الصفحة 34
ودخلت البيت فأسقطت سقطاً سماه علي "محسناً"...(1)

6 ـ الاحتجاج للعلامة الطبرسي:

في رواية طويلة إلى أن قال فيها..

فانطلق ـ أي قنفذ ـ فاستأذن فأبي علي (عليه السلام) أن يأذن له، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا: لم يأذن لنا. فقال عمر: هو أن اذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير اذنه.

فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة (عليها السلام): احرّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذن، فرجعوا وثبت قنفذ فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا فحرجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها، فغضب عمر وقال: مالنا وللنساء. ثم أمر أُناساً حوله فحملوا حطباً وحمل معنم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما عليهما السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً (عليه السلام): والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله أو لأضرمن عليك بيتك ناراً، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر وهو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته. ثم قال لقنفذ إن خرج وإلا فاقتحم عليه، فان امتنع فاضرم عليهم بيتهم ناراً...(2)

7 ـ الاختصاص للشيخ المفيد:

ابو محمد، عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن جده قال: ما أتى على علي (عليه السلام)يومٌ قط أعظم من يومين أتياه، فأما أول يوم فاليوم الذي قبض فيه

____________

1- البحار 28: 268.

2- الاحتجاج، للطبرسي 1: 82 مؤسسة الأعلمي بيروت 1989 م.


الصفحة 35
رسول الله (صلى الله عليه وآله)وأما اليوم الثاني فوالله إني لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه إذ قال له عمر: يا هذا لم تصنع شيئاً مالم يبايعك علي فابعث إليه حتى يأتيك فيبايعك، قال: فبعث قنفذاً، فقال له: أجب خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال علي (عليه السلام): لأسرع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما خلّف رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحداً غيري، فرجع قنفذ وأخبر أبا بكر بمقالة علي (عليه السلام) فقال أبو بكر: انطلق اليه فقل له: يدعوك أبو بكر ويقول: تعال حتى تبايع فانما أنت رجل من المسلمين، فقال علي (عليه السلام) أمرني رسول الله من أن لا أخرج بعده من بيتي حتى أؤلّف الكتاب فانه في جرائد النخل وأكتاف الابل فأتاه قنفذ وأخبره بمقالة علي (عليه السلام) فقال عمر: قم إلى الرجل فقام أبو بكر وعمر وعثمان وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبو عبيده بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وقمت معهم، وظنت فاطمة (عليها السلام) أنه لا تدخل بيتها إلاّ باذنها فأجافت الباب وأغلقته، فلما انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره ـ وكان من سعف ـ فدخلوا على علي (عليه السلام) وأخرجوه ملبباً...(1)

8 ـ كتاب الجمل للشيخ المفيد:

ولما اجتمع من اجتمع إلى دار فاطمة (عليها السلام) من بني هاشم وغيرهم للتحيّز عن أبي بكر واظهار الخلاف عليه، أنفذ عمر بن الخطاب قنفذاً وقال له: أخرجهم مِن البيت، فان خرجوا والا فاجمع الاحطاب على بابه وأعلمهم أنهم إن لم يخرجوا للبيعة أضرمتُ البيت عليهم ناراً، ثم قام بنفسه في جماعة منهم المغيرة بن شعبة الثقفي وسالم مولى أبي حذيفة حتى صاروا

____________

1- الاختصاص للشيخ المفيد: 185 دار المفيد بيروت 1414 هـ ـ 1993 م.


الصفحة 36
إلى باب علي (عليه السلام) فنادى: يا فاطمة بنت رسول الله أخرجي من اعتصم ببيتك ليبايع ويدخل فيما دخل فيه المسلمون، والا واللهِ أضرمتُ عليهم ناراً في حديث مشهور.(1)

9 ـ الامالي للشيخ المفيد:

قال: أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي قال: حدثنا أبو الحسين العباس بن المغيرة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن ابن أبي هلال عن مروان بن عثمان قال: لما بايع الناس أبا بكر دخل عليٌ (عليه السلام) والزبير والمقداد بيت فاطمة (عليها السلام) وأبوا أن يخرجوا فقال عمر بن الخطاب: اضرموا عليهم البيت ناراً فخرج الزبير ومعه سيفه فقال أبو بكر: عليكم بالكلب فقصدوا نحوه، فزلّت قدمه وسقط إلى الأرض ووقع السيف من يده، فقال أبو بكر اضربوا به الحجر، فضرب بسيفه الحجر حتى انكسر. وخرج علي ابن أبي طالب (عليه السلام) نحو العالية فلقيه ثابت بن قيس بن شماس، فقال: ما شأنك يا أبا الحسن؟ فقال أرادوا أن يحرقوا عليَّ بيتي وأبو بكر على المنبر يبايع له ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره فقال له ثابت: ولا تفارق كفي يدك حتى أقتل دونك، فانطلقا جميعاً حتى عادا إلى المدينة وإذا فاطمة (عليها السلام) واقفة على بابها، وقد خلت دارها من أحد من القوم وهي تقول: لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازه بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا، وصنعتم بنا ما صنعتم ولم تروا لنا حقاً.(2)

____________

1- الجمل للشيخ المفيد: 117 دار المفيد بيروت ط 2، 1414 هـ ـ 1993 م.

2- الامالي للشيخ المفيد 49 دار المفيد بيروت طبعة ثانية 1414 هـ 1993 م.


الصفحة 37

10 ـ نهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي:

قال زيد بن أسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه البيعة أن يبايعوا، فقال عمر لفاطمة: أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه. قال: وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، فقالت فاطمة: تحرق على ولدي؟ قال: إي والله.(1)

11 ـ علم اليقين في أصول الدين للمولى محسن الكاشاني:

.. ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين، وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين (عليه السلام) فوافوا بابه مغلق، فصاحوا به: اخرج يا علي، فان خليفة رسول الله يدعوك، فلم يفتح لهم الباب، فأتوا بحطب فوضعوه على الباب وجاؤوا بالنار ليضرموه، فصاح عمر: والله لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار..(2)

12 ـ الغدير للعلامة الاميني:

في حديث طويل قال:

وبعث اليهم أبو بكر عمر بن الخطاب وقال لهم إن أبوا فقاتلهم. فأقبل عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخل فيه الأمة... ثم قال: وكشف بيت فاطمة وقد علت عقيرة قائدهم بعد ما دعا بالحطب: والله

____________

1- نهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي: 271.

2- علم اليقين في أصول الدين للمولى محسن الكاشاني 686.


الصفحة 38
لتحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة ـ أو لأحرقنّها على من فيها ـ فيقال للرجل: أنَّ فيها فاطمة، فيقول: وإن..(1)

13 ـ وفاة الصديقة الزهراء (عليها السلام) للمحقق السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم:

.. فرجع الجماعة وثبت قنفذ على الباب ولما سمع عمر من الجماعة ذلك غضب وأمرهم بحمل حطب يضعون على الباب فان خرج أمير المؤمنين إلى البيعة والا احرقوا البيت على من فيه ووقف على الباب وصاح بصوت رفيع يُسمع علياً وفاطمة لتخرجن يا علي إلى البيعة والا أضرمت عليك النار، فصاحت فاطمة مالنا ولك فأبى أن ينصرف أو تفتح له الباب ولما رأى منهم الامتناع أضرم النار في الحطب..(2) قال السيد عبد الرزاق المقرم في تعليقته على هذا الخبر: لا يرتاب من له وقوف على جوامع الحديث والسير في مجيء عمر بالحطب ليحرق بيت فاطمة مُجداً في ذلك أو مهدداً، ثم عد مصادر الهجوم على الدار من الفريقين.

ثانياً: ما رواه أهل السنة من خبر الهجوم على الدار

1 ـ تاريخ الأمم والمملوك لابن جرير الطبري:

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير عن مغيرة، عن زياد بن كليب، قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي، وفيه طلحة والزبير ورجال من

____________

1- الغدير للعلامة الأميني 7: 75.

2- وفاة الصديقة الزهراء (عليها السلام) للسيد عبد الرزاق المقرم: 61 منشورات المطبعة الحيدرية النجف 1370 ـ 1951.


الصفحة 39
المهاجرين، فقال: والله لأحرقنّ عليكم، أو لتخرجُن إلى البيعة فخرج عليه الزبير مُصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه.(1)

2 ـ تاريخ اليعقوبي لأحمد بن أبي يعقوب الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي:

وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والانصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار... ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت: والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى الله..(2)

3 ـ العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي:

قال: الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر، علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة.

فأما علي والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث اليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة، وقال له إن أبوا فقاتلهم. فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة، فقالت:

يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة..(3)

____________

1- تاريخ الامم والملوك لابن جرير الطبري: 3: 198.

2- تاريخ اليعقوبي 2: 11 مؤسسة الاعلمي بيروت.

3- العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي 5: 12.


الصفحة 40

4 ـ الامامة والسياسة لابن قتيبة الدنيوري:

إن أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث اليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجن أو لأحرقنّها على من فيها.

فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة.

فقال: وإن.

فخرجوا فبايعوا إلاّ علياً، فانه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن...(1)

5 ـ الملل والنحل للشهرستاني:

.. وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.(2)

6 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي:

وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثني أبو زيد عمر بن شبّة، قال:

حدثني ابراهيم بن المنذر قال: حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الاسود قال غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة، وغضب علي والزبير فدخلا بيت فاطمة، معهما السلاح فجاء عمر في

____________

1- الإمامة والسياسة لأبن قتيبة الدنيوري 1: 10 مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده مصر ط 3، 1963.

2- الملل والنحل للشهرستاني 1: 57.


الصفحة 41
عصابة فيهم أسيد بن حٌضير وسلمة بن سلامة بن قريش وهما من بني عبد الأشهل فأقتحما الدار فصاحت فاطمة وناشدتهما الله فأخذوا سيفيهما فضربوا بهما الحجر حتى كسروهما فأخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا.

قال أبو بكر بن عبد العزيز [الجوهري]: وحدثني أبو زيد عمر بن شبّة عن رجاله قال: جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الانصار ونفر قليل من المهاجرين فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت عليكم. فخرج اليه الزبير مصلتاً بالسيف، فاعتنقه زياد بن لبيد الانصاري ورجل آخر فندر السيف من يده فضرب به عمر الحجر فكسره، ثم أخرجهم بتلابييهم يساقون سوقاً عنيفاً حتى بايعوا أبا بكر.

قال ابو بكر: وأخبرني أبو بكر الباهلي عن اسماعيل بن مجالد عن الشعبي قال: قال أبو بكر: يا عمر أين خالد بن الوليد؟ قال: هو هذا، قال انطلقا اليهما ـ يعني علياً والزبير ـ فأتياني بهما، فانطلقا، فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: اعددته لأبايع علياً، قال: وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره، ثم أخذ بيد الزبير، فأقامه ثم دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد دونك هذا، فأمسكه خالد، وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر ردءاً لهما، ثم دخل عمر فقال لعلي قم فبايع فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال: قم، فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير ثم أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفاً، واجتمع الناس ينظرون وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت وولوت

الصفحة 42
واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهنَ، فخرجت إلى باب حجرتها، ونادت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله.

قال أبو بكر [يعني الجوهري] وحدثني المؤمل بن جعفر قال: حدثني محمد بن ميمون قال: حدثني داود بن المبارك قال: أتينا عبد الله بن موسى بن عبدالله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ونحن راجعون من الحج في جماعة فسألناهُ عن مسائل وكنت أحدَ من سأله، فسألته عن أبي بكر وعمر فقال: أجيبك بما أجاب جدي عبدالله بن الحسن فانه سُئل عنهما، فقال: كانت أمنا صديقة، ابنة نبي مرسل، وماتت وهي غضبى على قوم، فنحن غضاب لغضبها.

قلت: قد أخذ هذا المعنى بعض شعراء الطالبيين من أهل الحجاز، أنشدنيه النقيب جلال الدين عبد الحميد بن محمد بن عبد الحميد العلوي قال: أنشدني هذا الشاعر لنفسه ـ وذهب عني أنا اسمه ـ قال:

يا أبا حفص الهويني وماكنت مليَّا بذاك لولا الحمامُ
أتموت البتول غضبى ونرضىما كذا يصنع البنون الكرامُ

يخاطب عمر ويقول له: مهلا ورويدا يا عمر أي ارفق وائئدِ ولا تعنفُ بنا، وما كنت مليّاً أي وما كنت أهلا لأن تخاطب بهذا وتستعطف ولا كنت قادراً على ولوج دار فاطمة على ذلك الوجه الذي ولجتها عليه، لولا أن أباها الذي كان بيتها يحترم ويصان لأجله، مات فطمع فيها من لم يكن يطمع. ثم قال: أتموت أمنا وهي غضبى ونرضى نحن، إذاً لسنا بكرام، فان

الصفحة 43
الولد الكريم يرضى لرضا أبيه وأمه ويغضب لغضبهما.

والصحيح عندي [والكلام لابن أبي الحديد] انها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وأنها أوصت ألا يصلِّيا عليها، [قال] وذلك عند أصحابنا من الأمور المغفورة لهما، وكان الاولى بهما اكرامها واحترام منزلتها لكنهما خافا الفرقة وأشفقا من الفتنة، ففعلا ما هو الاصلح بحسب ظنهما، وكانا من الدين وقوة اليقين بمكان مكين.. ثم قال فان هذا لو ثبت أنه خطأ لم يكن كبيرة، بل كان من باب الصغائر التي لا تقتضي التبرؤ، ولا توجب زوال التولي.(1) والحق ان المسلك الذي سلكه ابن أبي الحديد المعتزلي في كلامه أخيراً، هو من مبتنيات "المدارس الاعتذارية" التي ابتليت بها المشاريع التاريخية، وإن التبريرات المرتجلة التي تطلقها هذه المدارس كلّفت أمة أجيال اسلامية متحفزة لمعرفة ذاتها، حيث تعاملت معها هذه المدارس الاعتذارية ـ وللأسف ـ بسذاجة واضحة وسطحية مقيتة زعزعت الثقة بين القارىء وبين هذه المشاريع واضطر البعض للجوء إلى المدارس الاستشراقية المسمومة آملا أن يبحث عن حقيقة ذاته المضيّعة بين متاهات هذه التوجهات العابثة دون جدوى.. والا ما الذي يدعو ابن ابي الحديد المعتزلي وأمثاله في أن يبرروا حالات الفوضى التي أحدثتها سقيفة بني ساعدة وقفزت على مبتينات اسلامية ثابتة حددها النبي (صلى الله عليه وآله) وفرضتها مقتضيات الخلافة والامامة، بأنها حالات بريئة تظهر حرص التشكيلات الانقلابية

____________

1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 47 ـ 50 دار احياء الكتب العربية القاهرة ط 2 1385 هـ ـ 1965 م.


الصفحة 44
العسكرية المداهمة لبيت آمِن من بيوت المسلمين فضلا عن بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومهبط الوحي والرسالة، تبررها بأنها عمليات طبيعية كانت دوافعها، "خوف الفرقة والاشفاق من الفتنة".

إن المدارس التي تعتذر عن السطو المسلح على حقوق المسلمين ليست جديرة بتأريخ قضايا الأمة المصيرية، وحقيق على الأمة رفضها والتعامل معها على أساس الاساءة لحقوقها وعدم احترام مشاعرها ومسلماتها.

7 ـ تاريخ أبي الفداء لاسماعيل أبو الفداء:

خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمر وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأُبي ابن كعب، ومالوا مع علي بن أبي طالب، وقال في ذلك عتبة بن أبي لهب:

وما كنت أحسب أنَّ الأمر منصرفعن هاشم ثم منهم عن أبي حسن
عن أوَّل الناس ايماناً وسابقةوأعلم الناس بالقرآن والسنن
وآخر الناس عهداً بالنبي ومنجبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا يمترون بهوليس في القوم ما فيه من الحسن

وكذلك تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان من بني أمية، ثم إن أبا بكر

الصفحة 45
بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي الله عنها، وقال: إن أبوا عليك فقاتلهم، فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة رضي الله عنها وقالت: إلى أين يا ابن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا قال: نعم.(1)

8 ـ إثبات الوصية للمسعودي:

فأقام أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن معه من شيعته في منزله بما عهد اليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوجَّهوا إلى منزله، فهجموا عليه، وأحرقوا بابه واستخرجوه منه كرهاً، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً، وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال لا أفعل، فقالوا: نقتلك، فقال: إن تقتلوني فاني عبدالله وأخو رسوله..(2)

9 ـ أعلام النساء لعمر رضا كحالة:

وتفقّد أبو بكر قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي بن أبي طالب كالعباس والزبير وسعد بن عبادة، فقعدوا في بيت فاطمة، فبعث أبو بكر اليهم عمر بن الخطاب، فجاءهم عمر فناداهم في دار فاطمة، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة، فقال: وإنْ..(3)

____________

1- تاريخ أبو الفداء 1: 164.

2- إثبات الوصية: 123.

3- اعلام النساء عمر رضا كحالة 4: 115 مؤسسة الرسالة بيروت طبعة خامسة 1404 هـ ـ 1984 م.


الصفحة 46

10 ـ الامام علي بن أبي طالب، لعبد الفتاح عبد المقصود:

... أقبل الرجل، محنقاً مندلع الثورة، على دار علي وقد ظاهره معاونوه ومن جاء بهم فاقتحموها، أو أوشكوا على اقتحام.

فاذا وجه كوجه رسول الله يبدو بالباب حائلا من حزن على قسماته خطوط آلام، وفي عينيه لمعات دمع، وفوق جبينه عبسة غضب فائر، وحنق ثائر... وتوقف عمر من خشية، وراحت دفعته شعاعاً وتوقف خلفه أمام الباب صحبه الذين جاء بهم، إذ رأوا حيالهم صورة الرسول تطالعهم من خلال وجه حبيبته الزهراء وغضّوا الابصار من خزي أو من استحياء...

ثم ولّت عنهم عزمات القلوب، وهم يشهدون فاطمة تتحرك كالخيال وئيداً وئيداً، بخطوات المحزونة الثكلى، فتقترب من ناحية قبر أبيها.. تهتف بمحمد الثاوي بقربها تناديه باكية مرير البكاء:

يا أبت رسول الله يا أبت رسول الله...

فكأنما زلزلت الارض تحت هذا الجمع الباغي من رهبة النداء.

وراحت الزهراء وهي تستقبل المثوى الطاهر تستنجد بهذا الغائب الحاضر: يا أبت رسول الله ماذا لقينا بعد من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة(1).

____________

1- الإمام علي بن أبي طالب 1: 190.


الصفحة 47

أخبار إسقاط المحسن (عليه السلام)

أولا: بعض ما ورد عن طريق الأمامية:

1 ـ الارشاد للشيخ المفيد:

وفي الشيعة من يذكر أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي (صلى الله عليه وآله)ولداً ذكراً كان سماه رسول الله (عليه السلام) ـ وهو حمل ـ مُحسنِّاً فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) ثمانية وعشرون، والله أعلم(1).

ومن الواضح أن كلام الشيخ المفيد يعني أن بعض الشيعة ذكره وإن كان سقطاً، وبعضهم لم يذكره لكونه سقطاً، ولم يعدده في مقام تعداد أولاد علي (عليه السلام)، كما في زماننا وفي كل الأزمنة أنهم لا يذكرون الاسقاط عند بيان أولادهم إلاّ استدراكاً، ولا يظهر منه الخلاف في ذلك ولم ينقل أي شك في ذلك، وكيف واجماع الطائفة المحقة عليه.

ويؤيد ذلك قول أبي الحسن الاربلي في كشف الغمة(2) عند ذكر عبارة

____________

1- 2- كشف الغمة في معرفة الأئمة (عليهم السلام) لأبي الحسن بن عيسى الأربلي 1: 441 المطبعه العلمية قم 1381 هـ

الصفحة 48
كمال الدين بن طلحه في مقام ذكر أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام): فمنهم من أكثر فعد منهم السقط ولم يسقط ذكر نسبه، ومنهم من أسقطه ولم يره أن يحتسب في العدة به.

وعلى هذا فان كلام الشيخ المفيد واضح في عدم انكار وجود السقط، بل الظاهر منه اثباته لعدم نفيه أو تردده فيه، كيف وقد روى حادثة اسقاط المحسن في كتابه الاختصاص كما سيأتي.

2 ـ الاختصاص للشيخ المفيد:

في حديث الصادق (عليه السلام) عن فدك.. بعد كلام طويل قال...: فقال عليٌ (عليه السلام)لها: أنت أبا بكر وحده فانه أرق من الأخر وقولي له: ادعيت مجلس أبي وأنك خليفته وجلست مجلسه ولو كانت فدك ثم استوهبتها منك لوجب ردُها عليَّ فلما أتته وقالت له ذلك، قال: صدقت، قال: فدعا بكتاب فكتبه لها برد فدك، فقال: فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر فقال: هلميه إليَّ، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ثم لطمها فكأني انظر إلى قرط في أذنها حين نقفت ثم أخذ الكتاب فخرقه فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة مما ضربها عمر، ثم قبضت...(1)

3 ـ دلائل الامامة للطبري:

عن محمد بن عمار بن ياسر قال سمعت أبي يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)يقول لعلي يوم زوجه فاطمة: يا علي ارفع رأسك إلى السماء فانظر ماذا

____________

1- الاختصاص للشيخ المفيد: 185 دار المفيد بيروت 414 هـ ـ 1993 م.


الصفحة 49
ترى؟ فقال أرى جواري مزينات معهن هدايا قال فهي خدمك وخدم فاطمة في الجنة انطلق إلى منزلك ولا تحدث شيئاً حتى أتيك... إلى أنا قال: فقالت [أي فاطمة (عليها السلام)] ونظرت إلى الجواري وإلى حسنهن فقلت لمن أنتن؟ فقلن لك ولأهل بيتك ولشيعتك من المؤمنين، فقلت أفيكن من أزواج ابن عمي أحد، قلن أنت زوجته في الدنيا والآخرة، ونحن خدمك وخدم ذريتك، قال وحملت بالحسن فلما رزقته حملت بعد أربعين يوماً بالحسين، ثم رزقت زينب وأم كلثوم وحملت بمحسن، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها واخراج ابن عمها أمير المؤمنين وما لحقها من الرجل أسقطت به ولداً تماماً وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها صلوات الله عليها.(1)

4 ـ دلائل الامامة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري الامامي الثقة:

في تأريخه لوفاة السيدة الزهراء (عليها السلام) قال:.. وقبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة احدى عشرة من الهجرة وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً ولم تدع ممن آذاها يدخل عليها...(2)

5 ـ كتاب سليم بن قيس:

... فضربها قنفذ الملعون بالسوط ـ فماتت حين ماتت وأن في عضدها

____________

1- دلائل الامامة للطبري الامامي الثقة أبو جعفر محمد بن جرير 28 منشورات الاعلمي.

2- دلائل الامامة لابن جرير الطبري 46 مؤسسة الاعلمي بيروت ط 2 1408 ـ 1988.


الصفحة 50
كمثل الدملج من ضربته لعنه الله، فالجأها إلى عضادة بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة...(1)

6 ـ البحار للعلامة المجلسي:

في حديث المفضّل عن الصادق (عليه السلام)... وادخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الاسود وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستة أشهر واسقاطها اياه. وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقة خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها وهي تجمر بالبكاء وتقول: وأبتاه وا رسول الله، ابنتك فاطمة تكذّب وتضرب ويقتل جنين في بطنها.(2)

7 ـ كاهل الزيارات لابن قولويه:

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لما أسرى بالنبي (صلى الله عليه وآله) إلى السماء قيل له ان الله تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صيرك قال: أسلّم لأمرك يارب ولا قوة لي على الصبر الا بك فما هن قيل له... إلى أن قال: وأما الثالثة فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل أما أخوك عليٌ فيلقى من أمتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد والظلم وآخر ذلك القتل فقال يا رب قبلت ورضيت ومنك التوفيق والصبر، وأما إبنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها وتضرب وهي حامل ويدخل عليها وعلى

____________

1- كتاب سليم بن قيس 2: 586 نشر الهادي قم 1415 هـ.

2- البحار 53: 18.


الصفحة 51
حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يمسها هوان وذل تم لا تجد مانعاً وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب قلت إنا لله وإنا إليه راجعون..(1)

8 ـ كامل الزيارات لابن قولويه أيضاً:

... وأما ابنتك فاني أوقفها عند عرشي ـ فيقال لها إن الله قد حكمكِ في خلقه فمن ظلمك وظلم ولدك فاحكمي فيه بما أحببت فاني أجيز حكومتك فيهم فنشهد العرصة فاذا وقف من ظلمها أمرت به إلى النار فيقول الظالم واحسرتاه على ما فرّطت في جنب الله ويتمنى الكرة ويعضُ الظالم على يديه ويقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلاناً خليلا... وأول من يحكم فيهم محسن بن علي (عليه السلام) وفي قاتله ثم في قنفذ فيؤتيان هو وصاحبه فيضربان بسياط من نار لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها ولو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتى تصير رماداً...(2)

9 ـ أمالي الصدوق:

في باب ما أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بظلم أهل البيت قال (صلى الله عليه وآله):

وأما ابنتي فاطمة فانها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين... واني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها وقد دخل الذل بيتها وانتهكت حرمتها وغصبت حقها ومنعت ارثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها... فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها وعاقب من غصبها وأذلّ

____________

1- كامل الزيارات لابن قولويه 332 المطبعة المرتضوية النجف 1356 هـ.

2- نفس المصدر: 334.


الصفحة 52
من ذلها وخلّد في نارك من ضرب جنبيها حتى ألقت ولدها فنقول الملائكة عند ذاك: آمين(1).

10 ـ معاني الاخبار للشيخ الصدوق:

عن أبي الطفيل عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي أنَّ لك كنزاً في الجنة وأنت ذو قرنيها ولا تتبع النظرة بالنظرة في الصلاة فان لك الاولى وليست لك الآخرة [في نسخة لك الأخرى].

قال مصنف هذا الكتاب ـ رضي الله عنه ـ معنى قوله (عليه السلام): إن لك كنزاً في الجنة يعني مفتاح نعيمها... وقد سمعت بعض المشايخ يذكر أن هذا الكنز هو ولده المحسن (عليه السلام) وهو السقط الذي ألقته فاطمة (عليها السلام) لما ضغطت بين البابين، واحتج في ذلك بما روي في السقط انه يكون محبنطئاً على باب الجنة، فيقال له ادخل الجنة فيقول: لا حتى يدخل أبواي قبلي..(2)

11 ـ الاحتجاج للطبرسي:

... فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن وبادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه اليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه والقوا في عنقه حبلا أسود وحالت فاطمة (عليها السلام) بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ إضربها فألجأها إلى عضادة بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها وألقت جنيناً من بطنها، فلم

____________

1- معاني الاخبار للشيخ الصدوق 206 جامعة المدرسين قم 1379 هـ.

2- معاني الاخبار للشيخ الصدوق 206 جامعة المدرسين قم 1379 هـ.


الصفحة 53
تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها(1).

12 ـ منتهى الآمال للمحدث القمي:

قال بعد تعداده لأولاد علي... وكانت حاملة بطفل قد سماه النبي (صلى الله عليه وآله)محسناً وقد سقط بعد وفاته. قال الشيخ الصدوق في معنى قوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام)إنّ لك كنزاً في الجنة وأنت ذو قرنيها، قال: قد سمعت بعض المشايخ بذكر ان هذا الكنز هو ولده المحسن (عليه السلام)وهو السقط الذي ألقته فاطمة (عليها السلام) لما ضغطت بين البابين.(2)

13 ـ المنتخب الطريحي للشيخ فخر الدين الطريحي:

... أترى تكون فاطمة (عليها السلام) راضية حين عصرها خالد بن الوليد فأسقطت محسناً وضربها قنفذ مولى أبي بكر فأثر فيها الضرب أفتراها تكون راضية حين سحب زوجها وابن عمها وأبو السبطين؟(3)

ثانياً: بعض ما روته أهل السنة في اسقاط المحسن (عليه السلام):

1 ـ اثبات الوصية للمسعودي:

... فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه وأحرقوا بابه واستحرجوه منه كرهاً وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً وأخذوه بالبيعة

____________

1- دلائل الامامة للطبري الامامي الثقة أبو جعفر محمد بن جرير 28 منشورات الاعلمي بيروت.

2- منتهى الآمال للمحدث الشيخ عباس القمي 1: 276 مؤسسة النشر الإسلامي قم 1415 م.

3- المنتخب الطريحي 136 انتشارات أرومية قم.


الصفحة 54
فامتنع وقال: لا أفعل...(1)

2 ـ الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي الشافعي:

وقال [أي النظام في ذكر أقواله]: إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها.(2)

3 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي:

... فروعها هبار بالرمح وهي في الهودج [أي زينب]، وكانت حاملا، فلما رجعت طرحت ما في بطنها وقد كانت من خوفها رأت دماً وهي في الهودج فلذلك أباح رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم مكة دم هبّار ابن الأسود.

قال ابن أبي الحديد المعتزلي: قلت: وهذا الخبر أيضاً قرأته على النقيب أبي جعفر رحمه الله فقال: إذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أباح دم هبّار بن الأسود لأنه روّع زينب فألقتْ ذا بطنها، فظاهر الحال أنه لو كان حياً لأباح دم من روّع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها. فقلت: أروى عنك ما يقوله قومٌ أن فاطمة روِّعت فألقت المحسن فقال: لا تروهِ عني ولا تروِ عني بطلانه فاني متوقف في هذا الموضع لتعارض الاخبار عندي فيه.(3)

4 ـ ميزان الاعتدال لابن حجر:

قال ابن حجر في ترجمته عن أحمد بن محمد بن السري:... حضرته ورجل يقرأ عليه: ان عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن.(4)

____________

1- اثبات الوصية للمسعودي: 143.

2- الوافي بالوفيات للصفدي 5: 347.

3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 14: 193 دار احياء الكتب العربية القاهرة.

4- ميزان الاعتدال 1: 139.


الصفحة 55
ولم نزد على أكثر من هذه الروايات المعتبرة عند الفريقين، فان مهمتنا ليست سرديةً بقدر ما هي تحقيقية استدلالية تقنع باليسير من الأدلة لصحيحة، وتستعين بحيثيات القضية المجردة عن أية نزوة تدفع بالبحث مهاوي التبريرات المجهولة الساذجة.

ولعل في هذه الاحاديث كفاية تغني القارىء عن ظنى التساؤل والحيرة التي تلم به حين مواجهتهِ مشاريع تثقيفية تحاول الجمع بين الحقيقة من جهة وبين قداسة الصحابة من جهة أخرى، بل تذهب إلى أكثر من هذا المدى المتشدد، فلعلها تورد الحديث ثم تشكك في سنده أو تطعن في مضمونه، فمن جهة السند فانها تقتصر على طريق واحد يرويه من لا يكون اتفاق الجميع وتغمض عن كثير، وهذا لعمري لا ينسجم والبحث الموضوعي الذي يهدفه الباحث ويصبو إليه القارىء، بل هي خيانة علمية يقصد منها اخفاء الحقيقة بأساليب ساذجة رخيصة. فروايات الهجوم والاسقاط تكاثرت حتى صارت اجماع الأمة ومسلماتها.

أما في المضمون فانها تحاول إثارة شبهات افتراضية تقحمها في مدار البحث الموضوعي وتجعلها ذريعة لابطال الحدث أو التشكيك فيه، ولا تدع القارىء أن يشارك في وجهة نظره التي تنطلق من الفطرة السليمة دون أن تمسها اضطرابات الافتراض أو تهويل الشبهات، فتجده ـ إذا خلّيَ ونفسه ـ يحكم بصحة ما ورد استناداً إلى خلفيات الحدث وحيثيات القضية، ومقتضيات المناسبة، والقارىء اللبيب من شأنه أن يربط بين هذه الجزئيات المتناثرة التي فرّقتها مشاريع التثقيفِ الحاكمِ، وأن يجمعَ بين أشلاءِ الحادثةِ المتفرقةِ، ليخُرج بقناعات رشيدة تحفظُ للحادثةِ موضوعيتها، وتُمتِّن من

الصفحة 56
القضيةِ واقعيتها، وتؤكدَ أن الانقلابَ غير المفاوضةِ، وأن الأعرافَ العسكريةَ غير الأعرف الاجتماعية، وأخيراً فان مقتضياتِ الالتزاماتِ الشرعيةِ، غيرُ متطلباتِ المنصبِ القادم على حساب بديهيات الدين ومسلّمات الأمةِ.

فالانقلاباتُ العسكريةَ لا تنتظر المفاوضة بين الأطراف، فان التواني في إقتناص الفرصة، واغتنام الظرف لا يسع للانقلابيين أن يجلسوا على طاولة المفاوضات معِ أطراف تملك "خزيناً" من النصوص وزخماً من الأدلة القوية، قادرة أن تهزم أية محاولة إلتفافية من شأنها أن تُجهزَ على الثوابت، وكذا الاعراف العسكرية التي تطالب قواتها بالتحرك السريع دون أن تلتفتَ ورائها لتنتظر من الاعراف الاجتماعية أن تردعها عن أي عمل مُخلٍّ بالشرف أو الاعتبار، والافان الخطط العسكرية الانقلابية ستتأخر عن تنفيذها فتنقلب على أصحابها وبالا يكلّفهم مهمتهم ـ إن لم نقل أنفسهم على أحسن الأحوال ـ، ومقتضيات الالتزام الشرعي بجميع تكاليفه المطلوبة لا يُراعي متطلبات المنصب الذي يقفز أصحابهُ علي بديهية دينية أو ثابتة سلّمت بها الأمة وجعلتها ديناً لها ومنهجةً حياتية كذلك.

إذن فأهل السقيفة الذين تحركوا سريعاً للالتفات على محاولات الانصار وتثبيط المهاجرين، لا ننتظر منهم أكثر من اقتناص الفرصة سريعاً سريعاً، ولا نطالبهم بالجلوس مع أية قوة مقابلة لهم تملك من نصوص الخلافة وأدلتها الخزين في ذاكرة الأمة يوم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كنت مولاه فعلي مولاه، اشارة لخلافته الإلهية المقدسة، ولا نأمل من أولئك الذين جعلوا تحركاتهم السريعة على أساس الحساب الزمني "العسكري" الذي يرفض أن تُشاركه الاعراف الاجتماعية في تهذيب سلوكيته المتمردة على

الصفحة 57
أعرافها، بل هل ننتظر ممن رنى ببصره إلى الجاه والامتياز والشرف يوم أن تحامَلَ على علي في فتح بابه على المسجد والغاء أبواب الآخرين، إلا أن يقفز متوثباً على أي نص أو أية مسلّمة دينية، من شأنها أن تلغي اعتباراته الاجتماعية وتهُمّش دوره كواحد من المسلمين، وتُرجعه إلى موقعهِ الطبيعي وتحدد له قدَرَهُ على أساس ايمانه وتكاملهِ.

هذا ما أردنا أثباته خروجاً عن أية مجاملة فنية تُحيطُ بالمشاريع التاريخية لتُرمي بها إلى تشكيلات قصصية ساذجة، تتعاملُ مع القارىء بكل امتهان دون أّ تحسبِ لذوقهِ فضلا عن مسلّماته، أية حساب، بل أن فنيات القداسةِ تحاولُ الالتفافَ على واقعية الحدثِ وموضوعيته، عندها لا تكون الدراسةُ دراسةً، ولا تكون القضية التاريخية المطروحة غير عمليات تجميلية تُزيدُ من تشويهِ الحقيقةِ وتُقبّح من ملامحها الجميلة البريئة، بل لا تكون إلا تهميشات مملة ممقوتة.

فاطمة شهيدة شاهدة..

وإذا أردنا أن نستعرض ملامح المدارس الاعتذارية التي تلتف على قضية مسلّمة لتلغي واقعيتها وتهمّش فاعليّتها، فان حديث "فاطمة شهيدة" يمكن أن تقرأها بعينين أحدهما عوراء تخفي الحقيقة، والأخرى حولاء تَقلِبُ المراد.

فعن محمد بن يحيى، عن العمر كي بن علي، عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) قال: إن فاطمة عليا السلام صِدّيقةٌ شهيدةٌ، وانَّ بنات

الصفحة 58
الأنبياء لا يطثمن.(1) حديثٌ صحيحٌ تروي مثلهُ الطائفةُ الاماميةُ العشراتُ منه، فلا طعنَ في سندهِ، ولا مغمزَ في مضمونهِ، وإذا أرادت "المدارسُ الاعتذاريةُ"قراءته فانها تقرأه هكذا: إن فاطمة شهيدة، يعني شاهدة على الناس يوم القيامة وفرق بين الشهادة التي هي القتل، وبين الشهادة التي هي شهادة على الأمة بالطاعة وعلى النبي بالاداء والنصيحة.

وهكذا تضطرب الأمة بين مسلمات الحديث ووضوحهِ، وبين توجيه المدارس وغموضها، ولعل الرجوع إلى معنى الكلمتين، رجوع إلى حقيقة الحديث ومراده..

فالشهادة التي هي القتل، هو من مات بين يدي نبي أو امام معصوم، أو قتل في جهاد سائغ، قيل سمي بذلك لأن ملائكة الرحمة تشهده، فهو شهيد بمعنى مشهود، وقيل لأن الله وملائكته شهود له في الجنة، وقيل لأنه ممن استشهد وقيل النبي (صلى الله عليه وآله)على الأمم الخالية، وقيل لأنه لم يمت كأنه شاهد أي حاضر، أو لقيامه بشهادة الحق في الله حتى قتل، أو لأنه يشهد ما أعد الله له من الكرامة وغيره لا يشهدها إلى يوم القيامة، فهو فعيل بمعنى فاعل. كذا قال العلامة الطريحي في مجمع البحرين، ثم قال في قوله تعالى: إنا أرسلناك شاهداً، أي على أمتك فيما يفعلونه مقبولا قولك عند الله لهم وعليهم كما يقبل قول الشاهد العدل.و قوله تعالى: شاهد ومشهود، قيل الشاهد يوم الجمعة،

____________

1- الكافي باب مولد الزهراء (عليه السلام) 1: 381 المكتبة الإسلامية طهران 1388 هـ.