الصفحة 165
ليس يُجديكم من الذّكرِ ذكرٌإذ بكم قد أحاط غنيٌّ وكُفرٌ
فبمعنى من آلِ يعقوبَ سرٌّوبمعنى يُوصيكمُ اللهُ أمرٌ

شاملٌ للعبادِ في قرباها

كلُّ فضل لنا الُمهيمن أولىإذ رآنا بذاك أحرى وأولى
وإلينا أهدى الوصيَّة طَولاكيف لو يُوصِنا بذلك مَولا

ناوتيما من دُوننا أوصاها

يالخطب أعيا الورى إعياءًولِداء أعيا الطبيب دَواءً
إنّ ربّاً بنا بَرى أنبياءًهل رآنا لا نستحقُّ اهتداءً

واستحقَّت تيمُ الهُدى فهداها

وهي كم أحدثت حدُوثِ الرّزاياوتخطَّت إلى أشدّ الخطايا
أتراهُ لم يَرعَ رُشد الرّعاياأم تراهُ أضلَّنا في البرايا

بعد علم لكي نُصيب خَطاها

أيُّها القومُ هل ذِمامٌ يُراعىلنبيٍّ وفي الذِّمام وراعى
عاد حقّي في ظالمين مُضاعاإنصفُوني من جائِرَين أضاعا

ذِمّة المصطفى وما رعَياها


الصفحة 166
فأنظُروا مَن بنا ببغي تحكّمودهانا بالجَور أيُّ مُذمَّم
فغَدونا من ظُلمة نتظلّموانظروُا في عواقب الدّهر كم أمـ

ستُ عتاةُ الرِّجالِ من صرعاها

قد سلكتُم من الضلالِ طُروُقاًوحفِظتُم من النِّفاقِ شُقوفاً
ورأيتُم للغيّ والبغي سُوقاًمالكم قد مَنعتُمونا حُقوقاً

أوجبَ اللهُ في الكتابِ أداها

وعلينا عُتاتكُم كم تعاتَتوعلى الحِقد والحَزازةِ باتت
وعليه عاشت قُواكم وماتتوحذوتُم حَذوَ اليهودِ غداة اتـ

خذُوا العجل بعد مُوسى إلها

أعلِمتُم إذ غيُّكم هدَّ طَوداًللهُدى كم أشاب للديّن فوداً
ولكَم حين ذُدتمُ الحقَّ ذَوداًقد سَلبتُم من الخلافةِ خَوداً

كان منّا قناعها ورداها

ورَميتُم آلَ النبيِّ بغدروقعدتُم في الدّين عن كل نصر
وأغرتُم على الرّشاد بكُفروسَبيتُم من الُهدى ذات خدر

عزَّ يوماً على النبيِّ سِباها


الصفحة 167
يا طُغامَ الأنامِ زِدتُم فُجوراًوأبيتُم في الدِّين إلاّ كُفوراً
لكم الويلُ كم أتيتُم أُموراًتدَّعون الإسلامَ إفكاً وزُوراً

كَذِبت أُمّهاتكُم بادِّعاها

لستُ أدري إذ رشاد صددتُمولأزرِ الضلال بَغياً شددتُم
ألِبعل سجدتُم إذ سجدتُمأيَّ شيء عَبدتُم إذ عبدتُم

أن يُولّى تيمٌ على آلِ طه

قد جعلتُم عليكم أُمراءًأشقياءً خانوا الهُدى أدعياءً
وائتمنُّم فخنتُم امناءًإن رضيتُم من دُوننا خُلفاءً

لاشتفَت من قلوبكم مَرضاها

أو أعنتُم على الضلالِ مُعيناًلا سُقيتُم صوبَ الغمامِ مَعيناً
أو نكلتُم عنّا شُللتُم يميناًأو أبيتُم عُهودَ أحمدَ فينا

لا وُقيتُم من الرّزايا سُطاها

إنّما البُردةُ التي قد تحلّىبحلاها مَن عن وِلانا تخلّى
وتولَّى بغياً وعنّا تولّىهذهِ البُردةُ التي غضب اللّـ

هِ على كلِّ مَن سوانا ارتداها

قد تلفَّعتم بأثواب ناروحُبيتُم منها بأيّ استعار
واشتملتُم منها ببُردةِ عارفخذوُها مقرونةً بشنار


الصفحة 168

غير محمودة لكم عُقباها

سلبتكم أثواب كلّ فَخاروكساكم بها العُوى كلَّ عار
فارتدُوها قد طُرِّزت بشراروالبسوُها لِباس عار ونار

قد حشوتم بالُمخزيات وِعاها

إن نسَلكم أداء حقّ حِوارِأو نسَلكم وفاء أيّ ذِمارِ
أو نسَلكم عن نِحلة وعُقارلم نسَلكم لحاجة واضطرارِ

بل ندُلُّ الورى على تقواها

إن بغدرِ سُدتُم وحلّ عُقودِواتّباعِ الهوى ونقضِ عُهودِ
وببُخل وشحَّة وجُمودِكم لنا في الوجُود رشحةُ جودِ

يُعجزُ السبعةَ البحار غِناها

ولنا حِكمةٌ ذكت لا بزيتوسِباقٌ قد فات كلّ كميت
وعلا سادَ كلَّ حيٍّ وميتعلمَ اللهُ أننا أهلُ بيت

ليس تأوى دَنيةٌ مأواها

فولاِنا للناسِ أعظمُ حصنومن الهَول في غد أيُّ أمن
كمَ علينا مَنَّ الإلهُ بمنٍّلو سألنا الجليل إلقاء عدِن

أو مقاليد عرشهِ ألقاها

أين من شأوِ مجدِهم كلُّ شانقاصرٌ عن هِجاهُ كلُّ بيان
إن به فاهَ طُول دهري لسانيسعدُ دعني وهجو سُودِ المعاني

أو مقاليد عرشهِ ألقاها


الصفحة 169
أين من شأوِ مجدِهم كلُّ شانقاصرٌ عن هِجاهُ كلُّ بيان
إن به فاهَ طُول دهري لسانيسعدُ دعني وهجو سُودِ المعاني

أكبرُ الحمدِ في معاني هِجاها

قُل لقوم سعت بجُهد فساداونَفت حقٍّ آلِ طه ارتداداً
يا طُغاماً ضاهت ثموداً وعاداًكيف تُنفى ابنةُ النبيِّ عِناداً

لا نفى اللهُ من لظىً مَن نفاها

ألايِّ الأُمُورِ تُجهلُ قدراًبنتُ خير الورى فتُجهلُ قبراً
أم لأيِّ الأُمُور تُظلمُ جهراًولأيِّ الامُور تُدفنُ سراً

بضعةٌ المصطفى ويُعفى ثراها

نغَّصوا عَيشها وقد كان رَغداًوفُؤادُ الهُدى لهاذاب وَقداً
إذ قَضت وهي أوفرُ الخلق جُهداًفمَضت وهي أعظمُ الناس وَجداً

في فَم الدّهر غُصَّةٌ من جواها


الصفحة 170
فاغتدى قلبُها على الضيم يطوىواغتدى دمعُها به الأرضُ تُروى
تخذَت للأحزانِ كالقبر مأوىوثوَت لا يرى لها الناسُ مثوى

أي قُدس يضمُّهُ مثواها

قد رَمتها يدُ الحقودِ بصرفللرّزايا ذاقت به أيَّ حتف
فقضَت والزّمانُ عنها بُخلفثمّ همَّت ببعلها كلُّ كفٍّ

واستمدَّت له رِقاقَ مُداها

أُمةٌ ضَلَّ إذ غوت مَسعاهاأُمّةٌ خابَ حين ضلَّت رجاها
امّةٌ في الانامِ ما أشقاهاأُمّةٌ قاتلت إمامَ هُداها

يا ترى أين زالَ عنها حَياها

أدعياءٌ قد انتمت لطُغاملا تُبالي في البغي من آثام
وازرتها في الغيّ أيُّ سُوامكم أرادت إطفاءَ نار حُسام

صاغهُ اللهُ ثمرةً لحشاها

حِلفُ كفٍّ بها لهم أيُّ كفّونكالٌ لهم وإرغامُ أنف
ولطغيانهم بها أي حتفبأبي مَن لهُ مطاعنُ كفّ

لا يُداوي من الرّدى كلماها

كم بها للرّشاد أسدى صنيعاًوبَنى للإسلام حِصناً رفيعاً
إذ غدا للعُلوم كهفاً منيعاًإنّ ذاتَ العُلوم تُنمى جميعاً

لعليّ وكان رُوح نِماها


الصفحة 171
مُذ يدُ الصُّنع للهدى كوَّنتهُوبحلي من فضلها زيّنته
كلُّ اكرُومة بمجد عَنتهُوكذا كلُّ حكمة مكَّنتهُ

من أعالي سنامها فامتطاها

فمعاليه للفضائل إلفٌوأياديه للفواضل حِلفٌ
فمتى يلتجي العُلى فهو كهفٌومتى يُذكر الندى فهو لطفٌ

إنّ محيي الموتى به أحياها

فيه للغيّ ساخَ كلُّ أساسورسا للهدى به كلُّ راس
فلصمصامه القضاءُ مواسولإقدامه تزولُ الرّواسي

والمقادير تقشعرُّ حَشاها

كم معال منه لديها التطوَّلوعُلوم له عليها التفضل
فلَهُ انقاد صعبُها بتذلُّلومَرامي الأسرارِ سدَّدسهم الـ

لّه منه لها فما أخطاها

بحرٌ فيضِ أغنى افتقار عفاةللوجُودات منه في رشفات
وهو إن بالنوال أحيا رُفاتكم له من مواهب مُردفات

هي كالشمس لا يحول ضياها


الصفحة 172

الصفحة 173

الشيخ هاشم الكعبي

حينما نزح من خوزستان، حمل معه شاعريته الجنوبية الابداع، المفعمة بالولاء ليزاوجها مع الأدب الفقهي الذي زخرت به الحواضر العلمية حينئذ، وقد حل في كربلاء أديباً ليتخرج من مدرستها فقيهاً.

كان الشعر الحسيني يوم ذاك هوية الشاعر المنتمي إلى مدرسة آل البيت (عليهم السلام)، وشهد الشعر الحسيني ابداعاً رائعاً في أواخر القرن الثاني عشر على يد المدرسة النجفية، ولم ينتقل بعدُ إلى مدرسة الحليين، ولعل كربلاء قد اتخذت حين ذاك شخصيتها الفقهية الصرفة التي ميزتها بأعلامها المجددين

الصفحة 174
كالوحيد البهبهاني المتوفي سنة 1208 هـ والشيخ يوسف البحراني المتوفي 1187 هـ وكذلك السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض المتوفي سنة 1231 هـ، وغيرهم من أهل التجديد والتحقيق. إذن لم يكن في كربلاء إبّان القرن الثاني عشر خط أدبي متميز، أو حركة شعرية لامعة فما الذي دفع الشيخ هاشم الكعبي الأديب لترك بلاده الخصبة بالشعر والشعراء ليحط رحاله في كربلاء الفقه والعلم والتحقيق؟

لعل الاجابة عن ذلك هو ما يستشفّه المتتبع لشعره الذي احتل منه الرثاء الحسيني مساحة واسعة جداً حتى كاد أن يتميز بكربلائياته عن غيره من شعراء عصره، فهذا الهاجس الحسيني الذي يعيش في ضمير الشاعر الكعبي ترجمهُ إلى مراث حسينية بديعة، ولم يكتفِ بذلك بل توّجه برحلته إلى كربلاء نازحاً عن بلاده، وكأنه أراد أن يعيش المأساة الحسينية بكل دقائقها فاستوطن كربلاء ليستلهم المأساة عن كثب وهو يتصور مسير الواقعة وحركتها المفجعة. وإذا كانت كربلاء بلد الفقه والفقهاء فليكن الشيخ هاشم الكعبي في خضّم هذه الحركة العلمية الدؤوبة فيغوص في أعماقها ليأتي شعره ملتزماً بكل ما للفقيه من مسؤلية شرعية، وتحرّج ديني.

كان نزوح الشاعر إلى كربلاء عاملا مهماً في تحريك الوسط الأدبي الراكد بسبب التوجه الأصولي الجديد الذي أثاره الوحيد البهبهاني والمسلك الفقهي المتميز الذي تزعمه الشيخ يوسف البحراني، ولم تبق لكربلاء سمتها الأدبية كالحواضر العلمية الأخرى من النجف والحلة بل التزمت مدرسة علمية متميزة، فكان حلول الشيخ هاشم الكعبي في الوسط العلمي الكربلائي قد أضاف إلى المدرسة الكربلائية التجديدية لوناً خاصاً من

الصفحة 175
الابداع الذي أحدثاه العلمان الوحيد البهبهاني والشيخ يوسف البحراني ليضيف اليهما الشاعر الكعبي ابداعه الأدبي المتجدد إلى الابداعيين الأصولي والفقهي الجديدين.

كان شاعراً مفلقاً متفنناً حسن الاسلوب طويل النفس نظم في مدح أهل البيت (عليهم السلام) ورثائهم حتى قال عنه صاحب الأعيان "فأكثر وأبدع وأجاد واحتج وبرهن وأحسن واتقن، وجميع شعره من الطبقة العالية، اشتهر شعره في أهل البيت(عليهم السلام) في عصره وبعده إلى اليوم في العراق وجبل عامل والبحرين وغيرها وحفظته الناس وتُلي في مجالس العزاء.

كان شاعراً بارعاً شديد العارضة جزل اللفظ والمعنى منسجم التركيب سهله مقتدراً في فنون الأغراض متصرفاً في المطالب مشبع الشعر من الحكم والامثال له ديوان اكثره في الأئمة (عليهم السلام)"(1).

أبدع في الرثاء وخص بعض مقطوعاته الرائعة في السيدة الزهراء (عليها السلام)وتحدّث عن واقعة الاسقاط وأكد في أكثر من مناسبة أن ما جرى على آل البيت (عليهم السلام) كانت بداياته من ذلك اليوم المشؤوم.

توفي عام 1221 هـ ليترك خلفه تراثاً أدبياً رائعاً وعطاءً شعرياً زاخراً واليك بعض قصائده.

____________

1- أعيان الشيعة 10: 237 دار التعارف للمطبوعات.


الصفحة 176
[24] قال:

عدتك نجد فماذا انت مرتقبيدنوا اليك الحمى أم تنقل الهضب
أبعد أن بنت عنها بت ترقبهافاذهب فليس لك العتبى ولا العتب
لو كنت صادق دعوى الحب ما برحتبك المطي ولازمت بك النجب
اعراب بادية تهنى بيوتهمحيث العوامل والهندية القضب
لم يعد ملكهم باس ولا كرمفلا عدو لهم تلقى ولا نشب
تجري على العكس من قولي ظعونهمولو جرت مطلقا ما فاتني الارب
فكلما قلت رفقاً بالحشى عنفوافليت لو قلت بعداً بالسرى قربوا
يستعذب القلب من تعذيبهم ابداكأنهم كلما قد عذبوا عذبوا
يا منزلا بمحاني الطف لا برحتتسقي السحائب منك البان والكثب


الصفحة 177
كم قلت نجداً وما اعني سواك بهوعرب نجد ومن في ضمنك العرب
اني وان عنك عاقتني يداً قدرببين جسمي فقلبي منك مقترب
لا تحسبن كل دان منك ذا كلفادار بالجنب لكن الهوى جنب
اقائل اهل ودي انهم غربواعن ناظري انهم عن خاطري عزبوا
لا والهوى ليس بعد الدار يشغلنيعنهم ولا محنة كلا ولا وصب
يا سائق الحرة الوجناء انحلهاطى السري وطواها الاين والنصب
فانت كالشمس ما بالعالمين غنىعنها ولا تجدهم من دونها الشهب
تالله ما سيف شمر نال منك ولايدا سنان وان جل الذي ارتكبوا
لولا الأولى اغضبوا رب العلا وابوانص الولا ولحق المرتضى غصبوا


الصفحة 178
اصابك النفر الماضي بما ابتدعواوما المسبب لو لم ينجح السبب
وما تزال خيول الحقد كامنةحتى اذا ابصروها فرصة وثبوا
فادرك الكل ما قد كان يطلبهوالقصد يدرك لما يمكن الطلب
كفٌ بها امك الزهراء قد ضربواهي التي اختك الحوراء بها سلبوا
وان نار وغى صاليت جمرتهاكانت لها كف ذاك البغي تحتطب
فليبك يومك من يبكيه يوم غدوابالصنو قوداً وبنت المصطفى ضربوا
والله ما كربلا لولا.... والاحياءتدري ولولا النار ما الحطب
يفني الزمان وفيك الحزن متصلباق إلى سرمد الايام ينتسب
كأن حزنك في الاحشاء مجدك فيالاحياء لم تبله الاعوام والحقب


الصفحة 179
تقول نفسي ونار الحزن تضرم فيقلبي وماء البكا في مقلتي سرب
ترضى من العين ان تجري مدامعهاومن فؤادك ان يعتاده اللهب
هيهات رمت محالا وادعيت بهدعوى يلوح عليها الخلف والكذب
ما انت والقوم ترجوا نيل سعيهموما شربت من الكأس الذي شربوا
هب انك فاتك يوم البين صحبتهمفكيف لم تركب النهج الذي ركبوا

[25] وله من قصيدة أيضاً:

لوامة حلف الملامةأهدت إلى قلبي سقامه
لوامة نوامةاين المنام من الملامه
خلو الحشا عن طارقللجفن مانعه منامه
متمدد الليل الطويلكرى وليلى لن انامه
فبدا يلوم ولو درىما في الحشا ما كان لامه
باللوم رام سلو قلبلا تسليه المدامه
وجمود جفن ليس ترقىالغانيات له انسجامه