ثمّ قال: سلوني قبل أن تفقدوني، (سلوني عمّا شئتم) إنّي ميّتٌ أو مقتول بل قتلا، ما ينتظر أشقاها أن يخضّبها من فوقها بدم، وضرب بيده إلى لحيته، والذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تضلّ مائة أو تهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وسائقها.
فقام إليه رجل فقال: حدّثنا يا أمير المؤمنين عن البلاء، قال (عليه السلام): إنّكم في زمان إذا سأل سائل فليعقل، وإذا سئل مسؤول فليثبت، ألا وإنّ من ورائكم اُموراً أتتكم جللا مُزوجاً وبلاءً مكلِحاً مبلحاً، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة أن لو فقدتموني ونزلت (بكم) كرائه الاُمور وحقائق البلاء لقد أطرق كثير من السائلين وفشل كثير من المسؤولين، وذلك اذا قلصت حربكم وشمّرت عن ساق، وكانت الدنيا بلاء عليكم وعلى أهل بيتي حتّى يفتح الله لبقيّة الأبرار، فانصرفوا (قوماً) أقواماً كانوا أصحاب رايات يوم بدر ويوم حنين تُنصروا وتُؤجروا، ولا تسبقوهم فتصرعكم البليّة.
فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين حدّثنا عن الفتن، قال: إنّ الفتنة إذا أقبلت شبّهت وإذا أدبرت نبهت، يشبهن مقبلات ويعرفن مدبرات، إنّ الفتن تحوم كالريّاح يصبن بلداً، ويخطين اُخرى، ألا إنّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني اُميّة، إنّها فتنة عمياء مظلمة مطينة، عمّت فتنتها وخصّت بليّتها وأصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمى عنها، يظهر أهل باطلها على أهل حقّها حتّى تملأ الأرض عدواناً وبدعاً، وإنّ أوّل من يضع جبروتها ويكسر عمدها وينزع أوتادها
ألا إنّ من بعدي جمّاع شتّى، ألا إن قبلتكم واحدة، وحجّكم واحد، وعمرتكم واحدة، والقلوب مختلفة، ثمّ أدخل أصابعه بعضها في بعض.
فقام رجل فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟
قال: هذا هكذا يقتل هذا هذا، ويقتل هذا هذا، قطعاً جاهلية ليس فيها هدىً ولا علم يرى، نحن أهل البيت منها بنجاة ولسنا فيها بدعاة.
فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزمان؟
قال (عليه السلام): اُنظروا أهل بيت نبيّكم فإن لبدوا فالبدوا، وإن استصرخوكم فانصروهم تؤجروا، ولا تسبقوهم فتصرعكم البليّة.
فقام إليه رجل آخر فقال: ثمّ ما يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين؟
قال (عليه السلام): ثمّ إنّ الله يفرج الفتن برجل منّا أهل البيت كتفريج الأديم، بأبي واُمّي ابن خيرة الاماء يسومهم خسفاً ويسقيهم بكأس مصبّرة، ولا يعطيهم إلاّ السيف هرجاً هرجاً، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر، ودّت قريش عند ذلك بالدنيا وما فيها لو يروني مقاماً واحداً قدر حلب شاة أو جزر جزور، لا قبل منهم بعض الذي يرد عليهم، حتّى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، فيغريه الله ببني اُميّة فجعلهم {مَلْعُونِينَ أَيْنََما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا * سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدُ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلا}(1)(2).
____________
1- الأحزاب: 61-62.
2- الغارات 1: 2; منهاج البراعة 7: 93; البحار 8: 606.
8638/26 ـ عن أبي المعتمر مسلم بن أوس، وجارية بن قدامة السعدي، أنّهما حضرا عليّ بن أبي طالب [(عليه السلام)] يخطب، وهو يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّي لا اُسئل عن شيء دون العرش إلاّ أخبرت عنه(3).
8639/27 ـ ابن عساكر، أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو القاسم بن مسعدة، أنبأنا أبو القاسم السهمي، أنبأنا عبد الله بن عدي، أنبأنا محمّد بن مهدي، أنبأنا الحسن بن سعيد بن عثمان، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو مريم يعني عبد الغفار بن القاسم، أنبأنا حمران بن أعين، أنبأنا أبو الطفيل عامر بن وائلة، قال: خطب عليّ بن أبي طالب في عامه (كذا) فقال: يا أيّها الناس إنّ العلم يقبض قبضاً سريعاً، وإنّي أوشك أن تفقدوني فاسألوني، فلن تسألوني عن آية من كتاب الله إلاّ نبأتكم بها وفيما اُنزلت، وإنّكم لن تجدوا أحداً من بعدي يحدّثكم(4).
8640/28 ـ وعنه، أخبرنا أبو محمّد بن طاووس، أنبأنا أبو الغنائم بن أبي عثمان، أنبأنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن رزقويه إملاءاً، أنبأنا محمّد بن عبد الله بن إبراهيم البزاز، أنبأنا محمّد بن غالب بن حرب الضبيّ، أنبأنا أبو سلمة، أنبأنا ربعي بن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة، حدّثني سيف بن وهب، قال:
دخلت على رجل بمكّة يكنّى أبا الطفيل، فقال: أقبل عليّ بن أبي طالب ذات
____________
1- الأعراف: 80.
2- تفسير السيوطي 3: 100.
3- كنز العمال 13: 165 ح36502.
4- تاريخ ابن عساكر في مجلد ترجمة علي 3: 24.
____________
1- تاريخ ابن عساكر في مجلد ترجمة علي 3: 24.
الباب السابع:
أربعمائة باب في أمور الدنيا والدين
8641/1 ـ الصدوق، حدّثنا أبي (قدس سره)، قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه (عليهم السلام) إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه، قال (عليه السلام):
إنّ الحجامة تصحّح البدن وتشدّ العقل، والطيب في الشارب من أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) وكرامة الكاتبين، والسواك من مرضات الله عزّ وجلّ وسنّة النبي (صلى الله عليه وآله)، ومطيبة للفم، والدهن يليّن البشرة ويزيد في الدماغ ويسهّل مجاري الماء ويذهب بالقشف ويسفر اللون، وغسل الرأس يذهب بالدرن وينفي القذا، والمضمضة والاستنشاق سنّة وطهور للفم والأنف، والسعوط مصحّة للرأس وتنقية للبدن وسائر أوجاع الرأس.
وأكل السفرجل قوّة للقلب الضعيف ويطيّب المعدة ويزيد في قوّة الفؤاد ويشجّع الجبان ويحسّن الولد، أكل أحد وعشرين زبيبة حمراء في كلّ يوم على الريق يدفع جميع الأمراض إلاّ مرض الموت، يستحبّ للمسلم أن يأتي أهله أوّل ليلة من شهر رمضان لقول الله تبارك وتعالى {أَحَلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفْثُ إِلَى نَسَائِكُمْ}(1) ـ والرفث المجامعة ـ ولا تختمّوا بغير الفضّة فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما طهرت يدٌ فيها خاتم من حديد، ومن نقش على خاتمه اسم الله عزّ وجلّ فليحوّله عن اليد التي يستنجي بها في المتوضأ، إذا نظر أحدكم في المرآة فليقل: الحمد لله الذي خلقني فأحسن خلقتي وصوّرني فأحسن صورتي، وزان منّي ما شان من غيري، وأكرمني بالاسلام، ليتزيّن أحدكم لأخيه المسلم إذا أتاه كما يتزيّن للغريب، الذي يحبّ أن يراه في أحسن الهيئة، صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر أربعاء بين خميسين، وصوم شعبان يذهب بوسواس الصدر وبلابل القلب، والاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير، وغسل الثياب يذهب الهمّ والحزن وهو طهور للصلاة، لا تنتفوا الشيب فإنّه نور المسلم ومن شاب شيبة في الإسلام كان له نوراً يوم القيامة،
____________
1- البقرة: 187.
وقال: إنّ الله عزّ وجلّ جميل يحبّ الجمال ويحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده، صلوا أرحامكم ولو بالسلام يقول الله تبارك وتعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالاَْرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(1) لا تقطعوا نهاركم بكذا وكذا وفعلنا كذا وكذا فإنّ معكم حفظة يحفظون علينا وعليكم، اذكروا الله في كلّ مكان فإنّه معكم، صلّوا على محمّد وآل محمّد فإنّ الله عزّ وجلّ يقبل دعاءكم عند ذكر محمّد ودعاؤكم له وحفظكم إيّاه (صلى الله عليه وآله)، أقرّوا الحار حتّى يبرد فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرّب إليه طعام فقال:
____________
1- النساء: 1.
إذا بال أحدكم فلا يطمحنّ ببوله في الهواء ولا يستقبل الريح، علّموا صبيانكم ما ينفعهم الله به لا تغلب عليهم المرجئة برأيها، كفّوا ألسنتكم وسلّموا تسليماً تغنموا، أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم ولو إلى قتلة أولاد الأنبياء (عليهم السلام)، أكثروا ذكر الله عزّ وجلّ اذا دخلتم الأسواق عند اشتغال الناس فإنّه كفّارة للذنوب وزيادة في الحسنات ولا تكتبوا في الغافلين، ليس للعبد أن يخرج في سفر إذا حضر شهر رمضان لقول الله عزّ وجلّ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(1) ليس في شرب المسكر والمسح على الخفّين تقيّة، إيّاكم والغلوّ فينا قولوا إنّا عبيد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم، مَن أحبّنا فليعمل بعملنا، وليستعن بالورع فإنّه أفضل ما يُستعان به في أمر الدنيا والآخرة.
لا تجالسوا لنا عائباً ولا تمتدحوا بنا عند عدوّنا معلنين بإظهار حبّنا فتذلّوا أنفسكم عند سلطانكم، الزموا الصدق فإنّه منجاة وارغبوا فيما عند الله عزّ وجلّ واطلبوا طاعته واصبروا عليها فما أقبح بالمؤمن أن يدخل وهو مهتوك الستر، لا تعنونا في الطلب والشفاعة لكم يوم القيامة فيما قدّمتم، لا تفضحوا أنفسكم عند عدوّكم في القيامة، ولا تكذّبوا أنفسكم عندهم في منزلتكم عند الله بالحقير من الدنيا، تمسّكوا بما أمركم الله به فما بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى ما يحبّ إلاّ أن يحضره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما عند الله خير وأبقى، وتأتيه البشارة من الله عزّ وجلّ فتقرّ عينه ويحبّ لقاء الله، لا تحقّروا ضعفاء إخوانكم فإنّه من احتقر مؤمناً لم يجمع الله عزّ وجلّ بينهما في الجنّة إلاّ أن يتوب، لا يكلّف المؤمن أخاه الطلب إليه إذا علم حاجته، توازروا وتعاطفوا وتباذلوا ولا تكونوا بمنزلة المنافق الذي يصف ما لا يفعل، تزوّجوا فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيراً ما كان يقول: من كان يحبّ أن يتّبع
____________
1- البقرة: 185.
توكّلوا على الله عزّ وجلّ عند ركعتي الفجر إذا صلّيتموها ففيها تعطى الرغائب، لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم، ولا يصلّين أحدكم وبين يديه سيف فإنّ القبلة أمنٌ، أتمّوا برسول الله حجّكم إذا خرجتم إلى بيت الله فإنّ تركه جفاء وبذلك
أكثروا ذكر الله على الطعام ولا تطغوا فيه، فإنّها نعمة من نعم الله ورزق من رزقه يجب عليكم فيه شكره وحمده، أحسنوا صحبة النعم قبل فواتها فإنّها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها، من رضي عن الله عزّ وجلّ باليسير من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل، إيّاكم والتفريط فتقع الحسرة حين لا تنفع الحسرة، إذا لقيتم عدوّكم في الحرب فأقلّوا الكلام وأكثروا ذكر الله عزّ وجلّ ولا تولّوهم الأدبار فتسخطوا الله ربّكم وتستوجبوا غضبه، وإذا رأيتم من إخوانكم في الحرب الرجل المجروح أو مَن قد نكّل أو مَن قد طمع عدوّكم فيه فقؤوه بأنفسكم، اصطنعوا المعروف بما قدرتم على اصطناعه فإنّه يقي مصارع السوء، من أراد منكم أن يعلم كيف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله منه عند الذنوب كذلك تكون منزلته عند الله تبارك وتعالى، أفضل ما يتّخذه الرجل لعياله الشاة، فمن كانت في منزله شاة قدّست عليه الملائكة في كلّ يوم مرّة ومن كانت عنده شاتان قدّست عليه الملائكة مرّتين في كلّ يوم وكذلك في الثلاث تقول: بورك فيكم، إذا ضعف
____________
1- الشورى: 30.
____________
1- التوبة: 46.