جعلوه "رابعهم" وكان مقدماً | فيهم، ومأموراً، وكان مؤمرا، |
وتعمدوا من غصب نحلة "فاطم"، | وسهامها الموروث أمراً منكرا! |
يا من يريد الحق، أنصت واستمع | قولي، وكن أبداً له متدبرا، |
إربأ بنفسك، أن تضل عن الهدى، | وتظل في تيه الهوى متحيرا، |
أنا ناصح لك، إن قبلت نصيحتي، | خل الضلال، وخذ بحجزة "حيدرا"، |
من لم يكن يأتي الصراط لدى القضا | "بجوازه" من "حيدر"، لن يعبرا! |
"واليته"، و "برئت" من أعدائه، | إذ، "لا ولاء" يكون من دون "البرا"! |
قل، "للنواصب": قد منيتم من شبا | فكري بمشحوذ الجوانب، أبترا، |
كم ذا.. إلى أبناء "أحمد" لم يزل.. | ظلماً يدب ضريركم دب الضرى؟ |
أنا من أبا.. لي بغض آل محمد | مجد أناف على منيفات الذرى! |
أخوالي الغر الأكارم "هاشم" | وإذا ذكرت الأصل، أذكر "حميرا"، |
غرس نما في المجدِ، أورق غصنه | بواداد أبناء النبي، وأثمرا..! |
شرفي العظيم، ومفخري، أنّي لهم | عبد، وحق بمثل ذا.. أن أفخرا.! |
لن يعتريني في اقتفاء طريقهم | ريب يصد عن اليقين ولا امترى.. |
هذي عقيدتي التي ألقى بها | ريب الأنام إذا أتيت المحشرا.! |
إني رجوت رضى الإله بحبهم، | وجعلته لي عندهم أقوى العرى |
يا أيها الغادي المجد بجسرة | يطوي السباسب رائحاً ومبكرا، |
جز بالغري، مسلماً متواضعاً، | ولحر وجهك في ثراه معفرا، |
حيث الإمـامـة، والوصـاية، والـوزارة، | والـهدى، لا شك فيه ولا مـرا، |
والمم بقبر فيه سيدة النسا، | بأبي وأمي، ما أبر وأطهرا! |
قبّل ثراها عن محب قلبه.. | ما انفك جاحم حزنه متسعرا، |
متلهف غضبان مما نالها، | لا يستطيع تجلّداً، وتصبرا، |
ذهبت بنحلتها البغاةُ واظهروا | سراً لعمري كان قدماً مضمرا |
وأفض إلى نجل النبي محمد، | والسبط من ريحانته الأكبرا، |
من طلّق الدنيا ثلاثاً، واغتدى | للضرة الأخرى عليها مؤثرا، |
مستلماً، إذ خانه أصحابه، | وعراه من خذلانهم، ما قد عرا.. |
واستعجل الرحمن "ابن هند" موته، | فسقاه كأساً للمنية أعفرا.. |
وقل التحية من "سميّك" من غدا | بكم يرجي ذنبه أن يغفرا، |
و "بكربلا" عرج، فإن "بكربلا" | رمماً منعن عيوننا طعم الكرى، |
حيث الّذي حزنت لمصرعه السما، | وبكت لمقتله نجيعاً أحمرا..! |
فإذا بلغت السؤل من هذا وذا، | وقضيت حقّا للزيارة أكبرا، |
عج "بالكناسة" باكياً لمصارع | غر تذوب لها النفوس تحسرا، |
مهما نسيت فلست أنسى مصرعاً | "لأبي الحسين" الدهر حتى أقبرا! |
[20] وله أيضاً:
إن قيل: من خير الورى | بعد النبي المرسل؟ |
ومن المواسي، والمواخي، | والموالي، والولي؟ |
ومن الذي في الروع عن | أعدائه لم ينكل؟ |
إن قيل: من ذا حاز | هدي المكرمات؟ فقل: "علي"، |
خير البرية، و "الإمام" | البر، بالنص الجلي، |
قد نصها فيه "رسول | الله"، عن أمر العلي، |
"يوم الغدير" | بمحفل،أعظم به من محفل،! |
فثنته عنها عصبةً، | جاءت بأمر معضل، |
وأتت بشنعاء المخا | زي عارها لا يُغسل |
وتعاتقت ظلما على | تقديم غير الأفضل |
إني لأبرىء من عتي | يق والدلام ونعثل |
يا رب بوِّئهم غداً | درك الجحيم الاسفل |
[21] وقال أيضاً:
من ترى غير "علي" | كان صنواً للنبي؟ |
من ترى، من بعد | خير الأنبيا... خير وصي؟ |
من ترى، فاز "بخم" | بالفخار الأبدي؟ |
من ترى ولاه خير | الرسل عن أمر العليِّ |
من ترى، كان إمام | الخلق بالنص الجلّيِّ؟ |
من ترى، السابق في | دين القديم الأزلي؟ |
من ترى قاتل عمرو، | ذي الثبات العامري؟ |
من ترى آسر عمرو، | عند إحجام الكمي |
من ترى ردت له الشمس | فتىً... غير علي؟ |
من تراه.. حاط دين | "المصطفى" بالمشرفي؟ |
أبه الملّة حيطت؟ | أم "بتيم" و "عدي"؟ |
قل لنا، فالأمر | إن أنصفتنا.. غير خفي..، |
الشيخ
كاظم الأزري
كانت بغداد الأدبية تعج بثقافات اسلامية وغير اسلامية، شاركت في تأسيس الحاضرة الأدبية البغدادية، وتشكّلت من هذه الاتجاهات الأدبية المتعددة رؤية أدبية بغدادية غير واضحة، ولعل فيها من عدم الالتزام ما عبّر عن ظرفها الاجتماعي والسياسي المعاش يوم ذاك وقدّم على أساس ذلك أخلاقياته وتوجهاته.
في خضم هذه التيارات الثقافية المتعاكسة، ينشأ تيار شعري ملتزم يعبّر
تزّعم هذا التيار الأدبي البغدادي الملتزم شيخ شعرائها ومبدعها، الشيخ كاظم الأزري الذي حقق في قصيدته الازرية المعروفة تقدماً أدبياً رائعاً ملتزماً فرض نفسه على التيارات الأدبية الأخرى، وسجّل حضوره في المحافل الأدبية على أنه مبدع فني، وأديب ملتزم.
استطاع الشيخ الأزري أن يسجّل لواقعة الزهراء (عليها السلام) حضورها التاريخي الممتاز وعبّر في قصيدته هذه عن الهاجس الذي يعيشه كل شيعي قرأ ذاته في مأساة الزهراء، وقرأ تاريخه في وقائعها المظلومة المضطهدة، لذا جاءت القصيدة تعبيراً صادقاً لمكنون الشخصية الشيعية الثائرة المجاهدة.
تركوا عَهد أحمد في أخيه | وأذاقوا البتول ما أشجاها |
وهي العروة الّتي ليس ينجو | غير مستعصم بحبل ولاها |
لم ير الله للرسالة أجراً | غير حفظ الزهراء في قرباها |
يوم جاءت ياللمصاب إليهم | ومن الوجد ما أطال بكاها |
فدعت واشتكت إلى الله شكوى | والرواسي تهتزُّ من شكواها |
فاطمأنّت لها القلوب وكادت | أن تزول الأحقاد ممّن حواها |
تعظ القوم في أتمّ خطاب | حكت المصطفى به وحكاها |
أيُّها القوم راقبوا الله فينا | نحن من روضة الجليل جناها |
نحن من بارىء السماوات سرٌّ | لو كرهنا وجودها ما براها |
بل بآثارنا ولطف رضانا | سطح الأرض والسماء بناها |
وبأضوائنا الّتي ليس تخبو | حوت الشهب ما حوت من سناها |
واعلموا أنّنا مشاعر دين الـ | ـله فيكم فأكرموا مثواها |
ولنا من خزائن الغيب فيض | ترِد المهتدون منه هداها |
إن تروموا الجنان فهي من | اللــه إلينا هديّة أهداها |
هي دار لنا ونحن ذووها | لا يرى غير حزبنا مرآها |
وكذاك الجحيم سجن عدانا | حسبهم يوم حشرهم سكناها |
أيُّها الناس أيُّ بنت نبيّ | عن مواريثها أبوها زواها |
كيف يزوي عنّي تراثيَ زاو | بأحاديث من لدنه ادّعاها |
هذه الكتب فاسألوها تروها | بالمواريث ناطقاً فحواها |
وبمعنى "يوصيكم الله"أمر | شامل للعباد في قرباها |
كيف لم يوصنا بذلك مولا | نا وتلكم من دوننا أوصاها |
هل رآنا لا نستحقُّ اهتداء | واستحقّت هي الهدى فهداها |
أم تراه أضلّنا في البرايا | بعد علم لكي نصيب خطاها |
مالكم قد منعتمونا حقوقاً | أوجب الله في الكتاب أداها |
قد سلبتم من الخلافة خوداً | كان منّا قناعها ورداها |
وسبيتم من الهدى ذات خدر | عزّ يوماً على النبيّ سباها |
هذه البردة الّتي غضب الله | على كلّ من سوانا ارتداها |
فخذوها مقرونة بشنار | غير محمودة لكم عقباها |
ولأيّ الاُمور تدفن سرّاً | بضعة المصطفى ويعفى ثراها |
فمضت وهي أعظم الناس وجدا | في فم الدهر غصّة من جواها |
وثوت لا يرى لها الناس مثوى | أيُّ قدس يضمُّه مثواها |
[23] وقد خمّس القصيدة الشاعر الفذ الشيخ جابر الكاظمي رحمه الله، واليك بعض تخميساته.
ليس أولى بالأمر ألاّ وليٌّ | للبرايا والنص فيه جليٌّ |
كنزُ فضل من كلّ علم مليٌّ | إي وحقّ الإسلام لولا عليٌّ |
كلُّ علم أعيى الورى لم يُبِنهُ | غيرُ ندب عِلمُ الغُيوب لدُنهُ |
مُذ أضاءت شمسُ الفضائلَ عنهُ | قد أطلَّت على العوالِم منهُ |
هو بعدَ النبيّ أوَّلُ فِعل | فاضَ من مصدرِ الجلال بنُبل |
فَلكٌ مُشرِقٌ بنيّر عقل | تتجَّلى بهِ مُنيراتُ فضل |
فيءٌ آلِ الهُدى قد اقتسموهُ | وعليهم شيخُ الخَنا قدَّموهُ |
فوحقّ الحقّ الذي حُرِمُوهُ | لم يذُوقوا الهُدى ولو طَعموهُ |
مُذ دعى للهدى أجابتُ دُعاهُ | ألسنٌ والقلوبُ تأبى نِداهُ |
هم وإن وافقتِ شفاها شِفاهُ | صاحَبوهُ ونافقوا في هواهُ |
بايعوا كلَّ ذي ضَلال سفيه | وتخطّوا من الرّشادِ لتيه |
أشقياءٌ والابنُ مثلُ أبيه | نقضوا عهدَ أحمد في أخيه |
منهم أغضبَ البتولةَ عِلجُ | إذ أتتهُ تراثها منه ترجو |
فأبى الرّجسُ إذ رآها تعجُّ | وهي العُروةُ التي ليس ينجو |
أرسلُ اللهُ سيّد الرُّسل طُرّاً | بالهُدى والشيطانُ يُعبَد جهراً |
ومُذ الحقُّ شقَّ للبعثِ فجراً | لم يَرَ اللهُ للرّسالةِ أجراً |
لم تزل بعد أحمد الطَّهر عَبرى | بغُموم من ذلك الرّجس تترى |
ويلُ عِلج بها استخفَّ وأدرى | لست أدري إذُ روّعت وهي حسرى |
مُذ أُضيمت من بعدهِ أىَّ ضيم | لم يزل حُزنهُ لديها كَغيم |
جُرّعت من سِمامِ سام وأيم | يوم جاءت إلى عدىٍّ وتيم |
قد أغاظوا لسَّيد الرَّسل صِنواً | حين رضّوا من فاطم الطُّهر عُضواً |
ولكَم بَثَّت المهيمن شكَوى | فدعَت واشتكت إلى اللهِ شجواً |
ثمّ عادت بخطبة وأعادت | كلماتِ لها الرّواسخُ مادت |
وبكت واشتكت بحُزن ونادت | فاطمأنّت لها القلُوبَ وكادت |
حاججتهم بسنَّة وكتابِ | أفلجتهم بحكمة وصوابِ |
حين جاءت وقلبُها بالتهابِ | تعِظُ القومَ في أتمّ خطابِ |
ولخطبِ الخِطاب أبدت حَنيناً | مَلأَ الدّهر رنّةً وأنيناً |
وأسىً أيقظَ النبيِّ الأمينا | أيُّها القومُ راقبوا الله فينا |
حُبُّنا دِينُ الحقِّ والبُغض كفرٌ | ووِلانا يوم القيامةِ ذُخرٌ |
وبه في الجنانِ كم شِيدَ قصرٌ | نحنُ من بارىءِ السماوات سرٌّ |
وبنا اللهُ أكمل الإيمانا | ولنا زيَّن الإلهُ الجنانا |
ولأعدائنا بَرى النِّيرانا | بل بآثارِنا ولُطفِ رِضانا |
مَن تنحَّى عنّا فللغيِّ يَصبو | والذي عن طريقنا حادَ يكبو |
فِبنا يرضى اللهُ والخيرُ يربو | وبأضوائنا التي ليس تخبو |
فِحمانا للوحي أكرمُ منزل | وعُلانا للدّين أعظمُ مَوئل |
وهُدانا للمهتدى خيرُ معقِل | واعلموا أننا مشاعرُ دينِ الـ |
فإلى فضلنا لدى الحشر أيضٌ | ولَدينا في جنّةِ الخُلد حوضٌ |
ولنا في النعيم أزهَرُ روضٌ | ولنا من خزائن الغيبِ فيضٌ |
إنّ رب السَّماء إلينا تجلّى | وحبانا أمر الجنان وولّي |
وبها خصَّ من بنا قد تولّى | إن ترُوُموا اجنان فهي من اللّـ |
بل وِلانا الجنانُ لا تدعوها | والرّضا أُمُّ روضها وأبوها |
فاصحبوا حُبَّنا ومنّا خُذوها | هي دارٌ لنا ونحن ذووُها |
خُلِقت للذي إلى الحقِّ دانا | لا لِمن خان عهدَنا وجَفانا |
فجنانُ النّعيم مهَرُ ولاِنا | وكذاك الجحيمُ سجنُ عِدانا |
ليت شِعري وفي الحشا أيُّ كيّ | لا يُداوى وأيُّ داءِ دويِّ |
وأسىً قد طوى الأسى أيَّ طيٍّ | أيُّها الناسُ أيُّ بنت نبيٍّ |
أفهَل منكم بحقٍّ حقيقٌ | وبنصري منكم يقومُ وثيقٌ |
فيراني والدّمعُ منّي عقيقٌ | كيف يَزوي عني تُراثي عتيقٌ |
أنكروا النصَّ في أُمُور أتَوها | و وصايا الإلهِ فينا أبَوها |
فالأحاديثُ إن علينا افترَوها | هذه الكُتب فاسألوها تَروها |