الصفحة 422
ـ وفي حديث ابن أبي ليلى لم يكن ليفقأها أحد غيري ـ، ولو لم أكُ فيكم ما قوتل أصحاب الجمل ولا أهل صفين ولا أهل النهروان، وأيم الله لولا أن تتكلّموا (تنكلوا) وتدعوا العمل لحدّثتكم بما قضى الله على لسان نبيّكم (صلى الله عليه وآله) لمن قاتلهم مبصراً لضلالتهم عارفاً للهدى الذي نحو عليه.

ثمّ قال: سلوني قبل أن تفقدوني، (سلوني عمّا شئتم) إنّي ميّتٌ أو مقتول بل قتلا، ما ينتظر أشقاها أن يخضّبها من فوقها بدم، وضرب بيده إلى لحيته، والذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تضلّ مائة أو تهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وسائقها.

فقام إليه رجل فقال: حدّثنا يا أمير المؤمنين عن البلاء، قال (عليه السلام): إنّكم في زمان إذا سأل سائل فليعقل، وإذا سئل مسؤول فليثبت، ألا وإنّ من ورائكم اُموراً أتتكم جللا مُزوجاً وبلاءً مكلِحاً مبلحاً، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة أن لو فقدتموني ونزلت (بكم) كرائه الاُمور وحقائق البلاء لقد أطرق كثير من السائلين وفشل كثير من المسؤولين، وذلك اذا قلصت حربكم وشمّرت عن ساق، وكانت الدنيا بلاء عليكم وعلى أهل بيتي حتّى يفتح الله لبقيّة الأبرار، فانصرفوا (قوماً) أقواماً كانوا أصحاب رايات يوم بدر ويوم حنين تُنصروا وتُؤجروا، ولا تسبقوهم فتصرعكم البليّة.

فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين حدّثنا عن الفتن، قال: إنّ الفتنة إذا أقبلت شبّهت وإذا أدبرت نبهت، يشبهن مقبلات ويعرفن مدبرات، إنّ الفتن تحوم كالريّاح يصبن بلداً، ويخطين اُخرى، ألا إنّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني اُميّة، إنّها فتنة عمياء مظلمة مطينة، عمّت فتنتها وخصّت بليّتها وأصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمى عنها، يظهر أهل باطلها على أهل حقّها حتّى تملأ الأرض عدواناً وبدعاً، وإنّ أوّل من يضع جبروتها ويكسر عمدها وينزع أوتادها

الصفحة 423
الله ربّ العالمين، وأيم الله لتجدنّ بني اُميّة أرباب سوء لكم بعدي كالناب الضروس، تعضّ بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجليها وتمنع درّها، لا يزالون بكم حتّى لا يتركوا في مصركم إلاّ تابعاً لهم أو غير ضار، ولا يزال بلاؤهم بكم حتّى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلاّ مثل انتصار العبد من ربّه، إذا رآه أطاعه وإذا توارى عنه شتمه، وأيم الله لو فرّقوكم تحت كلّ حجر لجمعكم الله شرّ يوم لهم.

ألا إنّ من بعدي جمّاع شتّى، ألا إن قبلتكم واحدة، وحجّكم واحد، وعمرتكم واحدة، والقلوب مختلفة، ثمّ أدخل أصابعه بعضها في بعض.

فقام رجل فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟

قال: هذا هكذا يقتل هذا هذا، ويقتل هذا هذا، قطعاً جاهلية ليس فيها هدىً ولا علم يرى، نحن أهل البيت منها بنجاة ولسنا فيها بدعاة.

فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزمان؟

قال (عليه السلام): اُنظروا أهل بيت نبيّكم فإن لبدوا فالبدوا، وإن استصرخوكم فانصروهم تؤجروا، ولا تسبقوهم فتصرعكم البليّة.

فقام إليه رجل آخر فقال: ثمّ ما يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين؟

قال (عليه السلام): ثمّ إنّ الله يفرج الفتن برجل منّا أهل البيت كتفريج الأديم، بأبي واُمّي ابن خيرة الاماء يسومهم خسفاً ويسقيهم بكأس مصبّرة، ولا يعطيهم إلاّ السيف هرجاً هرجاً، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر، ودّت قريش عند ذلك بالدنيا وما فيها لو يروني مقاماً واحداً قدر حلب شاة أو جزر جزور، لا قبل منهم بعض الذي يرد عليهم، حتّى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، فيغريه الله ببني اُميّة فجعلهم {مَلْعُونِينَ أَيْنََما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا * سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدُ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلا}(1)(2).

____________

1- الأحزاب: 61-62.

2- الغارات 1: 2; منهاج البراعة 7: 93; البحار 8: 606.


الصفحة 424
8637/25 ـ أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه، عن علي (رضي الله عنه) أنّه قال على المنبر: سلوني، فقال ابن الكوّا: تؤتى النساء في أعجازهنّ، فقال علي (رضي الله عنه): سفلت سفّل الله بك، ألم تسمع إلى قوله: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَد مِنَ الْعَالَمِينَ}(1)(2).

8638/26 ـ عن أبي المعتمر مسلم بن أوس، وجارية بن قدامة السعدي، أنّهما حضرا عليّ بن أبي طالب [(عليه السلام)] يخطب، وهو يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّي لا اُسئل عن شيء دون العرش إلاّ أخبرت عنه(3).

8639/27 ـ ابن عساكر، أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو القاسم بن مسعدة، أنبأنا أبو القاسم السهمي، أنبأنا عبد الله بن عدي، أنبأنا محمّد بن مهدي، أنبأنا الحسن بن سعيد بن عثمان، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو مريم يعني عبد الغفار بن القاسم، أنبأنا حمران بن أعين، أنبأنا أبو الطفيل عامر بن وائلة، قال: خطب عليّ بن أبي طالب في عامه (كذا) فقال: يا أيّها الناس إنّ العلم يقبض قبضاً سريعاً، وإنّي أوشك أن تفقدوني فاسألوني، فلن تسألوني عن آية من كتاب الله إلاّ نبأتكم بها وفيما اُنزلت، وإنّكم لن تجدوا أحداً من بعدي يحدّثكم(4).

8640/28 ـ وعنه، أخبرنا أبو محمّد بن طاووس، أنبأنا أبو الغنائم بن أبي عثمان، أنبأنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن رزقويه إملاءاً، أنبأنا محمّد بن عبد الله بن إبراهيم البزاز، أنبأنا محمّد بن غالب بن حرب الضبيّ، أنبأنا أبو سلمة، أنبأنا ربعي بن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة، حدّثني سيف بن وهب، قال:

دخلت على رجل بمكّة يكنّى أبا الطفيل، فقال: أقبل عليّ بن أبي طالب ذات

____________

1- الأعراف: 80.

2- تفسير السيوطي 3: 100.

3- كنز العمال 13: 165 ح36502.

4- تاريخ ابن عساكر في مجلد ترجمة علي 3: 24.


الصفحة 425
يوم حتّى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: يا أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فوالله ما بين لوحي المصحف آية تخفى عليّ فيما اُنزلت، ولا أين نزلت، ولا ما عنى بها(1).

____________

1- تاريخ ابن عساكر في مجلد ترجمة علي 3: 24.


الصفحة 426

الباب السابع:

أربعمائة باب في أمور الدنيا والدين

8641/1 ـ الصدوق، حدّثنا أبي (قدس سره)، قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه (عليهم السلام) إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه، قال (عليه السلام):

إنّ الحجامة تصحّح البدن وتشدّ العقل، والطيب في الشارب من أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) وكرامة الكاتبين، والسواك من مرضات الله عزّ وجلّ وسنّة النبي (صلى الله عليه وآله)، ومطيبة للفم، والدهن يليّن البشرة ويزيد في الدماغ ويسهّل مجاري الماء ويذهب بالقشف ويسفر اللون، وغسل الرأس يذهب بالدرن وينفي القذا، والمضمضة والاستنشاق سنّة وطهور للفم والأنف، والسعوط مصحّة للرأس وتنقية للبدن وسائر أوجاع الرأس.


الصفحة 427
والنورة نشرة وطهور للجسد، واستجادة الحذاء وقاية للبدن وعون على الطهور والصلاة، وتقليم الأظفار يمنع الداء الأعظم ويدرّ الرزق ويورده، ونتف الأبط ينفي الرائحة المنكرة، وهو طهور وسنّة ممّا أمر به الطيّب (صلى الله عليه وآله)، وغسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في الرزق، وإماطة للغمر عن الثياب ويجلو البصر، وقيام الليل مصحّة للبدن ومرضات للربّ عزّ وجلّ وتعرّض للرحمة وتمسّك بأخلاق النبيّين، وأكل التفاح نضوح للمعدة، ومضغ اللبان يشدّ الأضراس وينفي البلغم ويذهب بريح الفم، والجلوس في المسجد بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض.

وأكل السفرجل قوّة للقلب الضعيف ويطيّب المعدة ويزيد في قوّة الفؤاد ويشجّع الجبان ويحسّن الولد، أكل أحد وعشرين زبيبة حمراء في كلّ يوم على الريق يدفع جميع الأمراض إلاّ مرض الموت، يستحبّ للمسلم أن يأتي أهله أوّل ليلة من شهر رمضان لقول الله تبارك وتعالى {أَحَلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفْثُ إِلَى نَسَائِكُمْ}(1) ـ والرفث المجامعة ـ ولا تختمّوا بغير الفضّة فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما طهرت يدٌ فيها خاتم من حديد، ومن نقش على خاتمه اسم الله عزّ وجلّ فليحوّله عن اليد التي يستنجي بها في المتوضأ، إذا نظر أحدكم في المرآة فليقل: الحمد لله الذي خلقني فأحسن خلقتي وصوّرني فأحسن صورتي، وزان منّي ما شان من غيري، وأكرمني بالاسلام، ليتزيّن أحدكم لأخيه المسلم إذا أتاه كما يتزيّن للغريب، الذي يحبّ أن يراه في أحسن الهيئة، صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر أربعاء بين خميسين، وصوم شعبان يذهب بوسواس الصدر وبلابل القلب، والاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير، وغسل الثياب يذهب الهمّ والحزن وهو طهور للصلاة، لا تنتفوا الشيب فإنّه نور المسلم ومن شاب شيبة في الإسلام كان له نوراً يوم القيامة،

____________

1- البقرة: 187.


الصفحة 428
لا ينام المسلم وهو جنب ولاينام إلاّ على طهور، فإن لم يجد الماء فليتيمّم بالصعيد فإنّ روح المؤمن ترفع إلى الله تبارك وتعالى فيقبلها ويبارك عليها فإن كان أجلها قد حضر جعلها في كنوز رحمته وإن لم يكن أجلها قد حضر بعث بها مع اُمنائه من ملائكته فيردّونها في جسدها، لا يتفل المؤمن في القبلة فإنْ فَعَلَ ذلك ناسياً فليستغفر الله عزّ وجلّ منه، لا ينفخ الرجل في موضع سجوده ولا ينفخ في طعامه ولا في شرابه ولا في تعويذه، لا ينام الرجل على المحجّة ولا يبولنّ من سطح في الهواء، ولا يبولنّ في ماء جار فإنْ فعل ذلك فأصابه شيء فلا يلومنّ إلاّ نفسه، فإنّ للماء أهلا وللهواء أهلا، لا ينام الرجل على وجهه ومن رأيتموه نائماً على وجهه فأنبهوه ولا تَدَعوه، ولا يقومنّ أحدكم في الصلاة متكاسلا ولا ناعساً، ولا يفكرنّ في نفسه فإنّه بين يدي ربّه عزّ وجلّ وإنّما للعبد من صلاته ما أقبل عليه منها بقلبه، كلوا ما يسقط من الخؤان فإنّه شفاء من كلّ داء بإذن الله عزّ وجلّ لمن أراد أن يستشفي به، إذا أكل أحدكم طعاماً فمصّ أصابعه التي أكل بها قال الله عزّ وجلّ: بارك الله فيك، البسوا ثياب القطن فإنّها لباس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو لباسنا ولم نكن نلبس الشعر والصوف إلاّ من علّة.

وقال: إنّ الله عزّ وجلّ جميل يحبّ الجمال ويحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده، صلوا أرحامكم ولو بالسلام يقول الله تبارك وتعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالاَْرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(1) لا تقطعوا نهاركم بكذا وكذا وفعلنا كذا وكذا فإنّ معكم حفظة يحفظون علينا وعليكم، اذكروا الله في كلّ مكان فإنّه معكم، صلّوا على محمّد وآل محمّد فإنّ الله عزّ وجلّ يقبل دعاءكم عند ذكر محمّد ودعاؤكم له وحفظكم إيّاه (صلى الله عليه وآله)، أقرّوا الحار حتّى يبرد فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرّب إليه طعام فقال:

____________

1- النساء: 1.


الصفحة 429
أقرّوه حتّى يبرد ويمكن أكله، ما كان الله عزّ وجلّ ليطعمنا النار، والبركة في البارد.

إذا بال أحدكم فلا يطمحنّ ببوله في الهواء ولا يستقبل الريح، علّموا صبيانكم ما ينفعهم الله به لا تغلب عليهم المرجئة برأيها، كفّوا ألسنتكم وسلّموا تسليماً تغنموا، أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم ولو إلى قتلة أولاد الأنبياء (عليهم السلام)، أكثروا ذكر الله عزّ وجلّ اذا دخلتم الأسواق عند اشتغال الناس فإنّه كفّارة للذنوب وزيادة في الحسنات ولا تكتبوا في الغافلين، ليس للعبد أن يخرج في سفر إذا حضر شهر رمضان لقول الله عزّ وجلّ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(1) ليس في شرب المسكر والمسح على الخفّين تقيّة، إيّاكم والغلوّ فينا قولوا إنّا عبيد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم، مَن أحبّنا فليعمل بعملنا، وليستعن بالورع فإنّه أفضل ما يُستعان به في أمر الدنيا والآخرة.

لا تجالسوا لنا عائباً ولا تمتدحوا بنا عند عدوّنا معلنين بإظهار حبّنا فتذلّوا أنفسكم عند سلطانكم، الزموا الصدق فإنّه منجاة وارغبوا فيما عند الله عزّ وجلّ واطلبوا طاعته واصبروا عليها فما أقبح بالمؤمن أن يدخل وهو مهتوك الستر، لا تعنونا في الطلب والشفاعة لكم يوم القيامة فيما قدّمتم، لا تفضحوا أنفسكم عند عدوّكم في القيامة، ولا تكذّبوا أنفسكم عندهم في منزلتكم عند الله بالحقير من الدنيا، تمسّكوا بما أمركم الله به فما بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى ما يحبّ إلاّ أن يحضره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما عند الله خير وأبقى، وتأتيه البشارة من الله عزّ وجلّ فتقرّ عينه ويحبّ لقاء الله، لا تحقّروا ضعفاء إخوانكم فإنّه من احتقر مؤمناً لم يجمع الله عزّ وجلّ بينهما في الجنّة إلاّ أن يتوب، لا يكلّف المؤمن أخاه الطلب إليه إذا علم حاجته، توازروا وتعاطفوا وتباذلوا ولا تكونوا بمنزلة المنافق الذي يصف ما لا يفعل، تزوّجوا فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيراً ما كان يقول: من كان يحبّ أن يتّبع

____________

1- البقرة: 185.


الصفحة 430
سنّتي فليتزوّج فإنّ من سنّتي التزويج، واطلبوا الولد فإنّي أُكاثر بّكم الاُمم غداً، وتوقّوا على أولادكم لبن البغيّ من النساء والمجنونة فإنّ اللبن يعدّي، تنزّهوا عن أكل الطير الذي ليست له قانصة ولا صيصية، ولا حوصلة، واتّقوا كلّ ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، ولا تأكلوا الطحال فإنّه بيت الدم الفاسد، لا تلبسوا السواد فإنّه لباس فرعون، اتّقوا الغدد من اللحم فإنّه يحرّك عرق الجذام، ولا تقيسوا الدين فإنّ من الدين ما لا يقاس، وسيأتي أقوام يقيسون وهم أعداء الدين وأوّل من قاس إبليس، لا تحتذوا الملس فإنّه حذاء فرعون وهو أوّل من حذا الملس، خالفوا أصحاب المسكر وكلوا التمر فإنّ فيه شفاء من الأدواء، واتّبعوا قول الرسول (صلى الله عليه وآله) فإنّه قال: من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر، أكثروا الإستغفار تجلبوا الرزق، وقدّموا ما استطعتم من عمل الخير تجدوه غداً، إيّاكم والجدال فإنّه يورث الشك، من كانت له إلى ربّه عزّ وجلّ حاجة فليطلبها في ثلاث ساعات: ساعة في الجمعة، وساعة حين تزول الشمس، وحين تهبّ الرياح، وتفتح أبواب السماء وتنزل الرحمة ويصوّت الطير، وساعة في آخر الليل عند طلوع الفجر، فإنّ ملكين يناديان: هل من تائب يُتاب عليه، هل من سائل يُعطى، هل من مستغفر فيُغفر له، هل من طالب حاجة فتُقضى له، فأجيبوا داعي الله واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإنّه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض، وهي الساعة التي يقسّم الله فيها الرزق بين عباده، انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ انتظار الفرج مادام عليه العبد المؤمن.

توكّلوا على الله عزّ وجلّ عند ركعتي الفجر إذا صلّيتموها ففيها تعطى الرغائب، لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم، ولا يصلّين أحدكم وبين يديه سيف فإنّ القبلة أمنٌ، أتمّوا برسول الله حجّكم إذا خرجتم إلى بيت الله فإنّ تركه جفاء وبذلك

الصفحة 431
أُمرتم، وأتِمّوا بالقبور التي ألزمكم الله عزّ وجلّ حقّها وزيارتها، واطلبوا الرزق عندها، ولا تستصغروا قليل الآثام فإنّ الصغير يُحصى ويرجع إلى الكبير، وأطيلوا السجود فما من عمل أشدّ على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً; لأنّه أمر بالسجود فعصى، وهذا أمر بالسجود فأطاع فنجا، أكثروا ذكر الموت ويوم خروجكم من القبور وقيامكم بين يدي الله عزّ وجلّ تهون عليكم المصائب، إذا اشتكى أحدكم عينيه فليقرأ آية الكرسي وليضمر في نفسه أنّها تبرأ فإنّه يعافى إن شاء الله، توقّوا الذنوب فما من بليّة ولا نقص رزق إلاّ بذنب حتّى الخدش والكبوة والمصيبة، قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبَِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِير}(1).

أكثروا ذكر الله على الطعام ولا تطغوا فيه، فإنّها نعمة من نعم الله ورزق من رزقه يجب عليكم فيه شكره وحمده، أحسنوا صحبة النعم قبل فواتها فإنّها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها، من رضي عن الله عزّ وجلّ باليسير من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل، إيّاكم والتفريط فتقع الحسرة حين لا تنفع الحسرة، إذا لقيتم عدوّكم في الحرب فأقلّوا الكلام وأكثروا ذكر الله عزّ وجلّ ولا تولّوهم الأدبار فتسخطوا الله ربّكم وتستوجبوا غضبه، وإذا رأيتم من إخوانكم في الحرب الرجل المجروح أو مَن قد نكّل أو مَن قد طمع عدوّكم فيه فقؤوه بأنفسكم، اصطنعوا المعروف بما قدرتم على اصطناعه فإنّه يقي مصارع السوء، من أراد منكم أن يعلم كيف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله منه عند الذنوب كذلك تكون منزلته عند الله تبارك وتعالى، أفضل ما يتّخذه الرجل لعياله الشاة، فمن كانت في منزله شاة قدّست عليه الملائكة في كلّ يوم مرّة ومن كانت عنده شاتان قدّست عليه الملائكة مرّتين في كلّ يوم وكذلك في الثلاث تقول: بورك فيكم، إذا ضعف

____________

1- الشورى: 30.


الصفحة 432
المسلم فليأكل اللحم واللبن فإنّ الله عزّ وجلّ جعل القوّة فيهما، إذا أردتم الحجّ فتقدّموا في شرى الحوائج ببعض ما يقويكم على السفر فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لاََعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}(1) وإذا جلس أحدكم في الشمس فليستدبرها بظهره فإنّها تظهر الداء الدفين، وإذا خرجتم حجّاجاً إلى بيت الله عزّ وجلّ فأكثروا النظر إلى بيت الله، فإنّ لله عزّ وجلّ مائة وعشرين رحمة عند بيته الحرام منها ستّون للطائفين وأربعون للمصلّين وعشرون للناظرين، أقرّوا عند الملتزم بما حفظتم من ذنوبكم وما لم تحفظوا فقولوا وما حفظته علينا حفظتك ونسيناه فاغفره لنا، فإنّه من أقرّ بذنبه في ذلك الموضع وعدّه وذكره واستغفر الله منه كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أن يغفر له، وتقدّموا بالدعاء قبل نزول البلاء، تفتح أبواب السماء في خمس مواقيت: عند نزول الغيث، وعند الزحف، وعند الأذان، وعند قراءة القرآن، ومع زوال الشمس، وعند طلوع الفجر، من غسّل منكم ميّتاً فليغتسل بعدما يلبّسه أكفانه، لا تجمّروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلاّ الكافور فإنّ الميّت بمنزلة المحرم، مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم فإنّ فاطمة بنت محمّد (صلى الله عليه وآله) لمّا قبض أبوها ساعدتها جميع بنات بني هاشم فقالت: دعوا التعداد وعليكم بالدعاء، وزوروا موتاكم فإنّهم يفرحون بزيارتكم، وليطلب الرجل حاجته عند قبر أبيه واُمّه بعدما يدعو لهما، المسلم مرآة أخيه فإذا رأيتم من أخيكم هفوة فلا تكونوا عليه وكونوا له كنفسه وأرشدوه وانصحوه وترفّقوا به، إيّاكم والخلاف فتمزقوا، وعليكم بالصدق تزلفوا وتؤجروا، من سافر منكم بدابّة فليبدأ حين ينزل بعلفها وسقيها لا تضربوا الدواب على وجوهها فإنّها تسبّح ربّها، ومن ضلّ منكم في سفر أو خاف على نفسه فليناد: يا صالح أغثني فإنّ في إخوانكم من الجنّ جنّياً يسمّى صالحاً يسيح في البلاد

____________

1- التوبة: 46.