دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند موته، وأخرج من كان عنده في البيت غيري، والبيت فيه جبرئيل والملائكة، أسمع الحس ولا أرى شيئاً، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتاب الوصيّة من يد جبرئيل مختومة فدفعها إليّ فأمرني أن أفضّها، ففعلت، وأمرني أن أقرأها فقرأتها، فقال: إنّ جبرئيل عندي أتاني بها الساعة من عند ربّي، فقرأتها فإذا فيها كلّ ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوصي به شيئاً فشيئاً ما تُغادر حرفاً(1).
8102/15 ـ وعنه، باسناده عن الكاظم، عن أبيه، عن جدّه الباقر (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
كنت أسند النبي (صلى الله عليه وآله) إلى صدري ليلة من الليالي في مرضه، وقد فرغ من وصيّته، وعنده فاطمة إبنته، وقد أمر أزواجه والنساء أن يخرجن من عنده ففعلن، فقال: يا أبا الحسن تحوّل من موضعك وكان (وكُن) أمامي، قال: ففعلت وأسنده جبرئيل (عليه السلام) إلى صدره، وجلس ميكائيل (عليه السلام) على يمينه، فقال: يا علي ضُمّ كفّيك بعضها إلى بعض، ففعلت، فقال لي: قد عهدتُ إليك أخذت العهد لك بمحضر أمينَيْ ربّ العالمين جبرئيل وميكائيل، يا علي بحقّهما عليك إلاّ أنفذت وصيّتي على ما فيها وعلى قبولك إيّاها، وعليك بالصبر والورع على منهاجي وطريقي لا طريق فلان وفلان وخُذ ما آتاك الله بقوّة، وأدخل يده فيما بين كفّي، وكفّاي مضمومتان، فكأنّه أفرغ بينهما شيئاً، فقال: يا علي قد أفرغت بين يديك الحكمة وقضاء ما يرد عليك وما هو وارد، حتّى لا يعزب عنك من أمرك شيء، وإذا حضرتك الوفاة فأوص وصيّتك إلى من بعدك على ما اُوصيك واصنع هكذا على ما أوصيتك بلا كتاب ولا صحيفة(2).
____________
1- الطرف: ط12; البحار 22: 478.
2- الطرف: ط17; البحار 22: 478.
فقلت: بأبي أنت واُمّي إنّي أرجو بكرامة الله تعالى لك وبمنزلتك عنده ونعمته عليك أن يعينني ربّي عزّ وجلّ ويثبتني فلا ألقاك بين يدي الله مقصّراً ولا متوانياً ولا مفرّطاً، ولا (أمعر) وجهك وقاؤه وجهي ووجوه آبائي واُمّهاتي؟ بل تجدني بأبي أنت واُمّي مشمراً لوصيّتك إن شاء الله تعالى وعلى طريقك ما دمت حيّاً حتّى أقدم عليك، ثمّ الأوّل فالأوّل من ولدي غير مقصّرين ولا مفرّطين، ثمّ اُغمي عليه (صلى الله عليه وآله) قال: فانكببت على صدره ووجهه، وأنا أقول: وا وحشتاه بعدك بأبي أنت واُمّي، ووحشت إبنتك وإبنيك، بل وأطول غمّي وبُعدي، يا حبيبي يا أخي انقطعت عن منزلي أخبار السماء، وفقدتُ بعدك جبرئيل فلا اُحسّ به، ثمّ أفاق (صلى الله عليه وآله) (1).
8104/17 ـ بالاسناد المتقدّم، عن الكاظم، عن أبيه، عن جدّه الباقر (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه:
بينما نحن عند النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يجود بنفسه، وهو مسجّى بثوب ملاءة خفيفة على
____________
1- الطرف: ط15; خصائص الأئمة: 72.
ابيضّت وجوه واسودّت وجوه، وسعد أقوام وشقي آخرون، سعد أصحاب الكساء الخمسة أنا سيّدهم ولا فخر، عترتي عترتي اُولئك أهل بيتي، السابقون اُولئك المقرّبون، يسعد من اتّبعهم وشايعهم على ديني ودين آبائي، أنجزت موعدك يا ربّ إلى يوم القيامة في أهل بيتي، اسودّت وجوه أقوام وردّوا ظماء مظمئين إلى نار جهنم أجمعين، مرق النغل الأول الأعظم، والآخر النغل الأصغر، حسابهم على الله كل امرئ بما كسب رهين، وثالث ورابع غلقت الرهون واسودّت الوجوه، أصحاب الأموال، هلكت الأحزاب قادة الاُمّة بعضها بعضا إلى النار، كتاب دارس، وباب مهجور، وحكم بغير علم، مبغض عليٍّ وآل عليٍّ في النار، ومحبّ عليٍّ وآل عليٍّ في الجنّة، ثمّ سكت(1).
8105/18 ـ عن أبان، عن سليم، قال: سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول:
عهد إليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم توفّي، وقد أسندته إلى صدري ورأسه عند اُذني، وقد أصغت المرأتان لتسمعا الكلام، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللّهمّ سدّ مسامعهما، ثمّ قال: يا علي أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(2) أتدري من هم؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنّهم شيعتك وأنصارك، وموعدي وموعدهم الحوض يوم القيامة، إذا جثت الاُمم على ركبها وبدا لله في عرض خلقه، ودعا الناس إلى ما لابدّ لهم منه فيدعوك وشيعتك فتجيئون غرّاً محجّلين شباعاً مرويّين، يا علي {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا اُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}(3) فهم اليهود وبنوا اُميّة
____________
1- الطرف: ط32; البحار 22: 494.
2- البينة: 7.
3- البينة: 6.
8106/19 ـ عليّ بن موسى بن طاووس، عن عيسى بن المستفاد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، عن أبيه قال: قال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام):
كان في الوصيّة أن يدفع إليّ الحنوط، فدعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته بقليل، فقال: يا علي ويا فاطمة هذا حنوطي من الجنّة، دفعه إليّ جبرئيل وهو يقرؤكما السلام ويقول لكما: أقسماه واعزلا منه لي ولكما، فلي ثلث، وليكن الناظر في الباقى عليّ بن أبي طالب، فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضمّهما إليه، وقال (موفقة رشيدة مهدية تلهمية): يا علي قل في الباقي؟ قال: نصف ما بقي لها، والنصف لمن ترى يا رسول الله؟ قال: هو لك فاقبضه(2).
8107/20 ـ (الجعفريات)، أخبرنا عبد الله بن محمّد، قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: حدّثني موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: لمّا احتضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال: فكان آخر شيء سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إليك إليك ذي العرش لا إلى الدنيا، اُوصيكم بالضعيفين خيراً، اليتيم والمملوك(3).
____________
1- البحار 22: 498; كتاب سليم بن قيس: 189.
2- الطرف: ط27; وسائل الشيعة 2: 732; مستدرك الوسائل 2: 209 ح1814; البحار 81: 325 وفي 22: 492 منه أيضاً; مصباح الأنوار: 276.
3- الجعفريات: 212; مستدرك الوسائل 2: 473 ح2496.
الباب الثامن:
وصايا الجليل جلّ وعلا لنبيّه الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله)
8108/1 ـ عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) سأل ربّه سبحانه ليلة المعراج، فقال: يا ربّ أيّ الأعمال أفضل؟ فقال الله عزّ وجلّ: ليس شيء عندي أفضل من التوكّل عليّ والرضى بما قسمت.
يا محمّد وجبت محبّتي للمتحابّين فيّ، ووجبت محبّتي للمتعاطين فيّ، ووجبت محبّتي للمتواصلين فيّ، ووجبت محبّتي للمتوكّلين عليّ، وليس لمحبّتي علم ولا غاية ولا نهاية، وكلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم علماً اُولئك الذين نظروا الى المخلوقين بنظري إليهم، ولا يرفعوا الحوائج إلى الخلق، بطونهم خفيفة في أكل الحرام (حلال)، نعيمهم في الدنيا ذكري ومحبّتي ورضائي عنهم.
يا أحمد إن أحببت أن تكون أورع الناس فازهد في الدنيا وارغب في الآخرة.
فقال: إلهي كيف أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة؟ قال: خُذ من الدنيا خِفّاً من الطعام والشراب واللباس ولا تدّخر لغد ودم على ذكري. فقال: يا ربّ وكيف
يا أحمد فاحذر أن تكون مثل الصبيّ إذا نظر إلى الأخضر والأصفر (أحبّه)، وإذا اُعطي شيئاً من الحلو والحامض اغترّ به. فقال: يا ربّ دلّني على عمل أتقرّب به إليك، فقال: اجعل ليلك نهاراً ونهارك ليلا، قال: يا ربّ كيف ذلك؟ قال: اجعل نومك صلاة وطعامك الجوع.
يا أحمد وعزّتي وجلالي ما من عبد مؤمن ضمن لي بأربع خصال إلاّ أدخلته الجنّة: أن يطوي لسانه فلا يفتحه إلاّ بما يعنيه، ويحفظ قلبه من الوسواس، ويحفظ علمي ونظري إليه، ويكون قرّة عينه الجوع.
يا أحمد لو ذقت حلاوة الجوع والصمت والخلوة، وما ورثوا منها، قال: يا ربّ ما ميراث الجوع؟ قال: الحكمة وحفظ القلب والتقرّب إليّ والحزن الدائم وخفّة المؤنة بين الناس، وقول الحق، ولا يبالي عاش بيسر أو بعسر.
يا أحمد هل تدري بأيّ وقت يتقرّب العبد إليّ؟ قال: لا يا ربّ، قال: إذا كان جايعاً أو ساجداً.
يا أحمد عجبت من ثلاثة عبيد: عبد دخل في الصلاة وهو يعلم إلى من يرفع يديه وقدّام من هو وهو ينعس، وعجبت من عبد له قوت يوم من الحشيش أو غيره وهو يهتمّ لغد، وعجبت من عبد لا يدري أنّي راض عنه أم ساخط عليه وهو يضحك.
يا أحمد إنّ في الجنّة قصراً من لؤلؤة، ودرّة فوق درّة ليس فيها قصم ولا وصل، فيها الخواص، أنظر إليهم كلّ يوم سبعين مرّة، واُكلّمهم كلّما نظرت إليهم وأزيد في ملكهم سبعين ضعفاً، وإذا تلذّذ أهل الجنّة بالطعام والشراب تلذّذوا بكلامي وذكري وحديثي، قال: يا ربّ ما علامات اُولئك؟ قال: (هم في الدنيا) مسجونون،
يا أحمد إنّ المحبّة لله هي المحبّة للفقراء، والتقرّب إليهم، قال: يا ربّ ومن الفقراء؟ قال: الذين رضوا بالقليل، وصبروا على الجوع، وشكروا على الرخاء، ولم يشكوا جوعهم ولا ظمأهم، ولم يكذبوا بألسنتهم، ولم يغضبوا على ربّهم، ولم يغتمّوا على ما فاتهم، ولم يفرحوا بما آتاهم.
يا أحمد محبّتي محبّة للفقراء فأَدنِ الفقراء وقرّب مجلسهم منك، وأبعد الأغنياء وأبعد مجلسهم منك فإنّ الفقراء أحبّائي.
يا أحمد لا تتزيّن بلبس (بلين) اللباس، وطيب الطعام، ولين الوطاء، فإنّ النفس مأوى كلّ شرّ، وهي رفيق كلّ سوء، تجرّها إلى طاعة الله، وتجرّك إلى معصيته، وتخالفك في طاعته، وتطيعك فيما تكره، وتَطغى إذا شبعت، وتشكو إذا جاعت، وتغضب إذا افتقرت، وتتكبّر إذا استغنت، وتنسى إذا كبرت، وتغفل إذا أمنت، وهي قرينة الشيطان، ومثل النفس كمثل النعامة تأكل الكثير وإذا حمل عليها لا تطير، وكمثل الدفلي لونه حسن وطعمه مرّ.
يا أحمد أبغض الدنيا وأهلها وأحبّ الآخرة وأهلها، قال: يا ربّ ومن أهل الدنيا ومن أهل الآخرة؟ قال: أهل الدنيا من كثر أكله وضحكه ونومه وغضبه، قليل الرضا لا يعتذر إلى من أساء إليه، ولا يقبل عذر من اعتذر إليه، كسلان عند الطاعة، شجاع عند المعصية، أمله بعيد وأجله قريب، لا يحاسب نفسه، قليل المنفعة كثير الكلام، قليل الخوف، كثير الفرح عند الطعام، وإنّ أهل الدنيا لا يشكرون عند الرخاء ولا يصبرون عند البلاء، كثير الناس عندهم قليل، يحمدون أنفسهم بما لا يفعلون، ويدّعون بما ليس لهم، ويتكلّمون بما يتمنّون، ويذكرون مساوي الناس ويخفون حسناتهم.
قال: يا ربّ كلّ هذا العيب في أهل الدنيا؟ قال: يا أحمد إنّ عيب أهل الدنيا
يا أحمد إنّ أهل الخير وأهل الآخرة رقيقة وجوههم، كثير حياؤهم، قليل حمقهم، كثير نفعهم، قليل مكرهم، الناس منهم في راحة وأنفسهم منهم في تعب، كلامهم موزون، محاسبين لأنفسهم، متعبين لها، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، أعينهم باكية وقلوبهم ذاكرة، إذا كتب الناس من الغافلين كتبوا من الذاكرين، في أوّل النعمة يحمدون وفي آخرها يشكرون، دعاؤهم عند الله مرفوع، وكلامهم مسموع، تفرح الملائكة بهم، ويدور دعاؤهم تحت الحجب يحبّ الربّ أن يسمع كلامهم كما تحبّ الوالدة الولد، ولا يشغلهم (عن الله شيء) طرفة عين، ولا يريدون كثرة الطعام ولا كثرة الكلام، ولا كثرة اللباس، الناس عندهم موتى والله عندهم حيّ قيّوم كريم، يدعون المدبرين كرماً، ويريدون المقبلين تلطّفاً، قد صارت الدنيا والآخرة عندهم واحدة، يموت الناس مرّة ويموت أحدهم في كلّ يوم سبعين مرّة من مجاهدة أنفسهم ومخالفة هواهم، والشيطان الذي يجري في عروقهم، ولو تحرّكت ريح لزعزعتهم، وإن قاموا بين يديّ كأنهم بنيان لا أرى في قلبهم شغلا لمخلوق.
فو عزّتي وجلالي لأحيينّهم حياة طيّبة إذا فارقت أرواحهم من جسدهم، لا اُسلّط عليهم ملك الموت ولا يلي قبض روحهم غيري، ولأفتحنّ لروحهم أبواب السماء كلّها، ولأرفعنّ الحجب كلّها دوني، ولآمرنّ الجنان فلتزيننّ والحور العين فلتزفنّ والملائكة فلتصلّين والأشجار فلتثمرنّ وثمار الجنّة فلتدلينّ، ولآمرنّ ريحاً من الرياح التي تحت العرش، فلتحملنّ جبالا من الكافور والمسك الأذفرفلتصيرنّ وقوداً من غير النار فتدخلنّ به، ولا يكون بيني وبين روحه ستر فأقول له عند قبض روحه: مرحباً وأهلا بقدومك عليَّ، اصعد بالكرامة والبشرى والرحمة والرضوان، وجنّات لهم فيها نعيم مقيم، خالدين فيها أبداً إنّ الله عنده أجر عظيم،
يا أحمد إنّ أهل الآخرة لا يهنؤهم الطعام منذ عرفوا ربّهم، ولا تشغلهم مصيبة منذ عرفوا سيّئاتهم، يبكون على خطاياهم، يتعبون أنفسهم ولا يريحونها، وأنّ راحة أهل الجنّة في الموت، والآخرة مستراح العابدين، مونسهم دموعهم التي تفيض على خدودهم، وجلوسهم مع الملائكة الذين عن أيمانهم وعن شمائلهم، ومناجاتهم مع الجليل الذي فوق عرشه، وإنّ أهل الآخرة قلوبهم في أجوافهم قد قُرِحَت يقولون: متى نستريح من دار الفناء إلى دار البقاء.
يا أحمد هل تعرف ما للزاهدين عندي (في الآخرة)؟ قال: لا يا ربّ، قال: يبعث الخلق ويناقشون بالحساب، وهم من ذلك آمنون، إنّ أدنى ما اُعطي للزاهدين في الآخرة أن اُعطيهم مفاتيح الجنان كلّها حتّى يفتحوا أيّ باب شاؤوا ولا أحجب عنهم وجهي، ولاُنعمنّهم بألوان التلذّذ من كلامي، ولاُجلسنّهم في مقعد صدق واُذكرنّهم ما صنعوا وتعبوا في دار الدنيا، وأفتح لهم أربعة أبواب: باب تدخل عليهم الهدايا منه بكرةً وعشياً من عندي، وباب ينظرون منه إليّ كيف شاؤوا بلا صعوبة، وباب يطّلعون منه إلى النار فينظرون منه إلى الظالمين كيف يعذّبون، وباب يدخل عليهم من الوصايف والحور العين، قال: يا ربّ من هؤلاء الزاهدون الذين وصفتهم؟ قال: الزاهد هو الذي ليس له بيت يخرب فيغتمّ بخرابه، ولا له ولد يموت فيحزن لموته، ولا له شيء يذهب فيحزن لذهابه، ولا يعرفه إنسان يشغله عن الله طرفة عين، ولا له فضل طعام ليسأل عنه، ولا له ثوب ليّن.
يا أحمد وجوه الزاهدين مصفرّة من تعب الليل وصوم النهار، وألسنتهم كلال إلاّ من ذكر الله تعالى، قلوبهم في صدورهم مطعونة من كثرة ما يخالفون أهواءهم، قد أضمروا أنفسهم من كثرة صمتهم، قد أعطوا المجهودة من أنفسهم لا من خوف نار ولا من شوق جنّة، ولكن ينظرون في ملكوت السماوات والأرض فيعلمون أنّ
(قال: يا ربّ هل تعطي لأحد من اُمّتي هذا؟) قال: يا أحمد هذه درجة الأنبياء والصدّيقين من اُمّتك واُمّة غيرك وأقوام من الشهداء، قال: يا ربّ أيّ الزّهاد أكثر زهّاد اُمّتي أم زهّاد بني إسرائيل؟ قال: إنّ زهّاد بني إسرائيل في زهّاد اُمّتك كشعرة سوداء في بقرة بيضاء، فقال: يا ربّ كيف يكون ذلك وعدد بني إسرائيل أكثر (من اُمّتي)؟ قال: لأنّهم شكوا بعد اليقين، وجحدوا بعد الاقرار، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فحمدت الله [للزاهدين كثيراً وشكرته ودعوت لهم فقلت: اللّهمّ احفظهم وارحمهم واحفظ عليهم دينهم الذي ارتضيت لهم، اللّهمّ ارزقهم ايمان المؤمنين الذي ليس بعده شك وزيغ، وورعاً ليس بعده رغبة، وخوفاً ليس بعده غفلة، وعلماً ليس بعده جهل، وعقلا ليس بعده حمق، وقرباً ليس بعده بُعد، وخشوعاً ليس بعده قساوة، وذكراً ليس بعده نسيان، وكرماً ليس بعده هوان، وصبراً ليس بعده ضجر، وحلماً ليس بعده عجلة، واملأ قلوبهم حياءً منك حتّى يستحيوا منك كلّ وقت، وتبصّرهم بآفات الدنيا وآفات أنفسهم ووساوس الشيطان فإنّك تعلم ما في نفسي وأنت علاّم الغيوب.] يا أحمد عليك بالورع فإنّ الورع رأس الدين ووسط الدين وآخر الدين، إنّ الورع يقرّب (العبد) إلى الله تعالى.
يا أحمد إنّ الورع كالشنوف بين الحليّ، والخبز بين الطعام، إنّ الورع رأس الايمان وعماد الدين، إنّ الورع مثله كمثل السفينة كما أنّ في البحر لا ينجو إلاّ من كان فيها، كذلك لا ينجو الزاهدون إلاّ بالورع.
يا أحمد ما عرفني عبد وخشع لي إلاّ وخشعتُ له.
يا أحمد الورع يفتح على العبد أبواب العبادة، فيكرم به عند الخلق، ويصل به إلى الله عزّ وجلّ.
يا أحمد إنّ العبادة عشرة أجزاء تسعة منها طلب الحلال، فإذا طيّبت مطعمك ومشربك فأنت في حفظي وكنفي، قال: يا ربّ ما أوّل العبادة؟ قال: أوّل العبادة الصمت والصوم، قال: يا ربّ وما ميراث الصوم؟ قال: الصوم يورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح، بعسر أم بيسر، واذا كان العبد في حالة الموت يقوم على رأسه ملائكة بيد كلّ ملك كأس من ماء الكوثر، وكأس من الخمر يسقون روحه حتّى تذهب سكرته ومرارته ويبشّرونه بالبشارة العظمى ويقولون له: طبت وطاب مثواك،إنّك تقدم على العزيز الحكيم الحبيب القريب، فتطير الروح من أيدي الملائكة فتصعد إلى الله تعالى في أسرع من طرفة عين ولا يبقى حجاب ولا ستر بينها وبين الله تعالى والله عزّ وجلّ إليها مشتاق.
وتجلس على عين عند العرش ثمّ يقال لها: كيف تركت الدنيا؟ فتقول: إلهي وعزّتك وجلالك لا علم لي بالدنيا، أنا منذ خلقتني خائفة منك، فيقول الله تعالى: صدقت عبدي كنت بجسدك في الدنيا وروحك معي فأنت بعيني سرّك وعلانيتك، سل أعطك وتمنّ عليّ فأكرمك، هذه جنّتي فتجنح فيها وهذا جواري فاسكنه، فتقول الروح: إلهي عرّفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك، وعزّتك وجلالك لو كان رضاك في أن اُقطّع إرباً إرباً واُقتل سبعين قتلة بأشدّ ما يقتل به الناس لكان رضاك أحبّ إليّ، إلهي كيف أعجب بنفسي وأنا ذليل إن لم تكرمني وأنا مغلوب إن لم تنصرني وأنا ضعيف إن لم تقوّني وأنا ميّت إن لم تحيني بذكرك، ولولا سترك لافتضحت أوّل مرّة عصيتك، إلهي كيف لا أطلب رضاك وقد أكملت عقلي حتّى عرفتك وعرفت الحقّ من الباطل والأمر من النهي والعلم من الجهل والنور
يا أحمد هل تدري أيّ عيش أهنأ وأيّ حياة أبقى؟ قال: اللّهمّ لا، قال: أمّا العيش الهنيء السائغ وما أتاك بلا مشقّة فهو الذي لا يغتر صاحبه عن ذكري ولا ينسى نعمتي ولا يجهل حقّي، يطلب رضاي في ليله ونهاره، وأمّا الحياة الباقية فهي التي يعمل لنفسه حتّى تهون عليه الدنيا وتصغر في عينه، وتعظم الآخرة عنده، ويؤثر هواي على هواه ويبتغي مرضاتي ويعظم حقّ عظمتي ويذكر علمي به، ويراقبني بالليل والنهار عند كلّ سيّئة أو معصية، وينقّي قلبه عن كلّ ما أكره ويبغض الشيطان ووساوسه ولا يجعل لابليس على قلبه سلطاناً وسبيلا، فإذا فعل ذلك أسكنت قلبه حبّاً حتى أجعل قلبه لي وفراغه واشتغاله وهمّه وحديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل محبّتي من خلقي، وأفتح عين قلبه وسمعه حتّى يسمع بقلبه وينظر بقلبه إلى جلالي وعظمتي، واُضيّق عليه الدنيا واُبغّض إليه ما فيها من اللذّات واُحذّره من الدنيا وما فيها كما يُحذّر الراعي غنمه من مراتع الهلكة، فإذا كان هكذا يفرّ من الناس فراراً، وينقل من دار الفناء إلى دار البقاء ومن دار الشيطان إلى دار الرحمن.
يا أحمد لاُزيّننّه بالهيبة والعظمة فهذا هو العيش الهنيء والحياة الباقية، وهذا مقام الراضين، فمن عمل برضاي ألزمه ثلاث خصال: اُعرّفه شكراً لا يخالطه الجهل، وذكراً لا يخالطه النسيان، ومحبّة لا يؤثر على محبّتي محبّة المخلوقين، فإذا أحبّني أحببته، وأفتح عين قلبه إلى جلالي ولا اُخفي عليه خاصّة خلقي، واُناجيه في ظلم الليل ونور النهار حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم، واسمعه كلامي وكلام ملائكتي، واُعرّفه السرّ الذي سترته عن خلقي.
وألبسه الحياء حتّى يستحي منه الخلق كلّهم ويمشي على الأرض مغفوراً له،
يا أحمد اجعل همّك همّاً واحداً، فاجعل لسانك لساناً واحداً، واجعل بدنك حيّاً لا تغفل عنّي، من يغفل عنّي لا اُبالي بأيّ واد هلك.
يا أحمد استعمل عقلك قبل أن يذهب فمن استعمل عقله لا يخطي ولا يطغى.
يا أحمد ألم تدر لأيّ شيء فضّلتك على سائر الأنبياء؟ قال: اللّهمّ لا، قال: باليقين، وحسن الخلق، وسخاوة النفس، ورحمة الخلق، وكذلك أوتاد الأرض لم يكونوا أوتاداً إلاّ بهذا.
يا أحمد إنّ العبد إذا أجاع بطنه وحفظ لسانه علّمته الحكمة وإنْ كان كافراً تكون حكمته حجّة عليه ووبالا، وإن كان مؤمناً تكون حكمته له نوراً وبرهاناً وشفاءً ورحمة، فيعلم ما لم يكن يعلم، ويبصر ما لم يكن يبصر، فأوّل ما أبصره عيوب نفسه حتّى يشتغل عن عيوب غيره، وأبصره دقائق العلم حتّى لا يدخل عليه الشيطان.
يا أحمد ليس شيء من العبادة أحبّ إليّ من الصمت والصوم، فمن صام ولم يحفظ لسانه كان كمن قام ولم يقرأ في صلاته فاُعطيه أجر القيام ولم اُعطه أجر العابدين.
يا أحمد هل تدري متى يكون العبد عابداً؟ قال: لا يا ربّ، قال: إذا اجتمع فيه سبع خصال: ورع يحجزه عن المحارم، وصمت يكفّه عمّا لا يعنيه، وخوف يزداد كلّ
يا أحمد ليس كلّ من قال: اُحبّ الله أحبّني حتّى يأخذ قوتاً، ويلبس دوناً وينام سجوداً، ويطيل قياماً، ويلزم صمتاً ويتوكّل عليّ ويبلي كثيراً ويقلّ ضحكاً، ويخالف هواه، ويتّخذ المسجد بيتاً والعلم صاحباً والزهد جليساً، والعلماء أحبّاء والفقراء رفقاء، ويطلب رضاي، ويفرّ من العاصين فراراً، ويشغل بذكري اشتغالا، ويكثر التسبيح دائماً، ويكون بالوعد صادقاً وبالعهد وافياً، ويكون قلبه طاهراً، وفي الصلاة زاكياً وفي الفرائض مجتهداً، وفيما عندي من الثواب راغباً، ومن عذابي راهباً ولأحبّائي قريناً وجليساً.
يا أحمد لو صلّى العبد صلاة أهل السماء والأرض، ويصوم صيام أهل السماء والأرض، ويطوي من طعام مثل الملائكة، ولبس لباس العاري، ثمّ أوى في قلبه من حبّ الدنيا ذرّة، أو سِعَتها، أو رئاستها، أو حليّها، أو زينتها لا يجاورني في داري، ولأنزعنّ من قلبه محبّتي، وعليك سلامي ورحمتي، والحمد لله ربّ العالمين.
يقول مؤلف هذا الكتاب حسن السيد علي القبانچي النجفي ـ عفا الله عنه ـ:
قال العلاّمة المجلسي ـ أعلا الله مقامه ـ: ورأيت في بعض الكتب لهذا الحديث سنداً، هكذا: قال الإمام أبو عبد الله محمّد بن علي البلخي، عن أحمد بن إسماعيل الجوهري، عن أبي محمّد عليّ بن مظفّر بن الياس العبديّ، عن أبي نصر أحمد بن عبد الله الواعظ، عن أبي الغنائم، عن أبي الحسن عبد الله بن الواحد بن محمّد بن عقيل، عن أبي إسحاق إبراهيم بن حاتم الزاهد بالشام، عن إبراهيم بن محمّد، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله عبد الحميد بن أحمد بن سعيد، عن أبي بشر، عن الحسن بن علي المقري، عن أبي مسلم محمّد بن الحسن المقري، عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق، عن أبيه، عن
ووجدت في نسخة قديمة اُخرى، قال الشيخ أبو عمرو عثمان بن محمّد البلخي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسماعيل الجوهري، قال: حدّثنا أبو عليّ المطر بن الياس بن سعد بن سليمان، قال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله بن إسحاق الواعظ، قال: أخبرنا أبو الغنائم الحسن بن حمّاد المقري قراءة بأهواز في آخر شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، قال: أخبرنا أبو مسلم محمّد بن الحسن المقرّي قراءة عليه من أصله، قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عقيل، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن حاتم الزاهد بالشام، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن أحمد، قال: حدّثنا إسحاق بن بشر، عن جعفر بن محمّد الصادق، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وذكر نحوه(1).
____________
1- البحار 77: 21; إرشاد القلوب 1: 199.
الباب التاسع:
ما يتعلّق بوفاته (صلى الله عليه وآله)
8109/1 ـ عن عليّ (عليه السلام) قال:
كان جبرئيل ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه في كلّ يوم وفي كلّ ليلة، فيقول: السلام عليك إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول: كيف تجدك؟ وهو أعلم بك، ولكنّه أراد أن يزيدك كرامةً وشرفاً، إلى ما أعطاك على الخلق، وأراد أن تكون عيادة المريض سنّة في اُمّتك، فيقول له النبي (صلى الله عليه وآله): إن كان وجعاً يا جبرئيل أجدني وجعاً، فقال له جبرئيل: اعلم يا محمّد إنّ الله لم يشدد عليك، وما من أحد من خلقه أكرم عليه منك، ولكنّه أحبّ أن يسمع صوتك ودعاءك حتّى تلقاه مستوجباً للدرجة والثواب الذي أعدّ الله لك، والكرامة والفضيلة على الخلق، وإن قال له النبي (صلى الله عليه وآله)، أجدني مريحاً في عافية، قال له: فاحمد الله على ذلك، فإنّه يحبّ أن تحمده وتشكره ليزيدك على ما أعطاك خيراً، فإنّه يحبّ أن يحمد ويزيد من شكره، قال: وإنّه نزل عليه في الوقت الذي كان ينزل فيه فعرفنا حسّه، فقال علي (عليه السلام): فخرج من
8110/2 ـ عن علي [(عليه السلام)] قال:
لمّا كان قبل وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بثلاثة أيام، أهبط الله جبرئيل إليه، فقال: يا أحمد إنّ الله عزّ وجلّ أرسلني إليك إكراماً لك وتفضيلا وخاصّة لك، يسألك عمّا هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك؟ فقال: أجدني يا جبرئيل مكروباً، ثمّ جاءه اليوم الثاني فقال: يا أحمد إنّ الله أرسلني إليك إكراماً لك وتفضيلا لك، وخاصّة لك، يسألك عمّا هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبرئيل مكروباً، ثمّ عاد في اليوم الثالث فقال: يا أحمد إنّ الله أرسلني إليك إكراماً لك وتفضيلا لك، وخاصّة لك، يسألك عمّا هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا
____________
1- كشف الغمة، في ذكر نسب النبي ومدّة حياته 1: 17; البحار 22: 532.
وهبط مع جبرئيل ملك في الهواء يقال له: إسماعيل على سبعين ألف ملك، فقال له جبريل: يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدميّ قبلك، ولا يستأذن على آدميّ بعدك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيذن له، فأذن له جبريل فدخل، فقال له ملك الموت: يا أحمد إنّ الله أرسلني إليك وأمرني أن اُطيعك إنّ أمرتني بقبض نفسك قبضتها، وإن كرهت تركتها؟ فقال جبرئيل: يا أحمد إنّ الله قد اشتاق إلى لقائك، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يا ملك الموت امض لما اُمرت به، فقال جبرئيل: يا أحمد عليك السلام، هذا آخر وطئي الأرض، إنّما كنتَ أنت حاجتي من الدنيا، فلمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجاءت التعزية، جاءَ آت يسمعون حسّه ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، في الله عزاء من كلّ مصيبة وخلف من كلّ هالك، ودرك من كلّ ما فات، فبالله ثقوا وإيّاه فارجوا فإنّ المحروم محروم الثواب وإنّ المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم، قال علي(رضي الله عنه): هل تدرون من هذا؟ قالوا: لا، قال: هذا الخضر(1).
8111/3 ـ العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ علياً (عليه السلام) لمّا غمّض رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، يا لها من مصيبة خصّت الأقربين و عمّت المؤمنين، لم يصابوا بمثلها قط، ولا عاينوا مثلها(2).
8112/4 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ولقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنّ رأسه لعلى صدري وقد سالت نفسه في كفّي، فأمررتها على وجهي(3).
8113/5 ـ الحاكم النيسابوري، حدّثني أبو جعفر أحمد بن عبيد الأسدي الحافظ
____________
1- كنز العمال 7: 250 ح18785.
2- تفسير العياشي 1: 209; تفسير البرهان 1: 329.
3- نهج البلاغة: خطبة 197; مستدرك الوسائل 2: 495 ح255.
إنّ فاطمة رضي الله عنها لما توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت تقول: وا أبتاه من ربّه أدناه، وا أبتاه جنان الخلد مأواه، وا أبتاه ربّه يكرمه إذا أتاه، وا أبتاه الربّ ورسله يسلّم عليه حين يلقاه، فلمّا ماتت فاطمة، قال عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه):
لكلّ اجتماع من خليلينِ فرقة | وكلّ الذي دون الفراقِ قليلُ |
وإنّ افتقادي واحداً بعد واحد | دليلٌ على أن لا يدوم خليلُ(1) |
8114/6 ـ الشيخ المفيد، قال: أخبرني أبو نصر محمّد بن الحسين المقري البصرى، قال: حدّثنا عبد الله بن يحيى القطّان، قال: حدّثنا أحمد بن الحسين بن أبي سعيد القرشي، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا الحسين بن مخارق عن عبد الصمد بن علي، عن أبيه، عن عبد الله بن العباس (رضي الله عنه) قال: لمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) تولّى غسله عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) والعباس معه والفضل بن العباس، فلمّا فرغ علي من غسله كشف الأزار عن وجهه ثمّ قال:
بأبي أنت واُمّي طبت حيّاً وطبت ميّتاً، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممّن سواك من البنوّة والأبناء فيك سواء، ولولا أنّك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع، لأنفدنا عليك ماء الشؤن، ولكان الداء مماطلا والكمد محالفاً وقلاء لك، ولكنّه ما لا يملك ردّه لا يُستطاع دفعه، بأبي أنت واُمّي اذكرنا عند ربّك واجعلنا من همّك، ثمّ أكبّ عليه فقبّل وجهه ومدّ الأزار عليه(2).
____________
1- مستدرك الحاكم 3: 163; سنن البيهقي 4: 71; كنز العمال 7: 248 ح18778.
2- أمالي الشيخ المفيد، المجلس12: 68; مستدرك الوسائل 2: 493 ح2546.
سمعنا صوتاً في البيت: إنّ نبيّكم طاهر مطهّر فادفنوه ولا تغسّلوه، فقال علي: إخسأ عدوّ الله فإنّه أمرني بغسله وكفنه ودفنه، وذلك سنّة، ثمّ نادى مناد آخر غير تلك النغمة، يا عليّ بن أبي طالب اُستر عورة نبيّك ولا تنزع القميص(1).
8116/8 ـ عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ (عليه السلام):
أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصاه بأن يتولّى غسلَه، فكان هو الذي وَلِيَه، قال: فلمّا أخذتُ في غسله سمعتُ قائلا من جانب البيت وهو يقول: لا تنزع القميص عنه، فغسّلته في قميصه، وإنّي لاُغسِّله وأحسّ يداً مع يدي تتردّد عليه، وإذا قلّبتُه اُعِنتُ على تقليبه، وقد أردت أن أكبّه لوجهه فأغسل ظهره، فنوديت: لا تكبّه، فقلّبته لجنبه وغسلت ظهره(2).
8117/9 ـ عن علي [(عليه السلام)] أنّه قال:
لمّا أوصى إليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن اُغسّله ولا يغسّله معي أحدٌ غيري، قلت: يا رسول الله إنّك رجل ثقيل البدن لا أستطيع أن اُقلّبك وحدي، فقال لي: إنّ جبرئيل معك يتولّى غسلي، قلت: فمن يناولني الماء؟ قال: يناولك الفضل، وقل له فليُغطِّ عينيه فإنّه لا ينظر إلى عورتي أحد غيرك إلاّ ذهب بصره(3).
8118/10 ـ عن عليٍّ [(عليه السلام)] قال:
أوصاني النبي (صلى الله عليه وسلم) أن لا يغسّله أحد غيري، فإنّه لا يرى عورتي أحد إلاّ طمست عيناه، قال علي: فكان الفضل واُسامة يناولاني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين، قال علي: فما تناولت عضواً إلاّ كأنّما يقلّبه معي ثلاثون رجلا حتّى
____________
1- مناقب ابن شهر آشوب، باب أحواله مع ابليس 2: 251; تهذيب الأحكام 1: 468.
2- دعائم الإسلام 1: 227.
3- دعائم الإسلام 1: 228; مستدرك الوسائل 2: 166 ح1705; الرياض النضرة 3: 140.