الصفحة 377

شك «الخوارج» في صوابية موقفهم:

بل إن «الخوارج» أنفسهم قد كانوا في شك كبير من صوابية وصحة موقفهم منه صلوات الله وسلامه عليه. وقد أظهروا هذا الشك في أكثر من مورد ومناسبة.

ومن أمثلة ذلك، ما يذكرونه من انه حينما طلب ابن ملجم من شبيب بن بجرة مساعدته في قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له شبيب ـ وهو من الخوارج ـ: «ويحك، لو كان غير علي كان أهون علي. قد عرفنا بلاءه في الإسلام، وسابقته مع النبي (صلى الله عليه وآله) , وما أجدني انشرح لهذا الخ..»(1).

وقد حدثنا علي أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه عن شكهم في صحة ما هم عليه، حينما سمع (عليه السلام) رجلاً من «الخوارج» يتهجد ويقرأ فقال (عليه السلام): «نوم على يقين خير من صلاة في شك»(2).

كما أن فروة بن نوفل الأشجعي قد انصرف عن حرب علي (عليه السلام) في النهروان، لأن الأمر كان ملتبساً عليه، كما يدل عليه قوله: «والله ما أدري على أي شيء نقاتل علياً، إلا أن انصرف حتى تنفذ بصيرتي في قتاله أو اتباعه»(3).

____________

(1) كشف الغمة ج2 ص 56/57 وراجع الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 117 وذخائر العقبى ص 114 والمناقب للخوارزمي ص 276 والرياض النضرة ج3 ص 235 والبداية والنهاية ج7 ص 327.

(2) تذكرة الخواص ص 105 وبهج الصباغة ج7 ص 166 ونهج البلاغة قسم الحكم ج3 ص172.

(3) الكامل لابن الأثير ج3 ص 346 وتاريخ الطبري ج4 ص 64 وبهج الصباغة ج7 ص 168 عنه.


الصفحة 378
ويكفي أن نذكر: أن فرقة «الخازمية» من «الخوارج» ـ وهم أصحاب خازم بن علي ـ يتوقفون في أمر علي (عليه السلام)، ولا يصرحون بالبراءة عنه، ويصرحون بذلك في حق غيره(1).

مع أن أصل ظهور «الخوارج» كان هو الخلاف عليه صلوات الله وسلامه عليه!!.

هذا وقد «كان الخوارج أربعة آلاف عليهم عبد الله بن وهب الراسبي من الأزد وليس براسب بن جرم بن دبان، وليس في العرب غيرهما. فلما نزل علي (عليه السلام): تفرقوا، فبقي منهم ألف وثمان ومئة. وقيل: ألف وخمسمائة، فقتلوا إلا نفراً يسيراً. وكان سبب تفرق «الخوارج» عنه: أنهم تنازعوا عند الاحاطة بهم فقالوا: أسرعوا الروحة إلى الجنة. فقال عبد الله بن وهب: ولعلها إلى النار.

فقال من فارقه: ترانا نقاتل مع رجل شاك»(2) ففارقوه.

وفي نص آخر: «أن عبد الله بن وهب الراسبي سمع رجلاً يقول: حبذا الروحة إلى الجنة فقال: ما أدري إلى الجنة أم إلى النار»(3)

____________

(1) الملل والنحل ج1 ص 131.

(2) معجم الأدباء ج5 ص 264 وراجع: التنبيه والإشراف ص 257 وشرح عقيدة التوحيد ص 84 وبهج الصباغة ج7 ص 168 عن الخطيب، وراجع الكامل في الأدب ج3 ص 187 وفيه أن الذين أصيبوا كانوا ألفين وثمان مئة.

(3) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص 272 و273 والعقود الفضية ص 64 وأنساب الأشراف ج2 ص 271 [بتحقيق المحمودي] وشرح عقيدة التوحيد ص 84، والكامل في الأدب ج3 ص 187.


الصفحة 379
وقد حاول بعض «الخوارج» الاعتذار عن الراسبي، فقال: «وإنما قال ذلك، لأن الرجل أزرقي يحل الدم والمال بالذنب، ولأنه بدأ القتال» إلى أن قال: «كان أصحابنا والأزارقة جنداً واحداً، ولما ظهر القول بإباحة الدم، والمال، فارقهم أصحابنا، كابن وهب»(1).

ولكن من أين علم أن ذلك الرجل كان أزرقيا؟ ومن أين علم أن ذلك الرجل قد بدأ القتال؟!

وعلى كل حال، فقد قال ابن الطقطقا: «أما الخوارج فذهبت طائفة منهم قبل ان تنشب الحرب، وقالوا: والله ما ندري على أي شيء نقاتل علي بن أبي طالب، سنأخذ ناحية حتى ننظر إلى ماذا يؤول الأمر»(2).

ومما يدل على أنهم كانوا شاكين في قتال علي (عليه السلام)، قولهم: «قد جاء الآن ما لا شك فيه»، وذلك حينما تولى معاوية الحكم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

كما أن أحدهم، وهو صخر بن عروة يقول: «إني كرهت قتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لسابقته وقرابته، فأما الآن فلا يسعني إلا الخروج»(3).

وأيضاً.. فإن الذين اعتزلوا إخوانهم في النهروان قد اعتذروا بأنه ليس لهم في قتل علي (عليه السلام) حجة(4).

وقد قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام): «الخوارج شكاك؟

____________

(1) شرح عقيدة التوحيد ص 84.

(2) الفخري في الآداب السلطانية ص95.

(3) الكامل للمبرد ج 3 ص 276.

(4) الأخبار الطوال ص 210 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 346.


الصفحة 380
فقال: نعم.

قال: فقال بعض أصحابه: كيف وهم يدعون إلى البراز.

قال: ذلك مما يجدون في أنفسهم»(1).

إذن.. فالحقد هو السبب في إقدامهم على الحرب، وليس هو الاعتقاد والقناعة، وقد ذكرنا أنهم في حربهم له (عليه السلام) انما انقادوا لهواهم فوقعوا في اللبس والخطأ.

____________

(1) تهذيب الأحكام للطوسي ج 6 ص 145 وبهج الصباغة ج 7 ص 168 عنه والوسائل ج 11 ص 60.


الصفحة 381


الفصل الرابع
لا تقتلوا الخوارج بعدي





الصفحة 382

الصفحة 383

لا تقتلوا «الخوارج» بعدي:

وبعد.. فإننا في نفس الوقت الذي نجد فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) يحارب «الخوارج»، ويستأصل شأفتهم في واقعة النهروان، وغيرها من الوقائع..

ونجده أيضاً يأمر أصحابه بقتل كل من دعا إلى شعارهم، حتى ليقول: «اياكم الفرقة، فان الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب، إلا من دعا إلى هذا الشعار، فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه يرد (1) شعار الخوارج»(2).

نراه في مقابل ذلك ينهى عن قتال «الخوارج» بعده، فيقول: «لا تقتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه، أو فأدركه»(3).

وسيأتي أن الإمام الحسن (عليه السلام) قد قال ذلك لمعاوية..

ثم أخذه عمر بن عبد العزيز فخاطب به بعض «الخوارج» ايضاً.

____________

(1) الظاهر: يريد (2) ربيع الابرار ج2 ص 140.

(3) نهج البلاغة، بشرح عبده، الخطبة رقم58 وشرح النهج للمعتزلي ج5 ص98 والعقود الفضية ص41 و63 وفجر الاسلام ص 263 والبحار ط قديم ج8 ص572 وسفينة البحار ج1 ص384.


الصفحة 384
وعلى كل حال، فانه (عليه السلام) قد اوضح مراده من هذا النهي في نصوص أخرى، فقد روي عنه (عليه السلام) أنه سمع رجلاً يسب «الخوارج»، فقال: «لا تسبوا الخوارج.. إن كانوا خالفوا إماماً عادلاً أو جماعة، فقاتلوهم، فإنكم تؤجرون في ذلك، وإن خالفوا إماماً جائراً، فلا تقاتلوهم، فإن لهم بذلك مقالاً»(1).

وفي نص آخر: «أما إذا خرجوا على امام هدى فسبوهم، واما إذا خرجوا على امام ضلالة، فلا تسبوهم، فان لهم بذلك مقالاً»(2).

وتفصيل الكلام فيما نفهمه من اسباب نهيه (عليه السلام) عن حربهم، على النحو التالي:

أهداف علي (عليه السلام) في قتال «الخوارج»:

إن من الواضح: أن علياً (عليه السلام) قد واجه «الخوارج» بالحرب، بعد أن خرجوا على امامهم، ونقضوا البيعة، وأفسدوا في الأرض، وأخافوا السبيل، وبدأوه بالقتال. فأقام عليهم الحجة، ثم قاتلهم. وكان قتاله (عليه السلام) لهم يهدف إلى عدة أمور، نذكر منها:

1 ـ دفع غائلة افسادهم في الارض، وتعديهم على الحرمات، ومنعهم من ارتكاب الجرائم والموبقات، وإشاعة حالة الأمن والسلام في الأمة..

____________

(1) راجع: كنز العمال ج11 ص39 عن خشيش في الاستقامة، وابن جرير. والتهذيب للشيخ الطوسي ج6 ص145 ومصادر نهج البلاغة ج2 ص40 عنه وعلل الشرايع ص218 والبحار ط قديم ج8 ص581 والوسائل ج11 ص60.

(2) كنز العمال ج11 ص 310 عن ابن جرير و309 عنه وعن خشيش في الاستقامة..


الصفحة 385
2 ـ إعلان انحرافهم لكل احد، ومجانبتهم للحق، واصرارهم على الباطل، بهدف تحصين الناس من ضلالاتهم.. ومن الوقوع في حبائل مكرهم، أو من التأثر بشعاراتهم.

3 ـ انه لابد للامام من ان يحفظ الحكومة الإلهية، والنظام العادل، وان يدافع عنه حين يتعرض للتهديد، لأنه أمانة الله سبحانه بيده، ولا يحق له التفريط فيه وتمكين أهل الضلال والانحراف والظالمين منه، في أي من الظروف والأحوال.

4 ـ إنه لابد من مجازاة الناكث لبيعته، والمفرط بعهده والناقض لميثاقه. فإن بذلك تستقيم الحياة، وتحفظ مصالح العباد، ويشيع الأمن والسلام، والنظام في البلاد..

قتال «الخوارج» دفاع عن الأمويين:

وقد كان علي (عليه السلام) يعلم بأن «الخوارج» لن يمكنهم الامساك بأزمة حكم قادر على البقاء، وسيكون قتالهم بمثابة الدفاع عن الحكم الأموي، وتأكيد سلطانه، فلماذا اذن تهدر الطاقات، ويقتل المؤمنون الخلَّص، والصفوة الأبرار في قتال لا ينتج إلا ترسيخ حكم الجبارين، الذي لابد من زعزعة أركانه وتقويض دعائمه، وهو القضية الكبرى والأساس؟!.

نعم إن «الخوارج» بعده (عليه السلام) سيقاتلون الأمويين الذين هم اشد خطراً على الإسلام والأمة من «الخوارج».. فقتالهم ـ والحالة هذه ـ إنما يعني الدفاع عن الحكم الاموي البغيض، ومساعدته على احكام قبضته على ازمة الأمور، ولم يكن ذلك من مصلحة الدين والأمة بحال.


الصفحة 386

الأمويون أخطر من «الخوارج»:

وقد أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى خطر الأمويين، فقال: «إلا ان أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنها فتنة عمياء مظلمة، عمت خطتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها.

وأيم الله، لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء، كالناب الضروس، تعذم بفيها، وتخبط بيدها، وتزبن برجلها، وتمنع درها.. لايزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم، أو غير ضائر بهم. ولا يزال بلاؤهم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربه، والصاحب من مستصحبه. ترد فتنتهم شوهاء مخشية، وقطعاً جاهلية. ليس فيها منار هدى، ولا علم يرى»(1).

وحينما طلبوا منه (عليه السلام) المسير إلى «الخوارج» قال مرغباً لهم بالمسير إلى أهل الشام: «سيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين ملوكاً، ويتخذوا عباد الله خولاً»(2).

وقال (عليه السلام) في نفس هذه المناسبة ايضاً: «قاتلوا الخاطئين، الضالين، القاسطين، الذين ليسوا بقراء للقرآن، ولا فقهاء في الدين، ولا علماء في التأويل، ولا لهذا الأمر بأهل سابقة في الإسلام. والله، لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل»(3).

____________

(1) نهج البلاغة [بشرح محمد عبده] ج1 ص 183 و184 الخطبة رقم 89 والبحار ط حجرية ج8 ص 558 والغارات ج1 ص 10 وما بعدها. وتقدمت مصادر اخرى لهذا النص، فلتراجع..

(2) الكامل في التاريخ ج3 ص 341.

(3) الكامل في التاريخ ج3 ص 339..


الصفحة 387
ويلاحظ: انه (عليه السلام) قد قال هذا الكلام بعد اشارته لفتنة «الخوارج» التي ماج غيهبها، واشتد كلبها، وفقأ هو عينها، على حد تعبيره (عليه السلام)..

وليراجع كذلك ما قاله (عليه السلام) في نهج البلاغة، شرح عبده، الخطبة رقم 94.

وقد وصف أبو حمزة الخارجي بني أمية بأنهم «فرقة ضلالة، بطشهم بطش جبرية، يأخذون بالظنة، ويقضون بالهوى، ويقتلون على الغضب، ويحكمون بالشفاعة، ويأخذون الفريضة من غير موضعها، ويضعونها في غير أهلها»(1).

إذن.. فـ«الخوارج» رغم كل جرائمهم وموبقاتهم، وشدة انحرافهم هم أولى بالحق من الأمويين، كما قال علي (عليه السلام) بعد فراغه من النهروان: «لا يقاتلهم بعدي إلا من هم أولى بالحق منه»(2).

وأعظم من ذلك كله، وأدهى وأمر: أنهم ـ أعني الأمويين ـ قد تصرفوا في عقائد المسلمين، وتلاعبوا بها، حسبما رأوا أنه يخدم مصالحهم، ويوافق أهواءهم.

فأدخلوا فكرة الجبر في عقائد المسلمين ـ باسم عقيدة القدر، وغلوا فيه، وجعلوه هو التوحيد الخالص. الأمر الذي نتج عنه أن لم يعد الإنسان يشعر بمسؤولية أعماله السيئة، وتلاشت قيمة الدين والتدين في النفوس.

____________

(1) الأغاني ج20 ص 105 ـ 108 والبيان والتبيين ج2 ص 124.

(2) تهذيب الاحكام للطوسي ج6 ص 144 ووسائل الشيعة ج11 ص 60.


الصفحة 388
وكما أن أولئك الذين كانوا مقربين من الحكم والحاكمين من علماء أهل الكتاب، وتلامذتهم ومن أمثال: كعب الاحبار، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابي هريرة، وتميم الداري، ونظرائهم، قد ادخلوا في الدين الكثير من عقائد أهل الكتاب الفاسدة والمشينة. ومنها عقيدة التجسيم الإلهي، فسلبوا الناس بذلك البصيرة في الدين، وتبلبلت العقول، وعميت المذاهب، وأصبح الإنسان المسلم يجد أمامه الكثير من المتناقضات، والأمور اللامعقولة واللامفهومة، فيما زعم انه من الحديث النبوي.

الأمر الذي جعل أعمق الايمان عندهم هو دين العجائز، حتى صار الاكابر يوصون به الأصاغر، فيقولون: «عليكم بدين العجائز».

ورووا عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: «اذا اختلفت امتي في الأهواء، فعليكم بدين الاعراب».

هذا كله، عدا عن أنهم بهدف إبعاد علي (عليه السلام) وولده عن مقام الخلافة قد اظهروا الغلو الفاحش في شأن الخلفاء الثلاثة، حتى جعلوا عقيدة إمامتهم وخلافتهم جزءاً من الدين، بل ومن أعظم أركانه،وربما صار الاعتقاد بها أزيد من اعتقاد الشيعة بعلي وسائر الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام.

وقد كان ذلك قبل عهد معاوية، فإن عمرو بن العاص قد جعل الاعتقاد بخلافة الشيخين تلو عقيدة التوحيد والنبوة في نفس مجلس التحكيم(1) فراجع.

____________

(1) كنز العمال ج11 ص 131 عن ابن سعد، عن ابن عمرو..


الصفحة 389

«الخوارج» أقل خطراً؟! لماذا؟:

أما دعوة «الخوارج»، فلم يكن لها ذلك الخطر وذلك لما يلي:

أ: «الخوارج» أعراب:

إن «الخوارج» كانوا عموماً أعراباً جفاةً، ولم يكن لديهم ثقافة ومعرفة متميزة، بحيث يشكلون معها خطراً على الدين بشبهاتهم وانحرافاتهم.

ب: دعوة «الخوارج» بعيدة عن الفطرة:

إن دعوتهم لم تكن تنسجم مع الفطرة، ولا تتقبلها العقول، بل ربما تستهوي بعض شعاراتهم بعض البسطاء والسذج لبعض الوقت، ثم لا تلبث ان تنحسر، وتتلاشى بمجرد عودة الإنسان إلى فطرته، والاستسلام للعقل السليم، والفكر المستقيم، ولاسيما إذا لاحظنا حدتهم في التعامل مع غيرهم ـ كما المحنا إليه غير مرة.

إلى جانب ذلك طبيعة تعاليمهم الدينية، وكمثال على ذلك نذكر أن فرقة الأزارقة بزعامة نافع بن الأزرق قد كانت أكبر وأعظم فرقهم، إذ كان مع نافع عشرة من أمراء «الخوارج»، بينما لم يكن مع النجدات سوى أميرين، أما سائر الفرق، فواحد، أو بدونه(1).

ولم تكن فرقة قط أكثر عدداً، ولا أشد منهم شوكة(2)، وقد استولوا على الاهواز، وما وراءها من ارض فارس وكرمان، وجبوا خراجها(3).

____________

(1) راجع: شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج2 ص 154..

(2) الفرق بين الفرق ص83 وهامش الملل والنحل ج1 ص 118 و119..

(3) الملل والنحل ج1 ص 119 وشرح النهج لابن ميثم ج2 ص 154 والفرق بين الفرق ص 85 وراجع ص 63 وتهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر ج4 ص 147، وغير ذلك..


الصفحة 390
ونحن نجد هؤلاء يقولون بكفرجميع ماعداهم، ولا يحق لأصحابهم المؤمنين أن يجيبوا احداً من غيرهم إلى الصلاة إذا دعا إليها، ولا أن يأكلوا من ذبائحهم، ولا ان يتزوجوا منهم، ولا يتوارث الخارجي وغيره.ويكون الغير مثل كفار العرب، وعبدة الأوثان، لا يقبل منهم الا الإسلام أو السيف، ودارهم دار حرب، ويحل قتل اطفالهم ونسائهم.ويحل الغدر بمن خالفهم، وكذا القعدة عن القتال مع قدرتهم، ولو كان هؤلاء القعدة على مذهبهم. ولا يجيزون التقية.

ويجوز عندهم ان يبعث الله نبياً يعلم انه يكفر بعد نبوته..

الى غير ذلك من أمور ذكرها المؤلفون في الملل والنحل فراجعها ان شئت(1).

واللافت ان نجدة الحروري قد اعترض على ابن الأزرق، لما بلغه استعراض نافع للناس، وقتله للاطفال، واستحلاله الأمانة، فكتب إليه رسالة ينعى عليه قوله هذا، ويبين له خطأه فيه، ومخالفته لصريح القرآن في ذلك(2).

____________

(1) راجع: الملل والنحل ج1 ص 121 و 122 وتلبيس إبليس ص 95 وتهذيب تاريخ دمشق ج4 ص 147 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص 136 و138 وفجر الاسلام ص 260 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج3 ص 145 والعقد الفريد ج1 ص 223 وراجع: الكامل في التاريخ ج4 ص 168 والإباضية عقيدةً ومذهباً ص 28 و29 و34 و«الخوارج» عقيدةً وفكراً وفلسفةً ص 70 و71 و72 وراجع: تاريخ المذاهب الاسلامية ج1 ص 81..

(2) العقد الفريد ج2 ص 396 و397..


الصفحة 391
وقد ذكرنا في فصل زهد الخوارج: أن قطري بن الفجاءة أرسل «الخوارج» الذين جاءوا من كرمان وفارس ـ أرسلهم ـ مع صالح بن مخراق، وسعد الطلائع لمحاربة عبد العزيز، اخي المهلب، فهزموه «فسبوا النساء يومئذ، وأخذوا أسرى لا تحصى. فقذفوهم في غار بعد ان شدوهم وثاقاً، ثم سدوا عليهم بابه، حتى ماتوا فيه»(1).

وعن طباع «الخوارج»، ومعاملتهم حتى لأقرب الناس إليهم نذكر: أن عيال وابناء قطري بن الفجاءة كانوا في منزل جرموز المازني، وكان يمونهم، وينفق عليهم، فطلب جرموز من قطري بن الفجاءة الذي كان يشتري السيف بعشرين الف درهم ان يبعث إليه ابناءه يجيرهم، ويعينهم.

فقال له قطري: انه إن بعث إليه بهم ضرب اعناقهم، وبعث إليه برؤوسهم.

فتعجب جرموز من هذه المفارقة.. حيث إنه هو يمون عيال قطري، ويغذيهم، وقطري يريد أن يذبح له ابناءه، ويرسل إليه بروؤسهم.

فقال له قطري: «إن الذي صنعت بعيالي تراه في دينك، وإن الذي أصنعه بعيالك شيء اراه في ديني»(2).

وقال المسعودي: «ظهر من فعل صاحب الزنج تصديق ما رمي به، من كونه على رأي «الخوارج»، من قتله النساء، والأطفال، والشيخ الفاني»(3).

____________

(1) الكامل للمبرد ج3 ص355 والخوارج في العصر الأموي ص 154 عنه..

(2) البرصان والعرجان ص 67..

(3) بهج الصباغة ج7 ص 166 عن مروج الذهب..