ثمّ نزل (عليه السلام) عن المنبر وضرب بيده على منكب ابن الكوّا ثمّ قال: يا ابن الكوّا وما أهل النهروان منهم ببعيد، فقال: يا أمير المؤمنين ما اُريد غيرك ولا أسأل سواك، قال: فرأينا ابن الكوّا يوم النهروان فقيل له: ثكلتك اُمّك! بالأمس تسأل أمير المؤمنين عمّا سألته وأنت اليوم تقاتله؟ فرأينا رجلا حمل عليه فطعنه فقتله(2).
8617/5 ـ عن أبي الطفيل عامر بن وائلة، قال: شهدت عليّ بن أبي طالب [(عليه السلام)] يخطب، فقال في خطبته: سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلاّ حدّثتكم به، سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلاّ أنا أعلم أبليل أنزلت أم بنهار، أم في سهل نزلت أم في جبل، فقام إليه ابن الكوّا فقال: يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذرواً؟ فقال له: ويلك سل تفقهاً، ولا تسأل تعنّتاً، والذاريات ذرواً الرياح، فالحاملات وقراً السحاب، فالجاريات يسراً السفن، فالمقسّمات أمراً الملائكة، قال: فما السواد الذي في القمر؟ فقال: أعمى يسأل عن عمياء، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}(3)فمحو آية الليل السواد الذي في القمر.
قال: فما كان ذو القرنين أنبيّاً أم ملكاً؟ فقال: لم يكن واحداً منهما، كان عبداً لله، أحبّ الله فأحبّه الله، وناصح الله فنصحه الله، بعثه الله إلى قومه يدعوهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الأيمن، ثمّ مكث ما شاء الله ثمّ بعثه الله إلى قومه يدعوهم إلى
____________
1- الكهف: 103.
2- الاحتجاج 1: 612 ح 139; تفسير البرهان 3: 358; البحار 10: 121.
3- الاسراء: 12.
8618/6 ـ روي أنّ عليّاً (عليه السلام) كان ذات يوم على منبر البصرة إذ قال: أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طرق السماوات فإنّي أعرف بها من طرق الأرض، فقام (إليه) رجل من (وسط) القوم وقال له: أين جبرئيل في هذه الساعة؟ فرمق بطرفه إلى السماء، ثمّ رمق بطرفه إلى المغرب ثمّ رمق بطرفه إلى المشرق ثمّ رمق بطرفه إلى المغرب فلم يجد موطناً، فالتفت إليه فقال: يا ذا الشيخ أنت جبرئيل، قال: فصفّق طائراً بين الناس، فضجّ الحاضرون وقالوا: نشهد أنّك خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حقّاً(2).
8619/7 ـ الصفار، حدثنا أبو الفضل العلوي، عن سعد بن عيسى، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن شريك بن عبد الله، عن عبد الأعلى، عن أبي وقّاص، عن سلمان الفارسي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سمعته يقول: عندي علم المنايا والبلايا والوصايا والأنساب والأسباب وفصل الخطاب، ومولد الإسلام، وموارد الكفر وأنا صاحب الميسم، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا صاحب الكرّات
____________
1- كنز العمال 2: 565 ح4740; فرائد السمطين 1: 354.
2- البحار 39: 108; أنوار النعمانية 1: 32.
إيضاح:
قوله (عليه السلام): ومولد الإسلام، أي: من يعلم الله وقت ولادته أنّه يموت على الإسلام، وكذا مورد الكفر، وقوله: أنا صاحب الكرّات، أي: الرجعات إلى الدنيا أو الحملات في الحروب، والدولة الغلبة، أي: أنا صاحب الغلبة على أهل الغلبة في الحروب، أو المعنى أنّه كان دولة كلّ ذي دولة من الأنبياء والأوصياء، بسبب أنوارها، أو كان غلبتهم على الأعادي بالتوسّل بنا، كما دلّت عليه الأخبار الكثيرة، أو المعنى أنّ لي علم كلّ كرّة وعلم كلّ دولة، والتفريع يؤيّد الأخير.
|
8620/8 ـ الطالقاني، عن الجلودي، عن الحسين بن معاذ بن قيس بن حفص، عن يونس بن أرقم، عن أبي سيّار الشيباني، عن الضحّاك بن مزاحم، عن النزّال ابن سبرة، قال: خطبنا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: سلوني أيّها الناس قبل أن تفقدوني ـ ثلاثاً ـ فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجّال؟ فقال له علي (عليه السلام): اُقعد فقد سمع الله كلامك وعلم ما أردت، والله ما المسؤل عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات يتّبع بعضها بعضاً، كحذو النعل بالنعل، وإن شئت أنبأتك بها، قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): احفظ فإنّ علامة ذلك إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلّوا الكذب، وأكلوا الربا، وأخذوا الرشاء وشيّدوا البنيان، وباعوا الدين بالدنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتّبعوا الأهواء، واستخفّوا بالدماء.
وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخراً، وكانت الاُمراء فجرة، والوزراء ظلمة،
____________
1- بصائر الدرجات، باب انّهم اُعطوا علم المنايا والبلايا: 222; البحار 39: 345
فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال: يا أمير المؤمنين من الدجّال؟ فقال (عليه السلام): ألا إنّ الدجّال صائد بن الصيد، فالشقيّ من صدّقه، والسعيد من كذّبه، يخرج من بلدة يقال لها أصفهان من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمنى ممسوحة والعين الاُخرى في جبهته، تضيء كأنّها كوكب الصبح، فيها علقة كأنّها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب كافر يقرؤه كلّ كاتب واُمّي، يخوض البحار، وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخّان، وخلفه جبل أبيض، يرى الناس أنّه طعام، يخرج حين يخرج في قحط شديد، تحته حمار أقمر، خطوة حماره ميل، تطوى له الأرض منهلا منهلا، ولا يمرّ بماء إلاّ غار إلى يوم القيامة، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجنّ والإنس والشياطين يقول: إليّ أوليائي أنا الذي خلق فسوّى وقدّر فهدى، أنا ربّكم الأعلى، وكذب عدوّ الله إنّه الأعور، يطعم الطعام ويمشي في الأسواق، وإنّ ربّكم
ألا وإنّ أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله عزّ وجلّ بالشام على عقبة تعرف بعقبة أنيق (أو أفيق) لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يدي من يصلّي المسيح بن مريم خلفه.
ألا فإنّ بعد ذلك الطامّة الكبرى، قلنا: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: خروج دابة من الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان بن داود، وعصى موسى، يضع الخاتم على وجه كلّ مؤمن، فينطبع فيه: هذا مؤمن حقّاً، ويضعه على وجه كلّ كافر فينكتب: هذا كافر حقّاً، حتّى أنّ المؤمن لينادى: الويل لك يا كافر، وإنّ الكافر ينادى: طوبى لك يا مؤمن! وددت أنّي اليوم كنت مثلك فأفوز فوزاً عظيما.
ثمّ ترفع الدابة رأسها فيراها مَن بين الخافقين بإذن الله عزّ وجلّ، وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلك ترفع التوبة، فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.
ثمّ قال (عليه السلام): لا تسألوني عمّا يكون بعد ذلك بعد هذا فإنّه عهد عهده إليّ حبيبي (صلى الله عليه وآله) أن لا اُخبر به غير عترتي.
قال النزال بن سبرة فقلت لصعصعة بن صوحان: يا صعصعة ما عنى أمير المؤمنين بهذا؟ فقال صعصعة: يا ابن سبرة إنّ الذي يصلّي خلفه عيسى بن مريم هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن علي، وهو الشمس الطالعة من مغربها، يظهر عند الركن والمقام، فيطهّر الأرض، ويضع ميزان العدل فلا يظلم أحد أحداً، فأخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ حبيبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد إليه ألاّ يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته صلوات الله عليهم أجمعين.
محمّد بن عمرو بن عثمان العقيلي، عن محمّد بن جعفر بن المظفّر، وعبد الله بن محمّد بن عبد الرحمن، وعبد الله بن محمّد بن موسى، ومحمّد بن عبد الله بن صبيح،
8621/9 ـ عن إسحاق، يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول للناس: سلوني قبل أن تفقدوني; لأنّي بطرق السماء أعلم من العلماء، وبطرق الأرض أعلم من العالم، أنا يعسوب الدين، أنا يعسوب المؤمنين وإمام المتّقين وربّان الناس يوم الدين، أنا قاسم النار وخازن الجنان وصاحب الحوض والميزان وصاحب الأعراف، فليس منّا إلاّ وهو عارف بجميع أهل ولايته، وذلك قوله عزّ وجلّ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد}(2).
ألا أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فإنّ بين جوانحي علماً جمّاً، فسلوني قبل أن تشغر برجلها فتنة شرقية وتطأ في خطامها بعد موتها وحياتها، وتشبّ نار بالحطب الجزل من غربي الأرض رافعة ذيلها تدعو يا ويلها لرحلة ومثلها، فإذا استدار الفلك قلتم: مات أو هلك بأيّ واد سلك، فيومئذ تُأوّل الآية {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً}(3).
ولذلك آيات وعلامات، أوّلهنّ إحصار الكوفة بالرصد والخندق، وتخريق الروايا في سلك الكوفة، وتعطيل المساجد أربعين ليلة، وكشف الهيكل وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتزّ، القاتل والمقتول في النار، وقتل سريع وموت ذريع، وقتل النفس الزكيّة بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين الركن والمقام، وقتل الأصقع صبراً في بيعة الأصنام، وخروج السفياني براية حمراء أميرها رجل من بني كلب واثني عشر ألف عنان من خيل السفياني، يتوجّه إلى مكة والمدينة،
____________
1- كمال الدين 2 باب 47: 525; البحار 52: 192; كنز العمال 14: 612 ح39709; دستور الحكم ومأثور مكارم الشيم: 104.
2- الرعد: 7.
3- الاسراء: 6.
ويبعث مائة وثلاثين ألفاً إلى الكوفة، وينزلون الرّوحاء والفارق، فيسير منها ستّون ألفاً حتّى ينزلوا الكوفة موضع قبر هود (عليه السلام) بالنخيلة فيهجمون إليهم يوم الزينة، وأمير الناس جبّار عنيد يقال له الكاهن الساحر، فيخرج من مدينة الزوراء إليهم أمير في خمسة آلاف من الكهنة، ويقتل على جسرها سبعين ألفاً حتّى تحمي الناس من الفرات ثلاثة أيام من الدماء ونتن الأجساد، ويسبى من الكوفة سبعون ألف بكر لا يكشف عنها كفّ ولا قناع حتّى يوضعن في المحامل ويذهب بهنّ إلى الثويّة وهي الغري.
ثمّ يخرج من الكوفة مائة ألف ما بين مشرك ومنافق حتّى يقدموا دمشق لا يصدّهم عنها صادّ وهي إرم ذات العماد، وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلمة ليست بقطن ولا كتان ولا حرير، مختوم في رأس القناة بخاتم السيد الأكبر، يسوقها رجل من آل محمّد، تظهر بالمشرق وتوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر، يسير الرعب أمامها بشهر حتّى ينزلوا الكوفة طالبين بثار آبائهم.
فبينما هم على ذلك إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنّهما فرسي رهان، شعث غُبر جرد، أصلاب نواطي وأقداح، إذا نظرت أحدهم برجله باطنه، فيقول: لا خير في مجلسنا بعد هذا، اللّهمّ فإنّا التائبون، وهم الأبدال الذي وصفهم
____________
1- سبأ: 51.
ويخرج رجل من أهل نجران يستجيب للإمام فيكون أوّل النصارى إجابةً، فيهدم بيعته ويدقّ صليبه، فيخرج بالموالي وضعفاء الناس، فيسيرون إلى النخيلة بأعلام هدى، فيكون مجمع الناس جميعاً في الأرض كلها بالفاروق، فيقتل يومئذ ما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف ألف، يقتل بعضهم بعضاً، فيومئذ تأويل هذه الآية {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ}(2) بالسيف.
وينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر: يا أهل الهدى اجتمعوا، وينادي مناد من قبل المغرب بعدما يغيب الشفق: يا أهل الباطل اجتمعوا، ومن الغد عند الظهر تتلوّن الشمس، وتصفرّ فتصير سوداء مظلمة، ويوم الثالث يفرّق الله بين الحقّ والباطل، وتخرج دابة الأرض، وتقبل الروم إلى ساحل البحر عند كهف الفتية، فيبعث الله الفتية من كهفهم مع كلبهم، منهم رجل يقال له مليخا وآخر خملاها وهما الشاهدان المسلّمان للقائم(3).
8622/10 ـ عن علي بن عبد الحميد، بإسناده إلى الفضل بن شاذان من أصل كتابه، بإسناده الى الأصبغ بن نباته، قال: خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ظهر الكوفة فلحقناه، فقال: سلوني قبل أن تفقدوني فقد ملئت الجوانح منّي علماً، كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكتّ ابتديت، ثمّ مسح بيده على بطنه وقال: أعلاه علم وأسفله ثِقلْ، ثمّ مرّ حتّى أتى الغريين فلحقناه وهو مستلقي على الأرض بجسده ليس تحته ثوب، فقال له قنبر: يا أمير المؤمنين ألا أبسط تحتك ثوبي؟ قال: لا، هل
____________
1- البقرة: 222.
2- الأنبياء: 15.
3- البحار 52: 272.
8623/11 ـ السيد ابن طاووس، حدّثنا أحمد بن محمّد المحدود، عن الحسن بن عبيد بن عبد الرحمان الكندي، عن محمّد بن سليمان، عن خالد بن السيري الأودي، عن النضر بن الياس، عن عامر بن وائلة، قال: خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر الكوفة، فحمد الله وأثنى عليه وذكر الله لما هو أهله، وصلّى على نبيّه، ثمّ قال: أيّها الناس سلوني فوالله لا تسألوني عن آية من كتاب الله إلاّ حدّثتكم عنها بما نزلت بليل أو بنهار، أو في مقام أو في مسير، أو سهل أو في جبل، أفي مؤمن أو منافق، وما عني بها أخاص أم عامة، ولئن فقدتموني لا يحدّثكم أحد حديثي، فقام إليه ابن الكوّاء فلما بصر به قال: متعنّتاً لا يسأل تعلّماً، هات سل فإذا سألت فاعقل ما تسأل عنه، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله جلّ وعزّ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(2) فسكت أمير المؤمنين (عليه السلام) فأعادها عليه ابن الكوّا، فسكت فأعادها الثالثة، فقال علي (عليه السلام) ورفع صوته: ويحك يابن الكوّا اُولئك نحن وأتباعنا يوم القيامة غر المحجلين (غرّاً محجّلين) رواء مرويّين يعرفون بسيماهم(3).
____________
1- الغيبة لعبد الحميد النيلي: 65; البحار 100: 234.
2- البيّنة: 7.
3- سعد السعود: 109; البحار 36: 190.
8625/13 ـ الحافظ أبو نعيم، حدّثنا الحسين بن علي، قال: حدّثنا القاسم بن إسماعيل، قال: ثنا الهيثم بن خالد، قال: ثنا حفص بن عمر أبو إسماعيل الأبلي، قال: ثنا شعبة ومسعر، قالا: ثنا أبو عون (الثقفي عن أبي صالح الحنفي) قال: سمعت علياً(رضي الله عنه) يقول على المنبر: سلوني عمّا شئتم! فقال له رجل يقال له ابن الكوّا: يا أمير المؤمنين ما تقول في الاُختين يتّخذهما الرجل؟ فقال له علي: إنّك لذاهب في التيه، سل عمّا يعنيك ولا تسأل عمّا لا يعنيك، فقال له ابن الكوّا: يا أمير المؤمنين إنّما نسألك عمّا لا نعلم، فأمّا ما نعلم فلا نسألك عنه، فقال له علي (رضي الله عنه): حرّمتهما آية من كتاب الله (أراه قال: وأحلّتهما آية من كتاب الله تعالى) قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الاُْخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ}(2) وقوله تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}(3) فقال له ابن الكوّا: وما تقول في ابنة الأخ من الرضاعة، أيتزوّجها الرجل؟ قال: لا، إنّي كنت أخرجت ابنة حمزة بن عبد المطّلب من بين مشركي مكّة على خوف شديد و غزو شديد، فأتيت بها المدينة فعرضتها على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فذكرت له حالها وجمالها وهيئتها وحسن خلقها، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إنّها لا تحلّ لي، إنّها ابنة أخي من
____________
1- تفسير العياشي 1: 232; البحار 103: 336; البرهان 1: 358.
2- النساء: 23.
3- النساء: 36، الأحزاب: 50.
8626/14 ـ عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه الباقر (عليه السلام) قال: لم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة لعلمه حتّى كان يتنفّس الصعداء أو يقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني فإنّ بين الجوانح منّي علماً جمّاً، هاه هاه ألا لا أجد من يحمله، ألا وإنّ عليكم من الله الحجّة البالغة، فلا تتولّوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفّار من أصحاب القبور(2).
8627/15 ـ محمّد بن العباس، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد الجعفي، عن محمّد بن القاسم الأكفائي، عن عليّ بن محمّد بن مروان، عن أبيه، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس، قال: خرج علينا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ونحن في المسجد فاحتوشناه، فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن القرآن فإنّ في القرآن علم الأوّلين والآخرين، لم يدع لقائل مقالا، ولا يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم، وليسوا بواحد، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) كان واحداً منهم، علّمه الله سبحانه إيّاه، وعلّمنيه رسول الله، (صلى الله عليه وآله) ثمّ لا يزال في عقبه إلى يوم تقوم الساعة (القيامة)، ثمّ قرأ: {وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ}(3) فأنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة، والعلم في عقبنا إلى أن تقوم الساعة، ثمّ قرأ: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقَبِهِ}(4) ثمّ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عقب إبراهيم (عليه السلام) ونحن أهل البيت عقب إبراهيم وعقب محمّد (صلى الله عليه وآله) (5).
8628/16 ـ العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن
____________
1- حلية الأولياء 4: 366.
2- تفسير مجمع البيان 5: 566.
3- البقرة: 248.
4- الزخرف: 28.
5- تأويل الآيات الظاهرة: 540; تفسير البرهان 4: 139; البحار 24: 179.
8629/17 ـ فرات، قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن عمر الزهري، قال: حدّثني القاسم بن إسماعيل الأنباري، قال: حدّثني حفص بن عاصم ونصر بن مزاحم وعبد الله بن المغيرة، عن محمّد بن مروان السدي، قال: حدّثني أبان بن عياش، عن سليم بن قيس، قال: خرج عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ونحن قعود في المسجد بعد رجوعه من صفين، وقيل يوم النهروان، فقعد علي واحتوشناه، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أصحابك؟ فقال (عليه السلام): سل، فذكر قصة طويلة، فقال: إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في كلام له طويل: إنّ الله أمرني بحبّ أربعة رجال من أصحابي، وأخبرني أنّه يحبّهم وأنّ الجنّة تشتاق إليهم، فقيل: من هم يا رسول الله؟ فقال: عليّ بن أبي طالب ثمّ سكت، فقالوا: من هم يا رسول الله؟ فقال: علي ثمّ سكت، فقالوا: من هم يا رسول الله؟ فقال: علي وثلاثة معه هو إمامهم وقائدهم ودليلهم وهاديّهم، لا ينثنون ولا يضلّون ولا يرجعون ولا يطول عليهم الأمد
____________
1- الاسراء: 6.
2- تفسير العياشي 2: 282; البحار 51: 57; تفسير البرهان 2: 408.
ثمّ أقبل علينا أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة انّي لأعلم بالتوراة من أهل التوراة، وانّي لأعلم بالانجيل من أهل الانجيل، وانّي لأعلم بالقرآن من أهل القرآن، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما من فئة تبلغ ثمانين رجل إلى يوم القيامة إلاّ وأنا عارف بقائدها وسائقها، وسلوني من القرآن فإنّ في القرآن بيان كلّ شيء، فيه علم الأوّلين والآخرين، وإنّ القرآن لم يدع لقائل مقالا {وَلاَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}(1) ولا يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم، ليس بواحد، رسول الله (صلى الله عليه وآله) منهم أعلمه الله إيّاه، فعلّمنيه رسول الله ثمّ لا تزال في عقبنا إلى يوم القيامة، ثمّ قرأ أمير المؤمنين: {بَقِيَّةً مِمَّا تَرَكَ آلَ مُوسَى وَآلَ هَارُونَ}(2) وأنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنزلة هارون من موسى، والعلم في عقبنا إلى أن تقوم الساعة(3).
8630/18 ـ روي أنّ علياً (عليه السلام) خطب يوماً، فقال: سلوني قبل أن تفقدوني فأنا نمط الحجاز، وأنا عيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا فقأت عين الفتنة بباطنها وظاهرها، سلوا من عنده علم البلايا والمنايا والوصايا وفصل الخطاب، سلوني فأنا يعسوب المؤمنين حقّاً، وما من فئة تهدي مائة أو تضلّ مائة إلاّ وقد أتيت بقائدها وسائقها، والذي نفسي بيده لو طويت لي الوسادة فأجلس عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الانجيل بانجيلهم، ولأهل الزبور بزبورهم، ولأهل الفرقان بفرقانهم(4).
____________
1- آل عمران: 7.
2- البقرة: 248.
3- تفسير فرات: 67 ح38.
4- احياء الاحياء 4: 204; مناقب ابن شهر آشوب 2: 38.
قال: كان يحفظ عليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب عنه، حتّى أقدم عليه، فيقرأنيه ويقول لي: يا علي أنزل الله عليَّ بعدك كذا وكذا، وتأويله كذا وكذا، فيعلّمني تنزيله وتأويله(1).
8632/20 ـ الصفار، حدّثنا أحمد بن محمّد، عن الحسن بن العباس بن الحريش، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام)، قال علي صلوات الله عليه في صبح ليلة القدر التي كانت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله): سلوني فوالله لأخبرنّكم بما يكون إلى ثلاثمائة وستين يوماً من الذر فما دونها فما فوقها، ثمّ لأخبرنّكم بشيء من ذلك لا بتكلّف ولا برأي ولا بادّعاء في علم إلاّ من علم الله وتعليمه، والله لا يسألني أهل التوراة ولا أهل الانجيل ولا أهل الزبور ولا أهل الفرقان إلاّ فرّقت بين كلّ أهل كتاب بحكم ما في كتابهم(2).
8633/21 ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: سلوني فإنّي لا اُسئل عن شيء دون العرش إلاّ أجبت فيه، لا يقولها بعدي إلاّ جاهل مدّع أو كذّاب مفتر، فقام رجل من جانب مسجده (مجلسه) في عنقه كتاب كالمصحف، وهو رجل آدم ضرب طوال جعد الشعر كأنّه من يهود العرب، فقال رافعاً صوته لعليّ: أيّها المدّعي ما لا يعلم والمقلّد ما لا يفهم أنا أسألك فأجب.
____________
1- احتجاج الطبرسي 1: 617 ح140; أمالي الطوسي، مجلس 18: 523 ح1158; البحار 10: 125; بشارة المصطفى: 127.
2- بصائر الدرجات، باب ما يُلقى إلى الأئمة في ليلة القدر: 242; تفسير نور الثقلين 5: 641.
قال الرجل: كم بين المشرق والمغرب؟ قال علي (عليه السلام): مسافة الهواء، قال الرجل: وما مسافة الهواء؟ قال علي (عليه السلام): دوران الفلك، قال الرجل: وما قدر دوران الفلك؟ قال (عليه السلام): مسيرة يوم للشمس، قال الرجل: صدقت، قال: فمتى القيامة؟ قال علي: عند حضور المنيّة، وبلوغ الأجل، قال الرجل: صدقت، فكم عمر الدنيا؟ قال علي: سبعة ثمّ لا تجديد (يقال سبعة آلاف ثمّ لا تحديد)، قال الرجل: صدقت، فأين بكّة من مكّة؟ قال علي: مكّة أكناف الحرم، وبكّة موضع البيت، قال الرجل: صدقت، قال: فلم سمّيت (مكّة) مكّةً؟ قال: لأنّ الله مدّ الأرض من تحتها، قال: فلم سمّيت بكّة؟ قال: لأنّها بكّت رقاب الجبّارين وعيون المذنبين، قال: صدقت، وأين كان الله قبل أن يخلق عرشه؟ قال علي: سبحان من لا تدركه الأبصار ولا تدرك كنه صفته حملة العرش على قرب ربواتهم من كرسيّ كرامته، ولا الملائكة من زاخر رشحات جلاله.
قال: ويحك لا يقال لله أين، ولا بم، ولا فيم، ولا لِمَ، ولا أنّى، ولا حيث، ولا كيف، قال الرجل: صدقت، فكم مقدار ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء؟ قال: أتحسن أن تحسب؟ قال: نعم، قال: لعلّك لا تحسن أن تحسب، قال: بلى إنّي لأحسن أن أحسب، قال علي (عليه السلام): أفرأيت ان صبّ خردل في الأرض (حتى) سدّ الهواء، وما بين الأرض والسماء، ثمّ إذن لك على ضعفك أن تنقله حبّة حبّة من مقدار المشرق إلى المغرب، ومد في عمرك واُعطيت القوّة على ذلك
أنت أهل العلم يا ذا الهدى | تجلو من الشك الغياهيبا |
حزت أقاصي كلّ علم فما | تبصر أن غولبت مغلوبا |
لا تنثني عن كلّ اُشكولة | تبدي إذا حلّت أعاجيبا |
لله درّ العلم من صاحب | يطلب إنساناً ومطلوباً(1) |
8634/22 ـ كتاب أبي بكر الشيرازي: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب في جامع البصرة فقال فيها: معاشر المؤمنين والمسلمين إنّ الله عزّ وجلّ أثنى على نفسه فقال: هو الأوّل والآخر ـ يعني قبل كلّ شيء ـ والآخر ـ يعني بعد كلّ شيء ـ والظاهر على كلّ شيء والباطن لكلّ شيء سواء علمه عليه، سلوني قبل أن تفقدوني، فأنا الأوّل وأنا الآخر وأنا الباطن وأنا الظاهر وأنا بكلّ شيء عليم، وأنا عين الله وأنا جنب الله وأنا أمين الله على المرسلين، بنا عُبد الله ونحن خزّان الله في أرضه وسمائه، وأنا اُحيي واُميت وأنا حيٌّ لا أموت.
فتعجّب الأعرابي من قوله.
فقال (عليه السلام): أنا الأوّل أوّل من آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنا الآخر آخر من نظر فيه لمّا كان في لحده، وأنا الظاهر فظاهر الإسلام، وأنا الباطن بطين من العلم، وأنا بكلّ شيء عليم فإنّي عليم بكلّ شيء أخبر الله به نبيّه فأخبرني به، فأمّا عين الله فأنا عينه على المؤمنين والكفرة، وأمّا جنب الله {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ
____________
1- ارشاد القلوب 2: 377; البحار 10: 126.
8635/23 ـ المفيد، عن عليّ بن عباس، عن صالح بن حمزة، عن الحسن بن عبد الله، عن الصادق (عليه السلام) قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال فيما يقول: أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني أيّها الناس أنا قلب الله الواعي، ولسانه الناطق، وأمينه على سرّه، وحجّته على خلقه، وخليفته على عباده، وعينه الناظرة في بريّته، ويده المبسوطة بالرأفة والرحمة، ودينه الذي لا يصدّقني إلاّ من محض الايمان محضاً، ولا يكذّبني إلاّ من محض الكفر محضاً(4).
8636/24 ـ الحسين بن إبراهيم بن عبد الله بن منصور، قال: حدّثنا محمّد بن يوسف، قال: حدّثنا الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني، قال: قال إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدّثنا عبد الغفار بن القاسم بن قيس بن فهد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: حدّثنا المنصور بن عمرو، عن زرّ بن حبيش، وعن أحمد بن عمران بن محمّد بن أبي ليلى، عن أبيه، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن زرّ بن حبيش، قال: خطب علي (عليه السلام) بالنهروان، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:
أيّها الناس أمّا بعد أنا فقأت عين الفتنة، لم يكن أحدٌ ليتجري عليها غيري
____________
1- الزمر: 56.
2- آل عمران: 169.
3- مناقب ابن شهر آشوب، في قضاياه (عليه السلام) بعد بيعة العامة له 2: 385.
4- الاختصاص: 248.