الصفحة 468

وأمّا عدم صدور الإعجاز عنه (عليه السلام) ـ مع أنه أفضل الأوصياء (عليهم السلام) وسيّدهم، وعنده علم الكتاب كلّه، الذي به يقدر على جميع المعجزات ـ فلأنّ الأوصياء كالأنبياء (عليهم السلام) لم يكونوا مأمورين بالإعجاز في جميع أُمورهم، بل فيما أُذن الله لهم، وهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

الخامسة: التشكيك في إسقاط المحسن (عليه السلام)!!

لا ريب لأحد أنّ في أولاد فاطمة الزهراء (عليها السلام) من يسمّى بالمحسن (عليه السلام)(1)، ولا يعبأ بمن ينكر ذلك جهلاً أو عناداً(2)، بل كان ذلك في التوراة،

____________

1. وصرّح بعضهم: بأنّه بتشديد السين.

2. من ذكر المحسن (عليه السلام) من أولاد أمير المؤمنين وفاطمة (عليهما السلام) جماعة، منهم:

ابن اسحق (المتوفى 151) في السيرة: 247.

ابن قتيبة الدينوري (المتوفى 276) في المعارف: 91.

البلاذري (المتوفى 279) في أنساب الاشراف: 2 / 189. (2 / 411 طبع دار الفكر).

اليعقوبي (المتوفى 292) في التاريخ: 2 / 213.

الطبري (المتوفى 310) في التاريخ: 5 / 153.

الدولابي (المتوفى 310) في الذرية الطاهرة: 92، 99.

المسعودي (المتوفى 346) في مروج الذهب: 3 / 63.

ابن حبان البستي (المتوفى 354) في الثقات: 2 / 144، 304 ; وفي السيرة النبوية وأخبار الخلفاء: 409، 553.

المقدسي (المتوفى 355) في البدء والتاريخ: 5 / 73 ـ 75.

القاضي القضاعي في الإنباء بأنباء الأنبياء (عليهم السلام): 137.

ابن حزم الاندلسي (المتوفى 456) في جمهرة أنساب العرب: 16، 37.

البيهقي (المتوفى 458) في دلائل النبوة: 3 / 162.

ابن فندق (المتوفى 565) في لباب الانساب: 1 / 336 ـ 337.

الخطيب الخوارزمى (المتوفى 568) في مقتل الحسين (عليه السلام): 1 / 83.

أبو الفرج، ابن الجوزي (المتوفى 597) في صفوة الصفوة: 2 / 9 وتلفيح فهوم أهل الأثر: 32.

الحافظ المقدسي الجماعيلي (المتوفى 600) في سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه: 29، 67.

الأشعري القرطبي (القرن السادس) في التعريف في الأنساب: 42.

ابن الأثير (المتوفى 606) في جامع الاصول: 12 / 9 ـ 10.

ابن الأثير (المتوفى 630) في أُسد الغابة: 2 / 11 ; الكامل في التاريخ: 3 / 397.

محمد بن طلحة الشافعي (المتوفى 652) في مطالب السؤول: 9.

حسام الدين محلي (المتوفى 652) في الحدائق الوردية: 1 / 52.

سبط ابن الجوزي (المتوفى 654) في تذكرة الخواص: 322.

النووي (المتوفى 676) في تهذيب الاسماء: 1 / 349.

أحمد بن عبد الله الطبري (المتوفى 694) في ذخائر العقبى: 55، 116 ; الرياض النضرة: 707.

ابن الكازروني (المتوفى 697) في مختصر التاريخ: 54.

التلمساني (القرن السابع) في الجوهرة: 19.

النخجواني (المتوفى 714) في تجارب السلف: 36.

البناكتي (المتوفى 730) في روضة الأحباب (تاريخ البناكتي): 98.

أبو الفداء (المتوفى 732) في المختصر في أخبار البشر (تاريخ أبي الفداء): 1 / 181.

ابن سيد الناس (المتوفى 734) في عيون الأثر: 2 / 365.

النويري (المتوفى 737) في نهاية الارب: 18 / 213 و 20 / 221 ـ 223.

الحافظ جمال الدين المزي (المتوفى 742) في تهذيب الكمال: 1 / 191.

الذهبي (المتوفى 748) في سير أعلام النبلاء: 2 / 88 ـ 119 ; تهذيب سير أعلام النبلاء: 1 / 54 ; المشتبه: 1 / 576.

ابن الوردي (المتوفى 749) في تتمة المختصر: 1 / 249.

أبو الفداء ابن كثير الدمشقي (المتوفى 774) في البداية والنهاية: 3 / 418 و 5 / 314 و 6 / 365، 6 / 332 ; السيرة النبوية: 4 / 582، 611.

ابن منظور (المتوفى 711) في لسان العرب: 4 / 393 ـ شبر ـ.

الصفدي (المتوفى 764) في الوافي بالوفيات: 1 / 82.

أبو بكر الدواداري (القرن الثامن) في كنز الدرر: 3 / 131، 406.

محمد بن شحنة (المتوفى 817) في روضة المناظر، بهامش الكامل: 11 / 132.

الفيروزآبادي (المتوفى 817) في القاموس المحيط: 2 / 55.

القلقشندي (المتوفى 821) في مآثر الانافة: 1 / 100.

أبو زرعة العراقي (المتوفى 826) في طرح التثريب: 1 / 150.

غياث الدين البلخي (خواند مير)، (المتوفى 832) في حبيب السير: 1 / 436.

ابن المرتضى (المتوفى 840) في البحر الزخار: 1 / 208.

ابن ناصر الدين الدمشقي (المتوفى 842) في توضيح المشتبه: 8 / 82.

العسقلاني (المتوفى 852) في الأصابة: 3 / 471 ; تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: 4 / 1264.

الباعوني الشافعي (المتوفى 871) في جواهر المطالب: 2 / 121.

السخاوي (المتوفى 902) في التحفة اللطيفة: 1 / 40 و 3 / 448.

القسطلاني (المتوفى 923) في المواهب اللدنية: 1 / 258 وشرحه للزرقاني: 3 / 207.

شمس الدين محمّد بن طولون (المتوفى 953) في الائمة الاثنا عشر: 58.

الديار بكرى (المتوفى 982) في تاريخ الخميس: 2 / 284.

الاشخر اليمني (القرن العاشر) في شرح بهجة المحافل: 2 / 138.

العلامة المناوي (المتوفى 1031) في اتحاف السائل: 33.

العصامي المكي (المتوفى 1111) في سمط النجوم العوالي: 1 / 437 و 2 / 512.

البدخشاني الحارثي (المتوفى بعد 1126) في نزل الأبرار: 134.

الزبيدي (المتوفى 1205) في تاج العروس: 18 / 147 (آخر مادة حسن).

ابن خير الله العمري (المتوفى حدود 1232) فى مهذّب الروضة الفيحاء: 149.

القنذروزي (المتوفى 1294) في ينابيع الموّدة: 201.

الشبلنجي (المتوفى 1308) في نور الابصار: 53، 114.

الببلاوي في تاريخ الهجرة النبوية: 58.

عمر أبو النصر في فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): 99 ـ 100.

الأديبة زينب بنت يوسف فواز العاملي في الدر المنثور: 361.

العقاد في موسوعة العقاد: 2 / 819.

الدكتور بيّومي في السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام): 127.

توفيق أبو علم في أهل البيت (عليهم السلام): 152.

أبو الحسن الندوي في المرتضى: 87 ـ 168.


الصفحة 469

الصفحة 470

الصفحة 471
كما روى ابن شهر آشوب المازندراني عن أبي بكر الشيرازي فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين (عليه السلام)عن مقاتل عن عطاء في قوله تعالى: ( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوْسَى الْكِتابَ )(1) : كان في التوراة: " يا موسى! إني اخترتك واخترت لك وزيراً هو أخوك ـ يعني هارون ـ لأبيك وأمك، كما اخترت لمحمّد إليا، هو أخوه ووزيره ووصيّه والخليفة من بعده، طوبى لكما من أخوين، وطوبى لهما من أخوين. إليا أبو السبطين الحسن والحسين ومحسن الثالث من ولده، كما جعلت لأخيك هارون شبراً وشبيراً ومشبّراً "(2).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " إذا كان يوم القيامة... ينادي مناد من بطنان العرش من قبل ربّ العزة والأُفق الأعلى: نعم الأب أبوك و... نعم الجنين جنينك وهو محسن.. "(3).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ".. فإن أسقاطكم إذا لقوكم في القيامة ولم تسمّوهم يقول السقط لأبيه: ألا سمّيتني؟ وقد سمّى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محسناً قبل أن يولد "(4).

____________

1. البقرة (2): 87.

2. المناقب: 3 / 56، عنه بحار الأنوار: 38 / 145.

3. تفسير القمي: 1 / 128، عنه بحار الأنوار: 12 / 6 و 23 / 130. والمخاطب هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

4. الكافي: 6 / 18، عنه بحار الأنوار: 43 / 195 ; علل الشرائع: 464 ; الخصال: 634.


الصفحة 472
وقال ابن أبي الثلج البغدادي (المتوفى 325): ولد لأمير المؤمنين (عليه السلام) من فاطمة (عليها السلام): الحسن والحسين ومحسن سقط وأُمّ كلثوم وزينب...(1).

وقال الشيخ حسين بن حمدان الخصيبي (المتوفى 334): والذي ولدت فاطمة (عليها السلام) من أمير المؤمنين (عليه السلام) الحسن والحسين ومحسناً سقطاً...(2).

وقال الطبرسي (رحمه الله) (المتوفى 548):

الفصل الخامس في ذكر عدد أولاده (عليه السلام): كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) ثمانية وعشرون ولداً ـ ويقال ثلاث وثلاثون ولداً ذكراً وأُنثى ـ: الحسن والحسين (عليهما السلام)والمحسن الذي أُسقط وزينب الكبرى، وزينب الصغرى المكنّاة بـ: أُمّ كلثوم رضي الله عنهما، أُمّهم فاطمة البتول سيّدة نساء العالمين (عليها السلام)(3).

وقال في موضع آخر: كان لفاطمة (عليها السلام) خمسة أولاد... وولد ذكر أسقطته فاطمة (عليها السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سمّاه ـ وهو حمل ـ: محسناً(4).

وقريب إلى كلامه الأخير ما ذكره ـ أي الطبرسي ـ في إعلام الورى(5)، والشيخ المفيد(6) (المتوفّى 413)، وابن البطريق(7) (المتوفّى 600)، والشيخ الأربلي(8) (المتوفّى 629)، والعلامة الحلّي(9)..

____________

1. تاريخ الائمة (عليهم السلام): 16 (في مجموعة نفيسة)، تاريخ أهل البيت (عليهم السلام) ص 93 (ط آل البيت) ويحتمل أن يكون من كلام الإمام الصادق (عليه السلام).

2. الهداية الكبرى: 180.

3. تاج المواليد: 18 (في ضمن مجموعة نفيسة: 94).

4. المصدر: 23 ـ 24.

5. إعلام الورى بأعلام الهدى: 203.

6. الارشاد: 1 / 355.

7. العمدة: 30.

8. كشف الغمة: 1 / 441.

9. المستجاد: 140.


الصفحة 473
وصرّح غير واحد من أهل السنّة بكونه سقطاً.

قال محمّد بن طلحة الشافعي (المتوفّى 652): اختلفت في عدد أولاده (عليه السلام)ذكوراً وإناثاً، فمنهم من أكثر فعدّ منهم السقط... ذكروا منهم محسناً شقيقاً للحسن والحسين (عليهما السلام) كان سقطاً(1).

وقال الحافظ جمال الدين المزّي (المتوفّى 742): محسن (عليه السلام) درج سقطاً(2).

وقال الحسني الفاسي المكّي (المتوفّى 832): والذين لم يعقّبوا محسِّن (عليه السلام)، درج سقطاً(3)..

وقال إبراهيم الطرابلسي الحنفي (المتوفى 841) في الشجرة التي صنعها للناصر واستنسخت لخزانة صلاح الدين الأيوبي:.. محسن بن فاطمة (عليها السلام)أُسقط. وقيل درج صغيراً. والصحيح إن فاطمة أسقطت جنيناً(4).

وقال ابن الصباغ المالكي (المتوفى 855): وذكروا أنّ فيهم محسناً شقيقاً للحسن والحسين (عليهما السلام)، ذكرته الشيعة وانه كان سقطاً(5).

وقريب من هذه العبارة ما نقل عن الحافظ أبي عبد الله محمّد بن يوسف البلخي الشافعي(6).

وقال الصفوري الشافعي (المتوفى 894): أولاد فاطمة خمسة: الحسن

____________

1. مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الفصل الحادي عشر في اولاده (عليه السلام): 62، عنه كشف الغمة: 1 / 441.

2. تهذيب الكمال: 20 / 479.

3. العقد الثمين في أخبار البلد الأمين: 6 / 203.

4. مأساة الزهراء (عليها السلام): 2 / 131، عن أولاد الامام علي (عليه السلام): 46.

5. الفصول المهمّة: 126.

6. راجع المناقب الثلاثة للفارس الكرّار أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ونجليه (عليهم السلام):

120 (ط مصر).


الصفحة 474
والحسين والمحسن كان سقطاً(1).

وقال في كتابه الآخر: من كتاب الاستيعاب لأبي [كذا] عبد البرّ قال: وأسقطت فاطمة (عليها السلام)، سقط(2) سمّاه علي: محسناً (عليهما السلام) (3).

وقال الإمام جمال الدين يوسف المقدسي (المتوفى 909): محسن قيل: سَقْط، وقيل بل درج صغيراً، والصحيح أنّ فاطمة (عليها السلام) أسقطته جنيناً(4).

وقال محمّد الصبّان (المتوفى 1206): ولدت فاطمة (عليها السلام)... والمحسن... وأما المحسن فأدرج سقطاً(5).

وقال الشيخ حسن العدوي الحمزاوي (ق 13): وأما المحسن فأدرج سقطاً(6).

وقال مؤلف نسمات الأسحار عند ذكر أولادهما (عليهما السلام):.. ومحسناً أسقطته سقطاً(7).

ونحن ذكرنا ما في كتبهم من كون سبب الإسقاط هو ما وقع حين الهجوم على بيتها كما رواه ابن قتيبة(8) (المتوفى 276)، والملَطي الشافعي(9)(المتوفى 377)، ومقاتل بن عطيّة(10) (المتوفى 505)، والشهرستاني(11)

____________

1. نزهة المجالس: 2 / 194 (ط دار الجيل ص 579).

2. كذا والظاهر: سقطاً.

3. المحاسن المجتمعة في الخلفاء الأربعة: 164، ولم نجده في الإستيعاب المطبوع.

4. الشجرة النبوية في نسب خير البريّة: 60 (ط دمشق).

5. إسعاف الراغبين (مطبوع بهامش نور الابصار): 93.

6. مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار: 133.

7. نسمات الأسحار: 109.

8. المعارف، عنه المناقب لابن شهر آشوب المازندراني: 3 / 358 ; مثالب النواصب: 419.

9. التنبيه والردّ: 25 ـ 26.

10. مؤتمر علماء بغداد: 63 ; الخلافة والإمامة: 160 ـ 161.

11. الملل والنحل: 1 / 57.


الصفحة 475
(المتوفى 548)، والجويني(1) (المتوفى 722)، والحافظ الذهبي(2)(المتوفى 748)، والصفدي(3) (المتوفى 764)، وابن حجر العسقلانى (المتوفى 852)(4)، والعقّاد(5).. وغيرهم.

ونسبه بعضهم إلى الشيعة مثل: المقدسي(6) (المتوفى 355)، والعمري النسّابة(7) (المتوفى 490)، وابن أبي الحديد(8) (المتوفى 656)، بل ظاهر كلامهم اتّفاق الشيعة عليه، ولو تنزّلنا عن ذلك فدلالتها على الشهرة العظيمة لا تنكر.

نعم شتم ابن تيمية(9) (المتوفى 728)، وابن حجر(10) (المتوفى 974) القائلين بذلك ونسباهم إلى الجهل..!؟ وذاك ذريعة العاجز، ومنطق الحقود..!

وروايات الشيعة في ذلك متواترة، وعليه إجماعهم. قال العلامة المجلسي: قد استفاض في رواياتنا ـ بل في رواياتهم ـ أنّه [أي عمر] روّع فاطمة (عليها السلام) حتّى ألقت ما في بطنها(11)..

____________

1. فرائد السمطين: 2 / 35.

2. ميزان الاعتدال: 1 / 139 ; سير أعلام النبلاء: 15 / 578.

3. الوافي بالوفيات: 6 / 17.

4. لسان الميزان: 1 / 268.

5. فاطمة الزهراء (عليها السلام) والفاطميون: 68.

6. البدء والتاريخ: 5 / 20.

7. المجدي في أنساب الطالبيين: 19.

8. شرح نهج البلاغة: 2 / 60.

9. منهاج السنّة: 4 / 220.

10. الصواعق المحرقة: 51.

11. بحار الأنوار: 28 / 409 ; حق اليقين: 189.


الصفحة 476

السادسة: الاشكال في مدلول الروايات

قد يقال: ظاهر طائفة من الآثار المنقولة عن ابناء العامة، هو الاكتفاء بالتهديد، أو الإتيان بالنار، أو جمع الحطب.. ونحوها، ولم يصرّحوا بتحقق الإحراق وغيره.

والجواب عنه ; أولاً: يكفي تحقق أحد هذه الأُمور ـ أعني التهديد بالإحراق أو الإتيان بالنار أو الحطب ـ في الطعن على فاعله، كيف لا يبالون بتحقير بيت يُعدّ من بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه(1)، ولماذا لا يهتمّون بتهديد من يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، ومن آذاها فقد آذى الله..!؟

ثانياً: هل يترقب أن تحكى لنا القضية بتمامها من الذين أُشرب في قلوبهم حبّ الهيئة الحاكمة والظالمين للعترة الطاهرة (عليهم السلام)؟! مع ما هناك من تعتيم اعلامي وتحريف وخوف.. ورغبة.. كلاّ! وقديماً قالوا: حبّ الشيء يعمي ويصمّ.. نعم قد جرى على ألسنة بعضهم وسقط عن أقلام آخرين ما يكفي لطالب الحق ويقبله المنصف، ولكن مع ذلك لا يقدرون على إيراد القضية بتمامها، بل هناك دواعي شتى على إخفاء تلك الفضائح نشير إلى بعضها عند البحث عن تحريف السيرة.

وثالثاً: يمكن أن يقال: إنّ كل واحد من الرواة نقل ما رآه بعينه ـ لا سيما مع شدة الزحام ـ وما كان عليه المهاجمون من الفظاظة والغلظة، فإن ذلك يمنع عن مشاهدة القضية بتمامها، فحكاية شيء منها لا تنفي سائر ما ذكر فيها، ويشهد لذلك: ما ورد من الآثار التي ذكر فيها تحقق إحراق الباب بعد ذكر التهديد أو

____________

1. راجع الدرّ المنثور: 6 / 203.


الصفحة 477
إرادة الإحراق، والمراد: إنهم قصدوا إحراق البيت ومن فيه.. اي أمير المؤمنين والسيدة فاطمة الزهراء وأولادهم (عليهم السلام)، ولكنّهم لم يقدروا على ذلك أو لم يتحقق.. واقتصر على الباب مع قصد الجميع..

ورابعاً: الذي يظهر من مجموع القرائن والشواهد لكل متعلم ماهر وخبير بصير بالجنايات والحوادث اذا طرح عن نفسه العصبية ونظر بعين الانصاف في روايات العامة ـ التي تذكر: تهديدهم السيدة فاطمة (عليها السلام) بإحراق دارها، وروايات أُخرى عنهم تذكر الإتيان بالنار، وطائفة ثالثة تدل على جمعهم الحطب حول البيت، وطائفة رابعة على ضربها أو إسقاطها جنينها ـ ثم يرى تواتر النصوص بدفنها ليلاً، وإيصائها بذلك لئلا يصلّي عليها الشيخان، وأنّها لم تزل غضبى عليهما إلى أن ماتت.. بل بقي قبرها مخفياً إلى يومنا هذا بوصية منها ; يحصل له العلم القطعي بتحقق الإحراق وسائر الجنايات.

وربما يتوهّم التنافي بين هذه النصوص، ففى بعضها: كانت سبب وفاتها أن قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره.. وكذا ما رواه سليم ـ من إسناد شهادتها إلى قنفذ ـ.

وفي بعضها: فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة مما ضربها عمر ثم قبضت..

وكذا بين ما أسند الإسقاط إلى عمر، وبين ما أسنده إلى قنفذ أو خالد أو المغيرة.. إلى غير ذلك.

ولكن الحق عدم تعارضها لوجهين:

الأول: إنّ عمر لما كان هو السبب لفعل غيره والآمر به صح أن يسند إليه جميع المصائب وإن لم يفعلها بالمباشرة، وكذا الحال في اسنادها إلى أبي بكر.

الثاني: إذا اجتمع عدّة واشتركوا في قتل انسان يصحّ لولده أن يقول لواحد منهم: أنت الذي قتلت أبي.. أو إذا جرى ذكر بعضهم يقول: هو قاتل أبي.. وهذا

الصفحة 478
أمر شائع عند العرف.

وقد أُورد على الاستدلال بما رواه أهل السنّة بأمور:

منها: ان القوم ذكروا كثيراً من الروايات في فضائل خلفاءهم وغيرها ممّا لا يلتزم بها الشيعة، فكيف يصحّ الأخذ بطائفة من رواياتهم وطرح طائفة أُخرى؟

أقول: هذا الإيراد عجيب جدّاً، إذ نحن نحتجّ عليهم بما يُعدّ إقراراً واعترافاً منهم بما ندّعيه.. إذ لا يتصوّر أيّ باعث منهم على الوضع في ذلك. دون ما يروونه انتصاراً لدعاويهم الباطلة. وقد اتّفق جميع القعلاء على قبول إقرار من أقرّ على نفسه.

ومنها: إنّ جملة كبيرة من روايات العامّة تشتمل على ما لا يمكن الالتزام به عقلا أو له معارض نقلا، ومما يؤسف انه قد استدلّ ببعضها في المقام وفي أكثر من مورد..

أقول: التفكيك في الحجّية ـ بأن يقبل بعض الرواية ويطرح بعضها الآخر ـ ليس بغريب، وهذا نظير ان يقال عند الحاكم: لفلان عليّ كذا ولي عليه كذا.. فيحكم عليه ولا يحكم له. وهذا أمر مطّرد كما يظهر من مراجعة النصوص التي يستدلّ بها في الفقه وغيره. بل المتتبّع في التأريخ يجد روايات كثيرة توافق الواقع مع اختلاف مضامينها في بعض الخصوصيّات. من دون أن يكون مضرّاً باعتبارها والاعتماد عليها.

ثم ترى بعض المتكلمين من العامّة يغالطون ويكابرون، إذ انهم أطالوا الكلام حول تكذيب إحراق البيت..! والذي نحن بصدده ودلتنا عليه الآثار والأخبار هو: التهديد بإحراق الدار مع أهلها ثم إحراق الباب دون البيت. وأمّا إحراق الدار تماماً فلم نقل به.. وما يوهمه ظاهر بعض الكلمات، ليس مراداً قطعاً. ولهذا عبّر جمع منهم بإرادة إحراق الدار ولم يذكروا وقوعه، وليس مرادهم عدم وقوع الإحراق أصلاً، بل أرادوا: ان المهاجمين قصدوا إحراق الدار تماماً

الصفحة 479
على أهلها ولكنهم لم يقدروا على أزيد من إحراق الباب.

السابعة: تحريف السيرة

قد يتساءل: لماذا سكت كثير من علماء العامة عن إيراد قضية الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام) وإحراقه مفصلاً، أو لم يذكروه أصلاً؟! كما أنّ جملة من كتب الشيعة ذكرت القضية اجمالاً.

أقول: أولاً إن الذين ذكروا هذه القضايا في كتبهم من علماء السنة ليسوا بقليلين.. كما اسلفنا بعضها..!

وثانياً: المتتبع يجد أن ما يرتبط بالصحابة من القضايا التاريخية ـ سواء أكانت مما وقعت في زمن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعده ـ لم يصل الينا إلاّ القليل منها، إمّا لإخفائها، أو لذكرها مبهمة أو محرَّفة، فأصل وقوع تلك القضايا ـ بل وجود رواياتها في القرون الأولى ـ مما لا يقبل الإنكار.

قال ابن عَديّ (المتوفى 365) في ترجمة ابن خراش: وحمل الى بندار جزأين صنّفهما في مثالب الشيخين... فأما الحديث فأرجو أنّه لا يتعمد الكذب(1).

وقال في ترجمة عبد الرزاق بن همام ـ بعد مدحه ـ:.. إلاّ أنهم نسبوه الى التشيع، وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليها أحد من الثقات، فهذا أعظم ما رموه به... ولما رواه في مثالب غيرهم مما لم أذكره في كتابي هذا، وأما في باب الصدق فأرجو أن لا بأس به، إلاّ أنّه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل

____________

1. الكامل في ضعفاء الرجال: 5/519.


الصفحة 480
البيت (عليهم السلام)، ومثالب آخرين.. مناكير(1).

وقال الذهبي في ترجمة أبي الصلت الهروي ـ بعد ذكر جلالته ـ: إلاّ أنّ ثم أحاديث يرويها في المثالب(2).

وقال في ترجمة الرواجني، بعد نقل توثيقه ورواية أعاظمهم عنه...: إنه كان يشتم السلف، روى مناكير في الفضائل والمثالب... إلى أن قال [الذهبي]: ما أعتقده يتعمّد الكذب أبداً(3).

وقال ابن حجر في ترجمة جعفر بن سليمان: قال ابن حبان: كان جعفر من الثقات في الروايات، غير أنّه ينتحل الميل إلى أهل البيت (عليهم السلام)، قال الأزدي: كان فيه تحامل على بعض السلف، وكان لا يكذب(4).

ولو أردنا الاستقصاء في ذلك لخرجنا عن ما وضع له الكتاب، ولذا تراهم يناقشون في وثاقة غير واحد من الرواة بأنه: يشتم، أو يتناول من أبي بكر وعمر، أو يروي الطعن على السلف.. واشباه ذلك ففي صحيح مسلم عن علي بن شقيق قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسبّ السلف(5).

وقال برهان الدين الحلبي ـ في ترجمة أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقده، الحافظ أبو العباس ـ:.. ضعّفه غير واحد وقوّاه آخرون... قال ابن الجوزي: إنه كان رافضياً يحدّث بمثالب الصحابة(6).

وراجع ترجمة إسماعيل بن عبد الرّحمن السدي(7)، وتليد بن

____________

1. المصدر: 6/545، ولاحظ ما ذكره في ترجمة زياد بن المنذر.

2. سير أعلام النبلاء: 11/447 ـ 448.

3. المصدر: 11/537 ـ 538، وقريب منه عبارة ابن عدي في الكامل.

4. تهذيب التهذيب: 2/83.

5. صحيح مسلم: 1/12.

6. الكشف الحثيث: 70.

7. تهذيب التهذيب: 1/273 ـ 274.


الصفحة 481
سليمان(1)، والقادسي(2)، وعمرو بن شمر(3)، ومحمّد بن عبد الله الشيباني(4)، وزياد بن المنذر(5)، وسالم بن أبي حفصة(6)، وعلي بن بذيمة(7)، وعمرو بن حماد القنّاد(8).. وغيرهم.

وهذا كان من أهم دواعي ترك الرواية عن بعض المشايخ الثقات الأجلاّء عندهم.

ففي ترجمة الحسين بن الحسن الأشقر: قيل لأحمد بن حنبل: تحدّث عن حسين الأشقر؟! قال: لم يكن عندي ممن يكذب، وذكر عنه التشيع.

فقالوا له: إنّه يحدّث في أبي بكر وعمر، وانّه صنّف باباً في معايبهما. فقال: ليس هذا بأهل أن يحدث عنه(9)..!

بل قال أحمد بن حنبل: قال أبي: كان أبو عوانة(10) وضع كتاباً فيه معايب أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيه بلايا!! فجاء سلام بن أبي مطيع فقال: يا أبا عوانة! أعطني ذاك الكتاب، فأعطاه، فأخذه سلام فأحرقه!!(11).

بل بعد التأمل والدقة تجد شيوع ذكر مثالبهما في زمان خاصّ، ولعل منه كلام زائدة بن قدامة حيث يقول: متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر(12)..

____________

1. المصدر: 1/447.

2. سير أعلام النبلاء: 18/12.

3. لسان الميزان: 4/366.

4. المصدر: 5/231.

5. كتاب المجروحين لابن حبان البستي: 1/302.

6. تهذيب الكمال: 10/136.

7. مختصر تاريخ دمشق: 17/205.

8. تهذيب الكمال: 21/594.

9. راجع الضعفاء للعقيلي: 1/249 ; تهذيب التهذيب: 2/291.

10. هو وضاح بن خالد المتوفى 176.

11. العلل ومعرفة الرجال، أحمد بن حنبل: 1/108 (بيروت مؤسسة الكتاب الثقافية).

12. سير أعلام النبلاء: 7/377 ; تهذيب التهذيب: 3/264 ولعلّ من هذا القبيل ما نقله عنه ابن بطّة، فانه قال: قال زائدة: قلت لمنصور: يا با عتاب! اليوم الذي يصوم فيه أحدنا، ينتقص فيه الذين ينتقصون أبا بكر وعمر..؟ قال: نعم، لاحظ الشرح والإبانة على اُصول السُّنّة والديانة: 40.


الصفحة 482
ولذا كانوا يمنعون الناس من لعن يزيد ومعاوية لئلا تصل النوبة إلى أبي بكر وعمر.

قال وكيع: معاوية بمنزلة حلقة الباب، من حرّكه اتهمناه على من فوقه..(1)!

وقال التفتازاني: فإن قيل: فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحق على ما يربو على ذلك ويزيد!! قلنا: تحامياً أن يُرتقى إلى الأعلى فالأعلى(2).

فوجود الكتب والروايات في مطاعنهم مسلم، بل صرحوا بوثاقة المؤلف والراوي، كما رأيت في كلام ابن عدي والذهبي وابن حجر ; بل واحمد بن حنبل قبل أن يسمع رواية حسين الأشقر للمثالب يوثّقة، ثم يتركون الرواية عنه وله لذلك.. ومن هنا فقدنا ذلك التراث العظيم من الحقائق الناصعه المتواترة التي أُعدمت من أعداء الشريعه أو أُحرقت أو...

ولا بأس بذكر بعض أسباب التحريف:

1 ـ الحبّ الشديد للصحابة عموماً، مع تصريح القرآن الكريم بنفاق بعضهم، وورود روايات كثيرة من العامة في ذمّ آخرين.

2 ـ زعمهم بأن الأصل في الصحابة هو العدالة.

3 ـ ادعاء أن كل ما صدر عنهم مغفور لهم ـ كان ما كان ـ فلذا لا يصح لنا أن نذكر أفعالهم التي غفرها الله لهم؟! ولزم السكوت عمّا صدر منهم.

قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)

____________

1. مختصر تاريخ دمشق: 25/75.

2. شرح المقاصد: 5/311 (تحقيق الدكتور عبد الرّحمن عميرة).