شعراء الغدير
في القرن الثاني عشر
- 93 -
شيخنا الحر العاملي
المولود 1033 والمتوفى 1104
كيف تحظا بمجدك الأوصياء؟ * وبه قد توسل الأنبياء
ما لخلق سوى النبي وسبطيه * السعيدين هذه العلياء
فبكم آدم استغاث وقد مسته * بعد المسرة الضراء
يوم أمسى في الأرض فردا غريبا * ونأت عنه عرسه حواء
وبكا نادما على ما بدا منه * وجهد الصب الكئيب البكاء
فتلقى من ربه كلمات (1) * شرفتها من ذكر كم أسماء
فاستجيب الدعاء منه ولولا * ذكركم ما استجيب منه الدعاء
ثم يعقوب قد دعا مستجيرا * من بلاء بكم فزال البلاء
وأتاه بكم قميص يوسف وارتد * بصيرا وتمت النعماء
وبكم كان للخليل ابتهال * ودعاء لربه واشتكاء
حين ألقاه عصبة الكفر في النار * فما ضر جسمه الالقاء
أيضام الخليل من بعد ما كان * إليكم له هوى التجاء؟
وبكم يونس استغاث ونوح * إذ طغا الماء واستجد العناء
وبأسماءكم توسل أيوب * فزالت عنه بها الأسواء
ياله سوددا منيعا رفيعا * قد رواه الأعداء والأولياء
لعلي مجد غدا دون أدناه * الثريا في البعد والجوزاء
هو فضل وعصمة ووفاء * وكمال ورأفة وحياء
____________
(1) إشارة إلى ما جاء في قوله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه من إن الكلمات
المتلقاة هي أسماء الأشباح الخمسة راجع ما مر في الجزء السابع ص 299 ط
ولكم نال سوددا لم يبن كنه * علاه الإنشاد والإنشاء؟
والحروف التي تركبت العليا * منها عين ولام وياء
كان نورا محمد وعلي * في سنا آدم له لألاء
أخذ الله كل عهد وميثاق * له إذ بدا سنا وسناء
أي فخر كفخره والنبيون * عليهم عهد له وولاء؟
وبه يعرف المنافق إذ كانت * له في فؤاده بغضاء
ولعمري من أول الأمر لا تخفى * على ذي البصيرة السعداء
ولدته منزها أمه ما * شانه في الولادة الأقذاء
داخل الكعبة الشريفة لم يدن * إليها من الأنام النساء
لاح منه نور فأشرقت الأرض * وأرجاؤها به والسماء
كان للدين في ولادته مثل * أخيه مسرة وازدهاء
يا له مولدا سعيدا تجلت * عن محياه بهجة غراء
فهنيئا له لفاطمة السعد * الذي ما له مدى وانتهاء
بل لدين الاسلام من غير شك * وارتياب قد كان ذاك الهناء
إلى أن قال:
وأتت منه في علي نصوص * لم يحم حول ربعها الاحصاء
قال فيه: هذا وليي وصيي * وارثي هكذا روى العلماء
وزعمتم بأن كل نبي * لم يرث منه ماله الأقرباء
هو مولى من كان مولاه نصا * منه فليترك الهوى والمراء
ودعا بعدها دعاء مجابا * وبه قد تواتر الأنباء
ويقول فيها:
للمعالي بين الورى يا علي بن * أبي طالب إليك انتهاء
وكذا للكمال منك وللسودد * والمجد والفخار ابتداء
للورى لو درى الورى بك من * بعد أخيك الطهر الأمين اهتداء
واجب بالنصوص منه عن الله * وأين المصغي بك الاقتداء
ثم يوم [الغدير] هل كان إلا * لك دون الأنام ذاك الولاء؟
يوم مات النبي كنت إماما * في العلا لم يساوك النظراء
(القصيدة 453 بيتا)
وله يمدح بها
أمير المؤمنين عليه السلام وهي من قصايده المحبوكات الطرفين على حروف الهجاء تسع و
عشرين قصيدة، كل واحدة منها 29 بيتا، أسماها [مهور الحور] كلها في مدح أمير المؤمنين
هو الحب لا فيه معين ترجاه * ولا منقذ من جوره تتوخاه
هو الحتف لا يفني المحبين غيره * ولولاه ما ذاق الورى الحتف لولاه
إلى أن قال:
هداية رب العالمين قلوبنا * إلى حب من لم يخلق الخلق لولاه
هو الجوهر الفرد الذي ليس يرتقي * لأعلى مقامات النبيين إلا هو
هلال نما فارتد بدرا فأشرقت * جوانب آفاق العلا بمحياه
هما علة للخلق أعني محمدا * وأول من لما دعا الخلق لباه
هوى النجم يبغي داره لا بل ارتقى * إليها فمثوى النجم من دون مثواه
هل أختار خير المرسلين مواخيا * سواه فأولا الكمال وآخاه؟
هل اختار في يوم [الغدير] خليفة * سواه له حتى على الخلق ولاه؟
هدى لاح من قول النبي وليكم * علي ومولى كل من كنت مولاه
هناك أتاه الوحي بلغ ولا تخف * ومن كل ما تخشاه يعصمك الله
هنا لك أبدى المصطفى بعض فضله * وباح بما قد كان للخوف أخفاه
وله من المحبوكات الطرفين:
كتمت الهوى والحب بالقلب أملك * وأجمل من كتم الغرام التهتك
كواعب أتراب قصدن بحربنا * ولسنا بتوحيد المحبة نشرك
كتائب أبطال بهن دماؤنا * جزاء على حفظ المودة تسفك
يقول فيها:
كرامات مولاي الوصي وولده * أنارت فلا يخفي سناها المشكك
كلام النبي المصطفى حجة فهل * أجل وأعلى منه في الشرع مدرك؟
كفى قوله يوم [الغدير] بأنه * لكل الورى مولى فينسى ويترك
كما جاء في التنزيل ليس وليكم * سواه ومن ذا بعد ذاك يشكك؟
كواكب فضل المرتضى حين أشرقت * لها المجد افق فيه تسري وتسلك
وله من المحبوكات الطرفين:
عدني ودعني من زيارة بلقع * يا أيها الحادي لهن بمرجع
عذبن جسمي بالنحول ومهجتي * بالهجر واستمطرن صيب مدمعي
إلى قوله:
عدم المجاري في الكمال لسيدي * ذي السودد الأسنا البطين الأنزع
عم الفضايل حين خص برفعة * من ذروة العليا أجل وأرفع
عجبا لمن فيه يشك وقد أتى * خبر [الغدير] ونصه لم يدفع
عهد النبي إلى الأنام بفضله * ويل لمنكر فضله ومضيع
عدت فضايله فأعيى حصرها * وغدا حسيرا عنه فكر الألمعي
* (الشاعر) *
محمد بن الحسن بن علي بن محمد الحسين بن عبد السلام بن عبد المطلب بن علي
ابن عبد الرسول بن جعفر بن عبد ربه بن عبد الله بن مرتضى بن صدر الدين بن نور الدين
ابن صادق بن حجازي بن عبد الواحد بن الميرزا شمس الدين بن الميرزا حبيب الله بن علي
بن معصوم بن موسى ابن جعفر بن الحسن بن فخر الدين بن عبد السلام بن الحسين بن
نور الدين بن محمد بن علي بن يوسف بن مرتضى بن حجازي بن محمد بن باكير بن الحر
الرياحي المستشهد أمام الإمام السبط الشهيد يوم الطف سلام الله عليه وعلى أصحابه.
هذا الحر الشهيد في الطف يوم الإمام السبط الطاهر هو مؤسس الشرف الباذخ
لآله الأكارم، الذين فيهم أعلام الدين، وأساطين المذهب، وصيارفة الكلام، وقادة
الفكر، ونوابغ الخطابة والكتابة، ومهرة الفقه، وأئمة الحديث، وحملة الفضل
والأدب، وصاغة القريض، وأشهرهم في تلكم الفضائل كلها شيخنا المترجم له الذي
لا تنسى مآثره، ولا يأتي الزمان على حلقات فضله الكثار، فلا تزال متواصلة العرى
ما دام لأياديه المشكورة عند الأمة جمعاء أثر خالد، وإن من أعظمها كتاب وسائل الشيعة
____________
(1) أخذنا هذه كلها من ديوانه المخطوط بخط يده الشريفة قدس الله روحه.
في مجلداتها الضخمة التي تدور عليها رحى الشريعة، وهو المصدر الفذ لفتاوي علماء
الطايفة، وإذا ضم إليه مستدركه الضخم الفخم لشيخنا الحجة النوري (1) المناهز
لأصله كما وكيفا فمرج البحرين يلتقيان، وكان غير واحد من المحققين لا يصدر
الفتيا إلا بعد مراجعة الكتابين معا. نعم: لأهل الاستنباط النظر في أسانيد ما حواه
الكتابان من الأحاديث، وأنت لا تقرأ في المعاجم ترجمة لشيخنا الحر إلا وتجد جمل
الثناء على كتابه الحافل (وسائل الشيعة) مبثوثة فيها، وقد أحسن وأجاد أخوه العلامة
الصالح في تقريظه بقوله:
هذا كتاب علا في الدين رتبته * قد قصرت دونها الأخبار والكتب
ينير كالشمس في جو القلوب هدى * فتنتحي منه عن أبصارنا الحجب
هذا صراط الهدى ما ضل سالكه * إلى المقامة بل تسمو به الرتب
إن كان ذا الدين حقا فهو متبع * حقا إلى درجات المنتهى سبب
فشيخنا المترجم له درة على تاج الزمن، وغرة على جبهة الفضيلة، متى استكنهته تجد له
في كل قدر مغرفة، وبكل فن معرفة، ولقد تقاصرت عنه جمل المدح، وزمر الثناء، فكأنه
عاد جثمان العلم، وهيكل الأدب، وشخصية الكمال البارزة، وإن من آثاره أو من مآثره
تدوينه لأحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام في مجلدات كثيرة، وتأليفه لهم بإثبات
إمامتهم، ونشر فضائلهم، والاشادة بذكرهم، وجمع شتات أحكامهم وحكمهم، ونظم
عقود القريض في إطرائهم، وإفراغ سبائك المدح في بوتقة الثناء عليهم ولقد أبقت له
الذكر الخالد كتبه القيمة، منها:
1 - ديوان شعره يناهز عشرين ألف بيت في مدح النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام.
2 - كشف التعمية في حكم التسمية، في تسمية الإمام المنتظر.
3 - نزهة الاسماع في حكم الإجماع، في صلاة الجمعة.
4 - بداية الهداية في الواجب والمحرم المنصوص عليهما.
5 - رسالة فيها نحو من ألف حديث رد على الصوفية.
6 - أمل الآمل في علماء جبل عامل وجملة من غيرهم
____________
(1) راجع ما مر في هذا الجزء صفحة.
7 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات مجلدان يشتمل على أكثر من عشرين
ألف حديث.
8 - تحرير وسائل الشيعة وتحبير وسائل الشريعة. شرح كتابه الوسائل.
9 - هداية الأمة إلى أحكام الأئمة ثلث مجلدات منتخبة من الوسائل.
10 - منظومة في تواريخ النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام.
11 - فهرست وسائل الشيعة الموسوم ب: من لا يحضره الإمام.
12 - الصحيفة الثانية من أدعية الإمام علي بن الحسين عليه السلام.
13 - الفصول المهمة في أصول الأئمة عليهم السلام.
14 - الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة.
15 - الجواهر السنية في الأحاديث القدسية.
16 - تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان.
17 - الفوايد الطوسية: نحو عشر رسالة.
18 - العربية العلوية واللغة المروية.
19 - رسالة في أحوال الصحابة.
20 - رسالة في تواتر القرآن.
21 - رسالة في خلق الكافر.
22 - منظومة في المواريث.
23 - منظومة في الزكاة.
24 - منظومة في الهندسة.
25 - رسالة في الرجال.
قرأ شيخنا الحر على أبيه الشيخ حسن بن علي المتوفى 1062 وعلى
عمه الشيخ محمد بن علي المتوفى 1081 وعلى جده لأمه:
الشيخ عبد السلام بن محمد الحر وعلى خال أبيه:
الشيخ علي بن محمود العاملي. وعلى
الشيخ زين الدين بن محمد بن الحسن صاحب المعالم، وعلى
الشيخ حسين الظهيري. وغيرهم.
يروي بالاجازة (1) عن أبي عبد الله الحسين بن الحسن بن يونس العاملي وعن
العلامة المجلسي، وهو آخر من أجاز له كما ينص عليه هو في إجازة له.
ويروي عنه بالاجازة (2) العلامة المجلسي، و
الشيخ محمد فاضل (3) بن محمد مهدي المشهدي و
السيد نور الدين بن السيد نعمة الله الجزائري بالاجازة المؤرخة ب 1098 و
الشيخ محمود بن عبد السلام البحراني كما في المستدرك 3: 390.
ولد في قرية مشغر (4) ليلة الجمعة ثامن رجب 1033 وأقام في بيئة محتده
أربعين عاما، وحج فيها مرتين، ثم سافر إلى العراق فزار الأئمة عليهم السلام ثم
أتيحت له زيارة الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام، وقطن ذلك المشهد الطاهر، وحج
في خلال إقامته به مرتين، وزار أئمة العراق أيضا مرتين، وأعطي شيخوخة الاسلام
وحاز منصب القضاء، إلى أن توفي في يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة
1104 ودفن في الصحن العتيق الشريف إلى جنب مدرسة ميرزا جعفر، وقبره معروف
يزار قدس الله سره ونور ضريحه.
ومن شعره قوله من قصيدة محبوكة الأطراف الأربعة:
فإن تخف في الوصف من إسراف * فلذ بمدح السادة الأشراف
فخر لهاشمي أو منافي * فضل سمى مراتب الآلاف
فعلمهم للجهل شاف كاف * وفضلهم على الأنام واف
فاقوا الورى منتعلا وحاف * فضلا به العدو ذو اعتراف
فهاكه محبوكة الأطراف * فمن غريب ما قفاه قاف
وله:
كم حازم ليس له مطمع * إلا من الله كما قد يجب
____________
(1) أجاز له سنة 1051 وهو أول من أجاز له كما في إجازات البحار ص 160.
(2) إجازته له توجد في البحار 25: 159، مؤرخة بسنة 1085.
(3) مؤرخة ب 1085، توجد في إجازات البحار ص 158.
(4) إحدى قرى عاملة.
لأجل هذا قد غدا رزقه * جميعه من حيث لا يحتسب
وله:
ذوات خال خدها مشرق * نورا كركن الحجر الأسود
كعبة حسن ولها برقع * من الحرير المحض والعسجد
قد أكسبت كل امرئ فتنة * حتى إمام الحي والمسجد
كم هام إذ شاهدها جاهل * بل هام فيها عالم المشهد
وله:
لا تكن قانعا من الدين بالدون * وخذ في عبادة المعبود
واجتهد في جهاد نفسك وابذل * في رضى الله غاية المجهود
وله في مديح العترة الطاهرة:
قلما فاخروا سواهم وحاشا * ذهبا أن يفاخر الفخارا
وأرى قولنا: الأئمة خير * من فلان ومن فلان عارا
إنما سبقهم لبكر وعمرو * مثل ما يسبق الجواد الحمارا
إنني ذو براعة واقتدار * جاوز الحد في الأنام اشتهارا
وإذا رمت وصف أدنى علاهم * لا أرى لي براعة واقتدارا
وله من قصيدة ثمانين بيتا خالية من الألف في مدح العترة عليهم السلام:
وليي علي حيث كنت وليه * ومخلصه بل عبد عبد لعبده
لعمرك قلبي مغرم بمحبتي * له طول عمري ثم بعد لولده
وهم مهجتي هم منيتي هم ذخيرتي * وقلبي بحبيهم مصيب لرشده
وكل كبير منهم شمس منبر * وكل صغير منهم شمس مهده
وكل كمي منهم ليث حربه * وكل كريم منهم غيث وهده
بذلت له جهدي بمدح مهذب * بليغ ومثلي حسبه بذل جهده
وكلفت فكري حذف حرف مقدم * على كل حرف عند مدحي لمجده
وله من قصيدة:
____________
(1) الفخار: الخزف.
أنا حر لكن كرق لخود (1) * سلبتني سكينة ووقارا
كل حسن من الحرائر لا * بل من إماء يستعبد الأحرارا
وهوى المجد والملاح وأهل * البيت في القلب لم يدع لي قرارا
راجع أمل الآمل 448، إجازات البحار 126، 158، 159، سلافة العصر
367، لؤلؤة البحرين، روضات الجنات ص 544، مستدرك الوسائل 3: 390، سفينة
البحار 1 ص 242، الفوائد الرضوية 2: 473، شهداء الفضيلة 210 وفيه تراجم جمع
من رجالات هذه الأسرة الكريمة وأعلام بيت الحر الفطاحل.
____________
(2) الخود: المرأة الشابة.
- 94 -
الشيخ أحمد البلادي
ناد الأحبة إن مررت بدورها * واشهد مطالع نيرات بدورها
كم قد بدت وبها انجلت ظلم الدجى * ولطالما بزغت بوازغ نورها؟
أنست بها أرض الطفوف وأقفرت * منها الديار وليس غير يسيرها
غربت بعرصة كربلا فانهض لها * وأقر السلام على جناب مزورها
وانثر بتربتها الدموع تفجعا * لقتيلها فوق الثرى وعفيرها
أكرم بها من تربة قدسية * قد بالغ الجبار في تطهيرها
يا تربة من حولها الأملاك ما * زالت تشم لمسكها وعبيرها؟
يا تربة حفت بها القوم الأولى * فازوا بلثمهم لترب قبورها؟
قد ضمنت جسد الحسين ومن به * فتكت أمية بعد أمر أميرها
فأزالت الاسلام عن برحائها * وأطاعت الشيطان في تدبيرها
وتسرجت خيل الضلال فأخرت * غير الأخير وقدمت لأخيرها
ونست عهودا بالحمى سلفت ولن * تعبأ بنص نبيها ونذيرها
يا للرجال لأمة ملعونة * لم يكفها ما كان يوم غديرها
بئس العصابة من بغت وتنكبت * عن دينها وتسارعت لفجورها
القصيدة وهي 68 بيتا
* (الشاعر) *
الشيخ أحمد بن حاجي البلادي، عالم فاضل أديب، من شعراء أهل البيت
ومادحيهم، له مراثي كثيرة وقد يقال: إن له ألف قصيدة في رثاء الإمام السبط الشهيد
الحسين عليه السلام دونها في مجلدين، قد ذكر الشيخ لطف الله الجد حفصي عدة قصايد من
حسينياته في مجموعة له وقفنا على نسخ منها بخطه، وأخذنا منها ما ذكرناه، وله
في التاريخ يد غير قصيرة وكان من أجداد صاحب [أنوار البدرين] وتوجد في الأنوار ترجمته
ويظهر منه إنه توفي في أوائل القرن الثاني عشر.
- 95 -
شمس الأدب اليمني
المتوفى 1119
سلا إن جزتما بالركب طيا * فؤادا قد طواه الحب طيا
وإلا فاسألا أين استقلت * حداة العيس إذ رحلوا عشيا؟
فلولا تلكم الأهداب نبل * لما كانت حواجبها قسيا
لعمر أبيك ما شغفي بهند * ولا ما قلت من غزل بميا
ولن اهدى قويم النهد إلا * إذا ما كان نهدا أعوجيا
وأسمر ذابل الأعطاف لدنا * وأسمو مشبها عزمي مضيا
ولن أصببو إلى أوقات لهو * وقد أصبحت عن لهوي نحيا
وما زهر الرياض أمال طرفي * وإن قد صار مطلوبا نديا
إلى أن قال:
إذا ما الربق سل عليه سيفا * رأيت له الغدير السابريا
على ذاك الغدير غدير دمعي * جرا من أجلهم بحرا أذيا
غدير طاب لي ذكراه شوقا * إلى من ذكره يروي الصديا
غدير قد قضى المختار فيه * ولايته وألبسها عليا
وقام على الأنام بذا خطيبا * وذاك اليوم سماه الوصيا
وإني تارك فيكم حديثا * لقد تركوه ظهريا نسيا
فمن أهل السقيفة ليس يلقى * فتى عن قتل أبناه بريا
فهم سبب لسفك دماء زيد * ويحيى والذي حل الغريا
فلولا سل سيف البغي منهم * ونكث العهد لا تلقى عصيا
أبا الحسنين أرجو منك نهلا * من الحوض الذي يروي الظميا
إذا ما جئت يوم الحشر في من * غدا بالبعث بعد الموت حيا (1)
* (الشاعر) *
السيد شمس الأدب أحمد بن أحمد بن محمد الحسني الأنسي (2) أحد أعيان اليمن و
أدبائها الأفاضل، ولم يبرح لها كذلك، إلى أن غضب عليه الإمام المهدي لدين الله وأمر
بتسييره إلى (زيلع) وهي جزيرة في أول الحبشة، فحبس بها حتى توفي سنة 1119.
____________
(1) أخذناها من نسمة السحر ج 1 يمدح بها المؤيد بالله محمد بن المتوكل اليمني.
(2) مر بيانها في ترجمة والد المترجم له السيد أحمد.
- 96 -
السيد علي خان المدني
المولود 1052
المتوفى 1120
سفرت أميمة ليلة النفر * كالبدر أو أبهى من البدر
نزلت منى ترمي الجمار وقد * رمت القلوب هناك بالجمر
وتنسكت تبغي الثواب وهل * في قتل ضيف الله من أجر
إن حاولت أجرا فقد كسبت * بالحج أصنافا من الوزر؟
نحرت لواحظها الحجيج كما * نحر الحجيج بهيمة النحر
ترمي وما تدري بما سفكت * منها اللواحظ من دم هدر
الله لي من حب غانية * ترمي الحشا من حيث لا تدري
بيضاء من كعب وكم منعت * كعب لها من كاعب بكر؟
زعمت سلوي وهي سالية * كلا ورب البيت والحجر
ما قلبها قلبي فأسلوها * يوما ولا من أمرها أمري
أبكي وتضحك إن شكوت لها * حر الصدود ولوعة الهجر
وعلى وفور ثراي لي ولها * ذل الفقير وعزة المثري
لم يبق مني حبها جلدا * إلا الحنين ولاعج الذكر
ويزيد غلي الماء ما ذكرت * والماء يثلج غلة الصدر
قد ضل طالب غادة حميت * في قومها بالبيض والسمر
ومؤنب في حبها سفها * نهنهته عن منطق الهجر
يزداد وجدي عن سلامته * فكأنه بملامه يغري
لا يكذبن الحب أليق بي * وبشيمتي من سبة الغدر
هيهات يأبى الغدر لي نسب * أعزى به لعلي الطهر
خير الورى بعد الرسول ومن * حاز العلا بمجامع الفخر
صنو النبي وزوج بضعته * وأمينه في السر والجهر
إن تنكر الأعداء رتبته * شهدت بها الآيات في الذكر
شكرت حنين له مساعيه * فيها وفي أحد وفي بدر
سل عنه خيبر يوم نازلها * تنبيك عن خبر وعن خبر
من هد منها بابها بيد * ورمى بها في مهمه قفر؟
واسئل برائة حين رتلها * من رد حاملها أبا بكر؟
والطير إذ يدعو النبي له * من جائه يسعى بلا نذر؟
والشمس إذا أفلت لمن رجعت * كيما يقيم فريضة العصر؟
وفراش أحمد حين هم به * جمع الطغاة وعصبة الكفر
من بات فيه يقيه محتسبا * من غير ما خوف ولا ذعر؟
والكعبة الغراء حين رمى * من فوقها الأصنام بالكسر
من راح يرفعه ليصدعها * خير الورى منه على الظهر؟
والقوم من أروى غليلهم * إذ يجأرون بمهمه قفر؟
والصخرة الصماء حولها * عن نهر ماء تحتها يجري
والناكثين غداة أمهم * من رد أمهم بلا نكر
والقاسطين وقد أضلهم * غي ابن هند وخدنه عمرو
من فل جيشهم علا مضض * حتى نجوا بخدايع المكر؟
والمارقين من استباحهم * قتلا فلم يفلت سوى عشر؟
و [غدير خم] وهو أعظمها * من نال فيه ولاية الأمر؟
واذكر مباهلة النبي به * وبزوجه وابنيه للنفر
وقرأ وأنفسنا وأنفسكم (1) * فكفى بها فخرا مدى الدهر
هذي المفاخر والمكارم لا * قعبان من لبن ولا خمر؟ (2)
____________
(1) سورة آل عمران آية 61.
(2) أخذناها من ديوانه المخطوط تناهز 61 بيتا.
وله في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله في ديوانه المخطوط:
أمير المؤمنين فدتك نفسي * لنا من شأنك العجب العجاب
تولاك الأولى سعدوا ففازوا * وناواك الذين شقوا فخابوا
ولو علم الورى ما أنت أضحوا * لوجهك ساجدين ولم يحابوا
يمين الله لو كشف المغطى * ووجه الله لو رفع الحجاب
خفيت عن العيون وأنت شمس * سمت عن أن يجللها سحاب
وليس على الصباح إذا تجلى * ولم يبصره أعمى العين عاب
لسر ما دعاك أبا تراب * محمد ن النبي المستطاب
فكان لكل من هو من تراب * إليك وأنت علته انتساب
فلولا أنت لم يخلق سماء * ولولا أنت لم يخلق تراب
وفيك وفي ولائك يوم حشر * يعاقب من يعاقب أو يثاب
بفضلك أفصحت تورية موسى * وإنجيل بن مريم والكتاب
فيا عجبا لمن ناواك قدما * ومن قوم لدعوتهم أجابوا
أزاغوا عن صراط الحق عمدا * فضلوا عنك أم خفي الصواب؟
أم ارتابوا بما لا ريب فيه * وهل في الحق إذ صدع ارتياب؟
وهل لسواك بعد (غدير خم) * نصيب في الخلافة أو نصاب؟
ألم يجعلك مولاهم فذلت * على رغم هناك لك الرقاب؟
فلم يطمح إليها هاشمي * وإن أضحى له الحسب اللباب؟
فمن تيم بن مرة أو عدي * وهم سيان إن حضروا وغابوا
لئن جحدوك حقك عن شقاء؟ * فبالأشقين ما حل العقاب؟
فكم سفهت عليك حلوم قوم * فكنت البدر تنبحه الكلاب؟
* (الشاعر) *
صدر الدين السيد علي خان المدني الشيرازي ابن نظام الدين أحمد بن محمد معصوم بن
أحمد نظام الدين ابن إبراهيم بن سلام بن مسعود عماد الدين بن محمد صدر الدين بن
منصور غياث الدين بن محمد صدر الدين بن إبراهيم شرف الله بن محمد صدر الدين بن
إسحاق عز الدين بن علي ضياء الدين بن عربشاه فخر الدين ابن الأمير عز الدين أبي
المكارم ابن الأمير خطير الدين بن الحسن شرف الدين أبي علي ابن الحسين أبي جعفر
العزيزي ابن علي أبي سعيد النصيبيني ابن زيد الأعشم (1) أبي إبراهيم بن علي بن الحسين
[أبي شجاع الزاهد] بن [محمد] أبي جعفر ابن علي بن الحسين بن جعفر أبي عبد الله ابن
أحمد نصير الدين السكين النقيب ابن جعفر أبي عبد الله الشاعر ابن محمد أبي جعفر ابن محمد بن
زيد الشهيد ابن الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام. (2)
من أسرة كريمة طنب سرادقها بالعلم والشرف والسودد، ومن شجرة طيبة
أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين، اعترقت شجونها في أقطار الدنيا من
الحجاز إلى العراق إلى إيران، وهي مثمرة يانعة حتى اليوم، يستبهج الناظر إليها
بثمرها وينعه، وأول من انتقل من رجال هذه العائلة إلى شيراز علي أبو سعيد النصيبيني
وأول من غادر شيراز إلى مكة المعظمة السيد محمد معصوم، وذلك بعد انتقال عمه
ختنه الأمير نصير الدين حسين إليها كما في [سلوة الغريب] لصاحب الترجمة.
وشاعرنا صدر الدين من ذخاير الدهر، وحسنات العالم كله، ومن عباقرة
الدنيا، فني كل فن، والعلم الهادي لكل فضيلة، يحق للأمة جمعاء أن تتباهى بمثله
ويخص الشيعة الابتهاج بفضله الباهر، وسودده الطاهر، وشرفه المعلى، ومجده الأثيل،
والواقف على آيات براعته، وسور نبوغه - ألا وهو كل كتاب خطه قلمه، أو قريض
نطق به فمه - لا يجد ملتحدا عن الاذعان بإمامته في كل تلكم المناحي، ضع يدك على
أي سفر قيم من نفثات يراعه، تجده حافلا ببرهان هذه الدعوى، كافلا لإثباتها
بالزبر والبينات وإليك أسمائها:
1 - رياض السالكين في شرح الصحيفة الكاملة السجادية، كتاب قيم يطفح
العلم من جوانبه، وتتدفق الفضيلة بين دفتيه، فإذا أسمت فيه سرح اللحظ فلا يقف
____________
(1) في شرح الصحيفة ص 17: الأغشم. بالمعجمتين.
(2) أخذنا النسب من كتاب (سلوة الغريب) للمترجم له وأضفنا إليه أخذا من المصادر
الوثيقة كلمتين جعلناهما بين القويسين. ففى حلقات السلسلة المذكورة في شرح الصحيفة للسيد
سقط كما لا يخفى.
إلا على خزائن من العلم والأدب موصدة أبوابها، أو مخابئ من دقائق ورقائق لم يهتد
إليها أي ألمعي غير مؤلفه الشريف المبجل.
2 - نغمة الأغان في عشرة الإخوان. أرجوزة ذكرت برمتها في كشكول شيخنا
صاحب (الحدايق) المطبوع بالهند.
3 - رسالة في المسلسلة بالآباء، شرح فيها الأحاديث الخمسة المسلسلة بآبائه
فرغ منها سنة 1109.
4 - سلوة الغريب وأسوة الأديب، في رحلته إلى حيدر آباد.
5 - أنوار الربيع في أنواع البديع في شرح قصيدته البديعية.
6 - الكلم الطيب والغيث الصيب في الأدعية المأثورة.
7 - الحدايق الندية في شرح الصمدية لشيخنا البهائي.
8 - ملحقات السلافة مشحونة بكل أدب وظرافة.
9 - شرحان أيضا على الصمدية: المتوسط والصغير.
10 - رسالة في أغاليط الفيروز آبادي في القاموس.
11 - موضع الرشاد في شرح الارشاد، في النحو.
12 - سلافة العصر في محاسن أعيان عصره.
13 - الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة.
14 - التذكرة في الفوائد النادرة.
15 - المخلاة في المحاضرات.
16 - الزهرة في النحو.
17 - الطراز في اللغة.
18 - ديوان شعره. وله شعر كثير لا يوجد في ديوانه السائر الدائر، منه تخميسه
ميمية شرف الدين البوصيري (1) الشهيرة بالبردة أولها مخمسا:
يا ساهر الليل يرعى النجم في الظلم * وناحل الجسم من وجد ومن ألم
ما بال جفنك يذرو الدمع كالغيم؟ * أمن تذكر جيران بذي سلم
____________
(1) أبو عبد الله محمد بن سعيد المولود سنة 608 والمتوفى 4 / 6 / 697.
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم؟!
أخذ العلم عن لفيف من أعلام الدين وأساطين الفضيلة، وتضلعه من العلوم
يومي إلى كثرة مشايخه في الأخذ والقرائة، يروي عن أستاده الشيخ جعفر بن كمال
الدين البحراني المتوفى 1091 (1) وعن السيد والده المقدس نظام الدين أحمد،
والعلامة المجلسي صاحب البحار بالاجازة، كما أن العلامة المجلسي روى عنه، ويروي
عن الشيخ علي بن فخر الدين محمد بن الشيخ حسن صاحب (المعالم) ابن الشهيد الثاني
المتوفى 1104.
ويروي عنه السيد الأمير محمد حسين بن الأمير محمد صالح الخاتون آبادي المتوفى
1151، والشيخ باقر بن المولى محمد حسين المكي كما في الإجازة الكبيرة للسيد
الجزائري.
ولادته ونشأته.
ولد سيدنا المدني بالمدينة المنورة ليلة السبت 15 جمادى الأولى سنة 1052،
واشتغل بالعلم إلى أن هاجر إلى حيدر آباد الهند سنة 1068، وشرع بها في تأليف
[سلافة العصر] سنة 1081، وأقام بالهند ثمان وأربعين سنة كما ذكره معاصره في
[نسمة السحر] وكان في حضانة والده الطاهر إلى أن توفي أبوه سنة 1086 (2) فانتقل
إلى [برهان پور] عند السلطان أورنك زيب، وجعله رئيسا على ألف وثلاثمائة فارس،
وأعطاه لقب (خان) ولما ذهب السلطان إلى بلد [أحمد نكر] جعله حارسا [لاورنك
آباد] فأقام فيه مدة، ثم جعله واليا على (لاهور) وتوابعه، ثم ولي ديوان [برهانپور]
واشغل هناك منصة الزعامة مدة سنين، وكان بعسكر ملك الهند سنة 1114، ثم
استعفى وحج وزار مشهد الرضا عليه السلام وورد إصفهان في عهد السلطان حسين سنة 1117،
وأقام بها سنين ثم عادها إلى شيراز، وحط بها عصى السير زعيما مدرسا مفيدا، وتوفي
بها في ذيقعدة الحرام سنة 1120، ودفن بحرم الشاه چراغ أحمد بن الإمام موسى بن
جعفر سلام الله عليه عند جده غياث الدين المنصور صاحب المدرسة المنصورية.
____________
(1) ذكر شيخنا البحراني صاحب (الحدائق) في تاريخ وفاته (1088).
(2) ذكر شيخنا النوري في (المستدرك، 1066 وفيه تصحيف.
قال صاحب (رياض العلماء): إنه توفي سنة 1118، وفي [سفينة البحار]
1119، وفي [آداب اللغة] 1104، والذي اختاره مشايخنا من سنة 1120 هو المعتضد
بأن المترجم له نفسه نص على قدومه إلى اصبهان سنة 1117، وقال الشيخ علي الحزين
في (التذكرة): إني أدركته بها سنين.
توجد ترجمته في أمل الآمل، رياض العلماء، نسمة السحر ج 2، تذكرة
الشيخ علي الحزين، السوانح له أيضا، نشوة السلافة لابن بشارة، رياض الجنة
للزنوزي، تتميم أمل الآمل للسيد ابن شبانة، نجوم السماء ص 176، روضات الجنات
ص 412، المستدرك 3: 386، سفينة البحار 2: 245، معجم المطبوعات ص 244،
آداب اللغة العربية 3: 285، مجلة المرشد العراقي 1: 197، وفي غير واحد من أعداد
(المرشد) نشر شطر من شعره.
ومن غرر شعر شاعرنا المدني قوله يمدح به أمير المؤمنين عليه السلام لما ورد إلى
النجف الأشرف مع جمع من حجاج بيت الله:
يا صاح! هذا المشهد الأقدس * قرت به الأعين والأنفس
والنجف الأشرف بانت لنا * أعلامه والمعهد الأنفس
والقبة البيضاء قد أشرقت * ينجاب عن لألائها الحندس
حضرة قدس لم ينل فضلها * لا المسجد الأقصى ولا المقدس
حلت بمن حل بها رتبة * يقصر عنها الفلك الأطلس
تود لو كانت حصا أرضها * شهب الدجى والكنس الخنس (1)
وتحسد الأقدام منا على * السعي إلى أعتابها الأرؤس
فقف بها والثم ثرى تربها * فهي المقام الأطهر الأقدس
وقل: صلاة وسلام على * من طاب منها الأصل والمغرس
خليفة الله العظيم الذي * من ضوئه نور الهدى يقبس
نفس النبي المصطفى أحمد * وصنوه والسيد الأرؤس
العلم العيلم بحر الندا * وبره والعالم النقرس (2)
____________
(1) النجوم كلها والسيارات منها.
(2) النقرس: الطبيب الماهر المدقق
فليلنا من نوره مقمر * ويومنا من ضوءه مشمس
أقسم بالله وآياته * ألية تنجي ولا تغمس
إن علي بن أبي طالب * منار دين الله لا يطمس
ومن حباه الله أنباء ما * في كتبه فهو لها فهرس
أحاط بالعلم الذي لم يحط * بمثله بليا ولا هرمس (1)
لولاه لم تخلق سماء ولا * أرض ولا نعمى ولا ابؤس
ولا عفى الرحمن عن آدم * ولا نجا من حوته يونس
هذا أمير المؤمنين الذي * شرايع الله به تحرس
وحجة الله التي نورها * كالصبح لا يخفى ولا يبلس
تالله لا يجحدها جاحد * إلا امرء في غيه مركس
المعلن الحق بلا خشية * حيث خطيب القوم لا ينبس
والمقحم الخيل وطيس الوغى * إذا تناهى البطل الأحرس
جلبابه يوم الفخار التقى * لا الطيلسان الخز والبرنس (2)
يرفل من تقواه في حلة * يحسدها الديباج والسندس
يا خيرة الله الذي خيره * يشكره الناطق والأخرس
عبدك قد أمك مستوحشا * من ذنبه للعفو يستأنس
يطوي إليك البحر والبر لا * يوحشه شئ ولا يونس
طورا على فلك به سابح * وتارة تسري به عرمس (3)
في كل هيماء يرى شوكها * كأنه الريحان والنرجس
حتى أتى بابك مستبشرا * ومن أتى بابك لا ييأس
أدعوك يا مولى الورى موقنا * إن دعائي عنك لا يحبس
____________
(1) الهرامسة ثلاثة: هرمس الأول وهو عند العرب إدريس، وعند العبرانيين أخنوخ وهو أول
من درس الكتب ونظر في العلوم وأنزل الله عليه صحائف. هرمس الثاني كان بعد الطوفان، كان بارعا
في علم الطب والفلسفة. هرمس الثالث. سكن مصر وكان بعد الطوفان، وكان طبيبا فيلسوفا عالما.
(2) البرنس: قلنسوة طويلة كانت تلبس في صدر الاسلام.
(3) العرمس: الناقة الصلبة الشديدة.