حين وارى في تربة الأرض شمساً | عن علاها تنحط شمس السماء |
وهو يدعو وقبر أحمد يبدو | نصب عينيه عند وقت الدعاء |
واضعاً كفه على القلب ممّا | قد عراه من محنة وابتلاء |
قائلا للنبي بعد اكتئاب | وخطاب له بأشجى نداء |
وعليك السلام عني وعنها | يا رسول الهدى وصنو الإخاء |
هذه البضعة الزكيّة باتت | منك في خير بقعة وفناء |
ولها اختار ربها بك قرباً | سرعة الالتحاق بعد التنائي |
قلّ يا سيّد النبيين صبري | حَزَناً عن سليلة الأنبياء |
وعفى عن صفية الوحي بعد الـ | ـبعد مني تجلدي وعزائي |
ولقد رُدَّت الوديعة مني | باختلاس الصديقة الزهراء |
ما أشد الغبراء في القبح عندي | بعدها منظراً مع الخضراء |
وبعين الإله يغصب جهراً | حقها بعد دفنها بالخفاء |
أحفِها السؤل واختبرها تباعاً | عن جميع الأحوال عند اللقاء |
كم غليل في صدرها مستثير | لم تطق بثّه لعظم البلاء |
واختبرها عن غصب حقي وظلمي | وانتهاكي من أُمّة العنفاء |
هذه النفثة الحزينة شكوىً | لك حتى ألقاك يوم البقاء |
وثناءي بالجسم عنها وأبقى | قلبه عندها أسىً وهو نائي |
قد روت بضعة النبي حديثاً | مُستنيراً عن خاتم الأنبياء(1) |
أن من زارها وزار أباها | في حياتيهما وبد الفناء |
بعد تسليمه عليها ثلاثاً | فاز أجراً بجنّة الأتقياء |
وتجلى لنا حديث شريف | أن من زارها بخير دعاء |
غفر الله كل ذنب عليه | وحباه بجنة السعداء |
____________
1- مفتاح الجنات. للسيد محسن الأمين 3 / 20 و 23.
الشيخ عبد الحسين الحويزي
شهدت العقود المنصرمة من القرنين الماضيين ظاهرة الهجرة من بلدان الساحل العربي إلى الحواضر العلمية من النجف وكربلاء، وكانت قبل ذلك بلاد العامليين فضلا عن بلاد فارس ينزح منها الكثيرون للانضمام إلى المدرسة النجفية قبل أن تكون كربلاء حاضرة علم وتدريس، وكانت الهجرة هذه عاملا خصباً لامكانية التزاوج بين ثقافتين بل عدة ثقافات، فالثقافة الاصلية التي ينتسب اليها طالب العلم يخضعها إلى ثقافة البلد الجديد، وثقافة الأقلية من بلدان العالم الإسلامي تلتقي مع امكانياته الثقافية لتنتج منه اطروحة منفردة تميزه عن غيره، هكذا كانت دواعي الابداع لدى
ولد الشاعر الحويزي سنة 1287 هـ، درس على شيوخ كبار، أمثال السيد ابراهيم الطباطبائي والسيد محمد حسين الكيشوان وغيرهم.
توغل في كافة ضروب الشعر، فله في المديح والرثاء والغزل والهجاء، قصائد طوال ونظم قصائد عدة وقد جمع شعره في حياته وقسّمه على شكل دواوين بلغت خمسة عشر ديواناً.
وافاه الأجل المحتوم سنة 1957م في كربلاء ونقل جثمانه الى النجف حيث دفن هناك(1).
____________
1- راجع ترجمته، شعراء كربلاء، سلمان هادي طعمه: 253 مطبعة الاداب النجف 1966.
ليت الحيالا سقى الأزهار بالظلم | صروفه غشت الزهراء بالظلم |
كم بعد فقد أبيها كابدت محناً | وقوعها يدع الاطواد كالرمم |
وصحبه غصبوها بعده فدكاً | وانكروا فيها ظلماً من الحكم |
واحرقوا باب بيت الطهر فاطمة | بنار حقد لهم مشبوبة الضرم |
فأسقط الرجس لما ظل يعصرها | منها جنيناً نمى في طاهر الرحم |
بصدرها ثبت المسمار وانكسرت | منها الاضالع فانهلت بفيض دم |
سيف القضاء علي في حمائله | قادوه قهراً بنو عبّادة الصنم |
من بيته ابن صهاك الرجس أخرجه | ملبباً برداء الفضل والكرم |
وفاطم ـ خلفه تدعو وأدمعها | تصوب عن مدمع كالغيث منسجم |
وسوط قنفذ يلوي فوق عاتقها | ضرباً فتصرخ ولهى منه بالألم |
لم أنسها يوم وافت قبر والدها | خير البرية من عرب ومن عجم |
وافت وقد غص بالانصار مسجده | والبغي قام بجمع فيه مزدحم |
فاسدلوا دونها الاستار فابتدأت | لله تبدي بافصاح من الكلم |
كأنها هي في الايات تفرغ عن | فم النبي أبيها في بيان فم |
جحدتم معشر الانصار في فدك | حقاً لنا خصه الرحمن من قدم |
كانما العهد فيكم يوم فارقنا | طيف الخيال سرى عن طيف محتلم |
بنت النبي أبيحت بين أظهركم | حقوقها وحماها غير محترم |
لم تلق في القوم الاكامنا حنقاً | والطرف منه عن الحق المبين عمي |
لم يهضموا فاطماً إلاّ وقد علموا | بان حيدر منهم غير منتقم |
ثم انثنت عنهم بالخطو عاثرة | بذيل برد بواري موضع القدم |
قالت أبا حسن ماذا القعود فقم | وحكّم السيف في الاعناق والقمم |
نقضت قادمة البازي مكتمناً | من رعيه من بعاث الطير والرخم |
وقد لويت الطلا بالذل مفترشاً | خديك ترب الثرى يا ضيغم الأجم |
ترضى بان عتاة البغي تهضمني | وأنت تعلم ليس الهضم من شيمى |
تبزني نحلتي مني يدا ابن أبي | قحافة حيث لم يبصر لدي حمي |
فقال فاطم صبراً نهنهي شجناً | وأطوي الجوانح أن تجزع على الكظم |
إن الكفيل لمأمون وحقك في | حكم الكتاب جلي غير منكتم |
وإرثك أن أضاعته العدى حنقاً | فلم يضع لك أجراً بارىء النسم(1) |
____________
1- رياض المدح والرثاء للشيخ حسين علي البلادي: 502.
محمود مهدي
ورث الأدب العاملي الملتزم، وأكمل ما قدّمته المشاريع الأدبية العاملية في دفاعها عن قضية آل البيت (عليهم السلام)، وأوصل الماضي الأدبي التحقيقي، بالحاضر الأدبي المتطلع إلى معرفة مجريات التاريخ.
في عهد نازعت مسلمات الامامية مدارس فكرية عقائدية استطاع الشاعر محمود مهدي أن يخلق من ديوانه الذي أسسه لملاحم آل البيت (عليهم السلام)قصائد تكمل الدائرة الأدبية العاملية التي إتسعت باتساع حاجاتها التقحيقية، فَرَفَد المشروع الأدبي الفاطمي بقصيدة نقل فيها مقدمات الحادثة
قدّم الشاعر في قصيدته، "جدلية التاريخ" الذي أسسته مأساة الزهراء (عليها السلام) وتابع في سير قصيدته نتائج المأساة، وامتداداتها التاريخية إلى يوم الناس هذا.
حاز الشاعر لما أجاده في الشعر الولائي لقب "دعبل الخزاعي"، وجاءت التسمية هذه، لمناسبة ما قدّمه من شاعرية ولائية خص بها جهده الأدبي، ورؤيته العقائدية.
ومقطوعته هذه ستنقل لنا احساسات الشاعر وهواجسه.
[135] قال في مقطوعته الفاطمية:
على البقيع ظلال من مآسينا | تبكي الطلول لشجواها وتبكينا |
هناك حيث تقر الطهر فاطمة | بنت النبي مقدانا وهادينا |
يا بنت خير الورى يا زوج حيدرة | يا أم شبليه يا أغلى أمانينا |
ما القول مُجد بما نلقاه من عنت | مما أصابك من بغي المضلينا |
أقصاك عن ارثك المشروع لؤمهم | واستحدثوا بعد موت المصطفى دينا |
أمْلته أهواؤهم كرهاً ومحسدةً | حتى غدا الدين بالأهواء مرهونا |
لا زال لليوم من أحقادهم نبذٌ | فيها رياح عواديهم تفادينا |
لم يكف انهم نحوا أبا حسن | عن الخلافة وابتزوا لها حينا |
لم يكف انهم على الجنين قضوا | وحطموا الضلع واستنّوا الشجى فينا |
حتى استباحوا دما السبطين وا أسفي | وأحرقوا كبد طه والموالينا |
يا بضعة المصطفى الهادي وحقكم | إنا على العهد لا زلنا مقيمينا |
يا بضعة المصطفى الهادي مصيبتكم | لا شيء عنها بذي الدنيا يعزينا |
كيف التجلد والآلام عارمة | تعوم فوق سيول من مآقينا |
تجري الهموم وتجري في ركائبها | مع الزمان وجمر الحزن يكوينا |
يا بضعة من رسول الله طاهرة | ودرة بلورت فضلا وتكيونا |
في عالم النور خط الله صورتها | وزاد في حسنها الافلاك تزيينا |
بالمجد جللها بالفخر كللها | بالذكر حللها آياً وتبيينا |
باللطف كملها، بالعطفِ حملها | للارض نزلها ذخراً لتجنينا |
نجيبة المصطفى الداعي وفلذته | لذكرك اليوم شام الحزن نادينا |
إنا نقول وصدق الفعل شاهدنا | ما كان يؤذي رسول الله يؤذينا |
حيث الولاء لكم بالشرع مفترص | كسورة الحمد في شأن المصلينا |
لن يقبل الفرض الا في تلاوتها | إذ كان فيها قبول الفرض مرهونا |
لذا رضعنا مع الالبان حبكم | منذ الولادة واسترعى حوانينا |
يسري مسار الدما في كل جارحة | فينا، فينعش احشانا ويحيينا |
ان لم تشرّف بمرآكم نواظرنا | فحسبنا ان ذكراكم تناجينا |
سنُصبر الأنفس الحرى على مضض | حتى ابو القاسم المهدي يوافينا(1) |
____________
1- نفحات عاطرة من وحي النبوة والعترة الطاهرة. الشاعر محمود مهدي. موسسة الاعلي بيروت.
الشيخ يوسف محمد عمرو الوائلي
إذا كانت الحوزة العلمية النجفية قد طمحت إلى التجديد، فان التجديد لن يتوقف عند البحوث الفقهية والمسائل الاصولية التي قدّمتها العقلية الحوزوية ذات الابداعات العلمية، بل تعدّى إلى المسلك الأدبي الذي كان يتخذه الحوزوي والذي عُدّ وقتئذ مكمّلا للشخصية العلمية الحوزوية التي سعى الحوزوي من خلالها إلى اقحام الواقع العلمي الذي قدّم طروحاته على أساس جدلية صياغة المعرفة خارج الرؤية الإسلامية أو تلك التي سعت إلى أسلمة الفكر العلمي إلاّ أنه خارج الرؤية الإمامية، فتصدت الحوزة العلمية عندها إلى توجيه هذه الرؤى الفكرية وبرمجتها لصالح المذهب الإمامي وقدّمت خطابها المعرفي على أساس ما قدّمته الرواية
استطاعت الحوزة العلمية أن تسجّل حضورها في المجالات العلمية التجديدية، وكانت الحركة الأدبية في بداية النصف الثاني من هذا القرن قد فتحت أفاق الشعراء المحدثين على محاولات بدر شاكر السياب ونازك الملائكة من الشعر الحر الذي تحررت فيه القافية محاكاةً لشعراء أهل الغرب وأدبائهم، فقد انفتحت القصيدة العربية على باب واسع من التجديد الفني والابداع التصويري، وراحت مدرسة الشعر الحر تستقطب الكثير من منتديات الشعر ومحافل الأدب حتى خضعت الكثير من المدارس الأدبية إلى هذه الحركة التجديدية، ولابد من أن تقتحم القصيدة الإمامية هذا المجال مجاراةً لما قدمه المسلك الأدبي الجديد من طروحاته الفنية، ولغرض مواكبة المدرسة الأدبية الإمامية هذه الحركة التجديدية، شارك الأديب الشيعي في هذه المباراة التجديدية مع الاحتفاظ على القصيدة التقليدية، وكان للحوزة العلمية النجفية حضوراً ـ وان كان محدوداً ـ في مجال تجديد القصيدة ومحاولات الابداع الفني، ولعل الشاعر الشيخ يوسف محمد عمر الوائلي من نخبة الشعراء الذين تخطوا تقليدية القصيدة إلى سياقات التجديد والابداع.
كانت "تجديديات" الشيخ يوسف عمرو مشروعاً فاطمياً كاملا، وألّف ديوانه "فاطمة الزهراء وقصائد أخرى" الذي طبع في بيروت، اسهاماً مهماً في القضية الفاطمية، ومحاولة واسعة في اثبات مسألة اسقاط المحسن على المستوى الابداعي الجديد، فقصائد الديوان استقراءً لتاريخ تمكنت منه القصيدة التقليدية من محاكمته، وتقديمه إلى الامة الإسلامية تراثاً شاركت
ومن مقطوعات يوسف عمرو نختار ما أثبته في ديوانه "فاطمة الزهراء وقصائد أخرى".
له عدة قصائد:
بيتهما حزين كئيب.
لفقد خير حبيب.
والأسى يعم حياة... أهل الكساء.
ويعصر الفؤاد
ويدمي العيون
ورزية يوم الخميس
"أسهرت" الجفون
وعلا...
كل نشيج... وبكاء ونحيب
بضعة المصطفى الأمين
تبكي خير أب وحبيب
واضيعة حق خير قرين
بعد سقيفة... ورجوع كئيب
إلى الوراء
إلى الظلماء
____________
1- القصيدتان من ديوان الشاعر: فاطمة الزهراء وقصائد أخرى. ط1 1977م مطبعة الاعلمي بيروت.
إلى جاهلية جهلاء.
تساءلت الدموع
مشفقة على الجسد النحيل
وذاك الوجه المنير
يالسيدتنا من حنين وأنين
أقلق المدنية.. وكل رزين
وأدمى قلب علي الفتى الأمين
أين صوت جبرائيل.. وكل تنزيل؟
أين حق صاحب يوم الغدير
أين بخ بخ لك يا علي
أنت مولانا ومولى كل تقي
أين كل تنزيل وتأويل
بآل البشير النذير؟
2 ـ قريش تعزي آل محمد (صلى الله عليه وآله)
وأتى وفد السقيفة... حاملا النار
أخرج الينا يا علي وبايع
كفانا في بدر وأحد
كل نزال ودمار
لخيرتنا من صناديد وأبطال
أخرج الينا... يا علي وبايع
وإلا دونك النار
دونك النار.
ووقفت الزهراء وراءالباب الكئيب
إذهبوا عنا أيها الناس
إذهبوا عنا ان كنتم مؤمنين
شغلتنا عن أمركم أعظم رزية
وجمع كتاب رب البرية
دعونا... منشغلين
أذيتنا أذية للرسول
وخروج عن الدين
اذهبوا عنا ان كنتم مؤمنين
اذهبوا عنا إن كنتم مؤمنين
من فج غليظ دميم
معتد ثم أثيم
ضارباً بالسياط بضعة النبي الأمين
ملقياً ظهره على الباب
دافعاً لمن وراءه... بكل قوه
حتى ترك ابنة المختار
معتصرة الجسد بين باب... وجدار
ملقية لخير جنين
محطمة الأضلع... واقفة وراء الباب الحزين
وصاحت الزهراء
آه... آه... وصبراً جميل
إليّ يا فضة... اليّ
ودعيني أعض الاسنان
عن كل ألم جليل
فان أمامي درباً طويل
من الكفاح والثبات
في عرينه المنيف
بمنع أهل العزاء... والرجال
عن أي التحام.. واشتعال
:إن اسلامنا متربص به الدوائر
من كل عدو، ومرتد ثائر
فالصمت أولى من كل جواب
وحتى يرتفع آذان، وتعلو منائر
قاطع الزبير الحديث بالخروج
ألا قسماً بذات البروج
لأحصدن بسيفي رؤوساً ورؤوس
ولأخمدنَّ منكم نفوساً ونفوس
فأتى قائد قريش ناصحاً
آخذاً سيفه خادعاً
لأكيدن لك أبا عبدالله
واجعلنك خصماً معادياً
قوياً عاتياً... في وجه علي