كيف تزوى من الخلافة يا من | كان للمصطفى أخاً ووصيا |
فيك قد شد أزر أحمد حتى | شدت من دينه بناءً عليا |
وعجيباً تقاد يا قائد الغر | بحبل وكنت ليثاً جرياً |
ما خلا منك منبر الحرب يوماً | وأرى منبر النبي خليا |
أدروا في عدو لهم عنك ان قد | قلدوا عهد أحمد السامريا |
بك باهى الآله في الحجب املا | كاً وسماك في السماء اليا |
لك علم بكل شيء محيط | ومزاياً تفوق بالندريا |
ومعان تجل في الحسن من أن | يدرك العقل كنهها المعنويا |
اين يا ندب راح عنك اباء | فيك قد شخص الابا الهاشميا |
حين بالنار حيط منزلك السا | مي ولا حطت بالعذاب عديا |
ولدى الباب فاطماً أسقطوها | محسناً فاشتكت ونادت اليا |
يابن عمي يا كاشف الكرب | أدركني واظهر من العجائب شيا |
لم تغثها مما دهاها به قنفذ | اذ كنت أنت ذاك الابيا(1) |
____________
1- رياض المدح والرثاء: 307.
الشيخ علي بن
الشيخ حسين بن محمد البلادي البحراني
امتداد للمدرسة الأدبية البحرانية، والتي جعلت في أولوياتها الدفاع عن قضية آل البيت (عليهم السلام) علامة متميزة لها، واحتلت مظلومية السيدة الزهراء (عليها السلام) طليعة ذلك التوجه الأدبي.
تصدّى لتأريخ "القضية الفاطمية" في كتابه وفاة فاطمة الزهراء (عليها السلام)وضمّنه الكثير من قصائده، فهو بقدر ما قدّم القضية على المستوى التاريخي، صاغها بنماذج أدبية من شعره، فكانت مقطوعاته الأدبية متأتية من تحقيق تاريخي رائع، وتحدّث عن واقعة الاسقاط لتكون الدليل القطعي على
ولعل عرضاً سريعاً لبعض مقطوعاته الأدبية المأخوذة من كتابه "وفاة فاطمة الزهراء (عليها السلام)"، تأكد ما قدّمناه:
[39] قال في رثاء الزهراء (عليها السلام) واسقاط جنينها.
دكدك القوم مسجدك | غصبوا فاطم فدك |
أسقطوها جنينها وهي | مخدومة الملك |
اسخطو في أذائها | من إلى الملك قد ملك |
قنّعوها عداوة | بسياط على الحنك |
غير خاشعين للذي | للسموات قد سمك |
فاعتدت وهي صارخة | إذ لها الضرب قد نهك |
بأبيها وقلبها | للاسى فيه معترك |
يا أبي كنت بدرنا | أن ألمت بنا الحلك |
غبت عنا فلم نزل | من أذى القوم في شرك |
ليس منهم سوى الذي | في أذانا لقد شرك |
فعلى القوم لعنة | كلما حرك الفلك(1) |
[40] وقال ايضاً:
أفبعد فاطمة البتول ودفنها | بالليل عين لا تجود بمائها |
أم نفس من يهوى ولاها ترتدي | بردى لها من بعد طول عنائها |
لا بل جدير بعد وشك عنائها | حزناً مذيب النفس عن اقصائها |
فلقد قضت مكظومة وتراثها | ترنوه شزراً في يدي أعدائها |
مضروبة بالسوط حتى انها | أبدت نحيباً من عظيم أذائها |
مسقوطة لجنينها تبدي أسى | لأنينها وجداً على ابنائها |
فليبكها عين المحب بمدمع | جار كعين السحب في اجرائها(2) |
____________
1- وفاة فاطمة الزهراء للشيخ علي البلادي البحراني: 29.
2- نفس المصدر.
الحاج جواد بدقت
إذا عُرِفتْ النجف الأدبية في القرن الثالث عشر بفحول شعرائها المجيدين كالشيخ عبد الحسين شكر، والشيخ حبيب شعبان وأمثالهما، وإذا عُرفت الحلة الأدبية إبّان ذلك القرن بعظام أدبائها كالسيد حيدر الحلي والشيخ صالح الكواز وأمثالهما، فان الحائر الحسيني قد شهدت أرضه المقدسة نهضتها الأدبية أواسط القرن الثالث عشر على يد زعيم هذه النهضة الحاج جواد بدقت والذي مثّل مدرسة الحائر الحسيني بكل فنونها الأدبية وأغراضها الشعرية.
استطاع الحاج جواد بدقت، والذي هو من رواد المدرسة الأدبية الحائرية أن ينزع إلى التعبير عن طموحات مدرسته الرثائية، وكان رثائه الحسيني الذي يستطرد به تاريخ الأمة، يوقفه عند مأساة السيدة الزهراء (عليها السلام)، وكأنه الديباجة المتأخرة التي تبدأ بها فاجعة الطف حيث تنتهي، والمقدمة التي مهدت لفاجعة الطف حيث تبدأ.
ولد الحاج جواد بدقت في كربلاء عام 1210 هـ(1)، وتوفي فيها سنة 1281 هـ ودفن هناك رحمه الله تعالى.
كان فاضلا أديباً، مشهور المحبة لأهل البيت (عليهم السلام)، من مشاهير شعراء القرن الثالث عشر، وديوانه لا يزال مخطوطاً وفيه قصائد عامرة.
ومن رثائه الحسيني ـ الفاطمي هذه المقطوعة:
____________
1- عن أدب الطف 7: 144.
فوق الحمولة لؤلؤ مكنون | زعم العواذل انهن ضعون |
لم لقبوها بالظعون وانها | غرف الجنان بهن حور عين |
ومنها:
يا قلب ما هذي شعار قيم | ولعل حال بني الغرام فنون |
خصص مخطبك غير طارقة الهوى | ان الهوى عما لقيت بهون |
ما برحت بك غير ذكري كربلا | فاذا قضيت بها فداك يقين |
ورد ابن فاطمة المنون على ظما | ان كنت تأسف فلتردك منون |
ودع الحنين فانها العظمى فلا | تأتي عليها حسرة وحنين |
ظهرت لها في كل شيء آية | كبرى فكاد بها الفناء بحين |
بكت السماء وما ولم تبرد به | كيد ولو ان النجوم عيون |
ندبت لها الرسل الكرام وندبها | عن ذي المعارج فيهم مسنون |
فبعين نوح سال ما أربى على | ما سار فيه ملكه المشحون |
وبقلب ابراهيم ما بردت له | ما سجر النمرود وهو كمين |
ولقد هوى صعقاً لذكر حديثها | موسى وهوّن ما لقى هارون |
واختار يحيى أن يطاف برأسه | وله التأسي بالحسين يكون |
وأشد ما ناب كل مكون | من قال قلب محمد محزون |
فحراك تيم بالضلالة بعده | للحشر لا يأتي عليه سكون |
عقدت بيثرب بيعة قضيت بها | للشرك منه بعد ذاك ديون |
برقيِّ منبره رقى في كربلا | صدر وضرج بالدماء جبين |
لولا سقوط جنين فاطمة لما | أودى لها في كربلاء جنين |
وبكسر ذاك الضلع رضت أضلع | في طيها سر الإله مصون |
وكذا علي قوده بنجاده | فله علي بالوثاق قرين |
وكما لفاطم رنة من خلفه | لبناتها خلف العليل رنين |
وبزجرها بسياط قنفذ وشحت | بالطف من زجر لهن متون |
وبقطع تلك الاراكة دونها | قطعت يد في كربلا ووتين |
لكنما حمل الرؤس على القنا | أدهى وان سبقت به صفين |
كلٌ كتاب الله لكن صامت | هذا وهذا ناطق ومبين(1) |
____________
1- أدب الطف للسيد جواد شبر 7: 150.
الشيخ حسن بن محمد الدمستاني
كانت بدايات القرن الثاني عشر الهجري، بداية للتحرك السلفي الذي اجتاح جزيرة العرب، وكانت أرض القطيف ممن نالها هذا الاجتياح الفكري والغزو العقائدي السلفي، وطبيعي أن الحوزة العلمية البحرانية التي ضمّت بين أحضانها علماء أفذاذ أوقفوا أنفسهم للدفاع عن فكر آل البيت (عليهم السلام)، وصد الشبهات القادمة من خلف حدود الوطن الإسلامي، وجدت ـ هذه الحوزة ـ أن القطيف ذات التاريخ الشيعي العريق قد استهدفت من قبل حملات السلفيين العقائدية، وكان لابد من العلماء أن يسجّلوا حضورهم في
كان الشيخ حسن الدمستاني، من العلماء الافذاذ الذين سجّلوا حضورهم العلمي لصد ما ورد على القطيف الامامية، وحل عند أهلها، وقام بين ظهرانيهم للذود عن حياض العقيدة الحقة، وجنّدَ أهلها للدفاع عن تاريخهم ومبتنياتهم الفكرية، فخرجت ـ بحمد الله تعالى ـ أمةً كاملةً من جنود العقيدة والولاء.
قال صاحب الاعيان في ترجمته:
"هو الشيخ حسن بن محمد بن علي بن خلف بن ابراهيم بن ضيف الله بن حسن بن صدقة البحراني الدمستاني: والدمستاني نسبة الى دمستان قرية من قرى البحرين أصله منها ثم جاء إلى القطيف وتوفي فيها سنة 1181 هـ.
كان عالماً فاضلا فقيهاً محدثاً رجالياً محققاً مدققاً ماهراً في علمي الحديث والرجال أديباً شاعراً، قال في حقه صاحب أنوار البدرين: العالم الفاضل العلامة المحقق الفهامة التقي النقي الاديب كان من العلماء الاعيان ذوي الاتقان والايقان وخلص أهل الولاء والايمان زاهداً عابداً تقياً نقياً ورعاً شاعراً ناثراً مخلصاً في محبة أهل البيت (عليهم السلام) وله أشعار كثيرة في
1 ـ انتخاب الجيد من تنبيهات السيد وهو منتخب كتاب تنبيه الاريب في ايضاح رجال التهذيب للسيد هاشم البحراني.
2 ـ منظومة في نفي الجبر والتفويض.
3 ـ منظومة في أصول الدين.
4 ـ ارجوزة في اثبات الامامة والوصية.
5 ـ ارجوزة في التوحيد.
6 ـ رسالة في التوحيد.
7 ـ رسالة في استحباب الجهر بالتسبيح.
له شعر كثير... وله مراث جليله مشهورة تقرأ في المجالس الحسينية.. ومن شعره في رثاء الحسين (عليه السلام) منها.
اتغتر من أهل الثناء بتمجيد | وانك من عقد العلى عاطل الجيد |
فقم لاقتحام الهول في طلب العلى | بسمر القنا والبيض والقطع للبيد |
ألم تر أن السبط جاهد صابراً | بانصاره الصيد الكرام المذاويد |
وله أيضاً:
تنسي المواقف أهليها مواقفهم | بصبرهم في البرايا يضرب المثلُ |
ذاقوا الحتوف باكتاف الطفوف عـ | ـلى رغم الانوف ولم تبرد لهم غلل |
أفدي الحسين صريعاً لا صريخ له | الا صرير نصول فيه تنتصل |
والطعن مختلف فيه ومؤتلف | والنحر منعطف والعمر منبتل |
اليس ذا ابن علي والبتول ومن | بجده ختمت في الأمة الرسل"(1) |
____________
1- أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين 5: 260.
دعي عدى لم تدع من دعامة | لدين الهدى الا هدمت أساسها |
ولا سنة أشاد النبي بنائها | لأمته الا أردت اندراسها |
ترصدت تبغي الخلافة فرصة | فراقبتها حتى اجدت اختلاسها |
شمتِ بموت المصطفى وشتمته | وعاطيت أرباب الشماتة كاسها |
وبضعته أسقطت ضغناً جنينها | بضغط كما بالسوط قنّعت راسها |
وغادرتها ولضاء مطوية الحشا | على زفرات لا تطيق احتباسها |
وأبعدتها عن ارثها وأشعت في | دعايا عدى لينها وغراسها |
تغشاهم اللعن الإلهي كلما | نفى مدمع العين السجوم نعاسها |
فاق النفاق وخر الدين منصدعا | غداة أصبح وحي الله منقطعا |
وأزمعت عصبة عصب الوحي ولن | تعبأ بنص له المختار قد صدعا |
قادوه قسرا لتضليل وذوي إحن | لادين يحميه عن اثم ولا ورعا |
فأقبلت فاطمة الزهراء حاجزة | عنه ومحجرها بالدمع قد همعا |
ترجو النبيلة أن ترعى فما رعيت | بل روعت لا لهم رب السماء رعا(1) |
____________
1- وفاة فاطمة الزهراء للشيخ علي الشيخ حسين البلادي البحراني: 27 المكتبة الحيدرية النجف 1965.
الشيخ عبد الحسين صادق العاملي
جمع بين بيئتين النجفية التي هي مولده، والعاملية التي هي أصوله ومحتدهُ، أي جمع بين ثقافتين ثقافة النجف التحقيقية الأدبية، وثقافة جبل عامل العلمية الأدبية، فأخذ من تلك نبوغها متأثراً بتيارات النجف العلمية والحلة الشعرية فضلا عن التيارات الادبية العراقية كمدرسة البغداديين وغيرها، وورث من الأخرى أصالة الأدب الشامي ليقطع شوطاً آخر قطعه شعراء عامل اللذين كانت مدرستهم تقابل المدرسة المصرية الأدبية التي لها
كان الشعر العاملي قد تأثر ببيئته الجميلة وروعة الطبيعة العاملية التي خلقت من الشاعر رقة في الاحساس تميز عن الشعر الحجازي مثلا الذي إنعكست عليه شدة الظروف البيئية القاسية ذات الطبيعية الصحراوية، فجاءت مقطوعات الحجازيين شديدة لها وقعها البدوي المتميز.
في حين استلهمت الأدبيات العاملية جمالية البيئة حتى انعكست هذه على نتاجات العامليين فتجدها رقيقة لطيفة.
جمع الشيخ عبد الحسين العاملي رحمه الله بين احساسات العامليين الأدبية الرقيقة وبين توجهات المدرسة العلمية النجفية، وحاول الجمع بين هذين التوجهين ليخرج شعره رقيقاً يلتزم الجنبة العلمية التحقيقية، فربّ شعر رقيق يعبّر عن وجدانيات صاحبه يُلغي عن حساباته التحقيق العلمي، ورب شعر تحقيقي ينقل الغرض فقط دون أن يؤثر في مشاعر القارىء أو السامع واحساساته، إلاّ أن شعر الشيخ عبد الحسين العاملي قدّم النموذجين في قصيدة واحدة فراعى الجانب التحقيقي ليحافظ في نفس الوقت على رقه: إحساسه ومشاعره الجياشة.
كانت قصائده الفاطمية فصلا مهما من تأريخ الأدب الفاطمي حيث أكد المأساة ونقل فاجعة إسقاط المحسن في مقطوعته وعبّر عنها بحديث الباب، وهي رمزية رائعة استخدمها الشاعر لا لشيء، بل إشارة ذكية تؤكد أن واقعة الاسقاط صارت احدى بديهيات التأريخ الفاطمي فيبتعد عن سردها ليجعل القارىء نفسه يتكفل في معايشتها أو في معرفتها إن لم ترتكز في
ولد الشيخ عبد الحسين العاملي في النجف سنة 1282 هـ ونشأ فيها ثم انتقل إلى جبل عامل وعاد إلى النجف بعد وفاة أبيه فأخذ عن علمائها مثل الشيخ ميرزا حسين ابن ميرزا خليل وهو من الطبقة الأولى في الشعراء، جرت بينه وبين السيد حسين القزويني مراسلات كثيرة منظومة ومنثورة من ذلك قصيدة أولها:
غرامي غرام الظبي مقتنص الخشف | ونوحي نوح الورق فاقدة الألف |
توفي في أوائل ذي الحجة سنة 1361 وفي النبطية ودفن فيها.
قال في بعض مرثياته:
سل كربلا والوغى والبيض والأسلا | مستحفياً عن أبي الضيم ما فعلا |
أحلقت نفسه الكبرى بقادمتي | ابائه ام على حكم العدا نزلا |
غفرانك الله هل يرضى الدنية من | لقاب قوسين أو أدنا رقى نزلا |
إلى أن يقول:
أحيا ابن فاطمة في قتله أمما | لولا شهادته كانت رميم بلا |
تنبهت من سبات الجهل عالمة | ضلال كل امرء عن نهجه عدلا |
إلى آخر قصيدته.
وقال في رثاء أبي الفضل العباس (عليه السلام)
بكر الردى فاجتاح في نكباته | نور الهدى ومحاسنا سيمائه |
ورمى فأصحى الدين في نفاذه | وارحمتاه لمنتهى أحشائه |
يوما به قمر الغطارف هاشم | صكت يد الجلى جبينه بهائه |
سيم الهوان بكربلاء فطار للعز | الرفيع به جناح ابائه |
إلى أن يقول:
يا مبكياً عين الامام عليك | فلتبك الانام تأسياً لبكائه |
ومقوساً منه القوام تأسياً | بالسبط في تقويسه وحنائه |
أنت الحري بأن تقيم بنو الورى | طراً ليوم الحشر سوق عزائه |
وله في رثاء الحسين (عليه السلام):
إذا نصل سيف أم هلال محرم | إذا شفق للافق ام علق الدم |
اهذي السما ام كربلا أم | مضارب لا ل علي ام بروج لا نجم |
إلى أن يقول:
كأن العوالي والمواضي بعينه | غوان نحته وهو جد متيم |
فقابلها من وجهه بطلاقة | وبشر ومن فيه بلطف تبسم |
ألا بأبي ظمآن قلب ومهجة | ومن بشره ريان ثغر ومبسم |
قضى نحبه للدين هدياً مغادراً | بنات رسول الله ثاكلة الحمي |
عليه عيون المؤمنين تعجزت | عيوناً ليوم الحشر نفاحة الدم(1) |
[44] ولحجة الإسلام آية الله الشيخ عبد الحسين صادق العاملي مرثيةً فاطمية قال فيها:
أنائحة مثلي على العرصة القفرا | تعالي اقاسمك المناحة والذكرى |
حديث الجوى يا ورق يرويه كلنا | عن العبرة الوطفاء والكبد الحرا |
كلانا كئيب يتبع النوح أنة | إذا ما وعاها الصخر صدّعت الصخرا |
____________
1- راجع في ترجمته أعيان الشيعة للسيد الأمين 7: 435.