إلى أن يقول:
بدر تغيّب عن ابصارنا حُجباً | حتى عراها القذى من طول غيبته |
ان غاب عنا فما غابت رعايته | وكيف تخلو الرعايا من رعايته؟ |
قد اصطفاه اله الخلق رحمته | على البرايا فأحياهم برحمته |
على الورى أوجب الرحمن طاعته | لأنّه قرن الزلفى بطاعته |
أقول قول امرأ مستبصراً بهمُ | حيث الاشارة حلت في بصيرته |
تالله ما نصبت أرض ولا رفعت | ذات الكواكب الا في أئمته |
هم علّة لوجود الخلق من عدم | والشيء ينشىء ايجاداً بعلّته |
من موصل لامام العصر حجتّه | شكوى محب قضى في نار زفرته |
إلى مَ انت عن الابصار محتجب | بدراً ولم تكتحل في نور طلعته |
إلى مَ منك ربوع الدين موحشة | والدين أوشك أن يقضى بوحشته |
الى مَ والرشد قد تماضت مناهله | والدين عاد ذليلا بعد عزّته |
إلى مَ والغي غال الخلق ظلمته | واظلم الكون آفاقاً بظلمته |
الى مَ والحق معتل حليف ضنىً | شاك وأوشك أن يقضى بعلته |
الى مَ والخلق مالت عن هدايتكم | غياً لكل مجدٍّ في غوايته |
يا نيراً ترقب الابصار طلعته | حتى تكّحل في أنوار طلعته |
ويا مليكاً له الاملاك طائعة | لأن طاعة باريه بطاعته |
عجّل والا فما للدين منتصر | وأنت من وعد الباري بنصرته |
يا غيرة الله فيك الدين منتدب | وليس للدين غوث غير غيرته |
متى تقوم بما في الشفرتين على | عادى هدى أحمد الهادي وعترته |
تنسى مصاب رسول الله جدك في | وصيه المرتضى والطهر بضعته |
تنسى الأولى أضرموا بالباب نارهمُ | وما رعوا عهد طه في وصيته |
تنسى وحاشاك أن تنسى فعالهمُ | وما لقي أحمد من ظلم أمته |
تنسى مصيبة من قادوه مغتصباً | إرثاً وكاظم غيظ في مصيبته |
تنساه مهتضماً حقاً ومنعزلا | عن دست منصبه السامي ورتبته |
تنسى مصاب آباك الكرام وما | لاقوه من عاد في عداوته |
تنسى مصاب الامام المجتبى حسن | مكابداً قد قضى مسموم جعدته |
قضى وفي قلبه تشب أسىً | مما ألم به من عظم نكبته |
تنسى مصائب من في كربلاء قضى | مقاسياً لرزاياه وكربته(1) |
الى آخر القصيدة.
____________
1- المصدر السابق.
آية الله العظمى
الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء
لم تتوقف ابداعات علماءالشيعة في المجالات العلمية من الفقه والأصول، بل اتسعت مساحات الابداع هذه حتى على الأدب العربي الذي تخصص فيه أدباء مبرّزون وتركوا مسائل الابداع العلمي لذوي الاختصاص من العلماء، كما أن العلماء سعوا للاقتصار على بحوثهم العلمية تاركين الأدب لأهله ومتذوقيه، وعلماء الامامية تجاوزوا هذه التقليدية للتخطي إلى مجالات الأدب الأخرى، فقدّموا طروحاتهم الأدبية وشاركوا في تأسيس
كانت "نظرية الأدب الفاطمية" ممن أسهمت في فتح باب هذا الحوار، وحاولت أن تجمع بين حضارات الأجيال ليقرأ اللاحق ما أسسه السابق، ويتحاكمان على أساس ثوابت إسلامية ومعطيات تاريخية تقرر افادات الحدث واعترافات الواقعة.
استطاعت هذه النظرية أن تُحاكم التاريخ وتُقدّم النتيجة وتحاول الربط بين منحنيات الواقعة الواحدة، وقد جعلتها مشاريع التشقيق المرتجل وحدات مفككة تحظر على الأمة قراءة تشكيلة تاريخية متكاملة.
اعتمد الشاعر على محاولات الرثاء الحسيني، وقدّم نظريته على أساس ابداعات الاستنتاج التي تقود الحدث التاريخي لتوقفه عند نتيجته الحتمية التي تقررها انسيابية الوقائع التاريخية، "فالنظرية الأدبية الفاطمية" تعهدت لمحاولات الربط التاريخي وقررت الأحداث على انها النتيجة التي خلّفها الحدث الفاطمي، فأي كبوة تاريخية حدثت في الماضي وستحدث مستقبلا كانت أسبابها تلك المأساة التي حلت عند باب فاطمة، فاسقاط الجنين وكسر الضلع وغير ذلك كانت ارهاصات للاحداث القادمة حتى بعد أجيال، والحدث هذا قدّم قراءة مبكرة في مجال تشذيب التاريخ بل كان الاجابة الممتازة لتساؤلات الاجيال.
ولعل ما يمز قصيدة الشيخ كاشف الغطاء محاولاته التأكيدية على صحة اسقاط المحسن وشدد كثيراً على سلامة هذه الواقعة، وجعلها ثوابت التاريخ الإسلامي، بل ضرورات المذهب الأمامي، وأرجع صحة ذلك الى ما اعتمده من صحة اسناد الواقعة التي تلقاها من سلفه الصالح الاماميين فقال في بعض مقطوعته.
حديث رزء قديم الأصل أخرج إذ | عن الأولى صحَّ اسناداً مخرِّجه |
ثم دعى إلى ضرورة التدين بهذه القضية والاحتفاظ بها على أنها معلماً امامياً يميز الطائفة الحقة في الاعتقاد والتسليم لمجرياتها، ولعل الخدش في سلامة مثل هذه الواقعة وصحة اسنادها يؤدي بالبُنى التأسيسية التي يعتمد المذهب الأمامي عليها، وستتهاوى مسلّمات تاريخية اعتمدت الامامية عليها في بيان مظلومية أئمتهم وسلّمت الطوائف الإسلامية، على اختلاف مذاهبها ومشاربها إلى حقيقة مجريات واقعة الاسقاط، ونافحت الفرقة الامامية عن مجريات الاحداث هذه وأكدت بأن القرارات المرتجلة التي ادت الى استبعاد القيادة الشرعية لآل البيت (عليهم السلام)، هي نفس القرارات التي أحدثت مأساة الزهراء (عليها السلام)، والتشكيلات التي هجمت على دار فاطمة دون
هكذا نجح الشاعر في كشف هذه السلسلة المعقدة من المؤمرات واستطاع أن يستجلي تاريخ الأمة المعذبة في مقطوعة أدبية واحدة.
ترّجمه صاحب شعراء الغري بقوله:
هو الامام الشيخ محمد حسين بن الشيخ علي ـ صاحب الحصون ـ ابن الشيخ محمد رضا بن الشيخ موسى بن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء أشهر مشاهير زعماء الدين في العالمين الشرقي والغربي.
ولد في النجف عام 1294 هـ ونشأ بها على أبيه فقرأ مقدمات العلوم.. وتوسع في طلب العلوم فقرأ كثيراً من العلوم التي ابتعد عن قرائتها كثير من أبناء العرب كالهيئة والفلك والحساب والحكمة والكلام، وتوغل في دراسة الفقه والاصول على اساتذة عصرهم كالامام اليزدي والخراساني والفقيه ملا رضا الهمداني صاحب المصابيح والسيد محمد الاصفهاني والشيخ ميرزا محمد تقي الشيرازي وفي العلوم الاخرى على الميرزا محمد باقر الاصطهباناتي والشيخ أحمد الشيرازي والشيخ محمد رضا نجف آبادي وغيرهم من مشاهير العلماء المتخصصين.
وأخذ عنه العلم المئات من الشخصيات العلمية، وتخرج على حلقته التي
وللمترجم له اثار علمية انتشرت في اكثر بقاع الارض وهي كثيره واليك قسم المطبوع منها، في الحكمة والكلام والاخلاق:
1 ـ الدين والاسلام جزءان، 2 ـ المراجعات الريحانية جزءان، 3 ـ أصل الشيعة وأصولها، 4 ـ الآيات البينات، 5 ـ التوضيح في بيان ما هو المسيح جزءان، 6 ـ الميثاق العربي الوطني، 7 ـ الفردوس الاعلى، 8 ـ المثل العليا في الإسلام لا في يحمدون، 9 ـ المحاورة بين سفيري بريطانيا وأمريكا، 10 ـ نبذة من السياسة الحسينية، 11 ـ الارض والتربة الحسينية، 12 ـ الخطب الاربع، 13 ـ الخطبة التاريخية، 41 ـ خطبة الاتحاد والاقتصاد، 15 ـ خطبة في الباكستان.
أما في الفقه:
1 ـ حاشية على تبصرة العلامة الحلي، 2 ـ سؤال وجواب، 3 ـ وجيزة الاحكام، 4 ـ حاشية على سفينة النجاة لأخيه الشيخ أحمد، 5 ـ حاشية على عين الحياة، 6 ـ زاد المتقين، 7 ـ مناسك الحج، 8 ـ حاشية على العروة الوثقى، 9 ـ تحرير المجلة، 10 ـ حاشية على مجمع الرسائل.
في الأدب:
1 ـ تعليقات على سحر بابل ديوان السيد جعفر الحلي، 2 ـ مختارات من شعراء الاغاني فضلا عن آثاره المخطوطة في الفقه والاصول.
والامام كاشف الغطاء من أولئك العلماء القلائل الذي تفوقوا في الادب
[108] له في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) ثم يخلص الى رثاء السيدة الزهراء (عليها السلام)واسقاط المحسن، واليك مقطوعته:
في القلب حرُّ جوى ذاك توهُّجه | الدمع يطفيه والذكرى تؤجِّجه |
أفدي الأُولى للعلى اسرى بهم ظعن | وراء حاد من الاقدار يزعجه |
ركب على جنَّة المأوى معرِّسه | لكن على محن البلوى معرِّجه |
مثل الحسين تضيق الارض فيه فلا | يدري الى أين مأواه ومولجه |
ويطلب الامن بالبطحا وخوف بني | سفيان يقلقه عنها ويخرجه |
وهو الذي شرف البيت الحرام به | ولاح بعد العمى للناس منهجه |
____________
1- شعراء الغري 8: 99.
يا حائراً لا وحاشا نور عزمته | بمن سواك الهدى قد شعَّ مسرجه |
وواسع الحلم والدنيا تضيق به | سواك ان ضاق خطب من يفرِّجه |
ويا مليكاً رعاياه عليه طغت | وبالخلافة باريه متوِّجه |
يا عارياً قد كساه النور ثوب سناً | زها بصبغ الدَّم القاني مدبِّجه |
ياريَّ كلِّ ظما واليوم قلبك من | حرِّ الظَّما لو يمسُّ الصخر ينضجه |
يا ميتاً بات والذاري يكفِّنه | والارض بالتُّرب كافوراً تؤرِّجه |
ويا مسيح هدى للرأس منه على | الرماح معراج قدس راح يعرجه |
ويا كليماً هوى فوق الثرى صعقاً | لكن محيَّاه فوق الرمح أبلجه |
ويا مغيث الهدى كم تستغيث ولا | مغيث نحوك يلويه تحرّجه |
فأين جَدُّك والانصار عنك ألا | هبَّت له أَوسه منهم وخزرجه؟ |
وأين فرسان عدنان وكلُّ فتىً | شاكي السلاح لديالهيجا مدجَّجه |
واين عنك ابوك المرتضى أفلا | يهيجه لك إذ تدعو مهيِّجه؟ |
يروك بالطَّف فرداً بين جمع عِدى | البغي يلجمه والغىُّ يسرجه |
تخوض فوق سفين الخيل بر دم | بالبيض والسُّمر زخَّار مموِّجه |
حاشا لوجهك يا نور النبوَّة أن | يمسي على الارض مغبَّراً مبلِّجه |
وللجبين بأنوار الامامة قد | زها وصخر بني صخر يشجِّجه |
اعيذ جسمك يا روح النبيِّ بأن | يبقى ثلاثاً على البوغا مضرّجه |
عار يحوك له الذكر الجميل ردى | أيدي صنائعه بالفخر تنسجه |
والرأس بالرمح مرفوع مبلِّجه | والثغر بالعود مقروع مفلِّجه |
حديث رزء قديم الاصل اخرج إذ | عن الأُولى صحَّ اسناداً مخرِّجه |
تالله ما كربلا لولا (سقيفتهم) | ومثل ذا الفرع ذاك الاصل ينتجه |
وفي الطّفوف سقوط السبط منجدلا | من سقط (محسن) خلف الباب منهجه |
وبالخيام ضرام النار من حطب | بباب دار ابنة الهادي تأجِّجه |
لكنْ أُميَّة جاءتكم بأخبث ما | كانت على ذلك المنوال تنسجه |
سرت بنسوتكم للشَّام في ظعن | قبابه الكور والاقتاب هودجه |
من كلِّ والهة حسرى يعنَّفها | على عجاف المطى بالسَّير مدلجه |
كم دملج صاغه ضرب السِّياط على | زند بأيدي الجُّفاة ابتزَّ دملجه |
ولا كفيل لها غير العليل سرت | ترثي له ألم البلوى وتنشجه |
تشكو عداها وتنعى قومها فلها | حال من الشَّجو لفَّ الصبر مدرجه |
فنعيها بشجى الشَّكوى تؤلِّفه | ودمعها بدم الاحشاء تمزجه |
ويدخل الشَّجو في الصخر الاصمِّ لها | تزفُّر من شظايا القلب تخرجه |
فيا لا رزائكم سدَّت على جزعي | باباً من الصبر لا ينفكُّ مرتجه |
يفرُّ قلبي من حرِّ الغليل الى | طول العويل ولكنْ ليس يثلجه |
أودُّ ان لا ازال الدهر أُنشئها | مراثياً لو تمسُّ الطَّود تزعجه |
ومقولي طلقٌ في القول اعهده | لكنْ عظيم رزاياكم يلجلجه |
ولا يزال على طول الزمان لكم | في القلب حرُّ جوى ذاك توهُّجه |
العلامة
الشيخ حسن الحلي
حرصت الحلة الأدبية أن تُبقي على علاقاتها الفكرية مع حاضرة النجف العلمية، وقد تمثّلت هذه الظاهرة بهجرة أبناءها الحليين إلى الحوزة النجفية يوم كانت ملتقى ثقافات ذلك العصر.
فالأديب الحلي لا يقنع باطروحته الأدبية مالم يضم اليها جهده العلمي التحقيقي الذي استقاه من حاضرة النجف العلمية، ولعل المزاوجة بين المشروع الأدبي الحلي وبين الاطروحة العلمية التحقيقية كانت من صفات
ولعل الشيخ حسن الحلي الأنموذج الأمثل لهذه النزعة التحقيقية، فهجرته مع والده إلى النجف عبّأت طاقاته الأدبية إلى جهد علمي زاخر بالعطاء، وطغي هذا التوجه التحقيقي على مشاريعه الأدبية، لذا فقد جاءت قصائده الفاطمية خلاصة لقراءة تاريخية ناضجة، ومتابعات علمية رشيدة.
[109] فمن قصائده الفاطمية قوله:
سل اربعاً فطمت اكنافها السحب | عن ساكنيها متى عن افقها غربوا |
سرعان ما صاح طير البين بينهم | فاصبحوا فرقاً عن عقرها عزبوا |
سرت تجوب الفيافي فيهم النجب | ولي فؤاد قفا آثارهم يجب |
اتبعتهم ناظراً خيل الدموع به | تسابقت فهو دامي الغرب مختضب |
أضحت منازلهم للوحش معتكفاً | فيهن طير الفنا ينعى وينتحب |
لم يبق منها سوى رسم وذي شعث | رأى اشج علت من فوقه الكثب |
وذي انحناء كجسم الصب تحسبه | نوناً بها عجم شين الخط قد كتبوا |
أوهت قواعدها كف الضنا فعفت | آثارها ومحت سيماءه النوب |
وقفت فيها ودمع العين منسكب | كالغيث والنار في الاحشاء تلتهب |
وبي لواعج وجد لو رميت بها | صدر الفضاضاق وهو الواسع الرحب |
حيران اقبض في رعش البنان حشاً | حرى اناخت بها الاحزان والكرب |
وقائل لي رفه عن حشاك ولي | وجد اذا ما نزا بالقلب يضطرب |
فقلت لم يشجني نأي الخليط ولا | ربع محت رسمه الاعوام والحقب |
لكن اذاب فؤادي حادث جلل | تنمى اليه الرزايا حين تنتسب |
يوم قضى المصطفى في صبحه وعلى | الأعقاب من بعده اصحابه انقلبوا |
قادوا اخاه ورضوا ضلع بضعته | بجورهم ولها البغضاء قد نصبوا |
لم انسها وهي تنعاه وتندبه | وقلبها بيد الأرزاء منتهب |
تقول يا والدي ضاق الفضاء بنا | لما مضيت وحالت دونك الترب |
(قد كان بعدك انباء وهنبثة | لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب) |
(انا فقدناك فقد الارض وابلها | واختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا) |
نفوا اخاك علياً عن خلافته | وشيخ تيم عناداً منهم نصبوا |
كقوم موسى اطاعوا العجل واعتزلوا | هارون والسامري الرجس قد صحبوا |
ويل لهم نبذوا القرآن خلفهم | ومزقوه عناداً بئس ما ارتكبوا |
ما راقبوا غضب الجبار حين إلى | المختار أحمد قول (الهجر) قد نسبوا |
ألغوا وصاياه في اهليه وانتهبوا | ميراثه والى حرمانهم وثبوا |
جاروا على ابنته من بعده فغدت | عبرى النواظر حزناً دمعها سرب |
وجرعوها خطوباً لو وقعن على | صم الجبال لاضحت وهي تضطرب |
ابضعة الطهر طه نصب اعينهم | بالباب يعصرها الطاغي وما غصبوا |
رضوا اضالعها اجروا مدامعها | أدموا نواظرها ميراثها غضبوا |
لبيتها وهي حسرى في معاصمها | عدوا فلاذت وراء الباب تحتجب |
فألموا عضديها في سياطهم | واسقطوا حملها والمرتضى سحبوا |
قادوه بالحبل قهراً وهي خلفهم | تدعو وادمعها كالغيث ينسكب |
ياقوم خلوا ابن عمي قبل ان تقع | الخضراء فوق الثرى والكون ينقلب |
فقنعوها بقرع الأصبحية لا | عداهموا سخط الجبار والغضب |
ووشحوا متنها بالسوط فانكفأت | لدارها وحشاها ملؤه عطب |
حرى الفؤاد يروي الارض مدمعها | فكلما سال هذا ذاك يلتهب |
قد حارب النوم عينيها وانحلها | فرط البكاء واضنى جسمها التعب |
ما بارحت قلبها الاحزان ذات حشاً | حرى إلى ان اهيلت فوقها الترب |
قضت وفي جنبها اثر السياط وفي | فؤادها للرزايا جحفل لجب |
ما شيعوا نعشها السامي علا ولقد | تزاحمت خلفها الاملاك تنتحب |
سلوا ضبا الظلم من اغمادها فغدا | في حدها سبط طه الطهر يعتصب |
ثا وبحر هجير الشمس منجدلا | تظلهالسمر والهندية القضب |
جالت عليه العوادي بعد ما نهبت | اشلاءه البيض والعسالة السلب |
يا ثاوياً بمحاني الطف قد سلبوا | ثيابه وكست جثمانه الكثب |
"تالله ما سيف شمر نال منك ولا | يدا سنان وان جل الذي ارتكبوا" |
"لولا الأولى اغضبوا رب العلى وابوا | نص الولاء وحق المرتضى غصبوا" |
"كف بها امك الزهراء قد ضربوا | هي التي اختك الحورا بها سلبوا" |
فدونكم يا بني الزهراء مرثية | ان تتل شجواً فقلب الصخر ينشعب |
ارجو خلاصي بها في يوم لا سبب | يغني سواكم ولا مال ولا حسب |
لا رعى الله "قيلة"وعراها | سخط موسى وحل منها عراها |
اغضبت أحمداً بعزل امام | فيه كم آية جهاراً تلاها |
واجهته بما لهارون قد ما | واجهت قومه ضلالا سفاها |
أخّرته وأمّرت شيخ "تيم" | سر كفرانها وقطب شقاها |
حالفته على الضلال وحادت | عن اخي المصطفى منار هداها |
احدثت الورى احاديث كذب | لا نبي ولا وصي رواها |
اسخطت ربها فلا رضي الرحمن | عنها وخالفت نص طاها |
فلكم قال وارثي ووصيي | (حيدر) وهو للورى مولاها |
هو مني كمثل هارون وهو | الفلك للعالمين فيه نجاها |
فاحفضوا لي وصيتي بابن عمي | انه للعلوم شمس سماها |
ايها القوم ان بعدي كتاب الله | فيكم وعترتي لن تضاهى |
ان من صد عنهما كبرياء | فله النار في غد يصلاها |
فغدا منهم يقاسي كتاب الله | هجراً والآل فرط جفاها |
حاربوا (فاطماً) وقد فرض الله | على الخلق حبها وولاها |
لقيت منهم خطوباً عظاما | لا يطيق الطود الأشم لقاها |
كسر ضلع وغصب ارث ولطما | واهتظاماً منه استطال عناها |
اخرجوها من المدينة قهراً | مذ أطالت لفقد (طه) نعاها |
وعلى هظمها تواطأت الأنصار | سراً واظهرت بفضاها |
عزلت بعلها عن الحل والعقد | عناداً وامرت ادعياها |
غصباها تراثها ولظى الو | جد وفرط السقام قد اورثاها |
دفعاها عنه عناداً وظلما | مزقا (صكها) وما راعياها |
وادعت نحلة لها من ابيها | سيد الانبياء فلم ينحلاها |
فانثنت والفضاء ضاق عليها | وشواظ الزفير حشو حشاها |
واتت دارها تجر رداها | والجوى كاد ان يريها رداها |
فاتوا نحو دارها واداروا الجز | ل كي يحرقوا عليها خباها |
عصروها بالباب قسراً إلى أن | كسروا ضلعها وهدوا قواها |
ألجأوها إلى الجدار فالقت | (محسناً) وهي تندب الطهر طاها |
دخلوا الدار وهي حسرى فقادوا | بنجاد الحسام "حامي حماها" |
برزت خلفهم تقوم وتكبوا | وحشاها ذابت بنار شجاها |
وعلى رأسها قميص أبيها | وعلى متنها استوى فرخاها |
وهي تعدو خلف الوصي وتدعو | بانكسار فلم يجيبوا نداها |
أيها القوم اطلقوا صفوة الله | امام الانام عقد ولاها |
أو لأدعو الله العظيم بشجو | فتخر الخضراعلى غبراها |