الصفحة 423

آية الله الحجة
الشيخ هادي آل كاشف الغطاء

برّهن الأدب الشيعي أن القصيدة الشعرية تستطيع أن تستوعب أكثر من غرض واحد، ذلك أن القصيدة العربية التي تتحكم بها القافية تنحسر أغراضها الشعرية في مجالات ضيقة مداراةً للقافية الموحدة التي تلتزمها القصيدة الشعرية، لذا فان القصيدة العربية يكاد بعضها أن يكون محاولات مكررة في المضمون حتى يأتي الشاعر إلى نهاية القصيدة وهو يدور في فلك الغرض الشعري الواحد، فيلجأ الشاعر إلى تجديد محاولاته للتعبير عن

الصفحة 424
أغراضه الأخرى.

وفي الأدب الشيعي تحررت القصيدة العربية عن قيد القافية، وحاول الأديب الشيعي أن يتحرر من قيود القافية الموحدة إلى القافية المتعددة ضماناً لحرية تحركه في التعبير عن أغراض أخرى متنقلا في القصيدة الواحدة بين مناطق شعرية تمتد إلى مسافات شاسعة.

استطاع الأديب الشيعي في فن الارجوزة ـ ذات القافية الموحدة في الصدر والعجز للبيت الواحد والمختلفة القوافي للأبيات الأخرى ـ استطاع أن ينفلت من قبضة القافية الواحدة ليتحرر إلى رحاب القوافي المتعددة الأخرى فيبث في قصيدته أغراضاً عدة لتستطيع القصيدة أن تستوعب عدة أغراض فى مجال شعري واحد.

ولعل اختصاص الادب الشيعي في فن الارجوزة دون غيره من الاداب الاخرى هو تعدد الغرض لدى الشاعر فيسلك مسلك الارجوزة ليقدم من خلالها مشروعاً أدبياً سردياً يسردُ من خلاله اطروحته الفلسفية أو توجهاته العقائدية أو مبتنياته العلمية، فيتعامل مع ارجوزته كمفردة اعلامية ناضجة وذلك في غياب المجال الاعلامي الذي تأخذ بزمامه المشاريع الأدبية الحاكمية والتي تترنح في رحاب اعلامي مفتوح ويبقى الأديب الشيعي مكتوم الانفاس مضطهد الحس لا يستطيع التعبير عن هواجسه أو بث مشاريعه العقائدية الا من خلال القصيدة الواحدة ـ الارجوزة ـ المتكفلة في بث توجهاته دون أن ليجأ إلى عدة قصائد تكلّفه توزيعها أو انشادها الشيء الكثير في ظل ظروف أمنية قاهرة متسلطة، يذهب ضحيتها الشاعر ومدرسته الأدبية الملتزمة.


الصفحة 425
هذه هي حيثيات "الفن الارجوزي" في ظل الأدب الشيعي، ومن هنا تعامل آية الله الحجة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء مع المشروع الفاطمي، فبث من خلال ارجوزته تفاصيل القضية الفاطمية واستقرء التاريخ ليستلّ وقائعها التي صحت لديه سنداً ومضموناً فقدمها اطروحة أدبية ناضجة، كما هي تقريرات عقائدية مسؤولة، تصدر عن فقيه مجتهد متتبع.

* * *

[89] قال في وقائع الحدث الفاطمي من أرجوزته الطويلة:

فاطمة خير نساء الامةمن كل ذنب عصمت ووصمة
خير النساء فاطم الزهراءيزهر نورها إلى السماء
قد فطمت عن الجحيم الحاطمةشيعتها فسميت "بفاطمة"
ما مثلها في كل اقربائهلا من بناته ولا نسائه
قد ولدت من بعد عام البعثةوقد حوت دون بنيه ارثه
وكان منها دون من عداهامن اهله نسل النبي طاها
"أم ابيها" وهي ام ابنيهاحب أهل بيته اليه
لولا (علي) لم يكن كفؤ لهامن (آدم) إلى من الخلق انتهى
من بهم تاب الآله وعفاعن آدم وقد كفاه شرفا


الصفحة 426
ومن بهم باهل سيد الورىوقل تعالوا امرها لن ينكرا
"وهل اتى" في حقها وكم أتىمن آية ومن حديث ثبتا
لما رووه في الصحيح المعتبرمن انها بضعة سيد البشر
وبضعة المعصوم كالمعصومفي الحكم بالخصوص والعموم
لانها من نفسه مقتطعةفحقها في حكمه أن تتبعه
الا الذي اخرجه الدليلفاننا بذاك لا نقول
ولم يرد في غيرها ما وردافي شأنها فالحكم لن يطردا
وآية التطهير قد دلت علىعصمتها من الذنوب كملا
اذهب عنها ربها الرجس كماطهرها في الخلق عما وصما
صل عليها ان من صلى علىفاطمة يغفر له ما فعلا
وربه يلحقه امتنانابالمصطفى في الخلد حيث كانا
ويل لمن ماتت عليه غضبىفي شأنها لم يرع حق القربى
قد بقيت بعد ابيها المصطفىشهرا وعشرا فعلى الدنيا العفا
وقيل شهرين ونصف شهرقد بقيت بعد ابيها الطهر
وقيل تسعين من الاياموخمسة تكون بالتمام
وقيل في ذلك اقوال اخروما ذكرناه هو الذي اشتهر
هذا ولكن اول الاقوالانسبها بمقتضى الاحوال


الصفحة 427
فانها لاقت من الاهوالوسيء الافعال والاقوال
مالم يلاق بعضه الجبالالزلزلت من وقعه زلزالا
وكيف تبلى مدة من الزمنمن بعد هاتيك الخطوب والمحن
يكفى لموتها من الاخطاروقعة بين (الباب والجدار)
في دارها قد هجموا عليهاقد روعوها، واخافوا ابنيها
وشاهدت بعينها ما قد جرىمنهم على ابن عمها مولى الورى
من بيتها قد اخرجوه قهرايقاد بالنجاد قود الأسرى
رأت من الذلة والهوانوقلة الانصار والاعوان
ومن ابيها منعوا ميراثهاولم تجد في القوم من اغاثها
لم يحفظوا بضعته من بعدهويحفظ المرء بحفظ ولده
لقد اضاعوا حقها جهاراوانكروا حجتها انكارا
وطلبوا بيّنةً منهاعلىما كان تحت يدها مستعملا
ما طلبت لأن يصيبوا رشداما طلبت إلا لأن تردا
كأنهم لم يعلموا امر (فدك)ولا دروا بمن لها كان ملك
أكان يخفى امرها عليهمولم يصل من مخبر ايهم
وهل بهذا الامر من خفاءوانها نحيلة الزهراء
وكيف تستعظم غصبهم فدكأو يعتريك اليوم في ذلك شك


الصفحة 428
وقد جنوا ما هو ادهى وأمروارتكبوا امراً عظيما ذا خطر
خلافة تقمصوها غصبامن اهلها وانتهبوها نهبا
واغتصبوا من الوصي حقهولم يراعوا قربه وسبقه
لو راقبوا معادهم وانصفوالأذعنوا لأمره واعترفوا
هل فيهم من اقتفى آثارهأو شق في مكرمة غباره
وهل لهم من العلوم والحكممعشار ما قد صح عنه وارتسم
له من الفضائل المأثورهمالم تسعه الصحف المنشوره
علماً تقى شجاعة فصاحةزهداً حجى عبادة سماحة
هذا مع الغض عن النصوصعليه بالعموم والخصوص
من آية تتلى ومن نص خبرعن النبي المصطفى قد اشتهر
واوضح الحق النبي الأميللناس طراً في "غدير خم"
فمن ترى اولى بهذا الأمرفاحكم بوجدانك ياذا الخبر
وكيف والتقديم للمفضولتمنعه اوائل العقول
باسم أمير المؤمنين اختصاوكم على هذا حديث نصا
فلا تسم احداً سواهوان يكن ذلك من ابناه
اخو النبي وابو سبطيهونفسه تحل في جنبيه
اخوه وابن عمه وصهرهبه كهارون يشد ازره


الصفحة 429
أفضل من صلى وصام واقترببعد نبي الحق سيد العرب
من لم يواله فلا ايمان لهوالله لن يقبل منه عمله
لا تصبر الشم الرعان صبرهولا تداني حلمه وقدره
شاهد فيهم "فاطما" وظلمهاوغصبها حقوقها وهضمها
يسمع ملأ سمعه شكواهاثم يرى بعينه بكاها
ما كان يرضى انها تهتضمأوانها بعد ابيها تظلم
أكان منه ذاك جبناً وحذرأو عجزاً عن النضال وخور
لا والذي كونه بجودهأكبر آية على وجوده
بل ذلل النفس لعز الدينوما انطوى في علمه المكنون


الصفحة 430

الصفحة 431

آية الله العلامة الحجة
السيد محمد حسين الكيشوان القزويني

اختلفت المدارس الأدبية في تفسيرها للشعر، فمنها من فسّرهُ على انه انعكاسات سايكو لوجية تنبعثُ من هواجس الشاعر واحساساته، ومنها من فسّره على انه حالة عبثية تمليها ظروف الشاعر المترفة لتخرج توجهاته من بين تراكمات نفسية عابثة تعكس شهوة النفس وانفلاتها.

وأخرى تعاملت معها على انها نضوج للحركة التربوية التي تتأطر بقيم وأخلاقيات المدرسة الأدبية التي ينتمي اليها الشاعر فيبثّها أفكاراً ومبادىء

الصفحة 432
تعبّر عن قناعته وغايته.

أما المدرسة الأدبية الإمامية فقد جعلت القصيدة الشعرية آلية الحوار والتفاهم بين الاجيال، وهي الاطروحة الفكرية والأخلاقية التي يقدمها الشاعر ليعكس من خلالها حواريات مدرسته العقائدية في توجهاتها وطموحاتها الفكرية فالشعر إذن ـ في المدرسة الإمامية ـ أخلاقية تعبيرية عن طموح وانتماءات الشاعر وقيّمه ومبادئه الملتزمة.

هذه الحالة تنعكس في شاعرية العلامة الحجة السيد محمد حسين الكيشوان الذي أطّر مشروعه الأدبي بطموحات مدرسته العقائدية التي تأمل في القصيدة الشعرية الملتزمة أن تكون رسالتها المعبّرة عن ذاتها وطموحاتها، لذا جاءت مقطوعته الفاطمية خلاصة هذه التوجهات وانعكاساً لقيمها، فالمأساة الفاطمية حالةً وجدانية ناضجة يبثها الشاعر تعبيراً عن توجهاته الملتزمة التي تمليها عليه أدبيات عقيدته، ومعالجتها تعبيراً عن حالة وعي يصل اليها الشاعر لمعرفة واقع الأمة وسلامة موقفه من قضاياها العقائدية المصيرية.

أرّخه المحقق علي الخاقاني بقوله: عالم فذ وشاعر فحل أوتي كثيراً من المواهب العلمية والأدبية... له ديوان مخطوط وله قصائد خالدة في مراثي الإمام الحسين (عليه السلام)، وكانت له حلقة تدريس يحضرها الكثير من رجال الفضل، فهو من المجتهدين المحققين وله احاطة بكثير من العلوم الحديثة كالرياضيات والفلك ولد عام 1295 هـ في النجفوتوفي فيها 1350 هـ(1)

____________

1- وفاة الصديقة الزهراء (عليها السلام) للسيد عبد الرزاق المقرم: 142.


الصفحة 433
[90] قال في مقطوعته الفاطمية:

مالك لا العين تصوب ادمعامنك ولا القلب يذوب جزعا
فايما قلب اتاه نبؤالشورى فما ذاب ولا تصدعا
أما وعى سمعك ما جرى بهافاي سمع فاته وما وعى
وما دريت باللذين استنهضاجالية الغي لهبت سرعا
سلا من الاحقاد سيف فتنةنتاجها من الضلال البدعا
وانتهزاها فرصة فاحتلبامن ضرعها كأس النفاق مترعا
واتبعا نهج الهدى وجانبامن الرسول شرعه المتبعا
فليت شعري أي عذر لهماوقد اساءا بعده ما صنعا
وأي قربى وصلا منه وعنعترته حبل الولا قد قطعا
فقل (لتيم) لا هديت بعدماطاف اخوك بالضلال وسعى
خف لداعي الكفر نهضاً فانثنىبثقل أعباء الشقا مضطلعا
فقام وهو يستقيل عثرةكبا على الغي بها فلا لعا
درى بان (فاطما) بضعتهفما رأى حرمتها ولا رعى
كيف يطيب شيمة وعنصراًوعن اروم البغي قد تفرعا
واجتمع الناس عليه ضلةففرقوا من الهدى ما اجتمعا
واظهروا باطنة الكفر عمىمذ ابصروها فرصة ومطمعا


الصفحة 434
وخالفوا نص الولاء بعد مااماط عن وجه الرشاد برقعا
وغادروا حق البتول نهلةتجرعوها بالضلال جرعا
وافتتنوا من ولع بسورةالدنيا هاموا بالدنايا ولعا
واودع الثقلين فيهم فابواان يحفظوا (لأحمد) ما استودعا
وجمعوا النار ليحرقوا بهاالبيت الذي به الهدى تجمّعا
بيت علا سمك الضراح رفعةفكان اعلا شرفا وامنعا
اعزه الله فما تهبط فيكعبته الاملاك إلا خضعا
بيت من القدس وناهيك بهمحط اسرار الهدى وموضعا
وكان مأوى المرتجى والملتجىفما اعز شأنه وامنعا
فعاد بعد المصطفى منتهكاحريمه وفئيه موزعا
واخرجوا منه عليا بعد ماابيح منه حقه وانتزعا
قادوه قهراً بنجاد سيفهفكيف وهوالصعب يمشي طيعا
فعاد إلا انه عن حقهصد وعن مقامه قد دفعا
ما نقموا منه سوى ان لهسابقة الاسلام والقربى معا
واقبلت فاطم تعدو خلفهوالعين منها تستهل ادمعا
فانتهروها بسياط قنفذوكسروا بالضرب منها اضلعا
فانعطفت تدعو اباها بحشىتساقطت مع الدموع قطعا


الصفحة 435
يا ابتا هذا (علي) اعرضواعنه ضلالا وابن تيم تبعا
اهتف فيهم لا ارى واعيةتعي ندائي لا ولا مستمعا
امسى تراثي فيهم مغتصبامني وحقي بينهم مضيعا
وانكفأت إلى علي بعد ماتجرّعت بالغيظ سماً منقعا
قالت اتغضي والنفاق صارخحتى استعاذ الدين منه فزعا
ونمت عن ظلامتي عفواً وانتالموقظ العزم اذا الداعي دعا
احجمت والذئاب عدواً وثبتفاقحمت منك العرين المسبعا
ولنت اخدعيك في الضيم وماعهدت منك ان تلين اخدعا
وكيف اضرعت على اذل لهمخدك وهو للعدى ما ضرعا
عز عليك ان ترى تسومنيمن بعد عز "قيلة" ان اخضعا
تهضمتني بالاذى ولم اجدمأوى اليه التجى ومفزعا
الفيتها معرضة عني وماابقت بقوس الصبر مني منزعا
فقال يا بنت النبي احتسبيحقك في الله وخلي الجزعا
واجملي صبراً فما ونيت عنديني ولا اخطأت سهمي موقعا
فاسترجعت كاظمة لغيظهامبدية حنينها المرجعا
حتى قضت من كمد وقلبهاكاد بفرط الحزن ان ينصدعا
قضت ولكن مسقطا (جنينها)مولعاً فؤادها مروعا


الصفحة 436
قضت ومن ضرب السياط جنبهاما مهدت له الرزايا مضجعا
قضت على رغم العدى مقهورةما طمعت اعينها أن تهجعا
قضت وما بين الضلوع زفرةمن الشجي غليلها لن ينقعا(1)

____________

1- وفاة الصيدقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)! 14 ووردت كذلك في مثير الاحزان: 105 محمد كاظم الكتبي المكتبة الحيدرية النجف 1385.


الصفحة 437

الملا حسن الجامد القطيفي

من رموز النهضة العلمية القطيفية التي كانت من ميزات القرن الثالث عشر الهجري، فقد واجهت الارض القطيفية حملات العقائد السلفية القادمة من نجد الجزيرة إبّان هذا القرن، واشتدت هذه الحملات لتنتج وجودات سياسية تحكم بلاد الحجاز وما ولاها من الأرض الإسلامية، وكانت بلاد القطيف تحت وطأة هذا النظام السياسي ـ العقائدي، وحاول السلفيون الهيمنة العقائدية على أهلها كما استطاعوا الهيمنة السياسية عليهم من ذي قبل، إلاّ أن القطيف ذات الاصول العريقة بالولاء لمذهب آل البيت (عليهم السلام)

الصفحة 438
جندت نفسها للدفاع عن حوزة المذهب ومبتنياته، وسجّل أهلها وثّبتهم في الوقوف أمام التيارات الفكرية، والصمود بوجه الهجمات العقائدية، وكان في طليعتهم علماؤهم الربانيون الذين عرفوا بتاريخهم الجهادي المجيد، وأكدوا في محاولاتهم المقدسة، أن القطيف جزء من حاضرة التشيع الامامية وعضو فعّال من جسد الوجود الشيعي الذي يبسط ذراعه على شواطيء الخليج الإسلامية.

كان في طليعة هؤلاء المجاهدين عن هذا الوجود المقدس، الملا حسن الجامد الذي عرف بمواقفه الولائية والتي تميز بها أهل القطيف عامة، وعلماءهم خاصة، فكان قد امتهن الخطابة منذ نعومة أظفاره لما وجد فيها من أداة للتعبير عن الهاجس الشيعي المهدد من قبل المد السلفي، وأضاف إلى مهمته الخطابية مهمة الأدب التي عبّر فيها عن مبتنيات عقيدته الحقة، وكان في رثائه للأئمة الاطهار (عليهم السلام) محاولة جادة لاستقراء التاريخ، فاظهر من جملة ذلك مظلومية السيدة الزهراء (عليها السلام) وأكد من خلالها تاريخاً مليئاً بالمحنة والمأساة.

توفي رحمة الله سنة 1375 هـ(1) عن عمر ناهز الثمانين عاماً، قضاه بالدفاع عن المذهب الحق.

____________

1- راجع شعراء القطيف للشيخ علي المرهون: 278.


الصفحة 439
[91] قال في رثائه للسيدة الزهراء (عليها السلام) و مخاطباً الامام الحجة عجل الله فرجه الشريف.

يا ذماماً به الوجود استقاماقم سريعاً واستنقذ الإسلاما
كل عام بل كل يوم جديدمنك ترجو بابن النبي القياما
الوحا الوحا يانجل طاهاعلنا نشتفي ونقضي المراما
أفتنسى ما قد جرى بعد طهمن خطوب تحير الاحلاما
نكث القوم بيعة المرتضى الهادي ولم يرقبوا لطاها ذماما
عزلوا حيدراً وقد أخروهعن مقام فيه الإله أقاما
وأتوا داره وجروه حتىاخرجوه ملبباً مستظاما
والبتول العذرا بضعة طهكابدت منهم أموراً عظاما
غضبوا إرثها عناداً وظلماًلطموا خدها ورضوا العظاما
أسقطوها وقنعوا متنهابالسوط لم يجعلوا لطه احتراما
ثم عاشت بالذل والهضم حتىلحقت بالنبي تشكو إهتضاما(1)

إلى آخر قوله.

____________

1- نفس المصدر.


الصفحة 440

الصفحة 441

السيد صالح الحلي

إذا استطاعت النهضة العلمية النجفية إبّان القرن الرابع عشر الهجري أن تحتفظ بفحول مجدّديها من الفقهاء والاصوليين كالسيد كاظم اليزدي والسيد أبو الحسن الاصفهاني والشيخ النائيني والشيخ محمد حسين الاصفهاني، فانها استطاعت أن تحرز تقدّماً كذلك على الصعيد الخطابي على يد مجددها السيد صالح الاعرجي الحلي، فقد استطاع هذا المجدد المبدع أن يضيف إلى الخطابة تحقيقات علمية يستطيع من خلالها الخطيب أن ينفتح على آفاق المستمعين ليهيّمن على كل توجهاتهم العلمية.


الصفحة 442
استطاع السيد صالح الحلي أن يُجدد المنبر على أنه الوسيلة الاعلامية الناضجة التي يُتاح للشيعي أن يُعبّر عن مظلومية أئمته الاطهار (عليهم السلام)، وفي الوقت الذي أرصدت الأبواب الاعلامية بوجه الفكر الشيعي، فان المنبر الحسيني الذي يعلوه أمثال السيد صالح الحلي قد سد فراغاً اعلامياً واسعاً، فحاول منبر الحلي أن يبثّ إلى أقطار الارض قضية الآل المظلومين، حتى وفّق في ايصال صوت هادر اخترق كل الأسماع، ولعل الذي ساهم في إنجاح مهمته هي جديته في التحقيق التاريخي الذي يبحث عن أصول مظلومية آل الرسول (عليهم السلام) ويغوص في أعماق المأساة الأولى التي سببت هذه السلسلة من الفجائع، فلم يكن السيد صالح الحلي منبرياً يهمّش الحدث على أنه فاجعة تاريخية، بل كان يؤصِلْ الحدث على أنه العامل المهم في خلق الذات التاريخية الإسلامية التي نقرأها، لذا فقد استطاع أن يخترق كل حدود التهميش ليدخل في دائرة التحقيق الواسعة التي أدخلته إلى أول مأساة قدّمتها الاحداث المرتجلة وقتذاك، فكانت مأساة السيدة الزهراء (عليها السلام)الحدث المهم الذي يجب أن يتناوله ليقدم قراءة ممتازة للأحداث الإسلامية التالية، وهكذا جاءت قصائده المتعددة تأكيداً لهذا المعنى، فاستطاع من خلالها أن يقرأ التاريخ إلى المستقبل البعيد من خلال فاجعة الدار واسقاط المحسن (عليه السلام)، واستطاع أن يربط بين هذه القضية وبين الفجائع الأخرى التي حلت بساحة آل الرسول واكتسحت مأساتها أمة من الناس.

قدّم عدة قصائد فاطمية فأجاد في استجلاء الحقيقة وقدّم المأساة بأحسن صورتها.


الصفحة 443
[92] ومن قصائده:

(أبا حسن) ليس كيف وحديحدد ذاتك الا (الأحد)
ولولا حدوثك قلت القديموقلت هو الله لولا الولد
فيا ممكناً قيل فيهالوجوبلقد ضل من في الوجوب اعتقد
فما بالهم اهملوا عقلهمفقال وقال بلا مستند
ويا شامخاً لم تضعك العقولوليس لذلك (ند وضد)
تحير بك الفطن الغائصاتولم يحص فضلك (حد وعد)
ولولاك ما عرف الدين قطولولاك رب الورى ما عبد
فأنت لرفع السماء العمدوأنت لسبع الشداد الوتد
ويا قالع الباب من (خيبرِ)عجبت بابك قسراً تُسد
أباب مدينة علم النبيايحرق بابك (عبد نكد)
ويا قائد الشوس يوم الوغىومردي بسيفك (عمرو بن ود)
الست المكسر أو ثانهاوقاتل شجعانها في أحد
فوا عجباً كيف يجري القضاءوكيف تقود (يد الله) يد
اذا ما دهتها دواهي الخطوبتصيح به يا علي المدد
جميع الشهود له (بخبختوانكره كل من قد شهد
أيكسر ضلع إبنةِ المصطفىويسقط بالعصر منها الولد


الصفحة 444
وتلطم جهراً على خدهاويسوّد بالضرب منها العضد

[93] وله في استنهاض الحجة (عجل الله فرجه الشريف) ورثاء الزهراء (عليها السلام):

يا مدرك الثار البدار البدارشنّ على حرب عداك المغار
وأتي بها شعواء مرهويةتعقد أرضاً فوقها من غبار
يا قمر التم أما آن أنتبدو فقد طال علينا السرار
يا غيرة الله أما أن أنتغير أعدائك فالصبر غار
يا صاحب العصر أترضى رحىعصارة الخمر علينا تدار
فاشخذ شبا عضبك وأستأصلالكفر ولا تبقى صغاراً كبار
عجّل فدتك النفس واشفي بهمن غيظ اعداك قلوباً حرار
فهاك قلبها قلوب الورىأذابها الوجد من الانتظار
قد ذهب العدل وركن الهدىقد صد والجور على الدين جار
أغث رعاك الله من ناصررعية ضاقت عليها القفار
متى تسل البيض من غمدهاوتشرع السمر ويحمى الذمار
في فئة لها التقى شيمةويالثارات الحسين الشعار
كأنها الموت لهم (غادة)والعمر (مهر)والرؤوس النثار
تنسى على الدار هجوم العدىمذ أضرموا الباب بجزل ونار
ورض من فاطمة ضلعهاوحيدر يقاد قسراً جهار