الصفحة 334
جعلا الحكمين حاكمين في قبال الله، فإن اكتشاف الحكم من القرآن لا يعني الحاكمية والإمرة للمكتشف..

قال المعتزلي بعد أن ذكر أن قول يعقوب: إن الحكم إلا لله معناه: أنه إذا أراد شيئاً من أفعال نفسه فلا بد من وقوعه، بخلاف غيره من القادرين بالقدرة، فالذي ينفذ مراده لما هو من أفعاله، هو الله تعالى فقط، قال: «فهذا معنى الكلمة، وضلت «الخوارج» عندها، فأنكروا على أمير المؤمنين (عليه السلام) موافقته على التحكيم، وقالوا: كيف يحكم وقد قال الله سبحانه: (إن الحكم إلا لله)؟ فغلطوا لموضع اللفظ المشترك. وليس هذا الحكم هو ذلك الحكم، فإذن هي كلمة حق يراد بها باطل، لأنها حتى على المفهوم الأول، يريد بها «الخوارج» في كل ما يسمى حكماً إذا صدر عن غير الله تعالى. وذلك باطل لأن الله تعالى قد أمضى حكم المخلوقين في كثير من الشرائع»(1).

وحسبنا ما ذكرناه هنا، فان ما سوف نشير إليه إن شاء الله في ثنايا هذا الكتاب يكفي لإعطاء تصوير على درجة من الوضوح عن هذه الفئة، وذلك بالمقدار الذي يسمح لنا به الوقت المحدود، والفرصة المتاحة، وما توفره لنا النصوص التي أفصح لنا عنها تاريخ هذه الفئة، وأمكننا الرجوع إليها. والحصول عليها.

____________

(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص 17.


الصفحة 335

الموقف الرسالي:

عن كثير بن نمر، قال: دخلت مسجد الكوفة عشية جمعة، وعلي يخطب الناس، فقاموا في نواحي المسجد يحكمون. فقال بيده: هكذا، ثم قال: «كلمة حق يراد بها باطل، حكم الله أنتظر فيكم. أحكم فيكم بكتاب الله، وسنة رسوله، وأقسم بينكم بالسوية، ولا نمنعكم من هذا المسجد أن تصلوا فيه، ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا»(1).

و في نص آخر: «لكم علينا ثلاث، لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال»(2).

ومن الواضح: أن أدنى ما يمكن توقعه من أي حاكم من الحكام الزمنيين، الذين رأينا عبر القرون والأحقاب أنحاء تعاطيهم مع أمور كهذه هو ـ أنه حين يواجه أمثال هؤلاء، ويكون في موقف كهذا، أن يأمر باعتقال كل الذين يطلقون شعاراً يسيء إلى حكمه، وإلى موقعه, ثم يحاسبهم ويعاقبهم بالصورة التي تضمن عدم تكرار ذلك منهم، بحيث يكون ذلك عبرة لغيرهم.

ولكن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) ـ وهو الحاكم الإلهي المعصوم ـ لا يقيم وزناً للحكم بما هو حكم؛ لأن الحكم عنده إنما هو

____________

(1) مجمع الزوائد ج6 ص242 و 243 وراجع الإلمام ج1 ص36 وراجع أنساب الأشراف ج2 ص 325 [بتحقيق المحمودي].

(2) المبسوط ج7 ص269 وراجع: الإباضية عقيدة ومذهباً ص39 عن فتح الباري ج12 ص301 وراجع البداية والنهاية ج7 ص282 و285 والكامل لابن الأثير ج3 ص335.


الصفحة 336
وسيلة لإقامة الحق، ودفع الباطل. فليس الحكم بما هو حكم امتيازاً، وإنما هو مسؤولية وأمانة، لابد من القيام بها على أحسن وجه، وأدائها إلى أصحابها.

ومن هنا.. يصبح من الطبيعي أن نجده (عليه السلام) لا ينطلق في مواقفه من مبدأ هيبة الحكم، وهيمنة السلطان، ولا يعاقب على الجرأة على ذلك ولا يهتم له. فان ذلك ليس إلا مجرد اعتبارات وعناوين صنعها ضعف الإنسان، وصورها له خوفه من فقدان ما يراه امتيازاً شخصياً له.

أما علي (عليه السلام) فإنه ـ يسجل مبدأه في التعامل مع الآخر، وأنه من موقع التكليف الشرعي والمسؤولية الإلهية، فلا تثيره تلك الشعارات، ولا تخرجه عن حالة التوازن، بل هو يقرر القاعدة الإسلامية التي تقوم على الأسس الأربعة التالية:

1 ـ الحكم فيهم بكتاب الله، وسنة نبيه.

2 ـ يقسم بينهم الفيء بالسوية.

3 ـ لا يمنعهم من مساجد الله سبحانه أن يصلوا فيها، ما دامت أيديهم مع أيديهم.

4 ـ لا يبدؤهم بقتال حتى يبدؤوه.

لماذا هذه الأربعة:

ويبقى أن نشير هنا إلى سر التركيز على هذه الأصول الأربعة دون غيرها، فإن ذلك واضح، من حيث أنه يمس حياة الناس، ويلامس وجودهم ومصيرهم فالمطلوب من أي حاكم كان أن لا يتجاوز هذه

الصفحة 337
الأصول الأربعة. فإن الرعية إنما تطلب من الحاكم أن يتعامل معها على أساس ضوابط محددة ومقبولة. ولا يسعدها أن يتعامل معها على أساس نوازعه الشخصية، وطموحاته وأهوائه، لأنها لا تجد في ذلك حلاً لمشاكلها التي تعاني منها، إن لم تجد فيه ما يزيدها شقاءً وبلاء وعناءً..

وهي أقرب إلى التسليم والانقياد والوثوق بما يأتيها من قبل الله سبحانه، الذي عرفته خالقاً مدبراً، حكيماً، عالماً بكل صغيرة وكبيرة، لا يريد لها إلا الخير، ولا يجر نفعاً إلى نفسه سبحانه، ولا يخالجها أدنى شك بصواب تدبيره، وصحة تشريعاته.

وبالنسبة للأصل الثاني، فإنه قد جاء موافقاً لواقعية النظرة الإسلامية، في مجال العدالة الاجتماعية، مادام أن المقتضي لقسمة الفيء، والهدف منه لا يختلف من شخص لآخر، ولا من فريق بالنسبة إلى غيره. بعد أن شارك الجميع وساعدوا في الحصول على ذلك الفيء، بعد أن كانت مبررات إنفاقه فيهم متساوية من حيث الهدف والمنشأ على حد سواء.

وبالنسبة للأصل الثالث، فإنه هو الذي ينسجم مع أصل الحرية المشروطة، التي هي منحة إلهية للإنسان على أساس حفظ أصول التعايش، والحفاظ على المصالح المشتركة لابناء بني الإنسان، فهم أحرار في مجال الاستفادة من المرافق العامة، مادام أن هذه الاستفادة توجب القوة والمنعة، وتذليل الصعاب..

أما إذا أصبحوا في موقع التآمر، والعداء، فإن وجودهم في المساجد حينئذ يصبح سبباً في التشتت والخلاف، والتمزق والضعف، وإشاعة حالة النفاق والنميمة، والاطلاع على مواضع الضعف والقوة، ومعرفة

الصفحة 338
الثغرات التي يمكن من خلالها تسديد الضربات للقوى الصالحة والمؤمنة.

وحول الأصل الرابع والأخير، نقول: إن ذلك هو ما تمليه المسؤولية الشرعية وأخلاق الإسلام وتعاليمه. فان الحاكم، لابد أن يرعى حالة الأمن للأمة بطريقة صحيحة.

ومن الطبيعي أن يكون لاحتمالات شن الحكم حرباً على الرعية بصورة ابتدائية، وبمبادرة غير مسبوقة، سيجعل الناس يعيشون حالة الرعب والخوف، وعدم الثقة بالحكم وبالحاكم، ويفسح المجال ـ من ثم ـ لمن في قلوبهم مرض لإشاعة هذه الحالة، وتشكيك الناس بنوايا الحكم والحاكم تجاههم في أي وقت بلا مبرر ولا جهة.

ولا يعود للحكم ولا للحاكم تلك القداسة، ولسوف تختل الرابطة بينهم وبينه، والتي لابد أن تقوم على أساس الحب والثقة. فلا حب بعد ولا ثقة، ولا يعود الحكم هو الحامي والحافظ، والملجأ لهم والملاذ.

الإمتحان.. والناجحون والمخفقون:

عن أبي سعيد الخدري: أن أبا بكر جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله، إني مررت بوادي كذا وكذا، فإذا رجل متخشع حسن الهيئة، يصلي.

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): إذهب إليه، فاقتله.

قال: فذهب إليه أبو بكر، فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال: فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لعمر: إذهب فاقتله.


الصفحة 339
فذهب عمر: فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر، قال: فكره أن يقتله.

قال: فرجع، فقال: يا رسول الله، إني رأيته يصلي متخشعاً، فكرهت أن أقتله.

قال: يا علي، إذهب فاقتله.

قال: فذهب علي فلم يره، فرجع علي، فقال: يا رسول الله لم أره.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية(1).

وعند البزار وغيره: أن أبا بكر وعمر قد تبرعا بأن يقتلاه، فأذن لهما رسول الله، فرجع كل واحد منهما وقال: إني وجدته يصلي، فلم استطع أن اقتله.

تقول الرواية: «فقال علي: أفلا أقتله أنا يا رسول الله.

قال: بلى، أنت تقتله إن وجدته.

فانطلق علي، فلم يجده».

وحسب نص الصنعاني: أنت له، إن أدركته! ولا أراك أن تدركه.

____________

(1) مسند احمد ج3 ص15 وراجع: المصنف للصنعاني ج10 ص 155 و156 ومجمع الزوائد ج6 ص 225 و226 و227 والبداية والنهاية ج7 ص 299 وشرح النهج للمعتزلي ج2 ص266/267. والكامل في الأدب ج3 ص 220 و221.

وفي كنز العمال ج11 ص 307 عن سعيد بن يحيى الأموي في مغازيه: أن الرسول أمر أبا بكر بأن يذهب ليقتله، فذهب فلم يجده فقال (ص): لو قتلته لرجوت أن يكون أولهم وآخرهم.


الصفحة 340
فقام، ثم رجع، فقال: والذي نفسي بيده لو وجدته لجئتك برأسه(1).

إشارات ودلالات الحديث:

ولهذا الحديث العديد من الدلالات والإشارات، نذكر بعضاً منها هنا، على سبيل الاختصار.

فنقول:

1 ـ إن هذه الرواية قد ذكرت: أن هذا الرجل، يتخشع، حسن الهيئة يصلي.. وقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقتل هذا الرجل بالذات، فلم يمنعه (صلى الله عليه وآله) ما كان يتظاهر به من عبادة وصلاح من اصدار الأمر بقتله حين كان مستحقاً لذلك.. وهذا يدل على أن العبرة ليست بالمظهر، وإنما بالجوهر.

وفي هذا السياق بالذات جاء الحديث الشريف في مورد آخر لينهى الناس عن أن ينظروا إلى كثرة صلاة الرجل، وصومه، وطنطنته بالليل، بل عليهم أن ينظروا إلى صدقه في الحديث، وأدائه للأمانة.

2 ـ إنه (صلى الله عليه وآله) حين أمر أولئك الثلاثة بقتل هذا الرجل، لم يعط تفسيراً، ولا تبريراً لإصدار هذا الأمر، رغم أنهم قالوا له: إنهم رأوه يصلي، ويتخشع، وأنه حسن الهيئة.

____________

(1) كشف الأستار عن مسند البزار ج2 ص 360/361 والعقد الفريد ج2 ص404 وراجع: المصنف للصنعاني ج10 ص 155/156 ومجمع الزوائد ج6 ص 226 و227 والمناقب لابن شهر آشوب. 3 ص 187/188 عن مسند أبي يعلى وإبانة ابن بطة والعكبري وزينة ابي حاتم الرازي وكتاب أبي بكر الشيرازي وغيرهم. والنص والاجتهاد ص 93/94. وفي هامشه عن الإصابة ج1 ص484 وحلية الأولياء ج2 ص317 وج3 ص227 والبداية والنهاية ج7 ص298 والغدير ج7 ص216 والطرائف ج2 ص429.


الصفحة 341
الأمر الذي يعني: أن التعامل مع مقام النبوة والإمامة المعصومة لابد أن يكون من موقع الطاعة والانقياد والتسليم. (ثم لا يكن في أنفسهم حرج مما قضيت، ويسلموا تسليما)(1).

تماماً كما كان الحال بالنسبة لإبراهيم (عليه السلام)، حينما أمره الله بذبح ولده، حيث لم يكن منهما (عليهما السلام) سوى التسليم والانقياد لأمر الله تعالى، والرضا بقضائه، دون أي تردد، أوشك أو حيرة، أو تساؤل، مهما كانت طبيعته ونوعه، ومداه.

وبذلك يكون الله سبحانه قد جسد لنا في إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، ميزة التزامهما جانب الصبر والثبات في مواجهة الغيب المرتبط بالله سبحانه، من موقع الإيمان واليقين بهذا الغيب. كما أراده الله سبحانه لكل مؤمن يتقي الله سبحانه: (هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، ومما رزقناهم ينفقون)(2).

3 ـ تحدثت الرواية المتقدمة: أن الرجلين الأولين لم ينفذا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله). ولم يكن لديهما أي مبرر لذلك سوى أنهما وجداه يصلي. مع ملاحظة:

أ: أنه لم تستجد أية حالة جديدة تستدعي أن يراجعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها.

ب: أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان على علم بصلاته وخشوعه، وقد أصدر أمره لهما بقتله بناءً على نفس هذه الصفات والحالات التي اخبراه هما بها، وأطلعاه عليها.

____________

(1) سورة النساء الآية 165.

(2) سورة البقرة، الآية 3.


الصفحة 342
ج: إن عدم تنفيذ أمر رسول الله، الذي يعلم الجميع أنه لا ينطق عن الهوى إنما يعني أن ذينك الرجلين كانا في شك من كاشفيه قوله (صلى الله عليه وآله) عن الواقع والحقيقة. مع ملاحظة أن نفس إصدار النبي أمره لهما بقتله يكفي لإدراك أنه (صلى الله عليه وآله) يتعامل مع هذا الأمر من موقع العلم بالواقع إما على أساس تلقي ذلك من جبرائيل عن الله سبحانه. أو على أساس الاطلاع عليه بصورة قاطعة. أي أنهما قد رأيا أن أمر النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن مستكملا لشروط الإنفاذ.

4 ـ أن النبي ـ كما صرحت به الرواية ـ قد قال لعلي (عليه السلام): «بلى أنت تقتله إن وجدته».

وهذا يعني: أنه (صلى الله عليه وآله) كان يعرف علياً (عليه الصلاة والسلام) حق المعرفة، إنه يعرف ميزاته وخصائصه، وبماذا يفكر، وكيف، وبأية روحية يتعامل مع القضايا.

ولاجل ذلك نجده (صلى الله عليه وآله) قد أخبر عن أمر غيبي رآه (صلى الله عليه وآله) وسلم بعين اليقين، متوفراً في علي (عليه الصلاة والسلام)، من خلال معرفته بيقين علي (عليه السلام) بصحة وواقعية كل ما يصدر عن رسول (صلى الله عليه وآله)، وبأنه لا ينطق عن الهوى. وذلك من موقع ايمانه الراسخ والعميق بنبوته (صلى الله عليه وآله).

5 ـ إن هذه الحادثة تفيدنا: أن هذا النحو من الاختبار العملي من شأنه أن يجسد النموذج الاسلامي الأصيل لكي يعرف الناس الفضل لذي الفضل، وسابقة ذي السابقة. ويصبح ذلك مقياساً ومعياراً يسقط من خلاله الكثير مما يثار من شبهات وترّهات، فيما يرتبط بفضل علي، أو بفضل ومزايا غير علي (عليه السلام)، بالقياس إليه صلوات الله وسلامه عليه.


الصفحة 343
ولا يبقى مجال للكثير من الدعاوى العريضة، التي قد يسهل إطلاقها، ولا يستطيع من لا خبرة له ولا معرفة ان يواجهها بالوسائل التي تكشف الزيف، وتظهر ما فيها من افتئات، أو ما تحمله من مبالغات.

6 ـ إن قول النبي (صلى الله عليه وآله): «فاقتلوهم هم شر البرية» قد جاء على شكل ضابطة عامة قد نزعت ـ من خلالها ـ الحصانة عن كل أولئك الذين يبطنون الكفر والجحود والطغيان، ويتسترون خلف المظاهر الخادعة، فراراً من العقوبة لهم على ما اقترفوه من جرائم ومآثم.

وإن إظهارهم للتوحيد، وممارستهم للشعائر الدينية، لا يمنع من إنزال العقاب الصارم الذي يستحقونه بهم.

7 ـ إنه (صلى الله عليه وآله) قد اعتبر هذا النوع من الناس الذين عرفوا فيما بعد باسم «الخوارج» أنهم «شر البرية».

ولعل ذلك لأجل ان خطر هؤلاء على الدين أعظم من خطر غيرهم، لأنهم إنما يحاربون الدين باسم الدين، الأمر الذي يمكنهم من خداع ابنائه، ويجعلهم أدوات طيّعة في خدمة أغراضهم ومآربهم، وتقع من ثم الكارثة الكبرى، حيث يتولى أبناء الإسلام هدم هذا الإسلام، متقربين بذلك إلى الله، راجين مثوبته،وتوفيقه ومعونته، حتى لو كان ثمن ذلك هو تشويه تعاليمه، واستئصال وإبادة أهله و علمائه، وحتى أئمته (صلوات الله عليهم)، بدءاً من أمير المؤمنين (عليه السلام) فكيف بمن عداه، وتلك هي المصيبة الأدهى والأمر، والأخطر والأضر.

8 ـ ونذكِّر القارئ الكريم هنا بما ظهر من النبي (صلى الله عليه وآله)، حيث رأيناه يخبر عن أمور غيبية، حين أشار إلى أن علياً (عليه السلام) لن يجد ذلك الرجل، وأنه لو وجده لقتله وبظهور أولئك الذين يمرقون من الدين

الصفحة 344
مروق السهم من الرمية، مع بيان بعض حالاتهم، وما يكون منهم، بالإضافة إلى تحديد التكليف الإلهي الموجه للأمة تجاههم، علماً بأن ظهور صدقه (صلى الله عليه وآله) فيما أخبر به علياً (عليه السلام) من أنه لن يجده يأتي بمثابة الدليل الحسي على صدق خبره (صلى الله عليه وآله) الآخر عن «الخوارج»، الذين سيبتلي بهم علي (عليه السلام) أيضاً.

9 ـ وآخر ما نشير إليه في هذا المجال هو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أمر بقتل ذلك الرجل، في حين أنه لم يظهر منه ما يستحق به القتل، بل ما ظهر منه يشير إلى ضد ذلك، لأنه كان متخشعاً، حسن الهيئة، يصلّي.

وتشبه هذه القضية في سياقها، وفي عناصرها ما جرى للعبد الصالح مع موسى، حينما قتل العبد الصالح ذلك الغلام. الذي عرف منه أن يضطهد أبويه إلى درجة أنه كان ثمة خشية من أن يرهقهما طغياناً وكفراً..

ومن الطبيعي أن يكون هذا الأمر الصادر من الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بقتل ذلك الرجل مما يدخل في هذا السياق، حيث يكون (صلى الله عليه وآله) قد اطلع على واقع هذا الرجل الذي استحق معه أن يواجه هذه العقوبة العادلة على بعض ما صدر منه من جرائم، وما ارتكبه من مآثم وعظائم عن طريق الوحي أو عن طريق آخر، لكن المطلوب على أي حال هو تصديقه والتسليم والخضوع له. ولم يكن ذلك إلا من علي (عليه السلام)..

ونقتصر هنا على هذا المقدار من القول:

عصمنا الله جميعاً من الزلل، في الفكر، وفي القول، وفي العمل، إنه ولي قدير، وبالإجابة حري وجدير.


الصفحة 345


الفصل الثاني
بعلم الإمامة يواجههم





الصفحة 346

الصفحة 347

بداية .. ونهاية:

إن ما تقدم في فصول هذا الكتاب، هو بعض ما روي في المصادر حول ذي الثدية، وحول سائر ما أخبر به (عليه السلام) من أمور غيبية حول «الخوارج»..

هذا وكان (عليه السلام) قبل أن تقع المواجهة الحاسمة قد أخبر أصحابه بأن «الخوارج» لم يعبروا النهر، ولن يعبروه، وحدد لهم مكان قتلهم، وأخبرهم بعدد من يقتل من الفريقين، ومن يفلت.

وقد ذكرنا في مواضع من هذه الدراسة بعضاً من ذلك، ونذكر هنا أيضاً: «أن أحدهم أخبره (عليه السلام) بعبور المارقة النهروان، فقال له: أنت رأيتهم عبروا؟!.

فقال: نعم.

فقال (عليه السلام): والذي بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) لا يعبرون، ولا يبلغون قصر بنت كسرى، حتى تقتل مقاتلتهم على يدي، فلا يبقى منهم إلا أقل من عشرة، ولا يقتل من أصحابي إلا أقل من عشرة»(1).

____________

(1) كشف الغمة ج1 ص 274 و لهذا الحديث، أعني عدد من يفلت منهم ومن يستشهد من أصحابه (عليه السلام) مصادر كثيرة أخرى ذكرت في موضع آخر من هذه الدراسة.


الصفحة 348
وعن جندب الأزدي، قال: لما عدلنا إلى «الخوارج» مع علي بن أبي طالب.

قال: يا جندب، ترى تلك الرابية؟

قلت نعم.

قال: فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني أنهم يقتلون عندها(1).

وفي نص آخر: قال (عليه السلام): «لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر»(2).

أما إخباراته عن وجود ذي الثدية فيهم، وكونه في جملة القتلى، فقد ذكرت في مختلف المصادر والمراجع. وقد أوردنا في تمهيد الكتاب وفي فصوله الأخرى شطراً كبيراً من تلك المصادر.

وتقول بعض تلك النصوص: «.. فطلب الناس، فلم يجدوه، حتى قال بعضهم: غرنا ابن أبي طالب من إخواننا حتى قتلناهم.

فدمعت عين علي (عليه السلام). قال: فدعا بدابته فركبها، فانطلق حتى أتى وهدة فيها قتلى، بعضهم على بعض، فجعل يجر بأرجلهم، حتى وجدوا الرجل تحتهم، فأخبروه، فقال علي: الله اكبر. وفرح، وفرح الناس»(3).

واللافت للنظر هنا أنه (عليه السلام) حين يريد أن يبحث عن المخدج. يصر على إفهام الناس عمق ارتباطه برسول الله، حيث يكتشفه

____________

(1) كنز العمال ج11 ص 290 عن ابن عساكر.

(2) تاريخ بغداد ج1 ص 205 وبهج الصباغة ج7 ص 189 ولهذا المعنى مصادر كثيرة جداً.

(3) راجع: مجمع الزوائد ج6 ص 238 عن أبي يعلى. ورجاله رجال الصحيح. وراجع المصنف لابن أبي شيبة ج5 ص 319 وكشف الغمة ج1 ص267 وليس فيه عبارة: وفرح، وفرح الناس.


الصفحة 349
لهم بصورة إعجازية، تقريبا فإنه (عليه السلام) ركب بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قال أبو قتادة، قال: «فأقمنا ندور على القتلى، حتى وقفت بغلة النبي (صلى الله عليه وآله)، وعلي (عليه السلام). راكبها، فقال: اقلبوا القتلى»(1).

وفي نص آخر: «فالتمسوه، فلم يجدوه، فما رأيت علياً جزع جزعاً قط أشد من جزعه يومئذ».

ثم تذكر الرواية: كيف أنهم بحثوا عن ذي الثدية ثلاث مرات، وكان (عليه السلام) بعد أن يخبروه بأنهم لم يجدوا ذا الثدية يكذبهم، ويؤكد أن النبي (صلى الله عليه وآله) لعنهم. وكان (عليه السلام) يسألهم عن اسم المكان فيخبرونه. وقد ذكر لهم حتى عدد الشعرات التي كانت على يد ذي الثدية، وأنها ثلاث.

ثم وجدوه آخر الأمر في ساقية(2).

وبعض النصوص يصرح بأنه (عليه السلام) بكى مرتين حين كانوا يخبرونه بعدم وجدانه، ثم قام في الثالثة بنفسه فركب بغلته الشهباء، فلما وجده سجد(3).

ونص آخر يقول: إنهم حين وجدوا المخدج كبّر علي، وحمد الله، وخرّ هو والذين كانوا معه سجدّاً(4).

____________

(1) بهج الصباغة ج7 ص 188 عن الخطيب في ترجمة أبي قتادة الأنصاري، وتذكرة الخواص ص 104 وتاريخ بغداد ج1 ص 160 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص276.

(2) كنز العمال ج11 ص 310 وتاريخ بغداد ج1 ص 199 وج13 ص 222 والبداية والنهاية ج7 ص 294 وبهج الصباغة ج7 ص 189 ومصادر حديث ذي الثدية لا تكاد تحصى لكثرتها.

(3) البداية والنهاية ج7 ص 295.

(4) المناقب للخوارزمي ص185. مسند احمد ج1 ص 108 و147 والبداية والنهاية ج7 ص

=>


الصفحة 350
وفي نص آخر: أنه (عليه السلام) سجد سجدة طويلة (1).

ويقول غيره: «ففرح فرحاً شديداً»(2).

وفي آخر: «فكبر علي رضي الله عنه والناس، وأعجبهم ذلك»(3).

وحسب نص المسعودي: «أمر علي بطلب المخدج، فطلبوه، فلم يقدروا عليه. فقام علي، عليه أثر الحزن لفقد المخدج. فانتهى إلى قتلى بعضهم فوق بعضهم، فقال: أفرجوا.

ففرجوا يميناً وشمالاً، واستخرجوه. فقال علي: الله اكبر ما كذبت على محمد..

إلى أن قال: فثنى علي رجله، ونزل، وخر لله ساجداً»(4).

وعن مالك بن الحارث قال: «شهدت علياً رضي الله عنه يوم النهروان طلب المخدج، فلم يقدر عليه، فجعل جبينه يعرق، وأخذه

____________

<=

292 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص 276 والخصائص للنسائي ص 141 وسنن البيهقي ج8 ص 170 وكنز العمال ج11 ص 289 عن الدورقي، وابن جرير، وانساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص 376 وذكر بعض المصادر الأخرى في هوامشه.

(1) البداية والنهاية ج7 ص 290 وراجع ص 280 و295 وتاريخ بغداد ج14 ص 362 وراجع: بهج الصباغة ج7 ص 187 و189 عن الخطيب في ترجمة أبي مؤمن الوائلي، وابن عباس. وفي كنز العمال ج11 ص 289 عن ابن أبي عاصم، والبيهقي في الدلائل والخطيب: فخرّ علي ساجداً.

(2) انساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص 377.

(3) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [للنسائي] ص 143 وفي هامشه عن تاريخ بغداد ج1 ص 160 وعن مسند احمد ج1 ص 88. وراجع شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص 276.

(4) مروج الذهب ج2 ص 406.


الصفحة 351
الكرب. ثم إنه قدر عليه، فخر ساجداً، فقال: والله، ما كذبت ولا كذبت»(1).

وفي نص آخر: أنه (عليه السلام) قال لهم: اطلبوا المخدج، فقالوا: لم نجده، فقال: والله، ما كذبت ولا كذبت، يا عجلان! ائتني ببغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأتاه بالبغلة، فركبها، وجال في القتلى، ثم قال: اطلبوه ههنا.

قال: فاستخرجوه من تحت القتلى في نهر وطين.

وفي رواية أبي نعيم، عن سفيان: «فقيل: قد أصبناه فسجد لله تعالى. فنصبها»(2).

ولعل المراد بقوله: فنصبها! أنه رفع يد المخدج ليراها الناس.

وفي نص آخر: «أن علياً أرجعهم في طلبه مرتين أو ثلاثاً، ثم وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه»(3).

وفي نص آخر: «أنه هو بنفسه قام فبحث عنه فوجده في حفرة فيها قتلى كثير»(4).

____________

(1) مستدرك الحاكم ج2 ص 154 وتلخيصه للذهبي [مطبوع بهامشه] وصححاه على شرط الشيخين. وتاريخ بغداد ج13 ص 158 وراجع: البداية والنهاية ج7 ص 294.

(2) مناقب آل أبي طالب ج3 ص 191 عن تاريخ الطبري، وإبانة ابن بطة، وسنن أبي داود، ومسند أحمد.

(3) كنز العمال ج11 ص 282 عن ابن وهب ومسلم، وابن جرير، وابن أبي عاصم، والبيهقي، وأبي عوانة، وابن حبان وراجع: نزل الأبرار ص 60 وعن الرياض النضرة ج3 ص 224 وعن صحيح مسلم ج2 ص 749 وراجع: ذخائر العقبى ص 110 وتاريخ بغداد ج10 ص 305 وراجع ج12 ص 480 وراجع ج1 ص 199/200 وفرائد السمطين ج1 ص 277 ونظم درر السمطين ص116 والخصائص للنسائي ص 291 وروي أيضاً عن البداية والنهاية ج7 ص 291.

(4) تاريخ بغداد ج1 ص 206 وكنز العمال ج11 ص 272 ومنتخب كنز العمال ج5 ص 429 و430 ومجمع الزوائد ج6 ص238 عن أبي يعلى.


الصفحة 352
وعن ابن عباس قال: لما أصيب أهل النهروان خرج علي وأنا خلفه فجعل يقول: ويلكم التمسوه ـ يعني المخدج ـ فالتمسوه، فجاؤوا فقالوا: لم نجده، فعرف ذلك في وجهه، فقال علي: ويلكم ضعوا عليهم القصب، أي علموا كل رجل منهم بالقصب، فجاؤوا به، فلما رآه خرّ ساجداً(1).

وتذكر رواية أخرى: أنه (عليه السلام) لما لم يجدوه قام والعرق يتصبب من جبهته حتى أتى وهدة من الأرض، فيها نحو من ثلاثين قتيلاً. فاستخرجه منهم. واظهر للشاك بالأمر آيتين جعلتاه يعود إلى يقينه، فلتراجع(2).

وعند التلمساني: فلم يوجد، فتغير وجه علي، وقال: والله، ما كذبت ولا كذبت، فتشوه، ففتشوه، فوجدوه في وهدة من الأرض بين القتلى، فلما رآه علي كبر، وحمد الله تعالى(3).

وفي حديث آخر: أنهم حين وجدوا المخدج: رفع علي يديه يدعو والناس يدعون، قال: ثم وضع يديه، ثم رفعهما أيضاً، ثم قال:

والله، فالق الحبة، وبارئ النسمة، لولا أن تبطروا لأخبرتكم بما سبق من الفضل لمن قتلهم على لسان النبي (صلى الله عليه وآله)(4).

وحين وجدوا المخدج كبر (عليه السلام)،ثم قال: صدق الله، وبلغ رسوله (صلى الله عليه وآله). فقام إليه عبيدة السلماني، فقال: يا أمير المؤمنين، الله الذي لا اله إلا هو، أنت سمعت هذا الحديث من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!.

____________

(1) تاريخ بغداد ج1 ص 174.

(2) خصائص علي (عليه السلام) للنسائي ص 30.

(3) الجوهرة ص 109.

(4) المصنف ج10 ص 151.


الصفحة 353
فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو. حتى استحلفه ثلاثاً، وهو يحلف(1).

وفي نص آخر: عن عبيدة أن علياً (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج قوم فيهم رجل مودن [أو مثدون، أو مخدج اليد] لولا أن تبطروا لأنبأتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان نبيَّه.

قال عبيدة: قلت لعلي رضي الله عنه: أأنت سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!.

قال: إي ورب الكعبة. إي ورب الكعبة. إي ورب الكعبة(2).

حرب «الخوارج» هي الأصعب:

وقد ذكر لنا التاريخ صراحة: أن بعض من كانوا مع علي، قد ارتابوا في حرب «الخوارج».

____________

(1) المصنف للصنعاني ج10 ص 148/149 وفي هامشه عن مسلم، وعن البيهقي ج8 ص 170 وكنز العمال ج11 ص 281 عن مسلم، وعبد الرزاق، والبيهقي، وابن أبي عاصم، وأبي عوانة، وخشيش. والبداية والنهاية ج7 ص 291 و290 وعن صحيح مسلم ج1 ص 343.وراجع: فرائد السمطين ج1ص276 و277.وعن طبقات ابن سعد ج4 ق2 ص 36 ونظم درر السمطين ص 117 وخصائص الإمام علي للنسائي ص 145 وكفاية الطالب ص 177 وذخائر العقبى ص 110 عن مسلم ونزل الأبرار ص 61.

(2) راجع مسند احمد ج1 ص 95 و78 و55 وراجع ص 113 و121، ونزل الأبرار ص 61 وفي هامشه عن مسلم ج2 ص747. والمصنف للصنعاني ج10 ص 149 وكنز العمال ج11 ص 282 عن الترمذي،والبخاري،ومسلم وأبي داود والطيالسي، وابن جرير، وخشيش، وابن حبان، وابن أبي عاصم، والبيهقي، وأبي عوانة، وابن ماجة وغيرهم، وراجع: منتخب كنز العمال [مطبوع بهامش مسند أحمد] ج5 ص 434. وراجع خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 146 وتاريخ بغداد ج11 ص118 والرياض النضرة ج3 ص 225 والبداية والنهاية ج7 ص 292 و293 ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 416.


الصفحة 354
ويذكرون أيضاً: «أن الناس كأنهم قد وجدوا من أنفسهم من قتلهم»(1).

فحين رأوا صدق إخباراته الغيبية (عليه السلام) عادوا إلى يقينهم. يقول جندب بن عبد الله الأزدي:

«شهدت مع علي الجمل، وصفين، ولا أشك في قتالهم، حتى نزلنا النهروان فدخلني شك، وقلت: قراؤنا وخيارنا نقتلهم؟!! إن هذا الأمر عظيم!!».

ثم تذكر الرواية: أنه عاد إلى يقينه حين رأى صدق ما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام) بعدم عبورهم النهر(2).

وعن أبي سليمان المرعشي، قال: لما سار علي إلى أهل النهر سرت معه، فلما نزلنا بحضرتهم أخذني غم لقتالهم لا يعلمه إلا الله تعالى حتى سقطت في الماء مما أخذني من الغم، قال: فخرجت من الماء وقد شرح الله صدري لقتالهم(3).

وهذه كرامة لعلي (عليه السلام)، حيث ذهب الغم عنه بمجرد سقوطه في الماء، وذهبت الأوهام والتخيلات، ثم شرح الله صدره لقتالهم وهذا لطف إلهي، ورعاية ربانية، كما هو ظاهر.

____________

(1) راجع كنز العمال ج11 ص 286 عن احمد، والحميدي والعدني، والبداية والنهاية ج7 ص 294 ومسند احمد ج1 ص88 وتاريخ بغداد ج14 ص363 وبهج الصباغة ج7 ص 187/188.

(2) كشف الغمة ج1 ص277 ومناقب الإمام علي (عليه السلام) لابن المغازلي ص406 وغير ذلك كثير.

(3) تاريخ بغداد ج14 ص 365.


الصفحة 355

الحدث الذائع:

وقد ذاع هذا الأمر وشاع حتى إن أبا سعيد يقول: حدثني عشرة من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله)، ممن أرتضي، في بيتي هذا: أن علياً قال: التمسوا لي العلامة التي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها، فإني لم اكذب، ولم أكذب.

فجيء به.

فحمد الله علي حين عرف علامة رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1).

ونحن هنا نشير إلى الأمور التالية:

1 ـ إن هذه الرواية تشير إلى أن أبا سعيد لم يكن يرتضي جميع صحابة النبي (صلى الله عليه وآله)، أو على الأقل لم يكن يرتضي الرواية عنهم بأجمعهم. بل كان يرتضي بعضاً منهم دون بعض.

2 ـ إن هذا الحديث قد ذاع وشاع إلى درجة أن عشرة من الصحابة، ومن خصوص المرضيين لأبي سعيد فقط، كانوا حاضرين وفي خصوص بيت هذا الرجل ـ يحدثون بهذا الحديث، فكيف بمن لم يأت منهم إلى بيت أبي سعيد، أو لم يكن مرضياً عنده، أو حدثه في غير بيته. وكيف بسائر الناس، الذين لا بد أن يرووا ما رأوا وما سمعوا أيضاً.

3 ـ إن ما جرى في كشف أمر المخدج يعطينا: أن ذلك قد أسهم في نشر حقانية موقف أمير المؤمنين، حتى في أوساط الذين لم يحضروا تلك الحرب، فقد كان حدثاً لافتاً ومثيراً للعجب، كما أشارت بعض النصوص، حيث جاء فيها:

____________

(1) كنز العمال ج11 ص 302 عن ابن جرير.