ليس يُجديكم من الذّكرِ ذكرٌ | إذ بكم قد أحاط غنيٌّ وكُفرٌ |
فبمعنى من آلِ يعقوبَ سرٌّ | وبمعنى يُوصيكمُ اللهُ أمرٌ |
كلُّ فضل لنا الُمهيمن أولى | إذ رآنا بذاك أحرى وأولى |
وإلينا أهدى الوصيَّة طَولا | كيف لو يُوصِنا بذلك مَولا |
يالخطب أعيا الورى إعياءً | ولِداء أعيا الطبيب دَواءً |
إنّ ربّاً بنا بَرى أنبياءً | هل رآنا لا نستحقُّ اهتداءً |
وهي كم أحدثت حدُوثِ الرّزايا | وتخطَّت إلى أشدّ الخطايا |
أتراهُ لم يَرعَ رُشد الرّعايا | أم تراهُ أضلَّنا في البرايا |
أيُّها القومُ هل ذِمامٌ يُراعى | لنبيٍّ وفي الذِّمام وراعى |
عاد حقّي في ظالمين مُضاعا | إنصفُوني من جائِرَين أضاعا |
فأنظُروا مَن بنا ببغي تحكّم | ودهانا بالجَور أيُّ مُذمَّم |
فغَدونا من ظُلمة نتظلّم | وانظروُا في عواقب الدّهر كم أمـ |
قد سلكتُم من الضلالِ طُروُقاً | وحفِظتُم من النِّفاقِ شُقوفاً |
ورأيتُم للغيّ والبغي سُوقاً | مالكم قد مَنعتُمونا حُقوقاً |
وعلينا عُتاتكُم كم تعاتَت | وعلى الحِقد والحَزازةِ باتت |
وعليه عاشت قُواكم وماتت | وحذوتُم حَذوَ اليهودِ غداة اتـ |
أعلِمتُم إذ غيُّكم هدَّ طَوداً | للهُدى كم أشاب للديّن فوداً |
ولكَم حين ذُدتمُ الحقَّ ذَوداً | قد سَلبتُم من الخلافةِ خَوداً |
ورَميتُم آلَ النبيِّ بغدر | وقعدتُم في الدّين عن كل نصر |
وأغرتُم على الرّشاد بكُفر | وسَبيتُم من الُهدى ذات خدر |
يا طُغامَ الأنامِ زِدتُم فُجوراً | وأبيتُم في الدِّين إلاّ كُفوراً |
لكم الويلُ كم أتيتُم أُموراً | تدَّعون الإسلامَ إفكاً وزُوراً |
لستُ أدري إذ رشاد صددتُم | ولأزرِ الضلال بَغياً شددتُم |
ألِبعل سجدتُم إذ سجدتُم | أيَّ شيء عَبدتُم إذ عبدتُم |
قد جعلتُم عليكم أُمراءً | أشقياءً خانوا الهُدى أدعياءً |
وائتمنُّم فخنتُم امناءً | إن رضيتُم من دُوننا خُلفاءً |
أو أعنتُم على الضلالِ مُعيناً | لا سُقيتُم صوبَ الغمامِ مَعيناً |
أو نكلتُم عنّا شُللتُم يميناً | أو أبيتُم عُهودَ أحمدَ فينا |
إنّما البُردةُ التي قد تحلّى | بحلاها مَن عن وِلانا تخلّى |
وتولَّى بغياً وعنّا تولّى | هذهِ البُردةُ التي غضب اللّـ |
قد تلفَّعتم بأثواب نار | وحُبيتُم منها بأيّ استعار |
واشتملتُم منها ببُردةِ عار | فخذوُها مقرونةً بشنار |
سلبتكم أثواب كلّ فَخار | وكساكم بها العُوى كلَّ عار |
فارتدُوها قد طُرِّزت بشرار | والبسوُها لِباس عار ونار |
إن نسَلكم أداء حقّ حِوارِ | أو نسَلكم وفاء أيّ ذِمارِ |
أو نسَلكم عن نِحلة وعُقار | لم نسَلكم لحاجة واضطرارِ |
إن بغدرِ سُدتُم وحلّ عُقودِ | واتّباعِ الهوى ونقضِ عُهودِ |
وببُخل وشحَّة وجُمودِ | كم لنا في الوجُود رشحةُ جودِ |
ولنا حِكمةٌ ذكت لا بزيت | وسِباقٌ قد فات كلّ كميت |
وعلا سادَ كلَّ حيٍّ وميت | علمَ اللهُ أننا أهلُ بيت |
فولاِنا للناسِ أعظمُ حصن | ومن الهَول في غد أيُّ أمن |
كمَ علينا مَنَّ الإلهُ بمنٍّ | لو سألنا الجليل إلقاء عدِن |
أين من شأوِ مجدِهم كلُّ شان | قاصرٌ عن هِجاهُ كلُّ بيان |
إن به فاهَ طُول دهري لساني | سعدُ دعني وهجو سُودِ المعاني |
أين من شأوِ مجدِهم كلُّ شان | قاصرٌ عن هِجاهُ كلُّ بيان |
إن به فاهَ طُول دهري لساني | سعدُ دعني وهجو سُودِ المعاني |
قُل لقوم سعت بجُهد فسادا | ونَفت حقٍّ آلِ طه ارتداداً |
يا طُغاماً ضاهت ثموداً وعاداً | كيف تُنفى ابنةُ النبيِّ عِناداً |
ألايِّ الأُمُورِ تُجهلُ قدراً | بنتُ خير الورى فتُجهلُ قبراً |
أم لأيِّ الأُمُور تُظلمُ جهراً | ولأيِّ الامُور تُدفنُ سراً |
نغَّصوا عَيشها وقد كان رَغداً | وفُؤادُ الهُدى لهاذاب وَقداً |
إذ قَضت وهي أوفرُ الخلق جُهداً | فمَضت وهي أعظمُ الناس وَجداً |
فاغتدى قلبُها على الضيم يطوى | واغتدى دمعُها به الأرضُ تُروى |
تخذَت للأحزانِ كالقبر مأوى | وثوَت لا يرى لها الناسُ مثوى |
قد رَمتها يدُ الحقودِ بصرف | للرّزايا ذاقت به أيَّ حتف |
فقضَت والزّمانُ عنها بُخلف | ثمّ همَّت ببعلها كلُّ كفٍّ |
أُمةٌ ضَلَّ إذ غوت مَسعاها | أُمّةٌ خابَ حين ضلَّت رجاها |
امّةٌ في الانامِ ما أشقاها | أُمّةٌ قاتلت إمامَ هُداها |
أدعياءٌ قد انتمت لطُغام | لا تُبالي في البغي من آثام |
وازرتها في الغيّ أيُّ سُوام | كم أرادت إطفاءَ نار حُسام |
حِلفُ كفٍّ بها لهم أيُّ كفّ | ونكالٌ لهم وإرغامُ أنف |
ولطغيانهم بها أي حتف | بأبي مَن لهُ مطاعنُ كفّ |
كم بها للرّشاد أسدى صنيعاً | وبَنى للإسلام حِصناً رفيعاً |
إذ غدا للعُلوم كهفاً منيعاً | إنّ ذاتَ العُلوم تُنمى جميعاً |
مُذ يدُ الصُّنع للهدى كوَّنتهُ | وبحلي من فضلها زيّنته |
كلُّ اكرُومة بمجد عَنتهُ | وكذا كلُّ حكمة مكَّنتهُ |
فمعاليه للفضائل إلفٌ | وأياديه للفواضل حِلفٌ |
فمتى يلتجي العُلى فهو كهفٌ | ومتى يُذكر الندى فهو لطفٌ |
فيه للغيّ ساخَ كلُّ أساس | ورسا للهدى به كلُّ راس |
فلصمصامه القضاءُ مواس | ولإقدامه تزولُ الرّواسي |
كم معال منه لديها التطوَّل | وعُلوم له عليها التفضل |
فلَهُ انقاد صعبُها بتذلُّل | ومَرامي الأسرارِ سدَّدسهم الـ |
بحرٌ فيضِ أغنى افتقار عفاة | للوجُودات منه في رشفات |
وهو إن بالنوال أحيا رُفات | كم له من مواهب مُردفات |
الشيخ هاشم الكعبي
حينما نزح من خوزستان، حمل معه شاعريته الجنوبية الابداع، المفعمة بالولاء ليزاوجها مع الأدب الفقهي الذي زخرت به الحواضر العلمية حينئذ، وقد حل في كربلاء أديباً ليتخرج من مدرستها فقيهاً.
كان الشعر الحسيني يوم ذاك هوية الشاعر المنتمي إلى مدرسة آل البيت (عليهم السلام)، وشهد الشعر الحسيني ابداعاً رائعاً في أواخر القرن الثاني عشر على يد المدرسة النجفية، ولم ينتقل بعدُ إلى مدرسة الحليين، ولعل كربلاء قد اتخذت حين ذاك شخصيتها الفقهية الصرفة التي ميزتها بأعلامها المجددين
لعل الاجابة عن ذلك هو ما يستشفّه المتتبع لشعره الذي احتل منه الرثاء الحسيني مساحة واسعة جداً حتى كاد أن يتميز بكربلائياته عن غيره من شعراء عصره، فهذا الهاجس الحسيني الذي يعيش في ضمير الشاعر الكعبي ترجمهُ إلى مراث حسينية بديعة، ولم يكتفِ بذلك بل توّجه برحلته إلى كربلاء نازحاً عن بلاده، وكأنه أراد أن يعيش المأساة الحسينية بكل دقائقها فاستوطن كربلاء ليستلهم المأساة عن كثب وهو يتصور مسير الواقعة وحركتها المفجعة. وإذا كانت كربلاء بلد الفقه والفقهاء فليكن الشيخ هاشم الكعبي في خضّم هذه الحركة العلمية الدؤوبة فيغوص في أعماقها ليأتي شعره ملتزماً بكل ما للفقيه من مسؤلية شرعية، وتحرّج ديني.
كان نزوح الشاعر إلى كربلاء عاملا مهماً في تحريك الوسط الأدبي الراكد بسبب التوجه الأصولي الجديد الذي أثاره الوحيد البهبهاني والمسلك الفقهي المتميز الذي تزعمه الشيخ يوسف البحراني، ولم تبق لكربلاء سمتها الأدبية كالحواضر العلمية الأخرى من النجف والحلة بل التزمت مدرسة علمية متميزة، فكان حلول الشيخ هاشم الكعبي في الوسط العلمي الكربلائي قد أضاف إلى المدرسة الكربلائية التجديدية لوناً خاصاً من
كان شاعراً مفلقاً متفنناً حسن الاسلوب طويل النفس نظم في مدح أهل البيت (عليهم السلام) ورثائهم حتى قال عنه صاحب الأعيان "فأكثر وأبدع وأجاد واحتج وبرهن وأحسن واتقن، وجميع شعره من الطبقة العالية، اشتهر شعره في أهل البيت(عليهم السلام) في عصره وبعده إلى اليوم في العراق وجبل عامل والبحرين وغيرها وحفظته الناس وتُلي في مجالس العزاء.
كان شاعراً بارعاً شديد العارضة جزل اللفظ والمعنى منسجم التركيب سهله مقتدراً في فنون الأغراض متصرفاً في المطالب مشبع الشعر من الحكم والامثال له ديوان اكثره في الأئمة (عليهم السلام)"(1).
أبدع في الرثاء وخص بعض مقطوعاته الرائعة في السيدة الزهراء (عليها السلام)وتحدّث عن واقعة الاسقاط وأكد في أكثر من مناسبة أن ما جرى على آل البيت (عليهم السلام) كانت بداياته من ذلك اليوم المشؤوم.
توفي عام 1221 هـ ليترك خلفه تراثاً أدبياً رائعاً وعطاءً شعرياً زاخراً واليك بعض قصائده.
____________
1- أعيان الشيعة 10: 237 دار التعارف للمطبوعات.
عدتك نجد فماذا انت مرتقب | يدنوا اليك الحمى أم تنقل الهضب |
أبعد أن بنت عنها بت ترقبها | فاذهب فليس لك العتبى ولا العتب |
لو كنت صادق دعوى الحب ما برحت | بك المطي ولازمت بك النجب |
اعراب بادية تهنى بيوتهم | حيث العوامل والهندية القضب |
لم يعد ملكهم باس ولا كرم | فلا عدو لهم تلقى ولا نشب |
تجري على العكس من قولي ظعونهم | ولو جرت مطلقا ما فاتني الارب |
فكلما قلت رفقاً بالحشى عنفوا | فليت لو قلت بعداً بالسرى قربوا |
يستعذب القلب من تعذيبهم ابدا | كأنهم كلما قد عذبوا عذبوا |
يا منزلا بمحاني الطف لا برحت | تسقي السحائب منك البان والكثب |
كم قلت نجداً وما اعني سواك به | وعرب نجد ومن في ضمنك العرب |
اني وان عنك عاقتني يداً قدر | ببين جسمي فقلبي منك مقترب |
لا تحسبن كل دان منك ذا كلف | ادار بالجنب لكن الهوى جنب |
اقائل اهل ودي انهم غربوا | عن ناظري انهم عن خاطري عزبوا |
لا والهوى ليس بعد الدار يشغلني | عنهم ولا محنة كلا ولا وصب |
يا سائق الحرة الوجناء انحلها | طى السري وطواها الاين والنصب |
فانت كالشمس ما بالعالمين غنى | عنها ولا تجدهم من دونها الشهب |
تالله ما سيف شمر نال منك ولا | يدا سنان وان جل الذي ارتكبوا |
لولا الأولى اغضبوا رب العلا وابوا | نص الولا ولحق المرتضى غصبوا |
اصابك النفر الماضي بما ابتدعوا | وما المسبب لو لم ينجح السبب |
وما تزال خيول الحقد كامنة | حتى اذا ابصروها فرصة وثبوا |
فادرك الكل ما قد كان يطلبه | والقصد يدرك لما يمكن الطلب |
كفٌ بها امك الزهراء قد ضربوا | هي التي اختك الحوراء بها سلبوا |
وان نار وغى صاليت جمرتها | كانت لها كف ذاك البغي تحتطب |
فليبك يومك من يبكيه يوم غدوا | بالصنو قوداً وبنت المصطفى ضربوا |
والله ما كربلا لولا.... والاحياء | تدري ولولا النار ما الحطب |
يفني الزمان وفيك الحزن متصل | باق إلى سرمد الايام ينتسب |
كأن حزنك في الاحشاء مجدك في | الاحياء لم تبله الاعوام والحقب |
تقول نفسي ونار الحزن تضرم في | قلبي وماء البكا في مقلتي سرب |
ترضى من العين ان تجري مدامعها | ومن فؤادك ان يعتاده اللهب |
هيهات رمت محالا وادعيت به | دعوى يلوح عليها الخلف والكذب |
ما انت والقوم ترجوا نيل سعيهم | وما شربت من الكأس الذي شربوا |
هب انك فاتك يوم البين صحبتهم | فكيف لم تركب النهج الذي ركبوا |
[25] وله من قصيدة أيضاً:
لوامة حلف الملامة | أهدت إلى قلبي سقامه |
لوامة نوامة | اين المنام من الملامه |
خلو الحشا عن طارق | للجفن مانعه منامه |
متمدد الليل الطويل | كرى وليلى لن انامه |
فبدا يلوم ولو درى | ما في الحشا ما كان لامه |
باللوم رام سلو قلب | لا تسليه المدامه |
وجمود جفن ليس ترقى | الغانيات له انسجامه |