الصفحة 402
وويل للذي أشقى سفاهاً يريد عدواتي من غير جرم "(1)
وله (عليه السلام):

" أطلب العذر من قومي وإن جهلوا فرض الكتاب ونالوا كلّ ما حرما
حبل الإمامة لي من بعد أحمدنا كالدلو علقت التكريب والوذما
لا في نبوّته كانوا ذوي ورع ولا رعوا بعده إلاًّ ولا ذمماً
لو كان لي جائزاً سرحان أمرهم خلفت قومي وكانوا أُمّة أُمما(2)
وله (عليه السلام):

" تعلّم أبا بكر ولا تك جاهلاً بأنّ عليّاً خير حاف وناعل
وأنّ رسول الله أوصى بحقّه وأكّد فيه قوله في الفضائل
ولا تبخسنه حقّه واردد الورى إليه فإنّ الله أصدق قائل "(3)

تذييلان

الأوّل: مظلومية مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) مما أعلنه الصديق والعدوّ، انظر إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام) فإنها لما حضرتها الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): " يا سيدتي! ما يبكيك؟ " قالت: " أبكي لما تلقى بعدي "..(4).

وانظر إلى سبط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام المجتبى (عليه السلام) يقول: " وأيم الله لإنّا أولى

____________

1. شرح الميبدي الشافعي على الديوان: 405 ـ 407 ; بحار الأنوار: 34/440 ; الغدير: 2/32 ـ 33.

2. بحار الأنوار: 34/442.

3. شرح الميبدي الشافعي على الديوان: 372 ; بحار الأنوار: 34/433.

4. مصباح الأنوار (مخطوط)، عنه بحار الأنوار: 43/217.


الصفحة 403
الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، غير أنّا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالله بيننا وبين من ظلمَنا حقّنا، ونزل على رقابنا، وحمل الناس على أكتافنا، ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفيء والغنائم، ومنع أُمّنا فاطمة (عليها السلام) إرثها من أبيها ".

" إنّا لا نسمّي أحداً.. ولكن أُقسم بالله قسماً تالياً، لو أنّ الناس سمعوا قول الله ورسوله لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، ولما اختلف في هذه الأُمة سيفان، ولأكلوها خضراء خضرة إلى يوم القيامة "(1).

وفي كتابه (عليه السلام) إلى معاوية ـ بعد ذكر التنازع في أمر الخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ: " فهيهات! ما أنصفتنا قريش "(2).

وفي كتاب مولانا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) إلى أشراف البصرة:

" أمّا بعد ; فإنّ الله اصطفى محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) على خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده، وبلغ ما أُرسل به (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممّن تولاّه "(3).

وفي رواية: ـ لمّا سئل زيد بن علي عن أبي بكر وعمر ـ قال:.. إنّا كنّا أحقّ بسلطان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الناس أجمعين، وإنّ القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه(4).

وروي أنه قيل: يا أباذر! إنا لنعلم أن أحبّهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحبّهم إليك، قال: أجل، قلنا: فأيّهم أحبّ إليك؟ قال: هذا الشيخ المظلوم المضطهد

____________

1. بحار الأنوار: 10/142 و 44/63 و 72/155.

2. شرح نهج البلاغة: 16/24.

3. الطبري: 5/357.

4. الطبري: 7/181.


الصفحة 404
حقه.. يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام)(1).

وقال المقداد: ما رأيت مثل ما اُوذي به أهل هذا البيت بعد نبيّهم (صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

وروى الجوهري أنّه: نادى عمّار بن ياسر ذلك اليوم ـ أي يوم بويع عثمان ـ: يا معشر قريش! إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم؟! تحوّلونه هاهنا مرّة.. وهاهنا مرّة!(3).

وروي عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه كان يقول عند قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه: " السلام عليك يا وليّ الله، أشهد أنّك أنت أوّل مظلوم، وأوّل من غصب حقّه، صبرت و احتسبت حتّى أتاك اليقين.. "(4).

بل أعدى عدوّه ـ و هو عمر ـ يعترف بذلك كما نقل من كتاب الموفقيات للزبير بن بكار الزبيري، عن رجاله، عن ابن عباس قال: إني لأُماشي عمر بن الخطّاب في سكّة من سكك المدينة إذ قال لي: يابن عباس! ما أظنّ صاحبك إلا مظلوماً(5)..!

____________

1. كشف الغمة: 1/344 ; الطرائف: 24 ; اليقين: 144 ; بحار الأنوار: 22/432 و 28/374.

2. مروج الذهب: 2 / 343 ; الطبري: 4 / 233 ; الكامل لابن الاثير: 3 / 71 وقريب منها في أمالي المفيد: 169 ; أمالي الطوسي: 1 / 194 ; شرح نهج البلاغة: 1 / 194 و 9 / 56 ; بحار الأنوار: 22 / 439.

3. شرح نهج البلاغة: 9 / 58 وراجع 1 / 194 و 12 / 265.

4. كامل الزيارات: 41، 45 ; الكافي: 4 ; 569 ; فرحة الغري: 111 ; بحار الأنوار: 100 / 265. وكذا في الزيارات الواردة في الفقيه 2 / 586 ; التهذيب: 6 / 28 ; مصباح المتهجّد، ص 745 ; البلد الأمين: 294 ; عنهم بحار الأنوار: 100 / 294، 320، 337.

5. كشف اليقين: 175، عنه بحار الأنوار: 40 / 125 ; نحوه في شرح نهج البلاغة: 6 / 45 و 12 / 46.


الصفحة 405
وفي رواية اُخرى: قال عمر: يابن عباس! أما والله إن كان صاحبك هذا أولى الناس بالامر بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنا خفناه على اثنتين. فقلت: يا أمير المؤمنين! ما هما؟

قال: خشيناه على حداثة سنه، وحبّه بني عبد المطلب..!!!(1).

وفي رواية اليعقوبي: والله يابن عبّاس! إنّ عليّاً ابن عمّك لأحقّ الناس بها، ولكن قريشاً لاتحتمله!!(2).

الثاني: حزن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) وبكاؤهم و تغيّرهم عند ذكر أُمّهم الصدّيقة (عليها السلام)ممّا يظهر منه عظم ما جرى عليها، فقد روى علي بن أبي حمزةٌ عن أبي ابراهيم (عليه السلام) قال: قلت: جعلت فداك! إن أذنت لي حدّثتك بحديث عن أبي بصير عن جدّك، أنه كان إذا وعك استعان بالماء البارد، فيكون له ثوبان ثوب في الماء البارد وثوب على جسده، يراوح بينهما ثم ينادي ـ حتى يسمع صوته على باب الدار ـ: " يا فاطمة بنت محمّد " فقال: " صدقت "(3).

قال المحدّث القمي (رحمه الله): إنّي أحتمل قويّاً انه أثّر الحمى في جسده اللطيف كذلك أثر كتمان حزنه على أُمّه المظلومة في قلبه الشريف، فكما أنه يطفي حرارة جسده بالماء، يطفي لوعة وجده بذكر اسم فاطمة سيّدة النساء. وذلك مثل ما يظهر من الحزين المغموم من تنفّس الصعداء، فإنّ تأثير مصيبتها ـ صلوات الله عليها ـ على قلوب أولادها الأئمّة الأطهار ألمّ من حزّ الشفار، وأحرّ من جمرة النار، فإنهم ـ صلوات الله عليهم ـ من باب التقيّة لما كانوا بانين على كتمانها غير قادرين على إظهارها، فإذا ذكرت فاطمة صلوات الله عليها يبدو منهم ـ سلام الله عليهم ـ مما كتموه ما يستدل به الأريب الفطن بما في قلوبهم من الحزن و المحن(4).

____________

1. شرح نهج البلاغة: 2 / 57 و 6 / 50.

2. تاريخ اليعقوبي: 2 / 158 ـ 159.

3. الكافي: 8 / 109 ; بحار الأنوار: 62 / 102 ; العوالم: 11 / 567.

4. بيت الاحزن: 100 ـ 101.


الصفحة 406
أقول: ويحتمل أنه (عليه السلام) لما تألّم من الحمى تذكّر ما جرى على اُمّه المظلومة (عليها السلام)وما قاسته من تلك المصائب، من حرارة النار.. أو لوعة المصاب مع حمى المرض أو... ولذلك استغاث باسمها الشريف.

قال بشار المكاري: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) بالكوفة ـ وقد قدم له طبق رطب طبرزد وهو يأكل ـ، فقال: " يا بشار! أدن فكل "، فقلت: هنّأك الله وجعلني فداك، قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي أوجع قلبي وبلغ منّي، فقال لي: " بحقّي لما دنوت فأكلت "، قال: فدنوت فأكلت، فقال لي " حديثك.. "؟ قلت: رأيت جلوازاً يضرب رأس امرأة، ويسوقها إلى الحبس وهي تنادي بأعلى صوتها: المستغاث بالله ورسوله.. ولايغيثها أحد. قال: " ولم فعل بها ذلك "؟ قال: سمعت الناس يقولون: إنها عثرت، فقالت:

لـعــن الله ظـالـمـيـك يــا فـاطـمــة

.. فارتكب منها ما ارتكب.

قال: فقطع الأكل.. ولم يزل يبكي حتّى ابتلّ منديله ولحيته وصدره بالدموع، ثم قال: " يا بشار! قم بنا إلى مسجد السهلة فندعو الله عزّ وجلّ ونسأله خلاص هذه المرأة.. "(1).

وفي خبر السكوني: فقال لي ـ أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) ـ: " ما سمّيتها؟ قلت: فاطمة. قال: " آه.. آه.. أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها(2) ".

وروى الصدوق: انه أتى رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له: يرحمك الله! هل تشيع الجنازة بنار ويمشى معها بمجمرة وقنديل.. أو غير ذلك مما يضاء به؟

____________

1. المزار الكبير 137 ـ 139 (82 ـ 86 الخطية)، عنه بحار الأنوار: 100 / 440 ; المزار لبعض القدماء والمقتل لبعض المتأخّرين، عنهما بحار الأنوار 47 / 379 ; العوالم: 11 / 569.

2. الكافي: 6 / 48 ; التهذيب: 8 / 113.


الصفحة 407
قال: فتغيّر لون أبي عبد الله (عليه السلام) من ذلك، فاستوى جالساً. ثم ذكر ـ في حديث طويل جدّاً ـ استيذان الشيخين لعيادة السيدة فاطمة (عليها السلام) وامتناعها من الأذن، واستيذان أمير المؤمنين (عليه السلام) لهما، وقولها (عليها السلام) لهما: " أنشدكما بالله هل سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: فاطمة بضعة منّي، وأنا منها، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي "؟

قالا: نعم. فقالت: " الحمد لله "، ثم قالت: " اللّهم إني أشهدك ـ فاشهدوا يا من حضر ـ إنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي، والله لا أكلّمكما من رأسي كلمة حتى القى ربّي فأشكو كما إليه بما صنعتما بي وارتكبتما منّي...

ثم أشار (عليه السلام) إلى إيصائها بعدم حضور الأعداء جنازتها ثم قال (عليه السلام):

" فلما قضت نحبها ـ صلى الله عليها ـ، وهم في ذلك في جوف الليل، أخذ علي (عليه السلام) في جهازها من ساعته كما أوصته، فلما فرغ من جهازها، أخرج علي (عليه السلام)الجنازة، وأشعل النار في جريد النخل، ومشى مع الجنازة بالنار، حتى صلّى عليها ودفنها ليلا..(1).

وقد مرّ ما رواه عيسى بن المستفاد عن أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ".. ألا فاسمعوا ومن حضر، ألا إنّ فاطمة بابها بابي، وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله " قال عيسى:

فبكى أبو الحسن (عليه السلام) طويلا وقطع بقية كلامه وقال: " هتك والله حجاب الله..! هتك والله حجاب الله..! هتك والله حجاب الله..! يا أُمّه "! ـ صلوات الله عليها(2) ـ.

____________

1. علل الشرايع: 185 ـ 189، عنه بحار الأنوار: 43 / 201 ـ 206.

2. الطرف: 19، عنه بحار الأنوار: 22 / 477.


الصفحة 408
وعن محمد بن هارون بن موسى، عن ابيه، عن محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد، عن احمد بن ابي عبد الله البرقي، عن زكريا من آدم، قال: إني لعند الرضا (عليه السلام)، إذ جيء بأبي جعفر (عليه السلام) وسنّة أقل من أربع سنين، فضرب بيده إلى الأرض ورفع رأسه إلى السماء، فأطال الفكر، فقال له الرضا (عليه السلام): " بنفسي أنت فلم طال فكرك "؟

فقال: " فيما صنع بأُمّي فاطمة (عليها السلام)، أما والله لأُخرجنّهما، ثمّ لاُحر قنّهما، ثم لاذرينّهما، ثم لانسفنّهما في اليمّ نسفاً..، فاستدناه وقبّل بين عينيه، ثم قال: " بأبي أنت وأمّي، أنت لها ". يعني: الإمامة(1).

وحكي عن العلامة السيد باقر الهندي أنه رأى في المنام صاحب الأمر ـ عجّل الله فرجه ـ ليلة الغدير حزيناً كئيباً فقال: يا سيّدي! ما لي أراك في هذا اليوم حزيناً والناس على فرح وسرور بعيد الغدير؟!

فقال (عليه السلام): ذكرت أُمّي وحزنها ثم قال:

لاتراني اتّخذت لا وعلاها بعد بيت الاحزان بيت سرور
ولمّا انتبه السيّد نظم قصيدة في أحوال الغدير وما جرى على الزهراء (عليها السلام)بعد أبيها وضمّنها هذا البيت، والقصيدة مشهورة مطلعها:

كل غدر وقول إفك وزور هو فرع من جحد نص الغدير(2)
وفي توقيع مولانا صاحب الزمان (عليه السلام): ".. ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والإشفاق عليكم لكنّا عن مخاطبتكم في شغل مما قد امتحنا من منازعة الظالم العتل الضال المتابع في غيه المضاد لربه، المدعي ما ليس له، الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب، وفي ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

____________

1. دلائل الإمامة: 212 (الطبعة الحديثة: 400)، عنه بحار الأنوار: 50 / 58 ; نوادر المعجزات: 183.

2. وفاة الزهراء (عليها السلام) للمقرّم: 103.


الصفحة 409
لي أسوة حسنة وسيردي(1) الجاهل رداءة عمله، وسيعلم الكافر لِمَنْ عُقْبَى الدّار "(2).

أقول: وقد مرّ عليك بكاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وكلامه حين تغسيل فاطمة (عليها السلام)وبعد دفنها، وتغيّرحاله حينما سمع إغرام عمر بن الخطّاب جميع عمّاله ماخلا قنفذ العدوي لإعانته في ضرب الزهراء (عليها السلام)، وتغيّر السبط الأكبر مولانا أبي محمّد المجتبى (عليه السلام) على المغيرة بن شعبة.

شكوى فاطمة الزهراء (عليها السلام)

قالت فاطمة بنت الحسين (عليه السلام): لما اشتدّت علّة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، اجتمع عندها نساء المهاجرين و الانصار فقلن لها: يا بنت رسول الله! كيف أصبحت عن علّتك؟

فقالت (عليها السلام): " أصبحت والله عائفة لدنياكم(3)، قالية لرجالكم(4)، لفظتهم قبل أن عجمتهم، وشنئتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحد، وخور القناة، وخطل الرأي، و ( بِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخَطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُوْنَ )(5) لاجرم لقد قلدتهم ربقتها وشننت عليهم غارها، فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين ".

" ويحهم! أنّى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوّة، ومهبط الوحي الامين، والطبين(6) بأمر الدنيا والدين ( أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ

____________

1. خ. ل: سيتردى.

2. الغيبة للطوسي: 285، الاحتجاج: 2/467، بحار الأنوار: 53/178.

3. خ. ل: لدنياكن.

4. خ. ل: لرجالكن.

5. المائدة (5): 80.

6. قيل: هو الفطن الحاذق العالم بكلّ شيء.


الصفحة 410
الْمُبِيْنُ )(1) ".

" وما نقموا من أبي الحسن..! نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وطئه، ونكال وقعته، وتنمّره في ذات الله عزّ وجلّ، والله لو تكافّوا عن زمام نبذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه لاعتلقه ولسار بهم سيراً سجحاً، لايكلم خشاشه ولايتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا نميراً فضفاضاً، تطفح ضفّتاه، ولأصدرهم بطاناً، قد تحيّر بهم الريّ غير متحلّ منه بطائل إلا بغمر الماء وردعه شرر(2) الساغب ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض.. وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ".

" ألا هلمّ فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث.. إلى أيّ سناد استندوا..؟! " وبأي عروة تمسّكوا..؟! استبدلوا الذنابي والله بالقوادم، و العجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم ( يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُوْنَ صُنْعاً )(3) ( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُوْنَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُوْنَ )(4) ( اَفَمَنْ يَهْدِي إلَى الْحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أمَّن لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدَى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُوْنَ )(5).

أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريث ما تنتج.. ثم احتلبوا اطلاع القعب دماً عبيطاً، و ذعافاً ممقراً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبّ ما سنّ الأوّلون، ثم طيبوا عن انفسكم أنفساً، وطامنوا للفتنة جأشاً وأبشروا بسيف صارم، وهرج شامل واستبداد من الظالمين.. يدع فيئكم زهيداً وزرعكم حصيداً، فياحسرتى لكم وأنى بكم وقد عميت قلوبكم عليكم ( أَنُلْزِمُكُمُوْها وَأَنْتُمْ لَها

____________

1. الزمر (39): 15.

2. خ. ل: سورة.

3. الكهف (18): 104.

4. البقرة (2): 12.

5. يونس (10): 35.


الصفحة 411
كارِهُوْنَ )(1).

وفي رواية: قال سويد بن غفلة: فأعادت النساء قولها (عليها السلام) على رجالهنّ فجاء إليها قوم من وجوه المهاجرين والانصار معتذرين، وقالوا: يا سيّدة النساء! لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن نبرم العهد ونحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره.

فقالت (عليها السلام): " إليكم عنّي، فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم ".

ودخل إليها في مرضها نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وغيرهنّ من قريش فقلن: كيف أنت؟

قالت: " أجدني ـ والله ـ كارهة لدنياكم، مسرورة لفراقكم، ألقى الله ورسوله بحسرات منكنّ فما حفظ لي الحقّ ولا رعيت منّي الذمّة، ولا قبلت الوصيّة ولا عرفت الحرمة..(2).

وعنها (عليها السلام): " أما والله لو تركوا الحقّ على أهله، واتبعوا عترة نبيّه، لما اختلف في الله اثنان، ولورثها سلف عن سلف، وخلف بعد خلف، حتّى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين.. ولكن قدّموا من أخّره الله، و أخّروا من قدّمه الله، حتّى إذا الحدوا المبعوث، وأودعوه الجدث المجدوث، اختاروا بشهوتهم وعملوا بآرائهم، تبّاً لهم! أو لم يسمعوا الله يقول: ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ

____________

1. منال الطالب: 528 ـ 529 ; جواهر المطالب: 1 / 164 ـ 168 ; معاني الأخبار: 354 ـ 355، عنه بحار الأنوار: 43 / 158 ; أمالي الطوسي: 1 / 384، عنه بحار الأنوار: 43 / 161 ; الاحتجاج: 108 ـ 109، عنه بحار الأنوار: 43 / 158 ; دلائل الإمامة: 39 ; الصراط المستقيم: 1 / 171 (قطعة منها) ; كشف الغمّة: 1 / 492 ; بلاغات النساء: 32 ـ 33 ; شرح نهج البلاغة: 16 / 233 ; الدر النظيم: 481 ـ 483 ; العوالم: 11 / 458 ـ 467، مع ذكر موارد اختلاف الروايات وبيان اللغات المشكلة.

2. اليعقوبي: 2 / 115.


الصفحة 412
لَهُمُ الْخِيَرَةُ )(1) بل سمعوا ولكنّهم كما قال الله سبحانه: ( فَإِنَّها لا تَعْمَى الأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوْبُ الَّتِي فِي الصُّدُوْرِ )(2) هيهات! بسطوا في الدنيا آمالهم ونسوا آجالهم فتعساً لهم وأضلّ أعمالهم، أعوذ بك يا ربّ من الحور بعد الكور(3) ".

وروي: أنّها (عليه السلام) لمّا ضاق قلبها بما كانت تقاسيه من محن الأيّام ونكبات الزمان، قيل لها: أما تشكين إلى عمّك العبّاس؟

فرفعت رأسها إلى السماء وقالت: " يا من لا يخفى عليه أنباء المتظلّمين، ولا يحتاج في قصصهم إلى شهادات الشاهدين، أشكو إليك ما لا يخفى عليك "(4).

وقالت (عليها السلام) في الخطبة الفدكية(5) ـ بعد كلام طويل جدّاً ـ:

".. حتى إذا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه، ظهرت حسيكة النفاق، وشمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلّين(6) وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه صارخاً بكم، فدعاكم

____________

1. القصص (28): 68.

2. الحج (22): 46.

3. كفاية الاثر: 199، عنه بحار الأنوار: 36 / 353.

4. وقائع الأيّام للخياباني (شهر الصيام): 335.

5. أقول: أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) فدكاً لمّا نزلت عليه: (وآت ذا القربى حقّه)(الإسراء (22): 26) بأمر الله تعالى، وكانت بيدها وفيها عمّالها ولكن أبا بكر بعد أن أخذ الخلافة واستولي عليها أخرج عمّالها من فدك، وراجعته فاطمة (عليها السلام) في ذلك وجاءت بأمير المؤمنين (عليه السلام) وأمّ أيمن فشهدالها، فكتب أبو بكر بردّ فدك إليها، فلقيها عمر في الطريق فأخذ الكتاب وبصق فيه وخرقه. راجع شرح نهج البلاغة 16/274 ; السيرة الحلبية: 3 / 362 ; الكافي 1/543 ; المقنعة: 288 ; التهذيب: 4/148 ; بحار الأنوار: 48 / 156، والقضيّة مفصّلة جدّاً راجع بحار الأنوار: 29 / 105 ـ 417.

6. خ. ل: الآفكين ;.. الآفلين.. ; وفي بعضها: خامل ـ بحذف المضاف.


الصفحة 413
فألفاكم لدعوته مستجيبين، ولقربه متلاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير شربكم.. هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل، إنما زعمتم ذلك خوف الفتنة ( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيْطَةٌ بِالْكافِرِيْنَ )(1) ".

" فهيهات! وأنّى بكم وأنّى تؤفكون!؟ وكتاب الله بين أظهركم، زواجره بَيَّنة، و شواهده لائحة، وأوامره واضحة. أَرَغْبَةً عنه تريدون.. أم لغيره تحكمون، ( بِئْسَ لِلظّالِمِيْنَ بَدَلا )(2) ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيْناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِيْنَ )(3) ".

" ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها، تسرون حسوا في ارتغاء، ونحن نصبر منكم على مثل حز المدى، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ( أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمِ يُوْقِنُوْنَ )(4) ".

" يابن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي؟!! لقد جئت شيئاً فرياً فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمّد، والموعد القيامة، وعند الساعة ( يَخْسرُ الْمُبْطِلُوْنَ )(5) ".

ثم انكفأت إلى قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت:

" قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهد ها لم تكثر الخطب
إنّا فقد ناك فقد الارض وابلها واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
فليت بعدك كان الموت صادفنا لما قضيت وحالت دونك الكتب "
وفي رواية (بعد البيت الاول):

" أبدت رجال لنا نجوى صدورهم لما قضيت وحالت دونك الكتب

____________

1. التوبة (9): 49.

2. الكهف (18): 50.

3. آل عمران (3): 85.

4. المائدة (5): 50.

5. الجاثية (45): 27.


الصفحة 414
تجهمتنا رجال واستخف بنا إذا غبت عنا فنحن اليوم نُغتصب "
ولم ير الناس أكثر باك ولا باكية منهم يومئذ، ثم عدلت إلى مسجد الأنصار(1)فقالت:

" يا معشر البقية، وأعضاد الملّة، وحضنة الإسلام! ما هذه الفترة عن نصرتي، والونية عن معونتي، و الغميزة في حقّي، والسّنة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: " المرء يُحفظ في ولده؟ " سرعان ما أحدثتم، و عجلان ما أتيتم! ".

" الئن مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمتّم دينه..؟! ها إن موته لعمري خطب جليل، استوسع وهنه، واستبهم فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض له، وخشعت الجبال، وأكدت الآمال، أُضيع بعده الحريم، وهتكت الحرمة، وأُذيلت المصونة، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته، وأنباكم بها قبل وفاته، فقال: ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِيْنَ )(2) ".

" أيهاً بني قيلة! اُهتضم تراث أبي وأنتم بمرأى ومسمع، تبلغكم الدعوة، ويشملكم الصوت، وفيكم العدة والعدد، ولكم الدار والجنن، وأنتم نخبة الله التي انتخب، وخيرته الّتي اختار، باديتم العرب، وبادهتم الأمور، وكافحتم البهم، حتى دارت بكم رحى الإسلام، ودرّحلبه، وخبت نيران الحرب، وسكنت فورة الشرك، وهدأت دعوة الهرج، واستوثق نظام الدين، أفتاخرتم بعد الإقدام، ونكصتم بعد الشدّة، وجبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم، وطعنوا في دينكم ( فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُوْنَ )(3)

____________

1 ـ تختلف هذه الفقرة باختلاف النسخ وفي بعضها إلى مجلس الأنصار كما عن بلاغات النساء، وفي بعضها: ثم رَمت بطرفها إلى الانصار كما في الاحتجاج.

2. آل عمران (3): 144.

3. التوبة (9): 12.


الصفحة 415
.

" ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض وركنتم إلى الدعة، فجحدتم الذي وعيتم، وسغتم الذي سوغتم ( وَإِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيْعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيْدٌ )(1).

" ألا وقد قلت لكم ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم، وخور القناة، وضعف اليقين، فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر، ناقبة الخف، باقية العار، موسومة الشعار، موصولة بـ ( نارُ اللهِ الْمُوْقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدةِ )(2) فبعين الله ما تعملون.. " ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِيْنَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُوْنَ ).. "(3)(4).

والخطبة طويلة جداً رواها الخاصة والعامة بطرق كثيرة واختلافات يسيرة عن السيدة زينب (عليها السلام).. أو عن أبي جعفر الباقر عن آبائه (عليهم السلام).. أو عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام).. أو عن عبد الله بن الحسن عن جماعة من أهله.. او عن ابن عباس.. أو عن غيرهم.

وقال ابن أبي طيفور: قال لي أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلّمونه أبناءهم... ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم....

أقول: ونحن نذكر بعض المؤلفين الذين رووا تلك الخطبة الغرّاء كلا أو بعضاً.

منهم: أحمد بن طاهر أبي طيفور(5) (المتوفى 280)

ومنهم: أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري (المتوفى 323) في السقيفة

____________

1. إبراهيم (عليه السلام) (14): 8.

2. الهمزة (104): 6 ـ 7.

3. الشعراء (26): 227.

4. شرح نهج البلاغة: 16 / 251 ـ 249 و 211 ـ 213.

5. بلاغات النساء: 23، عنه بحار الأنوار: 29 / 235 ـ 245.


الصفحة 416
وفدك، عنه ابن أبي الحديد المعتزلي(1) (المتوفى 656) والشيخ الإربلي(2) (المتوفّى 693).

ومنهم: القاضي النعمان المغربي(3) (المتوفى 363)

ومنهم: الشيخ الصدوق(4) (المتوفى 381)

ومنهم: أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني (المتوفى 410) في كتاب المناقب بإسناده عن عائشة، عنه الشيخ أسعد [بن عبد القاهر] بن سقروه(5) في كتاب الفائق عن الاربعين، عنه السيد ابن الطاووس(6)(المتوفى 664)

ومنهم: الوزير الكاتب ابو سعد منصور بن الحسين الآبي(7) (المتوفى 421)

ومنهم: احمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون(8) (المتوفى 423)

ومنهم: الشريف المرتضى(9) (المتوفى 436)

ومنهم: الشيخ الطوسي(10) (المتوفى 460)

ومنهم: الطبري الامامي(11) (القرن الخامس)

____________

1. شرح نهج البلاغة: 16 / 211 ـ 213.

2 ـ كشف الغمة: ص 1 / 480.

3. شرح الاخبار: 3 / 34.

4. الفقيه: 3 / 372 ; علل الشرائع: 248 بأسانيد عديدة.

5. خ. ل: شفروه.

6. الطرائف: 263.

7. نثر الدر: 4 / 8 ـ 13.

8. كتاب تفسير خطبة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، راجع الذريعة: 4 / 348.

9. الشافي: 4 / 77 ـ 69 بسندين، عنه شرح نهج البلاغة: 16 / 249 ـ 250.

10. تلخيص الشافي: 3 / 140 ـ 145.

11. دلائل الامامة: 30 ـ 39 (109، الطبعة الحديثة) من تسعة طرق.