مهيار الديلمي

المتوفى 428


(1)

هل بعد مفترق الأظعان مجتمع؟! * أم هل زمان بهم قد فات يرتجع؟!
تحملوا تسع البيداء ركبهم * ويحمل القلب فيهم فوق ما يسع
مغربين هم والشمس قد ألفوا * ألا تغيب مغيبا حيثما طلعوا؟!
شاكين للبين أجفانا وأفئدة * مفجعين به أمثال ما فجعوا
5 تخطو بهم فاترات في أزمتها * أعناقها تحت إكراه النوى خضع
تشتاق نعمان لا ترضى بروضته * دارا ولو طاب مصطاف ومرتبع
فداء وافين تمشي الوافيات بهم * دمع دم وحشا في إثرهم قطع
الليل بعدهم كالفجر متصل * ما شاء والنوم مثل الوصل منقطع
ليت الذين أصاخوا يوم صاح بهم * داعي النوى: ثوروا صموا كما سمعوا
10 أو ليت ما أخذ التوديع من جسدي * قضى علي فللتعذيب ما يدع
وعاذل لج أعصيه ويأمرني * فيهم وأهرب منه وهو يتبع
يقول: نفسك فاحفظها فإن لها * حقا وإن علاقات الهوى خدع
روح حشاك ببرد اليأس تسل به * ما قيل في الحب إلا أنه طمع
والدهر لونان والدنيا مقلبة * الآن يعلم قلب كيف يرتدع
15 هذي قضايا رسول الله مهملة * غدرا وشمل رسول الله منصدع
والناس للعهد ما لاقوا وما قربوا * وللخيانة ما غابوا وما شسعوا
وآله وهم آل الإله وهم * رعاة ذا الدين ضيموا بعده ورعوا


الصفحة 2

ميثاقه فيهم ملقى وأمته * مع من بغاهم وعاداهم له شيع
تضاع بيعته يوم (الغدير) لهم * بعد الرضا وتحاط الروم والبيع
مقسمين بإيمان هم جذبوا * بيوعها وبأسياف هم ظبعوا 20
ما بين ناشر حبل أمس أبرمه * تعد مسنونة من بعده البدع
وبين مقتنص بالمكر يخدعه * عن آجل عاجل حلو فينخدع
وقائل لي: علي كان وارثه * بالنص منه فهل أعطوه؟! أم منعوا؟!
فقلت: كانت هنات لست أذكرها * يجزي بها الله أقواما بما صنعوا
أبلغ رجالا إذا سميتهم عرفوا * لهم وجوه من الشحناء تمتقع 25
توافقوا وقناة الدين مائلة * فحين قامت تلاحوا فيه واقترعوا
أطاع أولهم في الغدر ثانيهم * وجاء ثالثهم يقفو ويتبع
قفوا على نظر في الحق نفرضه * والعقل يفصل والمحجوج ينقطع
بأي حكم بنوه يتبعونكم * وفخركم أنكم صحب له تبع؟!
وكيف ضاقت على الأهلين تربته * وللأجانب من جنبيه مضطجع؟! 30
وفيم صيرتم الإجماع حجتكم * والناس ما اتفقوا طوعا ولا اجتمعوا؟!
أمر (علي) بعيد من مشورته * مستكره فيه و (العباس) يمتنع
وتدعيه قريش بالقرابة والأنصار * لا رفع فيه ولا وضع
فأي خلف كخلف كان بينكم * لولا تلفق أخبار وتصطنع؟!
واسألهم يوم (خم) بعد ما عقدوا * له الولاية لم خانوا ولم خلعوا!؟ 35
قول صحيح ونيات بها نغل * لا ينفع السيف صقل تحته طبع (1)
إنكارهم يا أمير المؤمنين لها * بعد اعترافهم عار به ادرعوا
ونكثهم بك ميلا عن وصيتهم * شرع لعمرك ثان بعده شرعوا
تركت أمرا ولو طالبته لدرت * معاطس راغمته كيف تجتدع
صبرت تحفظ أمر الله ما اطرحوا * ذبا عن الدين فاستيقظت إذ هجعوا 40
ليشرقن بحلو اليوم مر غد * إذا حصدت لهم في الحشر ما زرعوا

____________

(1) النغل: الضغن وسوء النية. الطبع: الصدأ.

الصفحة 3

جاهدت فيك بقولي يوم تختصم الأبطال * إذ فات سيفي يوم تمتصع (1)
إن اللسان لوصال إلى طرق * في القلب لا تهتديها الذبل الشرع
آباي في فارس والدين دينكم * حقا لقد طاب لي أس ومرتبع
45 ما زلت مذ يفعت سني ألوذ بكم * - حتى محا حقكم شكي - وأنتجع
وقد مضت فرطات إن كفلت بكم * فرقت عن صحفي البأس الذي جمعوا
(سلمان) فيها شفيعي وهو منك إذا * الآباء عندك في أبنائهم شفعوا
فكن بها منقذا من هول مطلعي * غدا وأنت من الأعراف مطلع
سولت نفسي غرورا إن ضمنت لها * أنى بذخر سوى حبيك أنتفع

* (ما يتبع الشعر) *

قال الأستاذ أحمد نسيم المصري في التعليق على قول مهيار:

تضاع بيعته يوم (الغدير) لهم * بعد الرضا وتحاط الروم والبيع

: الغدير: هو غدير خم بين مكة والمدينة، قيل: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس عنده فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. (2)

قال الأميني: ليت شعري هل خفي على الأستاذ تواتر ذلك الحديث المروي عن مائة صحابي أو أكثر؟! أم حبذته نزعاته الطائفية أن يسدل عليه أغشية الزور والدجل؟ ويموهه على القاري، ويستر الحقيقة الراهنة بذيل أمانته؟! ويوعز إلى ضعفه بكلمته: قيل؟! قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون، والذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.


(2)

وله ديوانه في ج 3 ص 15 يرثي بها أهل البيت عليهم السلام ويذكر البركة بولائهم فيما صار إليه:

في الظباء الغادين أمس غزال * قال عنه ما لا يقول الخيال
طارق يزعم الفراق عتابا * ويرينا أن الملال دلال

____________

(1) تمتصع: تقاتل بالسيف.

(2) ديوان مهيار ج 2 ص 182.

الصفحة 4

لم يزل يخدع البصيرة حتى * سرنا ما يقول وهو محال
لا عدمت الأعلام كم نولتني * من منيع صعب عليه النوال
لم تنغص وعدا بمطل، ولم يوجب * له منة علي الوصال
فلليلي الطويل شكري، ودين العشق * أن تكره الليالي الطوال 5
لمن الظعن غاصبتنا جمالا؟! * حبذا ما مشت به الاجمال!
كاتفات بيضاء دل عليها * أنها الشمس أنها لا تنال
جمح الشوق بالخليع فأهلا * بحليم له السلو عقال
كنت منه أيام مرتع لذاتي * خصيب وماء عيشي زلال
حيث ضلعي مع الشباب وسمعي * غرض لا تصيبه العذال 10
يا نديمي كنتما فافترقنا * فاسلواني، لكل شئ زوال
لي في الشيب صارف ومن الحزن * على آل أحمد إشغال
معشر الرشد والهدى حكم البغي * عليهم سفاهة والضلال
ودعاة الله استجابت رجال * لهم ثم بدلوا فاستحالوا
حملوها يوم (السقيفة) أوزارا * تخف الجبال وهي ثقال 15
ثم جاءوا من بعدها يستقيلون * وهيهات عثرة لا تقال
يا لها سوءة إذا أحمد قام * غدا بينهم فقال وقالوا!
ربع همي عليهم طلل باق * وتبلى الهموم والأطلال
يا لقوم إذ يقتلون عليا * وهو للمحل (1) فيهم قتال
ويسرون بغضه وهو لا تقبل * إلا بحبه الأعمال 20
وتحال الأخبار والله يدري * كيف كانت يوم (الغدير) الحال (2)
ولسبطين تابعيه فمسموم * عليه ثرى البقيع يهال
درسوا قبره ليخفى عن الزوار * هيهات! كيف يخفى الهلال؟!
وشهيد بالطف أبكى السماوات * وكادت له تزول الجبال

____________

(1) المحل: الجدب.

(2) كذا في ديوانه المخطوط وفي المطبوع: تحال.

الصفحة 5

25 يا غليلي له وقد حرم الماء * عليه وهو الشراب الحلال
قطعت وصلة النبي بأن تقطع * من آل بيته الأوصال
لم تنج الكهول سن ولا الشبان زهد ولا نجا الأطفال
لهف نفسي يا آل طه عليكم * لهفة كسبها جوى وخبال
وقليل لكم ضلوعي تهتز * مع الوجد أو دموعي تذال
30 كان هذا كذا وودي لكم حسب * وما لي في الدين بعد اتصال
وطروسي سود فكيف بي الآن * ومنكم بياضها والصقال
حبكم كان فك أسري من الشرك * وفي منكبي له أغلال
كم تزملت بالمذلة حتى * قمت في ثوب عزكم أختال
بركات لكم محت من فؤادي * ما أمل الضلال عم وخال
35 ولقد كنت عالما أن إقبا * لي بمدحي عليكم إقبال


(3)

وله من قصيدة يرثي بها أهل البيت عليهم السلام وهي 63 بيتا توجد في ديوانه ج 4 ص 198 مطلعها:

لو كنت دانيت المودة قاصيا * رد الحبائب يوم بن فؤاديا

إلى أن قال:

وبحي آل محمد إطراؤه * مدحا وميتهم رضاه مراثيا
هذا لهم والقوم لا قومي هم * جنسا وعقر ديارهم لا داريا
إلا المحبة فالكريم بطبعه * يجد الكرام الأبعدين أدانيا
يا طالبيين اشتفى من دائه المجد * الذي عدم الدواء الشافيا
5 بالضاربين قبابهم عرض الفلا * عقل الركائب ذاهبا أو جائيا
شرعوا المحجة للرشاد وأرخصوا * ما كان من ثمن البصائر غالبا
وأما وسيدهم علي قولة * تشجي العدو وتبهج المتواليا
لقد ابتنى شرفا لهم لو رامه * زحل بباع كان عنه عاليا


الصفحة 6

وأفادهم رق الأنام بوقفة * في الروع بات بها عليهم واليا
ما استدرك الانكار منهم ساخط * إلا وكان بها هنالك راضيا 10
أضحوا أصادقه فلما سادهم * حسدوا فأمسوا نادمين أعاديا
فارحم عدوك ما أفادك ظاهرا * نصحا وعالج فيك خلا خافيا
وهب (الغدير) أبوا عليه قوله * بغيا(*) فقل: عدوا سواه مساعيا
بدرا واحدا أختها من بعدها * وحنين وقارا بهن فصاليا (1)
والصخرة الصماء أخفى تحتها * ماءا وغير يديه لم يك ساقيا 5
وتدبروا خبر اليهود بخيبر * وارضوا بمرحب وهو خصم قاضيا
هل كان ذاك الحصن يرهب هادما؟! * أو كان ذاك الباب يفرق داحيا؟!
وتفكروا في أمر عمرو (2) أولا * وتفكروا في أمر عمرو (3) ثانيا
أسدان كانا من فرائس سيفه * ولقلما هابا سواه مدانيا
ورجال ضبة عاقدي حجزاتهم * يوم البصيرة من معين (4) تفانيا 20
ضغموا (5) بناب واحد ولطالما * ازدردوا أراقم قبلها وأفاعيا
ولخطب صفين أجل وعندك الخبر * اليقين إذا سألت معاويا

* (ما يتبع الشعر) *

قال الأستاذ أحمد نسيم المصري في شرح قوله:

وهب الغدير أبوا عليه قبوله * نهيا فقل: عدوا سواه مساعيا

: النهي: الغدير أو شبهه. وللإمام علي وقعة تسمى بوقعة (غدير خم) و

____________

(*) كذا في ديوانه المخطوط وفي المطبوع منه: نهيا.

(1) وقارا: شادا بلجام الدابة لتسكن. يشير إلى أن أمير المؤمنين كان آخذا بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله خوفا من إجفالها.

(2) يعني عمرو بن ود الذي قتله أمير المؤمنين يوم الخندق.

(3) يعني عمرو بن العاص المترجم في كتابنا ج 2 ص 120 - 176.

(4) معين اسم مدينة باليمن أو هو حصن بها.

(5) ضغم الشئ: عضه بملاء فمه. يقال: ضغمه ضغمة الأسد.

الصفحة 7
الشاعر يشير إليها. قال الأميني: ليت الأستاذ بعد شرحه [النهي] وجعله بدلا عن [البغي] الموجود في مخطوط ديوانه يعرب عن معناه الحالي أو المفعولي، ويعرف أن مثله لا يصلح من مثل مهيار المتضلع الفحل، وكأنه يرى رأي شاكلته إبراهيم ملحم أسود في قوله: يوم الغدير واقعة حرب معروفة (1) فليته دلنا على تلك الوقعة المسماة بوقعة (الغدير) وذكر شطرا من تاريخها، يريدون أن يبدلوا كلام الله، و ارتابت قلوبهم في ريبهم يترددون.

* (الشاعر) *

أبو الحسن (2) مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي نزيل درب رياح بالكرخ هو أرفع راية للأدب العربي منشورة بين المشرق والمغرب، وأنفس كنز من كنوز الفضيلة، وفي الرعيل الأول من ناشري لغة الضاد، وموطدي أسسها، ورافعي علاليها، ويده الواجبة على اللغة الكريمة ومن يمت بها وينتمي إليها لا تزال مذكورة مشكورة يشكرها الشعر والأدب، تشكرها الفضيلة والحسب، تشكرها العروبة والعرب، و أكبر برهنة على هذه كلها ديوانه الضخم الفخم في أجزائه الأربعة الطافح بأفانين الشعر وفنونه وضروب التصوير وأنواعه، فهو يكاد في قريضه يلمسك حقيقة راهنة مما ينضده، ويذر المعنى المنظوم كأنه تجاه حاستك الباصرة، ولا يأتي إلا بكل اسلوب رصين، أو رأي صحيف، أو وصف بديع، أو قصد مبتكر، فكان مقدما على أهل عصره مع كثرة فحولة الأدب فيه، وكان يحضر جامع المنصور في أيام الجمعات ويقرأ على الناس ديوان شعره (3) ولم أر الباخرزي قد بالغ في الثناء عليه بقوله في (دمية القصر) ص 76: هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر، وكاتب تحت كل كلمة من كلماته كاعب، وما في قصائده بيت يتحكم عليه بلو وليت، وهي مصبوبة في قوالب القلوب، وبمثلها يعتذر الدهر المذنب عن الذنوب.

أما شعره في المذهب فبرهنة وحجاج فلا تجد فيه إلا حجة دامغة، أو ثناء

____________

(1) قد أسلفنا الكلام فيه في الجزء الثاني ص 331.

(2) وفي بعض المصادر القديمة: أبو الحسين.

(3) تاريخ الخطيب البغدادي 13 ص 276.

الصفحة 8
صادقا، أو تظلما مفجعا، ولعل هذه هي التي حدت أصحاب الإحن إلى إخفاء فضله الظاهر والتنويه بحياته الثمينة كما يحق له، فبخست حقه المعاجم، فلم تأت عند ذكره إلا بطفائف هي دون بعض ما يجب له، غير أن حقيقة فضله أبرزت نفسها، ونشرت ذكره مع مهب الصبا، فأين ما حللت لا تجد للمهيار إلا ذكرا وشكرا وتعظيما و تبجيلا، وعلى ضوء أدبه وكماله يسير السائرون.

ولعمر الحق إن من المعاجز أن فارسيا في العنصر يحاول قرض الشعر العربي فيفوق أقرانه ولا يتأتى لهم قرانه، ويقتدى به عند الورد والصدر، ولا بدع أن يكون من تخرج على أئمة العربية من بيت النبوة وعاصرهم وآثر ولائهم واقتص أثرهم كالعلمين الشريفين: المرتضى والرضي وشيخهما شيخ الأمة جمعاء [المفيد] و نظرائهم أن يكون هكذا، إلا تاهت الظنون، وأكدت المخائل في الحط من كرامة الرجل بتقصير ترجمته، أو التقصير في الابانة عنه، أو التحامل عليه بمخرقة، و الوقيعة فيه برميه بما يدنس ذيل أمانته كما فعل ابن الجوزي في (المنتظم) فجدع أرنبته باختلاق قضية مكذوبة عليه، ورماه بالغلو، وحاشاه عن كل ذلك، إن يقولون إلا كذبا.

فهذا مهيار بأدبه الباذخ، وفضله الشامخ، وعرفه الفائح، ونوره الواضح، و مذهبه العلوي، وقريضه الخسرواني، قد طبق العالم ثناء وإطراء ومكرمة وجلالة، وما يضره أمسه إن كان مجوسيا فارسيا فيه، وها هو في يومه مسلم في دينه، علوي في مذهبه، عربي في أدبه، وها هو يحدث شعره عن ملكاته الفاضلة، ويتضمن ديوانه آثار نفسياته الكريمة، وخلد له ذكرى مع الأبد، فهل أبقى [أبو الحسن مهيار] ذروة من الشرف لم يتسنمها؟! أو صهوة من النبوغ لم يمتطها؟! ولو كان يؤاخذ بشئ من ماضيه لكان من الواجب مؤاخذة الصحابة الأولين كلهم على ماضيهم التعيس غير أن الاسلام يجب ما قبله، فتراه يتبهج بسودد عائلته المالكة التي هي أشرف عائلات فارس، ويفتخر بشرف إسلامه وحسن أدبه بقوله:

أعجبت بي بين نادي قومها * أم سعد فمضت تسأل بي
سرها ما علمت من خلقي * فأرادت علمها ما حسبي


الصفحة 9

لا تخالي نسبا يخفضني * أنا من يرضيك عند النسب
قومي استولوا على الدهر فتى * ومشوا فوق الرؤوس الحقب
عمموا بالشمس هاماتهم * وبنوا أبياتهم بالشهب
وأبي كسرى (1) على إيوانه * أين في الناس أب مثل أبي؟!
سورة الملك القدامى وعلى * شرف الاسلام لي والأدب
قد قبست المجد من خير أب * وقبست الدين من خير نبي
وضممت الفخر من أطرافه * سودد الفرس ودين العرب

أسلم المترجم على يد سيدنا الشريف الرضي سنة 394 (2) وتخرج عليه في الأدب والشعر وتوفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادى الثانية سنة 428، ولم أقف على خلاف في تارخ وفاته في الكتب المعاجم التي توجد فيها ترجمته منها: تاريخ بغداد 13 ص 276، المنتظم ج 8 ص 94، تاريخ ابن خلكان 2 ص 277، مرآة اليافعي 3 ص 47، دمية القصر ص 76، تاريخ ابن كثير 12 ص 41، كامل ابن الأثير 9 ص 159، تاريخ أبي الفدا 2 ص 168، أمل الآمل لشيخنا الحر، روض المناظر لابن شحنة، أعلام الزركلي 3 ص 1079، شذرات الذهب 3 ص 247، تاريخ آداب اللغة 2 ص 259، نسمة السحر فيمن تشيع وشعر، دائرة المعارف لفريد وجدي 9 ص 484، سفينة البحار 2 ص 563 مجلة المرشد 2 ص 85.

ومن نماذج شعر مهيار في المذهب قوله يمدح أهل البيت عليهم السلام:

بكى النار سترا على الموقد * وغار يغالط في المنجد
أحب وصان فورى هوى * أضل وخاف فلم ينشد؟!
بعيد الإصاخة عن عاذل * غني التفرد عن مسعد
حمول على القلب وهو الضعيف * صبور على الماء وهو الصدي
5 وقور وما الخرق من حازم * متى ما يرح شيبه يغتدي

____________

(1) ولد في أيام ملكه نبي العظمة صلى الله عليه وآله ويعزى إليه (ع): ولدت في زمن الملك العادل.

(2) كامل ابن الأثير 9 ص 170، المنتظم لابن الجوزي 8 ص 94.

الصفحة 10

ويا قلب إن قادك الغانيات * فكم رسن فيك لم ينقد
أفق فكأني بها قد أمر * بأفواهها العذب من موردي
وسود ما ابيض من ودها * بما بيض الدهر من أسودي
وما الشيب أول غدر الزمان * بلى من عوائده العود
لحا الله حظي كما لا يجود * بما أستحق وكم أجتدي 10
وكم أتعلل عيش السقيم * أذمم يومي وأرجو غدي
لئن نام دهري دون المنى * وأصبح عن نيلها مقعدي
ولم أك أحمد أفعاله * فلي أسوة ببني أحمد
بخير الورى وبني خيرهم * إذا ولد الخير لم يولد
وأكرم حي على الأرض قام * وميت توسد في ملحد 15
وبيت تقاصر عنه البيوت * وطال عليا على الفرقد
تحوم الملائك من حوله * ويصبح للواحي دار الندي
ألا سل قريشا ولم منهم * من استوجب اللوم أو فند
وقل: ما لكم بعد طول الضلال * لم تشكروا نعمة المرشد؟!
أتاكم على فترة فاستقام * بكم جائرين عن المقصد 20
وولى حميدا إلى ربه * ومن سن ما سنه يحمد
وقد جعل الأمر من بعده * لحيدر بالخبر المسند
وسماه مولى بإقرار من * لو اتبع الحق لم يجحد
فملتم بها - حسد الفضل - عنه * ومن يك خير الورى يحسد
وقلتم: بذاك قضى الاجتماع * ألا إنما الحق للمفرد 25
يعز على هاشم والنبي * تلاعب تيم بها أو عدي
وإرث علي لأولاده * إذا آية الإرث لم تفسد
فمن قاعد منهم خائف * ومن ثائر قام لم يسعد
تسلط بغيا أكف النفاق * منهم على سيد سيد


الصفحة 11

30 وما صرفوا عن مقام الصلاة * ولا عنفوا في بنى (1) المسجد
أبوهم وأمهم من علمت * فأنقص مفاخرهم أو زد
أرى الدين من بعد يوم الحسين * عليلا له الموت بالمرصد
وما الشرك لله من قبله * إذا أنت قست بمستبعد
وما آل حرب جنوا إنما * أعادوا الضلال على من بدي
35 سيعلم من فاطم خصمه * بأي نكال غدا يرتدي
ومن ساء أحمد يا سبطه * فباء بقتلك ماذا يدي؟!
فداؤك نفسي ومن لي بذاك * لو أن مولى بعبد فدي
وليت دمي ما سقى الأرض منك * يقوت الردى وأكون الردي
وليت سبقت فكنت الشهيد * أمامك يا صاحب المشهد
40 عسى الدهر يشفي غدا من * عداك قلب مغيظ بهم مكمد
عسى سطوة الحق تعلو المحال * عسى يغلب النقص بالسودد
وقد فعل الله لكنني * أرى كبدي بعد لم تبرد
بسمعي لقائمكم دعوة * يلبي لها كل مستنجد
أنا العبد والاكم عقده * إذا القول بالقلب لم يعقد
45 وفيكم ودادي وديني معا * وإن كان في فارس مولدي
خصمت ضلالي بكم فاهتديت * ولولاكم لم أكن أهتدي
وجردتموني وقد كنت في * يد الشرك كالصارم المغمد
ولا زال شعري من نائح * ينقل فيكم إلى منشد
وما فاتني نصركم باللسان * إذا فاتني نصركم باليد

وقال يرثي أمير المؤمنين عليا وولده الحسين ويذكر مناقبهما وكان ذلك من نذائر ما من الله تعالى به من نعمة الاسلام في المحرم سنة 392 (2).

يزور عن حسناء زورة خائف * تعرض طيف آخر الليل طائف

____________

(1) بنى جمع بنية.

(2) كذا في ديوانه وقد مر عن معاجم أنه أسلم سنة 394.

الصفحة 12

فأشبهها لم تغد مسكا لناشق * كما عودت ولا رحيقا لراشف
قصية دار قرب النوم شخصها * ومانعة أهدى سلام مساعف
ألين وتغري بالإباء كأنما * تبر بهجراني ألية حالف
وبالغور للناسين عهدي منزل * حنانيك من شات لديه وصائف 5
أغالط فيه سائلا لا جهالة * فأسأل عنه وهو بادي المعارف
ويعذلني في الدار صحبي كأنني * على عرصات الحب أول واقف
خليلي إن حالت - ولم أرض - بيننا * طوال الفيافي أو عراض التنائف
فلا زر ذاك السجف إلا لكاشف * ولا تم ذاك البدر إلا لكاسف
فإن خفتما شوقي فقد تأمنانه * بخاتلة بين القنا والمخاوف 10
بصفراء لو حلت قديما لشارب * لضنت فما حلت فتاة لقاطف
يطوف بها من آل كسرى مقرطق (1) يحدث عنها من ملوك الطوائف
سقى الحسن حمراء السلافة خده * فأنبع نبتا أخضرا في السوائف (2)
وأحلف أني شعشعت لي بكفه * سلوت سوى هم لقلبي محالف
عصيت على الأيام أن ينتزعنه * بنهي عذول أو خداع ملاطف 15
جوى كلما استخفي ليخمد هاجه * سنا بارق من أرض كوفان خاطف
يذكرني مثوى علي كأنني * سمعت بذاك الرزء صيحة هاتف
ركبت القوافي ردف شوقي مطية * تخب بجاري دمعي المترادف
إلى غاية من مدحه إن بلغتها * هزأت بأذيال الرياح العواصف
وما أنا من تلك المفازة مدرك * بنفسي ولو عرضتها للمتالف 20
ولكن تؤدي الشهد إصبع ذائق * وتعلق ريح المسك راحة دائف (3)
بنفسي من كانت مع الله نفسه * إذا قل يوم الحق من لم يجازف
إذا ما عزوا دينا فآخر عابد * وإن قسموا دنيا فأول عائف

____________

(1) مقرطق: لابس القرطق وهو قباء ذو طاق واحد.

(2) يريد بالنبت، العذار. السوائف جمع سائفة: هي القطعة من اللحم.

(3) الدائف: الخالط الذى يخلط المسك بغيره من الطيب.

الصفحة 13

كفى يوم بدر شاهدا وهوازن * لمستأخرين عنهما ومزاحف
25 وخيبر ذات الباب وهي ثقيلة المرام على أيدي الخطوب الخفائف
أبا حسن إن أنكروا الحق [واضحا] * على أنه والله إنكار عارف
فإلا سعى للبين أخمص بازل * وإلا سمت للنعل إصبع خاصف
وإلا كما كنت ابن عم وواليا * وصهرا وصنوا كان من لا يقارف
أخصك بالتفضيل إلا لعلمه * بعجزهم عن بعض تلك المواقف
30 نوى الغدر أقوام فخانوك بعده * وما آنف في الغدر إلا كسالف
وهبهم سفاها صححوا فيك قوله * فهل دفعوا ما عنده في المصاحف
سلام على الاسلام بعدك إنهم * يسومونه بالجور خطة خاسف
وجددها بالطف بابنك عصبة * أباحوا لذاك القرف (1) حكة قارف
يعز على محمد بابن بنته * صبيب دم من بين جنبيك واكف
35 أجازوك حقا في الخلافة غادروا * جوامع (2) منه في رقاب الخلائف
أيا عاطشا في مصرع لو شهدته * سقيتك فيه من دموعي الذوارف
سقى غلتي بحر بقبرك إنني * على غير إلمام به غير آسف
وأهدى إليه الزائرون تحيتي * لأشرف إن عيني له لم تشارف
وعادوا فذروا بين جنبي تربة * شفائي مما استحقبوا في المخاوف (3)
40 أسر لمن والاك حب موافق * وأبدي لمن عاداك سب مخالف
دعي سعى سعي الأسود وقد مشى * سواه إليها أمسر مشي الخوالف (4)
وأغرى بك الحساد أنك لم تكن * على صنم فيما رووه بعاكف
وكنت حصان الجيب من يد غامر * كذاك حصان العرض من فم قاذف
وما نسب ما بين جنبي تالد * بغالب ود بين جنبي طارف

____________

(1) القرف: البغي.

(2) الجوامع: الأغلال.

(3) استحقبوا: ادخروا.

(4) الخوالف: النساء.

الصفحة 14

45 وكم حاسد لي ود لو لم يعش ولم * أنابله في تأبينكم وأسايف (1).
تصرفت في مدحيكم فتركته * يعض علي الكف عض الصوارف (2)
هواكم هو الدنيا وأعلم أنه * يبيض يوم الحشر سود الصحائف

وأنشد قصيدة في مراثي أهل البيت عليهم السلام من مرذول الشعر على هذا الروي الذي يجيئ وسئل أن يعمل أبياتا في وزنها علي قافيتها فقال هذه في الوقت:

مشين لنا بين ميل وهيف * فقل في قناة وقل في نزيف (3)
على كل غصن ثمار الشباب * من مجتنى دواني القطوف
ومن عجب الحسن أن الثقيل * منه يدل بحمل الخفيف
خليلي ما خبر ما تبصران * بين خلاخيلها والشنوف (4)
5 سلاني به فالجمال اسمه * ومعناه مفسدة للعفيف
أمن عربية تحت الظلام * تولج ذاك الخيال المطيف؟!
سرى عينها أو شبيها فكاد * يفضح نومي بين الضيوف
نعم ودعا ذكر عهد الصبا * سيلقاه قلبي بعهد ضعيف
بآل علي صروف الزمان * بسطن لساني لذم الصروف
10 مصابي على بعد داري بهم * مصاب الأليف بفقد الأليف
وليس صديقي غير الحزين * ليوم (الحسين) وغير الأسوف (5)
هو الغصن (6) كان كمينا فهب * لدى (كربلاء) بريح عصوف
قتيل به ثار غل النفوس * كما نغر الجرح حك القروف (7)

____________

(1) أنابله: أرميه بالنبل. أسايف: أجالده بالسيف.

(2) الصوارف جمع صارف وهو: الناب.

(3) النزيف: السكران.

(4) الشنوف جمع شنف وهو: القرط يعلق بأعلى الأذن.

(5) الأسوف: السريع الحزن الرقيق القلب.

(6) كذا في مطبوع ديوانه والصحيح: هو الضغن.

(7) نغر: أسال. القروف جمع قرف وهي القشرة تعلو الجرح.

الصفحة 15

بكل يد أمس قد بايعته * وساقت له اليوم أيدي الحتوف
15 نسوا جده عند عهد قريب * وتالده مع حق طريف
فطاروا له حاملين النفاق * بأجنحة غشها في الحفيف (1)
يعز علي ارتقاء المنون * إلى جبل منك عال منيف
ووجهك ذاك الأغر التريب * يشهر وهو على الشمس موفي
على ألعن أمره قد سعى * بذاك الذميل وذاك الوجيف
20 وويل أم مأمورهم لو أطاع * لقد باع جنته بالطفيف
وأنت - وإن دافعوك - الإمام * وكان أبوك برغم الأنوف
لمن آية الباب يوم اليهود؟! * ومن صاحب الجن يوم الخسيف؟!
ومن جمع الدين في يوم بدر * وأحد بتفريق تلك الصفوف؟!
وهدم في الله أصنامهم * بمرأى عيون عليها عكوف؟!
25 أغير أبيك إمام الهدى؟! * ضياء الندي هزبر العزيف (2)
تفلل سيف به ضرجوك * لسود خزيا وجوه السيوف
أمر بفي عليك الزلال * وآلم جلدي وقع الشفوف (3)
أتحمل فقدك ذاك العظيم * جوارح جسمي هذا الضعيف؟!
ولهفي عليك مقال الخبير *: إنك تبرد حر اللهيف
30 أنشرك ما حمل الزائرون * أم المسك خالط ترب الطفوف؟!
كأن ضريحك زهر الربيع * هبت عليه نسيم الخريف
أحبكم ما سعى طائف * وحنت مطوقة في الهتوف
وإن كنت من فارس فالشريف * معتلق وده بالشريف
ركبت - على من يعاديكم * ويفسد تفضيلكم بالوقوف -

____________

(1) الحفيف: أجنحة الطائر.

(2) العزيف: صوت الرمال إذا هبت عليها الرياح. ولعل الصحيح: الغريف. معجمة العين مهملة الراء: وهو الأجمة.

(3) الشفوف جمع شف وهو: الثوب الرقيق.