الصفحة 223

الباب الثالث:

في العلوم المادية

9100/1 ـ الطبرسي: باسناده عن أبي محمد العسكري، عن علي بن الحسين زين العابدين (عليهم السلام) أنه قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) قاعداً ذات يوم، فأقبل اليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة والطب، فقال له: ياأبا الحسن بلغني خبر صاحبك وأن به جنوناً وجئت لاُعالجه، فلحقته قد مضى لسبيله وفاتني ما أردت من ذلك، وقد قيل لي انك ابن عمه وصهره، وأرى بك صفاراً قد علاك وساقين دقيقين ما أراها تقلانك، فأما الصفار فعندي دواؤه، وأما الساقان الدقيقان فلا حيلة لي لتغليظهما، والوجه أن ترفق بنفسك في المشي تقلله ولا تكثره، وفيما تحمله على ظهرك وتحتضنه بصدرك أن تقللهما ولا تكثرها، فان ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما، وأما الصفار فدواؤه عندي وهو هذا.

وأخرج دواءه وقال: هذا لا يؤذيك ولا يخيسك، ولكنه تلزمك حمية من اللحم أربعين صباحاً ثم يزيل صفارك.


الصفحة 224
فقال له علي (عليه السلام): قد ذكرت نفع هذا الدواء لصفاري، فهل تعرف شيئاً يزيد فيه ويضره؟

فقال الرجل: بل حبة من هذا ـ وأشار إلى دواء معه ـ وقال: إن تناوله انسان وبه صفاراً أماته من ساعته، وان كان لا صفار به صار به صفار حتى يموت في يومه.

فقال علي (عليه السلام): فأرني هذا الضار فأعطاه إياه، فقال كم قدر هذا؟ قال: قدره مثقالين سم ناقع، قدر كل حبة منه يقتل رجلا، فتناوله علي فقمحهُ وعرق عرقاً خفيفاً، وجعل الرجل يرتعد ويقول في نفسه: ألان أؤخذ بابن أبي طالب، ويقال قتلته ولا يقبل مني قولي أنه هو الجاني على نفسه.

فتبسم علي (عليه السلام) وقال: ياعبدالله أصحّ ما كنت بدناً الآن لم يضرني ما زعمت أنه سم ثم قال: فغمض عينيك، فغمض ثم قال افتح عينيك ففتح نظر إلى وجه علي فاذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة، فارتعد الرجل لما رآه، وتبسم عليّ وقال أين الصفار الذي زعمت أنه بي؟ فقال والله لكأنك لست من رأيت، قبل كنت مضاراً فانت الآن مورد، فقال علي (عليه السلام): فزال عني الصفار الذي تزعم أنه قاتلي.

وأمّا ساقاي هاتان ومدّ رجليه وكشف عن ساقيه فانك زعمت أني أحتاج إلى أن أرفق ببدني في حمل ما أحمل عليه، لئلا ينقصف الساقان، وأنا أريك أنّ طبّ الله عزوجل خلاف طبّك، وضرب بيده إلى اسطوانة خشب عظيمة، على رأسها بسطح مجلسه الذي هو فيه، وفوقه حجرتان، إحداهما فوق الاُخرى، وحرّكها فاحتملها فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان، فغشي على اليوناني. فقال علي (عليه السلام) صبّوا عليه ماءً، فصبّوا عليه ماءً، فأفاق وهو يقول: والله ما رأيت كاليوم عجباً. فقال له علي (عليه السلام): هذه قوّة الساقين الدقيقين واحتمالهما، أفي طبّك هذا يا يوناني؟


الصفحة 225
فقال اليوناني: أمثلك كان محمد؟

قال علي (عليه السلام): وهل علمي إلاّ من علمه؟ وعقلي إلاّ من عقله؟ وقوتي إلاّ من قوته؟ ولقد أتاه ثقفي وكان أطب العرب، فقال له: إن كان بك جنون داويتك.

فقال له محمد (صلى الله عليه وآله): أتحب أن أريك آية تعلم بها غناي من طبك وحاجتك إلى طبي؟ قال: نعم، قال: أي آية تريد؟ قال: تدعو ذلك العذق ـ وأشار إلى نخلة سحوق ـ فدعاها فانقلع أصلها من الأرض وهي تخدّ الأرض خداً حتى وقفت بين يديه، فقال له: اكفاك؟ قال لا قال: فتريد ماذا؟ قال: تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت منه وتستقر في مقرها الذي انقلعت منه، فأمرها فرجعت واستقرت في مقرها.

فقال اليوناني لأمير المؤمنين: هذا الذي تذكره عن محمد (صلى الله عليه وآله) غائب عني وأنا اريد أن أقتصر منك على أقل من ذلك، أتباعد عنك فادعني وأنا لا أختار الاجابة، فان جئت بي اليك فهي آية.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنما يكون آية لك وحدك لأنه تعلم من نفسك أنك لم ترده واني أزلت اختيارك من غير أن باشرت مني شيئاً أو ممن أمرته بأن يباشرك أو ممن قصد إلى اختيارك وان لم آمره إلاّ ما يكون من قدرة الله القاهرة، وأنت يايوناني يمكنك أن تدعي ويمكن غيرك أن يقول: إني واطأتك على ذلك، فاقترح إن كنت مقترحاً ما هو آية لجميع العالمين.

قال له اليوناني: إن جعلت الاقتراح إليّ فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة وتفرقها وتباعد ما بينها ثم تجمعها وتعيدها كما كانت.

فقال علي (عليه السلام) هذه الآية وأنت رسولي اليها ـ يعني إلى النخلة ـ فقل لها إن وصي محمد رسول الله يأمر أجزاءك أن تتفرق وتتباعد، فذهب فقال لها ذلك، وتفاصلت وتهافتت وتنثرت وتصاغرت أجزاؤها حتى لم ير لها عين ولا أثر، حتى

الصفحة 226
كأن لم تكن هناك نخلة قط. فارتعدت فرائص اليوناني وقال: ياوصي محمد رسول الله قد أعطيتني اقتراحي الأول، فاعطني الآخر، فأمرها أن تجتمع وتعود كما كانت، فقال: أنت رسولي اليها فعد وقل لها ياأجزاء النخلة إن وصي محمد رسول الله يأمرك أن تجتمعي كما كانت وأن تعودي، فنادى اليوناني فقال ذلك، فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور، ثم جعلت تجتمع جزء جزء منها، حتى تصور لها القضبان والأوراق، وأصول السعف وشماريخ الأعذاق، ثم تألفت، وتجمعت، واستطالت، وعرضت، واستقر أصلها في مقرها، وتمكن عليها ساقها، وتركب على الساق قضبانها، وعلى القضبان أوراقها، وفي أمكنتها أعذاقها، وكانت في الابتداء شماريخها متجردة لبعدها من أوان الرطب، والبسر، والخلال.

فقال اليوناني: واُخرى أحب أن تخرج شماريخها خلالها، وتقلبها من خضرة إلى صفرة وحمرة، وترطيب وبلوغ إناه، لتأكل وتطعمني ومن حضرك منها.

فقال علي (عليه السلام): أنت رسولي اليها بذلك فمرها به.

فقال لها اليوناني: ما أمره أمير المؤمنين فأخلت، وأبسرت، واصفرت واحمرت، وترطبت، وثقلت أعذاقها برطبها، فقال اليوناني: واُخرى أحبها أن تقرب من بين يدي أعذاقها، أو تطول يدي لتناولها، وأحب شيء إلي أن تنزل إلي إحداهما، وتطول يدي إلى الاُخرى التي هي اُختها.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): مدّ اليد التي تريد أن تنالها وقل يامقرب البعيد قرب يدي منها، واقبض الاُخرى التي تريد أن ينزل العذق اليها وقل: يامسهل العسير، سهل لي تناول ما يبعد عني منها، ففعل ذلك وقاله، فطالت يمناه فوصلت إلى العذق، وانحطت الأعذاق الاُخر فسقطت على الأرض وقد طالت عراجينها، ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنك إن أكلت منها ولم تؤمن بمن أظهر لك عجائبها عجل الله عزوجل اليك من العقوبة التي يبتليك بها ما يصبر به عقلاء خلقه وجهالهم فقال اليوناني: إني

الصفحة 227
إن كفرت بعد ما رأيت فقد بالغت في العناد، وتناهيت في التعرض للهلاك، أشهد أنك من خاصة الله، صادق في جميع أقاويلك عن الله، فامرني بما تشاء أطعك.

قال علي (عليه السلام): آمرك أن تقر لله بالوحدانية، وتشهد له بالجود والحكمة وتنزهه عن العبث والفساد، وعن ظلم الإماء والعباد، وتشهد أنّ محمداً الذي أنا وصيه سيد الأنام، وأفضل رتبة في دار السلام، وتشهد أن علياً الذي أراك ما أراك، وأولاك من النعم ما أولاك، خير خلق الله بعد محمد رسول الله، وأحق خلق الله بمقام محمد (صلى الله عليه وآله) بعده، بالقيام بشرايعه وأحكامه، وتشهد أنّ أوليائه أولياء الله، وأعدائه أعداء الله وأن المؤمنين المشاركين لك فيما كلفتك، المساعدين لك على ما به أمرتك، خيرة اُمة محمد (صلى الله عليه وآله) وصفوة شيعة علي. وآمرك أن تواسي اخوانك المطابقين لك على تصديق محمد (صلى الله عليه وآله)، وتصديقي والانقياد له ولي، مما رزقك الله وفضلك على من فضلك به منهم، تسد فاقتهم وتجبر كسرهم وخلتهم، ومن كان منهم في درجتك في الايمان ساويته من مالك بنفسك، ومن كان منهم فاضلا عليك في دينك آثرته بمالك على نفسك، حتى يعلم الله منك أن دينه آثر عندك من مالك، وأن أوليائه أكرم عليك من أهلك وعيالك.

وآمرك أن تصون دينك، وعلمنا الذي أودعناك، وأسرارنا التي حملناك، ولا تبد علومنا لمن يقابلها بالعناد، ويقابلك من أجلها بالشتم، واللعن، والتناول من العرض والبدن، ولا تفش سرّنا إلى من يشنع علينا عند الجاهلين بأحوالنا، ولا تعرض أولياءنا لبوادر الجهال.

وآمرك أن تستعمل التقية في دينك، فان الله عزوجل يقول: {لاَ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُوْنَ الْكَافِرِيْنَ أَوْلِيَاءَ مِن دُوْنِ المُؤمْنِيْنَ وَمَن يَّفْعَل ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيء إِلاَّ أَنْ تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}(1) وقد أذنت لك في تفضيل أعدائنا إن لجأك الخوف اليه، وفي إظهار

____________

1- آل عمران: 28.


الصفحة 228
البرائة منا إن حملك الوجل اليه عليه، في ترك الصلاة المكتوبات إن خشيت على حشاشتك الآفات والعاهات، فإن تفضيلك أعداءنا علينا عند خوفك، لا ينفعهم ولا يضرنا، وإن إظهارك برائتك منّا عند تقيتك، لا يقدح فينا ولا ينقصنا، ولئن تبرأت منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها، وما لها الذي به قيامها، وجاهها الذي به تماسكها، وتصون من عرف بذلك وعرفت به من أوليائنا واخواننا وأخواتنا من بعد ذلك بشهور وسنين، إلى أن يفرج الله تلك الكربة، وتزول به تلك الغمة، فإن ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك، وتنقطع به عن عمل الدين وصلاح اخوانك المؤمنين.

وإياك ثم إياك أن تترك التقية إني أمرتك بها، فانك شائط بدمك ودم اخوانك، معرض لنعمتك ونعمهم للزوال، مذل لك ولهم في أيدي أعداء دين الله، وقد أمرك الله بإعزازهم، فانك إن خالفت وصيتي كان ضررك على نفسك واخوانك أشد من ضرر المناصب لنا الكافر بنا(1).


تبيين:

يقول مؤلف هذا الكتاب حسن علي القبانچي ـ عفى الله عنه ـ كتبت هذه المحاججة وأنا غير وثيق من صحتها وصدورها عن الامام علي (عليه السلام) لما فيها وما فيها من صفات لا تتناسب ومقام الامام (عليه السلام) من اصفرار الوجه ودقة الساقين وعظم البطن وغير ذلك مما وصفه الاُميّون من تشويه صورة الامام (عليه السلام) والطعن فيه لينفروا الناس عنه، وإلاّ فالامام أرفع وأسمى من أن يوصف بهذه الصفات وإنما دوّناها جرياً وتبعاً للعلماء والمؤرخين لها والله أعلم بالصواب.


9101/2 ـ الطبرسي: عن سعيد بن جبير، قال: استقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) دهقان من دهاقين الفرس فقال له بعد التهنئة: ياأمير المؤمنين تناحست النجوم الطالعات،

____________

1- احتجاج الطبرسي 1:547 ح134، البحار 10:70، تفسير الامام العسكري: 170.


الصفحة 229
وتناحست السعود بالنحوس، وإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء، ويومك هذا صعب، قد اتصلت فيه كوكبان، وانقدح من برجك النيران، وليس لك الحرب بمكان.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ويحك يادهقان المنبئ بآثار والمحذر من الأقدار، ما قصة صاحب الميزان؟ وقصة صاحب السرطان؟ وكم الطالع من الأسد والساعات في المحركات؟ وكم بين السراري والذراري؟

قال: سأنظر، وأومى بيده إلى كمّه وأخرج منه اصطرلاباً ينظر فيه، فتبسم علي (عليه السلام) وقال: أتدري ما حدث البارحة؟ وقع بيت بالصين، وانفرج برج ماجين، وسقط سور سرنديب، وانهزم بطريق الروم بإرمينية، وفُقِد ديان اليهود بأبلة وهاج النمل بوادي النمل، وهلك ملك إفريقية، أكنت عالماً بهذا؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): البارحة سعد سبعون ألف عالم، وولد في كل عالم سبعون ألفاً، والليلة يموت مثلهم، وهذا منهم وأومئ بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي (لعنه الله) وكان جاسوساً للخوارج في عسكر أمير المؤمنين، فظن الملعون أنه يقول: خذوه فأخذ بنفسه فمات، فخر الدهقان ساجداً، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ألم أردك من عين التوفيق؟ قال: بلى ياأمير المؤمنين، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا وأصحابي لا شرقيون ولا غربيون، نحن ناشئة القطب وأعلام الفلك.

وأما قولك: انقدح من برجك النيران، فكان الواجب عليك أن تحكم لي به لا علي، وأما نوره وضياؤه فعندي، وأما حريقه ولهبه فذاهب عني، وهذه مسألة عميقة إحسبها إن كنت حاسباً(1).

9102/3 ـ عن علي (عليه السلام): من اقتبس علماً من علم النجوم من حملة القرآن ازداد

____________

1- احتجاج الطبرسي 1:558 ح135، البحار 55:221.


الصفحة 230
به إيماناً ويقيناً، ثم تلا هذه الآية: {إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}(1) الآية(2).

9103/4 ـ أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن مفضل ابن صالح، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: سبّ الناس هذه الدابة التي تكون في الطعام، فقال علي (عليه السلام): لا تسبوها فوالذي نفسي بيده لولا هذه الدابة لخزنوها عندهم، كما يخزنون الذهب والفضة(3).

9104/5 ـ ابن شهر آشوب: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الصنعة ما هي؟ فقال: هي اُخت النبوة، وعصمة المروة، والناس يتكلمون فيها بالظاهر، وأني لأعلم ظاهرها وباطنها، هي والله ما هي إلاّ ماء جامد، وهواء راكد، ونار جائلة، وأرض سائلة(4).

9105/6 ـ ابن شهر آشوب: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) في أثناء خطبته هل الكيمياء يكون؟ فقال: كان وهو كائن وسيكون، فقيل من أي شيء هو؟ فقال: انه من الزيبق والرجراج، والأسرب والزاج، والحديد المزعفر، وزنجار النحاس الأخضر الحبور، إلاّ توقف على عابرهن، فقيل: فهمنا لا يبلغ إلى ذلك؟ فقال: اجعلوا البعض أرضاً واجعلوا البعض ماءً وافلحوا الأرض بالماء وقد تم، فقيل: ياأمير المؤمنين زدنا، فقال: لا زيادة فان الحكماء القدماء ما زادوا عليه كيما يتلاعب به الناس(5).

9106/7 ـ ابن شهر آشوب: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب سائل: أما الزوجان الذي لابد لأحدهما من صاحبه ولا حياة لهما فالشمس والقمر، وأما النور الذي ليس من الشمس ولا من القمر ولا النجوم ولا المصابيح فهو عمود أرسله الله تعالى لموسى (عليه السلام) في التيه، وأما الساعة التي ليس من الليل ولا من النهار، فهي الساعة

____________

1- يونس: 6.

2- ربيع الأبرار 1:117، فرج المهموم (ابن طاووس): 112، البحار 58:254.

3- المحاسن 2:34 ح1108، البحار 103:88.

4- مناقب ابن شهر آشوب باب المسابقة بالعلم 2:52، البحار 40:168.

5- مناقب ابن شهر آشوب باب المسابقة بالعلم 2:52، البحار 40:168.


الصفحة 231
التي قبل طلوع الشمس، وأما الابن الذي أكبر من أبيه وله ابن أكبر منه فهو عزير بعثه الله وله أربعون سنة ولابنه مائة وعشر سنين، وما لا قبلة له فالكعبة، وما لا أب له فالمسيح، وما لا عشيرة له فآدم(1).

____________

1- مناقب ابن شهر آشوب باب قضاياه (عليه السلام) في خلافته 2:385، البحار 10:87.


الصفحة 232

الباب الرابع:

في متشابه القرآن

9107/1 ـ الطبرسي: جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقال له: لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم.

فقال له علي (عليه السلام): وما هو؟

قال: قاله تعالى: {نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ}(1) وقوله: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نُسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا}(2) وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً}(3) وقوله: {يَوْمَ يَقُوْمُ الرُّوْحُ وَالْمَلاَئِكَةَ صَفّاً لاَ يَتَكَلَّمُوْنَ إِلاَّ مَن أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً}(4) وقوله: {وَاللهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}(5) وقوله تعالى: {يَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْض وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ

____________

1- التوبة: 67.

2- الأعراف: 51.

3- مريم: 64.

4- النباء: 38.

5- الأنعام: 23.


الصفحة 233
بَعْضاً}(1) وقوله: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ}(2) وقوله: {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ}(3)وقوله: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيْهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُوْنَ}(4) وقوله تعالى: {وُجُوْهٌ يَوْمَئِذ نَاضِرَةٌ إِلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(5) وقوله: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}(6) وقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً اُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى}(7) وقوله: {لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِىَ لَهُ قَوْلا}(8) وقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَر أَنْ يُكَلِّمُهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً} وقوله: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذ لََمحْجُوْبُوْنَ}(9) وقوله: {هَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلاَئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ}(10) وقوله: {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُوْنَ}(11) وقوله: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقَاً فِي قُلُوْبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}(12) وقوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ}(13) وقوله: {وَرَأَى الْمـُجْرِمُوْنَ النَّارَ فَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوْهَا}(14) وقوله: {وَنَضَعُ المَوَازِيْنَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ}(15)وقوله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِيْنُهُ... وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِيْنُهُ}(16).

____________

1- العنكبوت: 25.

2- ص: 64.

3- ق: 28.

4- يس: 60.

5- القيامة: 22.

6- الأنعام: 103.

7- النجم: 13، 14.

8- طه: 109.

9- المطفّفين: 15.

10- الأنعام: 158.

11- السجدة: 10.

12- التوبة: 77.

13- الكهف: 110.

14- الكهف: 53.

15- الأنبياء: 47.

16- الأعراف: 8، 9.


الصفحة 234
فقال له أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):

فأما قوله تعالى: {نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ}(1) إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته، فنسيهم في الآخرة ـ أي لم يجعل لهم من ثوابه شيئاً، فصاروا منسيين من الخير، وكذلك تفسير قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا}(2) يعني بالنسيان انه لم يثبهم كما يثيب أولياءه، والذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسوله وخافوه بالغيب.

وأما قوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً}(3) فان ربنا تبارك وتعالى علواً كبيراً ليس بالذي ينسى، ولا يغفل; بل هو الحفيظ العليم، وقد يقول العرب: قد نسينا فلان فلا يذكرها، أي انه لا يأمر لهم بخير ولا يذكرهم به.

قال علي (صلوات الله عليه): وأما قوله عزّوجلّ: {يَوْمَ يَقُوْمُ الرُّوْحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَ يَتَكَلَّمُوْنَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقَالَ صَوَاباً}(4) وقوله: {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنّا مُشْرِكِيْنَ}(5) وقوله عزوجل: {يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْض وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}(6) وقوله عزّوجلّ: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ}(7) وقوله: {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيْدِ}(8) وقوله: {اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيْهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلِهِمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُوْنَ}(9).

____________

1- التوبة: 67.

2- الاعراف: 51.

3- مريم: 64.

4- النباء: 38.

5- الأنعام: 23.

6- العنكبوت: 25.

7- ص: 64.

8- ق: 28.

9- يس: 60.


الصفحة 235
فان ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة والمراد يكفّر أهل المعاصي بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً، والكفر في هذه الآية البراءة يقول: فيبرأ بعضهم من بعض، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُوْنِ مِنْ قَبْلُ}(1) وقول إبراهيم خليل الرحمن: {كَفَرْنَا بِكُمْ}(2) يعني تبرأنا منكم، ثم يجتمعون في مواطن اُخرى يبكون فيها، فلو أن تلك الأصوات فيها بدت لأهل الدنيا لا زالت جميع الخلق عن معائشهم، وانصدعت قلوبهم إلاّ ما شاء الله، ولا يزالون يبكون حتى يستنفذوا الدموع، ويفضوا إلى الدماء.

ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون: {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِيْنَ}(3) وهؤلاء خاصة هم المقرون في دار الدنيا بالتوحيد، فلا ينفعهم إيمانهم بالله لمخالفتهم رسله وشكهم فيما أتوا به عن ربهم، ونقضهم عهودهم في أوصيائهم واستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، فكذبهم الله فيما انتحلوه من الايمان بقوله: {اُنْظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلى أَنْفُسِهِمْ}(4) فيختم الله على أفواههم، ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود، فتشهد بكل معصية كانت منهم، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: لم شهدتم علينا؟ قالوا: {أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيء}(5).

ثم يجتمعون في موطن آخر فيفر بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر، وعظم البلاء فذلك قوله عزوجل: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيْهِ * وَاُمِّهِ وَأَبِيْهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيْهِ...}(6) الآية.

____________

1- ابراهيم: 22.

2- الممتحنة: 4.

3- الأنعام: 23.

4- الأنعام: 24.

5- فصّلت: 21.

6- عبس: 34 ـ 36.


الصفحة 236
ثم يجتمعون في موطن آخر يستنطق فيه أولياء الله وأصفياؤه، فلا يتكلم أحد إلاّ من أذن له الرحمن وقال صواباً، فيقام الرسل فيسئلون عن تأدية الرسالة التي حملوها إلى اُممهم، فأخبروا انّهم قد أدّوا ذلك إلى اُممهم وتسئل الاُمم فتجحد كما قال الله تعالى: {فَلَتَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِيْنَ}(1) فيقولون: {مَا جَاءَنَا مِن بَشِيْر وَلاَ نَذِيْر}(2) فتشهد الرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيشهد بصدق الرسل، وتكذيب من جحدها من الاُمم فيقول لكل اُمة منهم: {بَلى قَدْ جَاءَكُمْ بَشِيْرٌ وَنَذِيْرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيء قَدِيرُ}(3) أي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل اليكم رسالاتهم، كذلك قال الله لنبيه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ اُمَّة بِشَهِيْد وَجِئْنَا بِكَ عَلى هَؤُلاَءِ شَهِيْداً}(4) فلا يستطيعون ردّ شهادته، خوفاً من أن يختم الله على أفواههم، وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون، ويشهد على منافق قومه، واُمته، وكفارهم بالحادهم، وعنادهم، ونقضهم عهده، وتغييرهم سنته، واعتدائهم على أهل بيته، وانقلابهم على أعقابهم، وارتدادهم على أدبارهم، واحتذاءهم في ذلك سنة من تقدمهم من الاُمم الظالمة، الخائنة لأنبيائها، فيقولون بأجمعهم: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ}(5).

ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد (صلى الله عليه وآله) وهو المقام المحمود فيثني على الله بما لم يثنِ عليه أحد قبله، ثم يثنى على الملائكة كلهم، فلا يبقى ملك إلاّ أثنى عليه محمد، ثم يثني على الأنبياء بما لم يثني عليهم أحد قبله، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة، يبدأ بالصديقين والشهداء، ثم الصالحين، فيحمده أهل السماوات وأهل

____________

1- الأعراف: 6.

2- المائدة: 19.

3- المائدة: 19.

4- النساء: 41.

5- المؤمنون: 106.


الصفحة 237
الأرضين، فذلك قوله تعالى: {عَسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوْداً}(1) فطوبى لمن كان له في ذلك المكان حظ ونصيب، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب.

ثم يجتمعون في موطن آخر ويزال بعضهم عن بعض، وهذا كله قبل الحساب فاذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه، فنسأل الله بركة ذلك اليوم.

قال علي (عليه السلام): وأما قوله: {وُجُوْهٌ يَوْمَئِذ نَاضِرَةٌ إِلى رَبِّهَا نَاظِرةٌ}(2) ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عزوجل، بعد ما يفرغ من الحساب، إلى نهر يسمى نهر الحيوان فيغتسلون منه، ويشربون من آخر فتبيض وجوههم، فيذهب عنهم كل أذى وقذى ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنة، فذلك قول الله عزوجل في تسليم الملائكة عليهم: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوْهَا خَالِدِينَ}(3) فعند ذلك قوله تعالى أثيبوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم الله عزوجل، فلذلك قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرةٌ}(4) (والناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة) ألم تسمع إلى قوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}(5) ـ أي منتظرة بم يرجع المرسلون.

وأما قوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً اُخرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}(6) يعني محمداً حين كان عند سدرة المنتهى حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله عزوجل، وقوله في آخر الآية: {مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى}(7) أي جبرئيل في صورته مرتين: هذه مرة، ومرة اُخرى، وذلك أن خلق جبرئيل خلق عظيم، فهو

____________

1- الاسراء: 79.

2- القيامة: 22.

3- الزُمَر: 73.

4- القيامة: 22.

5- النمل: 35.

6- النجم: 13 ـ 14.

7- النجم: 17 ـ 18.