الصفحة 653

عبد الهادي المخوضر

إذا كان العقد الرابع الميلادي قد شهد نقلةً جديدةً في بناء القصيدة الشعرية على يد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة فان العقد التسعيني من القرن الميلادي قد شهد ولادة القصيدة العربية من الشعر الحر البحراني على يد مبدعه الاستاذ عبد الهادي المخوضر.

وإذا كانت الرؤى السياسية المختلفة قد شاركت في صياغة التركيبة الفنية للشعر الحر، فان الضرورة العقائدية التي دفعت بأديب البحرين، "عبد الهادي المخوضر" إلى أن يبعث بالقصيدة العربية من الشعر الحر ليبثّها

الصفحة 654
في أرجاء المعمورة الأدبية، وإذا استطاع بدر شاكر السياب أن يؤسس مدرسته الشعرية التجديدية تعبيراً عن نزعته الفكرية، فان عبد الهادي المخوضر قد أسس مدرسته الابداعية تعبيراً عن مبتنياته العقائدية.

هكذا تميزت مدرسة المخوضر "الابداعية"، فالحس الفاطمي الذي يحمله مشروعه الأدبي، قد سجّل حضوراً مهمّاً في اثبات المأساة الفاطمية، والجهد الابداعي قد وظّفهُ "المخوضر" للتعبير عن الرؤية البحرانية التي يعيشها الشاعر فيحمل هو اجس البحرانيين إلى الأمة الإسلامية، ولعل ابداعيات المخوضر الأدبية، دعوة كريمة إلى رواد الحواضر الأدبية لتكريس الجهود الابداعية من أجل اثبات قضية أهملتها المشاريع السياسية، وأماتتها المحاولات التنظيرية المبطّنة.

أعاد المخوضر أمجاد الولاء البحريني، كما أعاد إلى الأذهان إنبعاث القصيدة الملتزمة، ولعل المشاريع التجديدية التي شهدتها القصيدة الأدبية كانت على حساب المسلّمات والثوابت، لكن "محاولات المخوضر" الأدبية كانت تجديداً لصياغة هذه المسلمات والثوابت، أي أن "مدرسة المخوضر" التجديدية كانت انبعاثاً فنياً طموحاً، تلتقي مع مدرسته التقليدية الناضجة، فتعبّر عن توجهات الشاعر الملتزمة.

استطاع "المخوضر" أن يشارك في المشروع الفاطمي بصياغته الجديدة، ووفّق في الوقت نفسه أن يحافظ على ثوابت هذا المشروع فيبعثهُ إطلالةَ تاريخ على أمة مظلومة.

في ديوانه الموسوم "عليك تبكي السماء" قدّم محاولاته الناجحة، وعبّر

الصفحة 655
عن صياغة مشروعه الأدبي الذي يلتزم مشروعاً تاريخياً ـ عقائدياً، وأسس مدرسته التجديدية، كمحاولة أضافها إلى مشاريع الولاء البحريني.

* * *

[141] واليك باقةً من مقطوعاته:

في ظلمة الليل

في ظلمة الليل

والحزن مدرن

يخِّبىء الاجساد

قد حملوا الجسم على الاعواد

شهيدةٌ خبّأها الثوار

في ظلمة الليل

والحزن في أفئدة ثكلى...

ـ أين يخبئونها وها هموا عادوا

سيفتحون قبرها

ويجمعون الحطب والنار


الصفحة 656
وما استطاعوا يحرقون الدار

سيحر قون الجسد المذبوح

ويحرقون ضلعها المكسور

ويشعلون النار

فضَّجت الثورة في الاعماق

شقوا لها القبر وخطوا بدموع الحزن.. "أين الثار"؟!!!

فانتفض التراب مثل النور

وضج "أين الثار"؟!!

فعانق الحسين من ترابها الثورة والاصرار

بالودج المنحور..!!

فداؤكِ يا أم أوداجي

فداءُ هذا الضلع نحري

صدري المرضوض

وطفلك بطفلي المذبوح

ـ على ذراعي ـ لن يجفَّ دمُه الفّوار

وحرق دارك بحرق خيمي.."

وصاح "يا أماه لا


الصفحة 657

لا لن يضيع الثار
لا لن يضيع الثار

وعا نقوا القبر وعادوا والخطى جرحٌ

تذكّروا أن لهم أمّاً

ثائرة... دماؤها على بقايا عتبات الدار!!

* * *

[142] الزهراء على تراب الطف.. واولداه!!

تمشي وفي أضلاعها هزةٌورعشة تسليها عارمه
إذ وقفت وعينها أدمعٌوصرخةٌ.. وعبرة هائمه
تخمش وجه الحب في حسرةورأسها ـ لو ترها ـ لاطمه
وقد رمتْ في الطف أوجاعهامن؟ قيل هذي أمهُ فاطمه
تحنو على أوصاله تارةًوروحها في حسرة آلمه
"حسين.. أين الرأس هذا دمٌمنبعثٌ في ثورة عارمه
أبحث عن رأسك في أمةعليك لم تبرح هنا ناقمه"

* * *

"واولداه ان قلبي دمُعليك.. فالجرح به مؤلمُ
أراك والسيوف في غدرهايا جسدٌ تنهشهُ الاسهم


الصفحة 658
سهم على قلبك في خاطريثلَّث قلبي... فاستفاق الدم
يا ولدي جسماً قتيلا ولميبرح وما غسله مسلمُ
بل جالت الخيل على صدرهكسّرت الاضلع والاعظم
يا ولدي أجب فؤاد الاسىأليس في قلب الاسى مأتم؟!!
من الذي جدّل أوصالهمن حفر الصدر ومن كسرا؟
واحتضنت فاطمُ في لهفةريحانة القلب.. فما ذا أرى
أرى السماء عانقت حزنهاواهتزت الارض وذاب الثرى
واولداه إن جرحي هنامجدّل الاوصال فوق العرا
واولداه... وانثنت فاطمٌفي ألم تقبّل المنحرا
لكم فقدتٌ والفؤاد انبرىلكن كيوم الطف ما أثّرا
يا للأسى والنحر في فيضهيبقى ويبقى في دم أدهرا

* * *

يا ولدي حسين ريحانتيأصبغ شعرى بدمِ المنحر
أطلبُ ثأراً في لوعةمن ألم الايام والاعصر
زهراء هذا ابنك ما زال لميبرح دماً والثأرُ لم يثأرِ
الجرح ما زال فأين الذينيُشفيه... يا فاطم هيا اثأري
خذي سيوفاً من دم هادرمن عرصة الطف ومنها اعبري


الصفحة 659
زهراء أن صبرت علىأضلاعك فالآن لا تصبري
أتبعثين الارض ثوريةًأم تطلبين الثأر في المحشرِ
قالت: أنا الزهراء ثأرُ وذاثأر جديد الجرح لا يندمل
ان كان صبري يوم إن كُسِّرتأضلاع صدري والاسى ينهمل
أو انْ صبرت إن هوى (محسنُ)فكيف صبري والحسين قتل؟!!
والخيل فوق الصدر رداحةٌتكسِّر الاضلاع.. لا أحتمل
سأحمل اليوم سيوف الفداقِدماً، وللجليل فلأبتهل
يا رب أين ثأره أينه؟!(ذا حسين في العرا منجدل)
أثور للحسين أفدي دميومن دماه بدمي المتصل
يا دهرُ كم فيك أساً مالهبعد مآسي الطف من موئلِ
فيه رسول الله مصروع والـزهراء يا مظلومة الأول
هذا عليُ المرتضى في دميا نائحات الدهر فابكي علي
والحسن المسموم في كربلاءمجدّل في دمه المرسلِ
ان قيل: السبط قتيلٌ بهافمصرع الاطهار قد قيل لي
للطف ثأرُ فاطلبي ثأرهوعن حسين امتي فاسألي
تريه ما زال وفوق الثرىوالشمر ما زال فيها اقتلي


الصفحة 660
[143]

الكفان القطيعتان

يشع يوم الحشر يفتنُ لوجه نيِّرِ

واقفةٌ فاطمةٌ نوراء مثل القمرِ

أطل منها الحزن والاسى بأشجى الصور

فاطمةٌ داميةُ العينين يوم المحشر

واقفة على ذيول جنة المقتدر

ـ فاطمة مالِوقوفك؟! ادخليها وابشري

زهراء.. هذه الجنان فانعميها واصبري أدارتِ القلب وأبدتْ مِن شجونِ الذكر

ما أشعل الفؤاد هذا حزنها في الأثر

"... ظلامتي رباه قد أشجت عيون القدر

يا عدلُ.. يا حكيم.. شعَّ العدلُ بين البشرِ

تنعَّم الخلق وحزني فاللظى المستعرِ.."

فيسكنُ الخاطر جبرئيلُ: زهراء... اثأري

واعرضي ظلامةَ الايام كالمعتصر

زهراء أين يبدأ الثأرُ بأشجى الفِكر؟!!

.. بالحسن المسموم.. من فؤاده المنفطرِ


الصفحة 661
أم بالحسين يا صبابة القميص الأحمر!!

تقول: لا.. يقول: أم بضلعك المنكسرِ

تصيح: لا يقول: أم بالمحسن المعفَّرِ

لا فأجال الطرفَ.. يالدهشة التحيرِ

.. فأوفدت أحزانها في لوعة التصبرِ

وأخرجت كفي أبي الفضلِ شهيد الغير

... ما ذنب هاتين سلاح ثائر منتصرِ

وكانتا سيفاً تقارعانِ.. عبر السّيرِ

وكانتا تقارعان سلطة التجبّرِ

مقطوعتان.. لم تزالا في شجون الاعصرِ

وكانتا حمى الحسين السبط خير البشر

أحزان عاشوراء ثأر الله يوم المحشر

وكربلاء شمعةُ منها انصباب العِبَرِ

[144]

الثأر يا زهراء...

الثأر يا زهراء..

.. الثأر.. يا زهراء

هذا دمُ الحسينْ


الصفحة 662
ومهجة الحسنْ:

تصيحُ: أين الثار

قلبٌ على السموم

نحرٌ على الدماء

يستنهض الاحرار

الثأر للحسنْ

الثأر للحسينْ

(بتول) أين الثأر

سبطان يقتلان

فأين الحسنان

شرارة الثوار

قفي على البقيعْ

ولتذرفي الدموعْ

واستنهضي الاثار

ولفِلفي... زهراء

فؤاده الجريحْ

يا بضعة المختارْ


الصفحة 663
وانسي دمْ الضلوعْ

وطعنة المسمارْ

وعصرةُ الجدارْ

وامضي لكربلاءْ

وصّبغي اليدين

من منحر فوارْ

مقطّعْ الاوصال

هذا دم الحسينْ.. ورأسه يدارْ

وعرِّجى البقيعْ

وصبّغي الحسنْ من منحر الحسينْ

وصيحي أين الثارْ


الصفحة 664
[145] أدرت النظر

أدرت النظروصغتُ الفِكر
وهمت على..سايحات الذكر
وعادت لناذكريات السنين
فسرحتْ مِنذكرياتي العبر
وطفتُ وإذ أنابين الشهورْوإذ هلَّ شهرُ المآسي (صفر)
فأوقدتُ حزني على الطيبينعلى الطاهرين هداة البشر
ففي سبعة منه سبط الرسولمصابٌ عليه وحزنٌ أمر
تجرعَ من غصص العادياتْوروحي فداهُ من السم خر
وفيه الرضا الاريحي المهابْغريباً قضى مثل بدر أغر
على فقده زفرةٌ وشجونأيا سيداً مثل بدر عبر
عليه فؤادي يصبُ الأسىعلى ثائر من هداةِ مُضر
وفيه تزور السبايا الحسينوقد أتعبنها طويل السفر
وقد تتلوى عليها السياطتذوق الاسى والعذاب الأمر
وزينب فيه تحب اللقاءوتجرع من كل حزن أمر
وعادت وقد لوّحت بالرؤوسرماحُ الاعادي تهيج الذكر
ألمّتْ بهن خطوب الزمانفعدن أسارى بثوبِ الكدر


الصفحة 665
(أعد ذكرهم) فالفؤاد علىمصاب الاحباء آه انفطر
وقبل مضيٍّ لأيامهمصيبة فقد رسول البشر
وفاطمة ودموع الفؤادترشّحُ منها دموع الفِكر
"أبي من لنا يرفع العادياتفهذا فؤادي عليك اعتصر"
وتعدو الليالي على فاطمويُكسر ضلع ويحُمى ظهر
ومسمار باب عرى صدرهاوخدرٌ وعز مضى وانحسر
على قلبنا كل حزن جديدإذا ما مضى الدهر عادتْ ذِكر
أراك على القلب مثل السيوفوآه عليك (مآسي صفر)(1)

____________

1- عليك تبكي السماء. ديوان عبد الهادي المخوضر. دار الهادي بيروت طبعة اولى 1992 م.


الصفحة 666

الصفحة 667

الشيخ جعفر الهلالي

أطل على ثقافة الساحل الخليجية، بحكم ولادته في الحاضرة الأدبية البصرية، فجمع بين عراقية العطاء البصري وبين ساحلية الأدب الخليجي، ونقل تجربته الادبية هذه إلى النجف العلمية حيث الحوزة تبسط ذراعيها على حواضر الأدب الإسلامية، لتوجّه الأدب المجّرد إلى أدب ملتزم مسؤول.

قدّم عطاءات أدبية كانت معظمها تحقيقية، وأكد في محاولاته محاكمة التاريخ باسلوب أدبي رائع، واختزل في ملحمته العلوية قراءة التاريخ المضنية

الصفحة 668
فقدّمها ضمن مقطوعاته الشعرية التي جاءت وحدة تاريخية شعرية متكاملة.

في هذه الملحمة العلوية كانت مأساة الزهراء (عليها السلام) واسقاط المحسن الدليل القاطع لمجريات الحدث العلوي، وكانت المأساة الفاطمية تقريراً مُسبقاً لأحداث علوية قادمة، ومقدمة لملاحم دامية سوف تُحدثها مأساة فاطمة (عليها السلام).

أما ما عزز روعة ملحمته سابقته العلمية التحقيقية. واطلالة على بعض حياته توقفنا على ذلك:

"هو الشيخ جعفر بن الشيخ عبد الحميد بن ابراهيم بن حسين بن علي الهلالي البصري النجفي.

ولد في البصرة عام 1927 م ونشأ منها على والده ودرس في المدارس الرسمية وتعلم الخطابة الحسينية وواصل دراسته العلمية في النجف الاشرف فأخذ الفقه والأصول والمنطق والعلوم العربية على يد مجموعة من الاساتذة منهمالسيد أحمد النحوي الاحسائي والشيخ حسين الفرطوسي والسيد جواد العاملي والشيخ علي البصري والسيد حسين بحر العلوم والشيخ علي بن يحيى القطيفي والسيد محمد تقي الحكيم، ولما أسست كلية الفقه في النجف كان أحد طلابها لأربع سنوات وتخرج منها سنة 63 ـ 1964 حاصلا على شهادة البكا لوريوس في العلوم العربية والاسلامية..

بدأ ينظم الشعر مبكراً وله نماذج شعرية منها:

ذكراك با بطل الخلود بمسمعيخطرت فكانت في القصيدة مطلعي


الصفحة 669
وتفجرت بفمي فرحت أبثهامدحاً تفوح بنشرك المتضوع
ماذا يقول أخو القريض وأنت منقدراً سموت على السماء الارفع

إلى آخر القصيدة

ومما قاله في الحسين (عليه السلام):

قف بالطفوف وحي السبط مكتئباًوحيى فيه العلى والمجد والحسبا
وحي فيه بدنيا الحقِّ رمز هدىما زال يكشف عنا الزيف والرِّيبا

إلى آخر القصيدة.

من مؤلفاته:

1 ـ معجم شعراء الحسين (عليه السلام)، عمل موسوعي ضخم يضم تراجم مئات من الشعراء العرب من مختلف الاقطار العربية ممن نظموا الشعر في الامام الحسين (عليه السلام).. لا يزال قيد التبويب والتنظيم.

2 ـ الفيلسوف محمد باقر الداماد (دراسة)

3 ـ بحث في منهج ديكارت.

4 ـ الأذواء والذوات.

5 ـ مع المؤرخين، تناول فيه الشبهات التي أوردها بعض المؤرخين على الامامية.

6 ـ مستدرك على كتاب الكنى والالقاب.


الصفحة 670
7 ـ تراجم النساء ترجم فيه لنخبة من فضليات النساء.

8 ـ المجالس الحسينية تناول فيها تاريخ وأحوال النبي (صلى الله عليه وآله) والزهراء والائمة (عليهم السلام).

9 ـ الاوليات: اهتم فيه بتسجيل أوائل الاحداث والاخبار الحادثة للمرة الأولى على نهج ابن قتيبة والسيوطي فيما كتبوه عن الاوائل.

10 ـ ديوان الهلالي: ضم جميع شعره عامة في أهل البيت (عليهم السلام) وغيرهم.

11 ـ الملحمة الغراء في مدح سيد الاوصياء.

12 ـ الادب العربي في الاحساء: ترجم فيه لجماعة من أدباء وشعراء الاحساء.."(1)

13 ـ مقالات أدبية في جملة تراثنا الفصلية التي تصدرها مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)لاحياء التراث.

____________

1- الملحمة العلوية للشيخ جعفر الهلالي تحقيق محمد سعيد الطريحي. المقدمة.