الصفحة 375
حتى بدت الحيتان في قعره، فنطق كثير منها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين ولم ينطق منها أصناف من السمك، وهي الجري والمارماهي، والزمار، فتعجب الناس لذلك وسألوا عن علة نطق ما نطق وصمت ما صمت؟ فقال (عليه السلام): أنطق الله لي ما طهر من السمك وأصمت عني ما حرّمه ونجّسه وبعّده(1).


تبيين:

وهذا خبر مستفيض شهرته بالنقل والرواية كشهرة كلام الذئب للنبي (صلى الله عليه وآله) وتسبيح الحصى في كفه وحنين الجذع اليه وإطعام الخلق الكثير من الزاد القليل، ومن رام طعناً فيه فهو لا يجد من الشبهة في ذلك إلاّ ما يتعلق به الطاعون من معجزات النبي (صلى الله عليه وآله).


____________

1- الارشاد باب تكلم الحيتان معه (عليه السلام): 183، البحار 41:268، إثبات الهداة 4:541، إرشاد القلوب: 227، أعلام الورى: 182، روضة الواعظين: 119، مناقب ابن شهر آشوب باب طاعة الجمادات له (عليه السلام) 2:330، مدينة المعاجز 2:105 ح430.


الصفحة 376

الباب الخامس:

ما جاء في وصاياه (عليه السلام)

8584/1 ـ عن عليّ بن الحسين، ومحمّد بن علي عليهما السلام إنّهما ذكرا وصيّة علي (عليه السلام) وساقا الحديث إلى أن قالا: قال (عليه السلام): أيّها الناس هل فيكم أحد يدّعي قِبَلي جوراً في حكم أو ظلماً في نفس أو مال فليقم أنصفه من ذلك؟ فقام رجل من القوم فأثنى عليه ثناءً حسناً واطراه وذكر مناقبه في كلام طويل، فقال علي (عليه السلام): أيّها العبد المتكلّم ليس هذا حين اطراء، وما أحبّ أن يحضرني أحد في هذا المحضر بغير النصيحة، والله الشاهد على من رأى شيئاً يكرهه فلم يعلمنيه، فاني أحبّ أن أستعتب من نفسي قبل أن تفوت نفسي، إلى أن قال (عليه السلام): أيّها الناس أنا أحبّ أن أشهد عليكم ألاّ يقوم أحد فيقول أردت أن أقول فخفت فقد أعذرت بيني وبينكم، اللّهمّ إلاّ أن يكون أحد يريد ظلمي والدعوى قبلي بما لم أجر، أما إنّي لم أستحلّ من أحد مالا ولم أستحلّ من أحد دماً بغير حق، إلى أن قالا: ثمّ لم يزل يقول: اللّهمّ اكفنا عدوّك الرجيم، اللّهمّ إنّي أشهدك أنّك لا إله إلاّ أنت وأنت الواحد

الصفحة 377
الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فلك الحمد عدد نعمائك لديّ وإحسانك عندي فاغفر لي وارحمني وأنت خير الراحمين، ثمّ لم يزل يقول: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله عدّة لهذا الموقف ولما بعده من المواقف، اللّهمّ أجز محمّداً منّا أفضل الجزاء، وبلّغه منّا أفضل السلام، اللّهمّ وألحقني به ولا تحل بيني وبينه إنّك سميع الدعاء غفور رحيم، ثمّ نظر إلى أهل بيته فقال: حفظكم الله وحفظ فيكم نبيّكم واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام، ثمّ لم يزل يقول: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله حتّى قُبض (عليه السلام) (1).

8585/2 ـ محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن الحسن الحسني رفعه، ومحمّد بن الحسن، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه، قال: لما ضُرِب أمير المؤمنين (عليه السلام) حَفّ به العوّاد، وقيل له: يا أمير المؤمنين أوصِ، فقال (عليه السلام): اثنوا لي وسادة، ثمّ قال: الحمد لله حقّ قدره متّبعين أمره، وأحمده كما أحبَّ، ولا إله إلاّ الله الواحد الأحد الصمد كما انتسب.

أيّها الناس كلّ امرء لاق في فراره ما منه مَفَر، والأجل مساق النفس إليه، والهرب منه موافاته، كم اطّردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا فأبى الله عزّ وجلّ ذكره إلاّ إخفاءه، هيهات علم مكنون.

أمّا وصيّتي فأن لا تشركوا بالله جلّ ثناؤه شيئاً، ومحمّداً (صلى الله عليه وآله) فلا تضيّعوا سنّته، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين، وخَلاكم ذمٌّ ما لم تشرّدوا، حمل كلّ امرء مجهوده، وخَفّف عن الجهلة، ربّ رحيم، وإمام عليم، ودين قويم، أنا بالأمس صاحبكم وأنا اليوم عبرةٌ لكم، وغداً مفارقكم، إن تثبت الوطأة في هذه المزلّة فذاك المراد، وأن تُدحض القدم فإنّا كنّا في أفناء أغصان و ذري رياح وتحت ظلّ غمامة، اضمحلّ في الجوّ متلفّقها وعفا في الأرض مخطّها، وإنّما كنت جاراً

____________

1- دعائم الإسلام 2: 353; مستدرك الوسائل 2: 129 ح1618.


الصفحة 378
جاوركم بدني أيّاماً وستعقبون منّي جثة خلاء، ساكنة بعد حركة، وكاظمة بعد نطق، ليعظكم هُدويّ، وخفوت إطراقي، وسكون أطرافي، فإنّه أوعظ لكم من الناطق البليغ، ودّعتكم وداع مرصد للتلاقي، غداً ترون أيامي، ويكشف الله عزّوجلّ عن سرائري، وتعرفوني بعد خلوّ مكاني، وقيام غيري مقامي، إن أبقَ فأنا وليّ دمي، وإن أفنَ فالفناء ميعادي (وإن أعف) فالعفو لي قربة ولكم حسنة {وَليَعْفُوا وَليَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ}(1) فيا لها حسرةً على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة، أو تؤدّيه أيامه إلى شقوة، جعلنا الله وإيّاكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة، أو تحلّ به بعد الموت نقمة، فإنّما نحن له وبه، ثمّ أقبل (عليه السلام) على الحسن (عليه السلام) فقال: يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم(2).

8586/3 ـ قال علي (عليه السلام) في وصيّته عند وفاته: اُوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محلّها، والصمت عند الشبهة، الخبر(3).

8587/4 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنّه كان يقول عند الوفاة: {تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(4) ثمّ يقول: لا إله إلاّ الله حتّى توفّي صلوات الله وسلامه عليه(5).

8588/5 ـ ذكر المسعودي: ثمّ دعا الحسن والحسين فقال لهما: اُوصيكما بتقوى الله وحده، ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء منها، قولا الحق، وارحما اليتيم، وأعينا الضعيف، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، ولا تأخذكما في الله لومة لائم.

____________

1- النور: 22.

2- الكافي 1: 299; البحار 42: 206.

3- أمالي الطوسي، المجلس الأول: 7 ح8; البحار 2: 258.

4- المائدة: 2.

5- الدعوات: 249 ح702; البحار 81: 241; مستدرك الوسائل 2: 1601 ص121.


الصفحة 379
ثمّ نظر إلى ابن الحنفية فقال: هل سمعت ما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم، قال: اُوصيك بمثله، واُوصيك بتوقير أخويك، وتزيين أمرهما، ولا تقطعن أمراً دونهما، ثمّ قال لهما: اُوصيكما به، فإنّه سيفكما وابن أبيكما، فاكرماه واعرفا حقّه(1).

8589/6 ـ محمّد بن أحمد بن داود، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني الحسن بن علي ابن فضال، قال: حدّثنا عمرو بن إبراهيم، عن خلف بن حمّاد، عن عبد الله بن حسّان، عن الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث حدّث به، إنّه كان في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام): أن أخرجوني إلى الظهر، فإذا تصوّبت أقدامكم واستقبلتكم ريح، فادفنوني وهو أوّل طور سيناء، ففعلوا ذلك(2).

8590/7 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ادفنوني في هذا الظهر في قبر أخويّ هود وصالح عليهما السلام(3).

8591/8 ـ محمّد بن أحمد بن داود القمي، قال: أخبرني محمّد بن علي بن الفضل، قال: أخبرني عليّ بن الحسين بن يعقوب من بني خزيمة قراءةً عليه، قال: حدّثني جعفر بن محمّد بن يوسف الأزدي، قال: حدّثنا علي بن بزرج الخياط، قال: حدّثنا عمرو، قال: جاءني سعد الإسكاف، قال: يا بنيّ تحمل الحديث؟ فقلت: نعم، فقال: حدّثني أبو عبد الله (عليه السلام) قال: إنّه لما اُصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) قال للحسن والحسين عليهما السلام: غسّلاني وكفّناني وحنّطاني واحملاني على سريرى، واحملا مؤخّره تكفيان مقدّمه، فإنّكما تنتهيان إلى قبر محفور ولحد ملحود ولبن موضوع، فالحِداني واشرجا اللبن عليّ وارفعا لبنة مما يلي رأسي فانظرا ما تسمعان، فأخذا اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن، فإذا ليس في القبر شيء، وإذا هاتف يهتف:

____________

1- مروج الذهب 2: 413.

2- تهذيب الأحكام 6: 34; وسائل الشيعة 10: 294.

3- قصص الأنبياء للجزائري، في قصة صالح: 107; تهذيب الأحكام 6: 33.


الصفحة 380
أمير المؤمنين كان عبداً صالحاً فألحقه الله بنبيّه، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء، حتّى لو أنّ نبيّاً مات في المشرق ومات وصيّه في المغرب لألحق الله الوصيّ بالنبي(1).

8592/9 ـ الطوسي، أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، عن جعفر بن محمّد العلوي، عن عبد الله بن أحمد بن نهيك، عن عبد الله بن جبلة، عن حميد بن شعيب، عن جابر ابن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لمّا احتضر أمير المؤمنين (عليه السلام) جمع بنيه حسناً وحسيناً وابن الحنفية والأصاغر من ولده فوصّاهم، وكان في آخر وصيّته يا بني عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنّوا إليكم وإن فقدتم بكوا عليكم، يا بني إنّ القلوب جنود مجنّدة تتلاحظ بالمودّة وتتناجى بها، وكذلك هي في البغض، فإذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه اليكم فارجوه، وإذا أبغضتم الرجل من غير سوء سبق منه اليكم فاحذروه(2).

8593/10 ـ إبن الشيخ الطوسي، عن أبيه، عن المفيد، عن عمرو بن محمّد المعروف بابن الزيّات، عن محمّد بن همّام الاسكافي، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن أحمد ابن سلامة الغنوي، عن محمّد بن الحسن العامري، عن معمّر، عن أبي بكر بن عياش، عن النجيع العقيلي، قال: حدّثني الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: لمّا حضرت والدي الوفاة، أقبل يوصي إلى أن قال: قال (عليه السلام): واقتصد في عبادتك، وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه، الخبر(3).

____________

1- فرحة الغري، باب 3: 39; تهذيب الأحكام 6: 106; مناقب ابن شهرآشوب، باب ماظهر بعد وفاته 2: 348; مستدرك الوسائل 2: 316 ح2075; البحار 42: 213.

2- أمالي الطوسي، المجلس 26: 595 ح1232; البحار 61: 149; مجموعة ورّام 2: 75; البحار أيضاً 42: 247.

3- أمالي الطوسي، المجلس الأول: 8 ح8; أمالي المفيد، المجلس 26: 138; مستدرك الوسائل 1: 130 ح176.


الصفحة 381
8594/11 ـ عن كتاب (وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام)) لأبي الحسن عليّ بن عبد الله بن محمّد البكري، عن لوط بن يحيى، عن أشياخه وأسلافه، وساق الخبر الطويل إلى أن قال: قال (عليه السلام) في وصيّته: ثمّ تقدّم يا أبا محمّد وصلّ عليّ يا بنيّ يا حسن وكبّر عليّ سبعاً، واعلم أنّه لا يحلّ ذلك لأحد غيري إلاّ على رجل يخرج في آخر الزمان، إسمه القائم المهدي من وُلد أخيك الحسين، ويقيم اعوجاج الحق، الخبر(1).

8595/12 ـ عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جمع أمير المؤمنين (عليه السلام) بنيه وهم إثنا عشر ذكراً، فقال لهم: إنّ الله أحبّ أن يجعل فيّ سنّة من يعقوب إذ جمع بنيه وهم إثنا عشر ذكراً فقال لهم: إنّي اُوصي إلى يوسف فاسمعوا له وأطيعوا، وأنا اُوصى إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا، فقال له عبد الله إبنه: أدون محمّد بن علي ـ يعني محمّد بن الحنفية ـ فقال له (عليه السلام): أجرأةٌ عليّ في حياتي كأنّي بك وقد وُجِدتّ مذبوحاً في فسطاطك لا يُدرى من قتلك، فلمّا كان في زمان المختار أتاه فقال له: لست هناك، فغضب فذهب إلى مصعب بن الزبير ـ وهو بالبصرة ـ فقال: وَلّني قتال أهل الكوفة، فكان على مقدّمة مصعب بن الزبير، فالتقوا بحروراء، فلما حجز الليل بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحاً في فسطاطه لا يُدرى من قتله(2).

8596/13 ـ أوصى علي (عليه السلام) فقال: يا بني عبد المطلب لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلنّ بي إلاّ قاتلي، ونهى عن المثلة.

وروى أبو عثمان المازني أنّه قال (عليه السلام):


تلكم قريش تمنّاني لتقتلنيفلا وربّك ما فازوا وما ظفروا
فإن بقيت فرهنٌ ذمّتي لهمبذات ودقين لا يعفو لها أثر

____________

1- فرحة الغري، الباب 2: 33; البحار 42: 215.

2- الخرائج والجرائح 1: 183; البحار 41: 295; اثبات الهداة 4: 546.


الصفحة 382

وإن هلكت فإنّي سوف أوترهمذلّ الممات فقد خانوا وقد غدروا(1)

8597/14 ـ روى مولانا محمّد بن طاهر القمي في شرح كتاب (تهذيب الحديث) نقلا من كتاب (شرف النبي)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال للمسلمين حين ثقل من الضربة في كلام له:

وفيكم من تخلّف عن نبيّكم من أن تمسّكتم به لن تضلّوا، هم الدعاة وهم النجاة، وهم أركان الأرض، إلى أن قال (عليه السلام): فاخلفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهم بأحسن الخلافة، فقد أخبركم أنّهما الثقلان، وأنّهما لن يفترقا هم والقرآن حتّى يردا عليّ الحوض، فالزموهم تهتدوا وترشدوا، ولا تفرّقوا عنهم، ولا تتركوهم فتفرقوا وتمزّقوا(2).

8598/15 ـ المفيد، عن الجعابي، عن الحسين بن محمّد الكندي، عن عمرو بن محمّد ابن الحارث، عن أبيه، عن أبي الصباح المزني، عن الحارث بن الحضيرة، عن أبيه، قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لشيعته: كونوا في الناس كالنحلة في الطير ليس شيء من الطير إلاّ وهو يستضعفها، ولو يعلمون ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها، خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم، لكلّ امرئ ما اكتسب وهو يوم القيامة مع من أحبّ(3).

8599/16 ـ أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفّار، عن ابن معروف، عن ابن مهزيار، عن ابن أبي نجران، عن الحسن بن بحر، عن فرات بن أحنف، عن رجل من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سمعته يقول: تبذّل ولا تشتهر، واخفِ شخصك لئلاّ تُذكر وتُعلم، واكتم واصمُت تسلَم، وأومى بيده إلى صدره تُسرّ الأبرار، وتغيظ

____________

1- مناقب ابن شهر آشوب، باب مقتله (عليه السلام) 3: 312.

2- اثبات الهداة 3: 189.

3- أمالي المفيد، المجلس 15: 84; البحار 75: 410.


الصفحة 383
الكفّار، وأومى بيده الى العامّة(1).

8600/17 ـ روى حفص بن البختري، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حدّثني أبي، عن آبائه (عليهم السلام)، إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لكميل بن زياد النخعي: تبذّل ولا تشهّر، ووارِ شخصك ولا تُذكر، وتعلّم واعمل واسكت تسلم، تُسرّ الأبرار وتغيظ الفجّار ولا عليك إذا عرّفك دينه أن لا تعرف الناس ولا يعرفوك(2).

8601/18 ـ محمّد بن إبراهيم النعماني، عن أبي العباس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة الكوفي، عن القاسم بن محمّد بن الحسين بن حازم، عن عيسى بن هشام الناشري، عن عبد الله بن جبلة، عن سلام بن أبي عميرة، عن معروف بن خرّبوذ، عن أبي الطفيل عامر بن وائلة، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أتحبّون) أن لا يكذب الله ورسوله، حدّثوا الناس بما يعرفون وأمسكوا عمّا ينكرون(3).

8602/19 ـ عماد الدين الطبري، عن أبي البقاء إبراهيم بن الحسين، عن أبي طالب محمّد بن الحسن بن عتبة، عن أبي الحسن محمّد بن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن إسحاق، عن سعيد بن زيد بن أرطاة، عن كميل بن زياد، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال في وصيّته له: يا كميل كل مصدور ينفث، فمن نفث إليك منّا بأمر فاستره بستر وإيّاك أن تُبديه، فليس لك من إبدائه توبة، فإذا لم تكن توبة فالمصير لظى، يا كميل إذاعة سرّ آل محمّد (عليهم السلام) لا يقبل الله تعالى منها، ولا يحتمل أحد عليها، يا كميل وما قالوه لك مطلقاً فلا تعلّمه إلاّ مؤمناً موفقاً، يا كميل لا تعلّموا الكافرين من أخبارنا فيزيدوا عليها، فيبدؤكم بها يوم يعاقبون عليها، الخبر(4).

____________

1- أمالي المفيد، المجلس 23: 130; البحار 75: 410.

2- البحار 2: 37.

3- غيبة النعماني، باب الأول: 33; مستدرك الوسائل 12: 274 ح14084.

4- بشارة المصطفى: 26; مستدرك الوسائل 12: 303 ح14150.


الصفحة 384
8603/20 ـ في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام): وإيّاك ومقارنة من رهبته على دينك، وباعد السلطان ولا تأمن خدع الشيطان، وتقول: متى أرى ما أنكر نزعت، فإنّه كذا هلك من كان قبلك من أهل القبلة، وقد أيقنوا بالمعاد، فلو سمعت بعضهم يبيع (بيع) آخرته بالدنيا لم يطب بذلك نفساً، ثمّ قد يتخيّله الشيطان بخدعه ومكره حتّى يورطه في هلكته بعرض من الدنيا حقير، وينقله من شرّ إلى شرّ حتّى يؤيسه من رحمة الله ويدخله في القنوط، فيجد الوجه إلى ما خالف الإسلام وأحكامه، فإن أبت نفسك إلاّ حبّ الدنيا وقرب السلطان فخالفت ما نهيتك عنه بما فيه رشدك، فأملك عليك لسانك فإنّه لا ثقة للملوك عند الغضب، ولا تسأل عن أخبارهم، ولا تنطق عند أسرارهم، ولا تدخل فيما بينك وبينهم، إلى أن قال (عليه السلام): وباين أهل الشرّ تَبن منهم(1).

8604/21 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له:

انتفعوا ببيان الله، واتّعظوا بمواعظ الله، واقبلوا نصيحة الله، فإنّ الله قد أعذر اليكم بالجلية، وأخذ عليكم الحجة، وبيّن لكم محابّهُ من الأعمال، ومكارههُ منها، لتبتغوا هذه وتجتنبوا هذه(2).

8605/22 ـ محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، وعمر بن اُذينة، عن أبان، عن سليم بن قيس، قال: شهدت وصيّة أمير المؤمنين صلوات الله عليه حين أوصى إلى إبنه الحسن (عليه السلام)، وأشهد على وصيّته الحسين (عليه السلام) ومحمّداً وجميع وُلده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثمّ دفع إليه الكتب (الكتاب) والسلاح، وقال لابنه الحسن (عليه السلام):

يا بني أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن اُوصي إليك، وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، كما

____________

1- تحف العقول، في وصايا أمير المؤمنين: 53; مستدرك الوسائل 12: 308 ح14163.

2- نهج البلاغة: الخطبة 176; البحار 2: 180.


الصفحة 385
أوصى إليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودفع إليّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين (عليه السلام) ثمّ أقبل على إبنه الحسين (عليه السلام) فقال: وأمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تدفعها إلى إبنك هذا، ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسين (عليه السلام)، ثمّ قال لعليّ ابن الحسين (عليه السلام): وأمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تدفعها إلى إبنك محمّد بن علي واقرأه من رسول الله ومنّي السلام(1).

8606/23 ـ قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): لا تسع بقدميك إلى من يراك دونه فتصغر في عينه، واجعل انقطاعك عنه في مقابلة كبريائه، فان عزة النفوس تضاهي جاه الملوك، فأنت إن قبلت نصحي رشدت، وان خالفتني كنت كمن صير الماء العذب إلى اُصول الحنظل كلما ازدادت رياً ازدادت مرارة(2).

8607/24 ـ الطبري، أخبرنا الشيخ أبو البقاء إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم البصري بقرائتي عليه في المحرّم سنة ست عشرة وخمسمائة بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: حدّثنا أبو طالب محمّد بن الحسن بن عتبة، قال: حدّثنا أبو الحسن محمّد بن الحسين بن أحمد، قال: أخبرنا محمّد بن وهبان الدبيلي، قال: حدّثنا علي بن أحمد بن كثير العسكري، قال: حدّثني أحمد بن المفضّل أبو سلمة الاصفهاني، قال: أخبرني راشد بن علي بن وائل القرشي، قال: حدّثني عبد الله بن حفص المدني، قال: أخبرني محمّد بن إسحاق، عن سعيد بن زيد بن أرطاة، قال: لقيت كميل بن زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ألا اُخبرك بوصيّة أوصاني بها يوماً هي خيرٌ لك من الدنيا بما فيها، فقلت: بلى.

____________

1- الكافي 1: 297; دعائم الإسلام 2: 348; البحار 42: 250; اثبات الهداة 2: 267; من لا يحضره الفقيه 2: 189 ح5433.

2- المخلاة (للبهائي): 33.


الصفحة 386
قال: قال لي علي:

يا كميل بن زياد سمّ كلّ يوم باسم الله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله وتوكّل على الله واذكرنا وسمّ بأسمائنا وصلّ علينا، واستعذ بالله ربّنا وأدرأ عن نفسك وما تحوطه عنايتك تكف شرّ ذلك اليوم.

يا كميل إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدّبه الله عزّ وجلّ وهو أدّبني وأنا اُؤدّب المؤمنين وأورّث الأدب المكرمين.

يا كميل ما من علم إلاّ وأنا أفتحه وما من سرٍّ إلاّ والقائم (عليه السلام) يختمه.

يا كميل ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

يا كميل لا تأخذ إلاّ عنّا تكن منّا، يا كميل ما من حركة إلاّ وأنت محتاج إلى معونة فيها إلى معرفة.

يا كميل إذا أكلت الطعام فسمّ باسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء وهو الشفاء من جميع الأسواء.

يا كميل إذا أكلت الطعام فواكِل به ولا تبخل به، فإنّك لم ترزق الناس شيئاً والله يجزل لك الثواب بذلك.

يا كميل أحسن خلقك وأبسط إلى جليسك ولا تنهرنّ خادمك.

يا كميل إذا أكلت فطوّل أكلك يستوف من معك ويرزق منه غيرك.

يا كميل إذا استوفيت طعامك فاحمد الله على ما رزقك وارفع بذلك صوتك ليحمده سواك فيعظم بذلك أجرك.

يا كميل لا توقرنّ معدتك طعاماً ودع فيها للماء موضعاً وللريح مجالا.

يا كميل لا تنفذ طعامك فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم ينفذه.

يا كميل لا ترفعنّ يدك من الطعام إلاّ وأنت تشتهيه، فإذا فعلت ذلك فأنت تستمرئه.


الصفحة 387
يا كميل صحّة الجسم من قلّة الطعام وقلّة الماء.

يا كميل البركة في المال من ايتاء الزكاة ومواساة المؤمنين وصلة الأقربين وهم الأقربون (لنا).

يا كميل زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين، وكن بهم أرأف وعليهم أعطف، تصدّق على المساكين.

يا كميل لا تردنّ سائلا ولو بشقّ تمرة أو من شطر عنب، يا كميل الصدقة تنمى عند الله تعالى.

يا كميل حسن خلق المؤمن التواضع، وجماله التعطّف، وشرفه الشفقة، وعزّه ترك القال والقيل.

يا كميل إيّاك والمراء فإنّك تغري بنفسك السفهاء إذا فعلت وتفسد الإخاء.

يا كميل إذا جادلت في الله تعالى فلا تخاطب إلاّ من يشبه العقلاء، وهذا ضرورة.

يا كميل هم على كلّ حال السفهاء كما قال الله تعالى بقوله: {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ}(1).

يا كميل في كلّ صنف قوم أرفع من قوم، فإيّاك ومناظرة الخسيس منهم، وإن أسمعوك فاحتمل، وكن من الذين وصفهم الله تعالى فقال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً}(2).

يا كميل قل الحق على كلّ حال ووازر المتّقين واهجر الفاسقين.

يا كميل جانب المنافقين ولا تصاحب الخائنين.

يا كميل إيّاك والتطرّق إلى أبواب الظالمين والإختلاط بهم والاكتساب منهم،

____________

1- البقرة: 13.

2- الفرقان: 63.


الصفحة 388
وإيّاك أن تطيعهم وأن تشهد في مجالسهم بما يسخط الله.

يا كميل إن اضطررت إلى حضورها فداوم ذكر الله والتوكّل عليه، واستعذ بالله من شرّهم وأطرق عنهم، وأنكر بقلبك فعلهم وأجهر بتعظيم الله تعالى وأسمعهم فإنّهم يهابوك وتكفى (شرّهم).

يا كميل إنّ أحبّ ما أمت (ما امتثله) العباد إلى الله تعالى بعد الإقرار به وبأوليائه (عليهم السلام) التجمّل والتعفّف والإصطبار.

يا كميل لا بأس بأن لا يعلم سرّك.

يا كميل لا ترين الناس افتقارك واضطرارك، واصطبر عليه احتساباً تعرف بستر.

يا كميل أخوك أخوك الذي لا يخذلك عند الشدّة، ولا يغفل عنك عند الجريرة، ولا يخدعك حين تسأله، ولا يتركك وأمرك حتّى يعلمه فإن كان مميلا أصلحه.

يا كميل المؤمن مرآة المؤمن (لأنّه) يتأمّله ويسدّ فاقته ويجمل حالته.

يا كميل المؤمنون إخوة ولا شيء آثر عند كلّ أخ من أخيه.

يا كميل إذا لم تحبّ أخاك فلست أخاه.

يا كميل إنّما المؤمنون من قال بقولنا، فمن تخلّف عنّا قصُرَ عنّا، ومن قصر عنّا لم يلحق بنا، ومن لم يكن معنا ففي الدرك الأسفل من النار.

يا كميل كلّ مصدور ينفث، فمن نفث إليك منّا بأمر وأمرك فاستره، فإيّاك أن تُبديه، فليس لك من إبدائه توبة، فإذا لم تكن لك توبة فالمصير إلى لظى.

يا كميل إذاعة سرّ آل محمّد (صلى الله عليه وآله) لا يقبل الله تعالى منها ولا يحتمل عليها أحد.

يا كميل وما قالوه لك مطلقاً فلا تعلمه إلاّ مؤمناً موفقاً.