كيف حسام الله قد فلّلت | منه الاعادي حد ذاك الغرار |
تعدو وتدعو خلف اعدائها | يا قوم خلّوا عن علي الفخار |
قد اسقطوا جنينها واعترى | من لطمة الخد العيون إحمرار |
فما سقوط الحمل ما صدرها | مالطمها ما عصرها بالجدار |
ما وكزها بالسيف في ضلعها | وما انتثار قرطها والسوار |
ما ضربها بالسوط ما منعها | عن البكا ومالها من قرار |
ما الغصب للعقار منهم وقد | انحلها رب الورى للعقار |
ما دفنها بالليل سراً وما | نبش الثرى منهم عناداً جهار |
تعساً لهم في ابنته ما رعوا | نبيهم وقد رعاهم مرار |
قد ورثت من امها زينب | كل الذى جرى عليها وصار |
وزادت البنت على أمها | من دارها تهدى إلى شر دار |
تستر باليمنى وجوهاً فان | أعوزها الستر تمد اليسار |
لا تبزغي يا شمس كي لا ترى | زينب حسرى ما عليها خمار |
صاحت بحادي العيس دعنى على | جسومهم أقيم لوث الازار |
أو خّلني عندابن امي ولو | تأكل من لحمي وحوش القفار |
ضدان فيها اجتمعا عينها | وقلبها تجمع ماء ونار |
في زفرة تحرق وجد الثرى | ودمعه تخجل صوب القطار |
واعظم الخطب ترى حجة الله | مضاماً بينهم الايجار |
يقاد في جامعة جهرة | بالحبل موثوقاً يميناً يسار |
يا أيها الراكب زيافة | تطوى الفيا في وتجوب القفار |
عرّج على البطحاء واندب بني | عمرو العلى أشياخ عليا نزار |
أن أجدب العام هم السيل والاسـ | ـداف أما النفع في الحرب ثار |
لو حاربوا جند الورى لاغتدى | منهزماً يطلب منهم فرار |
قوموا لشمس الدين قد كوّرت | وجذّ عرنين الهدى والفخار |
وأجلى دجى النقع ببيض الضبا | وسوّدى بالنقع وجه النهار |
وقوّمي سمر القنا وامتطى | للحرب يا هاشم قب المهار |
قد سئمت مربطها خيلكم | وملت الاجفان بيض الشفار |
قد وسمت أمية هاشماً | بميسم العار وذل الصغار |
[94] وله في رثاء الزهراء (عليها السلام) وهي طويلة الغزل قال فيها:
خليلي ما وجدي لفقد احبتي | ولكنما وجدي لسيدة النسا |
هي البضعة الزهراء سليلة أحمد | وخامسة الاشباح صاحبة الكسا |
فليت رسول الله ينظر صهره | على الرغم مرؤساً وتيماً مرئَّسا |
لقد كان دهري قبل يومك باسماً | فدهري من بعد افتقادك عبّسا |
لقد اضرموا البيت الذي فيه لم تزل | ملائكة الرحمن ترعاه حرّسا |
قد اسوّد منها المتن واحمر خدها | واسعد ما لاقتهُ في الناس أتعسا |
عجبت لمن لم ينس صولة حيدر | فكيف لحاه الله من بعدُ قد نسى |
وصال على ذاك الهزبر وقاده | بحبل برغم الدين ينقاد مبلسا |
إلى آخر القصيدة.
[95] وفي رثاء الزهراء (عليها السلام) أيضاً يقول:
لمصائب الزهراء هجرت المضجعا | واذلت قلبي من جفوني أدمعا |
أفكان من حكم النبي وشرعه | أن تضرب الزهراء ضرباً موجعا |
أوصى الإله بوصل عترة أحمد | فكأنما أوصى بها أن تقطعا |
الله ما فعلوا بآل نبيهم | فعلا له عرش الإله تضعضعا |
قادوا علياً بعده بنجاده | ومن البتول الطهر رضوّا الاضلعا |
أبدوا عداوتهم لها وعدوا على | ميراثها فابتز منها اجمعا |
وإذا تعلقت الإشائة لم يكن | عجباً إذا قاد الذئاب سميدعا |
وضعت وراء الباب حملا لم يكن | قد آن لولا عصرها أن يوضعا |
ومضوا بكافلها يهرول طيعاً | لولا الوصية لم يهرول طيعا |
خرجت تعثر خلفهم تدعوهم | خلّوا ابن عمي أو لا كشف للدعا |
رجعوا اليها بالسياط فسوّدوا | بالضرب منها متنها كي ترجعا |
كم أضمرت من علة وتجرّعت | ياللهدى من غصّة لن تجرعا |
خطبت فما اتعظوا بخطبتها ولو | خطبت بما صم الصخور تصدّعا |
إلى آخر القصيدة.
[96] وله أيضاً:
دع تفاصيلا وسلني جمّلا | لم تطق تسمع ما قد فصّلا |
قد بنت آساسها القوم الأولى | وأخير القوم يقفوا الاولا |
كذّب القوم النبي المرسلا | يوم خم والكتاب المنزلا |
أغضبوا مذ أغضبوا رب العلى | صنوطه وأبوْ نصر الولا |
أأميراً شيخ تيم جعلا | ومن الله ارتضاه عزلا |
شيخ تيم منبر الهادي علا | وعلياً اجلسوه المنزلا |
قسماً لولا القضا لم يصلا | من علي الطهر ما قد وصلا |
عجباً بالحبل قادوا البطلا | مثل ما قاد الحداة الجملا |
خلفهُ فاطمة تدعو ألا | فاتركوه أو لادعو الكافلا |
عجباً من حبله ما انفصلا | بيتامى كربلاء اتصلا |
إلى آخر القصيدة.
[97] وله أيضاً:
ولا بد من يوم به نكشف الظلما | ونملئها عدلا كما ملئت ظلما |
ونور دها للخيل شقراً على العدى | ولكن بفيض النحر نصدرها دهما |
ونوردها شعوا تثير من الثرى | سماء تخال البيض في افقه نجما |
ولابد من يوم به نركز القنا | بصدر العدى والبيض نغمدها الجسما |
لئن تدر الايام نستوف ما مضى | ونستقص من قد خص منا ومن عما |
إلى أن يقول:
فمن يكشف الضر أو من يفرج الهمّا | عن البضعة الزهرا إذا اشتكت الظيما |
ايسقطها الحملا ويورثها الذلا | وفيها أتت (قلا لا)أما خشى الاثما |
ومذ صدرها أدمى شكت زادها الطما | وللعبد أو ما ألا ردّها رغما |
أيعصرها عصراً ويوسعها زجراً | ويلطمها جهراً على خدها لطما |
زووا فدكاً عن أهل بيت نبيهم | وصارت لتيم وابن حنتمة طعما |
أتت تطلب الارثا وتندب واغوثا | بدمع حكى الغيثا وقلب وهى سقما |
وأنست رزايا الطف كل رزية | أتت بعد يوم الطف أو سلفت قدما |
إلى آخر القصيدة.
[98] وله من قصيدة:
قد ألقحوها فتنة عميا إلى | يوم القيامة ما استدار زمان |
قبساً به باب البتولة أجّجوا | منه بعرصة كربلا نيران |
[99] وله أيضاً:
لو أن دمعي يطفى نار أشجاني | أذلت دمعي من قلبي بأجفاني |
أو أن صبري يجديني لعذت به | لكنّما ملّني صبري وسلواني |
وكيف ألقى سروراً والبتول بنى | لها عليّ جهاراً بيت احزان |
ماتت ولم يشهدوا ليلا جنازتها | سوى علي وعمار وسلمان |
وفي الصحيح رووا أن النبي بها | قد قال فاطمة روحي وجثماني |
وانها قد قضت غضبى على نفر | فقولهم وشنيع الفعل ضدان |
إلى آخر القصيدة.
[100] وله من قصيدة:
أفي قبب القصور بنات هند | وهاشم لم تذق طعم الرقاد |
تنام عيونها برغيد عيش | وعين نزار تكحل بالسهاد |
بنى الهادي النبي لهم رشاد | وقد سعيا إلى هدم الرشاد |
هما غصبا الوصي الحق ظلما | هما قتلاه لا سيف المرادي |
ومن يوم السقيفة كربلاء | تمثلها بعكس واطراد |
برض ظلوع فاطمة تعادت | على أضلاعه خيل الاعادي |
ومن نار على الزهراء دارت | خيام الطف تضرم باتقاد |
وحبلا قيّدوا فيه عليا | به السجاد أصبح في قياد |
[101] وله كذلك:
وبنات هند لم تزل مسرورة | وبنات أحمد دمعها منثور |
لو لم يكن حقداً بضغن صدورهم | ما حزّ نحر منه فاح عبير |
لولا انكسار الضلع من أهل الشقا | بالطف ما ضلع له مكسور |
لو لم يقاد المرتضى من داره | ما قيّد السجاد وهو أسير |
لولم تسير الطهر فاطم خلفه | ما زينب خلف العليل تسير |
لولا احتراق الباب ما احترقت لهم | بالغاضرية أربع وستور |
قوموا بني فهر فلا تتقاعدوا | عن آل حرب فالحسين عفير |
إلى آخر قصيدته.
[102] وله أيضاً:
إذا جفّت دموع العين فابكي ادمعاً حمرا | وأسعد حيدر الكرار بالنوح على الزهرا |
ما بال الثرى قرّت ولم الا تقف الافلاك | برزء ناحت الانس له والجن والاملاك |
برزء فيه قد قرّت عيون الكفر والاشراك | وذابت مهجة الدين وامست عينه عبرى |
بنفسي بضعة أوصى بها أمته أحمد | فلما أن قضى لم يمهلوها ريثما يلحد |
واطفوا في أذاياها جوى في صدرهم مكمد | وأشفوا حقدهم منها وبزّوا ارثها جهرا |
[103] وله في رثاء السيدة الزهراء (عليها السلام) أيضاً.
يحقّ لمقلتي تهمي الدموعا | على من رضضوا منها الضلوعا |
يرض ضلوع فاطمة جهاراً | ويدخل بيتها حطباً وناراً |
عجبت لمن شهد المغارا | يفرّ ويحرق البيت الرفيعا |
هي الزهراء فاطمة البتول | ومن أوصى بنحلتها الرسول |
ايغصبها ولا أحد يقول | أسئت ببضعة الهادي الصنيعا |
لقد حكموا بليل أو نهار | بكاها لا تقرّ بلا قرار |
فكيف قرارها والحكم جاري | عليها وهي لم تطق الهجوعا |
لقد هجموا عليها وهي حسرى | وقادوا بعلها بالحبل قهرا |
وألقوا حملها بغضاً وكفرا | قضت وفؤادها أضحى مروعا |
فمذ قادوا علياً بالنجاد | عدت من خلفهم والحزن بادى |
ألا خلوا ابن عمي أو أنادي | وأكشف للدعا رأساً وجيعاً |
دعت ما صالح هو والرسول | وناقتهُ أجل ولا الفصيل |
من الحسنين أو مني فقولوا | إلى الأوثان قد عدتم رجوعا |
فمالت دونه قعدا عليها | بضرب منه سوّد منكبيها |
وأودع حمرة في فعلتيها | وقرطاها به انتثرا جميعا |
فأخرجها عليٌ للبقيع | بأوراق الاراكة والقروع |
تقيم هناك ناثرة الدموع | على من أورث الدنيا صدوعا |
أتى نحو البقيع بها فلمّا | رأى قطع الاراكة كان ظلما |
بنى بيتاً إلى الاحزان ينمى | لتبكي وسطه الهادي الشيفعا |
بأبي من أصبحت بعد الرسول | جسمها زاد سقاماً ونحول |
آه واويلاه من أمته | بعد لم يدفن في حفرته |
تركوا الظيغم جليس بيته | وسريعاً غصبوا ارث البتول |
جحدوا من كان فيهم محسناً | عصروها اسقطوها "محسناً" |
ألّموها ليس فيهم محسنا | تركوا أجفانها تجري همول |
بأبي ذاك الأبي بعد النبي | عوض السيف بذل مختبي |
آه من تيم وآه من عدى | ليت شعرى فيهما ماذا أقول |
جرعاها غصصاً غصت لها | لهوات الدهر إذ لا مثلها |
فاطم قد أسقطوها حملها | ياله رزء عظيم ومهول |
هجموا لما رأوا من ضعفه | لببوه في حمايل سيفه |
قيد للجامع برغم أنفه | وهو ذاك الهزبر الليث الصؤول |
آية الله العظمى المحقق
الشيخ محمد حسين الاصفهاني
استطاع الشيخ محمد حسين الاصفهاني أن يجمع بين مدرستي التجديد الأصولي والتنظير الفلسفي من جهة، وبين الابداع الأدبي والتحقيق التاريخي من جهة أخرى، وحاول أن يزاوج بين هذه الاطراف المتناقضة ليخرج بمدرسته الأدبية التحقيقية.
قدّم المحقق الاصفهاني اطروحته في الجمع بين المتناقضات ـ على انها لم تكن متناقضات واقعية ـ فجمع بين عمق الفلسفه ورقة الأدب، وبين دقة
إن ما يميز أدب الشيخ الاصفهاني هو صياغة الحدث بمقطوعة أدبية رائعة، وحاول ادخال الأدب ضمن سياقات التاريخ المختلفة ليجعل من مقطوعته الأدبية وحدة تاريخية، تعيد للحدث موضوعيته، وتؤكد للأدب إلتزامه.
في "الأنوار القدسية" أسس الشيخ الاصفهاني مدرسته الأدبية، واستطاع من خلال شاعريته أن يعيد للقصيدة العربية مسؤليتها، وأن تكون المحاولة المعبرة عن احساس الشاعر وهواجسه، وفي الوقت نفسه يجعلها وثيقة أدبية مهمة توثّق التاريخ الإسلامي بمحاولات تحقيقية موضوعية.
إن أهمية "الانوار القدسية"، محاولة الشاعر الأدبية، تتأتى من كون المحقق الاصفهاني قد سرد تاريخ النبي وآل بيته (عليهم السلام) اعتماداً على الروايات الصحيحة، وان قصائده جاءت على أساس الاستنتاج العلمي والتحقيق التاريخي، كما انها تميزت بخلوها عن الحشو الأدبي الذي يلجأ اليه الشاعر ليعزز من فنية مقطوعته، بل التزم المحقق الاصفهاني منهج التحقيق اعتماداً على ما صح لديه من أخبار.
في مقطوعاته الأدبية الفاطمية، أسس المحقق الاصفهاني مدرسة تاريخية تحاكم التاريخ وتستنطق أحداثه، واستعان بالفلسفة ليقدم رؤيتة التاريخية بتنظير فلسفي واقعي، فالفلسفة لم تكن على حساب رقة الأدب وسحر بيانهِ، والأدب لم يكن على حساب العمق الفلسفي وبرهانه، وابتعد عما
أرّخهُ في شعراء الغري بقوله:
"الشيخ محمد حسين الاصفهاني، فيلسوف كبير، وحكيم شهير، وفقيه أوحد، وأصولي مغن واهتدى بنوره وارشاده مئات الاعلام وأرباب الصناعة من المتأخرين، ارتشف من معين فريق من أرباب التأسيس والاعلمية، فقد حضر حلقة السيد محمد الاصفهاني الفشاركي، والملا كاظم الخراساني، ودرس الفقه على الفقيه الاكبر الشيخ أقا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه، وحضر على الحكيم الفيلسوف ميرزا محمد باقر الاصطهباناتي خلّف كتباً قيمة منها، 1 ـ كتاب في الاصول، 2 ـ حاشية على الكفاية أسماها نهاية الدراية، 3 ـ رسالة في الصحيح والأعم، 4 ـ رسالتان في المشتق، 5 ـ رسالة في الطلب والارادة، 6 ـ علائم الحقيقة والمجاز، 7 ـ في الشرط المتأخر، 8 ـ في الحقيقة الشرعية، 9 ـ في تقسيم الوضع إلى الشخصي والنوعي، 10 ـ في أن الالفاظ موضوعة للمعاني بما هي هي أو من حيث كونها مرادة، 11 ـ تعليقه على رسالة القطع للشيخ الانصاري، 12 ـ في اشتراك الالفاظ، 13 ـ في موضوع العلم، 14 ـ في أن اطلاق الأمر هل يقتضي التعبدية أو التوصلية، 15 ـ اطلاق اللفظ وارادة نوعه وصنفه وشخصه، 16 ـ في تحقيق الحق، 17 ـ حاشية على المكاسب، 8 ـ في أخذ الاجرة على الواجبات، 19 ـ في أربع قواعد فقهية: قاعدة التجاوز. قاعدة