مبحث
أحوال فاطمة (عليها سلام الله)





الصفحة 10

الصفحة 11

الباب الأول:

في فضائلها ومناقبها سلام الله عليها

8772/1 ـ عن علي (عليه السلام): عن فاطمة (عليها السلام) قالت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة من صلّى عليك غفر الله له، وألحقه بي حيث كنت من الجنّة(1).

8773/2 ـ محمّد بن جرير بن رستم الطبري، أخبرني أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن علي بن عيسى المعروف بابن الخياط القمي، عن أبي الحسن، قال: حدّثني أحمد بن يزيد المهلبي، قال: حدّثنا أبو طاهر أحمد بن عيسى، قال: حدّثني الحسين بن زيد، عن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي، عن أبيه وفاطمة بنت الحسين، عن أبيها الحسين بن علي، عن أبيه علي (عليه السلام):

إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة: يا فاطمة إنّ الله ليغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ(2).

____________

1- كشف الغمة، في فضائل فاطمة 2: 100; البحار 43: 55.

2- دلائل الامامة: 146 ح53; عيون أخبار الرضا 2: 26; أمالي الصدوق، المجلس 61: 313; أمالي الطوسي: 427 ح954; كنز العمال 13: 674 ح37725; مقتل الحسين 1: 52; كفاية الطالب: 364; صحيفة الإمام الرضا 45: 22; اُسد الغابة 5: 522; ينابيع المودّة: 198; ذخائر العقبى: 39; فرائد السمطين 2: 46 ح378.


الصفحة 12
8774/3 ـ الطبري، أخبرني أبو عبد الله محمّد بن أحمد الصفواني، قال: حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدّثنا محمّد بن سهل، قال: حدّثنا عليّ ابن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين، قال: حدّثني عليّ بن جعفر بن محمّد، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ ابن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب، عن علي (عليه السلام):

عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: يا معشر الخلائق غُضّوا أبصاركم ونكّسوا رؤوسكم حتّى تمرّ فاطمة بنت محمّد، فتكون أوّل من يكسى، وتستقبلها من الفردوس إثنا عشر ألف حوراء وخمسون ألف ملك على نجائب من الياقوت، أجنحتها وأزمّتها اللؤلؤ الرطب، ركبها من زبرجد عليها رحل من الدر على كلّ رحل نمرقة من سندس حتّى يجوزوا بها الصراط ويأتوا بها الفردوس، فيتباشر بمجيئها أهل الجنان، فتجلس على كرسي من نور و يجلسون حولها، وهي جنّة الفردوس التي سقفها عرش الرحمان، وفيها قصران، قصر أبيض وقصر أصفر من لؤلؤة على عرق واحد، وفي القصر الأبيض سبعون ألف دار مساكن محمّد وآل محمّد، وفي القصر الأصفر سبعون ألف دار مساكن إبراهيم وآل إبراهيم، ثمّ يبعث الله عزّ وجلّ ملكاً لها لم يبعث إلى أحد قبلها ولا يبعث إلى أحد بعدها، فيقول: إنّ ربّك يقرأ عليك السلام ويقول: سليني، فتقول: هو السلام ومنه السلام، قد أتمّ عليّ نعمته وهنّأني كرامته وأباحني جنّته وفضلّني على سائر خلقه، أسأله ولدي وذريتي، ومن ودّهم بعدي وحفظهم فيّ، قال: فيوحي الله إلى ذلك الملك من غير أن يزول من مكانه، أخبرها أنّي قد شفّعتُها في وُلدها وذريّتها، ومن ودّهم فيها وحفظهم بعدها، فتقول: الحمد لله الذي أذهب عنّي الحزن، وأقرّ عيني، فيقرّ الله

الصفحة 13
بذلك عين محمّد(1).

8775/4 ـ وعنه، حدّثني أبو علي الحسن بن الحسين بن العباس بن دوماه، قال: حدّثنا علي بن حبيب، قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عامر، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عليّ بن موسى، قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد بن علي، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين بن علي، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تحشر إبنتي فاطمة وعليها حُلّة الكرامة قد عُجنت بماء الحيوان، تنظر إليها الخلائق فيتعجّبون منها، ثمّ تُكسى أيضاً حُلّة من حُلل الجنّة، وهي ألف حُلّة مكتوب على كلّ حُلّة بخطّ أخضر، أدخلوا إبنة محمّد الجنة على أحسن صورة وأحسن كرامة وأحسن منظر، فتزفّ إلى الجنّة كما تزفّ العروس، ويوكّل بها سبعون ألف جارية(2).

8776/5 ـ أبو علي الحسن بن علي الشيزري، في (تاريخ ابن عساكر): قدم دمشق وحدّث بها عن ابن خالويه الهمداني النحوي، وروى عنه عليّ بن الخضر السلمي، بإسناده إلى عليّ بن أبي طالب أنّه قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): تحشر إبنتي فاطمة وعليها حُلّة قد عجنت بماء الحيوان، فينظر الخلائق إليها فيتعجّبون منها، وتُكسى أيضاً ألف حُلّة من حُلل الجنّة مكتوب على كلٍّ منها بخطّ أخضر، أدخلوا إبنة نبيي الجنّة على أحسن صورة وأحسن كرامة وأحسن منظر، فتزفّ كما تزفّ العروس، وتتوّج بتاج العزّ ويكون معها سبعون ألف جارية حورية عينيّة في يد كل جارية منديل من استبرق، وقد

____________

1- دلائل الامامة: 153 ح68; تأويل الآيات الظاهرة: 622.

2- دلائل الامامة: 154 ح69; عيون أخبار الرضا 2: 30; صحيفة الرضا: 44 ح20; ينابيع المودّة: 199; ذخائر العقبى: 48; فرائد السمطين 2: 63 ح388.


الصفحة 14
زيّن لها تلك الجواري منذ خلقهنّ الله(1).

8777/6 ـ الصدوق، حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدّثنا سعد ابن عبد الله، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: حدّثني علي بن الحكم، قال: حدّثني الحسين بن أبي العلا، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

دخلت اُمّ أيمن على النبيّ (صلى الله عليه وآله) وفي ملحفتها شيء، فقال لها رسول الله: ما معك يا اُمّ أيمن؟ فقالت: إنّ فلانة أملكوها فنثروا عليها فأخذت من نثارها، ثمّ بكت اُمّ أيمن وقالت: يا رسول الله فاطمة زوّجتها ولم تنثر عليها شيئاً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا اُمّ أيمن لم تكذبين فإنّ الله تبارك وتعالى لما زوّجت فاطمة عليّاً أمر أشجار الجنّة أن تنثر عليهم من حُليّها وحُللها وياقوتها ودُرّها وزمرّدها وإستبرقها، فأخذوا منها ما لا يعلمون، ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة صلوات الله عليها، فجعلها في منزل علي (عليه السلام) (2).

8778/7 ـ روى أبو الهذيل، عن مقاتل، عن محمّد بن الحنفية، عن أبيه:

أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرأ: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ}(3) الآية، فقال: يا علي خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وآسية بنت مزاحم(4).

8779/8 ـ أبو صالح المؤذّن في كتابه، بالإسناد عن عليّ (عليه السلام): إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) دخل على إبنته فاطمة، فإذا في عنقها قلادة فأعرض عنها، فقطعتها ورمت بها، فقال

____________

1- أعيان الشيعة 5: 198; تاريخ ابن عساكر في تاريخ فاطمة.

2- أمالي الصدوق، المجلس 48: 236; تفسير البرهان 2: 294; البحار 43: 98; تفسير العياشي 2: 212.

3- آل عمران: 42.

4- مناقب ابن شهر آشوب، باب مناقب فاطمة 3: 322.


الصفحة 15
رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت منّي يا فاطمة، ثمّ جاءها سائل فناولته القلادة(1).

8780/9 ـ في مسند الرضا (عليه السلام) أنّه قال: لا يغرّنك الناس أن يقولوا: بنت محمّد، وعليك لبس الجبابرة، فقطعتها وباعتها واشترت بها رقبة فأعتقتها، فسرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك(2).

8781/10 ـ في الصحيحين: أنّ عليّاً (عليه السلام) قال: أشتكي ممّا أندءَ(اندى) بالقِرب، فقالت فاطمة ـ سلام الله عليها ـ: والله إنّي أشتكي يديّ ممّا أطحن بالرحى، وكان عند النبي (صلى الله عليه وآله) اُسارى، فأمرها أن تطلب من النبي خادماً، فدخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) وسلّمت عليه ورجعت، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما لكِ؟ قالت: والله ما استطعت أن اُكلّم رسول الله من هيبته، فانطلق علي معها إلى النبي، فقال لهما: جائت بكما حاجة؟ فقال علي: مجاراتهما، فقال: لا ولكنّي أبيعهم وأنفق أثمانهم على أهل الصفة، وعلّمها تسبيح الزهراء(3).

8782/11 ـ روي عن الزهري، عن عليّ بن الحسين (عليه السلام) قال: قال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لفاطمة:

سألت أباك فيما سألتِ أين تلقينه يوم القيامة؟ قالت: نعم، قال لي: أطلبيني عند الحوض، قلت: إن لم أجدك هيهنا؟ قال: تجديني إذاً مستظلاًّ بعرش ربّي، ولن يستظلّ به غيري، قالت فاطمة: فقلت: يا أبة أهل الدنيا يوم القيامة عراة؟ فقال: نعم يا بنيّة، فقلت له: وأنا عريانة؟ قال: نعم، وأنت عريانة، وأنّه لا يلتفت فيه أحد إلى أحد، قالت فاطمة (عليها السلام): فقلت له: وا سوأتاه يومئذ من الله عزّ وجلّ، فما خرجت حتّى قال لي: هبط عليّ جبرئيل الروح الأمين (عليه السلام) فقال لي: يا محمّد اقرأ فاطمة

____________

1- مناقب ابن شهر آشوب، باب سيرتها 3: 343; البحار 43: 86.

2- مناقب ابن شهر آشوب، باب سيرتها 3: 343; البحار 43: 86; مسند الرضا 1: 143.

3- مناقب ابن شهر آشوب، باب سيرتها 3: 341; البحار 43: 85.


الصفحة 16
السلام وأعلمها أنّها استحيت من الله تبارك وتعالى فاستحى الله منها، فقد وعدها أن يكسوها يوم القيامة حُلَّيتين من نور، قال علي (عليه السلام): فقلت لها: فهلاّ سألتيه عن ابن عمّك؟ فقالت: قد فعلت، فقال: إنّ علياً أكرم على الله عزّ وجلّ من أن يعريه يوم القيامة(1).

8783/12 ـ عن علي [(عليه السلام)]: إن الله عزّوجلّ ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها(2).

8784/13 ـ عن علي [(عليه السلام)] قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يافاطمة إن الله ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك(3).

8785/14 ـ عن علي [(عليه السلام)]: والله ما من نبي إلاّ وولد الأنبياء غيري، وإن ابنيك سيدا شباب أهل الجنة إلاّ ابني الخالة يحيى وعيسى قاله لفاطمة(4).

8786/15 ـ عن علي [(عليه السلام)]: أنا وفاطمة والحسن والحسين مجتمعون، ومن أحبنا يوم القيامة نأكل ونشرب حتى يفرق بين العباد(5).

8787/16 ـ عن علي [(عليه السلام)]: إني وإياك وهذا الراقد ـ يعني علياً ـ والحسن والحسين يوم القيامة لفي مكان واحد(6).

____________

1- كشف الغمة، في فضائل فاطمة 2: 118; البحار 43: 55.

2- كنز العمال 12:111 ح34237.

3- كنز العمال 12:112 ح34238، ذخائر العقبى: 39.

4- كنز العمال 12:122 ح34294.

5- كنز العمال 12:98 ح34165.

6- كنز العمال 12:99 ح34172، ذخائر العقبى: 25.


الصفحة 17

الباب الثاني:

في تسميتها بفاطمة ومعنى البتول

8788/1 ـ محمّد بن جرير بن رستم الطبري، وأخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى، قال: أخبرني أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى القمّي، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن الحسين البغدادي، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد ابن عنبسة، قال: حدّثنا يحيى بن عيسى بن يحيى بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسين بن علي، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال:

سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّما سمّيت فاطمة فاطمة لأنّها فُطِمت هي وشيعتها وذريّتها من النار(1).

8789/2 ـ أبو علي السلامي في تاريخه، بإسناده عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي هريرة، قال علي (عليه السلام): إنّما سمّيت فاطمة لأنّ الله فطم من أحبّها من

____________

1- دلائل الامامة: 148 ح57.


الصفحة 18
النار(1).

8790/3 ـ محمّد بن جرير بن رستم الطبري، وحدّثني أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى التلعكبرى، قال: أخبرني أبو جعفر، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد ابن عيسى بن أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن أسباط، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن زياد القطّان، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن أسباط، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن زياد القطّان، قال: حدّثني أبو الطيّب أحمد بن محمّد بن عبد الله، قال: حدّثني عيسى بن جعفر بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، عن آبائه، عن عمر بن عليّ، عن أبيه علي (عليه السلام):

إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) سُئل عن البتول، وقيل له: سمعناك يا رسول الله تقول: مريم بتول وفاطمة بتول، فما ذاك؟ فقال: البتول التي لم تَرَ حمرة قط ـ أي لم تحض ـ فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء(2).

8791/4 ـ عن علي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لفاطمة: يافاطمة تدرين لم سميت فاطمة؟ قال علي: يارسول الله لم سميت فاطمة؟ قال: إن الله عزّوجلّ قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة(3).

8792/5 ـ عن علي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لفاطمة: يافاطمة تدرين لم سميت فاطمة؟ قال علي: يارسول الله لم سميت فاطمة؟ قال: إن الله عزّوجلّ قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة(4).

____________

1- مناقب ابن شهر آشوب، باب منزلتها عند الله 3: 330; البحار 43: 16; عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 46 ح174; مناقب عليّ بن أبي طالب: 65 ح92.

2- دلائل الامامة: 149 ح61; معاني الأخبار: 64; علل الشرايع: 181; احياء الاحياء 4: 212.

3- ذخائر العقبى: 26.

4- ذخائر العقبى: 26.


الصفحة 19

الباب الثالث:

في تزويجها سلام الله عليها

8793/1 ـ الخوارزمي: عن علي (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتاني ملك فقال: يا محمّد إنّ الله عزّ وجلّ يقرأ عليك السلام ويقول: قد زوّجت فاطمة من علي فزوّجها منه، وقد أمرت شجرة طوبى أن تحمل الدرّ والياقوت والمرجان، وإنّ أهل السماء قد فرحوا بذلك، وسيولد منهما ولدان سيّدا شباب أهل الجنّة، بهم يزين أهل الجنّة، فأبشر يا محمّد فإنّك خير الأوّلين والآخرين(1).

8794/2 ـ وعنه: عن اُمّ سلمة وسلمان الفارسي، وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وكلّ قالوا: إنّه لمّا أدركت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) مدرك النساء، خطبها أكابر قريش من أهل السابقة والفضل في الإسلام والشرف والمال، وكان كلّما ذكرها رجل من

____________

1- المناقب للخوارزمي: 342 ح363; ذخائر العقبى: 32; كشف الغمة، باب تزويج فاطمة 1: 262; تفسير البرهان 2: 295.


الصفحة 20
قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أعرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه بوجهه حتى كان الرجل منهم يظنّ في نفسه أنّ رسول الله ساخط عليه، أو قد نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه وحيٌ من السماء، ولقد خطبها من رسول الله أبو بكر الصديق، فقال له (صلى الله عليه وآله): أمرها إلى ربّها، وخطبها بعد أبو بكر عمر بن الخطاب، فقال له رسول الله كمقالته لأبي بكر، وإنّ أبا بكر وعمر كانا ذات يوم جالسين في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعهما سعد بن معاذ الأنصاري ثمّ الأوسي، فتذاكروا أمر فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله، فقال أبو بكر: لقد خطبها من رسول الله الأشراف فردّهم رسول الله وقال: أمرها إلى ربّها، إن شاء أن يزوّجها زوّجها، وأنّ عليّ بن أبي طالب لم يخطبها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يذكرها له ولا أراه يمنعه من ذلك إلاّ قلّة ذات اليد، وانّه ليقع في نفسي أنّ الله عزّ وجلّ ورسوله إنّما يحبسانها عليه، قال: ثمّ أقبل أبو بكر على عمر بن الخطاب وعلى سعد ابن معاذ، فقال: هل لكما في القيام إلى عليّ بن أبي طالب حتّى تذكرى له هذا؟ فإن منعه منه قلّة ذات اليد واسيناه وأسعفناه، فقال له سعد بن معاذ: وفّقك الله يا أبا بكر فما زلت موفقاً، قوموا بنا على بركة الله ويُمنه، قال سلمان الفارسي: فخرجوا من المسجد فالتمسوا علياً في منزله فلم يجدوه، وكان ينضح ببعير كان له الماء على نخل رجل من الأنصار باُجرة، فانطلقوا نحوه فلما رآهم نظر إليهم علي (عليه السلام) قال: ما وراءكم وما الذي جئتم له؟ فقال أبو بكر: يا أبا الحسن إنّه لم يبق خصلة من خصال الخير إلاّ ولك فيها سابقة وفضل، وأنت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمكان الذي قد عرفت من القرابة والصحبة والسابقة، وقد خطب الأشراف من قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إبنته فاطمة (عليها السلام) فردّهم وقال: أمرها إلى ربّها إن شاء أن يزوّجها زوّجها، فما يمنعك أن تذكرها لرسول الله وتخطبها منه، فإنّي أرجو أن يكون الله عزّ وجلّ ورسوله إنّما يحبسانها عليك، قال: فتغرغرت عينا علي (عليه السلام) بالدموع وقال: يا أبا بكر لقد هَيّجت

الصفحة 21
منّي ما كان ساكناً وأيقضتني لأمر كنت عنه غافلا، وبالله إنّ فاطمة لموضع رغبة، وما مثلي يقعد عن مثلها، غير أنّي يمنعني من ذلك قلّة ذات اليد. فقال له أبو بكر: لا تقل هذا يا أبا الحسن فإنّ الدنيا وما فيها عند الله تعالى وعند رسوله (صلى الله عليه وآله) كهباء منثور، قال: ثمّ إنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حلّ عن ناضحه وأقبل يقوده إلى منزله فشدّه فيه وأخذ نعله، وأقبل الى رسول الله فكان في منزل زوجته اُمّ سلمة إبنة أبي اُميّة بن المغيرة المخزومي، فدقّ عليّ (عليه السلام) الباب، فقالت اُمّ سلمة: من بالباب؟ فقال لها رسول الله قبل أن يقول علي أنا علي: قومي يا اُمّ سلمة فافتحي له الباب ومُريه بالدخول، فهذا رجلٌ يحبّه الله ورسوله ويحبّهما، فقالت اُمّ سلمة: فداك أبي واُمّي ومن هذا الذي تذكر فيه هذا وأنت لم تره؟ فقال: مَه يا اُمّ سلمة هذا رجل ليس بالخرق ولا بالنزق، هذا أخي وابن عمي وأحبّ الخلق إليّ.

قالت اُمّ سلمة: فقمت مبادرة أكاد أن أعثر بمرطي، ففتحت الباب فإذا أنا بعليّ ابن أبي طالب (عليه السلام)، والله ما دخل حين فتحت له حتّى علم أنّي قد رجعت إلى خدري، قالت: ثمّ إنّه دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): وعليك السلام يا أبا الحسن اُجلس، قالت اُمّ سلمة: فجلس عليّ بن أبي طالب بين يدي رسول الله وجعل يطرق إلى الأرض كأنّه قصد لحاجة وهو يستحي أن يبديها لرسول الله، فهو مطرق إلى الأرض حياءً من رسول الله، فقالت اُمّ سلمة: فكأنّ النبي علم ما في نفس علي (عليه السلام) فقال له: يا أبا الحسن إنّي أرى أنّك أتيت لحاجة فقل حاجتك وأبدِ ما في نفسك فكلّ حاجة لك عندي مقضيّة، قال علي (عليه السلام): فقلت: فداك أبي واُمّي إنّك تعلم أنّك أخذتني من عمك أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد وأنا صبيّ لا عقل لي، فغذّيتني بغذائك وأدّبتني بأدبك، فكنت لي أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد في البِرِّ

الصفحة 22
والشفقة، وإنّ الله تعالى هداني بك وعلى يديك واستنقذني ممّا كان عليه آبائي وأعمامي من الحيرة والشرك، وأنّك والله يا رسول الله ذُخري وذخيرتي في الدنيا والآخرة، يا رسول الله فقد أحببت مع ما قد شدّ الله من عضدي بك أن يكون لي بيت وأن تكون لي زوجة أسكن إليها وقد أتيتك خاطباً راغباً أخطب إليك إبنتك فاطمة فهل أنت مزوّجني يا رسول الله؟ قالت اُمّ سلمة فرأيت وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتهلّل فرحاً وسروراً، ثمّ تبسّم في وجه علي (عليه السلام) فقال: يا أبا الحسن فهل معك شيء اُزوّجك به؟ فقال له علي: فداك أبي واُمّي والله ما يخفى عليك من أمري شيء، أملك سيفي ودرعي وناضحي، وما أملك شيئاً غير هذا.

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أمّا سيفك فلا غناء بك عنه تجاهد به في سبيل الله وتقاتل به أعداءه، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكنّي قد زوّجتك بالدرع ورضيت بها منك.

يا أبا الحسن ءأبشرّك، قال علي (عليه السلام): فقلت: نعم فداك أبي واُمّي بشّرني فإنّك لم تزل ميمون النقيبة، مبارك الطائر، رشيد الأمر صلّى الله عليك، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): أبشر يا أبا الحسن فإنّ الله عزّ وجلّ قد زوّجكها في السماء من قبل أن اُزوّجكها في الأرض، ولقد هبط عليّ في موضعي من قبل أن تأتيني ملك من السماء له وجوه شتّى وأجنحة شتّى، لم أر قبله من الملائكة مثله، فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أبشر يا محمّد باجتماع الشمل وطهارة ا لنسل، فقلت: وما ذاك أيّها الملك؟ فقال: يا محمّد أنا سبطائيل الملك الموكّل بإحدى قوائم العرش، سألت ربّي عزّ وجلّ أن يأذن لي في بشارتك، وهذا جبرئيل في أثري يخبرك عن ربّك عزّوجلّ بكرامة الله عزّ وجلّ، قال النبي (صلى الله عليه وآله): فما استتمّ الملك كلامه حتّى هبط عليّ الأمين جبرئيل (عليه السلام) فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا نبيّ الله، ثمّ إنّه وضع في

الصفحة 23
يدي حريرة بيضاء من حرير الجنّة وفيها سطران مكتوبان بالنور، فقلت: حبيبي جبرئيل ما هذه الحريرة وما هذه الخطوط؟ فقال جبرئيل (عليه السلام): يا محمّد إنّ الله عزّوجلّ اطّلع إلى الأرض إطّلاعة فاختارك من خلقه وابتعثك برسالاته، ثم اطّلع الى الأرض ثانية فاختار لك منها أخاً ووزيراً وصاحباً وختناً، فزوّجه إبنتك فاطمة رضي الله عنها، فقلت: يا حبيبي جبرئيل من هذا الرجل؟ فقال لي: يا محمّد أخوك في الدنيا وابن عمّك في النسب عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ـ، وأن الله أوحى إلى الجنان أن تزخرفي فتزخرفت الجنان، وإلى شجرة طوبى أن احملي الحليّ والحلل، فحملت شجرة طوبى الحلي والحلل وتزخرفت الجنان وتزيّنت الحور العين، وأمر الله الملائكة أن تجتمع في السماء الرابعة عند البيت المعمور، قال (فهبط مَن فوقها إليها وصعد مَن تحتها إليها)، وأمر الله عزّ وجلّ رضوان فنصب منبر الكرامة على باب البيت المعمور، وهو المنبر الذي خطب فوقه آدم يوم علمه الله الأسماء وعرضهم على الملائكة، وهو منبر من نور، فأوحى الله إلى ملك من ملائكة حُجبه يُقال له راحيل أن يعلو ذلك المنبر وأن يحمده بمحامده ويمجّده بتمجيده، وأن يثني عليه بما هو أهله، وليس في الملائكة كلها أحسن منطقاً، ولا أحلى لغةً من راحيل الملك، فعلا المنبر وحمد ربّه ومجّده وقدّسه وأثنى عليه بما هو أهله، فارتجّت السماوات فرحاً وسروراً.

قال جبرئيل: ثمّ أوحى الله إليّ أن أعقد عقدة النكاح فإنّي قد زوّجت أمتي فاطمة أبنة حبيبي محمّد من عبدي عليّ بن أبي طالب، فعقدت عقدة النكاح، وأشهد على ذلك الملائكة أجمعين، وكتبت شهادتهم في هذه الحريرة، وقد أمرني ربّي عزّ وجلّ أن أعرضها عليك وأن أختمها بخاتم مسك أبيض، وأن أدفعها إلى رضوان خازن الجنان، وأنّ الله عزّ وجلّ لما أن أشهد على تزويج فاطمة من علي (عليه السلام)، أمر شجرة طوبى أن تنثر حملها وما فيها من الحليّ والحلل فنثرت ما فيها

الصفحة 24
والتقطته الملائكة والحور العين، وأنّ الحور العين ليتهادَينَهُ ويفخرن به إلى يوم القيامة، يا محمّد وإنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن آمرك أن تزوّج عليّاً فاطمة وتبشّرهما بغلامين زكيين نجيبين طاهرين طيّبين خيّرين فاضلين في الدنيا والآخرة.

يا أبا الحسن فوالله ما خرج ملك من عندي حتّى دققتَ الباب، ألا وإنّي منفّذ فيك أمر ربّي عزّ وجلّ امض يا أبا الحسن أمامي فإنّي خارج إلى المسجد ومزوّجك على رؤوس الناس، وذاكر من فضلك ما تقرّ به عينك وأعين محبّيك في الدنيا والآخرة.

قال علي (عليه السلام): فخرجت من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسرعاً وأنا لا أعقل فرحاً وسروراً، فاستقبلني أبو بكر وعمر وقالا لي: ما وراءك يا أبا الحسن؟ فقلت: زوّجني رسول الله إبنته فاطمة وأخبرني أنّ الله عزّ وجلّ زوّجنيها في السماء، وهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) خارج في أثري ليظهر ذلك بحضرة الناس، ففرحا بذلك فرحاً شديداً ورجعا معي إلى المسجد فوالله ما توسّطناه حيناً حتى لحق بنا رسول الله وأنّ وجهه ليتهلّل سروراً وفرحاً، وقال: أين بلال فأجابه فقال: لبّيك يا رسول الله، قال: اجمع إليّ المهاجرين والأنصار، فانطلق بلال لأمر رسول الله، وجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) قريب من منبره حتّى اجتمع الناس، ثمّ رقى على درجة من المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: معاشر المسلمين إنّ جبرئيل أتاني آنفاً فأخبرني عن ربّي عزّوجلّ بأنّه جمع الملائكة عند البيت المعمور وأنّه أشهدهم جميعاً أنّه زوّج أمته فاطمة إبنة رسول الله من عبده عليّ بن أبي طالب، وأمرني أن اُزوّجه في الأرض واُشهدكم على ذلك، ثمّ جلس وقال لعلي (عليه السلام): قُم يا أبا الحسن فاخطب أنت لنفسك، قال: فقام فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي وقال: الحمد لله شكراً لأنعمه وأياديه، ولا إله إلاّ الله شهادة تبلغه وتُرضيه، وصلّى الله على محمّد صلاةً

الصفحة 25
تزلفه وتحظيه، والنكاح ممّا أمر الله به ورضيه، ومجلسُنا هذا ممّا قضاه الله ورضيه وأذن فيه، وقد زوّجني رسول الله (صلى الله عليه وآله) إبنته فاطمة وجعل صداقها درعي هذا، وقد رضيت بذلك فاسألوه واشهدوا.

فقال المسلمون لرسول الله (صلى الله عليه وآله): زوّجته يا رسول الله؟ فقال: نعم، فقالوا: بارك الله لهما وعليهما وجمع شملهما، وانصرف رسول الله إلى أزواجه فأمرهنّ أن يَدفِفنَ لفاطمة، فضرَبنَ بالدفوف، قال علي (عليه السلام): فأقبل رسول الله فقال: يا أبا الحسن انطلق الآن فَبِع درعك وأتني بثمنه حتّى اُهيّئ لك ولابنتي فاطمة ما يصلحكما، قال علي: فانطلقت به إلى السوق وبعتُهُ بأربعمائة درهم سود هجرية، من عثمان بن عفّان، فلمّا قبضت الدراهم وقبض الدرع، قال: يا أبا الحسن ألست أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم منّي؟ فقلت: بلى، قال: فإنّ الدرع هدية منّي إليك، فأخذت الدرع والدراهم وأقبلت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فطرحت الدراهم والدرع بين يديه وأخبرته بما كان من أمر عثمان، فدعا له بخير، وقبض رسول الله قبضة من الدراهم ودعا بأبي بكر فدفعها إليه، وقال: يا أبا بكر اشتر بهذه الدراهم لابنتي ما يصلح لها في بيتها، وبعث معه سلمان الفارسي وبلالا ليعيناه على حمل ما يشتريه، قال أبو بكر: وكانت الدراهم التي دفعها إليّ رسول الله ثلاثة وستين درهماً، فانطلقت إلى السوق واشتريت فراشاً من خيش مصر محشوّاً بالصوف، ونطعاً من أدم ووسادة من أدم محشوة ليف النخل، وعَباة خيبريّة، وقربة للماء وكيزاناً وجراراً، ومطهرة للماء، وستر صوف رقيقاً، وحملناه جميعاً حتّى وضعناه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلمّا نظر إليه بكى وجرت دموعه ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال: اللّهمّ بارك لقوم جلّ آنيتهم الخزف.

قال علي (عليه السلام): ودفع رسول الله باقي ثمن الدرع إلى اُمّ سلمة وقال: اُتركي هذه

الصفحة 26
الدراهم عندك، ومكثتُ بعد ذلك شهراً لا اُعاود رسول الله في أمر فاطمة (عليها السلام) بشيء استحياءً من رسول الله غير انّي إذا خلوت برسول الله قال لي: يا أبا الحسن ما أحسن زوجتك وأجملها، أبشر يا أبا الحسن فقد زوّجتك سيدة نساء العالمين. قال علي: فلما كان بعد شهر، دخل عليّ أخي عقيل بن أبي طالب فقال: والله يا أخي ما فرحت بشيء كفرحي بتزويجك فاطمة بنت محمّد، يا أخي فما بالك لا تسأل رسول الله أن يدخلها عليك فتُقرّ أعيننا باجتماع شملكما؟ فقلت: والله يا أخي إنّي لأحبّ ذلك وما يمنعني من مسألته إلاّ الحياء منه (صلى الله عليه وآله)، فقال: أقسمت عليك إلاّ قمت معي، فقمنا نريد رسول الله، فلقينا في طريقنا اُمّ أيمن مولاة رسول الله فذكرنا ذلك لها، فقالت: لا تفعل ودَعنا نحن نكلّمه فإنّ كلام النساء في هذا الأمر أحسن وأوقع بقلوب الرجال، ثمّ انثنت راجعة فدخلت على اُمّ سلمة فأعلمتها بذلك وأعلمت نساء النبي، فاجتمعن عند رسول الله في بيت عائشة، فأحدقن به وقلن فديناك بآبائنا واُمّهاتنا يا رسول الله قد اجتمعنا لأمر لو أنّ خديجة في الأحياء لقرّت بذلك عينها، قالت اُمّ سلمة: فلمّا ذكرنا خديجة بكى رسول الله ثمّ قال: وأين مثل خديجة، صدّقتني حين كذّبني الناس، وآزرتني على ديني وأعانتني عليه بمالها، إنّ الله عزّوجلّ أمرني أن اُبشّر خديجة ببيت في الجنّة من قصب الزمرد لا صخب فيه ولا نصب.

قالت اُمّ سلمة: فقلنا فديناك بآبائنا واُمّهاتنا يا رسول الله إنّك لم تذكر من خديجة أمراً إلاّ وقد كانت كذلك غير أنّها قد مضت إلى ربّها فهنّاها الله بذلك وجمع بيننا وبينها في درجات جنّته ورضوانه ورحمته، يا رسول الله هذا أخوك في الدنيا وابن عمّك في النسب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يحبّ أن تدخل عليه زوجته فاطمة (عليها السلام) وتجمع بها شمله، فقال: يا اُمّ سلمة فما بال علي لا يسألني ذلك؟ فقلت:


الصفحة 27
يمنعه الحياء منك يا رسول الله، قالت اُمّ أيمن: فقال لي: انطلقي إلى علي فأتني به، فخرجت من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا أنا بعلي ينتظرني ليسألني عن جواب رسول الله، فلمّا رآني قال: ما وراءك يا اُمّ أيمن؟ قلت: أجب رسول الله، قال: فدخلت عليه وقمن أزواجه فدخلن البيت، وأقبلت فجلست بين يديه مطرقاً نحو الأرض حياءً منه، فقال: أتحبّ أن تدخل عليك زوجتك؟ فقلت وأنا مطرق: نعم فداك أبي واُمّي، فقال: نِعمٌ وكرامة يا أبا الحسن أدخلها عليك في ليلتنا هذه أو في ليلة غد إن شاء الله.

فقمت فرحاً مسروراً، وأمر أزواجه أن يزيّنّ فاطمة (عليها السلام) وطيّبنها ويفرشن لها بيتاً ليدخلنها على بعلها، ففعلن ذلك وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الدراهم التي سلّمها إلى اُمّ سلمة عشرة دراهم فدفعها إلى علي (عليه السلام) و قال: اشتر سمناً وتمراً وإقطاً، فاشتريت وأقبلت به إلى رسول الله، فحسر عن ذراعيه ودعا بسفرة من أدم وجعل يشدّخ التمر والسمن وجعل يخلطه بالأقط حتّى اتخذه حيساً، ثمّ قال: يا علي اُدع من أحببت، فخرجت إلى المسجد وأصحاب رسول الله متوافرون، فقلت: أجيبوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقاموا جميعاً وأقبلوا نحو النبي فأخبرته أنّ القوم كثير، فجلّل السفرة بمنديل وقال: أدخل عليّ عشرة بعد عشرة ففعلت وجعلوا يأكلون ويخرجون والسفرة لا ينقص ما عليها، حتّى لقد أكل من ذلك الحيس تسعمائة رجل وامرأة ببركة يده (صلى الله عليه وآله).

قالت اُمّ سلمة: ثمّ دعا بنته فاطمة (عليها السلام) ودعا بعليّ (عليه السلام) فأخذ علياً بيمينه وفاطمة بشماله وجمعهما إلى صدره فقبّل بين أعينهما ودفع فاطمة إلى علي وقال: ياعلي نعم الزوجة زوّجتك، ثمّ أقبل على فاطمة وقال: يا فاطمة نعم البعل بعلك، ثمّ قام معهما يمشي بينهما حتّى أدخلهما بيتهما الذي هيّئ لهما، ثمّ خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب فقال: طهرّكما الله وطهّر نسلكما، أنا سلمٌ لمن سالمكما أنا حربٌ لمن

الصفحة 28
حاربكما، استودعكما الله واستخلفه عليكما. قال علي (عليه السلام): ومكث رسول الله بعد ذلك ثلاثاً لا يدخل علينا، فلما كان في صبيحة اليوم الرابع جاءنا ليدخل علينا فصادف في حجرتنا أسماء بنت عميس الخثعمية، فقال لها: ما يَقِفك هاهنا وفي الحجرة رجل؟ فقالت له: فداك أبي واُمّي إنّ الفتاة إذا زفّت إلى زوجها تحتاج إلى امرأة تتعاهدها وتقوم بحوائجها، فأقمت هاهنا لأقضي حوائج فاطمة (عليها السلام) وأقوم بأمرها، فتغرغرت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدموع وقال: يا أسماء قضى الله لك حوائج الدنيا والآخرة.

قال علي (عليه السلام): وكانت غداة قرّةً، وكمنت أنا وفاطمة تحت العباء فلما سمعنا كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأسماء ذهبنا لنقوم، فنظر إلينا رسول الله فقال: بحقّي عليكما لا تفترقا حتّى أدخل عليكما، فرجعنا إلى ما لنا، ودخل (صلى الله عليه وآله) وجلس عند رؤوسنا وأدخل رجليه فيما بيننا، وأخذت رجله الُيمنى فضممتها إلى صدري وأخذت فاطمة رجله اليُسرى فضمّتها إلى صدرها وجعلنا نُدّفي رجليه من القُر حتّى إذا دُفِيتا، قال: يا علي ائتني بكوز من ماء فأتيته فتفل فيه ثلاثاً وقرأ عليه آيات من كتاب الله تعالى، ثمّ قال: يا علي اشربه واترك فيه قليلا، ففعلت ذلك فرشّ باقي الماء على رأسي وصدري وقال: أذهب الله عنك الرجس يا أبا الحسن وطهّرك تطهيراً، وقال: آتني بماء جديد فأتيته به ففعل كما فعل وسلّمه إلى إبنته (عليها السلام) وقال لها: اشربي واتركي منه قليلا، ففعلت فرشّه على رأسها وصدرها، وقال: أذهب الله عنك الرجس وطهّرك تطهيراً، وأمرني بالخروج من البيت وخلا بابنته وقال: كيف أنت يا بنيّة وكيف رأيتِ زوجك؟ قالت له: يا أبة خير زوج إلاّ أنّه دخل عليّ نساء من قريش وقلن لي: زوّجك رسول الله من فقير لا مال له، فقال لها: يا بنيّة ما أبوك بفقير ولا بعلك بفقير ولقد عُرضت عليّ خزائن الأرض من الذهب والفضّة فاخترت ما عند الله

الصفحة 29
ربّي عزّ وجلّ، يا بنيّة لو تعلمين ما علم أبوك لَسَمجَتِ الدنيا في عينيك، والله يا بنيّة ما آلوَنكِ نصحاً أن زوّجتك أقدمهم سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً، يا بنيّة إنّ الله عزّ وجلّ اطّلع إلى الأرض إطّلاعة فاختار من أهلها رجلين، فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك.

يا بنيّة نعم الزوج زوجك لا تعصي له أمراً، ثمّ صاح بي رسول الله: يا علي، فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال: اُدخل بيتك والطف بزوجتك وارفق بها، فإنّ فاطمة بضعةٌ منّي يؤلمني ما يؤلمها ويسرّني ما يسرّها استودعكما الله واستخلفه عليكما، قال علي (عليه السلام): فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها من بعد ذلك على ما أمر حتّى قبضها الله عزّ وجلّ إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، وقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان، قال علي (عليه السلام): ثمّ قام رسول الله لينصرف، فقالت له فاطمة: يا أبة لا طاقة لي بخدمة البيت فاخدمني خادماً يخدمني ويعينني على أمر البيت، فقال لها: يا فاطمة أيما أحبّ إليك، خادم أو خير من الخادم؟ فقال عليّ: قولي: خير من الخادم، قالت: يا أبة خير من الخادم، فقال: تسبّحين الله عزّ وجلّ في كل يوم ثلاثاً وثلاثين مرّة، وتحمدينه ثلاثاً وثلاثين مرّة وتكبّرينه أربعاً وثلاثين مرّة، فذلك مائة باللسان وألف حسنة في الميزان، يا فاطمة إنّك إن قلتيها في صبيحة كلّ يوم كفاك الله ما أهمّك من أمر الدنيا والآخرة(1).

8795/3 ـ عن علي (عليه السلام) قال:

خطب أبو بكر و عمر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأبى رسول الله عليهما، فقال عمر: أنت لها يا علي، فقال: ما لي من شيء إلاّ درعي أرهنها، فزوّجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة، فلما بلغ ذلك فاطمة ـ سلام الله عليها ـ بكت، قال: فدخل عليها رسول الله

____________

1- المناقب للخوارزمي: 342 ح364; كشف الغمة، باب تزويج فاطمة 1: 363; البحار 43: 124.


الصفحة 30
فقال: ما لكِ تبكين يا فاطمة، فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علماً وأفضلهم حلماً، وأوّلهم سلماً(1).

8796/4 ـ الحاكم النيسابوري، حدّثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، وأبو بكر بن بالويه، قال الشيخ أبو بكر: أنبأ، وقال ابن بالويه، ثنا محمّد بن أحمد بن النضر، ثنا معاوية بن عمرو، ثنا زائدة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي (رضي الله عنه)قال:

جهّز رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاطمة رضي الله عنها في خميل وقربة ووسادة من أدم، حشوها ليف(2).

8797/5 ـ عن مجاهد، عن علي (عليه السلام) قال:

خُطِبَتْ فاطمة (عليها السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت مولاة لي: هل علمت أنّ فاطمة قد خُطِبت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قلت: لا، فقالت: قد خُطِبَت فما يمنعك أن تأتي رسول الله فيزوّجك؟ فقلت: وهل عندي شيء أتزوّج به، فقالت: إنّك إن جئت إلى رسول الله زوّجك، فوالله ما زالت ترجّيني حتّى دخلت على رسول الله وكانت له جلالة وهيبة، فلما قعدت بين يديه (صلى الله عليه وآله) اُفحمتُ فوالله ما استطعت أن أتكلّم، فقال: ما جاء بك ألك حاجة؟ فسكتُّ فقال: لعلّك جئت أن تخطب فاطمة؟ قلت: نعم، قال: فهل عندك من شيء تستحلّها به؟ قلت: لا والله يا رسول الله، فقال: ما فعلت الدرع التي (سلحتكها)؟ فقلت: عندي والذي نفسي بيده إنّها لحطمية، وما ثمنها إلاّ أربعمائة درهم، قال: قد زوّجتكها فابعث بها، فإنها كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3).

____________

1- كشف الغمه، باب تزويج فاطمة 1: 374; كنز العمال 13: 114 ح36370.

2- مستدرك الحاكم 2: 185; ذخائر العقبى: 34.

3- كشف الغمة، باب تزويج فاطمة 1: 374; البحار 43: 118; سنن البيهقي 7: 234; ذخائر العقبى: 27; مناقب الخوارزمي: 335 ح356.