الصفحة 125
والاستسلام له في جميع الفعال(1).

10675/21- (الجعفريات)، أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال: ومنزلة الصبر من الايمان كمنزلة الرأس من الجسد(2).

10676/22- وبهذا الاسناد عنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصبر خير مركب(3).

10677/23- قال علي (عليه السلام): الصبر شجاعة، والزهد ثروة، والورع جُنّة، ونعم القرين الرضى، والعلم وراثة كريمة، والآداب حلل مجدّدة، والفكر مرآة صافية، وصدر العاقل صندوق سرّه، والبشاشة حبالة المودّة، والاحتمال قبر العيوب، وفي رواية اُخرى: والمسالمة خباء العيوب، والصدقة دواء منجح، وأعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم في آجالهم(4).

10678/24- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إيّاك والجزع فإنّه يقطع الأمل ويضعف العمل ويورث الهم، واعلم أنّ المخرج في أمرين: ما كانت فيه حيلة فالاحتيال، وما لم تكن فيه حيلة فالاصطبار(5).

10679/25- قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من كنوز الايمان الصبر على المصائب، وقال: الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا ايمان لمن لا صبر له، وقال:

____________

1- احتجاج الطبرسي 1: 507 ح127; مستدرك الوسائل 2: 413 ح2337.

2- الجعفريات: 236; مستدرك الوسائل 2: 415 ح2339; الجامع الصغير للسيوطي 2: 113 ح5136.

3- الجعفريات: 149; مستدرك الوسائل 2: 415 ح2340.

4- نهج البلاغة: قصار الحكم 4، 5، 6; البحار 69: 409.

5- دعائم الإسلام 1: 223; البحار 82: 144; مستدرك الوسائل 2: 421 ح2346; الجعفريات: 234.


الصفحة 126
من صبر ساعة حمد ساعات، وقال: من جعل الصبر والياً لم يكن بحدث مبالياً(1).

10680/26- عن عليّ [(عليه السلام)] قال: الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الصبر ذهب الايمان(2).

10681/27- عن علي [(عليه السلام)] قال: الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، من لا صبر له لا إيمان له(3).

10682/28- أخرج ابن أبي شيبة في كتاب (الايمان)، والبيهقي، عن عليّ (رضي الله عنه)قال: الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، إذا قطع الرأس نَتُن باقي الجسد، ولا ايمان لمن لا صبر له(4).

10683/29- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه، وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه(5).

10684/30- قال علي (عليه السلام): من صبَر صبْر الأحرار، وإلاّ سَلا سُلُوَّ الأغمار(6).

10685/31- عن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): من كنوز الجنّة (البِّرِ) إخفاء العمل والصبر على الرزايا وكتمان المصائب(7).

10686/32- قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّه سيكون زمان لا يستقيم لهم الملك إلاّ بالقتل والجور، ولا يستقيم لهم الغنى إلاّ بالبخل، ولا تستقيم لهم الصحبة في الناس إلاّ باتّباع أهوائهم والاستخراج من الدين، فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر

____________

1- كنز الكراجكي: 58; البحار 82: 136.

2- كنز العمال 3: 744 ح8631.

3- كنز العمال 3: 744 ح8632.

4- تفسير السيوطي 1: 66.

5- مستدرك الوسائل 2: 402 ح2306; مجمع البيان 1: 238; رواه الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره، عن النبي (صلى الله عليه وآله) مثله 4: 174.

6- نهج البلاغة: قصار الحكم 413; البحار 82: 135.

7- صحيفة الإمام الرضا: 66 ح119; التمحيص: 66 ح153; البحار 70: 251.


الصفحة 127
وهو يقدر على الغنى، وصبر على الذلّ وهو يقدر على العزّ، وصبر على بغضة الناس وهو يقدر على المحبّة، أعطاه الله ثواب خمسين صدّيقاً(1).


تبيين:

لا ينال الملك فيه: أي السلطنة إلاّ بالقتل لعدم إطاعتهم إمام الحقّ، فيتسلّط عليهم الملوك الجورة فيقتلونهم ويتجبّرون عليهم وذلك من فساد الزمان، وإلاّ لم يتسلّط عليهم هؤلاء؟

ولا الغنى إلاّ بالغصب والبخل: وذلك من فساد الزمان وأهله، لأنّهم لسوء عقائدهم يظنّون أنّ الغنا إنّما يحصل بغصب أموال الناس والبخل في حقوق الله والخلق، مع أنّه لا يتوقّف على ذلك، بل الأمانة وأداء الحقوق أدعى الى الغنى لأنّه بيد الله، أو لأنّه لفسق أهل الزمان منع الله عنهم البركات فلا يحصل الغنى إلاّ بهما.

لا المحبّة: أي جلب محبّة الناس.

إلاّ باستخراج الدين: أي طلب خروج الدين من القلب، أو بطلب خروجهم من الدين.

واتّباع الهوى: أي الأهواء النفسانية أو أهوائهم الباطلة، وذلك لأنّ أهل تلك الأزمنة لفسادهم لا يحبّون أهل الدين والعبادة، فمن طلب مودّتهم لابدّ من خروجه من الدين، ومتابعتهم في الفسوق.

وصبرٌ على البغضة: أي بغضة الناس له لعدم اتّباعه أهوائهم.

وصبرٌ على الذلّ: كأنّه ناظر إلى نيل الملك، فالنشر ليس على ترتيب اللفّ فالمراد بالعزّ هنا الملك والإستيلاء، أو المراد بالملك هناك مطلق العزّ والرفعة، ويحتمل أن تكون الفقرتان الأخيرتان ناظرتين إلى الفقرة الأخيرة، ولم يتعرّض للاُولى لكون الملك عزيز المنال ولا يتيسّر لكلّ أحد، والأوّل أظهر.


____________

1- جامع الأخبار، باب الصبر: 317 ح888; البحار 71: 76.


الصفحة 128
10687/33- الصدوق، أبي، عن علي، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفية: إيّاك والعجب وسوء الخلق وقلّة الصبر، فإنّه لا يستقيم لك على هذه الخصال الثلاثة صاحب، ولا يزال لك عليها من الناس مجانب(1).

10688/34- قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أيّها الناس، عليكم بالصبر، فإنّه لا دين لمن لا صبر له(2).

10689/35- قال علي (عليه السلام): إنّك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإنّك إن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور(3).

10690/36- قال علي (عليه السلام): إنّ الصبر وحسن الخلق والبر والحلم من أخلاق الأنبياء(4).

10691/37- قال أمير المؤمنين (عليه السلام): صبرك على محارم الله أيسر من صبرك على عذاب الله، من صبر على الله وصل إليه(5).

10692/38- قال علي (عليه السلام): من لم يُنْجِهِ الصبرُ أهلكَه الجزع(6).

10693/39- قال علي (عليه السلام): عند تناهي الشدّة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء(7).

____________

1- الخصال، باب 3: 147; البحار 71: 86.

2- جامع الأخبار، باب الصبر: 316 ح881; البحار 71: 92.

3- جامع الأخبار، باب الصبر: 316 ح882; البحار 71: 92.

4- جامع الأخبار، باب الصبر: 317 ح887; البحار 71: 92; جامع السعادات 3: 290.

5- البحار 71: 95; مستدركات دعوات الراوندي: 292.

6- نهج البلاغة: قصار الحكم 189; البحار 71: 96.

7- نهج البلاغة: قصار الحكم 351; البحار 71: 96.


الصفحة 129
10694/40- قال علي (عليه السلام): الصبر مطيّة لا تكبوا، والقناعة سيف لا ينبو(1).

10695/41- قال علي (عليه السلام): أفضل العبادة الصبر والصمت وانتظار الفرج(2).

10696/42- قال علي (عليه السلام): الصبر جنّة من الفاقة(3).

10697/43- قال علي (عليه السلام): من ركب مركب الصبر اهتدى إلى ميدان النصر(4).

10698/44- قال علي (عليه السلام): اللّهمّ إنّي أسألك الصبر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لقد سألت الله البلاء فاسأله العافية(5).

10699/45- المفيد، باسناده إلى هشام بن محمّد في خبر طويل، قال: لما وصل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاة الأشتر جعل يتلهّف ويتأسّف عليه ويقول: لله درّ مالك لو كان من جبل لكان من أعظم أركانه، ولو كان من حجر كان صلداً، أما والله ليهدنّ موتك عالماً، فعلى مثلك فلتبكِ البواكي، ثمّ قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون والحمد لله ربّ العالمين، إنّي أحتسبه عندك، فإنّ موته من مصائب الدهر، فرحم الله مالكاً فقد وفى بعهده وقضى (نحبه ولقي ربّه، مع أنّا قد وطنّا أنفسنا أن نصبر على كلّ مصيبة بعد مصابنا) برسول الله فإنّها أعظم المصيبة(6).

10700/46- قال علي (عليه السلام) على قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساعة دفن: إنّ الصبر لجميلٌ إلاّ عنك، وإنّ الجزع لقبيحٌ إلاّ عليك(7).

10701/47- من كلام علي (عليه السلام) وهو يلي غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتجهيزه: ولولا أنّك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع، لأنفدنا عليك ماء الشؤون(8).

____________

1 و 2 و 3- كنز الكراجكي: 58; البحار 71: 96.

4- كنز الكراجكي: 58; البحار 71: 96.

5- احياء الاحياء 7: 235; سنن الترمذي 5: 541 ح3527 عن النبي (صلى الله عليه وآله).

6- أمالي المفيد، المجلس 9: 58; مستدرك الوسائل 2: 403 ح2308; البحار 82: 130.

7- نهج البلاغة: قصار الحكم 292; مستدرك الوسائل 2: 445 ح2422; البحار 82: 134.

8- نهج البلاغة: خطبة 235; مستدرك الوسائل 2: 445 ح2423.


الصفحة 130
10702/48- (الجعفريات)، أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: إنّ السبب الذي أدرك به الفاجر، فهو الذي حال بين الحازم وبين طلبته، فإيّاك والجزع فإنّه يقطع الأمل ويضعف العمل ويورث الهمّ، الخبر(1).

10703/49- أخرج ابن أبي الدنيا في (العزاء)، عن عليّ (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صبر على المصيبة حتّى يردّها بحسن عزائها، كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض(2).

10704/50- الشيخ الطوسي، باسناده، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): المؤمن لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحب، وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله عزّوجلّ هو المنتصر(3).

10705/51- الشيخ الطوسي، باسناده، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن من الغرّة بالله أن يصبر (يصرّ) العبد على المعصية، ويتمنى على الله المغفرة(4).

10706/52- قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال الله عزّوجلّ: إن من أغبط أوليائي عندي عبداً مؤمناً ذا حظ من صلاح، أحسن عبادة ربه، وعبد الله في السريرة، وكان غامضاً في الناس، فلم يشر اليه بالأصابع، وكان رزقه كفافاً فصبر عليه، فعجلت به المنية فقل تراثه وقلت بواكيه(5).

____________

1- الجعفريات: 234; مستدرك الوسائل 2: 446 ح2427.

2- تفسير السيوطي 1: 156.

3- أمالي الطوسي المجلس 24:580 ح1199، البحار 67:313.

4- أمالي الطوسي المجلس 24:580 ح1200، البحار 71:188، مجموعة ورام 2:72.

5- مجموعة ورام 2:195.


الصفحة 131

الباب السابع:

في الزهد

10707/1- الطوسي، عن ابن حمويه، عن محمّد بن محمّد بن بكر، عن ابن مقبل، عن عبد الله بن شبيب، عن إسحاق بن محمّد القروي، عن سعيد بن مسلم، عن عليّ ابن الحسين، عن أبيه، عن عليّ (عليه السلام) قال: قال رسول الله: من رضي من (عن) الله بالقليل من الرزق، رضي منه (عنه) بالقليل من العمل، وانتظار الفرج عبادة(1).

10708/2- محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أيّوب الخزّاز، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ من أعوان الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا(2).

10709/3- وعنه، عن علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ علامة الراغب

____________

1- أمالي الطوسي، المجلس 4: 405 ح907; البحار 52: 122.

2- الكافي 2: 128; وسائل الشيعة 11: 311.


الصفحة 132
في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا، أما أنّ زهد الزاهد في هذه الدنيا لا ينقصه ممّا قسم الله عزّ وجلّ له فيها وإنّ زهد، وإنّ حرص الحريص على عاجل زهرة الحياة الدنيا لا يزيده فيها وإن حرص، فالمغبون من حرم حضّه من الآخرة(1).

10710/4- الصدوق، أبي (رحمه الله) قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): ما الزهد في الدنيا؟ قال: (ويحك) تنكبّ حرامها(2).

10711/5- عنه، حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن مالك ابن عطية الأحمسي، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: الزهد في الدنيا قصر الأمل وشكر كلّ نعمة، والورع عمّا حرّم الله عليك(3).

10712/6- قال علي (عليه السلام): الزهد قصر الأمل، والشكر على النعم، والورع عن المحارم، فإن عزب ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم، ولا تنسوا عند النعم شكركم، فإنّ الله تعالى قد أعذر اليكم بحجج ظاهرة مستقرّة، وكتب بارزة مسفرة ظاهرة(4).

10713/7- قال علي (عليه السلام): الزاهدون في الدنيا ملوك الدنيا والآخرة، والراغبون فيها فقراء الدنيا والآخرة، ومن لم يزهد في الدنيا ورغب فيها فهو فقير الدنيا والآخرة، ومن زهد في الدنيا ملكها، ومن رغب فيها ملكته(5).

____________

1- الكافي 2: 129.

2 و 3- معاني الأخبار، في معنى الزهد: 251; وسائل الشيعة 11: 309.

4- ارشاد القلوب، باب الزهد 1: 15.

5- ارشاد القلوب، باب الزهد 1: 16.


الصفحة 133
10714/8- قال علي (عليه السلام): الزاهدون في الدنيا قوم وُعظوا فاتّعظوا، وخُوِّفوا فحذروا، وعلموا فعملوا، وإن أصابهم يسرٌ شكروا وإن أصابهم عسرٌ صبروا، قالوا: يا وصيّ رسول الله لا نأمر بالمعروف حتّى نعمل به كلّه، ولا ننهى عن المنكر حتّى ننتهي عنه كلّه؟ فقال: لا، بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كلّه، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كلّه(1).

10715/9- المفيد أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان، قال: أخبرني الحسن عليّ ابن خالد المراغي، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد الزراري، قال: حدّثني أبو عبد الله جعفر بن عبد الله العلوي المحمّدي، قال: حدّثنا يحيى بن هاشم الغسّاني، عن أبي عاصم النبيل، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن قيس، عن نوف البكالي، قال: بتُّ ليلة عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فرأيته يكثر الإختلاف من منزله وينظر إلى السماء، قال: فدخل كبعض ما كان يدخل، قال (عليه السلام): أنائم أنت أم رامق؟ فقلت: بل رامق يا أمير المؤمنين ما زلت أرمقك منذ الليلة بعيني وأنظر ما تصنع، قال: يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، قوم يتّخذون أرض الله بساطاً وترابه وساداً وكتابه شعاراً، ودعاه دثاراً، ومائه طيباً (طهوراً) يقرضون الدنيا قرضاً على منهاج المسيح (عليه السلام).

يا نوف إنّ الله تعالى أوحى إلى عيسى (عليه السلام): يا عيسى عليك بالمنهاج الأوّل تلحق ملاحق المرسلين، قل لقومك يا أخا المنذرين أن لا تدخلوا بيتاً من بيوتي إلاّ بقلوب طاهرة وأيد نقيّة وأبصار خاشعة، فإنّي لا أسمع من داع دعاني ولأحد من عبادي عنده مظلمة، ولا أستجيب له دعوة ولي قِبَلهُ حقّ لم يردّه إليّ، فإن استطعت أن لا تكون عرّيفاً ولا شاعراً ولا صاحب كربة ولا صاحب عرطبة فافعل، فإنّ

____________

1- ارشاد القلوب، باب ثواب الموعظة 1: 14; مجموعة ورّام 2: 213.


الصفحة 134
داود رسول ربّ العالمين خرج ليلة من الليالي فنظر في نواحي السماء ثمّ قال: والله ربّ داود أنّها الساعة لساعة ما يوافقها عبد مسلم يسأل فيها خيراً إلاّ أعطاه إيّاه إلاّ أن يكون عِرّيفاً أو شاعراً أو صاحب كربة أو صاحب عَرطبة(1).

10716/10- ابن طاووس، عن سعيد بن عبد الله، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن محمّد بن سنان، عن صالح بن عقبة، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن حبّة العرني، قال: بينا أنا ونوف نائمين في رحبة القصر، إذ نحن بأمير المؤمنين (عليه السلام) في بقية من الليل، واضعاً يده على الحائط شبه الواله وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّموَاتِ وَالاَْرْضِ}(2) إلى آخر الآية، قال: ثمّ جعل يقرأ هذه الآيات ويمرّ شبه الطاير عقله، فقال (لي): أراقد (أنت) يا حبّة أم رامق؟ (قال:) قلت: رامق، هذا أنت تعمل هذا العمل فكيف نحن؟ قال: فأرخى عينيه فبكي، ثمّ قال لي: يا حبّة إنّ لله موقفاً ولنا بين يديه موقف لا يخفى عليه شيء من أعمالنا، يا حبّة إنّ الله أقرب إليّ وإليك من حبل الوريد، يا حبّة انّه لا يحجبني ولا إيّاك عن الله شيء، قال: ثمّ قال: أراقد أنت يا نوف؟ قال: لا يا أمير المؤمنين ما أنا براقد وقد أطلت بكائي هذه الليلة، قال: يا نوف إن طال بكاؤك في هذه الليلة مخافةً من الله تعالى قرّت عيناك غداً بين يدي الله عزّ وجلّ، يا نوف إنّه ليس من قطرة قطرت من عين رجل من خشية الله إلاّ أطفأت بحاراً من النيران، إنّه ليس من رجل أعظم منزلةً عند الله تعالى من رجل بكى من خشية الله، وأحبّ في الله وأبغض في الله، يا نوف إنّه من أحبّ في الله لم يستأثر على محبّته، ومن أبغض في الله لم ينل ببغضه خيراً، عند ذلك استكملتم حقائق الايمان، ثمّ وعظهما وذكرهما وقال في أواخره: فكونوا من الله على

____________

1- أمالي المفيد، المجلس 16: 85; خصال الصدوق، باب الستة: 237; ارشاد القلوب، باب الزهد 1: 16; فلاح السائل: 266; حلية الأولياء 1: 79; الكنى والألقاب للقمي، في ترجمة البكالي 2: 89.

2- البقرة: 164; آل عمران: 190.


الصفحة 135
حذر فقد أنذرتكما، ثمّ جعل يمرّ وهو يقول: ليت شعري في غفلاتي أمعرضٌ أنت عنّي أم ناظرٌ إليّ، وليت شعري في طول منامي وقلّة شكري في نعمتك عليّ ما حالي، قال: فوالله ما زال في هذا الحال حتّى طلع الفجر(1).

10717/11- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: الزهد قصر الأمل وتنقية القلب، وأن لا يفرح بالثناء ولا يغتم بالذم ولا يأكل طعاماً ولا يشرب شراباً ولا يلبس ثوباً حتّى يعلم أنّ أصله طيّب، وأن لا يلتزم الكلام فيما لا يعنيه، وأن لا يحسد على الدنيا، وأن يحبّ العلم والعلماء، وأن لا يطلب الرفعة والشرف(2).

10718/12- قال علي (عليه السلام): الزهد ثروة، والورع جُنّة، وأفضل الزهد أخفاء الزهد، يخلق الأبدان ويحدّد الآمال ويقرب المنية ويساعد الاُمنيّة، من ظفر به نصب ومن فاته تعب، ولا كرم كالتقوى، ولا تجارة كالعمل الصالح، ولا ورع كالوقوف عند الشبهة، ولا زهد كالزاهد (الزهد) في الحرام، الزهد كلّه بين كلمتين قال الله: {لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}(3) فمن لم يأس على الماضي، ومن لم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه، أيّها الناس الزهادة قصر الأمل، والشكر عند النعم، الخبر(4).

10719/13- (الجعفريات)، باسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: الزاهد عندنا من علم فعمل، ومن أيقن فحذر، وإن أمسى على عُسر حمد الله، وإن أصبح على يُسر شكر الله فهو الزاهد(5).

____________

1- فلاح السائل: 266; الكنى والألقاب للقمي، في ترجمة البكالي 20: 90.

2- مستدرك الوسائل 12: 50 ح13486.

3- الحديد: 23.

4- روضة الواعظين، في ذكر الزهد والتقوى 2: 434; مستدرك الوسائل 12: 46 ح13480; البحار 70: 316; جامع السعادات 2: 67.

5- الجعفريات: 232; مستدرك الوسائل 12: 44 ح13473.


الصفحة 136
10720/14- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: الزهد أن لا تطلب المفقود حتّى يعدُم الموجود، وقال: الزهد في الدنيا الراحة العظمى، وقال: ازهد في الدنيا يبصّرك الله عيوبها ولا تغفل فلست بمغفول عنك، وقال: أصل الزهد حسن الرغبة فيما عند الله، وقال: إنّكم إن زهدتم خلصتم من شقاء الدنيا وفزتم بدار البقاء، وقال: كسب العلم التزهّد في الدنيا، وقال: من زهد في الدنيا أعتق نفسه وأرضى ربّه، وقال: من زهد في الدنيا قرّت عينه بجنّة المأوى، وقال: مع الزهد تثمر الحكمة(1).

10721/15- عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: قال الله تعالى له ليلة الأسرى: يا أحمد إن أحببت أن تكون أورع الناس فازهد في الدنيا وارغب في الآخرة، فقال: إلهي وكيف أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة؟ فقال: خُذ من الدنيا خفّاً من الطعام والشراب واللباس، ولا تدّخر شيئاً لغد ودم على ذكري، إلى أن قال: يا أحمد هل تعرف ما للزاهدين عندي في الآخرة، قال: لا يا ربّ، قال: يبعث الخلق ويناقشون بالحساب، وهم من ذلك آمنون، إنّ أدنى ما اُعطي للزاهدين في الآخرة أن أعطيهم مفاتيح الجنان كلّها حتّى يفتحوا أيّ باب شاؤوا، ولا أحجب عنهم وجهي ولاُمتّعنّهم بأنواع التلذّذ من كلامي ولاُجلسنّهم مقعد صدق، فاُذكّرهم ما صنعوا وتعبوا في دار الدنيا، وأفتح لهم أربعة أبواب: باب تدخل عليهم الهدايا بكرةً وعشيّاً من عندي، وباب ينظرون منه إليّ كيف شاؤوا بلا صعوبة، وباب يطّلعون منه إلى النار فينظرون إلى الظالمين كيف يعذّبون، وباب تدخل عليهم منه الوصائف والحور العين، قال: يا ربّ فمن هؤلاء الزاهدون الذين وصفتهم؟ قال: الزاهد الذي ليس له بيت يخرب فيغتمّ بخرابه، ولا ولد يموت فيحزن بموته، ولا له مال يذهب فيحزن بذهابه، ولا يعرفه إنسان يشغله عن الله عزّ وجلّ

____________

1- غرر الحكم: 275، 276; مستدرك الوسائل 12: 47 ح13481.


الصفحة 137
طرفة عين، ولا له فضل طعام فيسأل عنه، ولا له ثوب لين.

يا أحمد وجوه الزاهدين مصفرّة من تعب الليل وصوم النهار، وألسنتهم كلال إلاّ من ذكر الله، قلوبهم في صدورهم مطعونة من كثرة ما يخالفون أهواءهم، قد ضمروا أنفسهم من كثرة صمتهم، قد أعطوا المجهود من أنفسهم لا من خوف نار، ولا من شوق جنّة; ولكن ينظرون في ملكوت السماوات والأرضين، فيعلمون أنّ الله سبحانه وتعالى أهل للعبادة(1).

10722/16- قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من اشتاق إلى الجنّة سارع إلى الخيرات، ومن خاف النار لَهى عن الشهوات، ومن ترقّب الموت ترك اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات(2).

10723/17- قال علي (عليه السلام): الزهد في الدنيا ثلاثة أحرف: زاء، وهاء، ودال، أمّا الزاء فترك الزينة، وأمّا الهاء فترك الهوى، وأمّا الدال فترك الدنيا(3).

10724/18- في خبر الشيخ الشامي: سأل أمير المؤمنين (عليه السلام): أيّ الناس خير عند الله عزّ وجلّ؟ قال: أخوفهم لله، وأعملهم بالتقوى، وأزهدهم في الدنيا(4).

10725/19- الصدوق، حدّثنا الحسن بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد، عن أحمد بن محمّد، عن بعض النوفليين، ومحمّد بن سنان، رفعه الى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: كونوا على قبول العمل أشدّ عناية منكم على العمل، الزهد في الدنيا قصر الأمل، وشكر كلّ نعمة الورع عمّا حرّم الله عزّ وجلّ، من أسخط بدنه أرضى ربّه، ومن لم يسخط بدنه عصى ربّه(5).

____________

1- مستدرك الوسائل 12: 49 ح13483; ارشاد القلوب: 199.

2- جامع السعادات 2: 63.

3- جامع السعادات 2: 70.

4- معاني الأخبار: 199; أمالي الصدوق، المجلس 62: 323; البحار 70: 309.

5- الخصال، باب الواحد: 14; البحار 70: 312.


الصفحة 138
10726/20- قال علي (عليه السلام): من زهد في الدنيا ولم يجزع من ذلّها، ولم ينافس في عزّها هداه الله بغير هداية من مخلوق، وعلّمه بغير تعليم، وأثبت الحكمة في صدره وأجراها على لسانه(1).

10727/21- قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لو أنّ رجلا أخذ جميع ما في الأرض وأراد به وجه الله فهو زاهد، ولو أنّه ترك الجميع ولم يرد وجه الله فليس بزاهد(2).

10728/22- عن علي [(عليه السلام)]: من زهد في الدنيا علّمه الله بلا تعلّم، وهداه بلا هداية، وجعله بصيراً، وكشف عنه العمى(3).

10729/23- (الجعفريات)، أخبرنا عبدالله، أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) قال: من تمنى شيئاً من فضول الدنيا، من مراكبها وقصورها أو رياشها، عنّى نفسه ولم يشف غيظه، ومات بحسرته(4).

10730/24- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: الأماني شيمة الحمقى، وقال: الأماني بضائع النوكى، والآمال غرور الحمقاء، وقال: الأماني همة الجهال، وقال: الأماني تخدعك وعند الحقائق تخذلك، وقال: إياك والمنى فأنها بضائع النوكى، وقال: أقبح العي الضجر(5).

____________

1- تحف العقول، في مواعظه الأمير وحكمه: 157; البحار 78: 63.

2- الحقائق: 114; احياء الاحياء 6: 90.

3- كنز العمال 3: 197 ح6149.

4- مستدرك الوسائل 13:47 ح14701، في المصدر غير موجود.

5- غرر الحكم: 313، مستدرك الوسائل 13:47 ح14703.