الصفحة 174
وتكذيبهم، فأوعدني ربّي لاُبلغنّها أو ليعذّبني.

أيّها الناس إنّ الله أمركم في كتابه بالصلاة فقد بيّنتها لكم، وبالزكاة والصوم والحج فبيّنتها لكم وفسّرتها لكم، وأمركم بالولاية، وإنىّ اُشهدكم أنّها بهذا خاصّة، ووضع يده على كتف عليّ بن أبي طالب، ثمّ لابنيه من بعده، ثمّ للأوصياء من بعدهم من ولدهم، لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتّى يردوا عليّ حوضي، أيّها الناس قد بيّنت لكم مفزعكم بعدي وإمامكم ودليلكم وهاديكم، وهو أخي عليّ ابن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلّدوه دينكم، وأطيعوه في جميع اُموركم، فإنّ عنده جميع ما علّمني الله تبارك وتعالى وحكمته، فسلوه وتعلّموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلّموهم ولا تتقدّموهم ولا تخلفوا عنهم، فإنّهم مع الحق والحق معهم لا يزايلوه ولا يزايلهم ثمّ جلسوا.

فقال سليم: ثمّ قال علي (عليه السلام): أيّها الناس أتعلمون أنّ الله عزّ وجلّ أنزل في كتابه {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1) فجمعني وفاطمة وإبني حسناً وحسيناً وألقى علينا كساه وقال: اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي ولحمتي يؤلمني ما يؤلمهم ويجرحني ما يجرحهم، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فقالت اُمّ سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: أنت (أو إنّك) على خير، إنّما اُنزلت فيّ وفي أخي علي بن أبي طالب وفي إبنيّ الحسن والحسين وفي تسعة من ولد إبني الحسين خاصّة ليس معنا فيها أحد غيرنا؟ فقالوا كلّهم: نشهد أنّ اُمّ سلمة حدّثتنا بذلك، فسألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحدّثنا كما حدّثتنا اُمّ سلمة رضي الله عنها.

ثمّ قال علي (عليه السلام): أنشدكم الله أتعلمون انّ الله عزّ وجلّ لمّا أنزل في كتابه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}(2) فقال سلمان يا رسول الله عامة هذه أم

____________

1- الأحزاب: 33.

2- التوبة: 119.


الصفحة 175
خاصة؟ فقال: أمّا المأمورون فعامة المؤمنين اُمروا بذلك، وأمّا الصادقون فخاصّة لأخي علي وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة، قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أنشدكم الله أتعلمون أنّي قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك لِمَ خلفتني مع الصبيان والنساء؟ فقال: إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أنشدكم الله أتعلمون أنّ الله عزّ وجلّ أنزل في سورة الحج {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}(1) إلى آخر السورة، فقام سلمان فقال: يا رسول الله من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم؟ قال (صلى الله عليه وآله): عَنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصاً دون هذه الاُمّة، قال سلمان: بيّنهم لي يا رسول الله؟ قال: أنا وأخي علي وأحد عشر من ولدي، قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام خطيباً لم يخطب بعد ذلك فقال: أيّها الناس إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فتمسّكوا بهما لئلاّ تضلّوا، فإنّ اللطيف الخبير أخبرني وعهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فقام عمر بن الخطاب وهو شبه المغضب فقال: يا رسول الله أكلّ أهل بيتك؟ فقال: لا، ولكن أوصيائي منهم، أوّلهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في اُمّتي ووليّ كلّ مؤمن (ومؤمنة) من بعدي هو أوّلهم، ثمّ إبني الحسن، ثمّ إبني الحسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد، حتّى يردوا عليّ الحوض، شهداء الله في أرضه وحجّته على خلقه وخزّان علمه ومعادن حكمته، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصا الله عزّ وجلّ، فقالوا كلّهم: نشهد أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال ذلك.

____________

1- الحج: 77.


الصفحة 176
ثمّ تمادى بعليّ السؤال فما ترك شيئاً إلاّ ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتّى أتى على آخر مناقبه وما قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلّ ذلك يصدّقونه ويشهدونه أنّه حق(1).

8147/13 ـ الصدوق، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان، ومحمّد بن أحمد السناني، وعليّ بن أحمد بن موسى الدقّاق، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، وعليّ بن عبد الله الورّاق، قالوا: حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطّان، قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدّثنا تميم بن بهلول، قال: حدّثنا سليمان بن حكيم، عن ثور بن يزيد، عن مكحول، قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام):

لقد علم المستحفظون من أصحاب النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) أنّه ليس فيهم رجل له منقبة إلاّ وقد شركته فيها وفضّلته، ولي سبعون منقبة لم يشركني فيها أحد منهم، قلت: يا أمير المؤمنين فأخبرني بهنّ، فقال (عليه السلام):

إنّ أوّل منقبة لي: أنّي لم اُشرك بالله طرفة عين ولم أعبد اللاّت والعزّى.

والثانية: أنّي لم أشرب الخمر قط.

والثالثة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) استوهبني من أبي في صبائي، وكنت أكيلَه وشريبه ومؤنسه ومحدّثه.

والرابعة: إنّي أوّل الناس إيماناً وإسلاماً.

والخامسة: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي: يا علي أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.

والسادسة: إنّي كنت آخر الناس عهداً برسول الله ودليته في حفرته.

والسابعة: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنامني على فراشه حيث ذهب إلى الغار وسجّاني

____________

1- إكمال الدين 1: 274; فرائد السمطين 1: 312; سليم بن قيس: 147.


الصفحة 177
ببرده، فلمّا جاء المشركون ظنّوني محمّداً فأيقظوني وقالوا: ما فعل صاحبك؟ فقلت: ذهب في حاجته، فقالوا: لو كان هرب لهرب هذا معه.

وأما الثامنة: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) علّمني ألف باب من العلم يفتح كلّ باب ألف باب ولم يعلّم ذلك أحداً غيري.

وأمّا التاسعة: فإنّ رسول الله قال لي: يا علي إذا حشر الله عزّ وجلّ الأوّلين والآخرين، نُصِب لي منبر فوق منابر النبيّين، ونصب لك منبر فوق منابر الوصيّين فترتقي عليه.

وأمّا العاشرة: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يا علي لا اُعطى في القيامة إلاّ سألت لك مثله.

وأمّا الحادية عشرة: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يا علي أنت أخي وأنا أخوك، يدك في يدي حتّى ندخل الجنّة.

وأمّا الثانية عشرة: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يا علي مثلك في اُمّتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق.

وأمّا الثالثة عشرة: فإنّ رسول الله عمّمني بعمامة نفسه بيده، ودعا لي بدعوات النصر على أعداء الله فهزمتهم بإذن الله عزّ وجلّ.

وأمّا الرابع عشرة: فإنّ رسول الله أمرني أن أمسح يدي على ضرع شاة قد يبس ضرعها، فقلت: يا رسول الله بل امسح أنت، فقال: يا علي فعلك فعلي، فمسحت عليها يدي فدرّ عليّ من لبنها، فسقيت رسول الله شربة، ثمّ أتت عجوز فشكت الظمأ فسقيتها، فقال رسول الله: إنّي سألت الله عزّ وجلّ أن يبارك في يدك ففعل.

وأمّا الخامس عشرة: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصى إليّ وقال: يا علي لا يلي غسلي

الصفحة 178
غيرك ولا يواري عورتي غيرك، فإنّه إن رأى أحد عورتي غيرك تفقأت عيناه، فقلت له: كيف لي بتقليبك يا رسول الله؟ فقال: إنّك ستعان، فوالله ما أردت أن اُقلّب عضواً من أعضائه إلاّ قُلّب لي.

وأمّا السادس عشرة: فإنّي أردت أن اُجرّده فنوديت: يا وصي محمّد لا تجرّده فغسّله والقميص عليه، فلا والله الذي أكرمه بالنبوّة وخصّه بالرسالة ما رأيت له عورة، خصّني الله بذلك من بين أصحابه.

وأمّا السابع عشرة: فإنّ الله عزّ وجلّ زوّجني فاطمة وقد كان خطبها أبو بكر وعمر، فزوّجني الله من فوق سبع سماواته، فقال رسول الله: هنيئاً لك يا علي فإنّ الله عزّ وجلّ زوّجك فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة، وهي بضعة منّي، فقلت: يا رسول الله أولست منك؟ فقال: بلى يا علي وأنت منّي وأنا منك كيميني من شمالي، لا أستغني عنك في الدنيا والآخرة.

وأمّا الثامن عشرة: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي: يا علي أنت صاحب لواء الحمد في الآخرة، وأنت يوم القيامة أقرب الخلائق منّي مجلساً، يبسط لي ويبسط لك فأكون في زمرة النبيّين وتكون في زمرة الوصيّين، ويوضع على رأسك تاج النور واكليل الكرامة، يحفّ بك سبعون ألف ملك حتّى يفرغ الله عزّ وجلّ من حساب الخلائق.

وأمّا التاسع عشرة: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، فمن قاتلك منهم فإنّ لك بكلّ رجل منهم شفاعة في مائة ألف من شيعتك، فقلت: يا رسول الله فمن الناكثون؟ قال: طلحة والزبير سيبايعانك بالحجاز وينكثان بالعراق، فإذا فعلا ذلك فحاربهما فإنّ في قتالهما طهارة لأهل الأرض، قلت: فمن القاسطون؟ قال: معاوية وأصحابه، قلت: فمن المارقون؟ قال: أصحاب

الصفحة 179
ذي الثدية وهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فاقتلهم فإنّ في قتلهم فرجاً لأهل الأرض وعذاباً معجّلا عليهم، وذخراً لك عند الله عزّ وجلّ يوم القيامة.

وأمّا العشرون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لي: مثلك في اُمّتي مثل باب حطّة في بني إسرائيل، فمن دخل في ولايتك فقد دخل الباب كما أمره الله عزّ وجلّ.

وأمّا الحادية والعشرون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا مدينة العلم وعليّ بابها ولن تدخل المدينة إلاّ من بابها، ثمّ قال: يا علي إنّك سترعى ذمّتي وتقاتل على سنّتي وتخالفك اُمّتي.

وأمّا الثانية والعشرون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ الله تبارك وتعالى خلق ابنيّ الحسن والحسين من نور ألقاه إليك وإلى فاطمة وهما يهتزّان كما يهتزّ القرطان إذا كانا في الاُذنين ونورهما متضاعف على نور الشهداء سبعين ألف ضعف، يا علي إنّ الله عزّ وجلّ قد وعدني أن يكرمهما كرامةً لا يكرم بها أحداً ما خلا النبيّين والمرسلين.

وأمّا الثالثة والعشرون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاني خاتمه في حياته ودرعه ومنطقته، وقلّدني سيفه، وأصحابه كلّهم حضور وعمّي العباس حاضر، فخصّني الله عزّ وجلّ منه بذلك دونهم.

وأمّا الرابعة والعشرون: فإنّ الله عزّ وجلّ أنزل على رسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}(1) فكان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت إذا ناجيت رسول الله اُصدّق قبل ذلك بدرهم، ووالله مافعل هذا أحد من أصحابه قبلي ولا بعدي فأنزل الله عزّ وجلّ: {ءَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ

____________

1- المجادلة: 12.


الصفحة 180
يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَات فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ}(1) الآية، فهل تكون التوبة إلاّ من ذنب كان.

وأمّا الخامسة والعشرون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الجنّة محرّمة على الأنبياء حتّى أدخلها أنا وهي محرّمة على الأوصياء حتّى تدخلها أنت، يا علي إنّ الله تبارك وتعالى بشّرني فيك ببشرى لم يبشّر بها نبيّاً قبلي، بشّرني بأنّك سيّد الأوصياء وأنّ ابنيك الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة يوم القيامة.

وأمّا السادسة والعشرون: فإنّ جعفر أخي الطيّار في الجنّة مع الملائكة المزيّن بالجناحين من درٍّ وياقوت وزبرجد.

وأمّا السابعة والعشرون: فعمّي حمزة سيّد الشهداء في الجنّة.

وأمّا الثامنة والعشرون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنّ الله تبارك وتعالى وعدني فيك وعداً لن يخلفه، جعلني نبيّاً وجعلك وصيّاً، وستلقى من اُمّتي بعدي ما لقي موسى من فرعون فاصبر واحتسب حتّى تلقاني فاُوالي من والاك واُعادي من عاداك.

وأمّا التاسعة والعشرون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يا علي أنت صاحب الحوض لا يملكه غيرك، وسيأتيك قوم فيستسقونك فتقول: لا ولا مثل ذرّة، فينصرفون مسودّة وجوههم، وسترد عليك شيعتي وشيعتك فتقول: رووا رواء مرويّين فيروون مبيضّة وجوههم.

وأمّا الثلاثون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: تحشر اُمّتي يوم القيامة على خمس رايات: فأوّل راية ترد عليَّ: راية فرعون هذه الاُمّة وهو معاوية، والثانية: مع سامريّ هذه الاُمّة وهو عمرو بن العاص، والثالثة: مع جاثليق هذه الاُمّة وهو

____________

1- المجادلة: 13.


الصفحة 181
أبو موسى الأشعري، والرابعة: مع أبي الأعور السلمي، وأمّا الخامسة: فمعك يا علي تحتها المؤمنون وأنت إمامهم، ثمّ يقول الله تبارك وتعالى للأربعة: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وهم شيعتي ومن والاني وقاتل معي الفئة الباغية والناكبة عن الصراط، وباب الرحمة وهم شيعتي، فينادي هؤلاء: ألم نكن معكم؟ قالوا: بلى ولكنّكم فتنتم أنفسكم وتربّصتم وارتبتم وغرّتكم الأماني حتّى جاء أمر الله وغرّكم بالله الغرور، {فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(1) ثمّ ترد اُمّتي وشيعتي فيروون من حوض محمّد (صلى الله عليه وآله) وبيدي عصا (من) عوسج أطرد بها أعدائي طرد غريبة الإبل.

وأمّا الحادية والثلاثون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لولا أن يقول فيك الغالون من اُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولا لا تمرّ بملأ من الناس إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك يستشفعون به.

وأمّا الثانية والثلاثون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ الله تبارك وتعالى نصرني بالرعب، فسألته أن ينصرك بمثله، فجعل لك من ذلك مثل الذي جعل لي.

وأمّا الثالثة والثلاثون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) التقم اُذني وعلّمني ما كان وما يكون إلى يوم القيامة فساق الله عزّ وجلّ ذلك إليّ على لسان نبيّه.

وأمّا الرابعة والثلاثون: فإنّ النصارى ادّعوا أمراً فأنزل الله عزّ وجلّ فيه: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلَ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}(2) فكانت

____________

1- الحديد: 15.

2- آل عمران: 61.


الصفحة 182
نفسي نفس رسول الله والنساء فاطمة والأبناء الحسن والحسين عليهما السلام، ثمّ ندم القوم فسألوا رسول الله الإعفاء فأعفاهم، والذي أنزل التوراة على موسى والفرقان على محمّد لو باهلوا لَمُسخوا قردة وخنازير.

وأمّا الخامسة والثلاثون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجّهني يوم بدر فقال: ائتني بكفّ حصيات مجموعة في مكان واحد، فأخذتها ثمّ شممتها فإذا هي طيّبة تفوح منها رائحة المسك، فأتيته بها، فرمى بها وجوه المشركين، وتلك الحصيات أربع منها كنّ من الفردوس، وحصاة من المشرق وحصاة من المغرب، وحصاة من تحت العرش، مع كلّ حصاة مائة ألف ملك مدد لنا، لم يكرم الله عزّ وجلّ بهذه الفضيلة أحداً قبل ولا بعد.

وأمّا السادسة والثلاثون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ويل لقاتلك انّه أشقى من نمرود ومن عاقر الناقة، وإنّ عرش الرحمن ليهتزّ لقتلك، فأبشر يا علي فإنّك في زمرة الصدّيقين والشهداء والصالحين.

وأمّا السابعة والثلاثون: فإنّ الله تبارك وتعالى قد خصّني من بين أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله) بعلم الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والخاصّ والعام، وذلك ممّا مَنّ الله به عليّ وعلى رسوله، وقال لي الرسول: يا علي إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن اُدنيك ولا اُقصيك، واُعلّمك ولا أجفوك، وحقّ عليّ أن اُطيع ربّي وحقّ عليك أن تعي.

وأمّا الثامنة والثلاثون: فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعثني بعثاً ودعا لي بدعوات وأطلعني على ما يجري بعده، فحزن لذلك بعض أصحابه وقال: لو قدر محمّد أن يجعل ابن عمّه نبياً لجعله، فشرّفني الله عزّ وجلّ بالاطلاع على ذلك على لسان نبيّه.

وأمّا التاسعة والثلاثون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: كذب من زعم أنّه يحبّني ويبغض عليّاً لا يجتمع حبّي وحبّه إلاّ في قلب مؤمن، إنّ الله عزّ وجلّ جعل

الصفحة 183
أهل حبّي وحبّك يا علي في أوّل زمرة السابقين إلى الجنّة، وجعل أهل بغضي وبغضك في أوّل زمرة الضالّين من اُمّتي إلى النار.

وأمّا الأربعون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجّهني في بعض الغزوات إلى ركيٍّ فإذا ليس فيه ماء فرجعت إليه فأخبرته، فقال: أفيه طين؟ قلت: نعم، فقال: ائتني منه فأتيت منه بطين فتكلّم فيه ثمّ قال: ألقه في الركيّ فألقيته فإذا الماء قد نبع حتّى امتلأ جوانب الركيّ، فجئت إليه فأخبرته، فقال لي: وفّقت يا علي وببركتك نبع الماء، فهذه المنقبة خاصّة بي من دون أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله).

وأمّا الحادي والأربعون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أبشر يا علي فإنّ جبرئيل أتاني فقال لي: يا محمّد إنّ الله تبارك وتعالى نظر إلى أصحابك فوجد ابن عمّك وختنك على ابنتك فاطمة خير أصحابك، فجعله وصيّك والمؤدّي عنك.

وأمّا الثانية والأربعون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أبشر يا علي فإنّ منزلك في الجنّة مواجه منزلي، وأنت معي في الرفيق الأعلى في أعلا عليّين، قلت: يا رسول الله وما أعلا عليّين؟ فقال: قبّة من درّة بيضاء لها سبعون ألف مصراع مسكن لي ولك يا علي.

وأمّا الثالثة والأربعون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنّ الله عزّ وجلّ رسخ حبّي في قلوب المؤمنين وكذلك رسخ حبّك يا علي في قلوب المؤمنين، ورسخ بغضي وبغضك في قلوب المنافقين فلا يحبّك إلاّ مؤمن تقيّ ولا يبغضك إلاّ منافق كافر.

وأمّا الرابعة والأربعون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لن يبغضك من العرب إلاّ دعيّ ولا من العجم إلاّ شقيّ، ولا من النساء إلاّ سلقلقية.

وأمّا الخامسة والأربعون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعاني وأنا أرمد العين فتفل في عيني وقال: اللّهمّ اجعل حرّها في بردها وبردها في حرّها، فوالله ما اشتكت عيني إلى هذه الساعة.


الصفحة 184
وأمّا السادسة والأربعون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر أصحابه وعمومته بسدّ الأبواب وفتح بابي بأمر الله عزّ وجلّ، فليس لأحد منقبة مثل منقبتي.

وأمّا السابعة والأربعون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني في وصيّته بقضاء ديونه وعداته، فقلت: يا رسول الله قد علمت أنّه ليس عندي مال، فقال: سيعينك الله، فما أردت أمراً من قضاء ديونه وعداته إلاّ يسّره الله لي حتّى قضيت ديونه وعداته، وأحصيت ذلك فبلغ ثمانين ألف وبقي بقية أوصيت الحسن أن يقضيها.

وأمّا الثامنة والأربعون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني في منزلي ولم يكن طعمنا منذ ثلاثة أيام، فقال: يا علي هل عندك من شيء؟ فقلت: والذي أكرمك بالكرامة واصطفاك بالرسالة ما طعمت وزوجتي وابناي منذ ثلاثة أيّام، فقال النبي: يا فاطمة اُدخلي البيت وانظري هل تجدين شيئاً؟ فقالت: خرجت الساعة، فقلت: يا رسول الله أدخله أنا؟ فقال: اُدخل باسم الله، فدخلت فإذا أنا بطبق موضوع عليه رطب من تمر وجفنة من ثريد، فحملتها إلى رسول الله فقال: يا علي رأيت الرسول الذي حمل هذا الطعام؟ فقلت: نعم، فقال: صفه لي فقلت: من بين أحمر وأخضر وأصفر، فقال: تلك خطط جناح جبرئيل مكلّلة بالدرّ والياقوت، فأكلنا من الثريد حتّى شبعنا فما رأى إلاّ ختش أيدينا وأصابعنا، فخصّني الله عزّ وجلّ بذلك من بين أصحابه.

وأمّا التاسعة والأربعون: فإنّ الله تبارك وتعالى خصّ نبيّه بالنبوّة وخصّني النبيّ بالوصيّة فمن أحبّني فهو سعيد يحشر في زمرة الأنبياء.

وأمّا الخمسون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث ببراءة مع أبي بكر، فلما مضى أتى جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمّد لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك، فوجّهني على ناقته العضباء فلحقته بذي الحليفة فأخذتها منه فخصّني الله عزّ وجلّ بذلك.

وأمّا الحادية والخمسون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقامني للناس كافة يوم غدير

الصفحة 185
خم، فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه فبُعداً وسُحقاً للقوم الظالمين.

وأمّا الثانية والخمسون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي ألا اُعلّمك كلمات علّمنيهنّ جبرئيل؟ فقلت: بلى، قال: قل: يا رازق المقلّين، ويا راحم المساكين، ويا أسمع السامعين، ويا أبصر الناظرين، ويا أرحم الراحمين، ارحمني وارزقني.

وأمّا الثالثة والخمسون: فإنّ الله تبارك وتعالى لن يذهب بالدنيا حتّى يقوم منّا القائم يقتل مبغضنا، ويقبل الجزية، ويكسر الصليب والأصنام، يضع الحرب أوزارها، ويدعو إلى أخذ المال فيقسّمه بالسويّة ويعدل في الرعيّة.

وأمّا الرابعة والخمسون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي سيلعنك بنو اُميّة، ويردّ عليهم ملك بكلّ لعنة ألف لعنة، فإذا قام القائم لعنهم أربعين سنة.

وأمّا الخامسة والخمسون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي: سيفتتن فيك طوائف من اُمّتي فيقولون: إنّ رسول الله لم يخلّف شيئاً فبماذا أوصى علياً، أو ليس كتاب ربّي أفضل الأشياء بعد الله عزّ وجلّ، والذي بعثني بالحقّ لئن لم تجمعه بإتقان لم يُجمع أبداً، فخصّني الله عزّ وجلّ بذلك من دون الصحابة.

وأمّا السادسة والخمسون: إنّ الله تبارك وتعالى خصّني بما خصّ به أوليائه وأهل طاعته، وجعلني وارث محمّد فمن ساءه ساءه ومن سرّه سرّه وأومأ بيده نحو المدينة.

وأمّا السابعة والخمسون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في بعض الغزوات ففقد الماء فقال لي: يا علي قُم إلى هذه الصخرة وقل: أنا رسول رسول الله انفجري لي ماء، فوالذي أكرمه بالنبوّة لقد أبلغتها الرسالة فاطّلع منها مثل ثدي البقرة، فسال من كلّ ثدي منها ماء، فلمّا رأيت ذلك أسرعت إلى النبي فأخبرته فقال: انطلق يا علي فخذ من الماء، وجاء القوم حتّى ملؤا قربهم وأدواتهم، وسقوا دوابهم وشربوا وتوضّوا، فخصّني الله عزّ وجلّ بذلك من دون الصحابة.


الصفحة 186
وأمّا الثامنة والخمسون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني في بعض غزواته وقد نفد الماء، فقال: يا علي ائت بتور فأتيته به، فوضع يده اليمنى ويدي معها في التور، فقال: انبع، فنبع الماء من بين أصابعنا.

وأمّا التاسعة والخمسون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجّهني إلى خيبر، فلما أتيته وجدت الباب مغلقاً فزعزعته شديداً فقلعته ورميت به أربعين خطوة، فدخلت فبرز إليّ مرحب فحمل عليّ وحملت عليه وسقيت الأرض من دمه، وقد كان وجّه رجلين من أصحابه فرجعا منكسفين.

وأمّا الستّون: فإنّي قتلت عمرو بن عبد ودّ، وكان يعدّ بألف رجل.

وأمّا الحادية والستّون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يا علي مثلك في اُمّتي مثل قل هو الله أحد فمن أحبّك بقلبه فكأنّما قرأ ثلث القرآن، ومن أحبّك بقلبه وأعانك بلسانه فكأنّما قرأ ثلثي القرآن، ومن أحبّك بقلبه وأعانك بلسانه ونصرك بيده فكأنّما قرأ القرآن كلّه.

وأمّا الثانية والستّون: فإنّي كنت مع رسول الله في جميع المواطن والحروب، وكانت رايته معي.

وأمّا الثالثة والستّون: فإنّي لم أفرّ من الزحف قطّ، ولا يبارزني أحد إلاّ سقيت الأرض من دمه.

وأمّا الرابعة والستّون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) اُتي بطير مشويّ من الجنّة فدعا الله عزّ وجلّ أن يدخل عليه أحبّ خلقه إليه، فوفّقني الله للدخول عليه حتّى أكلت معه من ذلك الطير.

وأمّا الخامسة والستّون: فإنّي كنت اُصلّي في المسجد فجاء سائل فسأل وأنا راكع فناولته خاتمي من اصبعي، فأنزل الله تبارك وتعالى فيّ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ

الصفحة 187
وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(1).

وأمّا السادسة والستّون: فإنّ الله تبارك وتعالى ردّ عليّ الشمس مرّتين ولم يردّها على أحد من اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) غيري.

وأمّا السابعة والستّون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر أن اُدعى بإمرة المؤمنين في حياته وبعد موته، ولم يطلق ذلك لأحد غيري.

وأمّا الثامنة والستّون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: أين سيّد الأنبياء؟ فأقوم، ثمّ ينادي: أين سيّد الأوصياء؟ فتقوم، ويأتيني رضوان بمفاتيح الجنّة ويأتيني مالك بمقاليد النار، فيقولان: إنّ الله جلّ جلاله أمرنا أن ندفعها إليك ونأمرك أن تدفعها إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فتكون يا علي قسيم الجنّة والنار.

وأمّا التاسعة والستّون: فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لولاك ما عرف المنافقون من المؤمنين.

وأمّا السبعون: فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نام ونوّمني وزوجتي فاطمة وابني الحسن والحسين وألقى علينا عباءة قطوانيّة فأنزل الله تبارك وتعالى فينا: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(2)، فقال جبرئيل (عليه السلام): أنا منكم يا محمّد، فكان سادسنا جبرئيل (عليه السلام) (3).

8148/14 ـ عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن قوماً سألوه فقالوا: ياأمير المؤمنين أخبرنا بأفضل مناقبك؟ فقال (عليه السلام): أفضل مناقبي ما لم يكن لي فيه صنع، قالوا: وما ذلك ياأمير المؤمنين؟ قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قدم المدينة أمر ببناء المسجد، فما بقي

____________

1- المائدة: 55.

2- الأحزاب: 33.

3- خصال الصدوق، باب سبعين منقبة لأمير المؤمنين (عليه السلام): 572.


الصفحة 188
رجل من أصحابه إلاّ نقب باباً إلى المسجد، فجاءه جبرئيل (عليه السلام) فأمره أن يأمرهم أن يسدّوا أبوابهم ويدع بابي، فبعث اليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) معاذ بن جبل فأتى أبا بكر فأمره أن يسدّ بابه، فقال: سمعاً وطاعة، فسدّ بابه، ثم بعث إلى عمر فأمره أن يسدّ بابه، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يارسول الله دع لي بقدر ما أنظر اليك بعيني، فأبى عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسدّ بابه، ثم بعثه إلى طلحة والزبير وعثمان وعبدالرحمن وسعد وحمزة والعباس فأمرهم بسدّ أبوابهم فسمعوا وأطاعوا، فقال حمزة والعباس: يأمرنا بسدّ أبوابنا ويدع باب علي، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: قد بلغني ما قلتم في سدّ الأبواب، والله ما أنا فعلت ذلك ولكن الله فعله، وأن الله أوحى إلى موسى أن يتخذ بيتاً طهراً لا يجنب فيه إلاّ هو وهارون وأبناه، يعني لا يجامع فيه غيرهم، وإن الله أوحى إليّ أن أتخذ هذا البيت طهراً لا ينكح فيه إلاّ أنا وعلي والحسن والحسين، والله ما أنا أمرت بسدّ أبوابكم ولا فتحت باب علي بل الله أمرني به.

قالوا: يا أمير المؤمنين زدنا، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه حبران من أحبار النصارى فتكلما عنده في أمر عيسى، فأنزل الله عزّوجلّ هذه الآية {إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب}(1) إلى آخر الآية، فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذ بيدي وبيد الحسن والحسين وفاطمة ثم خرج للمباهلة ورفع كفّه إلى السماء وفرّج بين أصابعه، ودعاهم إلى المباهلة، فلما رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه: والله إن كان نبياً لتهلكن، وان كان غير نبي كفاناه قومه، فكفّا وانصرفا.

قالوا: ياأمير المؤمنين زدنا، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث أبا بكر ومعه براءة إلى أهل الموسم ليقرأها على الناس، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: يامحمد، لا يبلّغ عنك إلاّ علي، فدعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمرني أن أركب ناقته العضباء وأن ألحق أبا بكر

____________

1- آل عمران: 59.


الصفحة 189
فآخذ منه البراءة، فأقرأها على الناس بمكة، فقال أبو بكر: أسخطة هي؟ فقلت: لا إلاّ أنه نزل عليه أن لا يبلّغ عنه إلاّ رجل منه، فلما قدمنا مكة وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الأكبر قمت قائماً ثم قلت وقد اجتمع الناس: ألا إني رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليكم، وقرأت عليهم: براءة من الله ورسوله إلى أن قال (عليه السلام): والاُذن هو اسمي في كتاب الله لا يعلم ذلك أحد غيري.

قالوا: يا أمير المؤمنين زدنا؟ قال: كنت أنا والعباس وعثمان بن شيبة في المسجد الحرام، ففخروا عليّ، فقال عثمان بن شيبة: أعطاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) السدانة ـ يعني مفاتيح الكعبة ـ وقال العباس بن عبدالمطلب: أعطاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) السقاية ـ وهي زمزم ـ قالا: ولم يعطك شيئاً ياعلي، فأنزل الله عزّوجلّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَآمِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْظَالِمِينَ}(1) {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَة مِنْهُ وَرِضْوَان وَجَنَّات لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}(2).

قالوا: زدنا، ياأمير المؤمنين؟ قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قفل من حجة الوداع متوجهاً إلى المدينة نزل بغدير خم، فأمر بشجرات فكسح له عنهن وجمع الناس، ثم أخذ بيدي فرفعها إلى السماء وقال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه(3).

____________

1- التوبة: 19.

2- التوبة: 20-22.

3- دعائم الاسلام 1:17، البحار 98:190.


الصفحة 190
8149/15 ـ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، حدثنا أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو سعيد النسوي، قال: حدثنا إبراهيم بن مروان (هارون)، قال: حدثنا أحمد بن الفضل البلخي، قال: حدثني يحيى بن سعيد البلخي، عن علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن علي (عليه السلام) قال: بينما أنا أمشي مع النبي (صلى الله عليه وآله) في بعض طرقات المدينة، إذ لقينا شيخ طويل كث اللحية بعيد ما بين المنكبين، فسلّم على النبي (صلى الله عليه وآله) ورحب به ثم التفت إلي، فقال: السلام عليك يارابع الخلفاء ورحمة الله وبركاته، أليس كذلك هو يارسول الله؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): بلى، ثم مضى فقلت: يارسول الله ما هذا الذي قال لي هذا الشيخ وتصديقك له؟ فقال: أنت كذلك والحمد لله، إن الله عزّوجلّ قال في الكتاب: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَْرْضِ خَلِيفةً}(1) والخليفة المجعول فيها آدم (عليه السلام)، وقال الله عزّوجلّ: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَْرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}(2) فهو الثاني، وقال عزّوجلّ حكاية عن موسى حين قال لهارون: {أَخْلِفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ}(3) فهو هارون إذ استخلفه موسى (عليه السلام) في قومه فهو الثالث، وقال عزّوجلّ: {وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الاَْكْبَرِ}(4)، فكنت أنت المبلغ عن الله وعن رسوله وأنت وصيي ووزيري، وقاضي ديني والمؤدي عني، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، فأنت رابع الخلفاء كما سلّم عليك الشيخ، أو لا تدري من هو؟ قلت: لا، قال: ذاك أخوك الخضر (عليه السلام) فاعلم(5).

____________

1- البقرة: 30.

2- ص: 26.

3- الأعراف: 142.

4- التوبة: 3.

5- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1:9، إثبات الهداة 3:335، البحار 36:417.