السيد حيدر الحلي(1)
هو أبو الحسين، حيدر بن سليمان بن داود بن سليمان بن داود بن حيدر بن أحمد الحلي، يرجع نسبه إلى زيد ابن الإمام زين العابدين ابن الإمام الحسين (عليهم السلام)ولد في الحلة يوم 15 شعبان من عام 1246 هـ ونشأ بها يتيماً، فقد مات أبوه وهو طفل صغير فتولى تربيته عمه السيد مهدي السيد داود
____________
1- اكتفينا في نقل مقدمة ديوان السيد حيدر الحلي التي سجلها المرحوم الاستاذ على الخاقاني، واثبتناها ترجمة وافية لحياة سيد الشعراء ـ السيد حيدر الحلي ـ وقد أخذنا منها موضع الحاجة.
أظبا الردى انصلتي وهاك وريدي | ذهب الزمان بعدتي وعديدي |
ولعل التحدث عن شاعرية السيد حيدر في غنى عن البسط والتحليل بالنظر لما عرفه الادباء وغيرهم.
حقاً أن السيد حيدر شاعر مجلّي في كافة الحلبات، فقد كان يشعر بالزعامة الأدبية رغم منافسة أعلام الشعر في النجف له وملاكمتهم اياه، ولعل القصة التي ذكرت غير مرة وهي: عندما رثى العلامة السيد ميرزا جعفر القزويني بقصيدته المعروفة:
قد خططنا للمعالي مضجعا | ودفنا الدين والدنيا معا |
وسكوت أدباء النجف عن الاستعادة والاستجادة لها دفعه أن يثور ثورته التي خاطب بها الأديب الكبير الشيخ محسن الخضري بقوله: إذا كان في المجلس من أعتب عليه لصمته وتغافله عن أداء حق هذه المرثية فهو أنت. فلم يبق للشيخ الخضري إلاّ أن أجابه بقوله:
ميزتني بالعتب بين معاشر | سمعوا وماحيٌ سواي بسامع |
أخرستني وتقول مالك صامتاً | وأمتني وتقول مالك لا تعي |
أن السيد حيدر أديب قرأ الكثير من شعر العرب وحفظ المجلدات من
عُرف السيد حيدر ـ كما تناقلت الرواة أخباره ـ أنه موتور لم يهدأ في كل عام يمر عليه دون أن يسجل فيه مثالب قاتلي جده الإمام الحسين (عليه السلام)ومنتهكي حرمته بأنواع من القول تعدت إلى ما وراء التصور، واليك بعض مرثياته الرائعة:
عبجاً للعيون لم تغد بيضاً | لمصاب تحمر فيه الدموع |
وأسً شابت الليالي عليه | وهو للحشر في القلوب رضيع |
أين ما طارت النفوس شعاعاً | ولطير الردى عليه وقوع |
فأبى أن يعيش إلاّ عزيزا | أو تجلى الكفاح وهو صريع |
فتلقى الجموع فرداً ولكن | كل عضو في الروع منه جموع |
زوج السيف بالنفوس ولكن | مهرها الموت والخضاب النجيع |
إذن لا بدع إذا كان أمير الشعراء أحمد شوقي مفتوناً بشعر هذا العميد حينما اجتمع به أحد طلاب البعثة العراقية في طريقه إلى السوربون، فقال له اقرأ لي شعراً فراتياً فقرأ له من شعر بعض الشعراء المعاصرين فقال له لا، قرأ:
عثر الدهر ويرجو أن يقالا | تربت كفك من راج محالا |
ومن روائعه قوله:
يلقي الكتيبة مفرداً | فتفر دامية الجراح |
وبهامها اعتصمت مخا | فة بأسه بيضُ الصفاح |
وتسترت منه حياءً في | الحشا سمر الرماح |
حيث لم يسبقه من المتقدمين والمتأخرين قوله: وتسترت منه حياءً في الحشا سمر الرماح، وقوله:
مشى الدهر يوم الطف أعمى فلم يدع | عماداً لها إلاّ وفيه تعثرا |
وقوله:
وخائضين غمار الموت طافحة | أمواجها البيض بالهامات تلتطم |
مشوا إلى الحرب مشي الضاريات لها | فصافحوا الموت فيها والقنا أجمُ |
فالحرب تعلم إن ماتوا بها فلقد | ماتت بها منهم الاسياف لا الهمم |
قومي الأُلى عقدوا قدماً مآزرهم | على الحمية ما ضيموا ولا اهتضموا |
عهدي بهم قصر الأعمار شأنهم | لا يهرمون وللهيابة الهوم |
وقوله كذلك:
متنافسين على المنية بينهم | فكأنما هي غادة مغطار |
سمة العبيد من الخشوع عليهم | لله أن ضمتهم الأسحار |
وإذا ترجلت الضحى شهدت لهم | بيض القواضب أنهم أحرار |
ومن هنا شعر السيد الحلي بالزعامة الأدبية والتفوق على شعراء عصره فكثيراً ما تراه يصرّح بذلك في رسائله وشعره وأحاديثه وخاصة عندما يحتدم غيظاً. فمن ذلك قوله: من رسالته إلى العلامة الميرز اصالح القزويني:
فلقد علم هذا العصر، أني لسانه الذي انتهت إليه مقالة الشعر. ومن قوله:
وأنا الذي لم يسخ بي أحد | إلاّ غدا ونديمه الندم |
وإذا اهتززت لمدح ذي كرم | فأنا لسان والزمان فم |
أما منزلته الاجتماعية، فقد تسالم الشيوخ والمعمرون بنقلهم على أن السيد حيدر كان من الشخصيات المرموقة ذات الحول والطول والشأن
ويكفي شاهد واحد هو احترام الزعيم الديني العام له إذ ذاك وهو الإمام السيد ميرزا حسن الشيرازي فقد كان يستدعيه إلى سامراء ليستمع إلى شعره ويتلذذ بمجلسه وقصة واحدة تعطينا صورة سامية عن مقامه الرفيع أثبتها ـ الاستاذ علي الخقاني ـ على عهدة العلامة المعاصر الشيخ محمد علي الاورد بادي فقد قال: حدثني الحجة السيد الميرزا علي أغا نجل الإمام الشيرازي قال: عندما هنىء السيد حيدر والدي بقصيدته الهمزيه رأى أن يكرم الشاعر بعشرين ليرة فاستشار ابن عمه العلامة السيد ميرزا اسماعيل الشيرازي في ذلك فأبى وقال لابن عمه الإمام: ما قولك في دعبل والكميت ومنزلتهما عند الإمام الصادق (عليه السلام)فهل هما أفضل أم السيد حيدر وهو ابن رسول الله؟ فقال أنه لأفضل منهما، قال اذن يجب أن تكرمه بأقصى ما تشعر من أنواع التكريم، فلم يبق للإمام الشيرازي دون أن صحب معه مائة ليرة وذهب لزيارته وعندما دخل عليه تناول يد شاعرنا فقبلها بعد امتناع شديد.
فهذه القصة لو لم يكن الرواة لها ثقاة لامتنع السمع من قبولها لأن الإمام الشيرازي عرف سيرته القاصي والداني أن الملوك والسلاطين كانت تزوره
وكان العلامة الكبير السيد مهدي القزويني يجلسه إلى جنبه ويقدم له اعجابه وإكباره وكان ناديه حافلا بالادباء والشعراء والمعوزين لشعوره بمكانته وزعامته وتراه إذا دخل نادياً أو محفلا يقوم له، اجلالا كل من فيه سواء كان عالماً أو حاكماً أو وجيهاً، وكثيراً ما كان يتعهده الوالي مدحت باشا بالسؤال عن صحته والاستفسار عنها.
أما أثاره الادبية، فقد خلّف السيد أربعة كتب أدبية هي:
1 ـ ديوان شعره المسمى بـ"الدر اليتيم".
2 ـ العقد المفصل.
3 ـ دمية القصر في شعراء العصر.
4 ـ الاشجان في مراثي خير انسان.
[61] قال السيد حيدر الحلي في رثائه للإمام الحسين (عليه السلام) ثم يخلص إلى مصاب الزهراء (عليها السلام) بقوله بعد أن يستنهض الإمام الحجة (عج)
إن لم أقف حيث جيش الموت يزدهم | فلا مشت بي في طُرقِ العلا قدمُ |
لابدَّ أن أتداوى بالقنا فلقد | صبرتُ حتى فؤادي كلهُ ألمُ |
عندي من العزم سرٌ لا أبوح به | حتى تبوح به الهندية الخذم |
لا أرضعت لي العلى ابناً صفو درَّتها | إن هكذا ظل رمحي وهو منفطمُ |
إليه بضبا قومي التي حَمِدت | قدماً مواقعها الهيجاء لا القممُ |
لأحلبن ثديَّ الحرب وهي قناً | لبانُها من صدور الشوس وهو دمُ |
مالي أسالم قوماً عندهم ترتي | لا سالمتني يدُ الايام أن سلموا |
مَنْ حاملُ لولي الأمر مالكة | تطوى على نفثات كلها ضَرمُ |
يابن الأُلى يقعِدون الموت ان نهضت | بهم لدى الروع في وجه الضبا الهممُ |
الخيل عندك ملَّتها مرابطها | والبيض منها عرى أغمادها السأم |
هذي الخدور لها الاعداء(1) هاتكةً | وذي الجباه الا مشحوذةً تسمُ |
لا تطهر الأرض من رجسِ العدى أبداً | مالم يسِل فوقها سيل الدم العرم |
بحيث موضع كل منهم لك في | دماه تغسله الصمصامة الخذم |
أعيذ سيفك أن تصدى حديدتُه | ولم تكن فيه تُجلى هذه الغِممُ |
قد آن أن يمطر الدنيا وساكنها | دماً أغرَّ عليه النقعُ مرتكم |
حرّان تدمغ هام القوم صاعقةٌ | من كفه وهي السيف الذي علموا |
نهضاً فمن بظُباكم هامه فلقت | ضرباً على الدين فيه اليوم يحتكم |
وتلك أنفالكم في الغاصبين لكم | مقسومةٌ وبعين الله تقتسمُ |
جرائم آذنتهم أن تعاجلهم | بالانتقام مُهلا أنت منتقمُ |
____________
1- العداء: شديد العدو.
وإنّ أعجب شيء أن أبثكّها | كأنَّ قلبك خال وهو محتدمُ |
ما خلتُ تقعدُ حتى تُستثارَ لهم | وأنتَ أنتَ وهم فيما جنوه همُ |
لم تُبقِ أسيافهم منكم على ابن تقىً | فكيف تُبقي عليهم لا أباً لهمُ |
فلا وصفحكَ إن القوم ما صفحوا | ولا وحلمك إن القومَ ما حلموا |
فحمل أمك قدماً أسقطوا حنقاً | وطفل جدك في سهم الردى فطموا |
لا صبرَ أو تضعَ الهيجاء ماحملت | بطلقة معها ماءُ المخاضِ دمُ |
هذا المحرم قد وافتك صارخةٌ | مما استحلوا به أيامهُ الحرمُ |
يملأن سمعك من أصوات ناعية | في مسمع الدهر من اعوالها صمم |
تنعى اليك دماءً غاب ناصُرها | حتى أُريقت ولم يرفع لكم علم |
مسفوحةً لم تجُب عند استغاثها | إلاّ بأدمع ثكلى شفَّها الألم |
حنّت وبين يديها فتيةٌ شربت | من نحرها نُصب عينيها الضبا الخذم |
موسدين على الرمضاء تنظرهم | حرى القلوب على ورد الردى ازدحموا |
سقياً لثاوين لم تبلل مضاجعهم | إلاّ الدماءُ وإلاّ الادمعُ السجمُ |
أفناهمُ صبرهم تحت الضُبا كرماً | حتى قضوا ورداهم ملؤه كرم |
وخائضين غمار الموت طافحةً | امواجُها البيضُ بالهاماتِ تلتطمُ |
مشوا إلى الحرب مشي الضاريات لها | فصارعوا الموتَ فيها والقنا أُجمُ |
ولا غضاضة يوم الطف ان قُتلوا | صبراً بهيجاء لم تثبت لها قدمُ |
فالحرب تعلم إن ماتوا بها فلقد | ماتت بها منهم الاسياف لا الهمم |
أُبليهم لعوادي الخيل أن ركبت | رؤسها لم تكفكف عزمها اللجمُ |
وللسيوف إذا الموت الزوام غدا | في حدها هو والارواح يختصمُ |
وحائرات أطار القوم أعينها | رُعباً غداة عليها خدرها هجموا |
كانت بحيث عليها قومُها ضربت | سرادقاً أرضَهُ من عزهم حرمُ |
إلى أن يقول في ختام مقطوعته الرائعة:
تُسبى حرائرها بالطف حاسرةً | ولم تكن بغبار الموت تلتثم |
لمن أعدت عتاقُ الخيل أن قعدت | عن موقف هتكت نهابه الحرم |
فما اعتذاركِ يا فهر ولم تثبي | بالبيضُ تثلمُ أو بالسمر تنحطم |
أجل نساؤكِ قد هزتكِ عاتبةً | وانتِ من رقدة تحت الثرى رمم |
فلتفت الجيدَ عنك اليوم خانيةً | فما غناؤِكِ حالت دونكِ الرحمُ(1) |
[62] وله قصيدة يقول في مطلعها:
على كل واد دمعُ عينيك ينطفُ | وما كلُ واد جُزتَ فيه المعرَّفُ |
إلى أن يقول:
فلله من خطب له كلُ مهجة | يحق من الوجد المبرح تتلفُ |
وأُقسم ما سنَّ الضلال سوى الأُلى | على أمةِ المختار بغياً تخلّفوا |
فيوم غدوا بغياً على دار فاطم | أتت جندهم بالغاضرية تزحفُ |
وقتل ابنها من يوم رضت ضلوعها | ومن هتكها هتك الفواطم يُعرفُ |
ومن يوم قادوا حيدر الطهر قد غدوا | بهنَّ أُسارى شأنهن التلهفُ(2) |
____________
1- ديوان السيد حيدر الحلي 1: 103.
2- المصدر نفسه: 92.
الشيخ جواد الحلي
لم تستقل المدرسة الحلية الأدبية عن النجف العلمية، بل ظلت النجف صاحبة الحوزة ومقر المرجعية، تُهيمن بعطاءاتها على المدارس الأخرى، وظلت المدرسة الحلية وفيّةً في التزاماتها التي تمليها عليها أدبيات الطائفة من الرجوع إلى قيادة المرجعية الدينية والسياسية، وبقيت العلاقة الروحية بين الحاضرتين العلميتين، حتى بعد توهج حاضرة الشيخ الطوسي التي دامت حوزته الى هذا اليوم، وأفول حاضرة الحليين لظروف سياسية قاهرة.
فعلماء الحاضرة النجفية كانوا يقومون برحلاتهم العلمية إلى حيث
هكذا كان الشيخ جواد الحلي، عينةً تمثّل حال الأدباء الحليين، رحل إلى النجف لينتهل من علومها، وعاد إلى الحلة ليقتبس من آدابها، فكانت حياته رحلة علمية دائمة، حتى حط رحال عمره في تلك البقعة التي فتح عليها عينيه أولا.
أرّخهُ صاحب البابليات بقوله: وكانت ولادته ونشأته في ذلك البلد الطيب ـ الحلة ـ الذي عرفت تربته بتنمية الشعور، وتربية القرائح الأدبية، وحين رأى أبوه إستعداده الطبيعي لنيل الفضل والأدب، ألزمه بالهجرة إلى النجف وهو ابن خمسة عشر عاماً لطلب العلم والدراسة فسكن المدرسة (المهدية)ـنسبة إلى مؤسسها العلامة الشيخ مهدي بن الشيخ علي كاشف الغطاء ـ تجاه مسجدالطوسي ومكث فيها مدة حياته الدراسية كطالب ديني مهاجر وحضى بقسط وافر من الفضل والأدب وهو لم ينقطع بين أونة وأخرى على الترداد إلى بلده وقد اجتمعت به مراراً يوم كنت مقيماً في الحلة فرأيته ذا فضل جم وأدب بارع حتى إذا كانت سنة 1334 قدِم الفيحاء جرياً على عادته وعداته، فمرض مرضاً ألزمه الفراش مدة أيّام وتوفي بها آخر ذي الحجة من السنة المذكورة وحمل حيثما منه إلى النجف
نهج الشاعر ما انتهجه أسلافه من الأدباء، وأقرانه من الشعراء، وخصص شعره في مدح ورثاء آل البيت (عليهم السلام)، وأكد في مرثياته ظلامة الزهراء (عليها السلام)، وأكد من خلالها اسقاط المحسن بن عليوما لقيته من فجائع ومحن.
[63] قال في احدى مقطوعاته:
من شامخات المجد دك رعانها | خطب أطاش من الورى أذهانها |
في يوم قد غصب الخلافة من له | ألقت برغم الحاسدين عنانها |
عجباً لفهر كيف قر قرارها | أم كيف تكحل بالكرى أجفانها |
هذي بنو تيم بفقد محمد | سلبت أطائب آله سلطانها |
وعلى الضلال تزاحمت مذ أعرضت | عمن يتم ولائه ايمانها |
ولنقض بيعته وعقد لوائه | خفت فخفف وزرها ميزانها |
وعدت عدي في الأنام فأبرزت | من لؤم عنصرها له أضغانها |
____________
1- البابليات. الشيخ محمد علي اليعقوبي 3: 205.
ما آمنت بالله لمحة ناظر | مذ خالفته وحالفت أوثانها |
تركت ذوي القربي تكابد منهم | من بعد فرض مودة شنئانها |
غصبوا البتول تراثها من بعدما | أبدت لتقطع عذرهم برهانها |
لقيت خطوباً منهم لو بعضها | تلقى الرواسي لم تطق لقيانها |
لطماً واسقاطاً وضرباً مدمياً | كسر الضلوع وهضمها حرمانها |
وغدت تشكي الظلم منهم بضعة | الهادي ولكن لم تجد أعوانها |
لا بل في ماء الجيا من قينة | قبر فمنهم شاهدت خذلانها |
بعداً لهم نقضوا الذمام وضيعوا | عهد النبي وحاولوا هجر(1)آنها |
____________
1- رياض المدح والرثاء للشيخ حسين البلادي: 494.
الشيخ محمود سبتي
إذا كانت النهضة العلمية النجفية قد ازدهرت بعلمائها، فان شبابها قد شكّلوا منعطفاً في حركة التجديد العلمي والابداع الأدبي، واستطاعت أن تنجب تشكيلة علمية من شباب الحوزة الفضلاء، ونخبة رائعة من ناشئتها الأدباء، وحاولت هذه النخبة الفاضلة أن تحاكي أسلافها من أهل العلم وفحول الأدب، وقدّمت مشاريع تجديدية في هذا المضمار مع الاحتفاظ على الأصول الموروثة التي ألقاها رواد النهضة الى الناشئة، وحاول الشباب النجفي أن يشكّل مدارس فكرية تنطلق منها طروحات الدفاع عن حياض
هكذا عرفت الحوزة النجفية بتشكيلاتها الشابة، وشهد الابداع الأدبي أثر هذه التشكيلات على المنحى التجديدي الذي خاضتهُ هذه التشكيلات وكان للشيخ محمود سبتي ـ نموذج هذه النهضة التشكيلية الجديدة ـ أثره الواضح في هذه الحركة الناهضة بطموح الشباب الحوزوي والذي قدّم أدباً رائعاً حاكى فيه فحول الأدب وعظمائهم، فجاءت مقطوعته الشعرية على نسق ابداعات امراء الأدب الرثائي،الذين قدّموا روائعهم في مجال الرثاء لآل البيت (عليهم السلام).
إن فن التخميس الذي اشتهر به أدباء المدرسة الامامية، كان انطلاقاً من الحرص على إحياء أمر شاعر عُرف بتاريخه العلمي وفضله الأدبي، أو تثميناً للغرض الذي قدّمته المقطوعة الأدبية، فيرى الشاعر مجاراة القصيدة التي يحتاج إليها الغرض الشعري إعادة تجديدية لدواعي الشاعر ومقتضيات القصيدة.
حاول الشيخ محمود سبتي مجاراة الشيخ صالح الكواز المعروف برثائياته الفاطمية، وأبدع في تجديده للغرض الرثائي، وحاول اضافة مشاركته للاعمال العملاقة التي قدّمها رواد مدرسة الرثاء الفاطمي.
أرخه صاحب شعراء الغري بقوله:(1)
"هو محمود بن الشيخ كاظم بن حسن بن علي بن سبتي السهلاني،
____________
1- شعراءالغري: 11: 197.
ولد في بغداد سنة 1311 هـ عندما كان أبوه يقيم هناك، وشب على توجيه والده في قراءة رثاء الامام الحسين (عليه السلام) كمقدمة له فكان من ألمع الشباب الموهوبين، جمال في الصورة، صوت رخيم حدة في الذكاء قوة في الحافظة، يقطر رقة ولطفاً، أحبه الناس وأقبلوا على استماع روايته بصورة عجيبة، واستطاع أن يأخذ بمجامع القلوب ويستعمر الأسماع وتفنن بالالحان العربية والفارسية في عرض الشعر.
توفي المترجم له وهو شاب في النجف سنة 1336 هـ، وكانت ولادته 1311 هـ فيكون عمره حين وفاته خمسة وعشرين ربيعاً.
[64] قال في تخميسة لقصيدة الشيخ صالح الكواز:
كم في سويدا قلبها من غلة | وبجسمها نشبت مخالب علة |
لم أنس إذ بكت النبي بعولة | ورنت الى القبر الشريف بمقلة |
وسياط قنفذ أثرت في جنبها | وسماء مقلتها تدر بسحبها |
حتى إذا احتنك الجوى في لبها | قالت وأطفار المصاب بقلبها |