الصفحة 458
الفراغ ـ اصالة الصحة. اليد، 20 ـ في الاجارة، 21 ـ في صلاة المسافر.. إلى غير ذلك من المؤلفات العلمية القيمة والتي تتعدى على الثلاثين"(1).

* * *

[105] وإليك مقطوعاته الفاطمية التي ضمّت استقراءً للتاريخ الفاطمي ابتداءً من ولادتها الميمونة، ومروراً بالاحداث الدامية التي من ضمنها اسقاط المحسن (عليه السلام)، وانتهاءً بشهادتها المقدّسة.

في مَوْلدِ بقيَّةَ النُّبَّوةِ وَنامُوس اللهِ الأكبَر الصِدِّيقَة الطاهِرَة سَيّدةِ النِّسَاءِ فَاطِمَة سَلاَم اللهِ عَليْهَا:

جوهرة القدس من الكنز الخفيبدت فابدت عاليات الأحرف
وقد تجلى من سماء العظمهمن عالم الأسماء اسمى كلمه
بل هي أم الكلمات المحكمهفي غيب ذاتها نكات مبهمه
ام أئمة العقول الغر بلأم ابيها وهو علة العلل
روح النبي في عظيم المنزلةوفي الكفاء كفو من لا كفو له
تمثلت رقيقة الوجودلطيفة جلت عن الشهود
تطورت حقيقة الكمالبصورة بديعة الجمال

____________

1- شعراء الغري 8: 185.


الصفحة 459
فانها الحوراء في النزولوفي الصعود محور العقول
يمثل الوجوب في الامكانعيانها باحسن البيان
فانها قطب رحى الوجودفي قوسي النزول والصعود
وليس في محيط تلك الدائرةمدارها الاعظم الا الطاهره
مصونة عن كل رسم وسمهمرموزة في الصحف المكرمة
صديقة لا مثلها صديقةتفرغ بالصدق عن الحقيقة
هي ابتول الطهر والعذراءكمريم الطهر ولا سواء
فانها سيدة النساءومريم الكبرى بلا خفاء
وحبها من الصفات العاليةعلية دارت القرون الخالية
تبتلت عن دنس الطبيعةفيا لها من رتبة رفيعة
مرفوعة الهمة والعزيمةعن نشأة الزخارف الذميمه
في افق المجد هي الزهراءللشمس من زهرتها الضياء
بل هي نور عالم الانوارومطلع الشموس والاقمار
رضيعة الوحي من الجليلحليفة المحكم والتنزيل
مفطومة من زلل الأهواءمعصومة عن وصمة الأخطاء
معربة بالستر والحياءعن غيب ذات بارىء الاشياء
راضية بكل ما قضى القضابما يضيق عنه واسع الفضا


الصفحة 460
زكية من وصمة القيودفهي غنية عن الحدود
يا قبلة الارواح والعقولوكعبة الشهود والوصول
من بقدومها تشرفت منىومن بها تدرك غاية المنى

بابها وحجابها
وبابها الرفيع باب الرحمةومستجار كل ذي ملمه
وما الحطيم عند باب فاطمهبنورها تطفأ نار الحاطمه
وبيتها المعمور كعبة السمااضحى ثراه للثُريا ملثماً
وخدرها السامي رواق العظمهوهو مطاف الكعبة المعظمة
حجابها مثل حجاب الباريبارقة تذهب بالأبصار
تمثل الواجب في حجابهافكيف بالأشراق. من قبابها

انوارها المشرقة
يا درة العصمة والولايةمن صدف الحكمة والعناية
ما الكوكب الدري في السماءمن ضوء تلك الدرة البيضاء
والنير الاعظم منها كالسهاكيف ولا حد لها ومنتهى
اشرقت العوالم العلويهبنور تلك الدرة البهية
يا دوحة جازت سنام الفلكبل جاوزالسدرة فرعها الزكي
يا دوحة اغصانها تدلتبموضع فيه العقول ضلت


الصفحة 461
دنت الى مقام او ادنى فلاتتبع من ذلك اعلى مثلا

الشجرة الطيبة وثمارها
ما شجر الطور واين الشجرهمن دوحة المجد الاثيل المثمرة
وانما السدرة والزيتونهعنوان تلك الدوحة الميمونة
اثمارها الغر مجالي الذاتمظاهر الاسماء والصفات
مبادىء الحياة في البدايةومنتهى الغايات في النهاية
اثمارها عزائم القرآنفي صفحات مصحف الامكان
اثمارها منابت للمعرفةمن جنة الذات غدت مقتطفه

تهنئة سيد الرسل بها
لك الهنا يا سيد الوجودفي نشئات الغيب والشهود
بمن تعالى شأنها عن مثلكيف ولا تكرار في التجلي
لا بتثنى هيكل التوحيدفكيف بالنظير والنديد
وملتقى القوسين نقطة فلاترى لها ثانية او بدلا
وحيدة في مجدها القديمفريدة في أحسن التقويم
بشراك يا ابا العقول العشرةبالبضعة الطاهرة المطهرة
مهجة قلب عالم الامكانوبهجة الفردوس والجنان
غرتها الغراء مصباح الهدييعرف حسن المنتهى بالمبتدا


الصفحة 462
وفي محياها بعين الاولياعينان من ماء الحياة والحيا
بل وجهها الكريم وجه الباريوقبله العارف بالاسرار

البشرى
بشراك يا خلاصة الايجادبصفوة الامجاد و الانجاد
أم الكتاب وابنة التنزيلربة بيت العلم بالتأويل
بحر الندى ومجمع البحرينقلب الهدى ومهجة الكونين

الفلسفة العليا
واحدة النبي اول العددثانية الوصي نسخة الاحد
ومركز الخمسة من اهل العباومحور السبع علوا وابا
لك الهنايا سيد البريهباعظم المواهب السنية
اتاك طاووس رياض القدسبنفحة من نفحات الأنس
من جنة الصفات والاسماءجلت عن المديح والثناء
فارتاحت الارواح من شميمهاواهتزت النفوس من نسيمها
بها انتشى في الكون كل صاحوطابت الاشباح بالأرواح
تحيى بها الارض ومن عليهاومرجع الامر غداً اليها

الرزية الكبرى
لهفي لها لقد اضبع قدرهاحتى توارى بالحجاب بدرها


الصفحة 463
تجرعت من غصص الزمانما جاوز الحد من البيان
وما اصابها من المصابمفتاح بابه حديث الباب
ان حديث الباب ذو شجونمما جنت به يد الخؤن
ايهجم العدى على بيت الهدىومهبط الوحي ومنتدى الندى

الضرم في الباب
ايضرم النار بباب دارهاوآية النور على منارها
وبابها باب نبي الرحمهوباب ابواب نجاة الامة
بل بابها باب العلي الاعلىفثم وجه الله قد تجلى
ما اكتسبوا بالنار غير العارومن ورائه عذاب النار
ما اجهل القوم فان النار لاتطفيء نور الله جل وعلا

الضلع المكسور
لكن كسر الضلع ليس ينجبرالا بصمصام عزيز مقتدر
إذ رض تلك الاضلع الزكيهرزية لا مثلها رزيه
ومن نبوع الدم من ثدييهايعرف عظم ما جرى عليها
وجاوزوا الحد بلطم الخدشلت يد الطغيان والتعدي

يا لثارات فاطمه
فاجرت العين وعين المعرفةتَذرِفُ بالدمع على تلك الصفة


الصفحة 464
ولا يزيل حمرة العين سوىبيض السيوف يوم ينشر اللوى
وللسياط رنة صداهافي مسمع الدهر فما اشجاها
والاثر الباقي كمثل الدملجفي عضد الزهراء أقوى الحجج
ومن سواد متنها اسود الفضايا ساعد الله الامام المرتضى
ووكز نعل السيف في جنبيهااتى بكل ما اتى عليها
ولست أدري خبر المسمارسل صدرها خزانة الاسرار
وفي جنين المجد ما يدمي الحشاوهل لهم اخفاء امر قد فشى
والباب والجدار والدماءشهود صدق ما به خفاء
لقد جنى الجاني على جنينهافاندكت الجبال من حنينها
اهكذا يصنع بابنةِ النبيحرصا على الملك فيا للعجب
اتمنع المكروبة المقروحهعن البكا خوفا من الفضيحة
تالله ينبغي لها تبكي دماما دامت الارض ودارت السما
لفقد عزِها أبيها الساميولاهتضامها وذل الحامي

فاطمة سلام الله عليها و النحله
اتستباح نحلة الصديقةوارثها من اشرف الخليقة
كيف يرد قولها بالزوراذ هو رد آية التطهير
ايؤخذ الدين من الاعرابيوينبذ المنصوص في الكتاب


الصفحة 465
فاستلبوا ما ملكت يداهاوارتكبوا الخزية منتهاها
يا ويلهم قد سألوها البينهعلى خلاف السنة المبينه
وردهم شهادة الشهوداكبر شاهد على المقصود
ولم يكن سد الثغور غرضابل سد بابها وباب المرتضى
صدوا عن الحق وسدوا بابهكأنهم قد آمنوا عذابه
ابضعة الطهر العظيم قدرهاتدفن ليلا ويعفى قبرها
ما دفنت ليلا بستر وخفاالا لوجدها على اهل الجفا
ما سمع السامع فيما سمعامجهولة بالقدر والقبر معا
يا ويلهم من غضب الجباربظلمهم ريحانة المختار


الصفحة 466

الصفحة 467

الشيخ عبد الغني الحر العاملي

لعل ما يميز النهضة الأدبية الامامية، هو وجود أدب خاص يمكن أن نطلق عليه بـ"أدب المدرسة الاستنهاضية" تنطلق هذه المدرسة لتجسيد "فلسفة الانتظار" وهي احدى مختصات الثقافة الشيعية التي حظيت بها عقيدة الامامية ففي عصر الغيبة يتم بناء التكامل الروحي استعداداً لايجاد القاعدة الاساسية التي يعتمد عليها الامام (عجل الله فرجه الشريف)، أو تمهيداً للارضية المناسبة التي تنشأ عليها هذه القاعدة.

فنمو الحس الديني الذي يتجسد من خلال الممارسة الشرعية ليوميات

الصفحة 468
المكلف، وحالة الترقب المستمر لظهور الامام (عجل الله فرجه الشريف)، سيخلقان الشعور بالمسؤلية الشرعية التي تفرضها عليه "حالة الانتظار"، فالانتظار اذن هو حالة تهيؤ دائم، ترقى من خلاله روحية المكلف الى السمو والنضوج، وليس الانتظار هو حالة استسلام وخنوع لذا فان العملية التربوية لتكامل الأمة من خلال ممارسة "فلسفة الانتظار" هي العملية الرائعة التي توجدها مدرسة آل البيت (عليهم السلام) لانتشال الأمة من مهاوي الذل إلى مراقي الرشد والكمال.

هذه الحالة التربوية إنسحبت فلسفتها حتى على الأدب الشيعي، وصار الأديب يرتجم تطلعات الأمة في انتظار المصلح الذي يملأ الأرض بالعدل والسلام، ويأخذ بحقوق وثأر جميع المظلومين والابرياء الذين ذهبوا ضحية الممارسات الحاكمية اللا مشروعة من أجل الهيمنة على الامة الإسلامية، واستبعاد إطروحة الحق والعدل المتمثلة بآل البيت (عليهم السلام).

تضم "المدرسة الاستنهاضية الأدبية" جيلا من الشعراء عُرفوا بنزعتهم الأدبية في ممارسة فلسفة الانتظار وتقديمها في المقطوعة الأدبية، ليترجموا الخطاب السياسي إلى محاولات تثير انتباه الأمة إلى المصلح الموجه اليه الخطاب، وتحفّز الأمة للتعامل مع حالة الغيبة إلى حالة حضور، فالشكوى التي يبثها الشاعر العتاب الذي يوجهه إلى الإمام (عليه السلام) حالة يستبطن من خلالها محاولة تحفيزية للاستعداد الدائم من أجل إنماء الشعور بوجود الحيف الذي يحتم على الأمة النهوض بواجبها لاسترداد الحقوق المغتصبة وتمهد دولة الحق بقيادة الإمام (عليه السلام).

كانت مادة المدرسة الاستنهاضية الأدبية هي ماساة السيدة الزهراء (عليها السلام)،

الصفحة 469
ووحدة التعامل في المقطوعة الشعرية لهذه المدرسة هي مجريات الاحداث التي حلت بالسيدة فاطمة (عليها السلام)، ولعل القضية الثانية التي تكتمل بها طموحات الشاعر في بث شكواه هي واقعة الطف التي كان سببها المأساة الفاطمية، ثم يستعرض بعد ذلك ما حدث على آل فاطمة من المحن والمصائب.

إن الشاعر عبد الغني الحر العاملي المتوفي سنة 1358 هـ، ـ والذي ينتسب إلى المحدث الحر العاملي ـ، قدّم اطروحته الأدبية في مجال المدرسة الاستنهاضية، وبثّ شكواه من خلال قصائده للامام المنقذ من الجور والعدوان واستعرض مآسي أبائه الطاهرين مذكّراً إياه إن هذه المحن وليدة تلك المأساة الفاطمية الكبرى والتي من جرائها أُسقط المحسن، أول ضحية تقدم على قربان التضحية والفداء وتتابعها التضحيات التي كانت معلماً من معالم مدرسة آل البيت (عليهم السلام).


الصفحة 470
فالى مقطوعاته الشعرية الاستنهاضية:

[106] قال:

قد أطال السهاد طول نواكافمتى تسعد الورى بلقاكا
وأسأل القلوب منا عيوناًمعصرات من العيون هواكا
يا امام الهدى وخير مليكجعل الله جنده الاملاكا
غبت عن أنفس قضت فيك صبراًوهي مشتاقة إلى مرآكا
لم تزل راعياً بعيني رؤوفلنفوس طول النوى ترعاكا
قد مددنا اليك كف رجاءخاب من مد كفه لسواكا
إنما أنت نعمة الله فيناونعيم الجنان من نعماكا
وبآلائك المهيمن أحياميت الارض حيث يسقى حياكا

إلى أن يقول:

فمتى تشفي من الغيظ مماآنفاً قد جنته ظلماً عداكا
ومتى تطلب الدخول بحربشاهراً للذحول بيض ظباكا

حتى يقول:

فقضى المصطفى عظيم مصابجل خطب دهي الهدى ودهاكا
أنبّي انيب في فادحاتما أنيب النبي لا وعلاكا
مالقى المرسلون في الدهر إلاّبعض بلوى محمد وبلاكا


الصفحة 471
بث في قومه الهدى فعدوهعن فسوق كمن ضلالا عداكا
أو تنسى ما أحدثوه قديماًوحديثاً من الشقاق انتهاكا
أو تنسى حاشاك ما قد جنى الجبـتان في غصب فاطم حاشاكا
أو تنسى إذ لببا صنوطهوأباحى حمى الوصي حماكا
أو تنسى إذ أوقفاه مقاداًموثقاً في بنوده إمساكا
فدعى بالنبي دعوة هارون لموسى إذ كان هذا كذاكا
قائلا يابن ام والبضعة الزهـراء تقفو الوصي عدواً أباكا
هؤلاء الملالى قد استضعفونيكوحي الكليم عند أولاكا
ما دروا أنك ابن أمي قرباًحيث ادعى دون الانام أخاكا
أنكروني من بعد أن عرفونيآنفاً أثنى هدىً مرتضاكا
جهلوا منك منزلي بعد علممنهموا ان لي مقام علاكا
ودروا أنني الأمير عليهميوم خم إذ بايعوني هناكا
نكثوا عهدك الوثيق انتقاضاوبسخط الاله بائوا ائتفاكا
غادروني عذراً حليف شجونحيث قد اعرض الورى عن هداكا
وأرادوا اطفاء نورك بغياًوأبى ربك انطفاء سناكا
ما كفاهم عزلي عن الحق حتىغصبوا فاطماً واعفوا بناكا
مزّقوا الصك واستباحوا حمىربّك في هضم فاطم وحماكا


الصفحة 472
وأراع الجبتان بنتك ظلماًوبترويعها أسىً روعاكا
أوجعاها بالسوط قرعاً وضرباًمؤلماً جسمها كما أوجعاكا
جرعاها كأساً أمر الصعاب مذاقاً كما الروى جرعاكا
كيف يابن الوصي لا تضرم النار على من لظى الاسى أصلياكا
أو تنسى إذ أضرما الناربالباب وعصر الباب الذي اشجاكا
كسر أضلع فاطم أسقاطاهامحسناً هيّجا أساها هناكا
غادراها عليلة الجسم غدراًمن عناها لا تستطيع حراكا
فقضت بالشجون والظلم ممنعن مواليك نيّراً غيّباكا(1)

إلى أخر القصيدة.

[107] وله أيضاً في الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) مستنهضاً:

متى مليك الورى في نور طلعتهيجلو دياجي الرزايا عن رعيته
متى ينادي المنادي باسمه علناًهذا امام الهدى بشرى لشيعته
بشرى لهم اذ تبدى نور هدىًبه الدياجي تجلت بعد غيبته
متى يقوم بأمر الله قائمنافيصلح الدين والدنيا بنهضته
متى يقوم لنصر الدين ناصرهوينشر الراية العظمى لنجدته

____________

1- ديوان الشيخ عبد الغني الحر المكتبة الإسلامية طهران 1403 هـ.