الصفحة 389
يا كميل لا تعلّم الكافرين أخبارنا فيزيدوا عليها فيبدوكم بها يوم يعاقبون عليها.

يا كميل لابدّ لماضيكم خير من أوبة ولابدّ لنا فيكم من غلبة.

يا كميل سيجمع الله لكم خير البدء والعاقبة.

يا كميل أنتم ممتّعون بأعدائكم تطربون بطربهم وتشربون بشربهم وتأكلون بأكلهم وتدخلون مداخلهم، وربما غلبتم على نعمتهم إي والله على إكراه منهم لذلك، ولكنّ الله عزّ وجلّ ناصركم وخاذلهم، فإذا كان والله يومكم وظهر صاحبكم لم يأكلوا والله معكم، ولم يردوا مواردكم، ولم يقرعوا أبوابكم ولم ينالوا نعمتكم أذلّةً خاسئين أينما ثقفوا أخذوا وقتّلوا تقتيلا.

يا كميل احمد الله تعالى والمؤمنون على ذلك وعلى كلّ نعمة.

يا كميل قل عند كلّ شدّة: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم تكفها، وقل عند كلّ نعمة: الحمد لله تزد منها، وإذا أبطأت الأرزاق عليك فاستغفر الله يوسّع عليك فيها.

يا كميل إذا وسوس الشيطان في صدرك فقل: أعوذ بالله القويّ من الشيطان الغويّ، وأعوذ بمحمّد الرضي من شرّ ما قدّر وقضي، وأعوذ بإله الناس من شرّ الجنّة والناس أجمعين، وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين وسلّم، تُكف مؤنة إبليس والشياطين معه ولو أنّهم كلّهم أبالسة مثله.

يا كميل إنّ لهم خداعاً وشقاشق وزخاريف ووساوس وخيلاء على كلّ أحد قدر منزلته في الطاعة والمعصية، فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة.

يا كميل لا عدوّ أعدى منهم، ولا ضارّ أضرّ منهم اُمنيّتهم أن تكون معهم غداً إذا اجتثّوا في العذاب الأليم، لا يَفتّر عنهم شرره ولا يقصر عنهم خالدين فيها أبداً.

يا كميل سخط الله تعالى محيط بمن لم يحترس منهم باسمه ونبيه وجميع عزائمه

الصفحة 390
وعوذه جلّ وعزّ، وصلّى الله على نبيّه وآله وسلّم.

يا كميل إنّهم يخدعونك بأنفسهم فإذا لم تجبهم مكروا بك وبنفسك وبتحسينهم إليك شهواتك واعطائك أمانيك وإرادتك، ويسوّلون لك وينسونك وينهونك ويأمرونك، ويحسّنون ظنّك بالله عزّ وجلّ حتّى ترجوه، فتغترّ بذلك وتعصيه، وجزاء العاصي لظى.

يا كميل احفظ قول الله عزّ وجلّ: {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}(1) والمسوّل الشيطان والمملي الله تعالى.

يا كميل اذكر قول الله عزّ وجلّ لإبليس ـ لعنه الله ـ: {وَأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الاَْمْوَالِ وَالاَْوْلاَدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً}(2).

يا كميل إنّ إبليس لا يعد عن نفسه وإنّما يعد عن ربّه ليحملهم على معصيته فيورّطهم.

يا كميل إنّه يأتي لك بلطف كيده ويأمرك بما يعلم أنّه قد ألفته من طاعة لا تدعها، فتحسب أنّ ذلك ملك وإنّما هو شيطان رجيم، فإذا سكنت إليه واطمأننت على العظائم المهلكة التي لا نجاة معها.

يا كميل إنّ له فخاخاً ينصبها فاحذر أن يوقعك فيها.

يا كميل إنّ الأرض مملوءة من فخاخهم فلن ينجو منها إلاّ من تثبّت بنا، وقد أعلمك الله عزّ وجلّ أنّه لن ينجو منها إلاّ عباده، وعباده أولياؤنا.

يا كميل وهو قول الله عزّ وجلّ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}(3) وقوله عزّ وجلّ: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}(4).

____________

1- محمّد: 25.

2- الاسراء: 64.

3- الحجر: 42.

4- النحل: 100.


الصفحة 391
يا كميل انج بولايتنا من أن يشركك في مالك وولدك كما أمر.

يا كميل لا تغترّ بأقوام يصلّون فيطيلون، ويصومون فيداومون ويتصدّقون فيحسبون أنّهم موفّقون.

يا كميل أقسم بالله لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ الشيطان إذا حمل قوماً على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر والربا وما أشبه ذلك من الخنا والمآثم، حبّب إليهم العبادة الشديدة والخشوع والركوع والخضوع والسجود، ثمّ حملهم على ولاية الأئمة الذين يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون.

يا كميل إنّه مستقرّ ومستودع فاحذر أن تكون من المستودعين.

يا كميل إنّما تستحقّ أن تكون مستقرّاً إذا لزمت الجادة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج ولا تزيلك عن منهج ما حملناك عليه وهديناك إليه.

يا كميل لا رخصة في فرض ولا شدّة في نافلة.

يا كميل إنّ الله عزّ وجلّ لا يسألك إلاّ عمّا فرض، وإنّما قدمنا عمل النوافل بين أيدينا للأهوال العظام والطامة يوم المقام.

يا كميل إنّ الله تعالى أعظم من أن تزيله الفرائض والنوافل وجميع الأعمال وصالح الأموال، ولكن من تطوّع خيراً فهو خير له.

يا كميل انّ ذنوبك أكثر من حسناتك، وغفلتك أكثر من ذكرك، ونعمة الله عليك أكثر من كلّ عمل.

يا كميل انّه لا تخلو من نعمة الله عزّ وجلّ عندك وعافيته فلا تخل من تحميده وتمجيده وتسبيحه وتقديسه وشكره وذكره على كلّ حال.

يا كميل لا تكوننّ من الذين قال الله عزّ وجلّ: {نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ }ونسبهم إلى الفسق: {أُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(1).

____________

1- الحشر: 19.


الصفحة 392
يا كميل ليس الشأن أن تصلّي وتصوم وتتصدّق، إنّما الشأن أن تكون الصلاة فُعلت بقلب نقيّ وعمل عند الله مرضيّ وخشوع سويّ إبقاءاً للحدّ فيها.

يا كميل عند الركوع والسجود وما بينهما تبتّلت العروق والمفاصل حتّى تستوفي إلى ما تأتي من جميع صلاتك.

يا كميل اُنظر فيمَ تصلّي (وعلى ما تصلّي) إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول.

يا كميل إنّ اللسان يبوح من القلب، والقلب يقوم بالغذاء، فانظر فيما تغذّي قلبك وجسمك، فإن لم يكن ذلك حلالا لم يقبل الله (تعالى) تسبيحك ولا شكرك.

يا كميل إفهم واعلم إنّا لا نرخّص في ترك أداء الأمانات لأحد من الخلق، فمن روى عنّي في ذلك رخصة فقد أبطل وأثم وجزاؤه النار بما كذب، واُقسم لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لي قبل وفاته بساعة مراراً ثلاثاً: يا أبا الحسن أدّ الأمانة إلى البرّ والفاجر فيما قلّ وجلّ (حتّى) في الخيط والمخيط.

يا كميل لا غزوَ إلاّ مع إمام عادل، ولا نفل إلاّ مع إمام فاضل.

يا كميل أرأيت لو أنّ الله لم يظهر نبيّاً وكان في الأرض مؤمن تقي، أكان في دعائه إلى الله مخطئاً أو مصيباً، بلى والله مخطئاً حتّى ينصبه الله عزّ وجلّ ويؤهّله.

يا كميل الدين لله فلا تغترنّ بأقوال الاُمّة المخدوعة التي ضلّت بعدما اهتدت وأنكرت وجحدت بعدما قبلت.

يا كميل الدين لله فلا يقبل الله تعالى من أحد القيام به إلاّ رسولا أو نبيّاً أو وصيّاً.

يا كميل هي نبوّة ورسالة وامامة وما بعد ذلك إلاّ متولّين ومتغلّبين وضالّين ومعتدين.

يا كميل إنّ النصارى لم تعطّل الله تعالى ولا اليهود ولا جحدت موسى ولا عيسى، ولكنّهم زادوا ونقّصوا وحرّفوا وألحدوا، فلعنوا ومقتوا ولم يتوبوا ولم يقبلوا.


الصفحة 393
يا كميل إنّ أبانا آدم (عليه السلام)، لم يلد يهودياً ولا نصرانياً ولا كان ابنه إلاّ حنيفاً مسلماً، فلم يقم بالواجب عليه فأدّاه ذلك إلى أن لم يقبل الله له قرباناً، بل قبل من أخيه فحسده وقتله وهو من المسجونين في الفلق الذين عدّتهم اثني عشر: ستّة من الأوّلين وستّة من الآخرين، والفلق لأسفل من النار ومن بخاره حرّ جهنّم، وحسبك فيما حرّ جهنّم من بخاره.

يا كميل نحن والله الذين اتّقوا والذين هم محسنون.

يا كميل إنّ الله عزّ وجلّ كريم رحيم عظيم حليم دلّنا على الخلافة وأمرنا بالأخذ بها، وحمل الناس عليها فقد أدّيناها غير مختلفين وأرسلناها غير منافقين وصدّقناها غير مكذّبين وقبلناها غير مرتابين، لم يكن لنا والله شياطين نوحي إليها وتوحي إلينا كما وصف الله تعالى قوماً ذكرهم الله عزّ وجلّ في كتابه فاقرأ كما اُنزل: {شَيَاطِينَ الاِْنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْض زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً}(1).

يا كميل الويل لهم فسوف يلقون غيّاً.

يا كميل لست والله متملّقاً حتّى اُطاع، ولا ممتنّاً حتّى اُعصى، ولا مُهاناً بالطغام الأعراب حتّى أنتحِل إمرة المؤمنين أو أدّعي بها.

يا كميل نحن الثقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر، وقد أسمعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد جمعهم فنادى فيهم: الصلاة جامعة يوم كذا وكذا وأيّاماً سبعة وقت كذا وكذا فلم يتخلّف أحد، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: معاشر الناس إنّي مؤدٍّ عن ربّي عزّ وجلّ ولا مخبر عن نفسي، فمن صدّقني فالله صدّق ومن صدّق الله أثابه الجنان، ومن كذّبني كذّب الله عزّ وجلّ ومن كذّب الله أعقبه النيران، ثمّ ناداني فصعدت فأقامني دونه ورأسي إلى صدره والحسن والحسين عليهما السلام عن يمينه وشماله، ثمّ قال: معاشر الناس أمرني جبرئيل (عليه السلام) عن الله تعالى إنّه ربّي وربّكم أن اُعلمكم

____________

1- الأنعام: 112.


الصفحة 394
أنّ القرآن الثقل الأكبر وأنّ وصيّي هذا وابناي ومن خلفهم من أصلابهم حاملا وصاياهم الثقل الأصغر، يشهد الثقل الأكبر للثقل الأصغر ويشهد الثقل الأصغر للثقل الأكبر، كلّ واحد منهما ملازم لصاحبه غير مفارق له حتّى يردا إلى الله فيحكم بينهما وبين العباد.

يا كميل فإذا كنّا كذلك فعلامَ تقدّمنا من تقدّم وتأخّر عنّا من تأخّر.

يا كميل قد بلّغهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) رسالة ربّه ونصح لهم ولكن لا يحبّون الناصحين.

يا كميل قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي قولا والمهاجرين والأنصار متوافرون يوماً بعد العصر يوم النصف من شهر رمضان قائماً على قدميه فوق منبره: عليّ وابناي منه الطيّبون منّي وأنا منهم وهم الطيّبون بعد اُمّهم وهم سفينة من ركبها نجى ومن تخلّف عنها هوى، الناجي في الجنّة والهاوي في لظى.

يا كميل الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

يا كميل علامَ يحسدوننا والله أنشأنا من قبل أن يعرفونا، أفتراهم بحسدهم إيّانا عن ربّنا يزيلوننا.

يا كميل من لا يسكن الجنّة فبشّره بعذاب أليم وخزي مقيم، وأكبال ومقامع وسلاسل طوال ومقطّعات النيران ومقارنة كلّ شيطان، الشراب صديد واللباس حديد والخزنة فظظة والنار ملتهبة والأبواب موثقة مطبقة، ينادون فلا يجابون ويستغيثون فلا يرحمون، نداؤهم: {يَا مَالِكُ لِيَقْض عَلَيْنَا رَبُّكَ}(1)، قال: إنّكم ماكثون قد جئناكم بالحقّ ولكنّ أكثركم للحقّ كارهون.

يا كميل نحن والله الحقّ الذي قال الله عزّ وجلّ: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ

____________

1- الزخرف: 77.


الصفحة 395
لَفَسَدَتِ السَّموَاتُ وَالاَْرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}(1).

يا كميل ثمّ ينادون الله تقدّست أسماؤه بعد أن يمكثوا أحقاباً، اجعلنا على الرجاء فيجيبهم: {إِخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ}(2).

يا كميل فعندها ييئسون من الكرّة واشتدّت الحسرة وأيقنوا بالهلكة والمكث جزاءاً بما كسبوا وعذّبوا.

يا كميل قل الحمد لله الذي نجّانا من القوم الظالمين.

يا كميل إنّما أحمد على توفيقه إيّاي والمؤمنين وعلى كلّ حال إنّما حظا من حظا بدنياً زائلة مدبرة، فافهم تحظى بآخرة باقية ثابتة.

يا كميل كلٌّ يصير إلى الآخرة والذي يرغب منها رضى الله تعالى والدرجات العلى من الجنّة التي لا يورثها إلاّ من كان تقيّاً.

يا كميل إن شئت فقم(3).

8608/25 ـ إبراهيم بن محمد الثقفي، قال حدثني إسماعيل بن يسار، قال: حدثني علي بن جعفر الحضرمي، عن سليم بن قيس الشامي أنه سمع علياً (عليه السلام) يقول: إني وأوصيائي من ولدي أئمة مهتدون كلنا محدثون، قلت: ياأمير المؤمنين من هم؟ قال: الحسن والحسين، ثم إبني علي بن الحسين ـ قال وعلي يومئذ رضيع ـ ثم ثمانية من بعده واحداً بعد واحد، وهم الذين أقسم الله بهم فقال: {وَوَالِد وَمَا وَلَدَ}(4) أما الوالد فرسول الله (صلى الله عليه وآله) وما ولد يعني هؤلاء الأوصياء، فقلت: ياأمير المؤمنين أيجتمع إمامان؟ فقال: لا إلاّ وأحدهما مصمت لا ينطق حتى يمضي الأول. قال سليم: سألت محمد بن أبي بكر فقلت: أكان علي (عليه السلام) محدثاً؟ قال: نعم، قلت: ويحدث الملائكة

____________

1- المؤمنون: 71.

2- المؤمنون: 108.

3- بشارة المصطفى: 24; دار السلام 2: 26; تحف العقول، في وصية الأمير لكميل: 114.

4- البلد: 3.


الصفحة 396
الأئمة؟ فقال: أو ما تقرأ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَلاَ نَبِيٍّ}(1) (وَلاَ مُحَدَّث)، قلت: فأمير المؤمنين محدَّث؟ فقال: نعم وفاطمة محدَّثة ولم تكن نبية(2).

8609/26 ـ عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبري، أخبرنا الشيخ أبو البقاء إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم البصري، قال: حدثنا أبو طالب محمد بن الحسن بن عقبة، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن أحمد، قال: أخبرنا محمد بن وهبان الدبيلي، قال: حدثنا علي بن أحمد بن كثير العسكري، قال: حدثني أحمد بن المفضل أبو سلمة الاصبهاني، قال: أخبرني راشد بن علي بن وائل القرشي، قال: حدثني عبدالله بن حفص المدني، قال: أخبرني محمد بن إسحاق، عن سعد بن زيد ابن أرطاة، عن كميل بن زياد، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في وصيته اليه: ياكميل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدّبه الله عزّوجلّ، وهو أدبني، وأنا اُؤدب المؤمنين، وأورث الأدب المكرمين، ياكميل، ما من علم إلاّ وأنا أفتحه، وما من شيء إلاّ والقائم (عليه السلام) يختمه، ياكميل، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، ياكميل، لا تأخذ إلاّ عنا تكن منا، ياكميل، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة، الخبر(3).

8610/27 ـ عن علي بن الحسين، ومحمد بن علي عليهما السلام إنهما ذكرا وصية علي (عليه السلام) عند وفاته إلى ولده وشيعته وفيها: وعليكم بطاعة من لا تعذرون في ترك طاعته، وطاعتنا أهل البيت، فقد قرن الله طاعتنا بطاعته وطاعة رسوله، ونظم ذلك في آية من كتابه، مناً من الله علينا وعليكم، فأوجب طاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة الأمر من آل رسوله، وأمركم أن تسألوا أهل الذكر، ونحن والله أهل الذكر، لا يدعي ذلك غيرنا إلاّ كاذب، ويصدّق ذلك في قول الله عزّوجلّ: {قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إلَيْكُمْ

____________

1- الحج: 52.

2- الاختصاص: 329، بصائر الدرجات: 392، تفسير البرهان 3:101، البحار 26:79.

3- بشارة المصطفى: 24، البحار 77:269، مستدرك الوسائل 17:267 ح21302.


الصفحة 397
ذِكْراً * رَسُولا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَات لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}(1) ثم قال: {فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(2) فنحن أهل الذكر، فاقبلوا أمرنا وانتهوا إلى نهينا، ونحن الأبواب التي أمرتم أن تأتوا البيوت منها، فنحن والله أبواب تلك البيوت، ليس ذلك لغيرنا، ولا يقوله أحد سوانا، الوصية(3).

8611/28 ـ محمد بن علي بن الحسين قال أمير المؤمنين (عليه السلام): في وصيته لابنه محمد ابن الحنفية: يابني لا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كل ما تعلم، فإن الله تبارك وتعالى قد فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة، إلى قوله وقال عزّوجلّ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ}(4) يعني بالجلود الفروج(5).

8612/29 ـ أبو مطر البصري النضري: خرجت من باب المسجد وعليّ أزار طويل، ربما عثرت به، وإذا بمن يناديني من خلفي: أي بني أرفع ذيلك فانه أبقى لثوبك، وأتقى لربك، وخذ من شاربك أن كنت مسلماً، فنظرت ذا هو علي(رضي الله عنه)(6).

____________

1- الطلاق: 10 ـ 11.

2- النحل: 43.

3- دعائم الاسلام 2:353، مستدرك الوسائل 17:283 ح21355.

4- فصّلت: 22.

5- من لا يحضره الفقيه 2:626 ح3215، تفسير نور الثقلين 4:544، البحار 69:50.

6- ربيع الأبرار 2:278.


الصفحة 398

الباب السادس:

في قوله (عليه السلام) سلوني قبل أن تفقدوني

8613/1 ـ الصدوق، حدّثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (قدس سره)، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، وعلي بن أحمد بن موسى الدقاق، ومحمّد بن أحمد السناني، قالوا: حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا محمّد بن العباس، قال: حدّثني أبي محمّد بن أبي السري، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، عن سعد بن طريف الكناني، عن الأصبغ بن نباتة، قال: لما جلس علي (عليه السلام) في الخلافة وبايعه الناس خرج الى المسجد متعمماً بعمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابساً بردة رسول الله متنعلا نعلي رسول الله، متقلداً سيف رسول الله، فصعد المنبر فجلس عليه متحنكاً ثمّ شبّك بين أصابعه فوضعهما أسفل بطنه، ثمّ قال:

يا مشعر الناس سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله، هذا ما زقّني رسول الله زقّاً زقّاً، سلوني فإنّ عندي علم الأوّلين والآخرين، أما والله

الصفحة 399
لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله فيّ، وأفتيت أهل الانجيل بإنجيلهم حتّى ينطق الانجيل فيقول: صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله فيّ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتّى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله فيّ، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهاراً فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه، ولولا آية في كتاب الله عزّ وجلّ لأخبرتكم بما كان وما يكون وبما هو كان إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية: {يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}(1).

ثمّ قال (عليه السلام): سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل اُنزلت أو في نهار اُنزلت، مكيّها ومدنيّها، سفريّها وحضريّها، ناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها، لأخبرتكم، فقام إليه رجل يقال له ذعلب ـ وكان ذرب اللسان بليغاً في الخطب شجاع القلب ـ فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلنّه اليوم لكم في مسألتي إيّاه.

فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّك؟ فقال (عليه السلام): ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربّاً لم أره، قال: فكيف رأيته صفه لنا؟ قال: ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، ويلك يا ذعلب إنّ ربّي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ولا بقيام قيام انتصاب، ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤف الرحمة لا يوصف بالرقّة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كلّ شيء ولا يقال شيء فوقه، أمام كلّ شيء

____________

1- الرعد: 39.


الصفحة 400
ولا يقال له أمام، داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج. فخرّ ذعلب مغشيّاً عليه، ثمّ قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عُدت إلى مثلها.

ثمّ قال (عليه السلام): سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين كيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب، ولم يبعث عليهم نبيّ؟ فقال: بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتاباً وبعث إليهم نبيّاً، وكان لهم ملكاً سكر ذات ليلة، فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها، فلمّا أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه فقالوا: أيّها الملك دَنّست علينا ديننا فأهلكته، فاخرج نطهّرك ونقم عليك الحد، فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي، فإن يكن لي مخرج ممّا ارتكبت وإلاّ فشأنكم، فاجتمعوا، فقال لهم: هل علمتم أنّ الله عزّ وجلّ لم يخلق خلقاً أكرم عليه من أبينا آدم واُمّنا حوّاء؟ قالوا: صدقت أيّها الملك، قال: أفليس قد زوّج بنيه بناته وبناته من بنيه؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك فمحى الله ما في صدورهم من العلم ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب، والمنافقون أشدّ حالا منهم. فقال الأشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب والله لا عدت إلى مثلها أبداً.

ثمّ قال (عليه السلام): سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئاً على عكازة، فلم يزل يتخطا الناس حتّى دنا منه، فقال: يا أمير المؤمنين دلّني على عمل إذا أنا عملته نجّاني الله من النار، فقال له (عليه السلام): اسمع يا هذا ثمّ افهم ثمّ استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغنيّ لا يبخل بماله على أهل دين الله عزّ وجلّ، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني ولم يصبر الفقير، فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون الله أنّ الدار قد رجعت إلى بدءِها ـ أي الكفر بعد الايمان ـ أيّها السائل فلا تغترّن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم

الصفحة 401
مجتمعة وقلوبهم شتّى.

أيّها السائل إنّما الناس ثلاثة: زاهد، وراغب، وصابر; فأمّا الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أتاه، ولا يحزن على شيء منها فاته، وأمّا الصابر فيتمنّاها بقلبه، فإن أدرك منها شيئاً صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، وأمّا الراغب فلا يبالي من حلٍّ أصابها أم من حرام، قال: يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: ينظر الى ما أوجب الله عليه من حقّ فيتولاّه، وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه، وإن كان حبيباً قريباً، قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، ثمّ غاب الرجل فلم نره وطلبه الناس فلم يجدوه، فتبسّم علي (عليه السلام) على المنبر ثمّ قال: ما لكم هذا أخي الخضر (عليه السلام).

ثمّ قال (عليه السلام): سلوني قبل أن تفقدوني فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على نبيّه، ثمّ قال للحسن (عليه السلام): يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلّم بكلام لا يجهلك قريش من بعدي فيقولون: إنّ الحسن لا يحسن شيئاً، قال الحسن (عليه السلام): يا أبة كيف أصعد المنبر وأتكلّم وأنت في الناس تسمع وترى، قال له: بأبي أنت واُمّي اُواري نفسي عنك وأسمع وأرى ولا تراني، فصعد الحسن (عليه السلام) المنبر فحمد الله بمحامد بليغة شريفة، وصلّى على النبي (صلى الله عليه وآله) صلاة موجزة، ثمّ قال: أيّها الناس سمعت جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها وهل تدخل المدينة إلاّ من بابها، ثمّ نزل فوثب إليه علي (عليه السلام) فتحمله وضمّه إلى صدره.

ثمّ قال للحسين (عليه السلام): يا بني قم فاصعد المنبر فتكلّم بكلام لا يجهلك قريش من بعدي، فيقولون: إنّ الحسين بن علي لا يبصر شيئاً، وليكن كلامك تبعاً لكلام أخيك، فصعد الحسين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على نبيّه (صلى الله عليه وآله) صلاة موجزة، ثمّ قال: معاشر الناس سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: إنّ علياً مدينة هدى فمن دخلها نجى ومن تخلّف عنها هلك، فوثب إليه علي (عليه السلام) فضمّه إلى صدره وقبّله ثمّ

الصفحة 402
قال: معاشر الناس اشهدوا أنهما فرخا رسول الله (ووديعته التى استودعنيها، وثمّ أنا أستودعكموها، معاشر الناس ورسول الله) وهو سائلكم عنهما(1).

8614/2 ـ عن ابن هلال الثقفي، عن زكريّا بن يحيى العطار، عن فضيل، عن محمّد ابن علي، قال: قال علي (عليه السلام): سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وسائقها، فقام إليه رجل فقال: أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟ فقال له علي (عليه السلام): والله لقد حدّثني خليلي أنّ على كلّ طاقة شعر من رأسك ملكاً يلعنك، وأنّ على كلّ طاقة شعر من لحيتك شيطاناً يغويك، وأنّ في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان ابنه قاتل الحسين (عليه السلام) يومئذ طفلا يحبو ـ وهو سنان بن أنس النخعي ـ(2).

8615/3 ـ قال علي (عليه السلام): سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا تسألونني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتُضل مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها، ومناخ ركابها، ومحطّ رحالها، ومن يُقتل من أهلها قتلا ومن يموت منهم موتاً، ولو قد فقدتموني ونزلت بكم كرائِهُ الأمور وحوازب الخطوب، لأطرق كثير من السائلين، وفَشِلَ كثير من المسؤلين(3).

8616/4 ـ الطبرسي: عن الأصبغ بن نباتة، قال: خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر الكوفة، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس سلوني فإنّ بين جوانحي علماً جمّاً، فقام إليه ابن الكوّا فقال: يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذرواً؟ قال (عليه السلام):

____________

1- أمالي الصدوق، المجلس 55: 280; الاحتجاج 1: 610 ح138; توحيد الصدوق، باب إثبات حدوث العالم: 295; إرشاد القلوب 2: 374; مناقب ابن شهر آشوب، باب المسابقة إلى العلم 2: 28; البحار 10: 117; فرائد السمطين 1: 341.

2- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 208; البحار 10: 125; مناقب ابن شهر آشوب، في إخباره (عليه السلام) بالمنايا والبلايا 2: 269.

3- نهج البلاغة: خطبة 93; شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 174.


الصفحة 403
الرياح، قال: فما الحاملات وقراً؟ قال: السحاب، قال: فما الجاريات يسراً؟ قال: السفن، قال: فما المقسّمات أمراً؟ قال: الملائكة.

قال: يا أمير المؤمنين وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضاً، قال: ثكلتك اُمّك يا ابن الكوّا كتاب الله يصدّق بعضه بعضاً ولا ينقض بعضه بعضاً، فسل عمّا بدا لك، قال: يا أمير المؤمنين سمعته يقول: {رَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ}(1) وقال في آية اُخرى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}(2) وقال في آية: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}(3) قال: ثكلتك اُمّك يا ابن الكوّا! هذا المشرق وهذا المغرب، وأمّا قوله: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} فإنّ مشرق الشتاء على حدة ومشرق الصيف على حدة، أما تعرف بذلك من قرب الشمس وبعدها، وأما قوله: {رَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ}فإنّ لهما ثلاثمائة وستّين برجاً، تطلع كلّ يوم من برج وتغيب في آخر فلا تعود إليه إلاّ من قابل في ذلك اليوم.

قال: يا أمير المؤمنين كم بين موضع قدمك إلى عرش ربّك؟ قال: ثكلتك اُمّك يا ابن الكوّا! سل متعلّماً ولا تسأل متعنّتاً، من موضع قدمي إلى عرش ربّي أن يقول قائل ـ مخلصاً ـ لا إله إلاّ الله.

قال: يا أمير المؤمنين فما ثواب من قال: لا إله إلاّ الله؟ قال: من قال: لا إله إلاّ الله مخلصاً طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرقّ الأبيض، فإن قال ثانية: لا إله إلاّ الله ـ مخلصاً ـ خرقت أبواب السماوات وصفوف الملائكة حتّى تقول الملائكة بعضها لبعض إخشعوا لعظمة الله، فإذا قال ثالثة: لا إله إلاّ الله ـ مخلصاً ـ تنتهي دون العرش فيقول الجليل: اسكني فوعزّتي وجلالي لأغفرنّ لقائلك بما كان

____________

1- المعارج: 40.

2- الرحمن: 17.

3- الشعراء: 28.


الصفحة 404
فيه، ثمّ تلا هذه الآية {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}(1) يعني: إذا كان عمله صالحاً ارتفع قوله وكلامه.

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قوس قزح؟ قال: ثكلتك اُمّك! لا تقل: "قوس قزح" فإنّ قزحاً إسم شيطان ولكن قل: "قوس الله" إذا بدت يبدو الخصب والريف.

قال: أخبرني يا أمير المؤمنين عن المجرّة التي تكون في السماء؟ قال: هي شرج في السماء وأمان لأهل الأرض من الغرق، ومنه أغرق الله قوم نوح بماء منهمر.

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر؟ قال (عليه السلام): الله أكبر الله أكبر رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء! أما سمعت الله تعالى يقول: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}(2)؟

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: عن أيّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسألني؟ قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أبي ذر الغفاري، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة، أصدق من أبي ذر. قال: يا أمير المؤمنين فأخبرني عن سلمان الفارسي، قال: بخ بخ سلمان منّا أهل البيت، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم، علم علم الأوّل والآخر. قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن حذيفة بن اليماني، قال: ذاك امرؤ علم أسماء المنافقين إن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عالماً. قال: يا أمير المؤمنين فأخبرني عن عمّار بن ياسر، قال: ذاك امرؤ حرّم الله لحمه ودمه على النار أن تمسّ شيئاً منها. قال: يا أمير المؤمنين فأخبرني عن نفسك، قال: كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكتّ ابتدئت.

____________

1- فاطر: 10.

2- الاسراء: 12.