعد ما سمّاه إماماً عند الملائكة.

فكان حظّ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا، ولم يزل الله تعالى يخبأ النور تحت الزمان إلى أن فضّل محمّداً (صلى الله عليه وسلم) في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهراً وباطناً، وندبهم سرّاً وإعلاناً، واستدعى (عليه السلام) التنبيه على العهد الذي قدّمه الى الذرّ قبل النسل، فمن وافقه واقتبس من مصباح النور المتقدّم اهتدى إلى سره، واستبان واضح أمره، ومن أبلسته الغفلة استحقّ السخط، ثمّ انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمّتنا، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاة، ومنا مكنون العلم، وإلينا مصير الاُمور، وبمهديّنا تنقطع الحجج، خاتمة الأئمة، ومنقذ الاُمّة، وغاية النور، ومصدر الاُمور، فنحن أفضل المخلوقين، وأشرف الموحّدين، وحجج ربّ العالمين، فليهنأ بالنعمة من تمسّك بولايتنا، وقبض على عروتنا.


الصفحة 63
قال المسعودي: فهذا ما روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه(1).

7951/4 ـ الصدوق، باسناده عن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) أنه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني، قال علي: فقلت: يارسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟ فقال: ياعلي إن الله فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل من بعدي لك ياعلي وللأئمة من بعدك، فإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا، ياعلي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، ياعلي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء، ولا الجنة ولا النار، ولا السماء والأرض، فكيف لا تكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا عزّ وجلّ وتسبيحه وتقديسه; لأن أول ما خلق الله عزّ وجلّ خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة إنا خلق مخلوقون وإنه منزه عن صفاتنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا(2).

7952/5 ـ المفيد: أبو حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: والله ما برأ الله من برّية أفضل من محمد ومني ومن أهل بيتي، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطلبة العلم من شيعتنا(3).

7953/6 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:

لما وُلد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألقيت الأصنام في الكعبة على وجوهها، فلمّا أمسى سمع

____________

1- مروج الذهب 1: 42.

2- كمال الدين: 255، تفسير القمي في المقدمة 1:18، البحار 26:335، علل الشرائع باب 7:5، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1:262، مصابيح الأنوار 2:115.

3- الاختصاص: 234، البحار 1:181.


الصفحة 64
صيحة في السماء: جاء الحقُّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً(1).

7954/7 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل يذكر فيه مناقب الرسول (صلى الله عليه وآله):

ولقد رأى الملائكة ليلة وُلد تصعد وتنزل، وتسبّح وتقدّس وتضطرب النجوم وتتساقط علامة لميلاده، ولقد همّ إبليس بالظعن من السماء لما رأى من الأعاجيب في تلك الليلة، وكان له مقعد في السماء الثالثة والشياطين يسترقون السمع، فلمّا رأوا العجائب أرادوا أن يسترقوا السمع فإذا هم قد حجبوا عن السماوات كلّها ورُموا بالشهب، دلالة لنبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) (2).

7955/8 ـ الصدوق، حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي في مسجد الكوفة، قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدثنا محمد بن ظهير، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن أخي يوسف البغدادي ببغداد، قال: حدثنا محمد بن يعقوب النهشلي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه موسى ابن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن الله تعالى جلّ جلاله أنه قال: أنا الله لا إله إلاّ أنا، أنا خلقت الخلق بقدرتي، فاخترت منهم من شئت من أنبيائي واخترت من جميعهم محمداً حبيباً وخليلا وصفياً، فبعثته رسولا إلى خلقي، واصطفيت له علياً فجعلته له أخاً ووصياً ووزيراً ومؤدياً عنه من بعده إلى خلقي وخليفتي إلى عبادي، يبين لهم كتابي ويسير فيهم بحكمي، وجعلته العلم الهادي من الضلالة، وبابي الذي اُؤتى منه، وبيتي الذي من دخله كان آمناً من ناري، وحصني الذي من لجأ اليه حصنته من مكروه الدنيا والآخرة، ووجهي الذي من توجه اليه لم أصرف وجهي

____________

1- البحار 15: 274; مناقب ابن شهر آشوب 1: 31.

2- الاحتجاج 1: 529 ح127; تفسير نور الثقلين 5: 436.


الصفحة 65
عنه، وحجتي في السماوات والأرض على جميع من فيهن من خلقي، لا أقبل عمل عامل منهم إلاّ بالاقرار بولايته مع نبوة محمد رسولي، وهو يدي المبسوطة على عبادي، وهو النعمة التي أنعمت بها على من أحببته من عبادي، فمن أحببته من عبادي وتوليته عرفته ولايته ومعرفته، ومن أبغضته من عبادي أبغضته لعدوله عن معرفته وولايته، فبعزتي حلفت وبجلالي أقسمت أنه لا يتولى علياً عبد من عبادي إلاّ زحزحته عن النار، وأدخلته الجنة، ولا يبغضه عبد من عبادي ويعدل عن ولايته إلاّ أبغضته وأدخلته النار وبئس المصير(1).

7956/9 ـ الصدوق، باسناده عن الرضا، عن آبائه، عن علي (عليه السلام) قال: من كذب بشفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تنله(2).

7957/10 ـ الصدوق، حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي الهمداني، قال: حدثني أبو الفضل العباس بن عبدالله البخاري، قال: حدثنا محمد بن القاسم ابن إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال: حدثنا عبدالسلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما خلق الله عزّوجلّ خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني، قال علي (عليه السلام) فقلت: يارسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال (صلى الله عليه وآله): ياعلي إن الله تبارك وتعالى فضّل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك ياعلي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا ياعلي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون

____________

1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2:49، اثبات الهداة 3:338، بشارة المصطفى: 31، البحار 38:98، أمالي الصدوق المجلس 39:184.

2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2:66، البحار 8:40.


الصفحة 66
بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، ياعلي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء، ولا الجنة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه; لأن أول ما خلق الله عزّوجلّ خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا مخلوقون، وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا، لتعلم الملائكة أن لا إله إلاّ الله وإنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلاّ الله، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلاّ به، فلما شاهدوا ما جعله لنا من العزة والقوة، قلنا لا حول ولا قوة إلاّ بالله لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلاّ بالله، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة، قلنا الحمد لله لتعلم ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته، فقالت الملائكة: الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده.

ثم [قال (صلى الله عليه وآله)]: إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا في صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله عزّوجلّ عبودية، ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون.

وأنه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنىً مثنىً، وأقام مثنىً مثنىً، ثم قال لي: تقدم يامحمد، فقلت له ياجبرئيل أتقدم عليك؟ فقال: نعم; لأن الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه على ملائكته أجمعين، وفضلك خاصة، فتقدمت فصليت بهم ولا فخر، فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل: تقدم يامحمد، وتخلف عني، فقلت ياجبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟! فقال: يامحمد: إن انتهاء حدي الذي

الصفحة 67
وضعني الله عزّوجلّ فيه إلى هذا المكان فان تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربي جل جلاله، فزخ بي في النور زخة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكه، فنوديت يامحمد، فقلت: لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت، فنوديت يامحمد أنت عبدي وأنا ربك فإياي فاعبد وعليّ فتوكل، فانك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي، لك ومن أتبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولأوصياءك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي.

فقلت: يارب ومن أوصيائي؟ فنوديت يامحمد أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي، فنظرت وأنا بين يدي ربي جلّ جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نوراً، في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي اُمتي، فقلت: يارب هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت يامحمد هؤلاء أوليائي (وأوصيائي) وأصفيائي وحججي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك، وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني ولأعلين بهم كلمتي ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، لأمكننه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذّللن له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى تعلو دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لاُديمن ملكه، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة(1).

7958/11 ـ الشيخ الطوسي، باسناده عن عبدالله بن حماد، عن صباح المزني، عن الحارث بن حصيرة، عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت الأشعث بن قيس الكندي، وجرير الجبلي. قالا لعلي (عليه السلام): ياأمير المؤمنين، حدثنا في خلواتك أنت وفاطمة؟ قال: نعم، بينا أنا وفاطمة في كساء، إذ أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصف الليل، وكان يأتيها بالتمر واللبن ليعينها على الغلامين، فدخل فوضع رجلا بحيالي ورجلا بحيالها، ثم إن

____________

1- علل الشرائع: 5، عيون أخبار الرضا 1:262، إثبات الهداة 3:364، البحار 18:345.


الصفحة 68
فاطمة (عليها السلام) بكت فقال لها (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يابنية محمد؟ فقالت: حالنا كما ترى في كساء نصفه تحتنا ونصفه فوقنا، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يافاطمة، أما تعلمين أن الله تعالى اطلع اطلاعة من سمائه إلى أرضه فاختار منها أباك فاتخذه صفيّاً، وابتعثه برسالته، وائتمنه على وحيه، يافاطمة، أما تعلمين أن الله اطلع اطلاعة من سمائه إلى أرضه فاختار منها بعلك وأمرني أن أزوّجكه وأن أتخذه وصياً، يافاطمة، أما تعلمين أن العرش سأل (شاك) ربه أن يزينه بزينة لم يزين بها بشراً من خلقه، فزينه بالحسن والحسين، بركنين من أركان الجنة!! وروي ركن من أركان العرش(1).

7959/12 ـ فرات بن إبراهيم الكوفي، قال: حدثني محمد بن أحمد معنعناً: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): إن النبي (صلى الله عليه وآله) اُوتي علم النبيين وعلم الوصيين وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ثم تلا هذه الآية يقول الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله): {هذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي}(2)(3).

7960/13 ـ عن علي [(عليه السلام)] عن النبي (صلى الله عليه وسلم): ما لي لا أضحك، وهذا جبرئيل يخبرني عن الله عزّوجلّ أن الله باهى بي وبعمي العباس وبأخي علي بن أبي طالب سكان الهواء وحملة العرش وأرواح النبيين وملائكة ست سماوات، وباهى باُمتي أهل سماء الدنيا(4).

7961/14 ـ عن علي [(عليه السلام)] قال: صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الفجر ذات يوم بغلس وكان مما يُغلسُ ويُسفِرُ ويقولُ: ما بين هذين وقت، لكيلا يختلف المؤمنون، فصلى بنا ذات يوم بغلس، فلما قضى الصلاة التفت الينا كأن وجهه ورقة مصحف، فقال: أفيكم من رأى الليلة شيئاً؟ قلنا لا يارسول الله، قال: ولكني رأيت ملكين أتياني

____________

1- أمالي الطوسي المجلس 14:406 ح910، البحار 37:43.

2- الأنبياء: 24.

3- تفسير فرات: 263 ح357، البحار 16:352.

4- كنز العمال 11:454 ح32133.


الصفحة 69
الليلة، فأخذا بضبعي فانطلقا بي إلى السماء الدنيا، فمررت بملك وأمامه آدمي وبيده صخرة فيضرب بها هامة الآدمي فيقع دماغه جانباً وتقع الصخرة جانباً، قلت: ما هذا؟ قالا لي: امضه، فمضيت فاذا أنا بملك وأمامه آدمي، وبيد الملك كلوب من حديد فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه حتى ينتهي إلى اُذنه، ثم يأخذ في الأيسر فيلتئم الأيمن، قلت: ما هذا؟ قالا لي: امضه فمضيت فاذا أنا بنهر من دم يمور كمور المرجل، على فيه قوم عراة، على حافة النهر ملائكة بأيديهم مدرتان، كلما طلع طالع قذفوه بمدرة فتقع في فيه وينتقل إلى أسفل ذلك النهر، قلت: ما هذا؟ قالا لي: امضه فمضيت، فاذا أنا ببيت أسفله أضيق من أعلاه، فيه قوم عراة توقد من تحتهم النار، فأمسكت على أنفي من نتن ما أجد من ريحهم، قلت: من هؤلاء؟ قالا لي: امضه فمضيت فاذا أنا بتل أسود، عليه قوم مخبلين، تنفخ النار في أدبارهم فتخرج من أفواههم ومناخرهم وآذانهم، قلت: ما هذا؟ قالا لي: امضه فمضيت فاذا أنا بنار مطبقة موكل بها ملك، لا يخرج منها شيء إلاّ اتبعه حتى يعيده فيها، قلت: ما هذا؟ قالا لي: امضه، فمضيت فاذا أنا بروضة وإذا فيها شيخ جميل لا أجمل منه، وإذا حوله الولدان وإذا شجرة ورقها كأذان الفيلة، فصعدت ما شاء الله من تلك الشجرة، وإذا أنا بمنازل لا أحسن منها من زمردة جوفاء وزبرجدة خضراء وياقوتة حمراء، وفيه قدحان وأباريق تطرد، قلت: ما هذا؟ قالا لي: انزل، فنزلت فضربت بيدي إلى إناء منها فغرفت ثم شربت، فاذا أحلى من العسل وأشد بياضاً من اللبن وألين من الزبد.

فقالا لي: أما صاحب الصخرة التي رأيت يضرب بها هامة الآدمي فيقع دماغه جانباً وتقع الصخرة في جانب فاُولئك الذين كانوا ينامون عن صلاة العشاء الآخرة ويصلون الصلوات لغير مواقيتها، يضربون بها حتى يصيروا إلى النار، وأما صاحب الكلوب الذي رأيت ملكاً موكلا بيده كلوب من حديد يشق شدقه الأيمن حتى ينتهي إلى اُذنه ثم يأخذ في الأيسر فيلتئم الأيمن، فاُولئك الذين كانوا يمشون

الصفحة 70
بين المؤمنين بالنميمة فيغدون بينهم، فهم يعذبون بها حتى يصيروا إلى النار، وأما الملائكة التي بأيديهم مدرتان من النار كلما طلع طالع قذفوه بمدرة فتقع في فيه فينتقل إلى أسفل ذلك النهر، فاُولئك أكلة الربا يعذبون حتى يصيروا إلى النار.

وأما البيت الذي أسفله أضيق من أعلاه، فيه قوم عراة تتوقد تحتهم النار، أمسكت على أنفك من نتن ما تجد من ريحهم فاُولئك الزناة، وذلك نتن فروجهم، يعذبون حتى يصيروا إلى النار، وأما التل الأسود الذي رأيت عليه قوماً مخبلين تنفخ النار في أدبارهم فتخرج من أفواههم ومناخرهم وأعينهم وآذانهم، فاُولئك الذين يعملون عمل قوم لوط، الفاعل والمفعول به، فهم يعذبون حتى يصيروا إلى النار، وأما المطبقة التي رأيت ملكاً موكلا بها كلما خرج منها شيء اتبعه حتى يعيده فيها، فتلك جهنم تفرق من بين أهل الجنة وأهل النار.

وأما الروضة التي رأيتها فتلك الجنة المأوى، وأما الشيخ الذي رأيت ومن حوله من الولدان فهو إبراهيم وهم بنوه، وأما الشجرة التي رأيت فطلعت اليها فيها منازل، منازل أحسن منها من زمردة جوفاء وزبرجدة، خضراء وياقوتة حمراء تلك منازل أهل عليين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقاً.

وأما النهر فهو نهرك الذي أعطاك الله الكوثر، وهذه منازل لك ولأهل بيتك، قال: فنوديت من فوقي: يامحمد يامحمد سل تعطه، فارتعدت فرائصي، ورجف فؤادي، واضطرب كل عضو مني، ولم استطع أن اُجيب شيئاً، فأخذ أحد الملكين يده اليمنى فوضعها في يدي، وأخذ الآخر يده اليمنى فوضعها بين كتفي، فسكن ذلك مني، ثم نوديت: يامحمد سل تعطه، قلت: اللهم إني أسألك أن تثبت شفاعتي وان تلحق بي أهل بيتي، وأن ألقاك ولا ذنب لي، ثم دُلّي بي ونزلت عليّ هذه الآية: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ إلى قوله: صِرَاطاً

الصفحة 71
مُسْتَقِيماً}(1) فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): فكما اُعطيت هذه كذلك أعطانيها إن شاء الله تعالى(2).

7962/15 ـ علي بن محمد الخزاز، أخبرنا محمد بن عبدالله الشيباني، قال: حدثنا الحسن بن علي البزوفري، قال: حدثنا يعلى بن عباد، قال: حدثنا شعبة بن سعيد ابن إبراهيم (عن إبراهيم) بن سعد بن مالك، عن أبيه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من أهل بيت فيهم من اسمه اسم نبي إلاّ بعث الله عزّوجلّ اليهم ملكاً يسددهم، وإن من الأئمة بعدي (من ذريتك) من اسمه اسمي، ومن هو سمي موسى بن عمران، وأن الأئمة بعدي كعدد نقباء بني إسرائيل، أعطاهم الله علمي وفهمي، فمن خالفهم فقد خالفني، ومن ردهم وأنكرهم فقد ردني وأنكرني، ومن أحبهم في الله فهو من الفائزين يوم القيامة(3).

7963/16 ـ شرف الدين علي الحسيني، قال محمد بن العباس، عن محمد بن همام، عن عيسى بن داود، باسناده يرفعه إلى أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده علي (عليه السلام) في قوله عزّوجلّ: {إِذْ يَغشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى}(4) قال فإن النبي (صلى الله عليه وآله): لما اُسري به إلى ربه، قال: وقف بي جبرئيل عند شجرة عظيمة لم أر مثلها، على كل غصن منها ملك، وعلى كلّ ورقة منها ملك، وعلى كلّ ثمرة منها ملك، وقد تجللّها نور من نور الله عزّوجلّ، فقال جبرئيل (عليه السلام): هذه سدرة المنتهى، كان ينتهي الأنبياء قبلك إليها، ثم لا يجاوزوها، وأنت تجوزها إن شاء الله ليريك من آياته الكبرى، فاطمئنّ أيدك الله بالثبات حتى تستكمل كرامات الله وتصير إلى جواره، ثم صعد بي إلى تحت العرش فدنا إليّ رفرف أخضر ما أحسن أصفه، فرفعني الرفرف بإذن الله

____________

1- الفتح: 1 ـ 2.

2- كنز العمال 14:668 ح39801، تفسير السيوطي 6:69.

3- كفاية الأثر: 154، البحار 36:336.

4- النجم: 16.


الصفحة 72
ربي فصرت عنده، وانقطع عني أصوات الملائكة ودويهم، وذهبت المخاوف والروعات، وهدّت (وهدأت) نفسي، واستبشرت، وجعلت أمتدّ وانقبض ووقع عليّ السرور والاستبشار، وظننت أن جميع الخلق قد ماتوا، ولم أر غيري أحداً من خلقه، فتركني ما شاء الله ثم ردّ عليّ روحي فأفقت، وكان توفيقاً من ربي أن غمضت عيني فكلّ بصري وغشي عني النظر، فجعلت أبصر بقلبي كما أبصر بعيني بل أبعد وأبلغ، فذلك قوله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرى}(1).

وإنما كنت أبصر من مثل خيط الإبر نوراً بيني وبين ربي ـ ونور ربي لا تطيقه الأبصار ـ فناداني ربي، فقال تبارك وتعالى: يامحمد، قلت: لبيك ربي وسيدي وإلهي لبيك، قال: هل عرفت قدرك عندي وموضعك ومنزلتك؟ قلت: نعم ياسيدي، قال: يامحمد هل عرفت موقعك مني وموقع ذريتك؟ قلت: نعم ياسيدي، قال: فهل تعلم يامحمد فيما اختصم الملأ الأعلى؟ قلت: يارب أنت أعلم وأحكم وأنت علاّم الغيوب، قال: اختصموا في الدرجات والحسنات، فهل تدري ما الدرجات والحسنات؟ قلت: أنت أعلم سيدي وأحكم، قال: إسباغ الوضوء في المفروضات، والمشي بالأقدام إلى الجماعات معك ومع الأئمة من ولدك، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والتهجد بالليل والناس نيام.

ثم قال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} قلت: {وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} قال: صدقت يامحمد {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} فقلت: { رَبَّنا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا

____________

1- النجم: 17، 18.