آية الله الحجة
الشيخ هادي آل كاشف الغطاء
برّهن الأدب الشيعي أن القصيدة الشعرية تستطيع أن تستوعب أكثر من غرض واحد، ذلك أن القصيدة العربية التي تتحكم بها القافية تنحسر أغراضها الشعرية في مجالات ضيقة مداراةً للقافية الموحدة التي تلتزمها القصيدة الشعرية، لذا فان القصيدة العربية يكاد بعضها أن يكون محاولات مكررة في المضمون حتى يأتي الشاعر إلى نهاية القصيدة وهو يدور في فلك الغرض الشعري الواحد، فيلجأ الشاعر إلى تجديد محاولاته للتعبير عن
وفي الأدب الشيعي تحررت القصيدة العربية عن قيد القافية، وحاول الأديب الشيعي أن يتحرر من قيود القافية الموحدة إلى القافية المتعددة ضماناً لحرية تحركه في التعبير عن أغراض أخرى متنقلا في القصيدة الواحدة بين مناطق شعرية تمتد إلى مسافات شاسعة.
استطاع الأديب الشيعي في فن الارجوزة ـ ذات القافية الموحدة في الصدر والعجز للبيت الواحد والمختلفة القوافي للأبيات الأخرى ـ استطاع أن ينفلت من قبضة القافية الواحدة ليتحرر إلى رحاب القوافي المتعددة الأخرى فيبث في قصيدته أغراضاً عدة لتستطيع القصيدة أن تستوعب عدة أغراض فى مجال شعري واحد.
ولعل اختصاص الادب الشيعي في فن الارجوزة دون غيره من الاداب الاخرى هو تعدد الغرض لدى الشاعر فيسلك مسلك الارجوزة ليقدم من خلالها مشروعاً أدبياً سردياً يسردُ من خلاله اطروحته الفلسفية أو توجهاته العقائدية أو مبتنياته العلمية، فيتعامل مع ارجوزته كمفردة اعلامية ناضجة وذلك في غياب المجال الاعلامي الذي تأخذ بزمامه المشاريع الأدبية الحاكمية والتي تترنح في رحاب اعلامي مفتوح ويبقى الأديب الشيعي مكتوم الانفاس مضطهد الحس لا يستطيع التعبير عن هواجسه أو بث مشاريعه العقائدية الا من خلال القصيدة الواحدة ـ الارجوزة ـ المتكفلة في بث توجهاته دون أن ليجأ إلى عدة قصائد تكلّفه توزيعها أو انشادها الشيء الكثير في ظل ظروف أمنية قاهرة متسلطة، يذهب ضحيتها الشاعر ومدرسته الأدبية الملتزمة.
[89] قال في وقائع الحدث الفاطمي من أرجوزته الطويلة:
فاطمة خير نساء الامة | من كل ذنب عصمت ووصمة |
خير النساء فاطم الزهراء | يزهر نورها إلى السماء |
قد فطمت عن الجحيم الحاطمة | شيعتها فسميت "بفاطمة" |
ما مثلها في كل اقربائه | لا من بناته ولا نسائه |
قد ولدت من بعد عام البعثة | وقد حوت دون بنيه ارثه |
وكان منها دون من عداها | من اهله نسل النبي طاها |
"أم ابيها" وهي ام ابنيه | احب أهل بيته اليه |
لولا (علي) لم يكن كفؤ لها | من (آدم) إلى من الخلق انتهى |
من بهم تاب الآله وعفا | عن آدم وقد كفاه شرفا |
ومن بهم باهل سيد الورى | وقل تعالوا امرها لن ينكرا |
"وهل اتى" في حقها وكم أتى | من آية ومن حديث ثبتا |
لما رووه في الصحيح المعتبر | من انها بضعة سيد البشر |
وبضعة المعصوم كالمعصوم | في الحكم بالخصوص والعموم |
لانها من نفسه مقتطعة | فحقها في حكمه أن تتبعه |
الا الذي اخرجه الدليل | فاننا بذاك لا نقول |
ولم يرد في غيرها ما وردا | في شأنها فالحكم لن يطردا |
وآية التطهير قد دلت على | عصمتها من الذنوب كملا |
اذهب عنها ربها الرجس كما | طهرها في الخلق عما وصما |
صل عليها ان من صلى على | فاطمة يغفر له ما فعلا |
وربه يلحقه امتنانا | بالمصطفى في الخلد حيث كانا |
ويل لمن ماتت عليه غضبى | في شأنها لم يرع حق القربى |
قد بقيت بعد ابيها المصطفى | شهرا وعشرا فعلى الدنيا العفا |
وقيل شهرين ونصف شهر | قد بقيت بعد ابيها الطهر |
وقيل تسعين من الايام | وخمسة تكون بالتمام |
وقيل في ذلك اقوال اخر | وما ذكرناه هو الذي اشتهر |
هذا ولكن اول الاقوال | انسبها بمقتضى الاحوال |
فانها لاقت من الاهوال | وسيء الافعال والاقوال |
مالم يلاق بعضه الجبالا | لزلزلت من وقعه زلزالا |
وكيف تبلى مدة من الزمن | من بعد هاتيك الخطوب والمحن |
يكفى لموتها من الاخطار | وقعة بين (الباب والجدار) |
في دارها قد هجموا عليها | قد روعوها، واخافوا ابنيها |
وشاهدت بعينها ما قد جرى | منهم على ابن عمها مولى الورى |
من بيتها قد اخرجوه قهرا | يقاد بالنجاد قود الأسرى |
رأت من الذلة والهوان | وقلة الانصار والاعوان |
ومن ابيها منعوا ميراثها | ولم تجد في القوم من اغاثها |
لم يحفظوا بضعته من بعده | ويحفظ المرء بحفظ ولده |
لقد اضاعوا حقها جهارا | وانكروا حجتها انكارا |
وطلبوا بيّنةً منهاعلى | ما كان تحت يدها مستعملا |
ما طلبت لأن يصيبوا رشدا | ما طلبت إلا لأن تردا |
كأنهم لم يعلموا امر (فدك) | ولا دروا بمن لها كان ملك |
أكان يخفى امرها عليهم | ولم يصل من مخبر ايهم |
وهل بهذا الامر من خفاء | وانها نحيلة الزهراء |
وكيف تستعظم غصبهم فدك | أو يعتريك اليوم في ذلك شك |
وقد جنوا ما هو ادهى وأمر | وارتكبوا امراً عظيما ذا خطر |
خلافة تقمصوها غصبا | من اهلها وانتهبوها نهبا |
واغتصبوا من الوصي حقه | ولم يراعوا قربه وسبقه |
لو راقبوا معادهم وانصفوا | لأذعنوا لأمره واعترفوا |
هل فيهم من اقتفى آثاره | أو شق في مكرمة غباره |
وهل لهم من العلوم والحكم | معشار ما قد صح عنه وارتسم |
له من الفضائل المأثوره | مالم تسعه الصحف المنشوره |
علماً تقى شجاعة فصاحة | زهداً حجى عبادة سماحة |
هذا مع الغض عن النصوص | عليه بالعموم والخصوص |
من آية تتلى ومن نص خبر | عن النبي المصطفى قد اشتهر |
واوضح الحق النبي الأمي | للناس طراً في "غدير خم" |
فمن ترى اولى بهذا الأمر | فاحكم بوجدانك ياذا الخبر |
وكيف والتقديم للمفضول | تمنعه اوائل العقول |
باسم أمير المؤمنين اختصا | وكم على هذا حديث نصا |
فلا تسم احداً سواه | وان يكن ذلك من ابناه |
اخو النبي وابو سبطيه | ونفسه تحل في جنبيه |
اخوه وابن عمه وصهره | به كهارون يشد ازره |
أفضل من صلى وصام واقترب | بعد نبي الحق سيد العرب |
من لم يواله فلا ايمان له | والله لن يقبل منه عمله |
لا تصبر الشم الرعان صبره | ولا تداني حلمه وقدره |
شاهد فيهم "فاطما" وظلمها | وغصبها حقوقها وهضمها |
يسمع ملأ سمعه شكواها | ثم يرى بعينه بكاها |
ما كان يرضى انها تهتضم | أوانها بعد ابيها تظلم |
أكان منه ذاك جبناً وحذر | أو عجزاً عن النضال وخور |
لا والذي كونه بجوده | أكبر آية على وجوده |
بل ذلل النفس لعز الدين | وما انطوى في علمه المكنون |
آية الله العلامة الحجة
السيد محمد حسين الكيشوان القزويني
اختلفت المدارس الأدبية في تفسيرها للشعر، فمنها من فسّرهُ على انه انعكاسات سايكو لوجية تنبعثُ من هواجس الشاعر واحساساته، ومنها من فسّره على انه حالة عبثية تمليها ظروف الشاعر المترفة لتخرج توجهاته من بين تراكمات نفسية عابثة تعكس شهوة النفس وانفلاتها.
وأخرى تعاملت معها على انها نضوج للحركة التربوية التي تتأطر بقيم وأخلاقيات المدرسة الأدبية التي ينتمي اليها الشاعر فيبثّها أفكاراً ومبادىء
أما المدرسة الأدبية الإمامية فقد جعلت القصيدة الشعرية آلية الحوار والتفاهم بين الاجيال، وهي الاطروحة الفكرية والأخلاقية التي يقدمها الشاعر ليعكس من خلالها حواريات مدرسته العقائدية في توجهاتها وطموحاتها الفكرية فالشعر إذن ـ في المدرسة الإمامية ـ أخلاقية تعبيرية عن طموح وانتماءات الشاعر وقيّمه ومبادئه الملتزمة.
هذه الحالة تنعكس في شاعرية العلامة الحجة السيد محمد حسين الكيشوان الذي أطّر مشروعه الأدبي بطموحات مدرسته العقائدية التي تأمل في القصيدة الشعرية الملتزمة أن تكون رسالتها المعبّرة عن ذاتها وطموحاتها، لذا جاءت مقطوعته الفاطمية خلاصة هذه التوجهات وانعكاساً لقيمها، فالمأساة الفاطمية حالةً وجدانية ناضجة يبثها الشاعر تعبيراً عن توجهاته الملتزمة التي تمليها عليه أدبيات عقيدته، ومعالجتها تعبيراً عن حالة وعي يصل اليها الشاعر لمعرفة واقع الأمة وسلامة موقفه من قضاياها العقائدية المصيرية.
أرّخه المحقق علي الخاقاني بقوله: عالم فذ وشاعر فحل أوتي كثيراً من المواهب العلمية والأدبية... له ديوان مخطوط وله قصائد خالدة في مراثي الإمام الحسين (عليه السلام)، وكانت له حلقة تدريس يحضرها الكثير من رجال الفضل، فهو من المجتهدين المحققين وله احاطة بكثير من العلوم الحديثة كالرياضيات والفلك ولد عام 1295 هـ في النجفوتوفي فيها 1350 هـ(1)
____________
1- وفاة الصديقة الزهراء (عليها السلام) للسيد عبد الرزاق المقرم: 142.
مالك لا العين تصوب ادمعا | منك ولا القلب يذوب جزعا |
فايما قلب اتاه نبؤ | الشورى فما ذاب ولا تصدعا |
أما وعى سمعك ما جرى بها | فاي سمع فاته وما وعى |
وما دريت باللذين استنهضا | جالية الغي لهبت سرعا |
سلا من الاحقاد سيف فتنة | نتاجها من الضلال البدعا |
وانتهزاها فرصة فاحتلبا | من ضرعها كأس النفاق مترعا |
واتبعا نهج الهدى وجانبا | من الرسول شرعه المتبعا |
فليت شعري أي عذر لهما | وقد اساءا بعده ما صنعا |
وأي قربى وصلا منه وعن | عترته حبل الولا قد قطعا |
فقل (لتيم) لا هديت بعدما | طاف اخوك بالضلال وسعى |
خف لداعي الكفر نهضاً فانثنى | بثقل أعباء الشقا مضطلعا |
فقام وهو يستقيل عثرة | كبا على الغي بها فلا لعا |
درى بان (فاطما) بضعته | فما رأى حرمتها ولا رعى |
كيف يطيب شيمة وعنصراً | وعن اروم البغي قد تفرعا |
واجتمع الناس عليه ضلة | ففرقوا من الهدى ما اجتمعا |
واظهروا باطنة الكفر عمى | مذ ابصروها فرصة ومطمعا |
وخالفوا نص الولاء بعد ما | اماط عن وجه الرشاد برقعا |
وغادروا حق البتول نهلة | تجرعوها بالضلال جرعا |
وافتتنوا من ولع بسورة | الدنيا هاموا بالدنايا ولعا |
واودع الثقلين فيهم فابوا | ان يحفظوا (لأحمد) ما استودعا |
وجمعوا النار ليحرقوا بها | البيت الذي به الهدى تجمّعا |
بيت علا سمك الضراح رفعة | فكان اعلا شرفا وامنعا |
اعزه الله فما تهبط في | كعبته الاملاك إلا خضعا |
بيت من القدس وناهيك به | محط اسرار الهدى وموضعا |
وكان مأوى المرتجى والملتجى | فما اعز شأنه وامنعا |
فعاد بعد المصطفى منتهكا | حريمه وفئيه موزعا |
واخرجوا منه عليا بعد ما | ابيح منه حقه وانتزعا |
قادوه قهراً بنجاد سيفه | فكيف وهوالصعب يمشي طيعا |
فعاد إلا انه عن حقه | صد وعن مقامه قد دفعا |
ما نقموا منه سوى ان له | سابقة الاسلام والقربى معا |
واقبلت فاطم تعدو خلفه | والعين منها تستهل ادمعا |
فانتهروها بسياط قنفذ | وكسروا بالضرب منها اضلعا |
فانعطفت تدعو اباها بحشى | تساقطت مع الدموع قطعا |
يا ابتا هذا (علي) اعرضوا | عنه ضلالا وابن تيم تبعا |
اهتف فيهم لا ارى واعية | تعي ندائي لا ولا مستمعا |
امسى تراثي فيهم مغتصبا | مني وحقي بينهم مضيعا |
وانكفأت إلى علي بعد ما | تجرّعت بالغيظ سماً منقعا |
قالت اتغضي والنفاق صارخ | حتى استعاذ الدين منه فزعا |
ونمت عن ظلامتي عفواً وانت | الموقظ العزم اذا الداعي دعا |
احجمت والذئاب عدواً وثبت | فاقحمت منك العرين المسبعا |
ولنت اخدعيك في الضيم وما | عهدت منك ان تلين اخدعا |
وكيف اضرعت على اذل لهم | خدك وهو للعدى ما ضرعا |
عز عليك ان ترى تسومني | من بعد عز "قيلة" ان اخضعا |
تهضمتني بالاذى ولم اجد | مأوى اليه التجى ومفزعا |
الفيتها معرضة عني وما | ابقت بقوس الصبر مني منزعا |
فقال يا بنت النبي احتسبي | حقك في الله وخلي الجزعا |
واجملي صبراً فما ونيت عن | ديني ولا اخطأت سهمي موقعا |
فاسترجعت كاظمة لغيظها | مبدية حنينها المرجعا |
حتى قضت من كمد وقلبها | كاد بفرط الحزن ان ينصدعا |
قضت ولكن مسقطا (جنينها) | مولعاً فؤادها مروعا |
قضت ومن ضرب السياط جنبها | ما مهدت له الرزايا مضجعا |
قضت على رغم العدى مقهورة | ما طمعت اعينها أن تهجعا |
قضت وما بين الضلوع زفرة | من الشجي غليلها لن ينقعا(1) |
____________
1- وفاة الصيدقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)! 14 ووردت كذلك في مثير الاحزان: 105 محمد كاظم الكتبي المكتبة الحيدرية النجف 1385.
الملا حسن الجامد القطيفي
من رموز النهضة العلمية القطيفية التي كانت من ميزات القرن الثالث عشر الهجري، فقد واجهت الارض القطيفية حملات العقائد السلفية القادمة من نجد الجزيرة إبّان هذا القرن، واشتدت هذه الحملات لتنتج وجودات سياسية تحكم بلاد الحجاز وما ولاها من الأرض الإسلامية، وكانت بلاد القطيف تحت وطأة هذا النظام السياسي ـ العقائدي، وحاول السلفيون الهيمنة العقائدية على أهلها كما استطاعوا الهيمنة السياسية عليهم من ذي قبل، إلاّ أن القطيف ذات الاصول العريقة بالولاء لمذهب آل البيت (عليهم السلام)
كان في طليعة هؤلاء المجاهدين عن هذا الوجود المقدس، الملا حسن الجامد الذي عرف بمواقفه الولائية والتي تميز بها أهل القطيف عامة، وعلماءهم خاصة، فكان قد امتهن الخطابة منذ نعومة أظفاره لما وجد فيها من أداة للتعبير عن الهاجس الشيعي المهدد من قبل المد السلفي، وأضاف إلى مهمته الخطابية مهمة الأدب التي عبّر فيها عن مبتنيات عقيدته الحقة، وكان في رثائه للأئمة الاطهار (عليهم السلام) محاولة جادة لاستقراء التاريخ، فاظهر من جملة ذلك مظلومية السيدة الزهراء (عليها السلام) وأكد من خلالها تاريخاً مليئاً بالمحنة والمأساة.
توفي رحمة الله سنة 1375 هـ(1) عن عمر ناهز الثمانين عاماً، قضاه بالدفاع عن المذهب الحق.
____________
1- راجع شعراء القطيف للشيخ علي المرهون: 278.
يا ذماماً به الوجود استقاما | قم سريعاً واستنقذ الإسلاما |
كل عام بل كل يوم جديد | منك ترجو بابن النبي القياما |
الوحا الوحا يانجل طاها | علنا نشتفي ونقضي المراما |
أفتنسى ما قد جرى بعد طه | من خطوب تحير الاحلاما |
نكث القوم بيعة المرتضى الها | دي ولم يرقبوا لطاها ذماما |
عزلوا حيدراً وقد أخروه | عن مقام فيه الإله أقاما |
وأتوا داره وجروه حتى | اخرجوه ملبباً مستظاما |
والبتول العذرا بضعة طه | كابدت منهم أموراً عظاما |
غضبوا إرثها عناداً وظلماً | لطموا خدها ورضوا العظاما |
أسقطوها وقنعوا متنها | بالسوط لم يجعلوا لطه احتراما |
ثم عاشت بالذل والهضم حتى | لحقت بالنبي تشكو إهتضاما(1) |
إلى آخر قوله.
____________
1- نفس المصدر.
السيد صالح الحلي
إذا استطاعت النهضة العلمية النجفية إبّان القرن الرابع عشر الهجري أن تحتفظ بفحول مجدّديها من الفقهاء والاصوليين كالسيد كاظم اليزدي والسيد أبو الحسن الاصفهاني والشيخ النائيني والشيخ محمد حسين الاصفهاني، فانها استطاعت أن تحرز تقدّماً كذلك على الصعيد الخطابي على يد مجددها السيد صالح الاعرجي الحلي، فقد استطاع هذا المجدد المبدع أن يضيف إلى الخطابة تحقيقات علمية يستطيع من خلالها الخطيب أن ينفتح على آفاق المستمعين ليهيّمن على كل توجهاتهم العلمية.
قدّم عدة قصائد فاطمية فأجاد في استجلاء الحقيقة وقدّم المأساة بأحسن صورتها.
(أبا حسن) ليس كيف وحد | يحدد ذاتك الا (الأحد) |
ولولا حدوثك قلت القديم | وقلت هو الله لولا الولد |
فيا ممكناً قيل فيهالوجوب | لقد ضل من في الوجوب اعتقد |
فما بالهم اهملوا عقلهم | فقال وقال بلا مستند |
ويا شامخاً لم تضعك العقول | وليس لذلك (ند وضد) |
تحير بك الفطن الغائصات | ولم يحص فضلك (حد وعد) |
ولولاك ما عرف الدين قط | ولولاك رب الورى ما عبد |
فأنت لرفع السماء العمد | وأنت لسبع الشداد الوتد |
ويا قالع الباب من (خيبرِ) | عجبت بابك قسراً تُسد |
أباب مدينة علم النبي | ايحرق بابك (عبد نكد) |
ويا قائد الشوس يوم الوغى | ومردي بسيفك (عمرو بن ود) |
الست المكسر أو ثانها | وقاتل شجعانها في أحد |
فوا عجباً كيف يجري القضاء | وكيف تقود (يد الله) يد |
اذا ما دهتها دواهي الخطوب | تصيح به يا علي المدد |
جميع الشهود له (بخبخت | وانكره كل من قد شهد |
أيكسر ضلع إبنةِ المصطفى | ويسقط بالعصر منها الولد |
وتلطم جهراً على خدها | ويسوّد بالضرب منها العضد |
[93] وله في استنهاض الحجة (عجل الله فرجه الشريف) ورثاء الزهراء (عليها السلام):
يا مدرك الثار البدار البدار | شنّ على حرب عداك المغار |
وأتي بها شعواء مرهوية | تعقد أرضاً فوقها من غبار |
يا قمر التم أما آن أن | تبدو فقد طال علينا السرار |
يا غيرة الله أما أن أن | تغير أعدائك فالصبر غار |
يا صاحب العصر أترضى رحى | عصارة الخمر علينا تدار |
فاشخذ شبا عضبك وأستأصل | الكفر ولا تبقى صغاراً كبار |
عجّل فدتك النفس واشفي به | من غيظ اعداك قلوباً حرار |
فهاك قلبها قلوب الورى | أذابها الوجد من الانتظار |
قد ذهب العدل وركن الهدى | قد صد والجور على الدين جار |
أغث رعاك الله من ناصر | رعية ضاقت عليها القفار |
متى تسل البيض من غمدها | وتشرع السمر ويحمى الذمار |
في فئة لها التقى شيمة | ويالثارات الحسين الشعار |
كأنها الموت لهم (غادة) | والعمر (مهر)والرؤوس النثار |
تنسى على الدار هجوم العدى | مذ أضرموا الباب بجزل ونار |
ورض من فاطمة ضلعها | وحيدر يقاد قسراً جهار |