الباب الثاني:
في إخباره عن مقتل الحسين (عليه السلام) وواقعة كربلاء
9277/1 ـ عن عثمان بن قيس العامري، عن جابر بن الحر، عن جويرية بن مسهر العبدي، قال: لما توجهنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى صفين فبلغنا طفوف كربلاء وقف ناحية من العسكر، ثمّ نظر يميناً وشمالا واستعبر ثمّ قال: هذا والله مناخ ركابهم وموضع منيّتهم، فقيل له: يا أمير المؤمنين ما هذا الموضع؟ فقال: هذا كربلاء يقتل فيه قوم يدخلون الجنّة بغير حساب، ثمّ سار وكان الناس لا يعرفون تأويل ما قال حتّى كان من أمر الحسين بن علي (عليه السلام) وأصحابه بالطف ما كان(1).
9278/2 ـ عن أبي جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: مرّ علي (عليه السلام) بكربلاء فقال: لمّا مرّ به أصحابه وقد اغرورقت عيناه يبكي (ويقول:) هذا مناخ ركابهم، هذا ملقى رحالهم، هاهنا مراق دمائهم، طوبى لك من تربة عليها تراق دماء الأحبة(2).
____________
1- ارشاد المفيد: 175; البحار 41: 286; احياء الاحياء 4: 198.
2- الخرائج والجرائح 1: 183; قرب الاسناد: 26 ح87; البحار 41: 295; اثبات الهداة 4: 513.
9280/4 ـ أخرج ابن سعد عن الشعبي، قال: مرّ علي (رضي الله عنه) بكربلاء عند مسيره إلى صفين، وحاذى نينوى (قرية على الفرات)، فوقف وسأل عن اسم هذه الأرض، فقيل: كربلاء، فبكى حتّى بلّ الأرض من دموعه، ثمّ قال: دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال: كان عندي جبريل آنفاً وأخبرني أنّ ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلا، ثمّ قبض جبريل قبضة من تراب شمّني إيّاه فلم أملك عينيّ أن فاضتا(2).
9281/5 ـ عن أبي سعيد، عن حمّاد بن أيّوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يُقبر ابني في أرض يقال لها كربلا، هي البقعة التي كانت فيها (كان عليها) قبّة الإسلام التي نجّى الله عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح في الطوفان(3).
9282/6 ـ جعفر بن محمّد، حدّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن أبي داود، عن سعد، عن أبي عمر الجلاب (والجلاب)، عن الحرث الأعور، قال: قال علي (عليه السلام): بأبي واُمّي الحسين المقتول بظهر الكوفة، ولكأني أنظر إلى الوحش مادّة أعناقها على قبره من أنواع الوحش يبكونه ويرثونه ليلا حتّى الصباح، فإذا كان ذلك فإيّاكم والجفاء(4).
____________
1- الخرائج والجرائح 1: 183; البحار 41: 295.
2- الصواعق المحرقة: 293.
3- كامل الزيارات: 269; البحار 101: 109.
4- كامل الزيارات: 291; البحار 101: 6; مدينة المعاجز 4: 164 ح1186.
9284/8 ـ جعفر بن محمّد، حدّثني محمّد بن جعفر الرزّاز القرشي، قال: حدّثني خالي محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن علي بن النعمان، عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي داود السبعي، عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسين (عليه السلام) إلى جنبه، فضرب بيده على كتف الحسين (عليه السلام) ثمّ قال: إنّ هذا يُقتل ولا ينصره أحد، قال: قلت: يا أمير المؤمنين إنّ تلك لحياة سوء، قال: إنّ ذلك لكائن(2).
9285/9 ـ الصدوق، حدّثنا أحمد بن الحسن بن القطّان، قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدّثنا تميم بن بهلول، قال: حدّثنا عليّ بن عاصم، عن الحسين ابن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في خروجه إلى صفين، فلما نزل بنينوى ـ وهو شطّ الفرات ـ قال بأعلى صوته: يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قال: قلت: ما أعرفه يا أمير المؤمنين، قال: لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي، قال: فبكى طويلا حتّى اخضلّت لحيته
____________
1- اكمال الدين، الباب 24: 259; اثبات الهداة 4: 453.
2- كامل الزيارات: 71; البحار 44: 261.
ثمّ انتبهت هكذا، والذي نفس عليٍّ بيده لقد حدّثني الصادق المصدّق أبو القاسم (صلى الله عليه وآله) انّي سأراها في خروجي الى أهل البغي علينا، وهذه أرض كرب وبلا، يُدفن فيها حسين وسبعة عشر رجلا كلّهم من ولدي وولد فاطمة (عليها السلام) إنّها لفي السماوات معروفة تذكر أرض كرب وبلا كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس، ثمّ قال لي: يا ابن عباس اُطلب لي حولها بعر الظباء فوالله ما كذبت ولا كذبت قط، وهي مصفرّة لونها لون الزعفران.
فقال ابن عباس: فطلبتها فوجدتها مجتمعة، فناديته: يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي، فقال علي (عليه السلام): صدق الله ورسوله، ثمّ قام يهرول إليها فحملها وشمّها وقال: هي هي بعينها، تعلم يا ابن عباس ما هذه الأبعار؟ هذه
ثمّ ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمّها فقال: هذه بعر الظباء على هذه الطيب لمكان حشيشها، اللّهمّ فابقها أبداً حتّى يشمّها أبوه فتكون له عزاء وسلوة، قال: فبقيت إلى يومنا هذا، فقد اصفرّت لطول زمنها، هذه أرض كرب وبلا، وقال بأعلى صوته: يا ربّ عيسى بن مريم لا تبارك في قتلته والحامل عليه والمعين عليه والخاذل له، ثمّ بكى بكاءاً طويلا وبكينا معه حتّى سقط لوجهه وغُشي عليه طويلا، ثمّ أفاق فأخذ البعر فصرّها في ردائه وأمرني أن أصرّها كذلك، ثمّ قال: يا ابن عباس إذا رأيتها تنفجر دماً عبيطاً فاعلم أنّ أبا عبد الله (عليه السلام) قد قُتل ودُفن بها، قال ابن عباس: فوالله لقد كنت أحفظها أشدّ حفظي لما افترض الله عليّ وأنا لا أحلّها من طرفي كمّي، فبينا أنا في البيت نائم إذ انتبهت فإذا هي تسيل دماً عبيطاً، وكان كمّي قد امتلأ دماً عبيطاً، فجلست أبكي وقلت: قُتل والله الحسين والله ما كذبني علي قط في حديث حدّثني ولا أخبرني بشيء قطّ أنّه يكون إلاّ كان كذلك، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره.
ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر، فرأيت والله المدينة، كأنّها ضباب ولا يستبين فيها أثر عين، ثمّ طلعت الشمس فرأيت كأنّها كاسفة، ورأيت كأنّ حيطان
اصبروا آل الرسول | قُتل الفخر النحول (النحيل) |
نـزل الـروح الأمين | ببكـــاء وعويــــــل |
ثمّ بكى بأعلى صوته وبكيت، وأثبتُّ تلك الليلة وكان شهر المحرّم ويوم عاشورا لعشر مضين منه فوجدته يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك(1).
9286/10 ـ عبد الله بن يحيى، عن أبيه ـ وكان على مطهرة علي ـ قال: خرجنا مع علي إلى صفين فلمّا حاذينا نينوى، نادى صبراً أبا عبد الله بشاطئ الفرات، فقلت: يا أمير المؤمنين ما قولك: صبراً أبا عبد الله؟ قال (عليه السلام): دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعيناه تفيضان، فقلت: بأبي واُمّي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان دموعاً أغضبك أحد؟ قال: بل قام من عندي جبرئيل فأخبرني أنّ الحسين يُقتل بشاطئ الفرات، فقال: هل لك أن أشمّك من تربته؟ قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم تملك عيناي أن فاضتا(2).
9287/11 ـ نصر بن مزاحم: حدّثني مصعب بن سلام، قال: أبو حيّان التميمي، عن أبي عبيدة، عن هرثمة بن سليم، قال: غزونا مع علي (عليه السلام) غزوة صفّين، فلمّا نزل كربلا صلّى بنا صلاة، فلمّا سلّم رفع إليه من تربتها فشمّها ثمّ قال: واهاً لك أيّتها التربة، ليُحشرنّ منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب، فلمّا رجع هرثمة من غزاته إلى امرأته جرداء بنت سمير ـ وكانت من شيعة علي (عليه السلام) ـ حدّثها هرثمة فيما حدّث،
____________
1- إكمال الدين 2: 532; البحار 44: 252; أنوار النعمانية 3: 247; أمالي الصدوق، مجلس 87: 478.
2- كشف الغمة، باب مصرع الحسين ومقتله 2: 270; البحار 44: 247; مسند أحمد 1: 85; مثير الأحزان: 18.
(قال:) فلمّا بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين (عليه السلام)، كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم، فلمّا انتهيت إلى القوم وحُسين (عليه السلام) وأصحابه، عرفت المنزل الذي نزل بنا عليٌّ فيه والبقعة التي رُفع إليه من ترابها، والقول الذي قاله، فكرهت مسيري، فأقبلت على فرسي حتّى وقفت على الحسين (عليه السلام)، فسلّمت عليه، وحدّثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.
فقال الحسين (عليه السلام): معنا أنت أم علينا؟ فقلت: يا ابن رسول الله، لا معك ولا عليك، تركت ولدي وعيالي أخاف عليهم من ابن زياد، فقال الحسين (عليه السلام): فوَلِّ هَرَباً حتّى لا ترى لنا مقتلا، فوالذي نفس محمّد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلاّ أدخله الله النار، قال: فأقبلت في الأرض هرباً حتّى خفي عليّ مقتلهم(1).
9288/12 ـ نصر بن مزاحم: حدّثنا مصعب، قال: حدّثنا الأجلح بن عبد الله الكندي، عن أبي جحيفة، قال: جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب، فسأله وأنا أسمع، فقال: حديث حدّثناه عن عليّ بن أبي طالب، قال: نعم، بعثني مخنف بن سليم الى علي عند توجّهه إلى صفين، فأتيته بكربلاء: فوجدته يشير بيده ويقول: هاهنا هاهنا، فقال له رجل: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: ثقل لآل محمّد (صلى الله عليه وآله) ينزل هاهنا فويل لهم منكم، وويل لكم منهم، فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال: ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم
____________
1- وقعة صفين: 140; شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 278; الاختصاص: 76; روضة الواعظين، في ذكر مناقب أصحاب الأئمة 2: 289; البحار 41: 337; أنوار النعمانية 3: 240.
9289/13 ـ وعنه، عن سعيد بن حكيم العبسي، عن الحسن بن كثير، عن أبيه أنّ عليّاً (عليه السلام) أتى كربلاء فوقف بها، فقيل: يا أمير المؤمنين هذه كربلاء، فقال: ذات كربٌ وبلاء، ثمّ أومأ بيده إلى مكان فقال: هاهنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم، وأومأ بيده إلى مكان آخر فقال: هاهنا مهراق دمائهم(2).
9290/14 ـ عن الأصبغ بن نباتة، عن علي (عليه السلام)، قال: أتينا معه موضع قبر الحسين (عليه السلام) فقال:
هاهنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فتية من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) يقتّلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض(3).
9291/15 ـ من كتاب (الفتن) للسليلي: بإسناده المتّصل، عن عطاء بن السائب، عن ميمون، عن شيبان، قال: أقبلنا مع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من صفين حتّى نزلنا كربلا وهو على بغلة له، فنزل عن البغلة فأخذ كفاً من تحت حافر البغلة فشمّها ثمّ قبّلها ووضعها على عينيه وبكى وقال: وأيّ حبيب يُقتل في هذا الموضع، كأني أنظر إلى ثقل من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أناخوا بهذا الوادي، فخرجتم إليهم فقتلتموهم، ويلٌ لكم منهم، وويلٌ لهم منكم، ما أعلم شهداء أفضل منهم إلاّ شهداء خلقهم مع محمّد (صلى الله عليه وآله) ببدر، ثمّ قال: ائتوني برجل حمار أو فكّ حمار، فأتيته برجل حمار ميّت فأوتده في موضع حافر البغلة، فلما قتل الحسين (عليه السلام) جئت فاستخرجت رجل الحمار من موضع دمه (عليه السلام) وإن أصحابه لربض حوله(4).
____________
1- وقعة صفين: 141; شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 278.
2- وقعة صفيين: 142; شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 278.
3- كشف الغمة، في ما ورد في حق الحسين2: 222; الصواعق المحرقة: 293; الرياض النضرة3: 201.
4- الملاحم والفتن لابن طاووس: 103; تاريخ ابن عساكر في كتاب حياة الحسين: 234.
9293/17 ـ جعفر بن محمّد، حدّثني أبي وجماعة من مشايخي، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن جعفر بن محمّد بن عبد الله، عن عبد الله بن ميمون القدّاح، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليه السلام) قال: مرّ علي (عليه السلام) بكربلا في اُناس من أصحابه (قال)، فلما مرّ بها اغرورقت عيناه بالبكاء، ثمّ قال: هذا مناخ ركابهم، وهذا ملقى رحالهم، وهاهنا تهرق دمائهم، طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبّة(2).
____________
1- كامل الزيارات: 270; وسائل الشيعة 10: 405; البحار 101: 116; تهذيب الأحكام 6: 72.
2- كامل الزيارات: 269; قرب الاسناد: 26 ح87; البحار 101: 116.
الباب الثالث:
في إخباره (عليه السلام) عن مصير بعض أصحابه
(1) زيد بن علي ومقتله
9294/1 ـ من كتاب (الفتن) للسليلي: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وقف بالكوفة في الموضع الذي صلب فيه زيد بن علي، وبكى حتّى اخضلّت لحيته، وبكى الناس لبكائه، فقيل له: يا أمير المؤمنين مما بكاؤك فقد أبكيت أصحابك؟ فقال: إنّ رجلا من ولدي يصلب في هذا الموضع لا أرى فيه خشية من رضى أن ينظر إلى عورته(1).
9295/2 ـ الصدوق، حدّثنا أحمد بن هارون الفاني في مسجد الكوفة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسين بن علوان، عن عمر بن ثابت، عن داود بن عبد الجبار، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام)، عن آبائه، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للحسين: يا حسين يخرج
____________
1- الملاحم والفتن لابن طاووس: 108.
(2) عمرو بن الحمق الخزاعي ومقتله
9296/1 ـ عن محمّد بن علي الصوّاف، عن الحسين بن سفيان، عن أبيه، عن شمر ابن سدير الأزدي، قال: قال علي (عليه السلام) لعمرو بن الحمق الخزاعي: أين نزلت يا عمرو؟ قال: في قومي، قال: لا تنزلنّ فيهم، قال: فأنزل في بني كنانة جيراننا؟ قال: لا، قال: فأنزل في ثقيف؟ قال: فما تصنع بالمعرّة والمجرّة، قال: وما هما؟ قال: عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة يأتي أحدهما على تميم وبكر بن وائل فقلّما يفلت منه أحد، ويأتي العنق الآخر فيأخذ على الجانب الآخر من الكوفة، فقلّ من يصيب منهم، إنّما يدخل الدار فيحرق البيت والبيتين، قال: فأين أنزل؟ قال: أنزل في بني عمرو بن عامر من الأزد، قال: فقال قوم حضروا هذا الكلام: ما نراه إلاّ كاهناً يتحدّث بحديث الكهنة، فقال (عليه السلام): يا عمرو إنّك لمقتول بعدي وإنّ رأسك لمنقول وهو أوّل رأس نقل في الإسلام، والويل لقاتلك، أما أنّك لا تنزل بقوم إلاّ أسلموك برمتك إلاّ هذا الحي من بني عمرو بن عامر من الأزد; فإنّهم لن يسلّموك ولن يخذلوك، قال: فوالله ما مضت الأيام حتّى تنقّل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في بعض أحياء العرب خائفاً مذعوراً حتّى نزل في قومه من بني خزاعة فأسلموه فقُتل وحُمل رأسه من العراق إلى معاوية، وهو أوّل رأس حُمل في الإسلام من بلد إلى بلد(2).
____________
1- عيون أخبار الرضا 2: 250.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 209; البحار 41: 342.
(3) جويرية ومقتله
9298/1 ـ عن إبراهيم بن ميمون الأزدي، عن حبّة العرني، قال: كان جويرية بن مسهر العبدي صالحاً، وكان لعليّ بن أبي طالب صديقاً، وكان عليّ يحبّه، ونظر يوماً إليه وهو يسير، فناداه: يا جويريه إلحق بي فإنّي إذا رأيتك هويتك، قال إسماعيل بن أبان: فحدّثني الصباح، عن مسلم، عن حبّة العرني، قال: سِرنا مع علي (عليه السلام) يوماً فالتفت فإذا جويريه خلفه بعيداً، فناداه: يا جويريه إلحق بي لا أباً لك، ألا تعلم أنّي أهواك واُحبّك، قال: فركض نحوه، فقال له: إنّي مُحدّثك باُمور فاحفظها، ثمّ اشتركا في الحديث سرّاً، فقال له جويريه: يا أمير المؤمنين إنّي رجل نَسِيء، فقال: إنّي اُعيد
____________
1- اختيار معرفة الرجال 1: 249; اثبات الهداة 5: 7.
ثمّ قال له في آخر ما حدّثه إيّاه: يا جويريه أحبب حبيبنا ما أحبّنا فإذا أبغضنا فابغضه، وابغض بغيضنا ما أبغضنا فإذا أحبّنا فأحبّه، قال: فكان ناس ممّن يشكّ في أمر عليّ (عليه السلام) يقولون: أتراه جعل جويريه وصيّه كما يدّعي هو من وصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: يقولون ذلك لشدّة اختصاصه له، حتّى دخل على علي (عليه السلام) يوماً وهو مضطجع وعنده قوم من أصحابه، فناداه جويريه: أيّها النائم استيقظ فلتضربنّ على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك، قال: فتبسّم أمير المؤمنين (عليه السلام) ثمّ قال: واُحدّثك يا جويرية بأمرك: أما والذي نفسي بيده لتعتلنَّ إلى العُتل الزنيم، فليقطعنّ يدك ورجلك وليصلبنّك تحت جذع كافر، قال: فوالله ما مضت الأيام على ذلك حتّى أخذ زياد جويرية فقطع يده ورجله وصلبه الى جانب جذع بن مكعبر، وكان جذعاً طويلا فصلبه على جذع قصير إلى جانبه(1).
(4) ميثم التمّار ومقتله
9299/1 ـ روى إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن أحمد بن الحسن الميثمي، قال: كان ميثم التمّار مولى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه علي (عليه السلام) منها وأعتقه وقال له: ما اسمك؟ فقال: سالم، فقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني أنّ اسمك الذي سمّاك به أبوك في العجم ميثم، فقال: صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصدقت يا أمير المؤمنين فهو والله اسمي، قال: فارجع إلى اسمك ودع سالماً فنحن نكنّيك به، فكنّاه أبا سالم، قال: وقد كان قد أطلعه علي (عليه السلام) على علم كثير وأسرار خفيّة من أسرار الوصيّة، فكان ميثم يحدّث ببعض ذلك فيشكّ فيه قوم من أهل الكوفة
____________
1- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 209; البحار 41: 342.
وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول: بوركت من نخلة لك خُلقتُ ولي نبتِّ، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي (عليه السلام) حتى قطعت فكان يرصد جذعها ويتعاهده ويتردّد إليه ويبصره، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إنّي مجاورك فأحسن جواري، فلا يعلم عمرو ما يريد فيقول له: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أم دار ابن حكيم، وقال: وحجّ في السنة التي قُتل فيها، فدخل على اُمّ سلمة رضي الله عنها فقالت له: من أنت؟ قال: عراقي فاستنسبته، فذكر لها أنّه مولى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقالت: أنت هيثم، قال: بل أنا ميثم، فقالت: سبحان الله والله لربّما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوصي بك عليّاً في جوف الليل، فسألها عن الحسين بن علي (عليه السلام)، فقالت: هو في حائط له، قال: أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله، ولا أقدر اليوم على لقائه واُريد الرجوع، فدعت بطيب فطيّبت لحيته، فقال لها: أما أنّها ستخضب بدم، فقالت: مَن أنبأك هذا؟ قال: أنبأني سيّدي، فبكت اُمّ سلمة وقالت له: إنّه ليس بسيّدك وحدك وهو سيّدي وسيّد المسلمين، ثمّ ودّعته، فقدم الكوفة واُدخل على عبيد الله بن زياد، وقيل له: هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب، قال: ويحكم هذا الأعجمي؟ قالوا: نعم، فقال
فقال ميثم للمختار ـ وهما في حبس ابن زياد: ـ إنّك تفلت وتخرج ثايراً بدم الحسين (عليه السلام) فتقتل هذا الجبّار الذي نحن في حبسه، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخدّيه، فلمّا دعا عبيد الله بن زياد المختار ليقتله، طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد يأمره بتخلية سبيله، وذلك أنّ اُخته كانت تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد، فشفع فأمضى شفاعته وكتب بتخلية سبيل المختار على البريد، فوافى البريد وقد اُخرج ليُضرب عنقه فاُطلق.
وأمّا ميثم فاُخرج بعده ليُصلب، وقال عبيد الله: لأمضينّ حكم أبي تراب فيك، فلقيه رجل، فقال له: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم، فتبسّم وقال: لها خُلقتُ ولي غُذيّت، فلمّا رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، فقال عمرو: لقد كان يقول لي: إنّي مجاورك، فكان يأمر جاريته كلّ عشيّة أن تكنس تحت خشبته وترشّه وتجمّر بالمجمر تحته، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم ومخازي بني اُميّة وهو مصلوب على الخشبة، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا
9300/2 ـ عن ابن عمران، عن ميثم التمّار قال: دعاني أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: كيف بك إذا دعاك دعيّ بني اُمّية إلى البراءة منّي؟ قلت: لا أبرأ منك، قال: إذاً والله يقتلك ويصلبك، قلت: أصبر وذلك عندي في الله قليل، قال: إذاً تكون معي في الجنّة(2).
9301/3 ـ كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يخرج إلى المسجد الجامع بالكوفة، فيجلس عند ميثم التمّار (قدس سره) ويحادثه، فقال له ذات يوم: ألا اُبشرّك يا ميثم؟ فقال: بماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: بأنّك تموت مصلوباً، قال: يا مولاي وأنا على دين الإسلام؟ قال: نعم، قال له: تريد أن اُريك الموضع الذي تُصلب فيه والنخلة التي تُعلّق فيها وعلى جذعها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فجاء به إلى رحبة الصيارفة، ثمّ قال: هاهنا، ثمّ أراه نخلة وقال: هذه، الحديث، وفيه إنّ ما أخبر به وقع كما قال (عليه السلام) (3).
9302/4 ـ عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه صلوات الله عليهم، قال: أتى ميثم التمّار دار أمير المؤمنين (عليه السلام) فقيل له: إنّه نائم، فنادى بأعلى صوته، انتبه أيّها النائم، فوالله لتخضبنّ لحيتك من رأسك، فانبته أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أدخلوا ميثماً، فقال: أيها النائم والله لتخضبنّ لحيتك من رأسك، فقال: صدقت وأنت والله لتقطعنّ يداك ورجلاك ولسانك، ولتقطعنّ النخلة التي في الكنّاسة،
____________
1- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 210; اختبار معرفة الرجال 1: 293; الاختصاص: 76; روضة الواعظين، في ذكر مناقب أصحاب الأئمة 2: 288; البحار 41: 343; الغارات 2: 797.
2- الخرائج والجرائح 1: 229; وسائل الشيعة 11: 477; البحار 42: 130; اختيار معرفة الرجال 1: 296; خصائص الأئمة: 54.
3- اثبات الهداة 4: 459; الروضة في الفضائل: 5.
قال: فلما ولّي عبيد الله بن زياد الكوفة ودخلها، تعلّق علمه بالنخلة التي بالكناسة فتخرّق، فتطيّر من ذلك فأمر بقطعها، فاشتراها رجل من النجّارين فشقّها أربع قطع، قال ميثم: فقلت لصالح إبني: فخذ مسماراً من حديد فانقش عليه إسمي واسم أبي ورقة في بعض تلك الأجذاع.
قال: فلمّا مضى بعد ذلك أيام أتاني قوم من أهل السوق فقالوا: يا ميثم إنهض معنا إلى الأمير نشكوا إليه عامل السوق فنسأله أن يعزله عنّا ويولّي علينا غيره، قال: وكنت خطيب القوم، فنصت لي وأعجبه منطقي، فقال له عمرو بن حريث: أصلح الله الأمير تعرف هذا المتكلّم؟ قال: من هو؟ قال: ميثم التمّار الكذّاب مولى الكذّاب عليّ بن أبي طالب، قال: فاستوى جالساً فقال لي: ما تقول؟ فقلت: كذب أصلح الله الأمير; بل أنا الصادق مولى الصادق عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين حقّاً، فقال لي: لتبرأنّ من عليّ ولتذكرنّ مساويه، وتتولّى عثمان، وتذكر محاسنه، أو لاُقطعنّ يديك ورجليك ولاُصلبنّك، فبكيت، فقال لي: بكيت من القول دون الفعل؟ فقلت: والله ما بكيت من القول ولا من الفعل، ولكنّي بكيت من شكّ كان دخلني يوم أخبرني سيدي ومولاي، فقال لي: وما قال لك؟ قال: فقلت أتيت الباب فقيل لي: إنّه نائم، فناديت: إنتبه أيّها النائم فوالله لتخضبنّ لحيتك من رأسك، فقال: صدقت وأنت والله لتقطعن يداك ورجلاك ولسانك ولتصلبنّ، فقلت: ومن
(5) رشيد الهجري ومقتله
9303/1 ـ المفيد، حدّثنا جعفر بن الحسين، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن علي الصيرفي، عن عليّ بن محمّد بن عبد الله الخيّاط، عن وهيب بن حفص الحريريّ، عن أبي حسّان العجليّ، عن قنواء بنت رشيد الهجري، قال: قلت لها: أخبريني بما سمعت من أبيك، قالت: سمعت أبي يقول: حدّثني أمير
____________
1- اختيار معرفة الرجال 1: 296; البحار 42: 131.
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يسمّيه رشيد البلايا، وكان قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا، فكان في حياته إذا لقي الرجل قال له: يا فلان تموت بميتة كذا وكذا وتُقتل أنت يا فلان بقتلة كذا وكذا، فيكون كما يقول رشيد، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول له: أنت رشيد البلايا أنّك تُقتل بهذه القتلة، فكان كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
9304/2 ـ جبرئيل، عن محمّد بن عبد الله بن مهران، عن أحمد بن النّضر، عن عبد الله بن يزيد الأسدي، عن فضيل بن الزبير، قال: خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) يوماً
____________
1- الاختصاص: 77; اختيار معرفة الرجال 1: 290; البحار 42: 136; مستدرك الوسائل 12: 273 ح14080; اثبات الهداة 4: 491; بشارة المصطفى: 92.