قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قال لي إن وليك في الجنة وعدوك في النار؟ قالوا: اللهم لا.
قال: نشدتكم بالله هل علمتم أنّ عائشة قالت: لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ إبراهيم ليس منك وإنّه ابن فلان القبطي، قال: ياعلي إذهب فاقتله، فقلت: يارسول الله إذا بعثتني أكون كالمسمار المحمى في الوبر أو أتثّبت؟ قال: لا بل تثبّت، فذهبت فلمّا نظر إليّ استند إلى حائط فطرح نفسه فيه فطرحت نفسي على أثره فصعد على نخل وصعدت خلفه فلمّا رآني قد صعدت رمى بإزاره، فإذا ليس له شيء ممّا يكون للرّجال فجئت فأخبرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت؟ فقالوا: اللهم لا، فقال: اللهم اشهد(1).
9131/2 ـ الطبرسي: روى يحيى بن عبدالله بن الحسن، عن أبيه عبدالله بن عبدالله، قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يخطب بالبصرة بعد دخولها بأيام، فقام اليه رجل فقال ياأمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة، ومن أهل الفرقة، ومن أهل البدعة، ومن أهل السنة؟
فقال (عليه السلام): ويحك أما إذا سألتني فافهم عني ولا عليك أن تسأل عنها أحداً بعدي: أما أهل الجماعة فأنا ومن تبعني وإن قلوا، وذلك الحق عن أمر الله تعالى وعن أمر رسوله. وأمّا أهل الفرقة: فهم المخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا، أوما
____________
1- الخصال باب الأربعين: 553، إرشاد القلوب باب احتجاجه يوم الشورى: 259.
فقام اليه عمار فقال: ياأمير المؤمنين، إن الناس يذكرون الفيئ ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وولده في لنا، فقام اليه رجل من بكر بن وائل، يدعى عباد بن قيس، وكان ذا عارضة ولسان شديد، فقال: ياأمير المؤمنين والله ما قسمت بالسوية، ولا عدلت بالرعية، فقال: ولِمَ ويحك؟!! قال: لأنك قسمت ما في العسكر وتركت الأموال والنساء والذرية.
فقال: أيها الناس من كانت به جراحة فليداوها بالسمن. فقال عبّاد جئنا نطلب غنائمها فجاءنا بالترهات! فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) إن كنت كاذباً فلا أماتك الله حتى يدركك غلام ثقيف، قيل ومن غلام ثقيف؟ فقال: رجل لا يدع لله حرمة إلاّ انتهكها، فقيل: أفيموت موتاً أو يقتل؟ فقال: يقصمه قاصم الجبارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يخرج من بطنه، ياأخا بكر، أنت امرء ضعيف الرأي، أما علمت أنّا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة، وتزوجوا على رشدة، وولدوا على فطرة، وإنما لكم ما حوى عسكركم، وما كان في دورهم فهو ميراث، فإن عدا أحد منهم أخذناه بذنبه، وإن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره.
ياأخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل مكة فقسم ما حوى العسكر، ولم يتعرض لما سوى ذلك، وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل.
ياأخا بكر، أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها، وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلاّ بالحق، فمهلا مهلا رحمكم الله، فان لم تصدقوني وأكثرتم عليّ وذلك انه تكلم في
فقام عباد فقال: أيها الناس انكم والله لو اتبعتموه وأطعتموه لن يضل بكم عن منهل نبيكم حتى قيد شعرة، وكيف لا يكون ذلك وقد استودعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب، على منهاج هارون وقال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، فضلا خصه الله به واكراماً منه لنبيه (صلى الله عليه وآله) حيث أعطاه ما لم يعط أحداً من خلقه.
ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): انظروا رحمكم الله ما تؤمرون فافضوا له، فان العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس، فاني حاملكم إن شاء الله إن أطعتموني على سبيل النجاة، وان كان فيه مشقة شديدة، ومرارة عديدة، والدنيا حلوة الحلاوة لمن اغتر بها من الشقاوة والندامة عما قليل، ثم اني أخبركم أن جيلا من بني اسرائيل أمرهم نبيهم أن لا يشربوا من النهر، فنجوا في ترك أمره فشربوا منه إلاّ قليلا منهم، فكونوا رحمكم الله من اُولئك الذين أطاعوا نبيهم ولم يعصوا ربهم، وأما عائشة فأدركها رأي النساء، ولها بعد ذلك حرمتها الاُولى والحساب على الله يعفو عمن يشاء ويعذب من يشاء(1).
9132/3 ـ الطبرسي: روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أرسل عبدالله بن العباس إلى الخوارج، وكان بمرأى منهم ومسمع، قالوا له في الجواب: إنا نقمنا يابن عباس على صاحبك خصالا كلها مكفرة، موبقة، تدعو إلى النار.
أما أولها: فانه محى اسمه من إمرة المؤمنين، ثم كتب بينه وبين معاوية، فاذا لم يكن أمير المؤمنين، ونحن المؤمنون فلسنا نرضى بأن يكون أميرنا.
____________
1- احتجاج الطبرسي 1:394 ح83، البحار 32:221، كنز العمال 16:183 ح44216.
والثالثة: انه جعل الحكم إلى غيره، وقد كان عندنا أحكم الناس.
والرابعة: إنه حكّم الرجال في دين الله ولم يكن ذلك اليه.
والخامسة: إنه قسم بيننا الكراع والسلاح يوم البصرة، ومنعنا النساء والذرية.
والسادسة: إنه كان وصياً فضيّع الوصية.
قال ابن عباس: قد سمعت ياأمير المؤمنين مقالة القوم، وأنت أحق بجوابهم، فقال (عليه السلام) نعم:
ثم قال: يابن عباس قل لهم ألستم ترضون بحكم الله وحكم رسوله؟ قالوا: نعم، قال (صلوات الله عليه): أبدأ على ما بدأتم به في بدء الأمر، ثم قال: كنت اكتب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) الوحي والقضايا والشروط والأمان يوم صالح أبا سفيان، وسهيل ابن عمرو فكتبت:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله وأبا سفيان صخر بن حرب، وسهيل بن عمرو، فقال سهيل: لا نعرف الرحمن الرحيم، ولا نقر إنك رسول الله، ولكنا نحسب ذلك أن تقدم اسمك على أسمائنا، وإن كنّا أسنّ منك وأبي أسنّ من أبيك.
فأمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: اكتب مكان بسم الله الرحمن الرحيم باسمك اللهم، فمحوت ذلك وكتبت باسمك اللهم، ومحوت رسول الله وكتبت محمد بن عبدالله، فقال لي: إنك تدعى إلى مثلها فتجيب وأنت مكره، وهكذا كتبت بيني وبين معاوية وعمرو بن العاص: هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين ومعاوية وعمرو بن العاص فقالا: لقد ظلمناك بأن أقررنا بأنك أمير المؤمنين وقاتلناك، ولكن اكتب علي بن
قال (عليه السلام): وأما قولكم إني شككت في نفسي حيث قلت للحكمين: انظروا فان كان معاوية أحق بها مني فأثبتاه، فان ذلك لم يكن شكاً مني، ولكن أنصفت في القول، قال الله تعالى: {وَإِنَّا وَإِيَاكُمْ لَعَلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَل مُبِيْن}(1) ولم يكن ذلك شكاً وقد علم الله أن نبيه على الحق، قالوا: وهذه لك.
قال: وأما قولكم إني جعلت الحكم إلى غيري وقد كنت عندكم أحكم الناس، فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد جعل الحكم إلى سعد يوم بني قريظة، وقد كان من أحكم الناس، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُوْلِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(2) فتأسيّت برسول الله، قالوا: وهذه لك بحجتنا.
وأما قولكم: إني حكمت في دين الله الرجال، فما حكمت الرجال وإنما حكمت كلام ربي الذي جعله الله حكماً بين أهله، وقد حكم الله الرجال في طائر فقال: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ}(3)فدماء المسلمين أعظم من دم طائر. وقالوا: هذه لك بحجتنا.
قال: وأما قولكم: إني قسمت يوم البصرة لما أظفرني الله بأصحاب الجمل الكراع والسلاح، ومنعتكم النساء والذرية، فاني مننت على أهل البصرة كما منّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أهل مكة، فان عدوا علينا أخذناهم بذنوبهم، ولم نأخذ صغيراً بكبير، فأيكم كان يأخذ عائشة في سهمه؟ قالوا: وهذه لك بحجتنا.
وأما قولكم: أني كنت وصياً فضيعت الوصية، فأنتم كفرتم وقدمتم عليّ،
____________
1- سباء: 24.
2- الأحزاب: 21.
3- المائدة: 90.
9133/4 ـ الطبرسي: روي عن محمد ويحيى ابني عبدالله بن الحسن، عن أبيهما، عن جدهما، عن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) قال: لما خطب أبو بكر قام اليه اُبي بن كعب، وكان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان.
وقال: يامعشر المهاجرين الذين اتبعوا مرضات الله، وأثنى الله عليهم في القرآن، ويامعشر الأنصار الذين تبؤوا الدار والايمان وأثنى الله عليهم في القرآن، تناسيتم أم نسيتم، أم بدلتم، أم غيرتم، أم خذلتم، أو عجزتم؟
ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام فينا مقاماً أقام فيه علياً فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني علياً ـ ومن كنت نبيه فهذا أميره.
ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ياعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى، طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي غير أنه لا نبي بعدي؟
ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أوصيكم بأهل بيتي خيراً فقدموهم ولا تقدموهم وأمرّوهم ولا تأمرّوا عليهم؟
____________
1- آل عمران: 97.
2- احتجاج الطبرسي 1:442 ح102، البحار 33:377، مناقب ابن المغازلي: 406.
ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (صلوات الله عليه): أنت الهادي لمن ضلّ؟
ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: علي المحيي لسنتي، ومعلم اُمتي، والقائم بحجتي، وخير من أخلف من بعدي، وسيد أهل بيتي، وأحب الناس إليّ، طاعته كطاعتي على اُمتي؟
ألستم تعلمون أنه لم يول على علي أحداً وولاه في كل غيبته عليكم؟
ألستم تعلمون أنه كان منزلهما في أسفارهما واحداً، وارتحالهما واحداً وأمرهما واحداً؟
ألستم تعلمون أنه قال: إذا غبت فخلفت عليكم علياً فقد خلفت فيكم رجلا كنفسي؟
ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة (عليها السلام) فقال لنا: إن الله أوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ أخاً من أهلك فاجعله نبياً، واجعل أهله لك ولداً، أُطهرهم من الآفات، واخلصهم من الريب، فاتخذ موسى هارون أخاً، وولده أئمة لبني اسرائيل من بعده، الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسى، وأن الله تعالى أوحى إليّ أن اتخذ علياً أخاً، كما أن موسى اتخذ هارون أخاً، واتخذ ولده ولداً، فقد طهرتهم كما طهرت ولد هارون، ألا إني قد ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك فهم الأئمة الهادية أفما تبصرون أفما تفهمون، أفما تسمعون؟! ضرب عليكم الشبهات، فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد حتى خشي أن يهلك، فلقي رجلا هادياً في الطريق، فسأله عن الماء فقال له أمامك عينان إحداهما مالحة، والاُخرى عذبة، فان أصبت المالحة ضللت وان أصبت العذبة هديت ورويت، فهذا مثلكم أيتها الاُمة المهملة كما زعمتم، وأيم الله ما أهملتم، لقد
فقام اليه عبدالله بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل فقالوا: ياأُبي أصابك خبل أم بك جنّة؟ فقال: بل الخبل فيكم، والله كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً، فألفيته يكلّم رجلا أسمع كلامه ولا أرى شخصه، فقال له: فيما يخاطبه: ما أنصحه لك ولاُمتك، وأعلمه بسنتك، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفترى اُمتي تنقاد له
____________
1- آل عمران: 105.
2- هود: 118، 119.
يارسول الله من هذا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا ملك من ملائكة ربي عزوجل، ينبئني أن اُمتي تتخلف عن وصيي علي بن أبي طالب، واني اُوصيك يااُبي بوصية إن حفظتها لم تزل بخير، يااُبي عليك بعلي، فإنه الهادي المهدي، الناصح لاُمتي، المحيي لسنتي، وهو إمامكم بعدي، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه، يااُبي ومن غير أو بدل، لقيني ناكثاً لبيعتي، عاصياً أمري، جاحداً لنبوتي، لا أشفع له عند ربي، ولا أسقيه من حوضي فقام اليه رجال من الأنصار فقالوا له: أقعد رحمك الله يااُبي فقد أديت ما سمعت الذي معك ووفيت بعهدك(1).
9134/5 ـ قال علي (رضي الله عنه) ليهودي وقد قال له: ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم!! فقال له: إنما اختلفنا عنه لا فيه، ولكنكم ما جفت أرجلكم من البحر حتى قلتم: {إِجْعَلْ لَنَا إِلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}(2)(3).
9135/6 ـ الشيخ الطوسي، أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرني أبو الحسن علي ابن خالد، قال: حدثنا العباس بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن عمرو الكندي، قال:
____________
1- احتجاج الطبرسي 1:297 ح52، البحار 38:163، اثبات الهداة 3:504، اليقين بامرة المؤمنين (عليه السلام) (ابن طاووس) باب 170:448.
2- الأعراف: 138.
3- ربيع الأبرار 2:70.
فقال عمر: هذا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله): فجثى الجاثليق لركبتيه، وقال له: خبّرنا أيها الخليفة عن فضلكم علينا في الدين، فانا جئنا نسأل عن ذلك؟
فقال أبو بكر: نحن مؤمنون وأنتم كفار، والمؤمن خير من الكافر، والايمان خير من الكفر.
فقال الجاثليق: هذه دعوى تحتاج إلى حجة، فخبرني أنت مؤمن عند الله أم عند نفسك؟
فقال أبو بكر: أنا مؤمن عند نفسي ولا علم لي بما عند الله.
قال: فهل أنا كافر عندك على مثل ما أنت مؤمن، أم أنا كافر عند الله؟
فقال: أنت عندي كافر، ولا علم لي بحالك عند الله.
فقال الجاثليق: فما أراك إلاّ شاكّاً في نفسك وفيَّ، ولست على يقين من دينك، فخبرني ألك عند الله منزلة في الجنة بما أنت عليه في الدين تعرفها؟
فقال: لي منزلة في الجنة أعرفها بالوعد، ولا أعلم هل أصل اليها أم لا.
ثم قال له: أخبرني هل احتويت على جميع علم النبي المبعوث اليك؟ قال: لا، ولكن أعلم منه ما قضى لي علمه.
قال: فكيف صرت خليفة للنبي، وأنت لا تحيط علماً بما تحتاج اليه اُمته من علمه، وكيف قدّمك قومك على ذلك.
فقال له عمر كف أيها النصراني عن هذا العنت وإلاّ أبحنا دمك، فقال الجاثليق: ما هذا عدل على من جاء مسترشداً طالباً.
فقال سلمان (رحمه الله): فكأنما ألبسنا جلباب المذلة، فنهضت حتى أتيت علياً (عليه السلام) فأخبرته الخبر، فأقبل بأبي واُمي حتى جلس والنصراني يقول دلوني على من أسأله عما أحتاج اليه، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) سل يانصراني فوالذي فلق الحبة وبرئ النسمة، لا تسألني عما مضى ولا ما يكون إلاّ أخبرتك به عن نبي الهدى (صلى الله عليه وآله).
فقال النصراني: أسألك عما سألت عنه هذا الشيخ، خبرني أمؤمن أنت عند الله، أم عند نفسك؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا مؤمن عند الله كما أنا مؤمن في عقيدتي.
فقال الجاثليق: الله أكبر هذا كلام وثيق بدينه متحقق فيه بصحة يقينه، فخبرني الآن عن منزلتك في الجنة ما هي؟
فقال (عليه السلام): منزلتي مع النبي الاُمي في الفردوس الأعلى، لا أرتاب بذلك ولا أشك في الوعد به من ربي.
فقال النصراني: فبما عرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكتاب المنزل وصدق النبي المرسل.
قال: فبماذا علمت صدق نبيك؟
قال الجاثليق: هذا طريق الحجة لمن أراد الاحتجاج، فخبرني عن الله تعالى، أين هو اليوم؟
فقال (عليه السلام): يانصراني، إن الله تعالى يُجل عن الأين، ويتعالى عن المكان، كان فيما لم يزل ولا مكان، وهو اليوم على ذلك لم يتغير من حال إلى حال.
فقال: أجل أحسنت أيها العالم وأوجزت في الجواب، فخبرني عنه تعالى أمدرك بالحواس عندك، فيسلك المسترشد في طلبه استعمال الحواس، أم كيف طريق المعرفة به إن لم يكن الأمر كذلك؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار، أو تدركه الحواس، أو يقاس بالناس، والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول، الدالة ذوي الاعتبار بما هو منها عنده مشهود ومعقول.
قال الجاثليق: صدقت، هذا والله هو الحق الذي قد ضلّ عنه التائهون في الجهالات، فخبرني الآن عما قاله نبيكم في المسيح، وانه مخلوق، من أين أثبت له الخلق، ونفى عنه الالهية، وأوجب فيه النقص، وقد عرفت ما يعتقد كثير من المتدينين؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أثبت له الخلق بالتقدير الذي لزمه، والتصوير والتغير من حال إلى حال، والزيادة التي لم ينفك منها والنقصان، ولم أنفِ عنه النبوة، ولا أخرجته من العصمة والكمال والتأييد، وقد جاءنا عن الله تعالى بأنه مثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون.
فقال له الجاثليق: هذا ما لا يطعن فيه الآن، غير أن الحجاج مما تشترك فيه الحجة على الخلق والمحجوج منهم، فبِمَ بِنتَ أيها العالم من الرعية الناقصة عنك؟ قال: بما أخبرتك به من علمي بما كان وما يكون.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): خرجت أيها النصراني من مستقرك مستفزاً لمن قصدت بسؤالك له، مضمراً خلاف ما أظهرت من الطلب والاسترشاد، أفرأيت في منامك مقامي، وحُدثت فيه بكلامي، وحُذرت فيه من خلافي، واُمرت فيه باتباعي، قال: صدقت والله الذي بعث المسيح، وما اطلع على ما أخبرتني به إلاّ الله تعالى، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله، وأنك وصي رسول الله، وأحق الناس بمقامه، وأسلم الذين كانوا معه كإسلامه وقالوا: نرجع إلى صاحبنا، فنخبره بما وجدنا عليه هذا الأمر وندعوه إلى الحق.
فقال له عمر: الحمد لله الذي هداك أيها الرجل إلى الحق وهدى من معك اليه، غير أنه يجب أن تعلم أن علم النبوة في أهل بيت صاحبها، والأمر من بعده لمن خاطبك أولا برضى الاُمة واصطلاحها عليه، وتخبر صاحبك بذلك وتدعوه إلى طاعة الخليفة، فقال: قد عرفت ما قلت أيها الرجل، وأنا على يقين من أمري فيما أسررت وأعلنت، وانصرف الناس وتقدم عمر ألا يذكر ذلك المقام من بعد، وتوعد على من ذكره بالعقاب، وقال: أم والله لولا أنني أخاف أن يقول الناس: قتل مسلماً لقتلت هذا الشيخ ومن معه، فاني أظن أنهم شياطين أو أرادوا الافساد على هذه الاُمة وإيقاع الفرقة بينها.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لي: ياسلمان، أما ترى كيف يظهر الله الحجة لأوليائه، وما يزيد ذلك قومنا عنا إلاّ نفوراً(1).
9136/7 ـ العياشي: عن أبي الطفيل، عن علي (عليه السلام) قال: قال يوم الشورى: أفيكم
____________
1- أمالي الطوسي المجلس الثامن: 218 ح382، البحار 10:54، إرشاد القلوب: 299، مناقب ابن شهر آشوب باب ذكر علي (عليه السلام) في الكتب 2:257.
9137/8 ـ الطبرسي: عن الأصبغ، قال: سأل ابن الكواء أمير المؤمنين (عليه السلام): أخبرني عن بصير بالليل بصير في النهار، وعن أعمى بالليل أعمى بالنهار، وعن أعمى بالليل بصير بالنهار وعن أعمى بالنهار بصير بالليل؟
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ويلك سل عما يعنيك، ولا تسأل عما لا يعنيك، ويلك أما بصير بالليل بصير بالنهار، فهو رجل آمن بالرسل والأوصياء الذين مضوا، وبالكتب والنبيين، وآمن بالله وبنبيه محمد (صلى الله عليه وآله)، وأقرّ لي بالولاية فأبصر في ليله ونهاره، وأما أعمى بالليل أعمى بالنهار: فرجل جحد الأنبياء والأوصياء، والكتب التي مضت، وأدرك النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يؤمن به، ولم يقرّ بولايتي، فجحد الله عزّ وجلّ ونبيه (صلى الله عليه وآله) فعمى باللليل وعمى بالنهار.
وأما بصير بالليل أعمى بالنهار: فرجل آمن بالأنبياء والكتب، وجحد النبي (صلى الله عليه وآله) وولايتي وأنكر لي حقي، فأبصر بالليل وعمى بالنهار.
وأما أعمى بالليل بصير بالنهار: فرجل جحد الأنبياء الذين مضوا، والأوصياء والكتب، وأدرك النبي (صلى الله عليه وآله)، فآمن بالله ورسوله محمد (صلى الله عليه وآله) وآمن بإمامتي وقبل ولايتي، فعمى بالليل وأبصر بالنهار.
ويلك ياابن الكواء، فنحن بنو أبي طالب، بنا فتح الله الاسلام وبنا يختمه.
قال الأصبغ: فلما نزل أمير المؤمنين (عليه السلام) من المنبر تبعته فقلت: سيدي ياأمير المؤمنين قوّيت قلبي بما بينت.
فقال لي: ياأصبغ، من شك في ولايتي فقد شك في إيمانه، ومن أقر بولايتي فقد أقر بولاية الله عزّ وجلّ، وولايتي متصلة بولاية الله كهاتين ـ وجمع بين أصابعه ـ
____________
1- الإسراء: 26.
2- تفسير العياشي 2:288، تفسير البرهان 2:416.
____________
1- الاحتجاج 1:543 ح131، البحار 10:83.