الصفحة 392

الصفحة 393

آية الله الشيخ علي الجشي

يعتبر الشيخ علي الجشي مشروعاً أدبياً ناهضاً بالواقع الأدبي الراكد الذي تميز به القرن الرابع عشر الهجري، وقد أفِلت المدرسة الحلية، برحيل بقاياها من فحول الشعراء كالشيخ سلمان نوح المتوفي سنة 1308 والشيخ درويش الحلي المتوفي سنة 1311 والشيخ محسن العذاري المتوفي سنة 1314 والملا عباس الصفار الزيوري الحلي المتوفي سنة 1316 وغيرهم، وقد أغلقت المدرسة الحلية أبوابها على تراث أدبي حسيني ميّزها عن المدارس الأدبية الإسلامية الأخرى، وأُسّدِل الستار على آخر مدرسة أدبية

الصفحة 394
شيعية لها شخصيتها المتميزة وتوجهاتها الخاصة.

وإذا كانت المدرسة الحلية قد انتهت بحلول أواسط القرن الرابع عشر الهجري، فان المدرسة الأدبية الشيعية لم تعقم، فمدرسة الجزء الشرقي من جزيرة العرب القطيفية أنجبت ابداعاً جديداً حتى بلغت أوج نهضتها بشاعرها الشيخ علي الجشي، وإذا كانت للمدرسة الحلية خصوصياتها الحسينية، فان مدرسة الشيخ علي الجشي القطيفية لها خصوصياتها الفاطمية.

استطاع الشيخ علي الجشي أن ينقل لأهله القطيفيين من الأدباء تجربة الحليين التخصصية من الشعراء، فالقارىء لا يكاد يستمع إلى قصيدة حلية إلاّ وتبادرت إلى ذهنه واقعة الطف، لشدة ما ربط الشاعر مصير قصيدته بقضية كربلاء.

وهكذا الشيخ علي الجشي ينقل تجربته ليتخصص بالحدث الفاطمي، فتأتي قصيدته مترجمة لوجدانياته الملتهبة في تصوير المأساة الفاطمية.

استفاد من تجواله بين الحواضر العلمية متنقلا ليأخذ من التجارب الأدبية ما يرفد مشروعه الفاطمي بالروعة والابداع، فحلوله في كربلاء وتنقله من النجف إلى الكاظمية، انتهاءً بسامراء، ثم يعود إلى النجف ليرجع إلى بلده القطيف ثم يعاود الهجرة النجفية ثانية كل ذلك دعّم حضوره الأدبي فضلا عن العلمي في منتديات الأدباء التجديديين، وكانت تجربته في التخصص بالقضية الفاطمية قد استفادت منها مدارس الساحل الجنوبي من بلدان الخليج.


الصفحة 395
ويمكن القول ان القصيدة الخليجية الملتزمة من هذا القرن تُعد نتاجاً للمشروع الفاطمي الذي قدّمه الشيخ علي الجشي.

استطاع الشيخ علي أن يزاوج بين مدرستين أدبيتين لهما أصالتهما الخاصة وتوجههما المعروف، فالمدرسة الحلية التي هاجر اليها مسحته بمسحة المأساة والرثاء، والمدرسة القطيفية الأم أكدت فيه روح التجديد، فتشكلت شخصيته الشاعرية من مدرسة الرثاء الحلية التقليدية، ومدرسة القطيف التجديدية ذات الانفتاح الواسع على ثقافات المدارس التجديدية من جزيرة العرب وسواحلها المتاخمة، وإذا استطاع الجشي أن يبرز توجهاته التجديدية في وحدته الشعرية فانه حافظ على تقليديته القادمة معه من بلدان الهجرة العلمية وحواضرها الأدبية كالنجف وكربلاء والحلة والكاظمية وسامراء، لذا فانك تجد قصائده قد بنت شخصيتها الأدبية من معالم شخصيته العلمية، فإذا قرأت قصيدة الحبشي انبعثت في نفسك هواجس الشاعر المعبّر عن وجدانياته، فضلا عن التدرجات العلمية التحقيقية في القضية التاريخية التي يبحثها الشاعر.

فالجشي الذي ولد سنة 1297 هـ في مدينة القطيف، الجزء الشرقي من جزيرة العرب، هاجر إلى النجف واستقرَّ بها لتحصيل العلوم الدينية سنة 1317، وحصر في كربلاء عند بعض الأعلام، وكذلك الكاظمية وسامراء ثم آب عائداً إلى النجف الأشرف وأقام ما بين عامي 1334 و 1345 ثم هاجر إلى النجف ثانية وحضر عند الميرزا النائيني وأغاضياء العراقي والسيد أبو الحسن الاصفهاني وأخيراً لدى السيد الحكيم قدس أسرارهم وهو من القلائل الذين حظوا بالاجازة الخطية بالاجتهاد من لدن السيد

الصفحة 396
الحكيم (قدس سره).

هذه الحياة العلمية الحافلة بالابداع عززت من رؤيته التحقيقية للحدث، وكانت دالة الحدث الإسلامي قد ظهرت لدى المحقق الجشي هي فاجعة السيدة الزهراء (عليها السلام) التي من خلالها ينطلق الشاعر المحقق ليساير التاريخ الإسلامي فيقرأهُ على سامعيه في قصائده الأستقصائية.

أكدت "القصيدة الجشية" مشاريعها الفاطمية في قضية إسقاط المحسن، وتمحوّرت هذه المشاريع حول مسألة الاسقاط وعبّرت عن الانحرافات الطارئة على المسير الإسلامي في برمجة قضية الزهراء (عليها السلام) لتحدد معالم السقوط والتهافت التاريخي، وبذل الشاعر جهداً ملحوظاً في التشكيلة الفاطمية" على أنها الصياغة الأولية للحدث الإسلامي والذي يقرأ من خلاله الأنفلاتية في طموحات سياسية قدّمت اطروحتها التنظيمية على أساس الاجماع والشورى وغيرها من التنظيرات السياسية المقحمة في الايدلوجية الاسلامية للحكم.

حفلت حياة(1) الشاعر الشيخ علي الجشي بما تحفله حياة علماء الإمامية، فمن الوعظ والارشاد والتدريس في بلاده القطيفية، إلى الوثبات السياسية الجريئة التي شهدتها حقبته التاريخية ضد سلطات بلاده الحاكمة.

وكما ترك مواقفه السياسية تراثاً جهادياً شيعياً، فقد ترك رصيداً من أثاره تراثاً علمياً شيعياً.

____________

1- رجعنا إلى ترجمة حياته لمقدمة ديوانه فراجع. انتشارت الشريف الرضي قم 1417 هـ.


الصفحة 397
كانت بعض آثاره:

1 ـ نظم كفاية الاصول.

2 ـ الشواهد المنبرية

3 ـ الروضة العلية.

4 ـ ديوان الجشي.

* * *

[81] ومن قصائده الفاطمية:

مالنا بعدَ جحدِ يومِ الغديرِواغتصاب الوصي يومُ سرورِ
يا لها فتنةٌ تَفَرَّعَ منهاكلُّ شر على مرور الدهورِ
فتنةٌ ضلَّ في ظلام دُجاهاجملةُ الخلق غيرُ نزر يَسيرِ
كفروا بالاله ام بَعُدَ العهدُعليهم ام جاء غيرُ نذيرِ
او هل جابرٌ لكسرِ الهدى أمهل مغيثٌ له وهل من مُجيرِ
ربِّ قَربْ وقتَ الظهور فقد طالَ علينا انتظارُ وقتِ الظهورِ
ما ابن... وما الخلافة اين الليــل من نور فَجرها المستطير


الصفحة 398
أَفمن كان عن براءةَ معزولا بأمر من السميع البصيرِ(1)
يرتضيه الإله من بعد طهخلفاً عنه في جميع الأمورِ
ما لقوم ضلوا عن الرشد ساروابين صبح الرشادِ والديجورِ
بل قفوا اثر قوم موسى فتاهواوالهدى لاح في الضلال الكبيرِ
عزلوا المرتضى وساموه ضيماًإذ ابى إمرةَ المضلِ الكفورِ(2)
ليس هارونُ كالوصي ابتلاءًبعدَ موسى إذ لم يجد من نصيرِ
ان يكونوا قد خالفوه فهذاقد دعوه لبيعة وحضورِ
او يَهمُّوا بقتله فعليقَتلَتهُ في كيدها المستورِ
ما المرادي عند ذي الرشد لولافتنةُ القوم بعد فقد النذيرِ
اسسوا ظلمه عناداً واغروالهم الويل كلَّ كَلب عقورِ
بل ارادوا ان يحرقوا البيت حتىلا يُرى ذاكرٌ لخير بشيرِ
فأبى الله ذلكم حيث فيهمن هم علةُ البقا والصدورِ
وهو بيت عند المهيمن ضاهىشأنهُ شانَ بيته المعمورِ
لم يكن جبرئيلُ يَدخل إلابعد إذن من اهله في الحضورِ

____________

1- براءة: يعني سورة البراءة من المشركين فعزله جبرئيل (عليه السلام) بأمر الله تعالى وتولاها علي (عليه السلام)والقصه معروفه في كتب السنة مثل مسند أحمد ح1 ص3 و ص151 وكنز العمال ح6 ص130.

2- ساموه: كلفوه قهراً.


الصفحة 399
يابن عم النبي صبرُك انسىصبرَ أيُّوب في قديم الدهورِ
ضاق ذرعاً بأمر رحمةً لمَّاجَزَّتِ الشعرَ شاكياً للخبيرِ(1)
وأَارك اصطبرت والقومُ آذَوافاطماً في عَشِّيها والبكورِ
أمن الصبر كان قلبُك إنيلا ارى يستطيعُ قلبُ صبورِ
دخلوا دارها وليس عليهامن قناع والحِقد ملؤ الصدورِ
وعلى متنها السياطُ تلوَّتْحيثُ لا دافع ولا مجيرِ(2)
يالها من عداوة اظهروهاوهي من قبلُ في سُويدا الضميرِ
دع تفاصيلَ ما جرى فبيانىبعضَ ما كان نفثهُ المصدورِ(3)
ما سمعنا من قبلُ بنتَ نبيأُوذيت كالبتول بعد النذيرِ
عُصرت أُسقطت أُضيعت ذِماماًغُصبت كُذِّبت بأفك وزورِ
جحدوا آيةَ الطهارةِ فيهابعدَ علم كجحدهم للغديرِ
دخلوا الدارَ أَضرموا النارَ قادواحيدراً بالنجاد قودَ البعيرِ
وأَرادوا قتل الوصي فأضحىقلبُها مثلَ طائرِ مذعورِ
وعراها الذهولُ عمَّا عَراهامن سقوط وضلعِها المكسورِ

____________

1- سورة ص آية: 41، والقصة في التفاسير.

2- دافع بالكسر بتقدير من.

3- نفثه المصدور ما يقذفه المصاب بصدره، والمقصود: الكناية عن عظم البيان وصعوبته.


الصفحة 400
فَعَدتْ خلفه تقول دعوهوهي ثكلى تبكي بدمع غزيرِ
إنَّ قلبي وإنْ تحمَّل لكنليس قلبي عن حيدر بصبورِ
فلتخلوه أو لا نشرَ شعريوَلأدعو هناك بالتدميرِ
ثم أمّت قبرَ النبي لتشكوقومه وهي نفثةُ المصدورِ
يا حبيبَ الإله قومك أَبدوامذ فقدناك مضمراتِ الصدورِ
عزلوا حيدراً وقادوه قسراًلابن... ولم يجد من نصيرِ
غصبوا نحلتي وَردُّوا شهوديمنعونيَ ارثي بكذب وزورِ
كرهوا ان اقيمَ فيهم فقالوالي آذيتنا بطولِ الزفيرِ
منعوني من البكاء لأقضيبالجوى ان كتمته في الضميرِ
وكساها المصابُ اثوابَ حُزنما اكتست بعدها ثيابَ سرورِ
قل لبيتِ الأحزانِ بعدك حزنيمستمرٌ على مُرور الدهورِ

[82] ومن قصيدة له قال فيها:

غيرةَ اللهِ كيف تستطيع صبراًوَلشمس الاسلام حان غروبُ
بَدىء الدين في الأنام غريباًوأراه قد عاد وهو غريبُ
شب عمرو الهدى عِن الطوق فيكموطريق الهدى بكم ملحوبُ(1)
ما... لا تَمَّ بِشرٌ عليهاو... فلا عدتها الخطوبُ

____________

1- الملحوب: الواضح.


الصفحة 401
حاولتْ محوَ دعوةِ الحق حتىتظهر الشركَ والضلالَ ضروبُ
كتبت صكَا القديمَ وقالتهَجَر المصطفى فلا حافظٌ ورَقيبُ
وابتغت فرصةَ اختلاص فلمَّاحان من سيِّد الهداة المغيبُ(1)

* * *

نشرت ما طوى النفاقُ قديماًوهو في ستر كيدها محجوبُ
وادعت مَنصِبَ الخلافة بغياًحذراً ان يفوتها المطلوبُ
وأتت تطلب الولا من عليوهم يعلمون لا يستجيبُ
ولعمري ما بُغيةُ القوم إلاّلا يُرى للاسلام ثَمَّ رقيبُ
فأتوا داره بجيش ضلالزعموا أنّه به مغلوبُ
وُعلاه ما القوم كفوا ولكنذاك في سابق القضا مكتوبُ
وأرادوا أن يحرقوها فصاحتفاطمُ ان أمرَكم لمريبُ
أَوَهل مَنصب الولا لابن...وعليه اسامةٌ منصوبُ
أنسيتم نصب النبي علياًيوم خم إذ قام وهو خطيبُ
لم أضعتم وصيَّة الله فيناونكثتم والعهدُ منكم قريبُ
أكفرتم بالله يا قومُ أم ماقاله المصطفى لكم مكذوبُ

____________

1- الاختلاص: هو الوصول للغرض والهدف.


الصفحة 402
فارعووا لا رُعيتم ودعونافَعنتٌ لم يُفد بها التأنيبُ(1)
لا تسلني ما نال فاطمَ لمَّادخلوا الدارَ فالخطوب شعوبُ
واستداروا حول الوصي ولولاحِلمه ما أفادها التأليبُ(2)
أترى يرهب الحِمامَ عليبل علي في صدره مرهوبُ(3)
أخرجوه ملبباً ليت شعريكيف قُيّد الليثُ الهمام المهيبُ
فعدت خلفه البتولة تدعوبرنين له الصخور تذوبُ
أتريدون تقتلون عليّاًلا وربّي فهو السميع المجيبُ
فدعوه أو أَدعونَّ عليكمما ثمود أحرى بما قد اصيبوا
وزووا ارثَها اعتداءاً فجاءتوهي عبرى ودمعها مسكوبُ
أَيُّها الناس راقبوا الله فيناوارجعوا فالاله فيكم رقيبُ
أَتقولون غاب أحمدُ عنَّاوجفانا حميمُنا والقريبُ
وأبانت ضلالةَ القوم لكنلم يكن فيهم رشيد منيبُ
ثم آبت كما أَتت وهي صِفرُ الكفِّوَلَهاً وحقها مغصوبُ(4)
فانثنت بالأسى لِمَا قد عراهافي حنين كما تحن النيبُ(5)

____________

1- ارعوى: كف عن جهله.

2- التأليب: التجمع عداوة على واحد.

3- الحِمام: الموت.

4- الوله الحزن الشديد.

5- النيب: النياق المسنة.


الصفحة 403
منعوها من البكاء لتقضيكمداً والفؤاد منها يذوبُ
قل لِبيتِ الأحزان ما زال حزنيلا ولا عيشي الهني يطيبُ
قل لتلك الضلوعِ بعدكِ قلبيما له جابرٌ فدتك القلوبُ
لست انسى وقوفها وهي تشكولأبيها ولا تراه يجيبُ
غصبوا حيدرَ الخلافةَ ظلماًوتراثي لديهمُ مغصوبُ
وجنيني قد أسقطوه وضلعيكسروه وقد عراني الشحوبُ
وزووا نحلتي وردّوا شهوديوجفوني فما لصوتي مجيبُ
منعوني من البكاء وقالوالي آذيتنا فحسبي الحسيبُ
ورمونا بكل خطب عظيموأُمور منها الجنين يشيبُ
يالها من مصائب تتوالىورزايا للجامدات تُذيبُ
وبها أَصبحت حليفةَ سقمدأبها البث والأسى والنحيبُ(1)
نسيت نفسها وما هي فيهمن أَذى القوم إذ أتتها شعوبُ
وقضت تندب الحسينَ بشجوولأرزاه دمعها مسكوبُ
عجباً تدفن البتولة سرّاًوجهاراً تراثها منهوبُ

* * *

____________

1- البث: أشد الحزن.


الصفحة 404
لا يؤمن الدهرُ الخؤونُ على أحدْومتى أسَّرَ أَسَا وان وهبَ استرد
فالدهر لا تأمن اذا أسدى يداًفلربّما أسدى يداً وبها حسدْ
ويذيقه مكراً ضروبَ حلاوةمن حمرة المُلهي وقد وضع الرصدْ
حتى اذا ثَمُلَ الفتى وتلاعبتبالعقل خمرته رماه بما اُعدْ
ما راكبُ الدنيا وآمنُ مكرهاإلاَّ كأمنِ فتى على ظهر الأسدْ
ليتَ الزمانُ لمجتني ثمراتِهاردى ولكن قد رمى من كُفَّ يدْ
فهل اجتنت آل النبي ثمارهُبل حاد عن قصد الطريق وما اقتصدْ
اَوَ ما أباح حمى الوصي المرتضىإذ حكَّم العجلَ المضلَ وعنه صدْ
عقدَ الولا حَلُّوا وَبغياً أجمعواأن يطفؤا بالنار أنوارَ الرشدْ


الصفحة 405
لم أنس لمَّا أوقدوا ناراً علىبيت الهدى وضرامها فيه اتقدْ
هجموا وبالباب البتول قد اختفتاذ لا قناعٌ فرضَّ بالباب الجسدْ
وغدت بطه تستغيث ولم تُغَثْبسوى السياط ومن لها بعد العمدْ
عُصرتْ وأسقطتِ الجنين وأُلَّمتبالسوط بل لطمت على عين وخدْ
واقتيد مقتادُ الأسودِ ملبباًإذ بالوصيَّة صابراً قد كَفَّ يَدْ
والهفتاه على الأطائبِ ما رُعُوابعدَ النبيِّ وراح شملهم بددْ
أَيقادُ حيدرة وتؤذى فاطمويروّعُ ابناها وعن ارث تصدْ
قُهرتْ ضلالا بعد طول خِصامِهاوعلو حجتها على الخصم الألدْ
رُغمت فعادت وهي صِفرْ الكفِّ إذلا منجدٌ وبها قد اشتد الكمدْ


الصفحة 406
وتقمصتْ ثوب الهموم وما اكتستْإلا ببشرى الموت أثواباً جُدُدْ
ولقد قضت مظلومةً مقهورةًمهضومةً لم يَرعَ حرمتها أحدْ
لم أنس إذ وَضعَ الوصيُّ أَمامهجسدَ البتول ومدَّ للتغسيل يدْ
كانتْ تكتمُ ما عراها رحمةًبالمرتضى قبلَ الممات وان ضهدْ(1)
فرأى بها ما هدَّ ركن الصبر مناثر السياط وكسرِ ضلع بالجسدْ
فهناك حنَّ شجى على ما نابهاوبكى أسىً اسفاً وقد ضعف الجلَدْ(2)
وقد انحنت منهالضلوعُ ومثلهافيه العزاء يعزُّ ممَّن قد فَقَدْ
وبفقدها فقد النبي فانهاتحكيه في نُطق وفي مشي وقدْ
ولقد شجاني ضمُّها السبطين فيوقت الوداع وما عراها من كمدْ

____________

1- ضهد: ظهر.

2- الجلد: التحمل.


الصفحة 407
حنَّت وأنَّت من جوىً بأبي وقدأَلْوَتْ على كلٍّ من السبطين يدْ
لهفي لها ما شُيّعت جهراً وقددفنت ولم يعلم بمثواها أحدْ
ولدفنها سرّاً واخفا قبرهاوقد أورثا أشياعها كَمدَ الأبدْ
وغدا عزاء المسلمين لحيدربغياً بأن هموا باخراج الجسدْ
وَلكَمْ مصاب قد عراه بفقدهاممَّا بها ومن الأعادي لا تُعدْ
أو لم تكن في المسلمين وديعةًكيف الوديعةُ غيرُ سالمة تُردْ
هب أنها لم تشكهم للمصطفىكيلا يساء بما عليها قد وردْ
أتراه حيثُ يضمُّها ويشمُهايخفى عليه اللطمُ من عين وخدْ

[83] ومن قصيدة أخرى له يقول فيها:

ما لقلبي من بعد فقد النذيرمن سلو على مرور الدهورِ


الصفحة 408
هو يومٌ نَعامةُ العزّ شالتفيه عن آله حِمى المستجيرِ(1)
نبذَ القومُ نصَّه والوصايافيهم ضلّة وراء الظهورِ
وتناسوا وصيّةَ الله فيهمووصايا طه ويومَ الغديرِ
فارتقوا مُرتقاً عظيماً وهموابهموم مستورة في الضميرِ
ولعمري ما اسلم القومُ رشداًأو اجابوا هدىً نداءَ البشيرِ
بل لغاياتها التي أَمَّلتهافسعتْ سعيها لتلك الامورِ
سل ذُباباً قد دَحرجُوها لماذاوَلْتَسلْ من صحيفةِ التأميرِ
ولمّا عادوا عن الجيشِ حتىالقحوا فتنةً ليومِ النشورِ
لم يقولوا النبيَّ يهجر إلاّخوفَ إفساد كيدها المستورِ
عجباً من عصابة ركبت فينصرة الدين كلَّ امر خطيرِ
عدلوا عن محمد فعلينفسُ طه وبايعوا ابنَ الأجيرِ
بأبي الصابرُ الملبّبُ لمّااخذوه من بيته كالأسيرِ
جرَّأَ القومَ حلمهُ والوصاياوضلالُ الورى وغِلُ الصدورِ
لو بهم همَّ لم يُفدهمْ لفيفٌوَمتى اقتادتِ القَطا للصقورِ(2)
وابنتُ المصطفى تنادي بقلبخافق من صنيعهم مذعورِ

____________

1- نعامة العزّ شالت: ذهاب العز.

2- اللفيف: مجموع الفرق العسكرية والقطا طائر ضعيف.