الصفحة 128
وهو يقول:


نحن بن ضبة أعداء عـــليذاك الذي يعرف فينا بالوصي
وفارس الخيل على عهد النبيما أنا عن فضل عـلي بالعمي

وقال سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل، وكان في عسكر علي (عليه السلام):


أية حرب أضرمت نيرانــهاوكسرت يوم الوغى مرانـها
قل للوصي أقبلت قحطانهــافادع بها تكفيكها همدانهــا

هم بنوها وهم إخوانها

وقال زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل، وكان من أصحاب علي (عليه السلام):


كيف ترى الأنصارفي يوم الكلبإنا اناس لا نبالي من عطـب
ولا نبالي في الوصي من غضبوإنما الأنصار جدلاً لعــب
هذا علي وابن عبد المطلــبننصره اليوم على من قد كذب

من يكسب البغي فبئسا اكتسب

وستأتي أبيات حجر بن عدي أيضاً:


الصفحة 129
وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري، ذو الشهادتين ـ وكان بدرياً ـ في يوم الجمل أيضاً:


يا وصي النبي قد أجلت الحـرب الاعادي وسارت الأضعان
واستقامت لك الأمر سوى الشاموفي الشام يظهر الإذعــان

وقال خزيمة أيضاً في يوم الجمل:


أعائش خلي عن علي وعيبـهبما ليس فيه إنما أنت والـــده
وصي رسول الله من دون أهلهوأنت على ما كان من ذاك شاهده

وقال ابن بديل بن ورقاء الخزاعي يوم الجمل أيضاً:


يا قوم للخطة العظمى التي حدثتحرب الوصي وما للحرب من آسي
الفاصل الحكم بالتقوى إذا ضربتتلك القبائل أخماساً لأســــداس

وقال عمرو بن أحيحة يوم الجمل، في خطبة الحسن بن علي (عليه السلام) بعد خطبة عبد الله بن الزبير:


حسن الخير يا شبيه أبيـــــهقمت فينا مقام خير خطيــــب

إلى ان قال:


وأبى الله أن يقوم بما قــــامبه ابن الوصي، وابن النجيــب
ان شخصاً بين النبي لك الخيـروبين الوصي غير مشــــوب

وقال زحر بن قيس الجعفي يوم الجمل أيضاً:


أضربكم حتى تقروا لعلـــيخير قريش كلها بعد النبــــي
من زانه الله وسماه الوصــيإن الولي حافظ ظهر الولـــي

كما الغوي تابع أمر الغوي

ذكر هذه الأشعار والأراجيز بأجمعها أبو مخنف، لوط بن يحيى، في كتاب: وقعة الجمل. وأبو مخنف من المحدثين، وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها.


الصفحة 130
ومما رويناه من أشعار صفين، التي تتضمن تسميته (عليه السلام) بالوصي ما ذكره نصر بن مزاحم المنقري، في كتاب «صفين»، وهو من رجال الحديث.

قال زحر بن قيس الجعفي [ونسبها في موضع آخر إلى جرير بن عبد الله البجلي](1):


فصلى الإله على أحمـــدرسول المليك تمام النعـــم
رسول المليك ومن بعــدهخليفتنا القائم المدعـــــم
علياً عنيت وصي النبــينجالد عنه غواة الأمــــم

قال نصر: ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قيس:


أتانا الرسول رسول الإمامفسرّ بمقدمه المسلمونــــا
رسول الوصي وصي النبيله السبق والفضل في المؤمنينا

ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث أيضاً:


أتانا الرسول رسول الوصيعلي المهذب من هاشـــم
وزير النبي وذو صهــرهوخير البرية والعالــــم

____________

(1) راجع: شرح نهج البلاغة، ط دار مكتبة الحياة ج1 ص553.


الصفحة 131
وسيأتي شعر أمير المؤمنيين (عليه السلام)..

وقال جرير بن عبد الله البجلي شعراً، بعث به إلى شرحبيل بن السمط، من أصحاب معاوية، وقد جاء فيه:


مقال ابن هند في علي عضيهةولله في صدر ابن أبي طالب أجل
وما كان إلا لازماً قعر بيتــهإلى أن أتى عثمان في بيته الأجل
وصي رسول الله من دون أهلهوفارسه الحامي به يضرب المثل

وقال النعمان بن عجلان الأنصاري:


كيف التفرق والوصي أمامنـالا كيف إلا حيرة وتخــــاذلا
لا تغبنن عقولكم لا خير فـيمن لم يكن عند البلابل عاقــلا
وذروا معاوية الغويّ وتابعـوادين الوصي لتحمدوه آجــــلا

وقال عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي
ألا ابلغ شرحبيل بن حــربفما لك لا تهش إلا الضـــراب
فإن تسلم وتبق الدهر يومــانزرك بجحفل عدد التــــراب
يقودهم الوصي إليك حتــىيردك عن ضلال وارتيــــاب

ويقول المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب:


فيكم وصي رسول الله قائدكموصهره وكتاب الله قد نشــــرا

ويقول عبد الله بن العباس بن عبد المطلب:


وصي رسول الله من دون أهلهوفارسه إن قيل: هل من منـــازل

قال المعتزلي: «والأشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً، ولكننا ذكرنا منها ها هنا بعض ما قيل في هذين الحزبين. فأما ما عداهما، فإنه يجل عن الحصر، ويعظم عن الإحصاء والعدد. ولولا خوف الملالة والإضجار، لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقاً كثيرة»(1).

____________

(1) جميع ما تقدم قد ذكره المعتزلي في شرح نهج البلاغة، ط دار مكتبة الحياة ط سنة 1963 ج1 ص128 و133 والبحار ج38 ص20 و26 عنه..


الصفحة 132
وقد ذكر المعتزلي نفسه في نفس الكتاب موارد أخرى، نذكر منها ما يلي:

قال عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، مجيباً للوليد بن عقبة بن أبي معيط:


وإن ولي الأمر بعد محمـــدعلي وفي كل المواطن صاحبــه
وصي رسول الله حقاً وصنـوهوأول من صلى، ومن لان جانبـه

وقال خزيمة بن ثابت في هذا:


وصي رسول الله من دون أهلهوفارسه مذ كان في سالف الزمـن
وأول من صلى من الناس كلهمسوى خيرة النسوان والله ذو منن(1)

وقال زفر بن بن يزيد بن حذيفة الأسدي:


فحوطوا علياً وانصروه فإنـهوصي وفي الإســلام أول أول(2)

وقال النعمان بن العجلان، مخاطباً عمرو بن العاص، وذلك بعد بيعة السقيفة، في جملة قصيدة له:


وكان هوانا في علي وإنــهلأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري
فذاك بعون الله يدعو إلى الهدىوينهى عن الفحشاء والبغي والنكـر
وصي النبي المصطفى وابن عمهوقاتل فرسان الضلالة والكفــر(3)

وقال حسان بن ثابت:

____________

(1) شرح نهج البلاغة ج4 ص227 و228 ط دار مكتبة الحياة سنة 1964.

(2) المصدر السابق ج4 ص228.

(3) المصدر السابق ج2 ص280.


الصفحة 133

ألست أخاه في الهدى ووصيهوأعلم منهم بالكتاب وبالسنن(1)

وقال حجر بن عدي الكندي في يوم الجمل أيضاً:


يا ربنا سلم لنا عليـــــاسلم لنا المهذب التقيــــا
المؤمن المسترشد الرضيــاواجعله هادي أمة مهديـــا
احفظه رب حفظك النبيــالا خطل الرأي ولا غبيــا
فإنه كان لنا وليــــــاثم ارتضاه بعده وصيـا(2)

وقال المنذر بن أبي خميصة الوداعي مخاطباً علياً:


ليس منا من لم يكن لك في اللهولياً يا ذا الولا والوصية(3)

بل إن علياً أمير المؤمنيين (عليه السلام) نفسه قد ذكر الوصية له في الشعر، فقال: في أمر بيع عمرو بن العاص دينه لمعاوية:


يا عجبا! لقد سمعت منكــراكذبا على الله يشيب الشعــرا
يسترق السمع ويغشى البصراما كان يرضى أحمد لو أخبـرا
أن يقرنوا وصيه والأبتــراشاني الرسول واللعين الأخزرا
كلاهما في جنه قد عسكـراقد باع هذا دينه فأفجــــرا
من ذا بدنيا بيعه قد خسـرابملك مصران أصاب الظفـرا

الخ.. (4)

واللافت هنا: أن ابن أبي الحديد نفسه قد قرر هذه الوصاية في شعره، فقال:

____________

(1) المصدر السابق ج2 ص283.

(2) المصدر السابق ج2 ص828 وج1 ص129 و130.

(3) المصدر السابق ج2 ص828.

(4) المصدر السابق ج1 ص324 و132.


الصفحة 134

وخير خلق الله بعد المصطفىأعظمهم يوم الفخار شرفــا
السيد المعظم الوصــــيبعل البتول المرتضى علـي

وابناه، الخ.. (1).

ولو أردنا استقصاء ذلك في مصادره لاحتجنا إلى وقت طويل ولنتج عن ذلك ما يملأ عشرات الصفحات..

أما في غير الشعر، فالأمر أعظم وأعظم.. ولعل ما ذكرناه يكفي لمن ألقى السمع وهو شهيد.

بذرة «الخوارج» متى كانت:

إن الظهور السافر للخوارج، وإن كان قد حصل في صفين، في حادثة رفع المصاحف، ثم التحكيم.. ولكن الحقيقة هي أن قلوبهم قد تغيرت قبل هذا الوقت، وبالذات في حرب الجمل، حيث فاجأهم موقف علي (عليه السلام) تجاه السبي والغنائم في تلك الحرب.

بل يمكن القول: إن ذلك قد بدأ منذ توليه (عليه السلام) للخلافة، حينما خالف سيرة عمر بن الخطاب ـ المعظم عندهم جداً ـ في العطاء، حيث ساوى بين الناس، ولم يفضل أحداً على أحد، فاعترضوا عليه. وكان هذا الأمر مما طالبوه به في حرب الجمل، فقالوا له: أعطنا سنة العمرين(2). فأبى (عليه السلام) إلا أن يعطيهم سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم.

____________

(1) المصدر السابق ج3 ص645.

(2) قد تقدم هذا النص ومصادره في فصل سابق فراجع.