الصفحة 312

[55] له في رثاء الحسين (عليه السلام) ثم يخلص إلى رثاء السيدة الزهراء (عليها السلام)واسقاط المحسن قوله:

حتام قلبي يلقى في الهوى نصباولم ينل بلقى أحبابه إربا
ظنوا فياليت لا ظنوا بقربهملما سرت لا سرى أجمالها خببا
لم تنبعث سحب عيني في مدامعهاإلا وقلبي في نار الأسى التهبا
قد كان غصن شبابي يانعاً فذوىوالانس بعد شروق بدره غربا
يا جيرة الحيِّ حيا الغيث معهدكمفليس ينفك فيه واكفا سربا
ان تسألوا الحب لا تلفوه منتسباًإلاّ اليَّ إذا حققتم النسبا
قلبتموني على جمر العباد ومارأيت قلبي إلى السلوان منقلبا
في كل آن اليَّ الدهر مقحماًمن الخطوب يقود الجحفل اللجبا
فكيف اوليه حمداً في اسائتهلأحمد وبنيه السادة النجبا
رماهم بسهام الحتف عن حنقوكلهن بقلب الدين قد نشبا
قاسى محمد من أعدائه كربامعشارهن شجاه ينسف الهضبا
فبالوصية للكرار بلّغ فيخم وأسمع كل الناس مذ خطبا
فارتاب فيه الذي في قلبه مرضوفيه آمن مَن لا يعرف الريبا
حتى إذا صادف الهادي منيتهونحو أكرم دار مسرعاً ذهبا
صدت بنو قيلة عن نهجه حسداوالكل منهم لغصب الآل قد وثبا


الصفحة 313
أضحت تقود عليا وهو سيدهاكرهاً لبيعة من غير الضلال أبى
ماذا الذي استسهلوا مما جنوه علىمَن بالمناقب ساد العجم والعربا
إسقاطهم لجنين الطهر فاطمةأم وضعهم حول باب المنزل الحطبا
أم ضرب رأس علي بالحسام ومندمائه شيبه قد راح مختضبا
أم شربة السم إذ دست إلى حسنمنها ومن شربها كأس الردى شربا
قد جل رزء الزكي المجتبى حسنلكن رزء حسين قد سمى رتبا
إن قطع السم منه في حرارتهأحشاه والقلب منه كابد الوصبا(1)

____________

1- أدب الطف أو شعراء الحسين للسيد جواد شبر 8: 180.


الصفحة 314

الصفحة 315

آية الله العظمى العلامة
السيد محمد القزويني

انفتحت القصيدة العربية في الأدب الشيعي على أغراض لم تكن تألفها من قبل، فالقصيدة كانت تتقوقع على الاغراض التقليدية من شعر العرب الجاهليين، حق اتخذت من المديح والتزلف لآل البلاط في العهد الأدبي الأموي ما جعل القصيدة العربية تنحرف عن مساراتها الوجدانية، وراجت بضاعة الغزل والعبث في المحافل الأدبية المترفة من العهد العباسي، وانحدرت إلى الاغراض المتدنية من التشبيب والوصف الساذج في عهود أدبية تالية،

الصفحة 316
وهكذا كانت القصيدة العربية تتهاوى بين مشتهيات الحاكم الذي يحتكر الفن الشعري لصالحه، وبين سذاجة الأديب الذي أحال الأدب إلى وسيلة أستجداء يترف لقمة عيشه بواسطته، والأدب الشيعي الذي يخرج من بين واقعية الاحداث المؤلمة التي حلّت بآل النبي الطيين تتشكل من خلاله شخصية الأديب المتحرقة على مصائب الآل الاطهار، ويحاول أن ينقل هواجسه في مقطوعته الأدبية علّها تعبّر عن بعض مكنون هذا الاحساس الملتهب، بيّد أن هذا المقدار لم يكتف به الأديب الشيعي صاحب القضية التي تشعبت أغراضها وتعددت مطالبها، ووجد أن الأغراض التقليدية غير قادرة على احتواء تشعبات قضيته، وحاول أن يبتكر ألواناً أخرى من الأغراض الشعرية الفنية لتدخل معالم قضيته ضمن دائرته الأدبية الواسعة، لذا فقد سعى إلى تعويم القصيدة الشعرية لتشمل أغراض قضاياه المتعددة.

فمثلا ابتكر الأديب الشيعي فناً شعرياً رائعاً وهو أن يضمّن قصيدته الشعرية وقائع خبر ورد عن أئمته المعصومين (عليهم السلام)، وأدخله في نطاقه الأدبي ليُسّهل على البعض حفظه مثلا أو يثير انتباه الأخرين إلى أهمية الحديث وموضوعيته.

لذا عمد الحجة السيد محمد القزويني إلى اتباع هذا الاسلوب العلمي، فأدخل حديث الكساء في مشروعه الأدبي وتسلسل في روايته حتى خلص إلى فاجعة السيدة الزهراء (عليها السلام)، وكأن حديث الكساء أتاح للسيد القزويني أن ينفتح على مأساة آل الله الذين أتحفهم بمودته وحباهم بكرامته وأنزل فيهم من الآي ما أكد علو منزلتهم عنده وخاصتهم لديه، إلاّ أن الظرف السياسي المرتجل يغيّر هذه المعادلات ويقلب موازناتها الإلهية.


الصفحة 317
هكذا استنتج العلامة القزويني في مقطوعته الأدبية، فقدأحال القصيدة العربية إلى رواية علمية تعتمد على صحة السند وصدق المضمون، وانتهى إلى غرض معين فكان الرثاء غرضه الذي اختاره الشاعر وختم فيه روايته.

ولد السيد محمد القزويني في الحلة الفيحاء عام 1262 هـ وفيها نشأ وحين راهق البلوغ هاجر ألى النجف الأشرف واغترف من معينها حتى أصبح معقد الأمل ونال رتبة الاجتهاد بشهادة المجتهدين وزعماء الدين.

توفي رحمه الله سنة 1335 هـ واختتم حياته الكريمة بعطاءاته الفذة.

* * *

[56] واليك حديث الكساء برواية الحجة القزويني الشعرية:

روت لنا فاطمة خير النساحديث أهل الفضل أصحاب الكسا
تقول أن سيد الانامقد جائني يوماً من الايام
فقال لي اني أرى في بدنيضعفاً أراه اليوم قد أنحلني
قومي علي بالكسا اليمانيوفيه غطيني بلا تواني
قالت فجئته وقد لبيتهمسرعة وبالكسا غطيته
وكنت أرنو وجهه كالبدرفي أربع بعد ليال عشر
فما مضى الا يسير من زمنحتى أتى أبو محمدالحسن


الصفحة 318
فقال يا أماه أني أجدرائحة طيبة أعتقد
بانها رائحة النبيأخي الوصي المرتضى علي
قلت نعم ها هو ذا تحت الكسامدثر به تغطى واكتسى
فجاء نحوه ابنه مسلمامستأذناً قال له ادخل مكرما
فما مضى إلاّ القليل إلاّجاء الحسين السبط مستقلا
فقال يا أم أشم عندكرائحة كأنها المسك الذكي
وحق من أولاك منه شرفاأظنها ريح النبي المصطفى
قلت نعم تحت الكساء هذابجنبه أخوك فيه لاذا
فاقبل السبط له مستأذنامسلما قال له ادخل معنا
وما مضى من ساعة الا وقدجاء أبوهما، الغضنفر الأسد
أبو الأئمة الهداة النجباالمرتضى رابع أصحاب الكسا
فقال يا سيدة النساءومن بها زوجت في السماء
أني أشم في حماك رائحةكأنها الورد الندي فايحه
يحكي شذاها عرف سيد البشروخير من لبى وطاف واعتمر
فقلت نعم تحت الكساء التحفاوضم شبليك وفيه اكتنفا
فجاء يستأذن منه سائلامنه الدخول قال فادخل عاجلا
قالت فجئت نحوهم مسلمهقال ادخلي محبوة مكرمه
فعندما بهم أضاء الموضعوكلهم تحت الكساء اجتمعوا


الصفحة 319
نادى إله الخلق جل وعلايسمع أملاك السموات العلى
أقسم بالعزة والجلالوبارتفاعي فوق كل عالي
ما من سما رفعتها مبنيةوليس أرض في الثرى مدحيه
ولا خلقت قمراً منيراكلا ولا شمسا أضائت نورا
وليس بحر في المياه يجريكلا ولا فلك البحار تسرى
إلاّ لأجل من هم تحت الكسامن لم يكن أمرهم ملتبسا
قال الأمين قلت يا رب ومنتحت الكسا بحقهم لنا أبن
فقال لي هم معدن الرسالهومهبط التنزيل والجلاله
وقال هم فاطمة وبعلهاوالمصطفى والحسنان نسلها
فقلت يا رباه هل تأذن ليأن أهبط الارض لذاك المنزل
فاغتدى تحت الكساء سادساكما جعلت خادما وحارسا
قال نعم فجائهم مسلمامسلما يتلو عليهم انما
يقول ان الله خصكم بهامعجزة لمن غدا منتبها
أقراكم رب العُلا سلامهوخصكم بغاية الكرامه
وهو يقول معلنا ومفهماإملاكه الغر بما تقدما
قال علي قلت يا حبيبيما لجلوسنا من النصيب
قال النبي والذي اصطفانيوخصني بالوحي واجتباني
ما أن جرى ذكر هذا الخبرفي محفل الاشياع خير معشر


الصفحة 320
إلاّ وأنزل الإله الرحمهوفيهم حفت جنود جمه
من الملائك الذين صدقواتحرسهم في الدهر ما تفرقوا
كلا وليس فيهم مغمومالا وعنه كشفت هموم
كلا ولا طالب حاجة يرىقضائها عليه قد تعسرا
الا قضى الله الكريم حاجتهوأنزل الرضوان فضلا ساحته
قال علي نحن والاحبابأشياعنا الذين قُدما طابوا
فزنا بما نلنا ورب الكعبهفليشكرن كل فرد ربه
يا عجبا يستأذن الأمينعليهم ويهجم الخئون
قال سليم قلت يا سلمانهل دخلوا ولم يكن استئذان
فقال اي وعزة الجبارليس على الزهراء من خمار
لكنها لاذت وراء البابرعاية للستر والحجاب
فمذ رأوها عصروها عصرهكادت بروحي أن تموت حسره
تصيح يا فضة أسندينيفقد وربي قتلوا جنيني
فاسقطت بنت الهدى واحزناجنينها ذاك المسمى محسنا(1)

____________

1- رياض المدح والرثاء للشيخ حسين البلادي: 6.


الصفحة 321

السيد مهدي الحلي

من رموز النهضة الأدبية الحلية التي اجتاحت الوسط العراقي إبّان القرن الثالث عشر فاستقرت في الحلة الفيحاء، فكانت العاصمة الأدبية لمدرستي النجف وكربلاء العلميتين. والتجديد العلمي لهاتين المدرستين كان في أوج حركته، والنهضة الأدبية تعهدتها المدرسة الحلية، فبرع فيها فحول الشعراء كما نبغ في المدرستين السابقتين أساطين العلماء.

كان العهد العلمي الجواهري الذي يتزعمه الشيخ محمد حسن النجفي

الصفحة 322
صاحب الجواهر، ينجب ألمع علمائه كالشيخ الاعظم الذي فتح باب الابداع الأصولي والتجديد الفقهي، فلم يتح للأدب أن يأخذ مكانه في خضم هذا الوسط العلمي المائج، الا نتفاً أدبية تظهر من بين الاوساط العلمية في بعض المناسبات، فالأدب يحط رحله إذن في العاصمة الأدبية الحلية، التي تحتضن نوابغ أدبائها لتكون لسان حال الحوزات العلمية يومذاك، والجامعات العلمية هذه كانت مهمتها فضلا عن ترويج المذهب، الدفاع عن مقدساته ومبادئه، فأوكلت الزعامات العلمية مهمة الدفاع هذه إلى أدبائها من الحليين ليشاطروهم في جهادهم المقدس، وليجدوا فيهم اللهجة الصادقة والشعور الملتهب في اثبات مبادىء آل البيت (عليهم السلام)وقضيتهم.

كانت المدرسة الحلية تتخذ من واقعة الطف غرضاً أدبياً مستقلا، وقضية تُبرر استمرارية الاعلان عن مظلومية آل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم، وكانت المدرسة الحلية تبث قضيتها هذه إلى أنحاء الحاضرة الإسلامية بالقصيدة الشعرية أو المقطوعة النثرية مما أدى إلى كسب ود المدارس الأدبية الإسلامية الأخرى التي شاركت هذه المدرسة تفجعها للإمام الحسين (عليه السلام) فنظم شراء غير شيعة في رثاء الإمام، واستطاعت المدرسة الحلية بعد ذلك استدراج القضية التاريخية لتقطع شوطاً أكبر في عرض مظلومية آل البيت (عليهم السلام)، وكانت المأساة الفاطمية قد تصدرت هذه المحاولات الأدبية، فنجحت في فتح ملف هذه المأساة وقدّمتها للامة الإسلامية، قضية مأساة لا تقل عن فاجعة الطف، بل هي المقدمة التي استطاع الأمويون من خلالها قتل الحسين بن علي (عليه السلام) وسبي نسائه، وإذا كانت مأساة كربلاء قد تفردت في قضية قتل طفل لعدة أشهر، فان السيدة الزهراء (عليها السلام) قد سبقت

الصفحة 323
الحدث الكربلائي بأن أُسقطت محسناً يوم هجوم الدار وأخذ البيعة قسراً، هكذا يستدرج شعراء الشيعة الحدث الإسلامي ليوصلوا الأمة الى حقيقة مجريات الأمور، واستطاع الشاعر الحلي أن يربط الأمة بقضية كربلاء بعد مروره في تفاصيل الحدث الفاطمي، وإن قراءة لقصيدة السيد مهدي الحلي ستجعل القاريء متنقلا بين تفاصيل قضايا اسلامية كانت نتيجتها "كربلاء".

ولد في الحلة سنة 1222(1) ونشأ فيها ودرس العلوم العربية وأدابها على أخيه السيد سليمان الصغير، ودرس الفقه على العلامة الشيخ حسن صاحب "أنوار الفقاهة" ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء ـ يوم كان مقيماً في الحله ـ ثم هاجر إلى النجف فحضر في الدروس الفقهية حوزة العلامة الشهير صاحب الجواهر محمد حسن ابن الشيخ باقر (ره).

له مصنفات في الأدب واللغة والتاريخ منها:

1 ـ مصباح الأدب الزاهر: وهو كتاب في الأدب وفيه فوائد تاريخية وأحوال بعض العلماء المعاصرين.

2 ـ مختارات شعرية.

3 ـ ديوان شعره.

لما توفي (ره) أوصى ابن أخيه السيد حيدر أن يدفن معه في كفنه مدائحه ومراثيه للنبي ولأهل بيته (عليهم السلام) ومن شعره في رثاء آل البيت (عليهم السلام).

____________

1- راجع في ترجمته البابليات للشيخ محمد علي اليعقوبي 2: 67. كذلك أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين 10: 148.


الصفحة 324
سلب الردى من رأس قهر تاجهاقسراً وأطفأ في الطفوف سراجها
وذكرا علاها في الصعيد تكورتوالله صير عرشه أبراجها
بأبي كراماً من قريش للعلىسلكت بقارعة الردى منهاجها
شخصت إلى المرمى البعيد من العلىومن المنايا فاجأت أفواجها

[57] وفي رثائه للامام الحسين (عليه السلام) يخلص فيه إلى رثاء السيدة الزهراء (عليها السلام)واسقاط المحسن قوله:

خطب دها الإسلام كان فظيعامن أجله بكت السماء نجيعا
آهآله من حادث ذهب الأسىفيه عداة مضى الحسين صريعاً
وتظن أنك منه لم تهجع أسىيكفيك انك لا تقر هجوعا
وتبكي بكاء الناس في ارزائهممن ترتجيه العالمون شفيعاً
بل لو طحنت أسى بارحية الفناجسمي وفارقت الحياة مطيعا
وصككت رأسي باليدين ترحقاًحتى يكون العظم منه صليعا
ولدمت وجهي حيث انثر لحمهحتى يكون من الشوى منزوعا
أو أن نارا في الفؤاد حقيقةوجوانحي فيها احترقن جميعاً
لم أقضِ حق رزية حطمت منالزهراء بواعية الحسين ضلوعا
الله هذا ابن النبي لعظمهجبريل هز المهد فيه رضيعا
يقضي بضاحية الهجير بكربلاءظام ومطوي الحشاشة جوعا
فيكون مائدة لساغبة الظبىوالسمر تكرع من حشاه نجيعا


الصفحة 325
ما للمواضي وزعت من جسمهلحم النبوة في الوغى توزيعا
ولطالما أعطى حدود شفورهمن كان عن شفراتهن شسوعا
والسمر تفرس في مشاه ويغتديبدم الامامة عرسهن مريعا
عجباً لمن قد كان نوراً محدقاًبالعرش يغدو من التراب صريعا
ومن ارتبى طفلا بحجر محمدحتى اغتذى وحي الإله رضيعاً
يغدو غذاء المرهفات وبعد ذامنه ترض الصافنات ضلوعا
فتعج أملاك السماء لموتهاليوم مات الانبياء جميعا
اليوم حق محمد في آلهما بين ناكثة العهود أضيعا
اليوم قد قتلوا النبي وغادروا الـإسلام يبكي ثاكلا مفجوعا
اليوم منه أمية في كربلاكالت له في صاع بدر صاعا
اليوم دحرجت الدباب وأظهرتبالطف كامن خطبهن شنيعا
اليوم من هي عن أسامة خلفتقادت إلى حرب الحسين جموعا
اليوم من اسقاط فاطم محسناسقط الحسين عن الجواد صريعا
اليوم جردت... سيفهافغدا به رأس الحسين قطيعا
عجباً يموت ظما وكم قد فجرتكفاه من صلد الصفا ينبوعا(1)

____________

1- الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد للسيد محسن الأمين 209 مطبعة الاتقان دمشق 1365 هـ ـ 1946 م.


الصفحة 326

الصفحة 327

الشيخ أحمد آل طعان

تقلبت بلاد البحرين بين حكومات مختلفة الاهواء، وخضعت لظروف سياسية متقلبة الأطوار، فمن حكومات أموية إلى عباسية حتى عثمانية تخللتها دويلات شيعية لم تصمد أمام التنافس السياسي على هذه البلاد الطيبة في الخيرات.

تركت هذه التشكيلات السياسية مسحة ثقافية على أهل هذه البلاد تنزع إلى الخوض في ممارسات فكرية مقارنة تنتهي أكثر الاحيان لصالح مذهب آل البيت (عليهم السلام)، وهكذا صار أهلها، تعتركهم الظروف السياسية

الصفحة 328
القاهرة لتهزم فيهم روح الخنوع، ويتمردون على ما اعتاده غيرهم من الخضوع لهوى الحاكم ونزعته، لذا فان ما أرهقتهم من تقلبات السياسة الحاكمة لبلادهم صقلتهم لتُخرج منهم أمة ولاء قد اتخذت مذهب آل البيت (عليهم السلام) ديناً لهم، ولعل ما أصابهم من حيف الجائرين أقحمهم في الخوض للبحث عن البديل الذي اختلط من بين بدائل مذهبية حاكمية، فكان مذهب آل البيت (عليهم السلام) هو المرشح الأقوى الذي يفوز في جولة الاختيار أخيراً.

لذا فان أهل البحرين قد تركوا أثارهم على الخارطة الفكرية الإسلامية لتشخّص بعد ذلك بلاد البحرين من حواضر العالم الإسلامي ومعاقل التشيع والولاء.

شهدت البحرين حركة فكرية علمية كانت نتاج الصراع الفكري السياي الذي أحدثته التقلبات السياسية، وشكّل الشيعة التركيبة الجدلية المهمة التي أمسكتْ بيدها زمام الغلبة في مجال النشاط المذهبي التبلغيي، فان حاضرة البحرين الإسلامية احتضنت تشكيلات اسلامية علمية من مختلف المذاهب، وكان للشيعة الدور الأهم في بناء حاضرة البحرين الثقافية، فبرز علماء أفذاذ وازدهرت معاهد البحرين الثقافية وشاعت منتدياتها الأدبية، تُعقد في ربوعها المحافل، لتُخرج بمدارس متميزة خاصة.

كانت هذه المدارس الأدبية نشطةً جداً في مجال الدفاع عن مسلّمات المذهب الامامي، وأحس الشاعر البحراني أن مهمته هو التصدي لكل ما ألقي من شبهات فكرية عقائدية، وجعل غرض القصيدة هو الدفاع عن حقوق آل البيت، ومظلوميتهم، بأي لون من ألوان الأدب سواء كان بالرثاء

الصفحة 329
أو المديح أو أي غرض أدبي يتعهدُ بايصالِ القضية إلى أوساط الأمة، وكانت من أهم القضايا التي التزمها الأديب البحراني هو اثبات مظلومية السيدة الزهراء (عليها السلام) والتأكيد على واقعة الاسقاط، لذا فانك لا تجد رثاءً بحرانياً إلاّ وفيه قضية الزهراء (عليها السلام) لتحتل من القصيدة مقدمتها أو لتكون من المقطوعة الأدبية الاستدلالية نتيجتها.

ولعل الشيخ أحمد آل طعان شكّل تراثاً بحرانياً رائعاً في هذا المجال، فكانت القصيدة العربية قد أرفدت بابداعات الشيخ آل طعان، وتعهدت القصيدة البحرانية التي قدّمها آل طعان بقضية آل البيت (عليهم السلام) وكانت مأساة السيدة الزهراء (عليها السلام) قد شكّلت تركيبة هذه القضية في قصيدته.

كان الشيخ(1) أحمد ابن العالم العامل الزاهد الشيخ صالح بن طعان بن ناصر بن علي الستري البحراني "رحمه الله" خلاصة علماء البحرين الأخيار وبقية فقهائها الابرار، جامعاً لكمالات، ومحاسن الصفات والحالات، في مكان مكين من الورع والتقوى والتمسك بالعروة الوثقى.. لم أر في العلماء ممن رأيناهم على كثرتهم في الجامعية للكمالات مثله.

حضر عند الشيخ الاعظم الانصاري، والفقيه الشيخ راضي النجفي، والفقيه الشيخ محمد حسين والزاهد العابد الشيخ ملا علي ابن الميرزا خليل الطهراني النجفي

له مصنفات كثيرة منها: زاد المجتهدين في شرح بلغة المحدثين، ورسالة: قرة العين في حكم الجهر بالبسملة والتسبيح في الأخيرتين، وله كتاب: سلّم

____________

1- راجع في ترجمته أنوار البدرين: 252.


الصفحة 330
الوصول إلى علم الأصول، وكتاب: ازالة السجف عن موانع الصرف، وله كتب كثيرة.

* * *

[58] فمن أشعاره في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام):

قالوا: امدحنَّ أمير النحل قلت لهممدحي له موجب نقصاً لمعناه
لأن مدحي له فرع بمعرفتيبذاته وهي سر صانه الله
فان أصفه باوصاف الاناس أكنمقصراً إذ جميع الخلق أشباه
وإن أزد فوق هذا الوصف خفت بأنآتيه مثل غلاة فيه قد تاهوا
فدع مديحي ومدح الناس كلهموالزم مديحاً له الرحمن أولاه
فكل من رام مدحاً فيه منحصرلسانه عن يسير من مزاياه

[59] ومن قصيدة له في رثاء السيدة الزهراء (عليها السلام) واسقاط محسنها، قوله:

فانهض امام العصر قد عظم البلاوعظيم بعدك قلبنا قد أمرضا
وتلافنا قبل التلاف وثر علىأهل الخلاف بمثل ما منهم مضى
ذبحوا الحسين على ظما رفعوا الكريمعلى قناً والصدر منه رضضا


الصفحة 331
ذبحوا الرضيع وللحرائر قد سبواسبّوكم فعلوا الذي لا يرتضى
قادوا الإمام أبا الأئمة صاغراًوجنين فاطم أمكم قد أجهضا
يا سيدي ضاق الخناق متى أرىلجياد خيلك في دماهم مركضا
صلى الإله عليكم ما ذكركمقد طيق الاكوان أو أرضا أضا(1)

[60] وله هذه القصيدة في رثاء آل البيت (عليهم السلام)
يا حبذا عترة بدؤا الوجود بهموهكذا بهم ينها ويختتم
من مثلهم ورسول الله فاتحهموسبطه العقد والمهدي حتمهم
فمن تولى سواهم انهم ندمواإذ في الممات على ما قدموا قدِموا
فما لتيمهم تمت شقاوتهاأهل لها قدم في المجد أو قدموا
وهل عدي عدتها كل منجيةتعد من خلفاء الله ويحكم
أمسقط البضعة الزهراء وغاصبهايدعى خليف أبيها بئسما حكموا
وهل أمية لا أمت بمغفرةولا نحت سومها من رحمة ربهم
تنوش عذب ذيول للهدى سدلتمن الإله لها الاملاك تحترم
فيا لها امرة رام الطغاة بهاما ليس تبلغها حقاً سهامهم
حتى امتطا واسع الأعضاج كاهلهافأصبح الحق فيهم وهو مهتضم
وسن سب امام الحق معتدياًوشب حرباً له شابت به اللمم

____________

1- انوار البدرين في تراجم علماء القطيف والاحساء والبحرين للشيخ علي البلادي البحراني: 259 مطبعة النعمان النجف 1377 هـ.


الصفحة 332
ونصها وهو لص في يزيد فلميزد بها منه غير النقص والعدم
فجل الكون من تل الحسين بمالم يقضِ من حقه العالم الجمم
فكم بطيبة فضَ المحصنات وكمأريق للمصطفى في كربلاء دم
وكم قصيرة خدر للرسول غدتقصيرة الحزن لم تقصر لهانهم
أزفها ترقب الانضاء خدمتهاوالشمس لاحدم عنها ولا خيم
وسامها الخسف أهنى شربها نغصعلى الشهيد وأدنى سيرها رسم
وألبس السيد السجاد ثوب أسىتبلى الجبال ولا تبلى له لحم
إلى أن أغتصبت بالسم مهجتهمن الوليد عليه اللعن يرتكم
وباقر العلم من سم ابنه كسفتذكى بكاه الذي تحي به الأمم
وهكذا لم تزل آل النبي لهمأغراض جور بها أعراضهم هدموا
كم أوحشوا مسجد منهم وكم أنستبهم سجون بها الإسلام ينرغم
ولا كمثل بني العباس لا رقبواإلاّ ولا ذمة بل رحمهم جذموا
ولا حمية إسلام ولا عربرعوا ولا من رسول الله قربهم
بل يكفهم غصبهم حقاً به شهدتبه ثقات لهم عن جورهم كرموا
جنوا بمثل الذي تجني أمية بلعلى طنابيرهم زادت لهم نغم
سم الرشيد لموسى في السجون كماسم الرضا غيلة مأمونه الأثم(1)

____________

1- وفاة الإمام الرضا (عليه السلام) الشيخ أحمد آل طعان القديحي القطيفي المطبعة الحيدرية النجف.