[105] وإليك مقطوعاته الفاطمية التي ضمّت استقراءً للتاريخ الفاطمي ابتداءً من ولادتها الميمونة، ومروراً بالاحداث الدامية التي من ضمنها اسقاط المحسن (عليه السلام)، وانتهاءً بشهادتها المقدّسة.
في مَوْلدِ بقيَّةَ النُّبَّوةِ وَنامُوس اللهِ الأكبَر الصِدِّيقَة الطاهِرَة سَيّدةِ النِّسَاءِ فَاطِمَة سَلاَم اللهِ عَليْهَا:
جوهرة القدس من الكنز الخفي | بدت فابدت عاليات الأحرف |
وقد تجلى من سماء العظمه | من عالم الأسماء اسمى كلمه |
بل هي أم الكلمات المحكمه | في غيب ذاتها نكات مبهمه |
ام أئمة العقول الغر بل | أم ابيها وهو علة العلل |
روح النبي في عظيم المنزلة | وفي الكفاء كفو من لا كفو له |
تمثلت رقيقة الوجود | لطيفة جلت عن الشهود |
تطورت حقيقة الكمال | بصورة بديعة الجمال |
____________
1- شعراء الغري 8: 185.
فانها الحوراء في النزول | وفي الصعود محور العقول |
يمثل الوجوب في الامكان | عيانها باحسن البيان |
فانها قطب رحى الوجود | في قوسي النزول والصعود |
وليس في محيط تلك الدائرة | مدارها الاعظم الا الطاهره |
مصونة عن كل رسم وسمه | مرموزة في الصحف المكرمة |
صديقة لا مثلها صديقة | تفرغ بالصدق عن الحقيقة |
هي ابتول الطهر والعذراء | كمريم الطهر ولا سواء |
فانها سيدة النساء | ومريم الكبرى بلا خفاء |
وحبها من الصفات العالية | علية دارت القرون الخالية |
تبتلت عن دنس الطبيعة | فيا لها من رتبة رفيعة |
مرفوعة الهمة والعزيمة | عن نشأة الزخارف الذميمه |
في افق المجد هي الزهراء | للشمس من زهرتها الضياء |
بل هي نور عالم الانوار | ومطلع الشموس والاقمار |
رضيعة الوحي من الجليل | حليفة المحكم والتنزيل |
مفطومة من زلل الأهواء | معصومة عن وصمة الأخطاء |
معربة بالستر والحياء | عن غيب ذات بارىء الاشياء |
راضية بكل ما قضى القضا | بما يضيق عنه واسع الفضا |
زكية من وصمة القيود | فهي غنية عن الحدود |
يا قبلة الارواح والعقول | وكعبة الشهود والوصول |
من بقدومها تشرفت منى | ومن بها تدرك غاية المنى |
بابها وحجابها
وبابها الرفيع باب الرحمة | ومستجار كل ذي ملمه |
وما الحطيم عند باب فاطمه | بنورها تطفأ نار الحاطمه |
وبيتها المعمور كعبة السما | اضحى ثراه للثُريا ملثماً |
وخدرها السامي رواق العظمه | وهو مطاف الكعبة المعظمة |
حجابها مثل حجاب الباري | بارقة تذهب بالأبصار |
تمثل الواجب في حجابها | فكيف بالأشراق. من قبابها |
انوارها المشرقة
يا درة العصمة والولاية | من صدف الحكمة والعناية |
ما الكوكب الدري في السماء | من ضوء تلك الدرة البيضاء |
والنير الاعظم منها كالسها | كيف ولا حد لها ومنتهى |
اشرقت العوالم العلويه | بنور تلك الدرة البهية |
يا دوحة جازت سنام الفلك | بل جاوزالسدرة فرعها الزكي |
يا دوحة اغصانها تدلت | بموضع فيه العقول ضلت |
دنت الى مقام او ادنى فلا | تتبع من ذلك اعلى مثلا |
الشجرة الطيبة وثمارها
ما شجر الطور واين الشجره | من دوحة المجد الاثيل المثمرة |
وانما السدرة والزيتونه | عنوان تلك الدوحة الميمونة |
اثمارها الغر مجالي الذات | مظاهر الاسماء والصفات |
مبادىء الحياة في البداية | ومنتهى الغايات في النهاية |
اثمارها عزائم القرآن | في صفحات مصحف الامكان |
اثمارها منابت للمعرفة | من جنة الذات غدت مقتطفه |
تهنئة سيد الرسل بها
لك الهنا يا سيد الوجود | في نشئات الغيب والشهود |
بمن تعالى شأنها عن مثل | كيف ولا تكرار في التجلي |
لا بتثنى هيكل التوحيد | فكيف بالنظير والنديد |
وملتقى القوسين نقطة فلا | ترى لها ثانية او بدلا |
وحيدة في مجدها القديم | فريدة في أحسن التقويم |
بشراك يا ابا العقول العشرة | بالبضعة الطاهرة المطهرة |
مهجة قلب عالم الامكان | وبهجة الفردوس والجنان |
غرتها الغراء مصباح الهدي | يعرف حسن المنتهى بالمبتدا |
وفي محياها بعين الاوليا | عينان من ماء الحياة والحيا |
بل وجهها الكريم وجه الباري | وقبله العارف بالاسرار |
البشرى
بشراك يا خلاصة الايجاد | بصفوة الامجاد و الانجاد |
أم الكتاب وابنة التنزيل | ربة بيت العلم بالتأويل |
بحر الندى ومجمع البحرين | قلب الهدى ومهجة الكونين |
الفلسفة العليا
واحدة النبي اول العدد | ثانية الوصي نسخة الاحد |
ومركز الخمسة من اهل العبا | ومحور السبع علوا وابا |
لك الهنايا سيد البريه | باعظم المواهب السنية |
اتاك طاووس رياض القدس | بنفحة من نفحات الأنس |
من جنة الصفات والاسماء | جلت عن المديح والثناء |
فارتاحت الارواح من شميمها | واهتزت النفوس من نسيمها |
بها انتشى في الكون كل صاح | وطابت الاشباح بالأرواح |
تحيى بها الارض ومن عليها | ومرجع الامر غداً اليها |
الرزية الكبرى
لهفي لها لقد اضبع قدرها | حتى توارى بالحجاب بدرها |
تجرعت من غصص الزمان | ما جاوز الحد من البيان |
وما اصابها من المصاب | مفتاح بابه حديث الباب |
ان حديث الباب ذو شجون | مما جنت به يد الخؤن |
ايهجم العدى على بيت الهدى | ومهبط الوحي ومنتدى الندى |
الضرم في الباب
ايضرم النار بباب دارها | وآية النور على منارها |
وبابها باب نبي الرحمه | وباب ابواب نجاة الامة |
بل بابها باب العلي الاعلى | فثم وجه الله قد تجلى |
ما اكتسبوا بالنار غير العار | ومن ورائه عذاب النار |
ما اجهل القوم فان النار لا | تطفيء نور الله جل وعلا |
الضلع المكسور
لكن كسر الضلع ليس ينجبر | الا بصمصام عزيز مقتدر |
إذ رض تلك الاضلع الزكيه | رزية لا مثلها رزيه |
ومن نبوع الدم من ثدييها | يعرف عظم ما جرى عليها |
وجاوزوا الحد بلطم الخد | شلت يد الطغيان والتعدي |
يا لثارات فاطمه
فاجرت العين وعين المعرفة | تَذرِفُ بالدمع على تلك الصفة |
ولا يزيل حمرة العين سوى | بيض السيوف يوم ينشر اللوى |
وللسياط رنة صداها | في مسمع الدهر فما اشجاها |
والاثر الباقي كمثل الدملج | في عضد الزهراء أقوى الحجج |
ومن سواد متنها اسود الفضا | يا ساعد الله الامام المرتضى |
ووكز نعل السيف في جنبيها | اتى بكل ما اتى عليها |
ولست أدري خبر المسمار | سل صدرها خزانة الاسرار |
وفي جنين المجد ما يدمي الحشا | وهل لهم اخفاء امر قد فشى |
والباب والجدار والدماء | شهود صدق ما به خفاء |
لقد جنى الجاني على جنينها | فاندكت الجبال من حنينها |
اهكذا يصنع بابنةِ النبي | حرصا على الملك فيا للعجب |
اتمنع المكروبة المقروحه | عن البكا خوفا من الفضيحة |
تالله ينبغي لها تبكي دما | ما دامت الارض ودارت السما |
لفقد عزِها أبيها السامي | ولاهتضامها وذل الحامي |
فاطمة سلام الله عليها و النحله
اتستباح نحلة الصديقة | وارثها من اشرف الخليقة |
كيف يرد قولها بالزور | اذ هو رد آية التطهير |
ايؤخذ الدين من الاعرابي | وينبذ المنصوص في الكتاب |
فاستلبوا ما ملكت يداها | وارتكبوا الخزية منتهاها |
يا ويلهم قد سألوها البينه | على خلاف السنة المبينه |
وردهم شهادة الشهود | اكبر شاهد على المقصود |
ولم يكن سد الثغور غرضا | بل سد بابها وباب المرتضى |
صدوا عن الحق وسدوا بابه | كأنهم قد آمنوا عذابه |
ابضعة الطهر العظيم قدرها | تدفن ليلا ويعفى قبرها |
ما دفنت ليلا بستر وخفا | الا لوجدها على اهل الجفا |
ما سمع السامع فيما سمعا | مجهولة بالقدر والقبر معا |
يا ويلهم من غضب الجبار | بظلمهم ريحانة المختار |
الشيخ عبد الغني الحر العاملي
لعل ما يميز النهضة الأدبية الامامية، هو وجود أدب خاص يمكن أن نطلق عليه بـ"أدب المدرسة الاستنهاضية" تنطلق هذه المدرسة لتجسيد "فلسفة الانتظار" وهي احدى مختصات الثقافة الشيعية التي حظيت بها عقيدة الامامية ففي عصر الغيبة يتم بناء التكامل الروحي استعداداً لايجاد القاعدة الاساسية التي يعتمد عليها الامام (عجل الله فرجه الشريف)، أو تمهيداً للارضية المناسبة التي تنشأ عليها هذه القاعدة.
فنمو الحس الديني الذي يتجسد من خلال الممارسة الشرعية ليوميات
هذه الحالة التربوية إنسحبت فلسفتها حتى على الأدب الشيعي، وصار الأديب يرتجم تطلعات الأمة في انتظار المصلح الذي يملأ الأرض بالعدل والسلام، ويأخذ بحقوق وثأر جميع المظلومين والابرياء الذين ذهبوا ضحية الممارسات الحاكمية اللا مشروعة من أجل الهيمنة على الامة الإسلامية، واستبعاد إطروحة الحق والعدل المتمثلة بآل البيت (عليهم السلام).
تضم "المدرسة الاستنهاضية الأدبية" جيلا من الشعراء عُرفوا بنزعتهم الأدبية في ممارسة فلسفة الانتظار وتقديمها في المقطوعة الأدبية، ليترجموا الخطاب السياسي إلى محاولات تثير انتباه الأمة إلى المصلح الموجه اليه الخطاب، وتحفّز الأمة للتعامل مع حالة الغيبة إلى حالة حضور، فالشكوى التي يبثها الشاعر العتاب الذي يوجهه إلى الإمام (عليه السلام) حالة يستبطن من خلالها محاولة تحفيزية للاستعداد الدائم من أجل إنماء الشعور بوجود الحيف الذي يحتم على الأمة النهوض بواجبها لاسترداد الحقوق المغتصبة وتمهد دولة الحق بقيادة الإمام (عليه السلام).
كانت مادة المدرسة الاستنهاضية الأدبية هي ماساة السيدة الزهراء (عليها السلام)،
إن الشاعر عبد الغني الحر العاملي المتوفي سنة 1358 هـ، ـ والذي ينتسب إلى المحدث الحر العاملي ـ، قدّم اطروحته الأدبية في مجال المدرسة الاستنهاضية، وبثّ شكواه من خلال قصائده للامام المنقذ من الجور والعدوان واستعرض مآسي أبائه الطاهرين مذكّراً إياه إن هذه المحن وليدة تلك المأساة الفاطمية الكبرى والتي من جرائها أُسقط المحسن، أول ضحية تقدم على قربان التضحية والفداء وتتابعها التضحيات التي كانت معلماً من معالم مدرسة آل البيت (عليهم السلام).
[106] قال:
قد أطال السهاد طول نواكا | فمتى تسعد الورى بلقاكا |
وأسأل القلوب منا عيوناً | معصرات من العيون هواكا |
يا امام الهدى وخير مليك | جعل الله جنده الاملاكا |
غبت عن أنفس قضت فيك صبراً | وهي مشتاقة إلى مرآكا |
لم تزل راعياً بعيني رؤوف | لنفوس طول النوى ترعاكا |
قد مددنا اليك كف رجاء | خاب من مد كفه لسواكا |
إنما أنت نعمة الله فينا | ونعيم الجنان من نعماكا |
وبآلائك المهيمن أحيا | ميت الارض حيث يسقى حياكا |
إلى أن يقول:
فمتى تشفي من الغيظ مما | آنفاً قد جنته ظلماً عداكا |
ومتى تطلب الدخول بحرب | شاهراً للذحول بيض ظباكا |
حتى يقول:
فقضى المصطفى عظيم مصاب | جل خطب دهي الهدى ودهاكا |
أنبّي انيب في فادحات | ما أنيب النبي لا وعلاكا |
مالقى المرسلون في الدهر إلاّ | بعض بلوى محمد وبلاكا |
بث في قومه الهدى فعدوه | عن فسوق كمن ضلالا عداكا |
أو تنسى ما أحدثوه قديماً | وحديثاً من الشقاق انتهاكا |
أو تنسى حاشاك ما قد جنى الجبـ | تان في غصب فاطم حاشاكا |
أو تنسى إذ لببا صنوطه | وأباحى حمى الوصي حماكا |
أو تنسى إذ أوقفاه مقاداً | موثقاً في بنوده إمساكا |
فدعى بالنبي دعوة ها | رون لموسى إذ كان هذا كذاكا |
قائلا يابن ام والبضعة الزهـ | راء تقفو الوصي عدواً أباكا |
هؤلاء الملالى قد استضعفوني | كوحي الكليم عند أولاكا |
ما دروا أنك ابن أمي قرباً | حيث ادعى دون الانام أخاكا |
أنكروني من بعد أن عرفوني | آنفاً أثنى هدىً مرتضاكا |
جهلوا منك منزلي بعد علم | منهموا ان لي مقام علاكا |
ودروا أنني الأمير عليهم | يوم خم إذ بايعوني هناكا |
نكثوا عهدك الوثيق انتقاضا | وبسخط الاله بائوا ائتفاكا |
غادروني عذراً حليف شجون | حيث قد اعرض الورى عن هداكا |
وأرادوا اطفاء نورك بغياً | وأبى ربك انطفاء سناكا |
ما كفاهم عزلي عن الحق حتى | غصبوا فاطماً واعفوا بناكا |
مزّقوا الصك واستباحوا حمى | ربّك في هضم فاطم وحماكا |
وأراع الجبتان بنتك ظلماً | وبترويعها أسىً روعاكا |
أوجعاها بالسوط قرعاً وضرباً | مؤلماً جسمها كما أوجعاكا |
جرعاها كأساً أمر الصعا | ب مذاقاً كما الروى جرعاكا |
كيف يابن الوصي لا تضرم النا | ر على من لظى الاسى أصلياكا |
أو تنسى إذ أضرما النار | بالباب وعصر الباب الذي اشجاكا |
كسر أضلع فاطم أسقاطاها | محسناً هيّجا أساها هناكا |
غادراها عليلة الجسم غدراً | من عناها لا تستطيع حراكا |
فقضت بالشجون والظلم ممن | عن مواليك نيّراً غيّباكا(1) |
إلى أخر القصيدة.
[107] وله أيضاً في الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) مستنهضاً:
متى مليك الورى في نور طلعته | يجلو دياجي الرزايا عن رعيته |
متى ينادي المنادي باسمه علناً | هذا امام الهدى بشرى لشيعته |
بشرى لهم اذ تبدى نور هدىً | به الدياجي تجلت بعد غيبته |
متى يقوم بأمر الله قائمنا | فيصلح الدين والدنيا بنهضته |
متى يقوم لنصر الدين ناصره | وينشر الراية العظمى لنجدته |
____________
1- ديوان الشيخ عبد الغني الحر المكتبة الإسلامية طهران 1403 هـ.