الباب السادس:
في إحتجاجات النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)
9138/1 ـ الطبرسي: قال أبو محمد الحسن العسكري، عن الصادق عليهما السلام: ولقد حدثني أبي الباقر، عن جدي علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي سيد الشهداء، عن أبيه أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): أنه اجتمع يوماً عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهل خمسة أديان: اليهود، والنصارى، والدهرية، والثنوية، ومشركوا العرب، فقالت اليهود: نحن نقول: عزير ابن الله، وقد جئناك يامحمد لننظر ما تقول فان اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وان خالفتنا خصمناك.
وقالت النصارى: نحن نقول: إنّ المسيح ابن الله، اتحدّ به، وقد جئناك لننظر ما تقول فان اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.
وقالت الدهرية: نحن نقول: إن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة، وقد جئناك لننظر فيما تقول، فان اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.
وقال مشركوا العرب: نحن نقول: إن أوثاننا آلهة، وقد جئناك لننظر فيما تقول، فان اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وان خالفتنا خصمناك.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): آمنت بالله وحده لا شريك له وكفرت بالجبت والطاغوت وبكل معبود سواه.
ثم قال لهم: إن الله تعالى قد بعثني كافة للناس كافة بشيراً ونذيراً وحجة على العالمين، وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره.
ثم قال لليهود: اجئتموني لأقبل قولكم بغير حجة؟ قالوا: لا، قال: فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيراً ابن الله؟ قالوا: لأنه أحيى لبني اسرائيل التوراة بعد ما ذهبت، ولم يفعل بها هذا إلاّ لأنه ابنه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فكيف صار عزير ابن الله دون موسى، وهو الذي جاء لهم بالتوراة ورؤي منه من المعجزات ما قد علمتم؟ ولئن كان عزير ابن الله، لما ظهر من اكرامه باحياء التوراة، فلقد كان موسى بالنبوة أولى وأحق، ولئن كان هذا المقدار من اكرامه لعزير يوجب له انه ابنه، فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجلّ من النبوة، لأنكم ان كنتم إنما تريدون بالنبوة الدلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من ولادة الاُمهات الأولاد بوطىء آبائهم لهن، فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه، وأوجبتم فيه صفات المحدثين، فوجب عندكم أن يكون محدثاً مخلوقاً، وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه.
قالوا: لسنا نعني هذا فان هذا كفر كما ذكرت، ولكنا نعني انه ابنه على معنى الكرامة، وإن لم يكن هناك ولادة، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد اكرامه وإبانته بالمنزلة من غيره ـ يابني ـ وإنه ابني لا على اثبات ولادته منه، لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب له بينه وبينه، وكذلك لما فعل الله بعزير ما فعل، كان قد اتخذه
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فهذا ما قتله لكم، إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه، فان هذه المنزلة بموسى أولى، وإن الله يفضح كل مبطل باقراره ويقلب عليه حجته، إنّ ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكبر مما ذكرته لكم، لأنكم قلتم إن عظيماً من عظماءكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه وبينه (يابني) و (هذا ابني) لا على طريق الولادة، فقد تجدون أيضاً هذا العظيم يقول لأجنبي آخر (هذا ابني) ولآخر هذا شيخي وأبي، ولآخر هذا سيدي وياسيدي على سبيل الاكرام، وأن من زاده في الكرامة زاده مثل هذا القول، فإذاً يجوز عندكم أن يكون موسى أخاً لله، أو شيخاً له، أو أباً، أو سيداً، لأنه قد زاده في الكرامة مما لعزير، كما أن من زاد رجلا في الاكرام فقال له ياسيدي وياشيخي وياعمي ويارئيس على طريق الاكرام، وأن من زاده في الكرامة، زاده في مثل هذا القول، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخاً لله، أو شيخاً، أو عماً، أو رئيساً، أو سيداً، أو أميراً، لأنه قد زاده في الاكرام على من قال له ياشيخي أو ياسيدي أو ياعمي أو يارئيسي أو ياأميري؟ قال: فبهت القوم وتحيروا وقالوا: يامحمد أجلّنا نفكّر فيما قد قلته لنا، فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف، يهدكم الله تعالى.
ثم أقبل على النصارى، فقال لهم: وأنتم قلتم إن القديم عزوجل اتحدّ بالمسيح ابنه، فما الذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم أن القديم صار محدثاً لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى؟ أو المحدث الذي هو صار قديماً عيسى كوجود القديم الذي هو الله؟ أو معنى قولكم انه اتحد به انه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحداً سواه؟ فان أردتم أن القديم صار محدثاً فقد أبطلتم; لأن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثاً، وإن أردتم أن المحدث صار قديماً فقد أحلتم; لأن المحدث أيضاً محال أن يصير قديماً، وان أردتم أن اتحد به بأنه اختصه واصطفاه على سائر عباده، فقد أقررتم بحدوث
قال: فقالت النصارى يامحمد إن الله تعالى لما أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر، فقد اتخذه ولداً على جهة الكرامة. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه، ثم أعاد (صلى الله عليه وآله) ذلك كلّه، فسكتوا إلاّ رجلا واحداً منهم فقال له: يامحمد أولستم تقولون إن ابراهيم خليل الله؟ قال: قد قلنا ذلك، فاذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول إن عيسى ابن الله؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنهما لن يشتبها لأن قولنا ابراهيم خليل الله فانما هو مشتق من الخلة والخلة فامّا الخلة إنما معناها الفقر والفاقة، فقد كان خليلا إلى ربه فقيراً اليه منقطعاً، وعن غيره متعففاً معرضاً مستغنياً، وذلك لما اُريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق، فبعث الله جبرئيل فقال له أدرك عبدي، فجاء فلقيه في الهواء فقال له كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك، فقال ابراهيم: حسبي الله ونعم الوكيل، اني لا أسأل غيره، ولا حاجة لي إلاّ اليه، فسماه خليله ـ أي فقيره ومحتاجه والمنقطع اليه عمن سواه ـ.
وإذا جعل معنى ذلك من الخلة، وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره، كان الخليل معناه العالم به وبأُموره، ولا يوجب ذلك شبيه الله بخلقه، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع اليه لم يكن خليله؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟ وإن من يلده الرجل وإن أهانه وأعصاه لم يخرج عن أن يكون ولده، لأن معنى الولادة قائم به.
ثم إن وجب لأنه قال لابراهيم خليلي أن تقيسوا أنتم فتقولوا: بأن عيسى ابنه، وجب أيضاً كذلك أن تقولوا لموسى أنه ابنه، فان الذي معه من المعجزات لم يكن
فقال بعضهم لبعض: وفي الكتب المنزلة أن عيسى قال: أذهب إلى أبي وأبيكم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فان كنتم بذلك الكتاب تعلمون فان فيه أذهب إلى أبي وأبيكم فقولوا إن جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله، كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه، ثم إن ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا الذي زعمتم أن عيسى من وجهة الاختصاص كان ابناً له; لأنكم قلتم إنما قلنا انه ابنه لأنه اختصه بما لم يختص به غيره، وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى: أذهب إلى أبي وأبيكم مبطل أن يكون الاختصاص لعيسى، لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى، وأنتم حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها; لأنه إذا قال: أذهب إلى أبي وأبيكم فقد أراد غير ما ذهبتم اليه ونحلتموه، وما يدريكم لعله عنى أذهب إلى آدم أو إلى نوح وأن الله يرفعني اليهم ويجمعني معهم، وآدم أبي وأبوكم وكذلك نوح، بل أراد غير هذا.
قال: فسكت النصارى وقالوا: ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصماً مثلك، وسننظر في اُمورنا.
ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الدهرية فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأن الأشياء لا بدو لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال؟ فقالوا: لأنا لا نحكم إلاّ بما نشاهد ولم نجد للأشياء حدثاً، فحكمنا بأنها لم تزل، ولم نجد لها انقضاء وفناء، فحكمنا بأنها لا تزال.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفوجدتم لها قِدماً، أم وجدتم لها بقاءاً أبد الأبد، فان قلتم انكم وجدتم ذلك أنهضتم لأنفسكم أنكم لم تزالوا على هيئكم وعقولكم بلا نهاية،
قالوا: بل نشاهد لها قِدماً ولا بقاء أبد الآبد، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فلِمَ صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائماً لأنكم لم تشاهدوا حدوثها، وانقضاؤها أول من تارك التميز لها مثلكم فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع، لأنه لم يشاهد لها قدماً ولا بقاءاً أبد الآبد. أو لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر؟ فقالوا: نعم، فقال: أترونهما لم يزالا ولا يزالان؟ فقالوا: نعم، فقال: أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار؟ فقالوا: لا، فقال: فاذاً تقطع أحدها عن الآخر، فيسبق أحدها ويكون الثاني جارياً بعده، قالوا: كذلك هو، فقال: قد حكمتم بحدوث ما تتقدم من ليل ونهار لم تشاهدوهما فلا تنكروا لله قدرته.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناه أم غير متناه؟ فان قلتم انه غير متناه فقد وصل اليكم آخر بلا نهاية لأوله، وإن قلتم متناه فقد كان ولا شيء منهما قالوا: نعم، قال لهم: أقلتم أن العالم قديم غير محدث، وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به، وبمعنى ما جحدتموه قالوا: نعم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر، لأنه لا قوام للبعض إلاّ بما يتصل به، كما نرى البناء محتاجاً بعض أجزائه إلى بعض وإلاّ لم يتسق، ولم يستحكم، وكذلك سائر ما نرى.
وقال (صلى الله عليه وآله): فاذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه هو القديم، فأخبروني أن لو كان محدثاً، كيف كان يكون وماذا كانت تكون صفته؟ قال: فبهتوا وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلاّ وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم، فوجموا وقالوا: سننظر في أمرنا.
ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الثنوية الذين قالوا: النور والظلمة هما المدبران،
فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفلستم قد وجدتم سواداً وبياضاً وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة، وكل واحدة ضد لسائرها، لاستحالة اجتماع اثنين منها في محل واحد، كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد؟ قالوا: نعم، قال: فهلاّ أثبتم بعدد كل لون صانعاً قديماً، ليكون فاعل كل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر؟ قال: فسكتوا.
ثم قال: فكيف اختلط النور والظلمة، وهذا من طبعه الصعود، وهذه من طبعها النزول أرأيتم لو أنّ رجلا أخذ شرقاً يمشي اليه، والآخر غرباً، أكان يجوز عندكم أن يلتقيا ما داما سائرين على وجههما؟ قالوا: لا، قال: فوجب أن لا يختلط النور والظلمة، لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر، فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج بل هما مدبران جميعاً مخلوقان، فقالوا: سننظر في اُمورنا.
ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على مشركي العرب، فقال: وأنتم فلم عبدتم الأصنام من دون الله؟ فقالوا: نتقرب بذلك إلى الله تعالى. فقال لهم: أو هي سامعة مطيعة لربها، عابدة له، حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله؟ قالوا: لا، قال: فأنتم الذين نحتموها بأيديكم؟ قالوا: نعم، قال: فلئن تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن تعبدوها، إذاً لم يكن أمَرَكم بتعظيمها، من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم.
قال: فلما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا القول اختلفوا، فقال بعضهم: إن الله قد حلَّ في
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أخطأتم الطريق وضللتم، أما أنتم ـ وهو (صلى الله عليه وآله) ـ يخاطب الذين قالوا: إن الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها، فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا ـ فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات، أو يحل ربكم في شيء حتى يحيط به ذاك الشيء، فأي فرق بينه إذاً وبين سائر ما يحلّ فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته، ولم صار هذا المحلول فيه محدثاً وذلك قديماً، دون أن يكون ذلك محدثاً وهذا قديماً، وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال، وهو عزوجل كان لم يزل، وإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال والحدوث وإذا وصفتموه بالزوال والحدوث، وصفتموه بالفناء لأن ذلك أجمع من صفات الحال والمحلول فيه، وجميع ذلك يغير الذات، فان كان لم يتغير ذات الباري تعالى بحلوله في شيء جاز أن لا يتغير بأن يتحرك ويسكن ويسود ويبيض ويحمر ويصفر، وتحله الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها، حتى تكون فيه جميع صفات المحدثين، ويكون محدثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فاذا بطل ما ظننتموه من أن الله يحل في شيء، فقد فسد
ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الفريق الثاني، فقال: أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم لها و حليتم، فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها، فما الّذي أبقيتم لربّ العالمين؟ أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي به عبده؟ أرأيتم ملكاً أو عظيماً إذا ساويتموه بعبده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع من حق الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير؟ فقالوا: نعم، قال: أفلا تعلمون انكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب العالمين. قال: فسكت القوم بعد أن قالوا: سننظر في أمرنا.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للفريق الثالث: لقد ضربتم لنا مثلا وشبهتمونا بأنفسكم ولسنا سواء، وذلك أنا عباد الله مخلوقون مربوبون، نأتمر له فيما أمرنا، وننزجر عما زجرنا، ونعبده من حيث يريده منا، فاذا أُمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعد إلى غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا، لأنا لا ندري لعله إن أراد منا الأول فهو يكره الثاني، وقد نهانا أن نتقدم بين يديه، فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعناه، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعناه، ولم نخرج في شيء من ذلك من اتباع أمره، والله حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لكم أن تقيسها ذلك عليه، لأنكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به.
ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): أرأيتم لو أذن لكم رجل دخول داره يوماً بعينه، ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره، أو لكم أن تدخلوا داراً له اُخرى مثلها بغير أمره؟ أو وهب لكم رجل ثوباً من ثيابه، أو عبداً من عبيده، أو دابة من دوابه، ألكم أن تأخذوا ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فان لم تأخذوه ألكم أخذ آخر مثله؟ قالوا:
وقال الصادق (عليه السلام): فوالذي بعثه بالحق نبياً ما أنت على جماعتهم إلاّ ثلاثة أيام حتى أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأسلموا، وكانوا خمسة وعشرين رجلا، من كل فرقة خمسة، وقالوا: ما رأينا مثل حجتك يامحمد، نشهد أنك رسول الله(1).
9139/2 ـ الطبرسي: قال الصادق (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): فأنزل الله {الْحَمْدُ للهِِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّوْرِ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}(2) الآية.
فكان في هذه الآية ردّ على ثلاثة أصناف منهم: لما قال: {الْحَمْدُ للهِِ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ} فكان ردّاً على الدهرية الذين قالوا: إن الأشياء لا بدو لها وهي دائمة، ثم قال: {جَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّوْرِ} فكان ردّاً على الثنوية الذين قالوا: إن النور والظلمة هما مدبران، ثم قال: {الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} فكان ردّاً على مشركي العرب الذين قالوا: إن أوثاننا آلهة، ثم أنزل الله: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}(3) إلى آخرها، فكان ردّاً على من ادعى من دون الله ضداً أو نداً، قال:
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: قولوا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}(4) أي نعبد واحداً لا فقول كما قالت الدهرية: إن الأشياء لا بدو لها وهي دائمة، ولا كما قالت الثنوية الذين قالوا
____________
1- احتجاج الطبرسي 1:27 ح20، البحار 9:255، تفسير الامام العسكري: 530، تفسير البرهان 2:116.
2- الأنعام: 1.
3- الإخلاص: 1.
4- الحمد: 5.
قال: فذلك قوله: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوْداً أَوْ نَصَارَى} وقالت طائفة غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا، قال الله تعالى: يامحمد {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ }التي يمنونها بلا حجة {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} وحجتكم على دعواكم {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ} كما أتى محمد ببراهينه التي سمعتموها، ثم قال: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِِ} ـ يعني كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله لما سمعوا براهينه وحجته، {وَهُوَ مُحْسِنٌ} في علمه، {فَلَهُ أَجْرُهُ} وثوابه {عِنْدَ رَبِّهِ} يوم فصل القضاء، {وَلاَ خَوْفٌ عَلِيْهِمْ} حين يخاف الكافرون مما يشاهدونه من العقاب، {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُوْنَ}(1) عند الموت، لأن البشارة بالجنان تأتيهم(2).
9140/3 ـ الشيخ الطوسي، أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا أبو عبدالله جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن العلوي الحسيني (رحمه الله)، قال: حدثنا موسى ابن عبدالله بن حسن، قال: حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه عبدالله بن حسن، عن أبيه وخاله علي بن الحسين، عن الحسن والحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يارسول الله، ما أستطيع فراقك، واني لأدخل منزلي فأذكرك، فأترك ضيعتي وأقبل حتى أنظر اليك حباً لك، فذكرت إذا كان يوم القيامة واُدخلت الجنة فرفعت في أعلى عليين، فكيف لي بك يانبي الله، فنزلت {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
____________
1- البقرة: 111، 112.
2- احتجاج الطبرسي 1:45 ح21، البحار 9:266، تفسير الامام العسكري: 542.
____________
1- النساء: 69.
2- أمالي الطوسي المجلس 29:621 ح1280، البحار 8:188.
الباب السابع:
في المسألة العددية
9141/1 ـ ابن شهر آشوب: ابن عباس، أن أخوين يهودين سألا أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن واحد لا ثاني له، وعن ثان لا ثالث له إلى مائة متصلة نجدها في التوراة والانجيل وهي في القرآن تتلونه؟ فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال:
أما الواحد: فالله ربنا الواحد القهار لا شريك له.
وأما الاثنان: فآدم وحواء لأنهما أول اثنين.
وأما الثلاثة: فجبرئيل وميكائيل واسرافيل; لأنه رأس الملائكة على الوحي.
وأما الأربعة: فالتوراة والانجيل، والزبور والقرآن.
وأما الخمسة فالصلاة أنزلها الله على نبينا وعلى اُمته، ولم ينزلها على نبي كان قبله ولا على اُمة كانت قبلنا، وأنتم تجدونه في التوراة.
وأما الستة: فخلق الله السماوات والأرض في ستة أيام.
وأما السبعة: فسبع سماوات طباقاً.
وأما التسعة: فآيات موسى التسع.
وأما العشرة: فتلك عشرة كاملة.
وأما الاحد عشر: فقول يوسف (عليه السلام) لأبيه: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكِباً}(2).
وأما الاثنا عشر: فالسنة عشر شهراً.
وأما الثلاثة عشر: قول يوسف (عليه السلام) لأبيه: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}(3).
فالأحد عشر اُخوته، والشمس أبوه، والقمر اُمه.
وأما الأربعة عشر: فأربعة عشر قنديلا من النور معلقة بين السماء السابعة والحجب تسرج بنور الله إلى يوم القيامة.
وأما الخمسة عشر: فأنزلت الكتب جملة منسوخة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا بخمسة عشر ليلة مضت من شهر رمضان.
وأما الستة عشر: فستة عشر صفاً من الملائكة حافين من حول العرش.
وأما السبعة عشر: فسبعة عشر إسماً من أسماء الله مكتوبة بين الجنة والنار، لولا ذلك لذفرت ذفرة (لزفرت زفرة) أحرقت من في السماء والأرض.
وأما الثمانية عشر: فثمانية عشر حجاباً من نور معلقة بين العرش والكرسي، لولا ذلك لذابت الصم الشوامخ، واحترقت السماوات والأرض وما بينهما من نور العرش.
وأما التسعة عشر: فتسعة عشر ملكاً خزنة جهنم.
____________
1- الحاقة: 17.
2- يوسف: 4.
3- يوسف: 5.
وأما الأحد والعشرون: فألان الله لداود فيها الحديد.
وأما في اثنين وعشرين: فاستوت سفينة نوح (عليه السلام).
وأما ثلاثة وعشرون: ففيه ميلاد عيسى (عليه السلام)، ونزول المائدة على بني اسرائيل.
وأما في أربع وعشرين: فرد الله على يعقوب بصره.
وأما خمسة وعشرون: فكلم الله موسى تكليماً بوادي المقدس، كلّمه خمسة وعشرين يوماً.
وأما ستة وعشرون: فمقام إبراهيم (عليه السلام) في النار، أقام فيها حيث صارت برداً وسلاماً.
وأما سبعة وعشرون: فرفع الله إدريس مكاناً علياً وهو ابن سبع وعشرين سنة.
وأما ثمانية وعشرون فمكث يونس (عليه السلام) في بطن الحوت.
وأما الثلاثون: {وَوَاعَدْنَا مُوسى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً}(1).
وأما الأربعون: تمام ميعاده {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْر}(2).
وأما الخمسون: {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة}(3).
وأما الستون: كفارة الافطار: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مَسْكِيناً}(4).
وأما السبعون: {سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا}(5).
____________
1- الأعراف: 142.
2- الأعراف: 142.
3- المعارج: 4.
4- المجادلة: 4.
5- الأعراف: 155.
وأما التسعون: {تِسْعُ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً}(2).
وأما المائة: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة}(3).
فلما سما ذلك أسلما، فقتل أحدهما في الجمل، والآخر في صفين(4).
____________
1- النور: 4.
2- ص: 23.
3- النور: 2.
4- مناقب ابن شهر آشوب 2:384، البحار 10:86.