[124] وله أيضاً في الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف ثم يخلص إلى مصائب جدته الزهراء واسقاط المحسن
ألا نداء ببشرى تشملُ البشرا | بأن في البيت نورَ الله قد ظهرا |
وأنها دارتِ الايام ذروتها | وربَّ شيء قديم عاد مبتكرا |
بيتٌ به قد بدا الإسلام مكتملا | بالمصطفى فتولى الشرك معتكرا |
وهكذا البدر يبدو النقص فيه إلى | أن يستسر فيأتي بعدها قمرا |
كأنني بولي الأمر طاف به | في البيت جندُ السما والأنبيا زمرا |
عليه من هيبة الجبار أوسمة | كثر بأنَّ به سلطانه انحصرا |
والارض تهتز بشراً والسما طرباً | بعد له حيث زال الظلم واندحرا |
وجيشه الباسل المنصور رايته | بكف عيسى يقود الياس والخضرا |
والرعب يسبقه شهرا ومن سبقت | طلائع الرعب شهراً جيشه نصرا |
ميمماً حرم المختار مدكرا | ما مر فيه على أبائه وجرى. |
من غصب جدته من كسر أضلعها | من ضربها من سقوط الحمل إذ عُصرا(1) |
الى آخر القصيدة.
[125] وله في أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم يخلص إلى مصاب الزهراء (عليها السلام)
أسفرت في جمالها | واختفت في جلالها |
____________
1- المصدر السابق: 62.
ودنت غير أنها | بعدت في منالها |
وتثنت كأنها | غصنٌ باختيالها |
إلى أن يقول
حيدر خيرة الورى | في جميع خصالها |
يوم قام النبي في | منبر من رحالها |
خاطباً أيَّ خطبة | مبدعاً في ارتجالها |
قائلا ذات حيدر | قدست عن منالها |
ليس لله مسلماً | كل من لم يوالها |
وهو ميزان شرعتي | وهو عين اعتدالها |
زينته بهديها | وهو سِرُ جمالها |
ممكن حصرُ فضله | للورى من محالها |
واجب عند فرقة | أفرطت في مقالها |
ناصرٌ رايةَ الهدى | دون كل رجالها |
سائل العرب من رأت | منه ليث نزالها |
لو رمته بكل ما | أوتيت من محالها |
لم تجده مولياً | رغبةً عن قتالها |
وأعتقد في مدينة الـ | ـعلم عند سؤالها |
أيهم كان بابها | انه خيرُ آلها |
وهو قاضي حرامها | وهو مفني حلالها |
لا تلمني بمقت من | كنتُ أدري بحالها |
كيف مع فرط نوره | خبطت في ضلالها |
نازعته خلافةً | بالغت في اختزالها |
عجباً قادت الظبى | حيدراً في حبالها |
وهو لو شاء دكَ في | السهل رواسي جبالها |
أفصبراً وقد بدت | زوجهُ من حجالهـا |
بعد أرزاء حملت | أغربت باحتمالها |
دافعت عن قتالهِ | فانتهوا في قتالها(1) |
[126] وله أيضاً:
أحرف الحسن بخط حسنِ | كتبت في وجه من تيمني |
قلتُ للعاذل في حبي له | هاك فأقرأها ولا تفتنِ |
وإذا حققت أسبابَ الهوى | لا تكلفي بمالم يمكن |
هو للحسن وللحب أنا | من تراه عاف شم السوسن |
كل شيء جاء من معدنه | يجلب الفخر لذاك المعدنِ |
____________
1- نفس المصدر: 15.
وإذا أخفى محبٌ شوقه | فأتاني حبة وعلنِ |
كيف أخفيه واظهاري له | حلية الفخر لجيد الزمن |
كيف يخفى وشهود العدل قد | أفصحت عن سره لم تُلحنِ |
أبحُر الدمع ونيرانُ الجوى | وسهادي ونحول البدن |
غير أني كلما قدّمتُ من | شاهد في حبه لم يوقنِ |
كثرةُ الاشهاد لا تغني إذا | نظر الفكر بها لم يُمعنِ |
وانظر المولى علياً لم له | من شهيد ودليل بيِّنِ |
كيف قد زحزح بعدَ المصطفى | عن ذرى منصبه العالي السني |
هذه ألفا دليل جمعت | في كتاب عبرةً للمؤمن(1) |
وهي أنموذج أمر ساطع | غير أن ليس العمى للأعينِ |
انما تعمى قلوب وضعت | في صدور أو غرت بالأحسن |
ومن الاشياء ما تذكره | وعن الحجة بالذكر غني |
من ترى يصدع بالحجة أن | لا يساوي الذرُ أعلى القننِ |
إلى أن يقول بعد أن يعدد بعض فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام).
فتأمل صاحِ هذا حيدر | أم ترى الموقفَ قد ذهلني |
____________
1- المقصود به كتاب الالفين للعلامة الحلي [ره] جمع فيه ألفي دليل على امامة أمير المؤمنين (عليه السلام)[عن الديوان].
من قراه اقتحم الغاب ومن | قاد ضرغام الشرى بالرَّسن |
خلفهُ الزهراء لكن جفنها | يخجل الغيث بدمع هتنِ |
وهي تدعو القوم لا والله لن | تؤتموا اليوم شقيق الحسن |
حسبكم كسر ضلوعي غصبكم | نحلتي إسقاطكم للمحسنِ(1) |
____________
1- المصدر السابق: 20.
الشيخ محمد علي اليعقوبي
في بدايات القرن الرابع عشر الهجري شهد العراق الإسلامي حركات التحرر الجهادية التي قادها علماء النهضة لصد المحتل البريطاني وطرده من العراق، ورافقت حركات التحرر السياسية يومذاك، حركات التحرر الفكرية التي عجّلت على المحتلين من أن يغادروا العراق بهزيمة نكراء. فالحوزة العلمية النجفية عبّأت طاقاتها لتحرر أبناءها الميامين من نير الافكار الدخيلة المرافقة للاحتلال، وجندّت الأمة بالفكر المعصومي الذي يحتّم على أتباعه التحرر من التبعية الفكرية فضلا عن التبعية السياسية، لذا
كانت نهضات التحرر الفكري بقيادة الحوزة العلمية تتخذ أنماطاً عدة، وتنتظم ضمن تشكيلات مختلفة، داعية إلى رفض الهيمنة الفكرية القادمة من خارج حدود الوطن الاسلامي، وداعية للرجوع إلى فكر قادتها الافذاذ متحصنة برسالتها المقدسة. فكان مثلا تأسيس الجمعيات العلمية والأدبية ظاهرة صحوة لجيل عانى من هيمنة الفكر الغربي إبّان الاحتلال البريطاني للعراق، ومن سذاجة الافكار التي تطرحها الدولة العثمانية في فترة مظلمة تسيطر قياداتها المتخلفة على العراق الذي عرف باطروحته العلمية والأدبية المنتمية لآل البيت (عليهم السلام).
ففي سنة 1351 مثلا تشكّلت احدى جمعيات التحرر الفكري بقيادة مجددها الحجة الشيخ محمدعلي اليعقوبي والناهضة باعباء التجديد العلمي والاصلاح الأدبي، فكانت "جمعية الرابطة العلمية الأدبية" احدى ثمرات هذا الوعي الاصلاحي الذي تتزعمه النخبة المصلحة والداعية للرجوع إلى فكر واطروحة آل البيت (عليهم السلام)، ونبذ ما دون ذلك من أفكار وتخرصات تُبعد الأمة عن قيادتها المعصومية وتُحيد بفكرها إلى حيث الافكار الهجينة العابثة.
كانت اطروحات الاصلاح التي قادها الشيخ محمد علي اليعقوبي تتمثل
[127] قال العلامة اليعقوبي في مقطوعته الفاطمية.
ترك للصبا لك والصبابه | صب كفاه ما اصابه |
أنسته ايام المشيب | هوى به أفنى شبابه |
أو بعد ما ذهب الشباب | مودعاً يرجو إيابه |
وسرى به حادي الليالي | للردى يحدو ركابه |
هيهات دأبك في الهوى | لم يحك بعد اليوم دأبه |
ليس الخلي كمن غدا | رهن الجوى حلف الكئابه |
ما شاب لكن الحوادث | قد رمته بما اشابه |
اسوان مما نابه | والوجد انشب فيه نابه |
لم يدعه لبني الهدى | داعي الأسى إلا اجابه |
صب الآله على بني | صخر وحزبهم عذابه |
لا جاز بالشام النسيم | ولا همت فيه سحابه |
سنوا بها سب الوصي | لدى الفرائض والخطابه |
سدوا على الآل الفضاء | وضيقوا فيهم رحابه |
حتى قضوا والمآء حولهم | وما ذاقوا شرابه |
بالطف بين مصفد | ومجرد سلبوا ثيابه |
ضربوهم بمهند | شحذ الأولى لهم ذبابه |
ولقد يعز على رسول | الله ما جنت الصحابه |
قد مات فانقلبوا على | الاعقاب لم يخشوا عقابه |
منعوا البتولة ان تنوح | عليه أو تبكى مصابه |
نعش النبي امامهم | ووراءهم نبذوا كتابه |
لم يحفظوا للمرتضى | رحم النبوة والقرابه |
لو لم يكن خير الورى | بعد النبي لما استنابه |
قد اطفأوا نور الهدى | مذ اضرموا بالنار بابه |
اسدالآله فكيف قد | ولجت ذئاب القوم غابه |
وعدوا على بنت الهدى | ضربا بحضرته المهابه |
في أي حكم قد اباحوا | ارث فاطم واغتصابه |
بيت النبوة بيتها | شادت يد الباري قبابه |
اذن الآله برفعه | والقوم قد هتكوا حجابه |
عاشت معصبة الجبين | تئن من تلك "العصابه" |
حتى قضت وعيونها | عبرى ومهجتها مذابه |
وامض خطب في حشا الا | سلام قد اورى التهابه |
باليل وارها الوصي | وقبرها عفى ترابه |
الملا حسن بن عبدالله آل جامع
اذا كانت المدرسة الحلية الأدبية قد عرفت بحاضرة الرثاء الحسيني، فان مدرسة القطيف الأدبية قد عرفت بحاضرة الرثاء الفاطمي، ولعل ما يجمع المدرستين شدة تأثرهما بالواقعتين، فتلك حدودٌ جغرافيةٌ لواقعةِ الطفِ المفجعةِ وكأنها قد ارتوتْ بدماء شهدائها لتخلقَ لدى شعراء الحلة ثورة كربلاء.
والقطيفُ الأدبية تأثرت هي الأخرى بواقعة المأساة الفاطمية فهبت عليها رياح الذكريات المؤلمة من مدينة النبي (صلى الله عليه وآله) لتذكّر أبناءها بفاجعة ابنته
وبالفعل فقد انفتحت الدائرة الأدبية لشاعر القطيف "حسن آل جامع" على مأساة السيدة الزهراء (عليها السلام) ليؤكد شدة انتمائه لمدرسة آل البيت (عليهم السلام)، وليؤكد على أن القطيف الفاطمية، كما هي فاطمية الانتماء فانها فاطمية العطاء والثورة على امتداد التاريخ.
ولد الشاعر حسن بن عبدالله بن ابراهيم آل جامع في حي القلعة من مدينة القطيف عام 1333 هـ، وتعلم القرآن والكتابة على يد الأجل الشيخ محمد صالح البريكي، واشتغل في بداية حياته بالتجارة ثم انتقل بعدها إلى مهنة الكتابة.
زاول في فترة حياته الخطابة الحسينية، وكان ملازماً للعلماء محباً لهم
[128] له عدة قصائد في مأساة الزهراء (عليها السلام) واسقاط المحسن (عليه السلام) منها:
أعينَّي جوداً بالدموعِ الهواطلِ | لفقدِ رسول الله أفضلِ راحلِ |
نبيٌ كريمٌ شرَّف اللهُ قَدْرَه | وطهَّره من كلِّ رجس وباطلِ |
نبيٌ أتى يدعو إلى الرشْدِ والهُدى | بخُلق عظيم مالَهُ من مماثلِ |
لقد كذَّبتْه عُصْبةُ الكفرِ وابتغتْ | لأفضلِ خلقِ اللهِ شتى الغوائلِ |
فقد دحرجوا تلك الذبابَ عدواةً | على خيرِ مبعوث حوى للفضائلِ |
وذلك لما عاد من أرضِ مكة | وبَيَّنَ في الإسلامِ كلَّ المسائلِ |
وقد عَقد المختارُ في خم بيعةً | لحيدرةَ الكرارِ مُردي البواسلِ |
وقال: ألا هذا وصيّي وناصري | بمَحضرِ حشد من جميعِ القبائلِ |
بعقْدِ وِلاه أكملَ اللهُ دينكم | فكونوا له عوناً بكلِّ المعاضلِ |
فقالوا: رضينا بالذي قلتَ طاعةً | لأمرِ إمام طيِّبِ الذِّكْرِ عادلِ |
فما زال بالثِّقْلينِ يوصي مبيِّناً | لكلِّ بني الإسلامِ عال وسافلِ |
ألا فاحفظوهم لا يَضِيعونَ بينكم | فان ضُيِّعوا صرتم لأدنى المنازلِ |
فلما قضى حادوا عن الرشْدِ والهدى | ومالوا عن الحقِ المبينِ لباطلِ |
قضى فله الإسلام لازال معوِلا | ينوحُ كنوحِ الفاقداتِ الثواكلِ |
وناحَ عليه المرتضى وابنةُ الهُدى | وأولادُها أهلُ العُلا والفضائلِ |
وأعولتِ الأرضُ البسيطةُ إذ قضى | نبيُّ الهدى غوثُ الورى والأراملِ |
وقد بكَتِ السبعُ الطباقُ له دمَّاً | وأثكلَ شرعَ الله أفضلُ راحلِ |
لقد فقدَ الإسلامُ أفضلَ مرسل | وأكرمَ مبعوث أتى بالدلائلِ |
قضى وعلى الزهراءِ ظلماً تواثبواً | وقادوا عليَّ المرتضى بالحمائلِ |
لقد كسَروا أضلاعَها خلفَ بابِها | وهم أسقطوها حملَها غيرَ كاملِ |
وقد غصبوها إرثَها فانثنتْ إلى | عليِّ تنادي يا مبيدَ البواسل |
أبا حسن ترضى بهضمي وذلّتي | وارثيَ مغصوبٌ بأيدي الأراذلِ؟! |
[129] وله أيضاً
يا مُصِرّاً على الذنوبِ الكبارِ | عاصياً أمرَ ربِّه الجبَّارِ |
غارقاً طول عمرِه في هواه | غافلا عن حوادثِ الأقدارِ |
أفَهلاّ تفيقُ من سِنةِ الجهل | وتخشى عواقبَ الإصرارِ |
ما براك الالهُ للهوِ والخوضِ | وحملِ الذنوبِ والأوزارِ |
فأطعْه تفُزْ بجنةِ عدن | وتنلْ فضلَه بدارِ القرارِ |
وتمسَّكْ بحبلِ حيدر تسلم | في غد من لهيبِ حرِّ النارِ |
بطلٌ قد فدا المؤيَّدَ بالنفسِ | و واساه في الأمور الكبارِ |
ووقاه في يومِ بدر وأحْدِ | حين فرَّتْ قبائل الأنصارِ |
كم أباد الأبطالَ فيها وقاسى | غمراتِ الحروبِ والأخطارِ |
بطلٌ جَّدل ابنَ وِد وأردى | مرحباً بالمهندِ البتارِ |
صاحبُ المعجزاتِ قطبُ رحـ | ـى الدينِ مبينُ العلومِ والأسرارِ |
حاكمٌ عادلٌ حكيمٌ شجاعٌ | ماجِدٌ جامعٌ لكلِّ فخارِ |
خاشعٌ خاضعٌ امامٌ همامٌ | عابدٌ طائعٌ لأمرِ الباري |
آيةُ الله حجةُ الله بابُ اللهِ | ذو النسكِ سيدُ الأبرارِ |
بوِلاه قد أُكمل الدينُ بخمٍّ | وتمّتْ رسالةُ المختارِ |
بايعوه يومَ الغديرِ وأخفوا | في الحنايا ما بان من إنكارِ |
أظهروا بعد أحمد كلَّ حقد | أضمروه للمرتضى الكرارِ |
نكثوا البيعةَ التي هي عَقدٌ | في رقابِ الورى ليومِ القرارِ |
خلعوها وخالفوا قولَ طه | يوم خم في حيدرِ المغوارِ |
وعليه تقحموا الدارَ ظلماً | والبتولُ الزهرا بغيرِ خمارِ |
مذ رأتهم ربيبة الوحي لاذت | عنهم خيفةً ببابِ الدارِ |
عصروها وأسقطوها ورضّوا | ضلعَها بين بابِها والجِدارِ |
ومن العصرةِ التي قد عرتْها | صدرُها قد أُصيب بالمسمارِ |
لطموها والهفَ نفسي عليها | لطمةً أثَّرت بعينِ الفَخَارِ |
وبحبلِ الحسامِ قادا علياً | يا بنفسي وهو الهزبرُ الضاري |
وأتت خلفَه البتولةُ تعدو | وهي تدعو وقلبُها في انكسارِ |
عجباً بالحبالِ قادُوه قسراً | وهو حبلُ الإلهِ حامي الذِمارِ |
أيها الناكثون خلُّوا علياً | أو لأشكوَ للواحدِ القهارِ |
مذ رآها اللعينُ ردَّ إليها | عابساً مغضباً كليث ضاري |
أوجع البضعةَ البتولةَ ضرباً | وهي تبكي بدمع مدرارِ |
ثم جاؤا به لمسجدِ طه | ماله ناصرٌ من الأنصارِ |
وعليه سلُّوا السيوفَ وقالوا | قمْ وبايعْ خليفةَ المختارِ |
والى قبرِ أحمد دارَ بالطرفِ | ينادي يا صفوةَ الجبّارِ |
قائلا: يابن أمَّ بي غدر القومُ | وراموا مذلتي واحتقاري |
وأرادوا قتلي على غيرِ جُرم | كان مني على البريةِ جاري |
ثم من بعدِ ما لقى من عِداه | يا بنفسي غدا جليسَ الدارِ |
ماله ناصرٌ يرى الامرَ قد | صار بأيدي اللئامِ والأشرارِ |
لم يزل طولَ عُمْرِه في عناء | لم يجد راحةً أبو الأطهارِ |
من حروب إلى حروب إلى أن | حان منه أمرُ القضاءِ الجاري |