الصفحة 285

الشيخ حبيب شعبان

إذا كانت المدرسة الحلية قد أبدعت في الرثاء الحسيني، فان مدرسة الأدب النجفية قد أبدعت في الأدب الفاطمي، ولعل الموقع الجغرافي لكلا المدرستين قد أسهمَ في تخصصات هذين الاتجاهين، فالحلة الفيحاء المتاخمة لحدود كربلاء، وتماس الحليين لهذه المدينة المقدسة فضلا عن قوافل الزائرين الوافدين إلى كربلاء والمارين على أطراف الحلة أو المخترقين لوسط مدينتها، كما أن فرات الحلة الممتد من الفرات الكربلائي الذي حدثت على شواطئه الفاجعة الحسينية، عوامل تعيد ذكريات الفاجعة وتفاصيل

الصفحة 286
مأساتها، وارتكزت الفاجعة في شخصية الشاعر الحلي ودواخله الحزينة عوامل الاثارة لاستذكار هذه المأساة، وارتسمت معالم المدرسة الحلية من فاجعة الطف التي تركت أثرها واضحاً على شخصية الشاعر وهو اجسه، في حين أن المدرسة النجفية عاشت في ربوع النجف وتوّجت أرضها الخضراء تلك القباب البيض الشامخات على هامات علماء المدرستين العلمية والأدبية، وكان قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) يستجلي تاريخاً طويلا من المأساة تبدأها فاجعة فاطمة وتختمها فاجعة فاطمة، لذا فقد انطبعت في شخصية الأديب ملامح هذه المأساة وطغت على توجهاته أهم حدث جعله في أولويات رؤيته التاريخية، فخرجت قصيدته من بين هذه الهواجس والذكريات، قصيدة فاطمية يبدع فيها الشاعر النجفي ليقرأ تاريخ مأساة صاحب هذه القبة الشامخة الحزينة.

كان الشيخ حبيب شعبان ممن مثّل هذه النزعة، وترجم تطلعات المدرسة الادبية النجفية في اظهار مظلومية السيدة الزهراء (عليها السلام) بقصائد أبدع فيها وتُليت على منابر الخطباء ومحافل الأدباء، كما أنه أظهر مأساة المحسن بروعة أدبية، ومحاولة فنية قيّمة.

ولد الشيخ حبيب شعبان في النجف في حدود 1290 هـ(1)، ونشأ على أبيه، وعُني بتربيته وقرأ القرآن وتعلم الكتابة، ثم وجهه حسب رغبته إلى طلب العلم فقرأالنحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق والفقه والاصول.

قال صاحب الحصون: فاضل ذكي، شاعر معاصر، وأديب حسن

____________

1- راجع في ترجمته شعراء الغري 3: 3.


الصفحة 287
المعاشرة طريف المحاورة.. هاجر إلى كربلاء وتتلمذ على السيد محمد باقر الطباطبائي واتصل به مدة..

وذكر صاحب أعيان الشيعة انه انتقل إلى الهند فحاز على منزلة سامية عند أهلها وكان من مراجع الدين.

وذكره الشيخ جعفر النقدي: فقال: فاضل بديع الاسلوب حسن النظم، جميل المحاورة.

* * *

[51] قال في رثائه للسيدة الزهراء (عليها السلام):

سقاك الحيا الهطال يا معهد الالفويا جنة الفردوس دانية القطف
فكم مر لي عيش حلا فيك طعمهليالي أصفي الود فيها لمن يصفي
بسطنا أحاديث الهوى وانطوت لناقلوب على ما في المودة والعطف
فشتتنا صرف الزمان وإنهلمنتقد شمل الأحبة بالصرف


الصفحة 288
كأن لم تدر ما بيننا أكؤس الهوىونحن نشاوى لا نمل من الرشف
ولم نقض أيام الصبا وبها الصباتمر علينا وهي طيبة العرف
أيا منزل الاحباب مالك موحشاًبزهرته الارياح أودت بما تسفي
تعفيت يا ربع الأحبة بعدهمفذكرتني قبر البتولة إذ عفي
رمتها سهام الدهر وهي صوائببشجو إلى أن جرعت غصص الحتف
شجاها فراق المصطفى واحتقارهالدى كل رجس من صحابته جلف
وما ورثوها من أبيها وأثبتواحديثا نفاه الله في محكم الصحف
فآبت وزند الغيظ يقدح في الحشاتعثر بالأذيال مثنية العطف
وجاءت إلى الكرار تشكو اهتضامهاومدت اليه الطرف خاشعة الطرف


الصفحة 289
أبا حسن يا راسخ الحلم والحجىإذا فرت الأبطال رعباً من الزحف
ويا واحداً أفنى الجموع ولم يزلبصيحته في الروع يغني عن الألف
أراك تراني وابن تيم وصحبهيسومونني مالا أطيق من الخسف
ويلطم خدي نصب عينيك ناصب الــعداوة لي بالضرب مني يستشف
فتفضي ولا تنضي حسامك آخذابحقي ومنه اليوم قد صفرت كفي
لمن اشتكي إلاّ اليك ومن بهألوذ وهل لي بعد بيتك من كهف
وقد أضرموا النيران فيه وأسقطواجنيني فوا ويلاه منهم ويالهف
وما برحت مظلومة ذات علةتؤرقها البلوى وظالمها مغف
إلى أن قضت مكسورة الضلع مسقطاًجنين لها بالضرب مسودة الكتف


الصفحة 290
كسا جسمها ثوب الضنا وبناتهاعناداً لها قد سلبوهن بالطف
وطافوا بها الشامات أسرى حواسراًهواتف يذهلن الحمام عن الحتف
ويخمشن بالأيدي وجوهاً تقشرتعن الشمس إذ ما في ظلال ولا سجف
لقد شمتت أرجاس آل أميةبها فلفرط الانس تضرب بالدف(1)

[52] وله في رثاء السيدة الزهراء (عليها السلام) قوله:

هي الغير تسقي من لواحظها خمرالذلك لا تنفك عشاقها سكرى
ضعايف لا تقوى قلوب ذوي الهوىعلى هجرها حتى تموت به صبرا
وما أنا ممن يستلين فؤادهُوينفثن بالألحاظ في عقله سحرا
ولا بالذي يشجيه دارس مربعفيسقيه من أجفانه أدمعاً حمرا

____________

1- شعراء الغري 3: 6.


الصفحة 291
أأبكي لرسم دارس حكم البلىعليه ودار بعد سكانها قفرا
وأصفي ودادي للديار وأهلهافيسلو فؤادي ودّ فاطمة الزهرا
وقد فرض الرحمن في الذكر ودهاوللمصطفى كانت مودتها أجرا
وزوجها فوق السما من أمينهعلي فزادت فوق مفخرها فخرا
وكان شهود العقد سكان عرشهوكانت جنان الخلد منه لها مهرا
فلم ترض إلاّ أن يشفعها بمنتحب فأعطاها الشفاعة في الأخرى
حبيبة خير الرسل ما بين أهلهيقبلها شوقاً ويوسعها بشرا
ومهما لريح الجنة اشتاق شمهافينشق منهاذلك العطر والنشرا
إذا هي في المحراب قامت فنورهابزهرته يحكي لأهل السما الزهرا


الصفحة 292
وانسية حوراء فالحور كلهاوصائفها يعددن خدمتها فخرا
وإن نساء العالمين إماؤهابها شرفت منهن من شرفت قدرا
فلم يكُ لولاها نصيب من العلىلأنثى ولا كانت خديجة الكبرى
لقد خصها الباري بغرِ مناقبتجلت وجلت أن يطيق لها حصرا
وكيف تحيط اللسن وصفا بكنه منأحاطت بما يأتي وما قد مضى خبرا
وما خفيت فضلا على كل مسلمفيا ليت شعري كيف قد خفيت قبرا
وما شيع الاصحاب سامي نعشهاوما ضرهم ان يغنموا الفضل والأجرا
بلى جحد القوم النبي وأضمرواله حين يقضي في بقيته المكرا
له دحرجوا مذ كان حياً دبابهموقد نسبوا عند الوفات له الهجرا


الصفحة 293
فلما قضى ارتدوا وصدوا عن الهدىوهدوا على علم شريعته الغرا
وحادوا عن النهج القويم ضلالةوقادوا علياً في حمايله قهرا
وحيداً من الانصار لا حمزة لهولا جعفر الطيار فادرع الصبرا
وطأطأ لا جبناً ولو شاء لانتضىالحسام الذي من قبل فيه محا الكفرا
ولكن حكم الله جار وانهلأصبر من في الله يسيعذب الصبرا
فكابد ما لو بالجبال لهدّهاوشاهد بين القوم فاطمة حسرا

ومنها:

ستصرخ للعدل الحكيم بعولةوتشكوك يوم الحشر لا تعرف الحشرا
لها الله من مظلومة كظلامةلديك لها لا تستطيع لها حصرا
وأفجع ما قاسته منك وكلهافجايع أن أرقيت صدر ابنها شمرا


الصفحة 294
فعلىّ على الخطاب عالي كريمةخضيبا ورضت صدره الخيل والظهرا
فكابد حر السيف وهو على ظماوظل بحر الصيف ملقى على الغبرا
خضيباً بقان من دماه بكت لهالسماء دما والارض والأفق إحمرا
عليك أبا السجاد ما أحسن البكاوما أقبح الدنيا بفقدك والصبرا
أتقضي ولم تشرب من الماء قطرةتريبا وفيك الناس تستنزل القطرا
وتعدوا عليك العاديات مجرداترض لك الصدر الذي استودع السرا(1)

____________

1- شعراء الغري 3: 4.


الصفحة 295

السيد عيسى الكاظمي

لم تكن مدرسة بغداد قد أنجبت ما أنجبته مدارس النجف الأدبية أو الحلة أو كربلاء، ذلك لأن المدرسة البغدادية قد جمعت في حوزتها شعراء يوحدهم الفن الأدبي، وتفرّقهم الاغراض الشعرية ذات الفلسفات المتباينة، فالشعراء من ذوي المذاهب الإسلامية المختلفة قد إنتموا إلى هذه المدرسة البغدادية، وحاول كل منهم التعبير عن مبتنياته الفقهية أو توجهاته السياسية، أو رؤيته التاريخية، أو مشاهداته الاجتماعية في غرض القصيدة الذي بات بعد ذلك توثيقاً لمبتنيات هذه الفئة أو تلك، وحاز الشاعر الشيعي

الصفحة 296
في خضم هذا التسابق الأدبي قصبة السبق في غرض الرثاء، الذي صار سمة شاعريته تعبيراً عن مأساة آل البيت (عليهم السلام)، وقدّم الأدب الشيعي أطروحته الأدبية، وانفتح على الاغراض الأخرى فابدع فيها تماشياً مع متطلبات المدارس الأدبية الأخرى، وحاولت المدرسة الأدبية الشيعية تقديم قراءة تاريخية لمجريات الاحداث الاسلامية وابتعدت عن مترفات الغرض الشعري الذي بات أنذاك سمةً تميّز مدارس الأدب البغدادية الأخرى، فمحاكاة النظام الحاكم ومديحه واستجلاب عطف فئة سياسية على حساب أخرى حفلت بها أدبيات هذه المدارس، وابتعد الأدب الشيعي ليكون أدباً ملتزماً يقدّم قضيتة ويعبر عن احساسه.

لم يُحِدْ الأدب الشيعي البغدادي عن أدب مدارس الأم، فمدرسة الأدب الحلية التي تميزت بالرثاء الحسيني، ومدرسة الأدب النجفية التي أبدعت في الرثاء الفاطمي، ومدرسة الادب البحرانية التي عُرفت بمدرسة أدب المأساة، ومدرسة الأدب القطيفية التي التزمت الدفاع عن عقائد الامامية، ومدرسة الادب العاملية التي انفتحت على مدارس الحواضر الإسلامية الأخرى لتقدّم الرؤية الصحيحة عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، كل هذه المدارس شاركت في تأسيس مبتنيات المدرسة البغدادية الشيعية، وحاولت ارساء دعائمها كونها اكثر المدارس تعرضاً للمحاججة والاستجواب من قبل المدارس الإسلامية الأخرى، إذن، كانت مدرسة بغداد حصيلة هذه المدارس الأدبية، ولا نعني الغاء شخصية هذه المدرسة وخصوصياتها، بل اننا نحتفظ برؤيتنا عن هذه المدرسة ذات الاختصاص الشيعي الصرف والمنفتح على ثقافات المدارس الأخرى.


الصفحة 297
عرفت مدرسة بغداد الأدبية بشعرائها المجيدين وكان السيد عيسى الكاظمي من ألمع هؤلاء المبدعين، توفي رحمه الله في سنة 1330 هـ قال عنه المحقق أغا بزرك الطهراني:

هو السيد عيسى بن السيد جعفرابن السيد محمد آل سيد محسن الاعرجي الكاظمي، وهو عالم كامل وأديب جليل من رجال أسرته الافاضل، وأعلام المعرفة الأماثل قرأ على علماء عصره وبدع في الأدب ولا سيما الشعر(1).

ترك أثاره العلمية التي منها:

شرح مقدمات الحدائق. كتاب المحصول. كتاب الوافي. كتاب العدة في الرجال.

قدّم السيد عيسى الكاظمي مدرسته الأدبية كونها المدرسة المتصدية لاظهار مظلومية آل البيت (عليهم السلام)، وكان عنوان هذه المظلومية مأساة السيدة الزهراء (عليها السلام)، فأرّخ محنتها أحسن تأريخ وقدّمها برؤيتها التاريخية الأمينة.

____________

1- نقباء البشر في القرن الرابع عشر 4: 1637.


الصفحة 298
وفيما يلي مرثيته الفاطمية:

[53] قال:

خطبٌ يُذيبُ من الصخور صلابهاويزيلُ من شم الجبالِ هضابها
فلو أنّ ما قاسيت منه صادفتصم الصفا معشارُه لأذا بها
خطبٌ لهُ أمسيتُ أصفقُ راحتيوذو المعالي منهُ تقرعُ نابها
عطفت على القبر الشريفِ برنّةتشكو إليه من اللئام مصابها
والله ما أدري لأي مصيبةتشكو فقد هدّالقوى ما نابها
العِصرها بالباب حتى أسقطت؟!أم حرقها ياللبريّه بابها؟!
ام لطمها حتى تناثر قِرطها؟!وبه تقصّدُ عينها فأصابها
أم ضربها حتى تكسّر ضلعها؟!ضرباً يروم به الزنيم أيابها


الصفحة 299
أم غصبهم من بعد ذلك نحلة؟!ام أنّهم خرّقوا لذاك كتابها
أم قودهم لإمامهم بنجاده؟!كيما يُبايع جهرةً أذنابها
والطهرُ تهتفُ خلفهم في رنّةملأت من البيد القفار رحابها
ما عندهم لنبيهم فيها إذاما قد تولاّ في المعاد حسابها
يوم به الزهراء تحملُ محسناًسقطاً فتذهل للورى ألبابها


الصفحة 300

الصفحة 301

العلامة
السيد باقر الهندي

إذا كان حوار الحضارات يتوقف على آلية التفاهم، فان القصيدة الامامية قد صيغت على انها آليه الحوار والتفاهم، وإذا كانت القصيدة العربية منبعثة من هموم الشاعر ولواعج نفسه، فان القصيدة الامامية منبعثة من طرفي معادلة واقعية ثابتة وهي الحاجة الذاتية للشاعر ليُعبّر عن مكنون ألمه العميق بما حل بآل الله الطيبين، ومن الحاجة إلى طرح قضيته العقائدية لحضارة قادمة يتحاور معها على أساس الثوابت المتسالمة تاريخياً،

الصفحة 302
أي أن الحوار الحضاري الذي يصبو إليه الشاعر هو محاولة انفتاح على حضارات قادمة يقدّم فيها مسلّمات تُشكّل على أساسها أطروحته الحوارية، إذن فالقصيدة الإمامية هي رسالة تفاهم بين أجيال سابقة وبين أجيال لاحقة تضطرب لديها الرؤية وتتنازع لديها الافكار في ثوابتها المتسالم عليها نتيجة خرق فكري يتسلل في الخفاء أو يرتطم بها على حين غفلة في مخادعها العقائدية المحصّنة ببديهيات تاريخية عقائدية، وبمعنى آخر أن القصيدة الإمامية باتت ذخيرة عقائدية إدخرتها الاجيال السابقه.

في قراءة لقصيدة العلامة الثبت السيد باقر الهندي تنكشف لك حقيقة هذا الحوار الحضاري، فالقصيدة استقصاءات لمحنة تاريخية، وتساءلات أثارها الشاعر عن ثوابت لا يمكن انكارها، وكأن تساؤلاته مسلّمات ارتكزت في نفس الشاعر وفي ذهنية المخاطب، ثم يقدّم الشاعر اجاباته على أساس الرؤية التاريخية المتسالم عليها، وتتمحور اجاباته على أسس الثوابت والمسلمات العقائدية.


الصفحة 303
[54] وأليك حوارياته الفاطمية الرائعة:

كل غدر وقول افك وزورهو فرع عن جحد نص الغدير
فتبّصر تبُصر هداك إلى الحقفليس الاعمى به كالبصير
ليس تعمى العيون لكنما تعمىالقلوب التي انطوت في الصدور
يوم اوحى الجليل يأمر طهوهو سار ان مر بترك المسير
حط رحل السرى على غير ماءوكلا في الفلا وحر الهجير
ثم بلغهم والا فما بلغتوحياً عن اللطيف الخبير
اقم المرتضى اماماً على الخلقونوراً يجلو دجى الديجور
فرقى آخذاً بكف عليمنبراً كان من حدوج وكور
ودعا والملا حضور جميعاًغيب الله رشدهم من حضور


الصفحة 304
ان هذا اميركم ووليالامر بعدي ووارثي ووزيري
هو مولى لكل من كنت مولاه من الله في جميع الامور
فأجابوا بألسن تظهر الطاعة والغدر مضمر في الصدور
بايعوه وبعدها طلبوا البيعةمنه لله ريب الدهور
اسرعوا حين غاب احمد للغدروخافوا عواقب التأخير
نبذوا العهد والكتاب وماجاء به والوصي خلف الظهور
خالفوا كلما به جاء طهوهو إذ ذاك ليس بالمقبور
عدلوا عن ابي الهداة الميامينإلى بيعة الاثيم الكفور
قدّموا الرجس بالولاية للامرعلى أهل آية التطهير


الصفحة 305
لست تدري لم احرقوا الباببالنار ارادوا اطفاء ذاك النور
لست تدري ما صدر فاطم ماالمسمار ما حال ضلعها المكسور
ما سقوط الجنين ما حمرة العينوما بال قرطها المنثور
دخلوا الدار وهي حسرى بمرأىمن علي ذاك الابى الغيور
واستداروا بغياً على اسد اللهفاضحى يقاد قود البعير
والبتول الزهراء في اثرهم تعثرفي ذيل بردها المجرور
بأنين أورى القلوب ضراماًوحنين اذاب صم الصخور
ودعتهم خلوا ابن عمي عليااولا شكو إلى السميع البصير
ما رعوها بل روعوها ومروابعلي ملبباً كالاسير


الصفحة 306
بعض هذا يريك ممن تولىبارز الكفر ليس بالمستور
كيف حق البتول ضاع عناداًمثل ما ضاع قبرها في القبور
قابلوا حقها المبين بتزويروهل عندهم سوى التزوير
ورووا عن محمد خبراً لميك فيه محمد بخبير
وعلي يرى ويسمع والسيفرهيف والباع غير قصير
قيدته وصية من اخيهحملته ما ليس بالمقدور
افصبراً يا صاحب الامر والخطبجليل يذيب قلب الصبور
كم مصاب يطول فيه بيانيقد عرى الطهر في الزمان القصير
كيف من بعد حمرة العين منهايا ابن طه تهنى بطرف قرير


الصفحة 307
فابك وازفر لها فان عداهامنعوها من البكا والزفير
وكأني به يقول ويبكيبسلو نزر ودمع غزير
لا تراني اتخذت لا وعلاهابعد بيت الاحزان بيت السرور
فمتى يا ابن فاطم تنشر الطاغوت والجبت قبل يوم النشور
فتدارك منا بقايا نفوسقد اذيبت بنار غيظ الصدور


الصفحة 308

الصفحة 309

الشيخ محمد الملا

لم يكن الرثاء الفاطمي غرضاً أدبياً يقدّمه الشاعر، بقدر ما هو ضرورة تاريخية إستلهمها الأديب من استقرائه التاريخي، والرثاء الفاطمي بات غرضاً ينبعث من التركيبة النفسية الشيعية ذات المعاناة الأزلية على امتداد التاريخ الإسلامي، ولما كان الشاعر احدى العينات الناضجة لهذا المجتمع الممتحن، فان مأساة هذه الشريحة من الأمة الإسلامية ترجمها الشاعر إلى احساسات وهواجس ناضجة تترفع عن أغراض العاطفة ومطبات الغرض الشخصي، إلى مراقي البرهان والاستدلال، بل ان المأساة الفاطمية لافتة

الصفحة 310
ناضجة يرفعها الأديب ليُعبّرَ عن تطلعات أمة كاملة ويحكي تاريخ معذب ممتهن شاركت فيه عوامل تاريخية غير رشيدة.

إن معاناة الأديب الشيعي تتوزع بين مصائب السيدة الزهراء إلى شهادة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى قتل الحسن وفاجعة الحسين مروراً بالفجائع المتلاحقة المتوزعة بين آل البيت (عليهم السلام)، إلاّ أن مأساة السيدة الزهراء (عليها السلام) قد هيمنت على مشاعر الشاعر واحساساته فينطلق منها إلى تسجيل الحادثة على أنها شاهد حى انطلقت منها المحنة الشيعية على مرور التاريخ.

كان الشيخ محمد الملا أحد الشعراء المجيدين في هذا المجال، فقد قدّم مرثيته الفاطمية على انها أساس الفجائع والمحن، وأوضح في ديباجه مقطوعته الأدبية أن آلامه وهمومه منطلقةً من تلك المصائب التي عاناها آل النبي الاطهار وكانت في مقدمتها مأساة السيدة الزهراء (عليها السلام).

ولد الشيخ محمد الملا في الحلة الفيحاء سنة 1243 هـ وتوفي سنة 1322 وحمل الى النجف الاشرف حيث دفن هناك.

قال عنه البحاثة الشيخ علي الخاقاني(1): أديب كبير، وخطيب مقوّه طرق كافة النواحي بمحاضراته ومساجلاته، وحصل على شهرة واسعة في الاوساط الأدبية عندما نظم رائعته في مدح الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وقد أجاد بها، إذ جارى بها بديعية الصفي الحلي والسيد علي خان الشيرازي.

وأرخه اليعقوبي في بابلياته بقوله: من مشاهير أدباء الفيحاء وصدور شعرائها الأقدمين ومن شيوخ صناعة الأدب فيها، سريع البديهة، ذكي

____________

1- راجع في ترجمته أدب الطف 8: 175.


الصفحة 311
الخاطر، تخرج عليه جماعة من الأدباء الذين عاصرناهم، وأخذ هو عن الشيخ حمزة البصير والسيد مهدي بن السيد داود وعن الشيخ حمادي نوح.

وقد نقل الشيخ اليعقوبي ما أرخهُ الشيخ حمادي نوح عن الشاعر قوله حين صدّر فيها قصيدته في رثاء المترجم واليك نصها: وقال يرثي الشيخ الأجل والحائز عند أهل البيت أرفع محل اللوذ عن الماهر، والالمعي الباهر الشيخ أبالقاسم محمد بن حمزة بن الحسين بن نور علي التستري الاهوازي وتوفي صبيحة الخميس في الثالث عشر من جمادي الثانية سنة 1322 وانصدع الناس له في الحلة انصداعاً عظيماً في أيام وباء تلك السنة وخرج نعشه من الحلة في بهاء عظيم وتشريف له من الله وتكريم وحمل إلى النجف الاشرف ودفن في وادي السلام(1).

____________

1- البابليات 3: 63 دارالبيان.