آية الله الشيخ علي الجشي
يعتبر الشيخ علي الجشي مشروعاً أدبياً ناهضاً بالواقع الأدبي الراكد الذي تميز به القرن الرابع عشر الهجري، وقد أفِلت المدرسة الحلية، برحيل بقاياها من فحول الشعراء كالشيخ سلمان نوح المتوفي سنة 1308 والشيخ درويش الحلي المتوفي سنة 1311 والشيخ محسن العذاري المتوفي سنة 1314 والملا عباس الصفار الزيوري الحلي المتوفي سنة 1316 وغيرهم، وقد أغلقت المدرسة الحلية أبوابها على تراث أدبي حسيني ميّزها عن المدارس الأدبية الإسلامية الأخرى، وأُسّدِل الستار على آخر مدرسة أدبية
وإذا كانت المدرسة الحلية قد انتهت بحلول أواسط القرن الرابع عشر الهجري، فان المدرسة الأدبية الشيعية لم تعقم، فمدرسة الجزء الشرقي من جزيرة العرب القطيفية أنجبت ابداعاً جديداً حتى بلغت أوج نهضتها بشاعرها الشيخ علي الجشي، وإذا كانت للمدرسة الحلية خصوصياتها الحسينية، فان مدرسة الشيخ علي الجشي القطيفية لها خصوصياتها الفاطمية.
استطاع الشيخ علي الجشي أن ينقل لأهله القطيفيين من الأدباء تجربة الحليين التخصصية من الشعراء، فالقارىء لا يكاد يستمع إلى قصيدة حلية إلاّ وتبادرت إلى ذهنه واقعة الطف، لشدة ما ربط الشاعر مصير قصيدته بقضية كربلاء.
وهكذا الشيخ علي الجشي ينقل تجربته ليتخصص بالحدث الفاطمي، فتأتي قصيدته مترجمة لوجدانياته الملتهبة في تصوير المأساة الفاطمية.
استفاد من تجواله بين الحواضر العلمية متنقلا ليأخذ من التجارب الأدبية ما يرفد مشروعه الفاطمي بالروعة والابداع، فحلوله في كربلاء وتنقله من النجف إلى الكاظمية، انتهاءً بسامراء، ثم يعود إلى النجف ليرجع إلى بلده القطيف ثم يعاود الهجرة النجفية ثانية كل ذلك دعّم حضوره الأدبي فضلا عن العلمي في منتديات الأدباء التجديديين، وكانت تجربته في التخصص بالقضية الفاطمية قد استفادت منها مدارس الساحل الجنوبي من بلدان الخليج.
استطاع الشيخ علي أن يزاوج بين مدرستين أدبيتين لهما أصالتهما الخاصة وتوجههما المعروف، فالمدرسة الحلية التي هاجر اليها مسحته بمسحة المأساة والرثاء، والمدرسة القطيفية الأم أكدت فيه روح التجديد، فتشكلت شخصيته الشاعرية من مدرسة الرثاء الحلية التقليدية، ومدرسة القطيف التجديدية ذات الانفتاح الواسع على ثقافات المدارس التجديدية من جزيرة العرب وسواحلها المتاخمة، وإذا استطاع الجشي أن يبرز توجهاته التجديدية في وحدته الشعرية فانه حافظ على تقليديته القادمة معه من بلدان الهجرة العلمية وحواضرها الأدبية كالنجف وكربلاء والحلة والكاظمية وسامراء، لذا فانك تجد قصائده قد بنت شخصيتها الأدبية من معالم شخصيته العلمية، فإذا قرأت قصيدة الحبشي انبعثت في نفسك هواجس الشاعر المعبّر عن وجدانياته، فضلا عن التدرجات العلمية التحقيقية في القضية التاريخية التي يبحثها الشاعر.
فالجشي الذي ولد سنة 1297 هـ في مدينة القطيف، الجزء الشرقي من جزيرة العرب، هاجر إلى النجف واستقرَّ بها لتحصيل العلوم الدينية سنة 1317، وحصر في كربلاء عند بعض الأعلام، وكذلك الكاظمية وسامراء ثم آب عائداً إلى النجف الأشرف وأقام ما بين عامي 1334 و 1345 ثم هاجر إلى النجف ثانية وحضر عند الميرزا النائيني وأغاضياء العراقي والسيد أبو الحسن الاصفهاني وأخيراً لدى السيد الحكيم قدس أسرارهم وهو من القلائل الذين حظوا بالاجازة الخطية بالاجتهاد من لدن السيد
هذه الحياة العلمية الحافلة بالابداع عززت من رؤيته التحقيقية للحدث، وكانت دالة الحدث الإسلامي قد ظهرت لدى المحقق الجشي هي فاجعة السيدة الزهراء (عليها السلام) التي من خلالها ينطلق الشاعر المحقق ليساير التاريخ الإسلامي فيقرأهُ على سامعيه في قصائده الأستقصائية.
أكدت "القصيدة الجشية" مشاريعها الفاطمية في قضية إسقاط المحسن، وتمحوّرت هذه المشاريع حول مسألة الاسقاط وعبّرت عن الانحرافات الطارئة على المسير الإسلامي في برمجة قضية الزهراء (عليها السلام) لتحدد معالم السقوط والتهافت التاريخي، وبذل الشاعر جهداً ملحوظاً في التشكيلة الفاطمية" على أنها الصياغة الأولية للحدث الإسلامي والذي يقرأ من خلاله الأنفلاتية في طموحات سياسية قدّمت اطروحتها التنظيمية على أساس الاجماع والشورى وغيرها من التنظيرات السياسية المقحمة في الايدلوجية الاسلامية للحكم.
حفلت حياة(1) الشاعر الشيخ علي الجشي بما تحفله حياة علماء الإمامية، فمن الوعظ والارشاد والتدريس في بلاده القطيفية، إلى الوثبات السياسية الجريئة التي شهدتها حقبته التاريخية ضد سلطات بلاده الحاكمة.
وكما ترك مواقفه السياسية تراثاً جهادياً شيعياً، فقد ترك رصيداً من أثاره تراثاً علمياً شيعياً.
____________
1- رجعنا إلى ترجمة حياته لمقدمة ديوانه فراجع. انتشارت الشريف الرضي قم 1417 هـ.
1 ـ نظم كفاية الاصول.
2 ـ الشواهد المنبرية
3 ـ الروضة العلية.
4 ـ ديوان الجشي.
[81] ومن قصائده الفاطمية:
مالنا بعدَ جحدِ يومِ الغديرِ | واغتصاب الوصي يومُ سرورِ |
يا لها فتنةٌ تَفَرَّعَ منها | كلُّ شر على مرور الدهورِ |
فتنةٌ ضلَّ في ظلام دُجاها | جملةُ الخلق غيرُ نزر يَسيرِ |
كفروا بالاله ام بَعُدَ العهدُ | عليهم ام جاء غيرُ نذيرِ |
او هل جابرٌ لكسرِ الهدى أم | هل مغيثٌ له وهل من مُجيرِ |
ربِّ قَربْ وقتَ الظهور فقد طا | لَ علينا انتظارُ وقتِ الظهورِ |
ما ابن... وما الخلافة اين الليـ | ـل من نور فَجرها المستطير |
أَفمن كان عن براءةَ معزو | لا بأمر من السميع البصيرِ(1) |
يرتضيه الإله من بعد طه | خلفاً عنه في جميع الأمورِ |
ما لقوم ضلوا عن الرشد ساروا | بين صبح الرشادِ والديجورِ |
بل قفوا اثر قوم موسى فتاهوا | والهدى لاح في الضلال الكبيرِ |
عزلوا المرتضى وساموه ضيماً | إذ ابى إمرةَ المضلِ الكفورِ(2) |
ليس هارونُ كالوصي ابتلاءً | بعدَ موسى إذ لم يجد من نصيرِ |
ان يكونوا قد خالفوه فهذا | قد دعوه لبيعة وحضورِ |
او يَهمُّوا بقتله فعلي | قَتلَتهُ في كيدها المستورِ |
ما المرادي عند ذي الرشد لولا | فتنةُ القوم بعد فقد النذيرِ |
اسسوا ظلمه عناداً واغروا | لهم الويل كلَّ كَلب عقورِ |
بل ارادوا ان يحرقوا البيت حتى | لا يُرى ذاكرٌ لخير بشيرِ |
فأبى الله ذلكم حيث فيه | من هم علةُ البقا والصدورِ |
وهو بيت عند المهيمن ضاهى | شأنهُ شانَ بيته المعمورِ |
لم يكن جبرئيلُ يَدخل إلا | بعد إذن من اهله في الحضورِ |
____________
1- براءة: يعني سورة البراءة من المشركين فعزله جبرئيل (عليه السلام) بأمر الله تعالى وتولاها علي (عليه السلام)والقصه معروفه في كتب السنة مثل مسند أحمد ح1 ص3 و ص151 وكنز العمال ح6 ص130.
2- ساموه: كلفوه قهراً.
يابن عم النبي صبرُك انسى | صبرَ أيُّوب في قديم الدهورِ |
ضاق ذرعاً بأمر رحمةً لمَّا | جَزَّتِ الشعرَ شاكياً للخبيرِ(1) |
وأَارك اصطبرت والقومُ آذَوا | فاطماً في عَشِّيها والبكورِ |
أمن الصبر كان قلبُك إني | لا ارى يستطيعُ قلبُ صبورِ |
دخلوا دارها وليس عليها | من قناع والحِقد ملؤ الصدورِ |
وعلى متنها السياطُ تلوَّتْ | حيثُ لا دافع ولا مجيرِ(2) |
يالها من عداوة اظهروها | وهي من قبلُ في سُويدا الضميرِ |
دع تفاصيلَ ما جرى فبيانى | بعضَ ما كان نفثهُ المصدورِ(3) |
ما سمعنا من قبلُ بنتَ نبي | أُوذيت كالبتول بعد النذيرِ |
عُصرت أُسقطت أُضيعت ذِماماً | غُصبت كُذِّبت بأفك وزورِ |
جحدوا آيةَ الطهارةِ فيها | بعدَ علم كجحدهم للغديرِ |
دخلوا الدارَ أَضرموا النارَ قادوا | حيدراً بالنجاد قودَ البعيرِ |
وأَرادوا قتل الوصي فأضحى | قلبُها مثلَ طائرِ مذعورِ |
وعراها الذهولُ عمَّا عَراها | من سقوط وضلعِها المكسورِ |
____________
1- سورة ص آية: 41، والقصة في التفاسير.
2- دافع بالكسر بتقدير من.
3- نفثه المصدور ما يقذفه المصاب بصدره، والمقصود: الكناية عن عظم البيان وصعوبته.
فَعَدتْ خلفه تقول دعوه | وهي ثكلى تبكي بدمع غزيرِ |
إنَّ قلبي وإنْ تحمَّل لكن | ليس قلبي عن حيدر بصبورِ |
فلتخلوه أو لا نشرَ شعري | وَلأدعو هناك بالتدميرِ |
ثم أمّت قبرَ النبي لتشكو | قومه وهي نفثةُ المصدورِ |
يا حبيبَ الإله قومك أَبدوا | مذ فقدناك مضمراتِ الصدورِ |
عزلوا حيدراً وقادوه قسراً | لابن... ولم يجد من نصيرِ |
غصبوا نحلتي وَردُّوا شهودي | منعونيَ ارثي بكذب وزورِ |
كرهوا ان اقيمَ فيهم فقالوا | لي آذيتنا بطولِ الزفيرِ |
منعوني من البكاء لأقضي | بالجوى ان كتمته في الضميرِ |
وكساها المصابُ اثوابَ حُزن | ما اكتست بعدها ثيابَ سرورِ |
قل لبيتِ الأحزانِ بعدك حزني | مستمرٌ على مُرور الدهورِ |
[82] ومن قصيدة له قال فيها:
غيرةَ اللهِ كيف تستطيع صبراً | وَلشمس الاسلام حان غروبُ |
بَدىء الدين في الأنام غريباً | وأراه قد عاد وهو غريبُ |
شب عمرو الهدى عِن الطوق فيكم | وطريق الهدى بكم ملحوبُ(1) |
ما... لا تَمَّ بِشرٌ عليها | و... فلا عدتها الخطوبُ |
____________
1- الملحوب: الواضح.
حاولتْ محوَ دعوةِ الحق حتى | تظهر الشركَ والضلالَ ضروبُ |
كتبت صكَا القديمَ وقالت | هَجَر المصطفى فلا حافظٌ ورَقيبُ |
وابتغت فرصةَ اختلاص فلمَّا | حان من سيِّد الهداة المغيبُ(1) |
نشرت ما طوى النفاقُ قديماً | وهو في ستر كيدها محجوبُ |
وادعت مَنصِبَ الخلافة بغياً | حذراً ان يفوتها المطلوبُ |
وأتت تطلب الولا من علي | وهم يعلمون لا يستجيبُ |
ولعمري ما بُغيةُ القوم إلاّ | لا يُرى للاسلام ثَمَّ رقيبُ |
فأتوا داره بجيش ضلال | زعموا أنّه به مغلوبُ |
وُعلاه ما القوم كفوا ولكن | ذاك في سابق القضا مكتوبُ |
وأرادوا أن يحرقوها فصاحت | فاطمُ ان أمرَكم لمريبُ |
أَوَهل مَنصب الولا لابن... | وعليه اسامةٌ منصوبُ |
أنسيتم نصب النبي علياً | يوم خم إذ قام وهو خطيبُ |
لم أضعتم وصيَّة الله فينا | ونكثتم والعهدُ منكم قريبُ |
أكفرتم بالله يا قومُ أم ما | قاله المصطفى لكم مكذوبُ |
____________
1- الاختلاص: هو الوصول للغرض والهدف.
فارعووا لا رُعيتم ودعونا | فَعنتٌ لم يُفد بها التأنيبُ(1) |
لا تسلني ما نال فاطمَ لمَّا | دخلوا الدارَ فالخطوب شعوبُ |
واستداروا حول الوصي ولولا | حِلمه ما أفادها التأليبُ(2) |
أترى يرهب الحِمامَ علي | بل علي في صدره مرهوبُ(3) |
أخرجوه ملبباً ليت شعري | كيف قُيّد الليثُ الهمام المهيبُ |
فعدت خلفه البتولة تدعو | برنين له الصخور تذوبُ |
أتريدون تقتلون عليّاً | لا وربّي فهو السميع المجيبُ |
فدعوه أو أَدعونَّ عليكم | ما ثمود أحرى بما قد اصيبوا |
وزووا ارثَها اعتداءاً فجاءت | وهي عبرى ودمعها مسكوبُ |
أَيُّها الناس راقبوا الله فينا | وارجعوا فالاله فيكم رقيبُ |
أَتقولون غاب أحمدُ عنَّا | وجفانا حميمُنا والقريبُ |
وأبانت ضلالةَ القوم لكن | لم يكن فيهم رشيد منيبُ |
ثم آبت كما أَتت وهي صِفرُ الكفِّ | وَلَهاً وحقها مغصوبُ(4) |
فانثنت بالأسى لِمَا قد عراها | في حنين كما تحن النيبُ(5) |
____________
1- ارعوى: كف عن جهله.
2- التأليب: التجمع عداوة على واحد.
3- الحِمام: الموت.
4- الوله الحزن الشديد.
5- النيب: النياق المسنة.
منعوها من البكاء لتقضي | كمداً والفؤاد منها يذوبُ |
قل لِبيتِ الأحزان ما زال حزني | لا ولا عيشي الهني يطيبُ |
قل لتلك الضلوعِ بعدكِ قلبي | ما له جابرٌ فدتك القلوبُ |
لست انسى وقوفها وهي تشكو | لأبيها ولا تراه يجيبُ |
غصبوا حيدرَ الخلافةَ ظلماً | وتراثي لديهمُ مغصوبُ |
وجنيني قد أسقطوه وضلعي | كسروه وقد عراني الشحوبُ |
وزووا نحلتي وردّوا شهودي | وجفوني فما لصوتي مجيبُ |
منعوني من البكاء وقالوا | لي آذيتنا فحسبي الحسيبُ |
ورمونا بكل خطب عظيم | وأُمور منها الجنين يشيبُ |
يالها من مصائب تتوالى | ورزايا للجامدات تُذيبُ |
وبها أَصبحت حليفةَ سقم | دأبها البث والأسى والنحيبُ(1) |
نسيت نفسها وما هي فيه | من أَذى القوم إذ أتتها شعوبُ |
وقضت تندب الحسينَ بشجو | ولأرزاه دمعها مسكوبُ |
عجباً تدفن البتولة سرّاً | وجهاراً تراثها منهوبُ |
____________
1- البث: أشد الحزن.
لا يؤمن الدهرُ الخؤونُ على أحدْ | ومتى أسَّرَ أَسَا وان وهبَ استرد |
فالدهر لا تأمن اذا أسدى يداً | فلربّما أسدى يداً وبها حسدْ |
ويذيقه مكراً ضروبَ حلاوة | من حمرة المُلهي وقد وضع الرصدْ |
حتى اذا ثَمُلَ الفتى وتلاعبت | بالعقل خمرته رماه بما اُعدْ |
ما راكبُ الدنيا وآمنُ مكرها | إلاَّ كأمنِ فتى على ظهر الأسدْ |
ليتَ الزمانُ لمجتني ثمراتِه | اردى ولكن قد رمى من كُفَّ يدْ |
فهل اجتنت آل النبي ثمارهُ | بل حاد عن قصد الطريق وما اقتصدْ |
اَوَ ما أباح حمى الوصي المرتضى | إذ حكَّم العجلَ المضلَ وعنه صدْ |
عقدَ الولا حَلُّوا وَبغياً أجمعوا | أن يطفؤا بالنار أنوارَ الرشدْ |
لم أنس لمَّا أوقدوا ناراً على | بيت الهدى وضرامها فيه اتقدْ |
هجموا وبالباب البتول قد اختفت | اذ لا قناعٌ فرضَّ بالباب الجسدْ |
وغدت بطه تستغيث ولم تُغَثْ | بسوى السياط ومن لها بعد العمدْ |
عُصرتْ وأسقطتِ الجنين وأُلَّمت | بالسوط بل لطمت على عين وخدْ |
واقتيد مقتادُ الأسودِ ملبباً | إذ بالوصيَّة صابراً قد كَفَّ يَدْ |
والهفتاه على الأطائبِ ما رُعُوا | بعدَ النبيِّ وراح شملهم بددْ |
أَيقادُ حيدرة وتؤذى فاطم | ويروّعُ ابناها وعن ارث تصدْ |
قُهرتْ ضلالا بعد طول خِصامِها | وعلو حجتها على الخصم الألدْ |
رُغمت فعادت وهي صِفرْ الكفِّ إذ | لا منجدٌ وبها قد اشتد الكمدْ |
وتقمصتْ ثوب الهموم وما اكتستْ | إلا ببشرى الموت أثواباً جُدُدْ |
ولقد قضت مظلومةً مقهورةً | مهضومةً لم يَرعَ حرمتها أحدْ |
لم أنس إذ وَضعَ الوصيُّ أَمامه | جسدَ البتول ومدَّ للتغسيل يدْ |
كانتْ تكتمُ ما عراها رحمةً | بالمرتضى قبلَ الممات وان ضهدْ(1) |
فرأى بها ما هدَّ ركن الصبر من | اثر السياط وكسرِ ضلع بالجسدْ |
فهناك حنَّ شجى على ما نابها | وبكى أسىً اسفاً وقد ضعف الجلَدْ(2) |
وقد انحنت منهالضلوعُ ومثلها | فيه العزاء يعزُّ ممَّن قد فَقَدْ |
وبفقدها فقد النبي فانها | تحكيه في نُطق وفي مشي وقدْ |
ولقد شجاني ضمُّها السبطين في | وقت الوداع وما عراها من كمدْ |
____________
1- ضهد: ظهر.
2- الجلد: التحمل.
حنَّت وأنَّت من جوىً بأبي وقد | أَلْوَتْ على كلٍّ من السبطين يدْ |
لهفي لها ما شُيّعت جهراً وقد | دفنت ولم يعلم بمثواها أحدْ |
ولدفنها سرّاً واخفا قبرها | وقد أورثا أشياعها كَمدَ الأبدْ |
وغدا عزاء المسلمين لحيدر | بغياً بأن هموا باخراج الجسدْ |
وَلكَمْ مصاب قد عراه بفقدها | ممَّا بها ومن الأعادي لا تُعدْ |
أو لم تكن في المسلمين وديعةً | كيف الوديعةُ غيرُ سالمة تُردْ |
هب أنها لم تشكهم للمصطفى | كيلا يساء بما عليها قد وردْ |
أتراه حيثُ يضمُّها ويشمُها | يخفى عليه اللطمُ من عين وخدْ |
[83] ومن قصيدة أخرى له يقول فيها:
ما لقلبي من بعد فقد النذير | من سلو على مرور الدهورِ |
هو يومٌ نَعامةُ العزّ شالت | فيه عن آله حِمى المستجيرِ(1) |
نبذَ القومُ نصَّه والوصايا | فيهم ضلّة وراء الظهورِ |
وتناسوا وصيّةَ الله فيهم | ووصايا طه ويومَ الغديرِ |
فارتقوا مُرتقاً عظيماً وهموا | بهموم مستورة في الضميرِ |
ولعمري ما اسلم القومُ رشداً | أو اجابوا هدىً نداءَ البشيرِ |
بل لغاياتها التي أَمَّلتها | فسعتْ سعيها لتلك الامورِ |
سل ذُباباً قد دَحرجُوها لماذا | وَلْتَسلْ من صحيفةِ التأميرِ |
ولمّا عادوا عن الجيشِ حتى | القحوا فتنةً ليومِ النشورِ |
لم يقولوا النبيَّ يهجر إلاّ | خوفَ إفساد كيدها المستورِ |
عجباً من عصابة ركبت في | نصرة الدين كلَّ امر خطيرِ |
عدلوا عن محمد فعلي | نفسُ طه وبايعوا ابنَ الأجيرِ |
بأبي الصابرُ الملبّبُ لمّا | اخذوه من بيته كالأسيرِ |
جرَّأَ القومَ حلمهُ والوصايا | وضلالُ الورى وغِلُ الصدورِ |
لو بهم همَّ لم يُفدهمْ لفيفٌ | وَمتى اقتادتِ القَطا للصقورِ(2) |
وابنتُ المصطفى تنادي بقلب | خافق من صنيعهم مذعورِ |
____________
1- نعامة العزّ شالت: ذهاب العز.
2- اللفيف: مجموع الفرق العسكرية والقطا طائر ضعيف.