الصفحة 15
وشعر، والكنى والألقاب 1: 146، والطليعة في شعراء الشيعة، ونحن نذكر ما في تاريخ ابن خلكان ملخصا قال:

كان أديبا فاضلا متقنا لعلم العروض والقوافي، شاعرا يقع له في النظم معان بديعة في البيتين والثلاثة، وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات، وكان زيه زي الحلبيين الأوائل في اللباس والعمامة المشقوقة، وكان كثير الملازمة لحلقة الشيخ تاج الدين أبي القاسم أحمد بن هبة الله بن سعد بن سعيد بن المقلد المعروف بابن الجبراني النحوي اللغوي، وأكثر ما أخذ الأدب منه وبصحبته انتفع. كان بيني وبين الشهاب الشواء مودة أكيدة وموانسة كثيرة ولنا اجتماعات في مجالس نتذاكر فيها الأدب، و أنشدني كثيرا من شعره، وما زال صاحبي منذ أواخر سنة ثلاث وثلاثين وستمائة إلى حين وفاته، وقبل ذلك كنت أراه قاعدا عند ابن الجبراني المذكور في موضع تصدره في جامع حلب، وكان يكثر التمشي في الجامع أيضا على جري عادتهم في ذلك كما يعملون في جامع دمشق، وكان حسن المحاورة مليح الايراد مع السكون والتأني، وأول شئ أنشدني من شعره قوله:

هاتيك يا صاح ربا لعلع * ناشدتك الله فعرج معي
وانزل بنا بين بيوت النقا * فقد غدت آهلة المربع
حتى نطيل اليوم وقفا على * الساكن أو عطفا على الموضع

وكان كثيرا ما يستعمل العربية في شعره فمن ذلك قوله:

وكنا خمس عشرة في التئام * على رغم الحسود بغير آفه
فقد أصبحت تنوينا وأضحى * حبيبي لا تفارقه الإضافه

وله في غلام أرسل أحد صدغيه وعقد الآخر:

أرسل صدغا ولوى قاتلي * صدغا فأعيا بهما واصفه
فخلت ذا في خده حية * تسعى وهذا عقربا واقفه
ذا ألف ليست لوصل وذا * واو ولكن ليست العاطفة

وله في شخص لا يكتم السر:

لي صديق غدا وإن كان لا * ينطق إلا بغيبة أو محال


الصفحة 16

أشبه الناس بالصدى إن تحدثه * حديثا أعاده في الحال (1)

وله قوله:

قالوا حبيبك قد تضوع نشره * حتى غدا منه الفضاء معطرا
فأجبتهم والخال يعلو خده * أو ما ترون النار تحرق عنبرا؟

وله قوله:

هواك يا من له اختيال * مالي على مثله احتيال
قسمة أفعاله لحيني * ثلاثة. مالها انتقال
وعدك مستقبل وصبري * ماض وشوقي إليك حال

وله أيضا:

إن كان قد حجبوه عني غيرة * منهم عليه فقد قنعت بذكره
كالمسك ضاع لنا وضاع مكانه * عنا فأغنى نشره عن نشره

وله أيضا في غلام قد ختن:

هنأت من أهواه عند ختانه * فرحا وقلبي قد عراه وجوم
يفديك من ألم ألم بك امرؤ * يخشى عليك إذا ثناك نسيم
أمعذبي كيف استطعت على الأذى * جلدا وأجزع ما يكون الريم؟
لو لم تكن هذي الطهارة سنة * قد سنها من قبل إبراهيم
لفتكت جهدي بالمزين إذ غدا * في كفه موسى وأنت كليم

ومعظم شعره على هذا الأسلوب. وكان من المغالين في التشيع وأكثر أهل حلب ما كانوا يعرفونه إلا بمحاسن الشواء والصواب فيه هو الذي ذكرته هاهنا وأن اسمه يوسف وكنيته أبو المحاسن. ورأيت ترجمته في كتاب (عقود الجمان) الذي وضعه صاحبنا الكمال ابن الشعار الموصلي، وكان صاحبه وأخذ عنه كثيرا من شعره وهو من أخبر الناس بحاله، كان مولده تقريبا في سنة اثنين وستين وخمسمائة فإنه كان لا يتحقق مولده، وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر المحرم سنة خمس وثلاثين وستمائة بحلب، ودفن ظاهرها بمقبرة باب أنطاكية غربي البلد، ولم أحضر الصلاة عليه لعذر

____________

(1) الصدى: طير معروف. ما يرده الجبل أو غيره إلى المصوت مثل صوته.

الصفحة 17
عرض لي في ذلك الوقت - رحمه الله تعالى - فلقد كان نعم الصاحب.

وأما شيخه ابن الجبراني المذكور فهو طاءي بحتري من قرية جبرين من أعمال عزاز، وكان متضلعا من علم الأدب خصوصا اللغة فإنها كانت غالبة عليه وكان متبحرا فيها، وكان له تصدر في جامع حلب في المقصورة الشرقية المشرفة على صحن الجامع، وكان مولده يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شوال سنة إحدى وستين وخمسمائة، وتوفي يوم الاثنين سابع رجب من سنة ثمان وعشرين وستمائة بحلب، ودفن في سفح جبل جوشن رحمه الله تعالى. هـ.

قال الأميني: في معجم البلدان 3: 172 نقلا عن عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي في ديوانه عند أبيات في جوشن قال: جوشن جبل في غربي حلب ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه، ويقال: إنه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي رضي الله عنه ونساؤه، وكانت زوجة الحسين حاملا فأسقطت هناك فطلبت من الصناع في ذلك الجبل خبزا أو ماء فشتموها ومنعوها، فدعت عليهم فمن الآن من عمل فيه لا يربح، وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط، ويسمى مشهد الدكة، والسقط يسمى محسن بن الحسين رضي الله عنه. هـ.


الصفحة 18

(59)
كمال الدين الشافعي

المتوفى: 652

أضح واستمع آيات وحي تنزلت * بمدح إمام بالهدى خصه الله
ففي آل عمران المباهلة التي * بإنزالها أولاه بعض مزاياه
وأحزاب حاميم وتحريم هل أتى * شهود بها أثنى عليه فزكاه
وإحسانه لما تصدق راكعا * بخاتمه يكفيه في نيل حسناه
وفي آية النجوى التي لم يفز بها * سواه سنا رشد به تم معناه 5
وأزلفه حتى تبوأ منزلا * من الشرف الأعلى وآتاه تقواه
وأكنفه لطفا به من رسوله * بوارق أشفاق عليه فرباه
وأرضعه أخلاف أخلاقه التي * هداه بها نهج الهدى فتوخاه
وأنكحه الطهر البتول وزاده * بأنك مني يا علي وآخاه
وشرفه يوم " الغدير " فخصه * بأنك مولى كل من كنت مولاه 10
ولو لم يكن إلا قضية خيبر * كفت شرفا في مأثرات سجاياه (1)

* (الشاعر) *

أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي العدوي النصيبيني الشافعي المفتي الرحال، أحد الصدور والرؤساء المعظمين، كان إماما في الفقه الشافعي، بارعا في الحديث والأصول والخلاف، مقدما في القضاء والخطابة، متضلعا في الأدب والكتابة، موصوفا بالزهد.

سمع الحديث بنيسابور عن أبي الحسن المؤيد بن علي الطوسي، وزينب الشعرية (2)

____________

(1) مطالب السؤول لناظمها - الصراط المستقيم للبياضي. التهاب مثير الأحزان (2) بنت عبد الرحمن بن الحسن الجرجاني أم المؤيد توفيت سنة 615 فقيهة اشتغلت بالحديث وأخذت عن جماعة من كبار العلماء رواية وإجازة، مولدها ووفاتها بنيسابور.

الصفحة 19
وحدث بحلب ودمشق وبلاد كثيرة. وروى عنه الحافظ الدمياطي (1) ومجد الدين ابن العديم (2) وفقيه الحرمين الكنجي (3) في " كفاية الطالب " قال في الكتاب ص 108: فمن ذلك ما أخبرنا شيخنا حجة الاسلام شافعي الزمان أبو سالم محمد بن طلحة القاضي بمدينة حلب.

أقام بدمشق في المدرسة الأمينية وترسل عن الملوك وساد وتقدم، وفي سنة 648 كتب الملك الناصر - المتوفى 655 - صاحب دمشق تقليده بالوزارة فاعتذر وتنصل فلم يقبل منه، فتولاها بدمشق يومين كما في طبقات السبكي 5: 26، وتركها وانسل خفية وترك الأموال والموجود وخرج عما يملك من ملبوس ومملوك وغيره، ولبس ثوبا قطنيا وذهب فلم يعرف موضعه، وقد نسب إلى الاشتغال بعلم الحروف والأوفاق وإنه يستخرج أشياء من المغيبات. وقيل: إنه رجع ويؤيد ذلك قوله في المنجم:

إذا حكم المنجم في القضايا * بحكم حازم فاردد عليه
فليس بعالم ما الله قاض * فقلدني ولا تركن إليه

وقال فيه:

ولا تركنن إلى مقال منجم * وكل الأمور إلى الإله وسلم
واعلم بأنك إن جعلت لكوكب * تدبير حادثة، فلست بمسلم

وتولى في ابتداء أمره القضاء بنصيبين، ثم قضاء مدينة حلب، ثم ولي خطابة دمشق، ثم لما زهد حج فلما رجع أقام بدمشق قليلا، ثم سار إلى حلب فتوفي بها.

تآليفه

1 - العقد الفريد للملك السعيد. ألفه لنجم الدين غازي بن أرتق من ملوك ماردين طبع بمصر.

2 - الدر المنظم في اسم الله الأعظم. توجد منه نسخة في مكتبة حسين باشا

____________

(1) أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدمياطي شيخ المحدثين المولود في آخر سنة 613 والمتوفى 705 كان كثير المشايخ يزيدون على ألف وثلثمائة شيخ، ألف كتابا في تراجمهم في مجلدين.

(2) قاضي القضاة عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن العديم الحلي ثم الدمشقي الحنفي توفي سنة 677.

(3) أبو عبد الله محمد بن يوسف القرشي الشافعي المتوفى 658.

الصفحة 20
بآستانة رقمها: 346. وذكر شطرا منه الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص 403، 471.

3 - مفتاح الفلاح في اعتقاد أهل الصلاح.

4 - كتاب دائرة الحروف.

5 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول. طبع غير مرة. قال معاصره الأربلي في " كشف الغمة " ص 17: مطالب السؤول في مناقب آل الرسول تصنيف الشيخ العالم كمال الدين محمد بن طلحة، وكان شيخا مشهورا وفاضلا مذكورا أظنه مات سنة أربع وخمسين وستمائة، وحاله في ترفعه وزهده وتركه وزارة الشام وانقطاعه ورفضه الدنيا حال معلومة قرب العهد بها، وفي انقطاعه عمل هذا الكتاب وكتاب الدائرة، وكان شافعي المذهب من أعيانهم ورؤسائهم. ا هـ.

وينقل عنه السيد هبة الدين أبي محمد الحسن الموسوي مصرحا بنسبة الكتاب إليه في كتابه [ المجموع الرائق ] الذي ألفه سنة 703.

ونسبه إليه ابن الصباغ المالكي المتوفى 855 وينقل عنه كثيرا في " الفصول المهمة " وتوجد منه نسخة مخطوطة مؤرخة بسنة 896 منقولة عن نسخة بخط المؤلف سنة 650 في نحو 25 كراسة في مكتبة المدرسة الأحمدية بحلب.

وينقل عنه السيد الشبلنجي في " نور الأبصار " في مناقب آل النبي المختار.

ولد المترجم سنة 582 كما في طبقات السبكي، وشذرات الذهب، وتوفي بحلب في 17 رجب سنة 652 كما في الكتابين: الطبقات والشذرات، وفي الوافي بالوفيات للصفدي والتاريخ له، والبداية والنهاية لابن كثير، ومرآة الجنان لليافعي، والأعلام للزركلي، وغيرها وقد سمعت ظن الأربلي بأنه توفي سنة 654.

توجد جملة من شعره في أهل البيت عليهم السلام في كتابه " مطلب السؤول " منها قوله ختم به الكتاب:

رويدك إن أحببت نيل المطالب؟ * فلا تعد عن ترتيل آي المناقب
مناقب آل المصطفى المهتدى بهم * إلى نعم التقوى ورغبى الرغائب
مناقب آل المصطفى قدوة الورى * بهم يبتغي مطلوبه كل طالب


الصفحة 21

مناقب تجلى سافرات وجوهها * ويجلو سناها مدلهم الغياهب
عليك بها سرا وجهرا فإنها * يحلك عند الله أعلى المراتب
وخذ عند ما يتلو لسانك آيها * بدعوة قلب حاضر غير غائب
لمن قام في تأليفها واعتنى به * ليقضي من مفروضها كل واجب
عسى دعوة يزكو بها حسناته * فيحظى من الحسنى بأسنى المواهب
فمن سأل الله الكريم أجابه * وجاوره الاقبال من كل جانب

ومنها قوله في ص 8:

هم العروة الوثقى لمعتصم بها * مناقبهم جاءت بوحي وإنزال
مناقب في الشورى وسورة هل أتى * وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي
وهم أهل بيت المصطفى فودادهم * على الناس مفروض بحكم وإسجال
فضايلهم تعلو طريقة متنها * رواة علوا فيها بشد وترحال

أشار بهذه الأبيات إلى عدة من فضايل العترة الطاهرة مما نزل به القرآن الكريم في سورة الشورى وهل أتى والأحزاب. أما الشورى ففيها قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى. ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا - 23 - وقد أسلفنا في الجزء الثاني ص 306 - 310، والجزء الثالث ص 171 ما ورد في الآية الكريمة من أنها نزلت في العترة الطاهرة صلوات الله عليهم.

وأما هل أتى ففيها قوله النازل فيهم: يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا - 7 - ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا - 8 -، وقد بسطنا القول في أنها نزلت فيهم صلوات الله عليهم في الجزء الثالث ص 107 - 111.

وأما الأحزاب ففيها قوله تعالى: من المؤمنين رجال صدقوا. ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلها - 23 -، وقوله تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا - 33 - وقد مر في الجزء الثاني ص 51 نزول الآية الأولى في علي أمير المؤمنين وعمه حمزة وابن عمه عبيدة.

وقد تسالمت الأمة الإسلامية على نزول آية التطهير في صاحب الرسالة الخاتمة ووصيه الطاهر وابنيهما الإمامين وأمهما الصديقة الكبرى، وأخرج الحفاظ وأئمة

الصفحة 22
الحديث فيها أحاديث صحيحة متواترة في الصحاح والمسانيد لعلنا نوقف القارئ عليها في بقية أجزاء كتابنا. وما توفيقي إلا بالله.

ومن شعره في العترة الطاهرة قوله:

يا رب بالخمسة أهل العبا * ذوي الهدى والعمل الصالح
ومن هم سفن نجاة ومن * وإليهم ذو متجر رابح
ومن لهم مقعد صدق إذا * قام الورى في الموقف الفاضح
لا تخزني واغفر ذنوبي عسى * أسلم من حر لظى اللافح
فإنني أرجو بحبي لهم * تجاوزا عن ذنبي الفادح
فهم لمن والاهم جنة * تنجيه من طائرة البارح
وقد توسلت بهم راجيا * نجح سؤال المذنب الطالح
لعله يحظى بتوفيقه * فيهتدي بالمنهج الواضح

ومن شعره في قتلة الإمام السبط عليه السلام قوله:

ألا أيها العادون إن أمامكم * مقام سؤال والرسول سؤول
وموقف حكم والخصوم محمد * وفاطمة الزهراء وهي ثكول
وإن عليا في الخصام مؤيد * له الحق فيما يدعي ويقول
فماذا تردون الجواب عليهم؟ * وليس إلى ترك الجواب سبيل
وقد سؤتموهم في بنيهم بقتلهم * ووزر الذي أحدثتموه ثقيل
ولا يرتجى في ذلك اليوم شافع * سوى خصمكم والشرح فيه يطول
ومن كان في الحشر الرسول خصيمه * فإن له نار الجحيم مقيل
وكان عليكم واجبا في اعتمادكم * رعايتهم أن تحسنوا وتنيلوا
فإنهم آل النبي وأهله * ونهج هداهم بالنجاة كفيل
مناقبهم بين الورى مستنيرة * لها غرر مجلوة وحجول
مناقب جلت أن تحاط بحصرها * فمنها فروع قد زكت وأصول
مناقب من خلق النبي وخلقه * ظهرن فما يغتالهن أفول


الصفحة 23

(60)
أبو محمد المنصور بالله

ولد: 596
توفي: 670

1 الحمد للمهيمن الجبار * مكور الليل على النهار
ومنشئ الغمام والأمطار * على جميع النعم الغزار
2 ثم صلاة الله خصت أحمدا * أبا البتول وأخاه السيدا
وفاطما وابنيهما سم العدى * وآلهم سفن النجاة والهدى
3 يا سائلي عمن له الإمامه * بعد رسول الله والزعامه
ومن أقام بعده مقامه * ومن له الأمر إلى القيامه
4 خذ نفثاتي عن فؤاد منصدع * يكاد من بث وحزن ينقطع
لحادث بعد النبي متسع * شتت شمل المسلمين المجتمع
5 الأمر من بعد النبي المرسل * من غير فصل لابن عمه علي
كان بنص الواحد الفرد العلي * وحكمه على العدو والولي
6 والأمر فيه ظاهر مشهور * في الناس لا ملغى ولا مستور
وكيف يخفى من صباح نور؟ * لكن يزل الخطل المحسور

ويقول فيها:

7 وكان في البيت العتيق مولده * وأمه إذ دخلت لا تقصده
وإنما إلهه مؤيده * فمن تلاه فالجحيم موعده
8 ثم أبوه كافل الرسول * ومؤمن بالله والتنزيل
في قول أهل العلم والتحصيل * فهات في آبائهم كقيلي
9 وأمه ربت أخاه أحمدا * واتبعته إذ دعا إلى الهدى


الصفحة 24

فكم دعاها أمه عند الندا * وقام في جهازها ممجدا
ألبسها قميصه إكراما * ونام في حفيرها إعظاما 10
ومد للملائك القياما * حتى قضوا صلاتها تماما
وهو الذي كان أخا للمصطفى * بحكم رب العالمين وكفى 11
واقتسما نورهما المشرفا * فاعدد لهم كمثل هذا شرفا
وزوجة سيدة النساء * خامسة الخمسة في الكساء 12
أنكحها الصديق في السماء * فهل لهم كهذه العلياء؟
الله في إنكاحها هو الولي * وجبرئيل مستناب عن علي 13
والشهداء حاملوا العرش العلي * فهل لهم كمثل ذا فاقصصه لي؟
حورية إنسية سياحه * خلقها الله من التفاحه 14
وأكرم الأصل بها لقاحه * فهل ترى إنكاحهم إنكاحه؟
وابناه منها سيدا الشباب * وابنا رسول الله عن صواب 15
مرتضعا السنة والكتاب * فهل لهم كهذه الأسباب؟
هما إمامان بنص أحمدا * إذ قال: قاما هكذا أو قعدا 16
وخص في نسلهما أهل الهدى * أئمة الحق إلى يوم الندا
ثم أخوه جعفر الطيار * إخوانه الملائك الأبرار 17
وعمه المرابط الصبار * حمزة سيف الملة البتار
وربنا شق اسمه من اسمه * فمن له سهم كمثل سهمه؟ 18
وهو اختيار الله دون خصمه * وهو أذان ربنا في حكمه
بلغ عن رب السما براءه * واختير للتبليغ والقراءه 19
وكان للاسلام كالمراءه * فاجعل هديت خصمه وراءه
اختار ذو العرش عليا نفسه * جهرا وخلى جنه وإنسه 20
فرفضوا اختياره لا لبسه * وبدلوه باختيار خمسه
وهو الولي أيهذا السامع * مؤتي الزكاة المرء وهو راكع 21
والشاهد التالي فأين الجامع * للقوم؟ هل ثم دليل قاطع؟


الصفحة 25

22 وهو ولي الحل والابرام * والأمر والنهي على الأنام
بحكم ذي الجلال والاكرام * وما قضاه في أولي الأرحام
23 وآية قاضية بالطاعة * لله والرسول ذي الشفاعة
ثم أولي الأمر من الجماعه * فهي له قد فاز من أطاعه
24 والمصطفى المنذر وهو الهادي * وهو له الفادي ونعم الفادي
في ليلة الغار من الأعادي * تحت ظلال القضب الحداد
25 يرمونه في الليل بالحجاره * لعلها تبدو لهم إماره
فاتخذ الصبر لها دثاره * والموت إذ ذاك يشب ناره
26 حتى بدا وجه الصباح طالعا * وقام فيهم ضيغما مسارعا
فانهزموا يمعر (1) كل راجعا * فاستقبل الأزواج والودايعا
27 فأنزل الرحمن يشري نفسه * لما ابتغى رضاءه وقدسه
أما يزيل مثل هذا لبسه؟ * وقد أراه جنه وإنسه

ويقول فيها:

28 ألم يقل فيه النبي المنتجب * قولا صريحا: أنت فارس العرب
وكم وكم جلا به الله الكرب؟ * فاعجب ومهما عشت عاينت العجب
29 واسمع أحاديث بلفظ الباب * في العلم والحكمة والصواب
ولا تلمني بعد في الاطناب * في حب مولاي أبي تراب
30 وقال أيضا فيه: أقضاكم علي * ومثله: أعلمكم عن النبي
ومثله: عيبة علمي والملي * أنى يكون هكذا غير الوصي؟
31 ألم يكن فوق الرجال حجه * نيرة واضحة المحجه؟
وعلمهم في علمه كالمجه * فما تكون مجة في لجه؟
32 أحاط بالتوراة والانجيل * وبالزبور يا ذوي التفضيل
علما وبالقرآن ذي التنزيل * في قوله المصدق المقبول
33 بل أيهم قال له: الحق معه * وهو مع الحق الذي قد شرعه؟

____________

(1) تمعر وجه: تغير وعلته صفرة. الممغور: المقطب غضبا.

الصفحة 26

هل جمع القوم الذي قد جمعه * من علمه؟ بخ له ما أوسعه؟
وهل علمت مثله خطيبا؟ * أو ناثرا أو ناظما غريبا؟ 34
أو باديا في العلم أو مجيبا؟ * أو واعظا عن خشية منيبا؟
وهو يقول: علم التنزيلا * مني وفيما نزلت نزولا 35
آياته إذ فصلت تفصيلا * يا حبذا سبيله سبيلا؟
وعلم المجمل والمفصلا * ومحكم الآيات حيث نزلا 36
وما تشابه وكيف أولا * وناسخا منها ومنسوخا خلى
وهو الذي نأمن منه الباطنا * فما يعد في الأمور خائنا 37
وغيره لا نأمن البواطنا * منه بحال فانظر التباينا

ويقول فيها:

وفيه أوحى ذو الجلال هل أتى * وزوجه إذ نذرا فأخبتا 38
فأطعما وأوفيا ما أثبتا * يا حبذا هما وعودا أثبتا؟
وفيه جاءت آية الانفاق * في الليل والنهار عن إطلاق 39
سرا وإعلانا من الخلاق * حيث ابتغى تجارة في الباقي
وآية القنوت في السجود * في الليل والقيام للمعبود 40
في حذر العقاب والوقود * وفي رجاء ربه الحميد
وهو المناجي بعد دفع الصدقه * ثم غدت أبوابها مغلقه 41
فكانت التوبة عنهم ملحقه * فأيهم كان على الحق ثقه؟
وحسبنا الله فتلك فيه * وآية الإيمان والتنزيه 42
والفسق للوليد ذي التمويه * فأي ذم بعد ذا يأتيه؟
وآية الوقوف للسؤال * في المرتضى حقا أبي الأشبال 43
وهو لسان الصدق شيخ الآل * كم فيه من آيات ذي الجلال؟
وقيل: جاءت آية الإيذاء * فيه بلا شك ولا امتراء 44
ولم يعاتب أبدا في الآي * لا بل له التشريف في البداء
وقيل: جاءت آية السقايه * وآية الإيمان والهدايه 45


الصفحة 27

فيه فأكرم ببداه آيه * ليس له في الفضل من نهايه
46 وآية واردة في الأذن * فإنها في السيد المؤتمن
قولا أتى من صادق لم يمن * حكما من الله الحميد المحسن
47 وكم وكم من آية منزله * فيه من الله أتت مفصله؟
شاهدة على الورى بالفضل له * فليعل من قدمه وفضله
48 كآية الود من الرحمن * وهكذا كرايم القرآن
فيه كما قد جاء في البيان * عن أحمد عن ربه المنان
49 وآية التطهير في الجماعه * أهل الكساء المرتدين الطاعه
الآمنين من خطوب الساعه * يا حبذا حبهم بضاعه؟
50 والأمر بالصلاة فيهم نزلا * خير البريات الأولى حاز والعلا
سفن النجاة الشهداء في الملا * بورك علما علمهم مفصلا
51 وقيل: هم في الذكر أهل الذكر * نزل فيهم: فاسألوا. هل تدري؟
نعم أناسا أهل بيت الطهر * أهل المقامات وأهل الفخر
52 وفيهم الدعاء للمباهله * حيت أتى الكفار للمجادله
أكرم بهم من دعوة مقابله * بالنصر لكن هربوا معاجله
53 هذا علي ها هنا نفس النبي * وولداه ابنا الرسول اليثربي
يا حبذا من شرف مستعجب * يضئ في المجد ضياء الكوكب؟

ويقول فيها:

54 وقال فيه المصطفى: أنت الولي * ومثله: أنت الوزير والوصي
وكم وكم قال له: أنت أخي؟ * فأيهم قال له مثل علي؟
55 وهل سمعت بحديث مولى * يوم " الغدير " والصحيح أولى؟
ألم يقل فيه الرسول قولا * لم يبق للمخالفين حولا؟
56 وهل سمعت بحديث المنزله * يجعل هارون النبي مثله؟
وثبت الطهر له ما كان له * من صنوه موسى فصار مدخله؟
57 من حيث لو لم يذكر النبوه * كانت له من بعده مرجوه


الصفحة 28

فاستثنيت ونال ذو الفتوه * عموم ما للمصطفى من قوه

إلى أن قال:

إن الكتاب للوصي قد حكم * بأنه الإمام في خير الأمم 58
فمن يكن مخالفا فقد ظلم * وقد أساء الفعل حقا واجترم
قال: فلي دلائل في الآثار * تواترت وانتشرت في الأقطار 59
على إمامة الرجال الأخيار * فأي قول بعد تلك الأخبار؟
فقلت: إن كان حديث المنزله * فيها وأخبار " الغدير " مدخله؟ 60
فإنها معلومة مفصله * أو لا فدعها لعلي فهي له
لا تجعلن خبرا عن واحد * أو قول كل كاذب معاند 61
مثل أحاديث الإمام الماجد * يوم " الغدير " في ذوي المشاهد
تلك التي تواترت في الخلق * وانتشرت أخبارها عن صدق 62
ونطقت في الناس أي نطق * إن عليا لإمام الحق

أخذناها من أرجوزة لشاعرنا المنصور في الإمامة وهي قيمة جدا تشتمل على 708 بيتا.

* (الشاعر) *

أبو محمد المنصور بالله الإمام الحسن بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن يحيى الهادي إلى الحق اليمني. أحد أئمة الزيدية في الديار اليمنية، وأوحدي من أعلامها الفطاحل، له في علم الحديث وفنونه أشواط بعيدة، وفي الأدب وقرض الشعر خطوات واسعة، وفي قوة العارضة جانب هام، وفي الحجاج والمناظرة يد غير قصيرة، يعرب عن هذه كلها كتابه الضخم الفخم - أنوار اليقين - في شرح أرجوزته الغراء المذكورة في الإمامة، وهي آية محكمة تدل على فضله الكثار وعلمه المتدفق، كما أنها برهنة واضحة عن تضلعه في الأدب وتقدمه في صناعة القريض.

كان في أيام الإمام المهدي أحمد بن الحسين يعد من جلة العلماء وله فيه مدايح ومن شعره فيه مهنئا له السلامة - حينما دس عليه الملك يوسف بن عمر ملك اليمن

الصفحة 29
على ما يقال أو المستعصم العباسي أبو أحمد عبد الله المتوفى 656 رجلين ووثبا عليه فطعنه أحدهما فجرحه وسلم فأخذا الرجلان وقتلا - قوله:

راموك والله رام دون ما طلبوا * وكيف يفرق شمل أنت جامعه؟
كم قبل ذلك من فتق منيت به؟ * والله من حيث يخفى عنك دافعه
عوايد لك تجري في كفالته * لا يجبر الله عظما أنت صارعه
ضاقت جوانبه وانسد مخرجه * وأنت فيه رحيب الصدر واسعه
ردا إليه وتسليما لقدرته * فيما تحاوله أو ما تدافعه

ومن شعره قوله:

لم ينج بالكهف سوى عصبة * فرت عن الدار وأربابها
ولا نجا في يوم نوح سوى * سفينة الله وأصحابها
ألم يكن في المغرقين ابنه؟ * فغاب عن زمرة ركابها
وهل نجا بالسلم إلا الأولى * رقوا إلى السلم بأسبابها؟
أو أدرك الغفران من لم يلج * لداخل الحطة من بابها؟
أعيذكم بالله أن تجمحوا * عن عترة الحق وأحزابها

ولد الإمام المترجم سنة 596 وبويع له بالإمامة بعد قتل الإمام أحمد بن الحسين وكانت دعوته سنة 657، وتوفي في مدينة - رغافة - من مدن صعده في شهر محرم سنة 670، توجد ترجمته في نسمة السحر فيمن تشيع وشعر.