ويجتمعون في موطن آخر فيستنطقون، فيفرّ بعضهم من بعض، فذلك قوله عزّ وجلّ: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}(5) فيستنطقون فلا يتكلّمون إلاّ من أذن له الرحمن وقال صواباً، فتقوم الرسل ـ صلّى الله عليهم ـ فيشهدون في هذا الموطن، فذلك قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهِيد وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلاَءِ شَهِيداً}(6).
ثمّ يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمّد (صلى الله عليه وآله) وهو المقام المحمود، فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثنِ عليه أحد قبله، ثمّ يثني على الملائكة كلّهم، فلا يبقى ملك إلاّ أثنى عليه محمّد (صلى الله عليه وآله)، ثمّ يثنِ على الرسل بما لم يثنِ عليهم أحد مثله، ثمّ يثني
____________
1- إبراهيم: 22.
2- الممتحنة: 4.
3- الأنعام: 23.
4- فصلت: 21.
5- عبس: 34-36.
6- النساء: 41.
قال: فرّجت عنّي فرّج الله عنك يا أمير المؤمنين، وساق الحديث إلى أن قال:
فأمّا قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(2) وقوله: {لاَ تُدْرِكُهُ الاَْبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَْبْصَارَ}(3) فإنّ ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عزّ وجلّ بعدما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمّى الحيوان، فيغتسلون فيه ويشربون منه، فتنضر وجوههم اشراقاً، فيذهب عنهم كلّ قذى ووعث، ثمّ يؤمرون بدخول الجنّة، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربّهم كيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنّة، فذلك قول الله عزّ وجلّ من تسليم الملائكة عليهم: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}(4) فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنّة، والنظر إلى ما وعدهم ربّهم، فذلك قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(5) وإنّما يعني بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى.
وأمّا قوله {لاَ تُدْرِكُهُ الاَْبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَْبْصَارَ}(6) يعني يحيط بها،
____________
1- الاسراء: 79.
2- القيامة: 22-23.
3- الأنعام: 103.
4- الزمر: 73.
5- القيامة: 23.
6- الأنعام: 103.
9699/21 ـ الطوسي، أخبرنا ابن الصلت، عن ابن عقدة، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد، قال: حدّثنا داود بن سليمان، قال: حدّثني علي بن موسى، عن أبيه، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل تدرون ما تفسير هذه الآية {كَلاّ إِذَا دُكَّتِ الاَْرْضُ دَكّاً دَكّاً}(2)؟ قال: إذا كان يوم القيامة، تقاد جهنّم بسبعين ألف زمام بيد سبعين ألف ملك، فتشرد شردة لولا أنّ الله تعالى حبسها لأحرقت السماوات والأرض(3).
9700/22 ـ سئل علي (عليه السلام): كيف يحاسب الله الخلق على كثرتهم؟ فقال: كما يرزقهم على كثرتهم، قيل: فكيف يحاسبهم ولا يرونه؟ قال: كما يرزقهم ولا يرونه(4).
9701/23 ـ محمّد بن يعقوب، عدّة من أصحابنا، عن سهل بن محبوب، عن ابن رئاب، عن ابن عبيدة، عن ثوير بن أبي فاختة، عن عليّ بن الحسين، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه، قال: إذا كان يوم القيامة ونصبت الموازين واُحضر النبيّون والشهداء ـ وهم الأئمة ـ يشهد كلّ إمام على أهل عالمه بأنّه قد قام فيهم بأمر الله عزّ وجلّ ودعاهم إلى سبيل الله(5).
9702/24 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث يذكر فيه أحوال أهل الموقف: فيقام الرسل فيتساءلون عن تأدية الرسالات التي حمّلوها اُممهم، فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى اُممهم، وتسأل الاُمم فتجحد كما قال الله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ
____________
1- البحار 7: 117; التوحيد: 260.
2- الفجر: 21.
3- أمالي الطوسي، المجلس 12: 337 ح684; البحار 7: 126.
4- نهج البلاغة: قصار الحكم 300; البحار 7: 271.
5- البحار 7: 283; الكافي 8: 106.
9703/25 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ جهنّم لها سبعة أبواب، أطباق بعضها فوق بعض، ووضع احدى يديه على الاُخرى فقال: هكذا، وإنّ الله وضع الجنان على العرض، ووضع النيران بعضها فوق بعض، فأسفلها جهنّم، وفوقها لظى، وفوقها الحطمة، وفوقها سقر، وفوقها الجحيم، وفوقها السعير، وفوقها الهاوية(5).
9704/26 ـ كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أهل مصر في وصف النار:
قعرها بعيد، وحرّها شديد، وشرابها صديد، وعذابها جديد، ومقامعها حديد، لا يفتر عذابها، ولا يموت ساكنها، دار ليس فيها رحمة ولا تسمع لأهلها دعوة(6).
9705/27 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
وأمّا أهل المعصية فخلّدهم في النار، وأوثق منهم الأقدام، وغلّ منهم الأيدي إلى الأعناق، وألبس أجسادهم سرابيل القطران، وقطّعت لهم مقطّعات من النار، هم في عذاب قد اشتدّ حرّه، ونار قد أطبق على أهلها، فلا يفتح عنهم أبداً، ولا يدخل عليهم ريح أبداً، ولا ينقضي عنهم الغم أبداً، العذاب أبداً شديد، والعقاب أبداً جديد، لا الدار زائلة فتفنى ولا آجال القوم تقضى، ثمّ حكى نداء أهل النار فقال: {وَنَادَوا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} قال: أي نموت، فيقول مالك: {إِنَّكُمْ
____________
1- الأعراف: 6.
2- المائدة: 19.
3- المائدة: 19.
4- الاحتجاج 1: 566 ح137; تفسير الصافي 2: 180.
5- مجمع البيان 3: 338; تفسير الصافي 3: 114.
6- البحار 8: 286; أمالي الطوسي، المجلس الأول: 29 ح31.
9706/28 ـ أبو محمّد جعفر بن أحمد القمي في كتاب (زهد النبي (صلى الله عليه وآله))، فيما رواه عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه، عن علي (عليه السلام) قال: ربّما خوّفنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول: والذي نفس محمّد بيده لو أنّ قطرة من الزقوم قطرت على جبال الأرض لساخت إلى أسفل سبع أرضين ولما أطاقته، فكيف بمن هو طعامه، ولو أن قطرة من الغسلين أو من الصديد قطرت على جبال الأرض لساخت أسفل سبع أرضين ولما أطاقته، فكيف بمن هو شرابه، والذي نفسي بيده لو أنّ مِقماعاً واحداً ممّا ذكره الله في كتابه وضع على جبال الأرض لساخت إلى أسفل سبع أرضين ولما أطاقته، فكيف بمن يُقمع به يوم القيامة في النار(3).
9707/29 ـ عليّ بن الحسين المرتضى، نقلا عن تفسير النعماني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: نَسخ قوله تعالى: {وَإِن مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً}(4) قوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى اُولئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِيَما اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاَْكْبَرُ}(5)(6).
9708/30 ـ سليمان بن محمّد بن أبي العطوس معنعناً، عن ابن عباس، قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم على فاطمة (عليها السلام) وهي حزينة، فقال لها: ما حزنك يا بنية؟ قالت: يا أبة ذكرت المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة، قال: يا بنية إنّه ليومٌ عظيم، ولكن قد أخبرني
____________
1- الزخرف: 77.
2- تفسير القمي 2: 289; البحار 8: 292.
3- الدروع الواقية: 273; نوادر الأثر، في باب زهد النبي: 339; البحار 8: 302.
4- مريم: 71.
5- الأنبياء: 101-103.
6- رسالة المحكم والمتشابه: 11; البحار 8: 306.
فلا ينظر إليك يومئذ إلاّ إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) وعليّ بن أبي طالب، ويطلب آدم حوّاء فيراها مع اُمّك خديجة أمامك، ثمّ ينصب لك منبر من النور فيه سبع مراقي بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة بأيديهم ألوية النور، وتصطفّ الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره، وأقرب النساء منك (معك) عن يسارك حوّاء وآسية بنت مزاحم، فإذا صرت في أعلى المنبر أتاك جبرئيل (عليه السلام) فيقول لك:
ثمّ يقول جبرئيل (عليه السلام): يا فاطمة سلي حاجتك، فتقولين: يا ربّ شيعتي، فيقول الله عزّ وجلّ: قد غفرت لهم، فتقولين: يا ربّ شيعة ولدي، فيقول الله: قد غفرت لهم، فتقولين: يا ربّ شيعة شيعتي، فيقول الله: انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك في الجنّة، فعند ذلك يودّ الخلائق أنّهم كانوا فاطميّين، فتسيرين ومعك شيعتك وشيعة ولدك وشيعة أمير المؤمنين آمنة روعاتهم مستورة عوراتهم، قد ذهبت عنهم الشدائد وسهّلت لهم الموارد، يخاف الناس وهم لا يخافون، ويظمأ الناس وهم لا يظمأون.
فإذا بلغتِ باب الجنّة تلقّتك اثنتا عشر ألف حوراء لم يتلقّين أحداً قبلك ولا يتلقّين أحداً بعدك، بأيديهم حِراب من نور على نجائب من نور، رحائلها من الذهب الأصفر والياقوت، أزمّتها من لؤلؤ رطب، على كلّ نجيب نمرقة من سندس منضود، فإذا دخلت الجنّة تباشر بك أهلها، ووضع لشيعتك موائد من جوهر على أعمدة من نور، فيأكلون منها والناس في الحساب، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون، وإذا استقرّ أولياء الله في الجنّة، زارك آدم ومن دونه من النبيّين، وإنّ في بطنان الفردوس لؤلؤتان من عرق واحد لؤلؤة بيضاء ولؤلؤة صفراء، فيها قصور
قالت: يا أبة فما كنت اُحبّ أن أرى يومك ولا أبقى بعدك، قال: يا بنيّة لقد أخبرني جبرئيل عن الله عزّ وجلّ أنّك أوّل من يلحقني من أهل بيتي، فالويل كلّه لمن ظلمك والفوز العظيم لمن نصرك(1).
____________
1- تفسير فرات: 444 ح587; البحار 43: 225 و في 8: 53 منه أيضاً.
الباب الثاني:
في معنى الميزان
9709/1 ـ عن أبي معمّر السعداني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث من سأل عن الآيات التي زعم أنّها متناقضة، قال (عليه السلام): وأمّا قوله تبارك وتعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً}(1) فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة، يدين الله تبارك وتعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين، وفي غير هذا الحديث، الموازين هم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وقوله عزّ وجلّ: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً}(2) فإنّ ذلك خاصّة، وأمّا قوله: {فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب}(3) فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: قال الله عزّ وجلّ: لقد حقّت كرامتي ـ أو قال: مودّتي ـ، لمن يراقبني، ويتحابّ بجلالي، إنّ وجوههم يوم القيامة من نور، على منابر من نور، عليهم ثياب خضر، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال:
____________
1- الأنبياء: 47.
2- الكهف: 105.
3- غافر: 40.
وأمّا قوله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}(1) و {خَفَّتْ مَوَازِينُهُ}(2) فإنّما يعني الحساب، توزن الحسنات والسيّئات، فالحسنات ثقل الميزان والسيّئات خفّة الميزان(3).
بيـان:
الرواية غريبة في بابها، وهذه الجملة ربّما استلزمت معان اُخرى يظهر لمن تدبّر، غير أنّها من الآحاد الغريبة.
|
9710/2 ـ في كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أهل مصر:
من عمل لله أعطاه الله أجره في الدنيا والآخرة وكفاه المهمّ فيها، وقد قال الله تعالى: {يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب}(4) فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة، قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}(5)والحسنى هي الجنّة، والزيادة هي الدنيا، الخبر(6).
9711/3 ـ عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفّار، عن القاساني، عن الاصفهاني، عن المنقري، عن ابن عيينة، عن حميد بن زياد، عن عطاء بن يسار، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:
يوقف العبد بين يدي الله فيقول: قيسوا بين نعمي عليه وبين عمله، فتستغرق النعم العمل، فيقولون: قد استغرقت النعم العمل، فيقول: هبوا له نعمي وقيسوا بين
____________
1- الأعراف: 8.
2- الأعراف: 9.
3- البحار 7: 250; التوحيد: 268.
4- الزمر: 10.
5- يونس: 26.
6- البحار 7: 260; أمالي الطوسي، المجلس الأول: 26 ح31.
____________
1- البحار 7: 262; أمالي الطوسى، مجلس 8: 212 ح369.
الباب الثالث:
في وصف شجرة طوبى
9712/1 ـ فرات، قال: حدّثنا الحسين بن القاسم، والحسين بن محمّد بن مصعب، وعليّ بن حمدون، زاد بعضهم الحرف والحرفين، ونقّص بعضهم الحرف والحرفين والمعنى واحد إن شاء الله، قالوا: حدّثنا عيسى بن مهران، قال: حدّثنا محمّد بن بكار الهمداني، عن يوسف السراج، عن أبي هبيرة العماري، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) قال: لمّا نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله): {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآب}(1) قام المقداد بن الأسود الكندي الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله ما طوبى؟ قال: يا مقداد شجرة في الجنّة لو يسير الراكب الجواد لسار في ظلّها مائة عام قبل أن يقطعها.
ورقُها وبسرها برودٌ خضر، وزهرها رياض صفر، وأفناءها سندس واستبرق، وثمرها حلل خضرٌ، وطعمها زنجبيل وعسل، وبطحاؤها ياقوت أحمر
____________
1- الرعد: 29.
فلمّا دفعوا إلى الجبّار جلّ جلاله قالوا: ربّنا أنت السلام ولك يحقّ الجلال والاكرام، فيقول الله: فمرحباً بعبادي الذين حفظوا وصيّتي في أهل بيت نبيّي ورعوا حقّي وخافوني بالغيب، وكانوا منّي على كلّ حال مشفقين، فقالوا: أما وعزّتك وجلالك ما قدّرناك حقّ قدرتك وما أدّينا إليك كلّ حقّك، فأْذَن لنا بالسجود، قال لهم ربّهم: إنّي قد وضعت عنكم مؤونة العبادة وأرحت عليكم أبدانكم، وطال ما أنصبتم لي الأبدان، وعنتّم لي الوجوه، فالآن أفضيتم الى رَوحي ورحمتي فاسألوني
فلا يزالون يا مقداد محبّو عليّ بن أبي طالب في العطايا والمواهب، حتّى أنّ المقصّر من شيعته ليتمنّ في اُمنيّته مثل جميع الدنيا منذ يوم خلقه الله إلى يوم فنائها، قال (فيقول) لهم ربّهم: لقد قصّرتم في أمانيّكم ورضيم بدون ما يحقّ لكم، فانظروا إلى مواهب ربّكم، فإذا بقباب وقصور في أعلى عليّين من الياقوت الأحمر والأخضر والأصفر والأبيض، فلولا أنّه مسخّر اذاً للمعت الأبصار منها، فما كان من تلك القصور من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقريّ الأحمر (يزهر نورها)، وما كان منها من الياقوت الأخضر فهو مفروش بالسندس الأخضر، وما كان منها من الياقوت الأبيض فهو مفروش بالحرير الأبيض، وما كان من الياقوت الأصفر فهو مفروش بالرياض الأصفر، مبثوثة بالزمرّد الأخضر والفضّة البيضاء والذهب الأحمر، قواعدها وأركانها من الجوهر، ينور من أبوابها وأعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدرّي في النهار المضيء، وإذا على باب كلّ قصر من تلك القصور {جَنَّتَانِ * مُدْهَامَّتَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ * فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَة زَوْجَانِ}(1).
فلمّا أرادوا أن ينصرفوا إلى منازلهم، حولوا على براذين من نور بأيدي ولدان مخلّدين، بيد كلّ واحد منهم حَكمةَ برذون من تلك البراذين، لجمها وأعنّتها من الفضّة البيضاء وأثفارها من الجوهر، فلمّا (فإذا) دخلوا منازلهم وجدوا الملائكة يهنّونهم بكرامة ربّهم حتّى استقرّوا قرارهم قيل لهم: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً}(2)؟ قالوا: نعم ربّنا رضينا فارض عنّا، قال: برضاي عنكم وبحبّكم أهل بيت
____________
1- الرحمن: 63، 66، 52.
2- الأعراف: 44.
قال أبو موسى: فحدّثت به أصحاب الحديث عن هؤلاء الثمانية، فقلت لهم: أنا أبرأ اليكم من عهدة هذا الحديث; لأنّ فيه قوماً مجهولين، ولعلّهم لم يكونوا صادقين، فرأيت من ليلتي أو بعد، كأن أتاني آت ومعه كتاب فيه: من محمّد بن إبراهيم، والحسن بن الحسين، ويحيى بن الحسن بن فرات، وعليّ بن القاسم الكندي، ولم ألق عليّ بن القاسم وعدّة بعد لم أحفظ أساميهم: كتبنا إليك من تحت شجرة طوبى، وقد أنجز ربّنا لنا ما وعدنا، فاستمسك بهذا الكتاب (بهذه الكتب) فإنّك لم تقرأ منه كتاب إلاّ أشرقت له الجنّة(2).
____________
1- فاطر: 34.
2- تفسير فرات: 211 ح287; البحار 8: 151 وفي 68: 71 منه أيضاً; دار السلام 1: 175; سعد السعود: 109.
الباب الرابع:
في وصف الجنة
9713/1 ـ عن عاصم بن ضمرة، عن علي (عليه السلام) أنه ذكر أهل الجنة فقال: يجيئون فيدخلون فاذا أساس بيوتهم من جندل اللؤلؤ، وسرر مرفوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، ولولا أن الله تعالى قدّرها لهم لالتمعت أبصارهم بما يرون، ويعانقون الأزواج ويقصدون على السرر ويقولون الحمد لله الذي هدانا لهذا(1).
9714/2 ـ الديلمي، عن علي [(عليه السلام)]: من إقتراب الساعة إذا كثر خطباء منابركم، وركن علماؤكم إلى ولاتكم فأحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال، فأفتوهم بما يشتهون، وتعلم علماؤكم ليحلوا به دنانيركم ودراهمكم، واتخذتم القرآن تجارة(2).
9715/3 ـ عن الحارث، عن علي [(عليه السلام)] قال: إن الرجل من أهل الجنة يشتاق إلى أخيه في الله، فيؤتى بنجيبه من نجائب الجنة، فيركبها إلى أخيه، وبينه مسيرة ألف
____________
1- مجمع البيان 5:480.
2- كنز العمال 14:241 ح38563.
9716/4 ـ عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه سئل عن أهل الجنة، فقال: أهل الجنة شعث رؤسهم، وسخة ثيابهم، لو قسم نور أحدهم على أهل الأرض لوسعهم(2).
9717/5 ـ أخرج ابن مردويه، عن علي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جنة عدن قضيب غرسه الله بيده ثم قال له كن فكان(3).
9718/6 ـ عن علي [(عليه السلام)]: مثل ما بين ناحيتي حوضي مثل ما بين المدينة وصنعاء، أو مثل ما بين المدينة وعمان(4).
____________
1- كنز العمال 14:654 ح39783.
2- تفسير الفخر الرازي 1:124.
3- تفسير السيوطي 4:57.
4- كنز العمال 14:434 ح39188.