الصفحة 89
قيل له السنة والكتابُوقد يزيل الباطلُ الصوابُ
أما سمعت الله في كتابهان كنت تتلوه على صوابه
يأمر فيه الناس بالوصاياان تركوا خيراً من العطايا
وأنه شدد فيها إذ أمرحتى أباح في الوصايا في السفر

إلى آخر ما ذكره بشأن وجوب الوصية ثم يذكر الرد على من زعم أن النبي (صلى الله عليه وآله)انما أوصى إلى علي بماله وأهله ولم يوصه بأمته:

يقال للقائل أن المرتضىلم يوصى بالأمة لما أن مضى
قولك لم يوص بها محالُلأنه لا تقبلُ الأقوال
في قول أهل العلم أجميعناممن نفى الاشياء أن تكونا
لأنه في حالة المعاندِوانما يقبل قول الشاهدِ
فيما يقول انه قد كاناسمعه أو رآه عيانا
وسترى ذلك في كتابيفيما ترى من مثيل الابواب
بما روى التثبت عن الثقاتمن طرق شتى ومن جهات
من أنه أوصى بها فسلملعلم من علم مالم تعلم
ان كنت للصواب ذا اعترافوفي الناظرات ذا انصاف
وهذه السبيل والمحجةفي قولكم إذا أردتم حجه
وكيف أطلقتم على نبيكممالا يجوز عندكم لغيكم


الصفحة 90
من أنه أوصى بمال وولدوترك الأمة بعده بدد
بغير راع بعده يرعاهايدفع عن بيضتها عداها

إلى أخر الابيات ثم يذكر اجماع الناس على أنه لابد من إمام:

أن يعزى إلى الإسلامبأنه لابد من امام
يجمع ألفة الجميع منهمويدفع الاعداء طراً عنهم
وينفذ الاحكام للخصومويقمع الظالم للمظلوم
وهو يقيم الحج والحدوداوينصب الجهاد والجنودا
ويصلح السبل والبلاداويقطع البدع والفسادا
ويقسم ألفيء على المقاتلةوالصدقات في الوجوه الكاملة
وهو يقيم لهم الصلاتاويقبض الجزية والزكاتا
وكلما اليه قد يحتاجواولو أضاعوا أمره لماجوا

إلى آخر الأبيات.

ثم يذكر اختلاف الناس في صفة القائم بعد النبي (صلى الله عليه وآله)
أجمع اصحاب النهى والطيشِأن الإمام العدل من قريشِ
وانه لابد فيما وصفوامن نصبه ضرورة واختلفوا
في نعته ووصفه أفراقاأربعة وافترقوا افتراقا

إلى آخر ابياته.


الصفحة 91
ثم يذكر أصل ما تقوله الشيعة في صفة الإمام
جماع أصل ما تقول الشيعةفي صفة القائم بالشريعة
بأنه في صفة الرسولوليس للرسول من عديل
لكنه اقدمهم اسلامايكون بعد المصطفى إن قاما
أعلمهم بما يراد علماواعظم الناس تقى وحلما
وورعاً وعفة وسابقةونية في الصالحات صادقة
وأكثر الأمة في الجهادعناً وفي الانفاق والاعداد
أقربهم من النبي قرباوطاعة لأمره وحبا
وأزهر الناس وأعلاهم تقىوأحسن الناس رواً وخلقا
هذا الذي قد أصلّوا في صفتهوسوف أحكي بعد في معرفته

إلى آخر أبياته.

في ذكر وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)
لما توفى الله جل عبدهاليه واختار له ما عنده
محمداً صلى عليه ربهُتنازع الأمرة قالوا صحبهُ
وهو مسجى بينهم طريحُلم يكتنفه عنهم الضريح
وأهل بيته ومن توالىاليهم لفقده نكالى
قد شغلتهم مفجعات فقدهعن الذي قد أبرموا من بعده


الصفحة 92
وكان قد أنام فيمن خلّقاوصيه عليهم مستخلفا
وأخذ العهد على الجماعةمنهم على السمع له والطاعة
في غير مشهد على ما سميوقد روى ما كان يوم خمِّ
جماعة الناس وسوف آتىبما حكوه بعد في صفاتي
وكان لما أن رأى حِمامَهقاربه دعى لهم أسامه
ثم دعى الذين كان يحذرمنهم أبو بكر ومنهم عمر
فقال قد جعلت هذا والياعليكم فاستمعوا مقاليا
وقد بعثته فلا تخلّفواعن بعثه وقال فيما وصفوا
فلعن الله جميع من لَبِثْعن بعثه ممن إليه قد بُعث
فعندما سار بهم وبرزواجاءتهم وفاتُه فانحجزوا
عن بعثهم قيل وعن أميرهموانصرفوا إلى خلال دورهم
واهتبلوا الفرصة لما أبصرواشُغل الوصي بالنبي يكثر
وحزنه عليه واهتمامهبما دهاه منه واغتمامه
فقصدوا جماعة الانصاروهم مع الكثرة أهل الدار
فاجتمع الجميع في سقيفةعند بني ساعدة معروفة
فجاءهم عتيق لاحتيالهباللين واللطف من مقاله
فقال أنتم ثم قص فضلهموذكر الناس جميعاً فعلهم


الصفحة 93
حتى إذا أرضاهم بلفظهعاد إلى مراده من حظه
فقال وجه الأمر أن تستخلفواعليكم خليفة فوصفوا
سعداً فقال لا تكون الامرةإلاّ لذي القربى وأهلِ الهجرة
قالوا فمنكم رجل ومنّاشريكه فقال ما سمعنا
بشركة تكون في الامارةلكننا نعطيكم الوزارة
وهي لكم من أحسن الأمرينوقد رضيت أحد الاثنين
يعني أبا عبيدة أو عمراوبهما كان على القول اجترا
وانما حمله فيما ذكربعضهم على قيامه عمر
وكان ذاك بينهم أمراً عقدفقصد إليه ممن قد شهد
فبايعاه جهرةً وقالابل أنت خير من نراه حالا
وقام منهم أهل قتلى بدروغيرها وأهل حقد الاسرِ
فبايعوا وهم رؤوس قومهمفبايع الناس له من يومهم
إلاّ قليلا منهم قد علمواما كان من نبيهم فاعتصموا
وقصدوا امامهم عليافقال لستم فاعلين شيئا
قالوا بلى نفعلُ قال انطلقوامن فوركم هذا فحلّقوا
رؤوسكم كلكم لتُعرفوامن بينهم بذلكم وانصرفوا
إليَّ كيما أنصب القتالاحتى يكون ربنا تعالى


الصفحة 94
يحكم فيما بيننا بحكمهففشلوا لما رأوا من عزمه
ولم يكن يأتيه إلاّ سبعةواستحسن الباقون أخذ البيعة
وكنت قد سميتهم فقالالست أرى عليكم قتالا
لأنكم في قلةِ قليلةليس لكم بجمعهم من حيلة
فجلسوا اليه حتى ينظرواماذا يرى في أمرهم ويأمر
فجاءهم عمرُ في جماعةإذ لم يروا لمن أقام طاعة
حتى أتوا باب البتول فاطمةوهي لهم قالية مصارمة
فوقفت عن دونه تعذلهمفكسر الباب لهم أو لهم
فاقتحموا حجابها فعولتفضربوها بينهم فأسقطت
فسمع القول بذاك فابتدراليهم الزبير قالوا فعثر
فبدر السيف اليهم فكُسِرْوأطبقوا على الزبير فأُسِر
فخرج الوصي في باقيهمإذ لم يروا دفاعهم ينجيهم
فاكتنفوا ومضوا في ضيقحتى أتوا بهم عتيق
أكرم بأساد وليث غابسارت بهم نوابح الكلاب
إلى ابن أوس بل إلى خنزيرِاعزز عليَّ ذاك من مسيرِ
يا حسرةً من ذاك في فؤاديكالنار يذكي حرُها اعتقادي
وقتلهم فاطمة الزهراءأضرم حر النار في أحشائي


الصفحة 95
لأن في المشهور عند الناسِبأنها ماتت من النفاسِ
وأمرت أن يدفنوها ليلاوأن يعمّى قبرها لكي لا
يحضرها منهم سوى ابن عمهاورهطه ثم مضت بغمها
صلى عليها ربها من ما فيهوهي عن الأمةِ غير راضية
فبايعوا كرهاً له تقيهوالله قد رخص للبرية
لأنه الرؤوف بالعبادفي الكفر للكره بلا اعتقاد
وقد أتى فيما روى عن شيعتهبأنه عاتبهم في بيعته(1)

إلى آخر ارجوزته التي بلغت ألفين وثلاثمائة وخمسة وسبعين بيتاً.

____________

1- الاجوزة المختارة للقاضي النعمان بتحقيق وتعليق اسماعيل قربان حسين پونا والا معهد الدراسات الإسلامية جامعة مجيل، مونتريال كندا 1970. الطبعة الأولى.


الصفحة 96

الصفحة 97

طلائع
بن رزيك الملك الصالح

إذا كان منتصف القرن السادس الهجري قد حفل برجالاته المجددين كالمفيد الثاني ابن الشيخ الطوسي في الحوزة النجفية، والشيخ ابن زهرة ـ حمزة بن علي ـ في البلاد الشامية، فان مصر الفاطمية قد حفلت بنهضتها العلمية ـ الأدبية على يد وزيرها الصالح طلائع بن رُزيك.

اعتادت مهمة الحاكم السياسي أن تُقدّم في أولويات أعماله تثبيت دعائم ملكه إلاّ أن وزراة طلائع بن رزيك سعت إلى تثبيت معالم المدرسة الإمامية

الصفحة 98
في البلاد المصرية، يوم كان التنافس العقائدي الذي تعكسه الصراعات السياسية على أشدها، فالبلدان العراقية أنذاك مقطّعة الأوصال بين بقايا الخلافة العباسية، وبين الدولة السلجوقية القائمة على انقاض هذه الخلافة الآفلة، والفتن تجتاح البلدان الإسلامية لتقوم على اثر ذلك دويلات صغيرة متنافسة ضعيفة تمتد من الشرق الإسلامي حتى حدود غربه الفاطمي الذي قامت دولتهم يوم ذاك على صراعات رجالها، والثقافات المختلفة التي تحمل معها عقائدها الفكرية وطروحاتها السياسية تتوزع بين حواضر البلدان الإسلامية التي إنهكتها من صراعاتها العقائدية.

كان طلائع بن رزيك في خضّم هذه الظروف يقدّم طروحاته العقائدية المبنية على أساس معالم المدرسة الامامية، وكانت مشاريعه الأدبية مسعى حثيثاً لاثبات معالم هذه المدرسة فقدّم ديوانه الحافل بقصائد الولاء ليتّرجم صحوة فكرية ملتزمة.

ولد الملك الصالح طلائع بن رزيك ستة 495 هـ ودخل مصر على اثر مقتل الخليفة الظافر الفاطمي الذي قتله وزيره عباس وأجلس ولده الفائز، فاستنجد الجند بالملك الصالح وطلبوا خلاصهم من الوزير فدخل طلائع مصر دون قتال وانهزم الوزير عباس واستقامت له الأمور.

أكد طلائع بن رزيك في مشروعه الأدبي مظلومية السيدة الزهراء (عليها السلام)فكانت احدى العناوين المهمة في قصائده الشعرية وأهم قضية عالجها مشروعه الأدبي، فكان شاهداً على الصحوة الفكرية لاتباع آل البيت (عليهم السلام)في تلك البلدان وشاهداً على الارتكاز العقائدي لمظلومية السيدة الزهراء (عليها السلام) في أذهان الأمة المصرية.


الصفحة 99
[9] له عدة قصائد منها قوله في العترة الطاهرة (عليها السلام):

لولا قوامك يا قضيب البانلم يحسن القضبان في الكثبان
ولو أن ريقك لم يذقه ذائقما طاب طعم الماء للعطشان

إلى أن يقول:

ما باهل المختار أهل خلافهفي دينه بفلانه وفلان
كلا ولا صلى وتلك وغيرهامعه بجنح الليل في الاردان
ما كان إلاّ المرتضى في المرطبالاجماع والزهراء والسبطان
أفخرتم (بالغار، لما حله معهأمرؤ في صفه وأهان
ونسيتم من بات فوق فراشهمتعرضاً لشفار كل يمان
ما كانت (الشورى) التي قد لفقتأخبارها بالزور والبهتان
الا كيوم بالسقيفة شيدتفيه مباني الظلم والعدوان
يتمسكون لهم ببيعة فلتةوبها نفضتم بيعة الرضوان
ورويتم أن الوصي أجابهمكرها ولم يقدر على العصيان
والطهر فاطمة يُشال لبيتهامن أجلها قبس برأس سنان
أفمنقذ لهم من النيران من حملواإلى ابنته لظى النيران(1)

____________

1- ديوان طلائع بن رزيك الملك الصالح: طبعة إولى 1964 المكتبة الاهلية.


الصفحة 100
[10] وله من بعض قصائده:

أوصى النبي اليه لا أحدسواه في ـ خم ـ والاصحاب في علن
فقال: هذا وصيي والخليفة منبعدي وذو العلم بالمفروض والسنن
قالوا: سمعنا فلما أن قضى غدرواوالطهر أحمد ما واروه في الجبن
لم أقتفى فعله الثاني ودام علىالاغضاء عن حقه خوفاً من الفتن
وجاء بالظلم والعدوان ثالثهموالدين من فعلهم ذو مدمع هتن
وعاد زوج البتول الطهر فاطمةأخو النبي يرى في زي ممتهن
وأظهروا الحقد في آل الرسول فماتطوي جوانحهم إلاّ على أحنِ
حتى لقد حملوهم في زمان بنيأمية فوق حد الصارم الخشن


الصفحة 101
إلى أن يقول:

فالوجد مني لا يفني تضرمهعليهم أبداً والدمع لم يخن
أغريتموني بأن أبدي مقابحكموأن أردي اليكم أظهر الجنن
يكفيكم أن أجزتم ظلم فاطمةوقتلكم للحسين الطهر والحسن(1)

إلى آخرها.

[11] ومن روائعه في مدح آل البيت (عليهم السلام).

أنا من شيعة الامام عليحرب أعداءه وسلم الولي
أنا من شيعة الإمام الذي مامال في عمره لفعل دني
أنا عبد لصاحب الحوض ساقيمن توالى فيه بكأس روي
أنا عبد لمن أبان لنا المشكلفارتاض كل صعب أبي

____________

1- ديوان طلائع بن رزيلا: 147.


الصفحة 102
والذي كبّرت ملائكة اللهله عند صرعة العامري
الإمام الذي تخيره اللهبلا مرية أخا للنبي
قسماً ما وقاه بالنفس لمابات في الفرش عنه غير علي
ولعمري إذ حل في يوم خملم يكن موصياً لغير الوصي
ألمبرىّ من كل عيب وريبوالمسوي بغير نقص وعي
فيه قد هداني الله للحقفمالي ورأي كل غوي
خفي الفضل في سواه وأمافضله في الورى لغير خفي
من تغابى عنه فمثلي عن الفضلالشهير المبين غير غبي
واتصالي به لدى الحرب أبدالي نصراً على الشجاع الكمي


الصفحة 103
وإذا أظلمت خنادس خطبكنت منه على رجاء مضي
وأنا منذ كنت أسعى لساداتيعلى منهج الصراط السوي
يا ضعيف اليقين ان اعتقاديفي علي على يقين قوي
أنا في القول لا أطيع غوياًإذ مطيع الغوي نفس الغوي
ذكر آل النبي عندي كالبشرىوذكرى سواهم كالنعي
قد جرى حبهم بجسمي كما إحتلـت مجاري الرضاع جسم الصبي
أنا أسخو بالمال لكن بدينيان تأملتني فغير سخي
في ولائي أبرى من الظالم الغاشم فاسكن إلى ولي بري
من دعاني إلى الأئمة أسرعتإليه ولم أكن ببطي


الصفحة 104
وإذا ما خيار قومي رضوا عنيلم أحتفل بغير رضي
فاجتل الآن من نظام ابن رزيك حلياً يفوق نظم الحلي
وإذا أجديت خواطر قومفاحظ من خاطري بروض ندي
خاطر تقرب المعاني عليهان دعاها من المكان القصي
كلم تكسب المعاطف والتيجانهزأ ان أنشدت في الندي(1)

____________

1- ديوان طلائع بن رزيك: 171.


الصفحة 105

الشريف
قتادة بن إدريس بن مطاعن

اذا كانت لمكة الأدبية بقاياها الشعرية، فان قصيدة الشريف قتادة بن ادريس بقايا لهذا البريق الأدبي الخالد، واذا كانت الحركة الأدبية تعبيراً عن حركة فكرية معطاء تترجم شخصية الأمة وقتذاك، فان قصيدة الشريف قتادة قد ترجمت وجدانيات الأمة بهواجسها المريرة لتاريخ متخاذل.

جاءت القصيدة قراءة للحالة التاريخية المضطربة يوم تقاطعت الرؤى الفكرية وتشابكت التوجهات بعيد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله) الى الرفيق الأعلى،

الصفحة 106
فكانت الدوائر السياسية تتورط في قراراتها المرتجلة المتسرعة، وتتزاحم للحصول على أولويات القرار الذي يعطي الشرعية السياسية لهذا الوجود أو ذاك، وكانت الشرعية الحقيقية تنحسر امتداداتها في غمار هذه اللُعبة السياسية أو تلك المجازفة المرتجلة، والانفعالات السلطوية متشنجة إلى حد تتخبط في قراراتها الساذجة، فكتلة تُستبعد وأخرى تُقدّم، وهكذا لم تستقر الحالة العامة حتى إنكشفت عن ائتلاف سياسي مبرمج أطاح بكل ثوابت الأمة وأخلاقياتها، وتظافرت قوى سياسية غير متكافئة فكرياً من أجل الاطاحة بالشرعية الإلهية التي تسالمت عليها الفرق المتناحرة قديماً والمؤتلفة فيما بعد.

هكذا كانت قصيدة الشريف، حكاية للتاريخ الذي أودى بالثوابت الشرعية وخلاصة لمجريات حدث يتضخم يوماً بعد آخر ليُدخل في حوزته سلسلة الاحداث لتُحال الى تهميشات المتحفظين من ذوي التحرج السياسي، فتجعلها ركامات قصصية لأبواب تشريفية يفتتحها المؤرخ تقليداً أو يختتمها بوصاياه المحتشمة في التعرض للسلف الصالح، فتبريرات جاهزة تقدَّم على طاولات الاعتذار فان، الذي اخطأ له أجرٌ والذي أصاب له أجران، هكذا تُمحق الحقائق وتُزبرج الهالات القدسية المفتعلة الممنوحة إلى الوجودات المصونة التي لا يحق لأحد مناقشة تاريخ تحركاتها المضطربة، فالنقاش فيها خرق لثوابت التعظيم التي أضفته ظروف سياسية مفتعلة، والنزاع فيها تضعيف لوحدة الأمة، وهكذا تجابه الجهود التحقيقية في مثل هذه القضايا الهامة من تاريخ الأمة وتقزّم الاحداث الإسلامية الكبرى على انها حالات طارئة حدثت ثم انتهت فلا حاجة اذن في اعادة قرائتها،

الصفحة 107
فالصخب الذي تُحدثهُ التثقيفيات الحاكمية بوجه الجهود التاريخية التحقيقية إنما يكشف عن حقيقة واحدة، وهي أن التاريخ المضطهد لآل النبي (عليهم السلام)لا يمكن تضبيبه بالرؤية المفتعلة الخارجة من بين ركامات تنظيرية سياسية، فالواقع له منطقيته وأصالته التي تفرض نفسها على أي مشروع مبرمج يهمّش الحقائق و يقزّم الاحداث.

قدّم الشريف قتادة إلى الدائرة الأدبية الشعرية هذه الرؤى، وجعل من قصيدته الرائعة مفردة ناضجة لمشروع ثقافي يلقي بظلاله على الاحداث الإسلامية بشكل متسلسل بديع، وقراءة راشدة متوازنة.

كانت مسألة الزهراء (عليها السلام) محور المشروع الثقافي هذا، فقرأ من خلالها تاريخ أمة، وأقرأ الأمة لتاريخها المضيّع وهويتها المفقودة.

* * *

[12] قال في رائعته الفاطمية:

ما لعيني قد غاب عنها كراهاوعراها من عبرة ما عراها
ألدار نعمت فيها زماناثم فارقتها فلا اغشاها
ام لحي باتوا باقمار تميتجلى الدجى بضوء سناها
ام لخود غريرة الطرف تهواني بصدق الوداد ام اهواها