الصفحة 187

وقد ذكروا: أن «الخوارج» كانوا ينتحلون أنس بن مالك فراجع(1).

أشخاص اتهموا أو عرفوا برأي «الخوارج»:

وعدا الذين تحدثنا عنهم، كمالك، والحسن البصري، وعكرمة، وأبي عبيدة، وأبي وائل، ومرداس بن أدية، وحتى الذي يحاول «الخوارج» نسبه إليهم أيضاً، فقد ذكر أشخاص آخرون في جملة من ينسبون إلى رأي «الخوارج»، نذكر منهم:

المبرد.

ويزيد بن أبي مسلم والمنذر بن الجارود وصالح بن عبد الرحمن، صاحب ديوان العراق وعمرو بن دينار وجابر بن زيد ومجاهد(2) واليمان بن رباب. وكان على رأس البيهسية وعبد الله بن يزيد ومحمد بن حرب ويحيى بن كامل. وهؤلاء كانوا إباضية.

ونسب إلى هذا المذهب أيضاً:

____________

(1) فجر الإسلام ص261.

(2) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص76و77 وراجع: العتب الجميل ص105 ـ 128 والعقود الفضية ص65 وراجع الكامل للمبرد ج3 ص215.


الصفحة 188
أبو هارون العبدي وأبو الشعثاء وإسماعيل بن سميع وهبيرة بن بريم(1) وقد عدّ الجاحظ في جملتهم، بعد أن ذكر أبا عبيدة معمر بن المثنى:

عبيدة بن هلال وعمران بن حطان والمقعطل وحبيب بن خدرة والضحاك بن قيس وشبيل بن عزرة وقطري وخراشة ونصر بن ملحان ومليل وأصفر بن عبد الرحمن وأبو عبيدة كورين وابن صديقة

____________

(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص77.


الصفحة 189
والجون بن كلاب وعتبان بن وصيلة(1) وعد منهم أيضاً الطرماح، كما سيأتي حين الكلام عن تساهل «الخوارج» عبر الزمن..

أما الجوزجاني فذكر منهم:

عبد الله بن الكواء، رأسهم وعبد الله بن راسب وشبث بن ربعي، أول من حلل الحرورية ومالك بن الحارث(2) وأبو بلال مرداس بن أدية وأخوه عروة بن أدية ونافع بن الأزرق ونجدة بن عامر وصعصعة بن صوحان(3) وهناك أيضاً ما يقال عن:

نافع بن ثابت(4)

____________

(1) راجع: البيان والتبيين ـ ج3 ص264 ـ 266 وج1 ص341و343و346.

(2) المراد: مالك بن الحارث السلمي، كوفي عداده في التابعين، من رؤوس الخوارج.

(3) أحوال الرجال ص34و35.

(4) جمهرة نسب قريش للزبير بن بكار ص93.


الصفحة 190
والمسور بن مخرمة، الذي كانت «الخوارج» تغشاه وينتحلونه(1).

وأبي حاتم السجستاني(2)، الذي ذكر أن أبا عبيدة معمر بن المثنى كان يكرمه بناء على أنه من خوارج سجستان، كما تقدم.

توضيح لابد منه:

ومن الواضح: أن عد صعصعة منهم غلط. ولعله لأجل جرأته على الحكام الظالمين أمثال معاوية، فعدوه خارجياً إمعاناً في الإساءة إليه.. وإلا فإن صعصعة كان من أشد المناوئين لهم، وقد كان لخطبه أعظم الأثر فيهم، حتى أصبحت مثلاً.

فقيل: أخطب من صعصعة بن صوحان إذا تكلمت «الخوارج».

أضواء على ما تقدم:

ومن الواضح: أن العدد الأكبر من الذين ذكروا سابقاً هم من زعماء «الخوارج» أنفسهم. وقد اشتهروا بذلك، وليس لهم أي تميز في علم بعينه، بل هم كسائر الناس العاديين.

ورغم قلة عدد الأعلام والعلماء الذين ينسبون إلى هذه النحلة، فإن في صحة نسبة هذه النحلة إلى الكثيرين منهم نقاشاً. بل إن بعضهم كان من أشد الناس عليهم، كصعصعة بن صوحان وغيره حسبما ألمحنا إليه فيما تقدم..

وأيضاً رغم: أن بعضهم قد رجع عن القول بمقالتهم، وأن بعضهم الآخر قد عد منهم، لمجرد خروجه على الحكام، ثم رغم شيوع وذيوع التأكيدات الكثيرة التي تدل على فشو الجهل، وسيطرة ظاهرة البداوة عليهم.

____________

(1) سير أعلام النبلاء ج3 ص391.

(2) سير أعلام النبلاء ج9 ص147 وعن انباه الرواة ج3 ص281.


الصفحة 191
نعم.. رغم ذلك كله فإن البعض يحرص إظهار فئة «الخوارج» على أنهم هم الطليعة المثقفة في العالم الإسلامي الكبير. وهذا ما يثلج صدر «الخوارج» أنفسهم إن لم يكن ذلك يحصل بسعي مباشر منهم.

وقد سمعنا من قبل مقولتهم عن إخوانهم الحرورية: إنهم «خيار المسلمين، وفقهاءهم»(1).

وقال أبو علي الإيذجي، بعد أن ذكر أن أبا خليفة الفضل بن الحباب بن محمد الجمحي كان يرى رأي «الخوارج»: «أكثر رواة علم العرب ـ فيما بلغني عنهم ـ إما خوارج، أو شعوبية، كأبي حاتم السجستاني، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، وفلان، وفلان، وعد جماعة»(2).

بل ادعى البعض: «أن المصنفات الأولى للخوارج قد أبيدت وأحرقت على أيدي أعدائهم من السنة والشيعة على السواء»(3).

ونقول:

أما بالنسبة لدعوى أن مؤلفات «الخوارج» قد أبيدت فهي بلا شاهد ولا دليل، فلا يلتفت إليها.

وأما بالنسبة لرواة علم العرب فقد أشرنا آنفاً إلى أن الرواة الذين ينسبون إلى مذهب «الخوارج» هم قلة قليلة جداً، بالقياس إلى غيرهم.

وأما بالنسبة للشعوبية، فلاريب في أن معظم علماء الأمة في بعض الفترات قد كانوا من الموالي.

____________

(1) العقود الفضية ص67.

(2) نشوار المحاضرة ج3 ص291.

(3) قضايا في التاريخ الإسلامي ص66.


الصفحة 192
وكانوا يقولون لمن يساوي بين العرب، وبين غيرهم: إنه شعوبي وقد أوضحنا ذلك في كتابنا: سلمان الفارسي في مواجهة التحدي، فراجع.

ومن الواضح: أن العرب الذين نقلوا كلام، وشعر، وخطب، وأجوبة الناس، هم من الذين يقولون بالمساواة بين العرب، وغيرهم أو من «الخوارج»؛ لأنهم كانوا يختلطون بالأعراب، وبأهل البادية أكثر من غيرهم، لأنهم مثلهم في أعرابيتهم، فمن الطبيعي أن يتولوا هم نقل خطب وشعر، وكلام واجوبة العرب.

مبررات أخرى للشك في نسبة الخارجية إلى البعض:

أضف إلى ذلك: أننا نشك في صحة نسبة هذه النحلة إلى بعض من تقدمت أسماؤهم؛ وذلك استناداً إلى ما تقدم آنفاً، بالإضافة إلى ما ذكرناه عن عمر بن عبد العزيز، والأشعار التي قالها بشر بن المعتمر، وكذا ما قاله الحسن البصري، وعلي بن عبد الله بن العباس، وسيد الوصيين علي أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه)، وكذلك ما ذكرناه عن صعصعة وغيره.. وغير ذلك مما لا نرى ضرورة لإعادته.. فإن كل ذلك صريح في أنهم لم يستضيئوا بنور العلم، وإنما كانوا أعراباً جفاة، يعشعش فيهم الجهل، ويعصف فيهم الغباء..

إلا أن ذلك لا يعني أن لا يشذ منهم أفراد يأخذون بأسباب المعرفة، وتصير لهم بعض الشهرة.. فإن الظروف قد تساعد هذا الفرد أو ذاك على ذلك، وإن كان عامة الناس ممن هم على مثل نحلته، وطريقته، يعيشون في حالة متناقضة، وفي ظروف مختلفة، وذلك ليس بعزيز..

____________


الصفحة 193
ونحتمل قريباً جداً: أن يكون السبب في نسبة هذه النحلة إلى بعض الأعلام، قد نشأت عن المواقف السلبية لبعض هؤلاء من الهيئة الحاكمة، أو خضوعهم وتقيتهم من «الخوارج»، حين ظهور أمرهم، وقوة شوكتهم، فإن ذلك قد ساعد على نسبة هذه النحلة إليهم، بهدف التنفير منهم، وتشويه سمعتهم.

كما أنه قد يكون السبب في نسبة ذلك إلى عدد منهم هو ما ظهر منهم من الانحراف الشديد عن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)، والتحامل عليه، وصدور بعض التصريحات الجارحة تجاهه (صلوات الله وسلامه عليه).

وأخيراً.. فقد يقال: إن ذكر المبرد لأخبار «الخوارج» بصورة لافتة في كتابه، قد دعا البعض إلى اتهامه بنحلة «الخوارج».. ولعلل هناك من يشارك المبرد في هذه الخصوصية، التي دعت إلى توجيه هذا الاتهام..


الصفحة 194

الصفحة 195


الفصل الثالث
عقائد.. وأقاويل





الصفحة 196

الصفحة 197

عقائد «الخوارج»:

إن بداية ظهور «الخوارج» كانت ترجع إلى دوافع دنيوية، هي حب الراحة من عناء الحرب، والسلامة من أخطارها، ثم تلفعت بشبهة أنتجها الجهل، وحملهم على الإمعان في التحدي، وفرض المواقف والآراء المتباينة طيش ورعونة، وقلة تبصر وغرور، وافتقاد للروادع الدينية والوجدانية. وزين لهم الشيطان أنهم ظاهرون..

فلم تكن للخوارج في تلك المرحلة آراء، وعقائد تميزهم عن سائر الناس سوى تلك الشبهة التي أوقعهم الهوى، وحب الدينا والشيطان في حبائلها..

ثم إن أهواءهم المختلفة، وجهلهم الفاضح، واندفاعاتهم الرعناء قد أسهمت في ارتجال أوهام مختلفة، كانت تهدف إلى تبرير جرائم أو نزوات دعاهم إليها الهوى، وسهل لهم الوقوع فيها ذلك الجهل، حيث غابت عن ساحة الممارسة كل الروادع الإيمانية والوجدانية..

وكانت حصيلة ذلك كله مجموعة من السقطات المخجلة والمشينة، سميت باسم عقائد ومقولات، واعتبرت أساساً لمواقفهم وممارساتهم، وحركتهم السياسية، والعسكرية والدينية.. مع أنها لم تكن

الصفحة 198
سوى جهالات انتجتها الأهواء، ودعا إليها الجهل والغباء حسبما أشرنا إليه..

ونذكر في هذا الفصل بعضاً من ذلك، فنقول..

عقائد «الخوارج» لمحات وسمات:

ومهما يكن من أمر: فإننا إذا استثنينا الإباضية، الذين فرضت ظروفهم تحديد معالم عقيدتهم، فإننا نلاحظ على «الخوارج»: أنهم «لم تكن لهم كذلك مجموعة منسقة من المبادئ، وتظهر لنا مبادئهم وكأنها آراء خاصة»(1).

و«كانت تتعدل وتتطور وفق مقتضيات الحال، حتى وجدنا «الخوارج» في أواخر العصر الأموي يأخذون بمبدأ التقية. ويعمدون إلى الدعوة السرية المنظمة، كأسلوب يناوؤون به الحكومة الأموية»(2).

«الخوارج» وأهل السنة:

وقد يتعجب البعض من قول بعض المستشرقين إن طالب الحق الذي خرج في أواخر الدولة الأموية: «أكد أنه لا اختلاف بين مذهب «الخوارج» ومذهب أهل السنة والجماعة في الجوهر»(3).

ولا ندري ما الذي دعاه إلى قول ذلك، ونحن نرى الفرق بين هذين الفريقين كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار، ولا أقل من أن أهل السنة يترضون على علي وعثمان، ومعاوية وطلحة والزبير، وعائشة

____________

(1) دائرة المعارف الإسلامية ج8 ص474.

(2) قضايا في التاريخ الإسلامي ص90.

(3) الخوارج والشيعة ص107.


الصفحة 199
وعمرو بن العاص، وغيرهم، و«الخوارج» يكفرون هؤلاء جميعاً، أو على الأقل لا يرضون عنهم. بالإضافة إلى فروق كثيرة أخرى ستتضح إن شاء الله في هذا الفصل.

«الخوارج» والسبأية:

ولعل أغرب ما سمعناه وقرأناه هو ما زعمه البعض، من أن هناك علاقة عقائدية وتاريخية ـ على الأقل ـ بين قادة «الخوارج»، وفرقة السبئية وذلك لمعارضة أولئك القادة لعثمان نفسه، واشتراكهم جميعاً في المسؤولية عن قتله(1).

وقد رد صابر طعيمة على هذا بأن «الخوارج» كانوا ينعتون الشيعة بالسبئية كما اعترف به هو نفسه(2).

ثم ذكر صابر طعيمة: أنهم كانوا نبتة إسلامية، وأن ربطهم بابن سبأ يهدف إلى أن يحكم التاريخ عليهم بأنهم بذرة فاسدة، بذرها اليهودي ابن سبأ(3).

ونريد أن نذكّر القارئ هنا: بأن هذا الزاعم المتحذلق لم يوضح لنا ما هي المواضع العقائدية والتاريخية التي التقى فيها السبئية مع «الخوارج»، وهل ظهر «الخوارج» في عهد عثمان؟ أم في عهد علي (عليه السلام)؟!

ومن هم القادة من هؤلاء وهؤلاء الذين يتحدث عنهم هذا المؤلف؟!

____________

(1) الإباضية ص32 عن: الخوارج والشيعة ص38.

(2) الإباضية ص32 عن الخوارج والشيعة ص38.

(3) الإباضية ص32.


الصفحة 200
وهل يدخل فيهم عائشة وطلحة والزبير، وغيرهم ممن ألّب الناس على عثمان، وشارك في قتله؟!

وكيف يمكنه أن يثبت وجود طائفة باسم السبئية في عهد عثمان.

وهل مشاركتهم في المسؤولية عن قتل عثمان تجعل بين الفريقين ـ لو سلم وجودهما ـ علاقة عقائدية وتاريخية؟!

أليس قد شارك عامة الصحابة، وغيرهم من الذين جاؤوا من العراق ومن سائر البلاد في قتل عثمان، فهل يصح القول بأن بين هؤلاء جميعاً وبين «الخوارج» علاقة عقائدية؟!

«الخوارج» كفار مشركون:

ولا حاجة إلى إقامة الأدلة على كفر فرقة «الخوارج»، بعد ان وصفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية.

وعن مصعب بن سعد قال: سئل أبي عن «الخوارج» قال: هم قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم.

وعن أبي مسروق، قال: سألني أبو عبد الله عن أهل البصرة ما هم؟!

فقلت: مرجئة، وقدرية، وحرورية.

فقال: لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة، التي لا تعبد الله على شيء(1).

الرواية المزيفة:

وإن موقف أهل البيت (عليهم السلام) من «الخوارج»، الذي عبرت

____________

(1) الكافي ج1 ص301.


الصفحة 201
عنه رواية أبي مسروق الآنفة الذكر.. هو كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار، وهذا الموقف يفرضه التصديق والانقياد لإخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمروقهم من الدين.

فلا مجال للإصغاء لما يرويه «الخوارج» أنفسهم، وآخرون ممن تابعوهم على ذلك، من ان أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إنهم ليسوا كفاراً ولا مشركين، بل هم إخواننا بغوا علينا وقد تقدم الحديث عن ذلك في فصل: تزوير «الخوارج» للحقائق..

ولنبدأ بذكر نبذة يسيرة من عقائد هذه الفئة، وسنرى كم هي بعيدة عن الصواب، وكم هي مجانبة لمقتضيات الفطرة والوجدان، وغريبة عن هدى القرآن، وما ثبت عن رسول الإسلام (صلوات الله وسلامه عليه) وعلى آله الطيبين الطاهرين..

فنقول:

القلقشندي، وعقائد «الخوارج»:

وقد سجل لنا القلقشندي بطريقة مميزة بعض ما يذهبون إليه في عقائدهم فروى لنا أنهم يقولون: «.. وإلا أجزت التحكيم.

وصوبت قول الفريقين في صفين.

وأطعت بالرضى مني حكم أهل الجور.

وقلت: في إمارة بني أمية عدل. وأن قضاءهم حق.

وأن عمرو بن العاص أصاب، وأن أبا موسى ما أخطأ.

واستبحت الأموال والفروج بغير حق.


الصفحة 202
واجترحت الكبائر والصغائر، ولقيت الله مثقلاً بالأوزار.

وقلت: إن فعلة عبد الرحمن بن ملجم كفر، وإن قاتل خارجة آثم.

وبرئت من فعلة قطام.

وخلعت طاعة الرؤوس.

وأنكرت أن تكون الخلافة إلا في قريش وإلا..

فلا رويت سيفي من دماء المخطئين»(1).

الله تعالى وصفاته لدى «الخوارج»:

وقد قال بعض الإباضية: من قال بلسانه: إن الله واحد، وعنى به المسيح، فهو صادق في قوله، مشرك بقلبه(2).

والخلفية من «الخوارج» قد خالفوا أهل السنة، فهم لا يرون: أن الخير والشر من الله تعالى(3).

والميمونية لا يرون أن الشر من الله تعالى(4).

والإباضية أباحوا قتل المشبهة، وسبي نسائهم وذراريهم، واتباع مدبرهم(5).

____________

(1) صبح الأعشى ج3 ص225.

(2) الإباضية ص75 عن مقالات الإسلاميين ج2 ـ ص107.

(3) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص59.

(4) المصدر السابق ص58.

(5) الإباضية ص82.


الصفحة 203
ويعتقد النفائية: ان الله هو الدهر(1).

النبوة والنبي:

عن عبد الله بن مسلم المروزي قال: كنت أجالس ابن سيرين، فتركته، وجالست الإباضية فرأيت كأني مع قوم يحملون جنازة النبي (صلى الله عليه وآله)، فأتيت ابن سيرين، فذكرته له، فقال:

مالك جالست أقواماً يريدون أن يدفنوا ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله)؟!(2) وبالنسبة للنبوة، فقد قال يزيد بن أبي أنيسة: «إن الله تعالى سيبعث رسولاً من العجم، وينزل عليه كتاباً قد كتب في السماء، وينزل عليه جملة واحدة، ويترك شريعة المصطفى، ويكون على ملّة الصابئة المذكورة في القرآن».

وفي نص آخر: «وليس هم الصابئة المذكورون في القرآن، ولم يأتوا بعد»(3).

وجوز الأزارقة: «أن يبعث الله نبياً يعلم أنه يكفر بعد نبوته، أو كان كافراً قبل بعثته»(4).

____________

(1) الإباضية عقيدة ومذهباً ص58.

(2) سير أعلام النبلاء ج4 ـ هامش ص617 عن ابن عساكر ج15 ص227.

(3) دائرة المعارف الإسلامية، ج8 ص475 والإباضية ص86و72 عن الملل والنحل، ج1 ص36 و122 وراجع: نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي، ص172 والخوارج عقيدة وفكراً وفلسفة، ص135و94 وتبصرة العوام، ص41 والأنوار النعمانية، ج2، ص247 وعن مقالات الإسلاميين ج1 ص171.

(4) الملل والنحل، ج1 ص121/122 والخوارج في العصر الأموي، ص225 عنه والأنوار النعمانية، ج2 ص247 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي، ج7 ص9.


الصفحة 204
وهو قول ابن فورك من الأشعرية، لكنه زعم أن هذا الجائز لم يقع(1).

وقال بعض الإباضية: قد يجوز أن يبعث الله نبياً بلا دليل(2).

ومن فرق الإباضية فرقة الحسينية، قالوا: يسع جهل معرفة محمد (صلى الله عليه وآله)، وليس على الناس إلا معرفة المعبّر عنه(3).

وزعم يزيد بن أبي أنيسة: «أنه يتولى من شهد بالنبوة لمحمد من أهل الكتاب، وإن لم يدخلوا في دينه، ولم يعملوا بشريعته، وزعم أنهم بذلك مؤمنون»(4).

إنكار شفاعة الرسول (صلى الله عليه وآله):

وكانوا ينكرون شفاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة(5).

ولعل الوهابيين قد تأثروا بهم في ما ذهبوا إليه، وكذلك بعض المتاخرين الذين ينسبون أنفسهم إلى الشيعة، وقد ظهر أنهم ليسوا منهم..

«الخوارج» والتبرك بآثار الأنبياء (عليهم السلام):

وتشير بعض النصوص إلى أن «الخوارج» ينكرون التبرك بآثار الأنبياء والصالحين، تماماً كما هو مذهب الوهابية وابن تيمية، فبئس الخلف لبئس

____________

(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج7 ص9.

(2) الإباضية ص75 عن مقالات الإسلاميين ج2 ص107.

(3) الإباضية ص62.

(4) الإباضية عقيدة ومذهباً ص104 عن مقالات الإسلاميين ج1 ص171 والخوارج عقيدية وفكراً وفلسفة ص95 عنه ايضاً.

(5) الخوارج في العصر الأموي ص205 عن الإيمان لابن تيمية ص142و143 ـ ط سنة 1325ه القاهرة.


الصفحة 205
السلف: «إنك إن تذرهم يضلوا عبادك، ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً»(1).

وبعد أن ذكر الذهبي تبرك أحمد بن حنبل الذي ينتسب إليه الوهابية، بشعرة من شعر النبي (صلى الله عليه وآله)، يقبلها، ويستشفي بها، وبقصعة النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان يشرب من ماء زمزم يستشفي به، بعد أن ذكر الذهبي ذلك، قال: أين المتنطع المنكر على أحمد، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي (صلى الله عليه وآله)، ويمس الحجرة النبوية. فقال: «لا أرى بذلك بأساً، أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج والبدع..»(2).

السياسة الحجاجية الأموية:

والمنع من التبرك بآثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) سياسة أموية حجاجية، أظهرها الحجاج بصورة فجّة، ووقحة، وتبعه الآخرون على ذلك، فإنه هو الذي رمى الكعبة ـ أعزها الله ـ بالمنجنيق.

بل لقد روي أنه: «رماها بالعذرة لعنه الله وأخزاه»(3).

وكان الحجاج يريد أن يضع رجله على مقام إبراهيم، فمنعه ابن الحنفية وزجره(4).

وكان خالد القسري يسمي زمزم أم الجعلان(5).

وله قضايا صريحة في إهانة الكعبة لا مجال لذكرها، فلتراجع في

____________

(1) سورة نوح، الآية: 27.

(2) سير أعلام النبلاء ج11 ص212.

(3) عقلاء المجانين ص178 والفتوح لابن أعثم ج2 ص486 وذكروا: أنه رماها بالعذرة.

(4) المصنف للصنعاني ج5 ص49 والطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص84 وربيع الأبرار ج1 ص43.

(5) الأغاني ج19 ص60و59 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص82.


الصفحة 206
مظانها(1).

وأنفذ الوليد الأموي رجلاً مجوسياً، ليبني له على الكعبة مشربة للخمر. كما انه في عهد هشام قد ذهب إلى مكة، ومعه خمر، وقبة ديباج على قدر الكعبة، وأراد أن ينصبها عليها، ويجلس فيها، فخوفه أصحابه من ثورة الناس حتى امتنع(2).

وها نحن نجد زعيم الوهابية يقول عن النبي (صلى الله عليه وآله): ما هو إلا طارش(3).

ثم يأتي من ينسب إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ويقول: لمن يسأله عن مسك الحديد لضريح النبي (صلى الله عليه وآله) والاتهام بالشرك «ما الفائدة التي نستفيدها من أن نمسك شباكاً، أو نمسك الحديد»(4).

قال هذا الكلام في كتاب: أجرى عليه بعض تلاميذه بعض الملاحظات بإشرافه.

الإمام والإمامة عند «الخوارج»:

قال النكارية ـ وهم فرقة من الإباضية ـ: «بعدم فرضية الإمام»، وبعدم جواز ولاية المفضول، مع أن أئمة الإباضية كانوا يقولون: إنه تجوز ولاية المفضول مع وجود الأفضل، إذا وجدت في المفضول مزايا ترجحه ليست للأفضل(5).

____________

(1) الأغاني ج19 ص60و59.

(2) بهج الصباغة ج5 ص340 عن الطبري، والأغاني.

(3) كشف الإرتياب ـ ص139 وراجع ص430 عن خلاصة الكلام ص230.

(4) مجلة الموسم: العددان [21و22] سنة 1995م ص299.

(5) الإباضية عقيدة ومذهباً ص67و52و53 عن الإباضية في الجزاء ص56 وعن الإباضية بين الفرق الإسلامية ص262و363.


الصفحة 207
ويتحدث البعض عن توفر المصادر حول الإمامة عند الإباضية، وعدم توفرها لدى «الخوارج» لندرة تدوين بحوثهم في هذا الموضوع، ويقول: «يبدو أن ندرة مصادرهم لازمتهم تاريخياً، ولعل ذلك بسبب عدم استواء المذهب فكرياً، بالرغم من العنف السياسي الذي لازمهم فترة طويلة»(1).

وقال فلهوزن، وهو يتحدث عن «الخوارج»: «ولهذا فمن الصحيح موضوعياً، وإن لم يصح شكلاً أن يؤخذ عليهم أنهم لا يريدون الإقرار بأية إمارة(2). واي فكرة تدعي دعاوى كهذه لابد أن تحطم الجماعات التي أقيمت لأجلها»(3).

وقال السيد نعمة الله الجزائري، عن المحكّمة الذين خرجوا على أمير المؤمنين (عليه السلام): «لم يوجبوا نصب الإمام، بل جوزوا أن لا يكون في العالم إمام»(4).

وقال البعض أيضاً: «وفيما نعتقد ـ والله أعلم ـ أن جمهورهم على عدم القول بوجوب نصب الإمام، اكتفاءً بمقولتهم: «لا حكم إلا لله»، وعدم الوجوب على الإطلاق، لا على الله، ولا على الناس»(5).

____________

(1) الإباضية عقيدة ومذهباً ص132. وأشار في الهامش إلى المصادر التالية: البدء والتاريخ ج5 ص136 وتطهير الجنان للهيثمي ص44 وتلبيس إبليس ص99.

(2) أشار في الهامش إلى الكامل ص555 سطر 18.

(3) الخوارج والشيعة ص44.

(4) الأنوار النعمانية ج2 ص245.

(5) الإباضية ص133و134.


الصفحة 208
وقال المعتزلي: «إن الخوارج كانوا في بدء أمرهم يقولون ذلك، ويذهبون إلى أنه لا حاجة إلى الإمام، ثم رجعوا عن ذلك القول لما أمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي»(1).

وقال غيره: «.. وحتى عصر شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) لم يكن للخوارج في هذا الموضوع مدونات يمكن الاطلاع عليها، تحدد جوهر معتقدهم السياسي والديني في موضوع الإمامة. ولذا يقول (رحمه الله): وأقوال «الخوارج» إنما عرفناها من نقل الناس عنهم، لم نقف لهم على كتاب مصنف، كما وقفنا على كتب المعتزلة والرافضة»(2).

ومن مبادئ النجدات: «أنهم يرون أن إمامة الإمام ليست واجباً وجوباً شرعياً، بل هي واجب وجوباً مصلحياً. أي أنهم يرون أنه إذا أمكن للمسلمين أن يتواصلوا بينهم بالحق، وينفذوه، فهم في هذه الحالة ليسوا في حاجة إلى إقامة إمام، ماداموا قد تناصفوا فيما بينهم، فإذا أقاموه جاز»(3).

وبتعبير آخر: «قالت النجدية من الخوارج: الأمة غير محتاجة إلى إمام ولا غيره، وإنما علينا وعلى الناس، أن نقيم كتاب الله عز وجل فيما بيننا»(4).

____________

(1) فجر الإسلام ص260 عن شرح النهج للمعتزلي ج2 ص209.

(2) الخوارج عقيدة ومذهباً ص133 وأشار إلى مجموعة الرسائل الكبرى ج1 ص37.

(3) الخوارج عقيدة وفكراً وفلسفة ص76و77.

(4) فرق الشيعة ص29 والأنوار النعمانية ج2 ص247 والخوارج عقيدةً وفكراً وفلسفة ص127 ومقالات الإسلاميين ج2 ص33 ونقل أيضاً عن الملل والنحل ج1 ص167و168 وراجع: الإباضية ص133و134 عن المواقف ج8 ص393.


الصفحة 209
وقال الربيع بن حبيب الإباضي: «.. يجوز تولية رجل من المسلمين، إذا كان فيهم من هو أفقه منه»(1).

والربيع هذا هو فقيه الإباضية، وصاحب الجامع الصحيح، المسند الإباضي المشهور.

وفي المواقف: «قالت الخوارج: لا يجب نصب الإمام أصلاً»(2).

واستدلوا على عدم وجوب نصب الإمام بأن نصبه يثير الفتنة، لأن الأهواء مختلفة، فيدعي كل قوم إمامة شخص، فيقع التشاجر والتناحر، والتجربة شاهدة بذلك(3).

ومن الواضح: أن دليلهم هذا لو صح، فإنما يصح لو كان نصب الإمام يعود إلى الناس الذين يختلفون في أهوائهم، وفي آرائهم، وانتماءاتهم، أما إذا كان الله هو الذي يختار لعباده، فليس لأحد من الناس أن يعترض، أو أن يرشح، أو أن ينصب، أو أن يختار، أو أن يوالي غير من نصبه الله سبحانه.

«الخوارج» والمهدية:

إنه وإن لم تصرح كثير من الفرق الخارجية بشيء حول اعتقادهم بالمهدية أو عدمه، إلا أن بعضها الآخر قد صرح بأنه يذهب إلى هذا الاعتقاد بلا ريب.

وقال الفرد بل: «إن حركة الخوارج لم تنطفئ بغزو الشيعة في مستهل القرن الثالث الهجري [التاسع الميلادي]، بل استردت

____________

(1) الإباضية عقيدة ومذهباً وفلسفة ص51.

(2) الإباضية ص133 عن المواقف وعن الصواعق المحرقة ص8 وعن الملل والنحل ج1 ص116.

(3) الإباضية ص134 عن المواقف ج8 ص348 وعن الصواعق المحرقة ص8.