تمهيـد:

العلاّمة الشيخ محمّـد جواد البلاغي النجفي (1282 ـ 1352 هـ): من مشاهير علماء الإمامية، مجاهد كبير، ومؤلّف مكثر خبير، خلّف العديد من المصنّفات والآثار العلمية، في العقائد والفقه والإلهيات والتفسير، وكذلك في ردّ الشبهات الإلحادية والانحرافية والبدعية ; إذ صنّف في الردّ على الطبيعيّين والمادّيّين، وعلى اليهود والنصارى، وعلى عدّة من فرق الضلال والزيغ(1)..

____________

1- للاطّلاع على قدر أكبر من سيرة وحياة العلاّمة البلاغي الجليل، يمكن مراجعة ترجمته في المصادر التالية:

أعيان الشيعة 4 / 255، ريحانة الأدب 1 / 278، شعراء الغري 3 / 436، الطليعة من شعراء الشيعة 1 / 195، الكنى والألقاب 1 / 94، ماضي النجف وحاضرها 2 / 61، معارف الرجال 1 / 196، نقباء البشر في القرن الرابع عشر (طبقات أعلام الشيعة) 1 / 325، وسيلة المعاد في مناقب شيخنا الأُستاد.


الصفحة 2
وكان (قدس سره) ـ مع عظيم مكانته في العلم وتفقّهه في الدين ـ أديباً كبيراً مُقدّماً، وشاعراً مُبدعاً، فَخِم العبارة، من فحول الشعراء، له نظم رائق سلس متين، تزخر أشعاره بالعواطف الوجدانية والمشاعر الإنسانية والتأمّلات الروحية.

وقد أكّد معاصروه ورفاقه وتلامذته شاعريّته:

قال السـيّد محسن الأمين (ت 1371 هـ): " له شعر كثير جـيّد، وهو في مواضيع مختلفة "(1).

وقال المؤرّخ الشيخ جعفر آل محبوبة (ت 1377 هـ): " وهو ـ مع تبحّره في العلوم الروحية ـ ذو سهم وافر من النظم، فهو شاعر محسن مجيد "(2).

وقال الأُستاذ توفيق الفكيكي (ت 1387 هـ): " كان ـ رضوان الله عليه ـ من فحول الشعراء وإن اشتهر بمؤلّفاته العلمية والفلسفية، غير أنّ الفضلاء من كبار الأُدباء والشعراء يقرّون له بمكانته الأدبية وشاعريّته المطبوعة، فهو شاعر محسن مجيد.

ولم يكن (رحمه الله) بالشاعر الفصال(3)، ولم يكن من الفقهاء المتزمّتين الّذين يتنكّرون للشعر ونظمه ويرونه مزرية بالعلماء، بل كان كثير الاحترام للشعراء المناضلين في سبيل الفضيلة الأخلاقية ونصرة المُثل الإسلامية المثلى، ووسيلة إذاعة فضائل أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) والإشادة بمحاسنهم.

بيد أنّه بالرغم من سلاسة شعره، وإشراق ديباجته، ورصانة تركيبه،

____________

1- أعيان الشيعة 4 / 256.

2- ماضي النجف وحاضرها 2 / 62.

3- الشاعر الفصال: الذي يتكسّب بشعره.


الصفحة 3
وفصاحة ألفاظه، ولطافة معانيه، وحلاوة أُسلوبه، فإنّه لا يزاحَم من حيث القوّة الشاعرية المبدعة التي امتازت بها الطبقة الأُولى من فحول شعراء عصره، كالسيّد إبراهيم الطباطبائي، والسـيّد موسى الطالقاني، والسـيّد المجاهد الكبير والشاعر الشهير السـيّد محمّـد سعيد الحبوبي، والشاعر الرقيق السـيّد جعفر الحلّي، وشاعر الرثاء والحماسة المخترع السـيّد حيدر الحلّي "(1).

وقال العلاّمة آقا بزرك الطهراني (ت 1389 هـ): " وكان ـ بالإضافة إلى عظيم مكانته في العلم وتفقّهه في الدين ـ أديباً كبيراً، وشاعراً مبدعاً، له نظم رائق سلس متين، أكثره في مدح أهل البيت (عليهم السلام) ورثائهم "(2).

وقال الأُستاذ علي الخاقاني: " كان شاعراً مجيداً..

وحكى عن الشيخ علي كاشف الغطاء (ت 1350 هـ) في الحصون المنيعة قوله في البلاغي: أديب شاعر، وله شعر حسن الانسجام(3)..

وحكى عن الشيخ جعفر النقدي (ت 1370 هـ) في الروض النضير قوله فيه: وله في الأدب اليد غير القصيرة، وشعره جيّد حسن(4) "(5).

وقال شيخنا آية الله العظمى السـيّد شهاب الدين المرعشي النجفي (ت 1411 هـ): " سمحت قريحته الوقّادة بعدّة منظومات فائقة وقصائد رائقة مذكورة في المجاميع "(6).

____________

1- مقدّمة الهدى إلى دين المصطفى 1 / 16 ـ 17.

2- نقباء البشر في القرن الرابع عشر (طبقات أعلام الشيعة) 1 / 325.

3- الحصون المنيعة 9 / 186.

4- الروض النضير: 304.

5- شعراء الغري 2 / 442.

6- وسيلة المعاد في مناقب شيخنا الأُستاد ; طبعة قديمة، وصفحاتها غير مرقمّة.


الصفحة 4
ويصف الشاعر صالح الجعفري (ت 1397 هـ) قصائد العلاّمة البلاغي بـ: " الأوابد "(1) بقوله:


هذِي أوابِدُكَ الغَرَّاءُ خالِدَةٌما طاقُ كِسْرى وما الحَمْراءُ ما الهَرَمُ(2)

وأثناء دراستنا لحياة العلاّمة البلاغي ومراجعتنا للكثير من المصادر المتوفّرة لدينا، حاولنا ـ قدر الإمكان ـ الوقوف على أكبر عدد ممكن من قصائده ومقطوعاته الشعرية، فلم نُوفّق إلاّ في العثور على أربع عشرة قصيدة من شعره، الذي نظمه في مناسبات مختلفة، ولعلّ السبب الرئيسي في ضياع شعره (رحمه الله) هو عدم عنايته بجمعه وإظهاره ; إذ كان متواضعاً إلى درجة كبيرة وصلت إلى حدّ نكران الذات.

والأبواب التي طرقها البلاغي في شعره متعدّدة، فأكثره كان في مدح أهل البيت (عليهم السلام) ورثائهم، وهو غرضٌ يسمو على أغلب الأغراض الشعرية المعروفة عند الشعراء، وقد سجّل البلاغي تقدّماً ملموساً في هذا المضمار.

وباقي شعره في تهنئة خليل، أو رثاء عالم جليل، أو في حالة الحنين إلى الأخلاّء يحتّمه عليه واجب الوفاء، أو في الدفاع عن رأي علمي، أو شرح عقيدة أو فكرة فلسفية بطريقة المعارضة الشعرية..

فله ثلاث قصائد في ذكر الإمام الحجّة المهدي ـ عجلّ الله تعالى فرجه الشريف ـ.

وقصيدتان في رثاء ومولد الإمام الحسين (عليه السلام).

____________

1- الأوابـد: القصائد الخالدة. الصحاح 2 / 439 مادّة " أبد ".

2- ديوان الجعفري: 291.


الصفحة 5
وقصيدة في ثامن شوّال، اليوم الذي هُدمت فيه قبور أئمّة الهدى الأطهار (عليهم السلام) في البقيع من قبل الوهّابيّـين.

وقصيدة فلسفية جارى بها عينيّة ابن سينا.

وقصيدة في رثاء السـيّد محمّـد سعيد الحبّوبي.

وقصيدة قرّظ فيها كتاب العتب الجميل للسـيّد محمّـد بن عقيل.

وله قصائد إخوانية عديدة، منها: رسالة أرسلها من سامراء إلى بعض إخوانه..

ومنها: رسالة في تهنئة بمولود..

ومنها: رسالة إلى السـيّد محسن الأمين أرسلها إليه وهو في الشام..

ومنها: رسالة جوابية لابن عمّه الشيخ توفيق في لبنان.

المحسّنات البديعيّة:

لا يمكن الحكم على شعر العلاّمة البلاغي كلّه من خلال هذه القصائد القليلة التي وقفنا عليها، فلعلّ في ما غاب عنّا ما هو أفضل وأشعر وأرقّ وأعذب ممّا وصل إلينا.

وقد حاولنا في هذه الصفحات أن نستجلي المحسّنات البديعية في هذه القصائد، مع العلم بأنّ العلاّمة (رحمه الله) لم يتكلّف الإتيان بها، وإنّما جاءت عفواً ووُضعت في المكان المناسب من شعره، وهي:

  الجناس:

وهو أن يتشابه اللفظان في النطق ويختلفان في المعنى، وهو نوعان:

التامّ: اتّفاق اللفظين في نوع الحروف، وشكلها، وعددها، وترتيبها.

والناقص: ما اختلف فيه اللفظان في أحد الأُمور الأربعة المذكورة.


الصفحة 6
وقد استعمل العلاّمة البلاغي (رحمه الله) الجناس الناقص في عدّة مواضع:

1 ـ ق 1 ب 23(1): بَقِيَتْ، يابَقِيّةَ.

2 ـ ق 3 ب 5: تَوَجُّع، تَفَجُّعِ.

3 ـ ق 7 ب 39: فاقوا، وِفاقا.

4 ـ ق 9 ب 13: أمِيلُ، أمِلّ.

5 ـ ق 9 ب 29: تُبَلْ، أبَلّ.

6 ـ ق 11 ب 6: رُزِينا، الرَزِينا.

7 ـ ق 13 ب 16: مُقَبَّلَهُ، يُقَبِّلُهُ.

  الاقتباس:

وهو أن يستعير الشاعر أو الناثر المثلَ أو الآية أو الحديث أو البيت أو الحكمة أو جزءاً منها، ويضمّنه في شعره أو نثره، وممّا وجدنا منه عند الشيخ البلاغي ما يلي:

1 ـ ق 2 ب 31: " لن يتفرّقا " ; من حديث الثقلين المعروف.

2 ـ ق 2 ب 32: " ما إن تمسّكتم " ; من الحديث السابق أيضاً.

3 ـ ق 2 ب 52: البيت كلّه من القصيدة المردود عليها.

4 ـ ق 2 ب 56: البيت كلّه من القصيدة المردود عليها.

5 ـ ق 2 ب 63: البيت كلّه من القصيدة المردود عليها.

6 ـ ق 2 ب 66: البيت كلّه من القصيدة المردود عليها.

7 ـ ق 2 ب 68: البيت كلّه من القصيدة المردود عليها.

8 ـ ق 2 ب 72 ـ 80: ضمّن أسماء كتب كثيرة ذكر فيها المهدي

____________

1- إشارة لرقم القصيدة والبيت، حسب ترقيمنا للقصائد والأبيات في هذا المقال.


الصفحة 7
ـ عجلّ الله تعالى فرجه الشريف ـ مثل: ينابيع المودّة، يواقيت، البيان، الكفاية، فصل الخطاب، روضة الأحباب، مطالب السؤول، الفصول، مناقب، شواهد النبوّة، تذكرة، فتوحات، مرقاة، هداية، المكاشفات، و مرآة، وقد بيّنّا أسماء هذه الكتب كاملة، مع ذكر مؤلّفيها.

9 ـ ق 2 ب 84: عجز البيت من القصيدة المردود عليها.

10 ـ ق 2 ب 93: نحو البيت من القصيدة المردود عليها.

11 ـ ق 2 ب 104: عجز البيت من القصيدة المردود عليها.

12 ـ ق 3 ب 1: " ارجعي " ; من آية كريمة.

13 ـ ق 3 ب 15: " كلّ يدّعي " ; من بيت شعري.

14 ـ ق 3 ب 21: " يسألونك " ; من آية كريمة.

  المبالغة:

وهي أن تبلغ بالمعنى إلى أقصى غاياته، ووجدنا منها عند العلاّمة البلاغي في ق 6 ب 7:


وما سِوى المَحْسودِ مِنْ مِسْواكِهاحَتّى الخَيالُ بالمُنى مَا ذاقَها

يُريد أنّ حبيبته لم يذق طعم قُبلتها أحد، عدا المسواك، حتّى في الخـيال وفي الأمانـي، وهـذا غاية في المبالغـة ; إذ الخيال يصل إلى أبعد ممّا ذكره.

  التقطيع:

وهو تقسيم بيت الشعر إلى عدّة أجزاء متساوية، وممّا وجدنا منه عند العلاّمة البلاغي ما يلي:

1 ـ ق 1 ب 6: " فانجلتْ كُربتي " " وأزهر رَوْضي " " ونَمَتْ نَبْعَتي " " وأوْرَقَ عُودي ".

2 ـ ق 2 ب 88: " بهِ تُدفعُ الجُلّى " " ويُستنزل الحَيا " " وتُستنبَتُ الغَبرا " " ويُستكشَفَ الضرُّ ".


الصفحة 8
3 ـ ق 3 ب 8: " فتَنعَّمِي " " وتَزوَّدِي " " وتَهذَّبي " " وتَلذَّذِي " " وتَكَمَّلي " " وتَورَّعِي ".

4 ـ ق 8 ب 4: " عِدْلُ الكِتابِ " " مَدى المدى " " سُفُنُ النَجاةِ " " هُدى السَبيلِ ".

5 ـ ق 8 ب 13: " عَلَمُ الهُدى " " غَيْثُ النَدى " " غَوْثُ العُفَاةِ " " حِمى النَزيلِ ".

6 ـ ق 13 ب 23: " لَهُ حَنِيني " " ومِنْهُ لَوْعَتي " " وإلى مَغناهُ شَوْقِي " " وأعْلاقُ الهَوى فِيهِ ".

7 ـ ق 14 ب 3: تكرّر البيت السابق فيه.

  المقابلة:

وهي أن يأتي البليغ بمعنيين أو أكثر، ثمّ يأتي بما يقابلهما على الترتيب، وممّا وجدنا منه عند العلاّمة البلاغي ما يلي:

1 ـ ق 1 ب 13:


المُنادى لِكُلِّ خَطْب عَظيموالمُرجّى لِكُلّ هَوىً شَديدِ

2 ـ ق 1 ب 19:


حَيِّهِ بالصلاةِ مِنْ مَوْلودوابْكِهِ نازِحاً نُزوحَ الشَريدِ

3 ـ ق 1 ب 26:


ونُرجّيكَ لانْتِهاض قَريبنَتَرجّاهُ منذُ عَهْد بَعيدِ

4 ـ ق 9 ب 4:


تَنَكَّرَ لي وَجْهٌ غادِي الصَباحِوأوْحَشْنَني رائِحاتُ الأُصُلْ

5 ـ ق 9 ب 25:


فَما عَرَفَتْ مِثْلَ شَدِّ الرِحالِوما أنْكَرَتْ مِثْلَ شَدِّ العُقُلْ


*  *  *


الصفحة 9

المتبقّي من شعـره

(1)


قال في ذكرى مولد الإمام الحجّة المهدي المنتظر ـ عجّل الله تعالى فرجهُ الشريف ـ في منتصف شعبان(1):


حَيِّ شَعْبانَ فَهْوَ شَهْرُ سُعوديوَعْدُ وَصْليَ فيهِ ولَيْلَةُ عِيدِي(2)
مِنْهُ حَيّا الصَبُّ(3) المَشوق شَذا المِيــلادِ فيهِ وبَهْجَـةَ المَوْلودِ
مُهْجَةِ(4) المُرْتَضى وقُرَّةِ عَيْنِ المُــصْطَفى بَلْ ذَخيرَةِ التَوْحِـيدِ
رحمةِ اللهِ غوثِهِ في الورى شمــسِ هداهُ وظِلِّهِ المَمْدودِ
[5] وهَوى خاطِري وشائِقِ نَفْسِيومُناها وعُدَّتي وعَديدي
فَانْجَلَتْ كُرْبَتي وأزْهَرَ رَوْضيونَمَتْ نَبْعَتي وأوْرَقَ عُودي
طُلْتِ فَخْراً يا لَيْلَةَ النِصْفِ مِنْ شَعْــبانَ بِيضَ الأيّامِ بالتَسْويدِ

____________

1- طُبعت هذه القصيدة كاملةً سنة 1343 هـ في المطبعة المرتضويّة في النجف الأشرف، ملحقةً بـ: العقود المفصّلة للعلاّمة البلاغي، وأوردها كاملة أيضاً الأُستاذ علي الخاقاني في شعراء الغري 2 / 442، في حين ذكر الشيخ جعفر محبوبة مطلعها فقط في ماضي النجف وحاضرها 2 / 64.

2- يُعدُّ هذا البيت من كرامات العلاّمة البلاغي، إذ أجراه الله سبحانه وتعالى على لسانه، فكانت وفاته في يوم الاثنين 22 شعبان سنة 1352 هـ.

3- الصَبابة: رِقَّةُ الشوق وحرارته، يقال: رجلٌ صَبُّ: عاشق مشتاق. الصحاح 1 / 161 مادّة " صـبب ".

4- وردت في بعض المصادر: بهجـة.


الصفحة 10

بإمامِ الهُدى سَعُدْتِ وما كُــلُّ زمان في ذاتِهِ بِسَعيدِ
لا يَغرنّكِ البياضُ فلَوْلاهُ لغُودِرْتِ كالليالي السودِ
[10] فهْوَ نورُ اللهِ الّذي أشْرَقَ الكَوْنُ بأنْوارِهِ وسرُّ الوجودِ
وهْوَ اللُطْفُ بالعِبـادِ إمامُ الــحـقِّ فيهمُ وحُجّةُ المَعْبودِ
خازِنُ العِلْمِ آيةُ اللهِ والداعِي إليهِ عِدْلُ الكتابِ المجيدِ
المُنادى لِكُلِّ خَطْب عَظيموالمُرَجّى لِكُلِّ هَوْل شَديدِ
ثائرُ الدِينِ مُدْرِكُ الثأْرِ شافي الــغَيظِ غَوْثُ الوليِّ غيظُ الحَسودِ
[15] قائِمُ الحَقِّ ناصِرُ الدِينِ والإيــمانِ أمْنُ اللاّجي نكالُ الجَحودِ
شاهِرُ السَيفِ ناشِرُ العَدْلِ ماحيُ الــجَورِ حامِيُ الجِوارِ مأْوى الطَريدِ
خاتَمُ الأوصياءِ جامعُ شَمْلِ الــدِينِ بَعْدَ التَفْريقِ والتَبْديدِ
مَطْلَبُ السالِكيِنَ مَقْصودُ أهلِ الــعُرْفِ قَصْدُ الهوى مُرادُ المُريدِ
حَيِّهِ بالصلاةِ مِنْ مَوْلودوابْكِهِ نازِحاً نُزوحَ الشَريدِ
[20] وادْعُهُ دَعْوَةَ اللَهيفِ يُناديهِ ألَسْتَ المُجيبَ مَهْما نُودِي؟!

هذِهِ عُصْبَةُ الوَلاءِ تَمُدُّ الــطَرْفَ شَوْقاً لِيَوْمِكَ المَوْعُودِ
كَمْ لَها حَنّة إليكَ حَنينَ الــنِيبِ(1) إذْ مَضَّ(2) خِمْسُها(3) للوِرُودِ
بَقِيَتْ يا بَقيّةَ اللهِ في الأرْضِ دَرايا(4) لكُلِّ رام سَديدِ

____________

1- النِيبُ، جمع ناب: وهي المُسِنّةُ من النُوق. الصحاح 1 / 230 مادّة " نيب ".

2- مَضَّ: ألَّمَ وأوْجَعَ. الصحاح 3 / 1106، المصباح المنبير 2 / 575 ; مادّة " مضـض ".

3- الخِمْسُ، من أظماء الإبل: أن ترعى ثلاثةَ أيام وتَرِدَ اليوم الرابع. الصحاح 3 / 924 مادّة " خـمس ".

4- الدَرايا، جمع الدَريئَة: وهي الحَلْقَةُ التي يتعلَّم الرامي الطعْنَ والرمْيَ عليها. الصحاح 1 / 49، لسان العرب 1 / 74 مادّة " درأ ".


الصفحة 11

لَمْ تميّز ممّا جَنَتْهُ اللياليلوعةَ البَيْنِ في سُرورِ العِيدِ
[25] أتَرانا في كُلِّ يَوْم جَديدنَتَحرّاكَ باشْتِياق جَديد
ونُرَجّيكَ لانْتِهاض قَريِبنَتَرّجاهُ منْذُ عَهْد بَعِيدِ
كَمْ نُعاني الشَوْقَ المُبرِّحِ تَفْــدِيكَ المُحْبّونَ والفِراقَ المُودِي(1)
فمتَى يَنْقَعُ الغَلِيلُ(2) بلُقْياكَ وتُطفى لواعِجُ المَعْمُودِ(3)
فتَحنَّنْ عَلى حَنينِ نَشيِدييا سَميعاً يَدْري بلَحْنِ قَصِيدي

[من الخفيف]

(2)


من عيون شعر العلاّمة البلاغي الّذي سارت به الركبان، قصيدتهُ التي نظمها في الردّ على قصيدة أحد علماء بغداد، المنكرين لوجود الإمام الحجّة المنتظر وغيبته ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ التي بعثها إلى علماء النجف الأشرف سنة 1317 هـ، ومطلعها:


أيا عُلَماءَ العَصْرِ يا مَنْ لَهُمْ خُبْرُ(4)بِكُلِّ دَقِيق حارَ فيِ مِثْلِهِ الفِكْرُ

فأجابه العلاّمة البلاغي بقصيدة طويلة رائعة(5)، ذكرَ فيها عدّة من

____________

1- المُودِي: المُهْلك. الصحاح 1 / 80 مادّة " ودأ ".

2- الغَليلُ: حرارة العطش. الصحاح 5 / 1784 مادّة مادّة غلل ".

3- رجلٌ مَعْمودٌ: أي هدَّه العشـق. الصحاح 2 / 512 مادّة " عـمد ".

4- الخُبْرُ: العلمُ بالشيء. الصحاح 2 / 641 مادّة " خـبر ".

5- طُبعت كاملةً سنة 1343 هـ في المطبعة المرتضويّة في النجف الأشرف ملحقةً بـ: العقود المفصّلة للعلاّمة البلاغي، وأوردها كاملةً أيضاً مع إضافة بيتين لها من القصيدة البغدادية ـ أشرنا إليهما في مكانهما من القصيدة ـ الأُستاذ الخاقاني في شعراء الغري 2 / 443.

وذكر بعض أبياتها كلّ من: الشيخ محمّـد حرز الدين (ت 1365 هـ) في معارف الرجال 1 / 197 ـ 198، والشيخ جعفر محبوبة في ماضي النجف وحاضرها 2 / 65، والأُستاذ الفكيكي في مقدّمته لكتاب الهدى إلى دين المصطفى 1 / 17.

والعلاّمة البلاغي نفسه ذكر من هذه القصيدة بيتين ـ رقم 39 و 40 ـ في رسالته نسمات الهدى ونفحات المهدي، التي طُبعت بتحقيق السـيّد محمّـد علي الحكيم في هذه المجلّة " تراثنا " العدد 65 / لسنة 1422 هـ.

وقد قام بردّ القصيدة البغدادية ـ إضافةً للعلاّمة البلاغي ـ طائفة من العلماء والشعراء ; إذ كتبوا عدّة مصنّفات ونظموا عدّة قصائد في ردّها..

فممّن ألّف: الشيخ محمّـد باقر الهمداني البهاري، والميرزا حسين النوري (ت 1320 هـ)، الّذي سمّى ردّه بـ: كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار.

وممّن نظم: السـيّد علي محمود الأمين (ت 1328 هـ)، والشيخ عبـد الهادي ابن الحاج جواد البغدادي، المعروف بـ: الهمداني (ت 1333 هـ)، والسـيّد رضا ابن السـيّد محمّـد الهندي (ت 1362 هـ)، والسـيّد محسن الأمين العاملي، والشيخ محمّـد حسين كاشف الغطاء (ت 1373 هـ)، والشيخ رشيد الزيني العاملي.

انظر: الذريعة 10 / 218 ـ 219 و ج 18 / 11 رقم 429.


الصفحة 12
كتب المناقب والسيرة، التي تعرّضت لذكْرِ الحجّة المنتظر ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ فقال:


أطَعْتُ الهَوى فِيهمُ وعاصانِيَ(1) الصَبْرُفَها أنا ما لِيَ فيهِ نَهْيٌ ولا أمْرُ
أنِسْتُ بِهِم سَهْلَ القِفارِ(2) ووَعْرَهافَما راعَني مِنْهُنَّ سَهْلٌ ولا وَعْرُ
أخا سَفر وَلْهان(3) أغْتَنِمُ السُّرى(4)مِنَ اللّيلِ تَغْلِيساً(5) إذا عَرَّسَ(6) السَفْرُ

____________

1- في بعض المصادر: " فعاصاني ".

2- القِفارُ، جمع القَفْرُ: مفازة لا ماء فيها ولا نبات. الصحاح 2 / 797 مادّة " قفر ".

3- في بعض المصادر: " سيّان ".

4- السُّـرى: المشي ليلاً. الصحاح 6 / 2376 مادّة " سـرا ".

5- التَغْلِيسُ: السير من الليل بِغَلَس: وهو ظُلمة آخر الليل. الصحاح 3 / 956 مادّة " غلس ".

6- التَعريسُ: نزول القوم في السفر من آخر الليل، يَقعُون فيه وقعة للاستراحة، ثمّ يرحلون. الصحاح 3 / 948 مادّة " عرس ".


الصفحة 13

بِذامِلة(1) ما أنْكَرَتْ ألَمَ الوَجى(2)وما صَدَّها عَنْ قصدها مَهْمَهٌ(3) قَفْرُ
[5] يَضِيقُ بِها صَدْرُ الفَضا فَكأنّهابِصَدرِ مُذِيع عَيَّ عن كَتْمهِ السِرُّ
تَحِنَّ إذا ذَكّرتُها بِديارِهاحَنينَ مشوُق هاجَ لَوْعَتَهُ الذِكْرُ
وشِملالة(4) أعْدَيتُها بِصَبابَتيإذا هاجَها شوقُ الدِيارِ فلا نكْرُ
أروحُ وقَلْبي للّواعِجِ والجَوىمُباحٌ وأجْفاني عَلَيْها الكَرى حِجْرُ(5)
وأحْمِلُ أوْزارَ الغَرامِ وأنّهُغَرامٌ بِهِ يَنْحَطُّ عَن كاهِلي الوِزْرُ

____________

1- الذَميلُ: ضربٌ من سير الإبل. الصحاح 4 / 1702 مادّة " ذمل ".

2- في بعض المصادر: " الجوى ". والوجى عند الفَرس: هو أن يجد وجعاً في حافره. الصحاح 6 / 2519 مادّة " وجى ".

3- المَهْمَهُ: المفازةُ البعيدة الأطراف. الصحاح 6 / 2250 مادّة " مهه ".

4- الشِمْلالة: الناقة الخفيفة. الصحاح 5 / 1740 مادّة " شمل ".

5- حِجْرُ: حرام. الصحاح 2 / 623 مادّة " حجر ".


الصفحة 14

[10] وكَمْ لَذَّ لي خَلْعُ العِذارِ وإنْ يَكُنْلحُبّي آل المُصْطفى فهْوَ لي عُذْرُ
عَلِقْتُ بِهِم طِفْلاً فكانَتْ تَمائِمي(1)مَوَدّتُهم لا ما يُقَلَّدَهُ النَحْرُ
ومازَجَ دَريّ(2) حُبُّهم يَوْمَ ساغَ ليولَوْلا مزاجُ الحُبّ ما ساغَ لي دَرُّ
نَعِمْتُ بِحُبِّهم ولكن بَليّتيبِبَيْنِهِمُ والبَيْنُ مَطْعَمُهُ مُـرُّ
ونائِينَ تُدْنِيهِمُ إلَيَّ صَبابَتي فعَنْناظِري(3) غابوا وفي خاطِري(4) قَرّوا
[15] فَمِن نازِح قَدْ غَيَّبَ الرَمْسُ(5) شَخْصَهُومِنْ غائِب قَدْ حالَ من دونِهِ السِتْرُ
أطالَ زَمانُ البَيْنِ والصَبْرُ خانَنيوما يَصْنَعُ الوَلْهانُ إنْ خانَهُ الصَبْرُ
إلى مَ وكَمْ تَنْكى بقَلْبي جِراحُهُمن البَيْنِ لا يَأْتي عَلى قَعْرِها سَيْرُ

____________

1- التَميمَةُ: عوذةٌ تُعلّق على الإنسان. ويقال: هي خرزة. الصحاح 5 / 1878 مادّة " تمم ".

2- الدَرُّ: اللَبَنُ. الصحاح 2 / 655 مادّة " درر ".

3- في شعراء الغري: " أعْيُني ".

4- في شعراء الغري: " كبدي ".

5- الرَمْسُ: تراب القبر. الصحاح 3 / 936 مادّة " رمس ".


الصفحة 15

فكَمْ سائِل عَنْهُ يُسيلُ مَدامِعِيبتِذْكارِهِ وَكْفاً كما يَكِفُ القَطْرُ(1)
فيِا سائِلاً سَمْعاً لآيَةِ مُعْجِزبآياتِهِ لا ما يُزَخْرِفُهُ الشِعْرُ
[20] إذا رُضْتَ صَعْبَ الفِكْرِ تُهْدى فَقَدْ كَبا(لَعاً لَكَ)(2) في دَحْضِ العثار بِكَ الكُفْرُ
فَما الحَجْرُ في التَقليدِ إلاّ حِجارَةٌولَيْسَ بغَيْرِ الجِدّ يَصْفو لَكَ الحِجْرُ(3)
لِتُدرِكَ فيهِ الحُسْنَ والقُبْحَ مِثْلَ مايُحَسُّ بحسِّ الذائِقِ الحُلوُ والمُرُّ
فإنْ قُلْتَ بالعَدلِ الّذي قال ذو النُهىبهِ ولَهُ يَهْدي بمُحْكَمِهِ الذِكْرُ
ودِنْتَ بتَنْزيهِ الإلهِ وأنّهُغَنيٌّ فلا يلجيهِ في فِعْلِهِ فَقْرُ
[25] وأقْرَرْتَ للهِ اللطـيـفِ بـأنّـهحَكيمٌ لَهُ في كُلِّ أفْعالِـهِ سِرُّ(4)

____________

1- وَكَفَ الدمعُ والماء والمطر: سالَ. لسان العرب 9 / 362 مادّة " وكف ".

2- يقال للعاثر: لَعاً لَـكَ ; وهو دعاء له بأن ينتعش. الصحاح 6 / 2483 مادّة " لعا ".

3- الحِجْر: العقل. الصحاح 2 / 623 مادّة " حجـر ".

4- في شعراء الغري ورد هذا البيت مؤخَّراً عن الّذي يليه.